الرئيسيةبحث

النشوء والارتقاء ( Evolution )



بعض مظاهر الحياة التي استندت إليها نظرية النشوء والارتقاء . من هذه المظاهر تكيف الكائنات الحية مع الأحوال البيئية المختلفة. فالجذع الغليظ للسرو البسيط يثبت الشجرة بإحكام في المستنقع. بينما تلتصق شقائق النعمان بالصخور في برك المد والجزر. ويمكّن المنقار الطويل للطائر الطنان من رشف رحيق الأزهار. والسلحفاة البرية متكيفة للعيش في الصحراء وتمكن الأرجل الطويلة الزرافة من الوصول إلى أعلى الأشجار في السهول الإفريقية.
النشوء والارتقاءهي النظرية المعروفة بنظرية التطور. تقوم هذه النظرية على القول بأن أشكال الحياة المختلفة تعود إلى أصل واحد مشترك وأنها بدأت من خلايا حية بسيطة تكونت، في زعمهم، عن طريق المصادفة عبر عمليات كيميائية مركبة، ثم تطورت إلى كائنات كبيرة معقدة. وفي بداية النظرية، في عصر داروين، كان الفكر السائد هو أن هذا التطور تم بسبب تأثير عوامل طبيعية كالبيئة والمناخ وموارد الغذاء وطرق الحصول عليه. أما في الوقت الحالي، فإن الداروينية الجديدة تركز على أن التطور تم بسبب الطفرات أو التغيرات المفاجئة في التراكيب الجزيئية المسؤولة عن الوراثة.

تاريخ النظرية:

على الرغم من أن نظرية التطور ارتبطت في شهرتها وذيوعها بداروين فإن داروين لم يكن أول من بحث مسألة أصول الكائنات وما يوجد بين أشكال الكائنات من ترابط. فمنذ عصر فلاسفة اليونان نجد أن أناكسيماندر المالطي يناقش مشكلة التطور في مملكة الحيوان، وأمبودوقليس يتعرض للتطور في مفهومه العام. ويقدم لوكريتس أفكارًا مؤيدة لمفهوم عملية الانتخاب الطبيعي الذي يعمل على حفظ الأقوى والتخلص من الأضعف.

النظرية في الغرب:

قبل داروين ظهر في الغرب علماء أخذوا بفكرة التطور،واهتموا بدراسة أنواع الأحياء بصورة عامة وتطورها، ولاحظ بعضهم التقارب بين الإنسان والحيوانات العليا، وأن هناك انتقالاً من البسيط إلى المركب في تدرج المخلوقات. وقد ظهرت هذه الدراسات في ظل الجو العدائي الذي ساد العلاقة بين الكنيسة والعلم، أو بين رجال الدين النصارى والعلماء. ومن أهم هؤلاء العلماء، عالم الطبيعة الإنجليزي آرسموس داروين (1731 - 1802م) جد تشارلز داروين الذي تحدث عن تأثير البيئة في الارتقاء، والعالم الفرنسي كومت دي بوفون (1707 - 1788م) الذي أشار إلى أن الأنواع قد تتغير عبر الزمن.

كما ظهر بعض علماء الجيولوجيا من أمثال ليل (1744 - 1829م) الذي أثبت أن تطوُّر الأرض سبق تطور الكائنات الحية (الأحياء). ومن بين النظريات العامة التي شكلت الخلفية التاريخية لنظرية التطور، نظرية الكوارث التي ألمح إليها ليوناردو دافينشي، ودراسة المتحجرات والحفريات القديمة التي أثبتها كل من كوفييه (1769- 1823م) ووليم سميث وغيرهما. واتخذت فكرة التطور بعد ذلك منحى جديدًا على يد العالم الفرنسي جان بابتيست لامارك (1744 - 1829م) ومن بعده داروين، إذ ارتبطت النظرية على أيديهم عند من جاءوا بعدهم من الداروينيين الجدد، بالتفسير المادي لتطور الكائنات مع استبعاد القول بوجود قوة خارجية خالقة للكون ومدبرة للأحياء.

وقد ذهب لامارك (1809م)، إلى أن البيئة لها الأثر الكبير لا في إيجاد صفات الأفراد وانقراضها فحسب، بل في انقراض هذه الأفراد أيضا، وأن الصفات المكتسبة تورث من جيل إلى جيل. وعلى هذا، فإن صفات الأفراد عند لامارك وليدة الظروف البيئية التي يمر بها الكائن الحي، كما أن استعمال الأعضاء أو إهمالها، وفقًا لمتطلبات البيئة ودواعيها، هي التي تسبب وجودها ونموها، أو ضمورها وانقراضها. ومن هنا، فإن البيئة هي المؤثر والمحرك في التطور، وهذا التطور الذي يتم في بطء واستمرار يؤدي إلى ظهور صفات جديدة تُوَرَّث من جيل إلى جيل، وقد يبلغ التغير غايته فينتج عنه ظهور أنواع أو سلالات جديدة.

ولم تحظ آراء لامارك هذه، التي سجلها في كتابه فلسفة علم الحيوان (1809م) بالقبول العلمي، إذ فشلت التجارب في إثباتها، كما أن العلماء أثبتوا أن الصفات التي يكتسبها الفرد أثناء حياته لا تُوَرَّث. إضافة إلى أن الصفات الوراثية تنتقل إلى الأجيال التالية عن طريق الخلايا الوراثية ولا تأثير للخلايا الجسمية فيها. ومن المعروف ـ في علم الوراثة ـ أن الخلايا الوراثية لا تخضع للمؤثرات والظروف البيئية.

ثم ظهر تشارلز داروين (1809 - 1882م) واستفاد من كل النظريات السابقة عن التطور، كما قام هو شخصيا برحلته الشهيرة إلى جزر كيب فيرد وسواحل أمريكا الجنوبية، ودرس خلالها الحيوانات والنباