1- يتضاعف د ن أ قبل أن تنقسم الخلية. ثم ينشطر السلم طوليًا، فاصلاً قواعد كل درجة.
|
|
يحدد ترتيب القواعد في د ن أ الخاص بالجينات ترتيب القواعد في ر ن أ الرسول، المقابل. ويحدد ر ن أ الرسول بدوره ترتيب الأحماض الأمينية في بروتين معين وتركيبها. وهكذا تكمن تعليمات صنع بروتين معين في التركيب الكيميائي لجين معين.
توجد أربع قواعد مختلفة في د ن أ أو ر ن أ، ولكن الخلية تستخدم عشرين حمضًا أمينيًا لصنع البروتينات. فكيف يحدد ترتيب وتركيب أربع قواعد نوع الحمض الأميني الذي ينتج؟ تكمن الإجابة في الشفرة الثلاثية. وبتعبير آخر تشكل مجموعة من ثلاث قواعد، مرتبة ترتيبًا معينًا، الرامزة الخاصة بحمض أميني معين. وتعطى كل رامزة اسمًا مكونًا من ثلاثة حروف تمثل الحروف الأولى لأسماء القواعد المكونة لها.
كيف يتضاعف ر ن أ الرسول | ||||||||||||
|
ويمكن تكوين 64 رامزة ثلاثية التسمية من الحروف الأربعة الممثلة لأسماء قواعد د ن أ. ولكن عشرين حمضًا أمينيًا فقط هي التي تنتج وليس 64. ويعود هذا لوجود أكثر من رامزة واحدة لمعظم الحموض الأمينية. وهناك ثلاث رامزات لاترمز إلى أي حمض أميني، وهي (ي أ أ)، و(ي أ ج) و (ي ج أ)، ولكنها علامات على تحرر عديدات الببتيدات من الربيوسومات، مؤدية بذلك إلى وقف أي عديد ببتيد يتحرر.
والشفرة الوراثية موحدة تقريبًا في كل الكائنات الحية، حيث يتحدد أي حمض أميني برامزة واحدة في كل الكائنات الحية التي تمت دراستها، من البكتيريا إلى الإنسان. وهكذا، ينتج التنوع الهائل في الحياة عن وحدة مشتركة هي الخلية، التي توجه نشاطاتها بلغة مشتركة هي الشفرة الوراثية المكتوبة في د ن أ.
تؤدي الخلية وظائفها بدقة. فهي تنمو وتتكاثر بانتظام، وتؤدي مهامها بكفاءة مذهلة. ولكن الأمور قد لاتمضي على هذا النحو دائمًا. فبدلاً من أن تتكاثر بانتظام، قد تختل الخلية وتتضاعف دون توقف، وتكون ورمًا. وقد يستغل فيروس معين آليات الخلية لأغراضه الخاصة، ومن ثم تقتل الخلية. وقد تنطوي الشفرة الوراثية على خطأ، ولذا لايتكون البروتين المطلوب، أو قد يتكون بروتين شاذ.
وتحدث الكثير من الأمراض الأيضية بسبب أن الشفرة الوراثية لاتستطيع استدعاء إنزيم مطلوب. فالجلاكتوزمية، على سبيل المثال -وهو مرض يصيب الأطفال- ينتج عن نقص إنزيم يحول الجالاكتوز، وهو سكر لبني، إلى جلوكوز. والبيلة الفنيلية الكيتونية -وهو مرض آخر يصيب الأطفال- ينتج عن نقص إنزيم يحول الحمض الأميني الذي يسمى الفينيل ألانين إلى حمض أميني آخر يسمى التيروسين. وكلا هذين المرضين يسببان تخلفًا عقليًا ونموًا جسديًا بطيئًا.
وتحدث بعض الأمراض الأيضية عندما يحدث خطأ في تفسير تعليمات صنع البروتين في الشفرة الوراثية. ومن هذه الأمراض مرض الخلية المنجلية، وهو مرض قاتل للإنسان في الغالب. فخلايا الدم الحمراء ذات شكل قرصي، ولكن بعض الخلايا الحمراء تصبح ملتوية إلى شكل خطافي أو منجلي لدى المصابين بمرض الخلية المنجلية، ثم تموت هذه الخلايا المشوهة مسببة فقر دم حاد. وتحتوي خلايا الدم الحمراء على بروتين يسمى الهيموجلوبين وظيفته حمل الأكسجين إلى أنسجة الجسم. ويتكون الهيموجلوبين من عدة مئات من الأحماض الأمينية، ويحدث المرض المنجلي المميت عندما تستدعي الشفرة الوراثية، في جزء واحد فقط من هذه السلسلة الطويلة، الحمض الأميني فالين بدلاً عن حمض الجلوتاميك.
شكَّل غموض الخلية تحديًا لزمن طويل. فمنذ 2000 عام حاول الناس معرفة كيفية نمو الكائن البشري من خلية بيضية واحدة، حيث اعتقد بعضهم أن هذه الخلية تحتوي على كائن بشري صغير كامل التكوين، بينما اعتقد البعض الآخر أن أعضاء الجسم، مثل القلب والرجلين والذراعين، تكونت بالتتابع. ولكن غموض الخلية لم يكتشف إلا مع استخدام المجهر.
تركيب قطعة من الفلين لاحظه روبرت هوك في عام 1665م فبفحص القطعة بمجهر صنعه بنفسه لاحظ هوك أنها تتكون من ثقوب واضحة، محاطة بجدران، وسمى هذه الثقوب الخلايا. |
رسوم ثيودور شوان للخلايا، ساهمت في إثبات أن كل الكائنات الحية تتكون من خلايا. وقد طور كل من شوان وماتياس شليدن هذه الفكرة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي. |
وفي عام 1838م، أوضح عالم النبات الألماني ماتياس شلايدن أن الخلية هي الوحدة الأساسية للحياة. وفي العام التالي، طور الفيزيولوجي الألماني ثيودور شوان نفس الفكرة. وكان عدد من العلماء الآخرين قد توصلوا إلى قناعة بأن كل الكائنات الحية مكونة من خلايا. ومنذ ذلك التاريخ اعتبر علماء الأحياء أن الخلية هي الكتلة البنائية للحياة.
وفي منتصف القرن التاسع عشر اكتشف الراهب النمساوي جريجور مندل قوانين الوراثة من خلال تجارب على بازلاء الحدائق. وبترجمة عمل مندل بمصطلحات حديثة يمكننا القول بأنه توصل إلى أن الوراثة مكونة من وحدات أساسية هي المورثات، وأن هذه المورثات توجد في نواة الخلية في أزواج، حيث يأتي فرد من كل زوج من كل من الوالدين. وقد نشر مندل نتائج أبحاثه في عام 1865م، ولكن عمله ظل مجهولاً حتى عام 1900م.
وفي أثناء منتصف القرن التاسع عشر وأواخره اكتشف العلماء الكثير عن الخلايا، باستخدام مجاهر ذات عدسات مطورة. فقد عرفوا أن الخلية تتكاثر بالانقسام، وأن نواة كل خلية تحتوي على مادة تسمى الكروماتين، وأن الكروماتين يتكثف أثناء الانقسام الخلوي إلى عدد من أزواج الصبغيات المرئية، يتفاوت حسب نوع الكائن الحي. كما عرفوا أيضًا أن كل خلية جسدية جديدة تتلقى عددًا من الصبغيات مساويًا لعدد صبغيات خلايا الوالدين، بينما تتلقى الخلايا البيضية والنطاف نصف عدد صبغيات الخلايا الجسدية.
ومع نهاية القرن التاسع عشر طرح عدد من العلماء فكرة أن الصبغيات هي أساس الوراثة، ولكن هذه الفكرة لم تنل القبول حتى الآن.
المجهر الإلكتروني أصبح أداة حيوية في أبحاث الخلية، في الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي. فقد فتح عالماً جديداً للعلماء بقدرته الهائلة على التكبير، حيث اتضح أن الخلايا تحتوي على تراكيب متطورة عديدة. |
وهنا برز السؤال: كيف تحدد المورثات تركيب الكائنات الحية وسلوكها؟ وقد توصل العالمان الأمريكيان جورج بيدل وإدوارد تاتوم إلى جزء من الإجابة في أوائل الأربعينيات، عندما اكتشفوا أن بعض المورثات تتحكم في التفاعلات الكيميائية في الخلايا بتوجيه تكوين الإنزيمات، وأن هناك مورثًا محددًا لكل إنزيم.
نموذج جزيء د ن أ يشبه السلم الملتوي. اقترح العلماء هذا الشكل في عام 1953م. |
كان العلماء يعرفون أن جزيء د ن أ يتكون من الفوسفات والربيوز منقوص الأكسجين وأربع قواعد هي الأدينين والسيتوسين والجوانين والثيمين، ولكنهم لم يعرفوا كيف تترابط هذه الواحدات، بعضها مع بعض. وفي عام 1953م اقترح كل من عالم الأحياء الأمريكي جيمس واطسون، وعالم الأحياء البريطاني فرانسيس كريك، أن تركيب د ن أ يشبه سلمًا ملتويًا، حيث بنوا هذا الاكتشاف على نتائج أبحاث عالمة الأحياء البريطانية روزالند فرانكلين، وعالم الفيزياء الحيوية البريطاني موريس ولكنز. وأثبتت التجارب أن نموذجهما صحيح.
وفي عام 1957م، أنتج عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي آرثر كورنبرغ د ن أ في أنبوب اختبار، حيث خلط نوويدات د ن أ مع إنزيم، ثم أضاف سلسلة من د ن أ طبيعي كقالب، فارتبطت نوويدات د ن أ معًا في سلسلة تشبه قالب د ن أ. وبعد عشر سنوات تمكن كورنبرغ من صناعة د ن أ نشط أحيائيًا (قادر على التكاثر طبيعيًا).
عمل العديد من العلماء على فك الشفرة الوراثية المضمنة في ترتيب قواعد د ن أ. ففي عام 1962م، اكتشف عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي مارشال نيرنبرج شفرة إحدى الحموض الأمينية، كما تمكن هو وآخرون بعد ذلك من تحديد شفرة الأحماض الأمينية العشرين، التي تدخل في إنتاج البروتين. كذلك اكتشف علماء آخرون كيفية إنتاج نسخ ر ن أ عن شفرة د ن أ.
وفي السبعينيات اكتشف العلماء تقنيات لنزع مورثات من كائن حي، وإدخالها في كائن حي آخر. وتسمى هذه التقنيات الآن تقانة د ن أ المولَّف. وقد ساعدت التجارب التي أجريت باستخدام تقانة د ن أ المولف العلماء على جمع معلومات أكثر عن تركيب المورثات ووظيفتها، وأدت إلى تقدم في مجالات الزراعة والطب والصناعة. ★ تَصَفح: الهندسة الوراثية.
وفي الثمانينيات بدأ العلماء استخدام مجهر قوي يسمى المجهر النفقي المسحي، وبذلك تمكنوا من الحصول على تفاصيل أدق لتركيب د ن أ.
وفي التسعينيات بدأ الأطباء استخدام العلاج بالمورثات، في علاج بعض الأمراض. وينطوي هذا العلاج على إدخال مورث في خلايا المريض، لإصلاح عيوب الخلية. ★ تَصَفح: العلاج بالمورثات.
وبازدياد معلومات العلماء عن د ن أ والشفرة الوراثية، ربما يتمكنون في المستقبل من تغيير الشفرة، وعلاج مئات الأمراض الوراثية العقلية والجسدية، وقد يتمكنون من التحكم في السرطان، أو تغيير الخلايا التالفة أو المريضة. وبمعالجة العمليات الوراثية قد يتمكن العلماء من إنتاج محاصيل حقلية وحيوانات مقاومة للأمراض، مما يؤدي إلى زيادة المنتجات الزراعية.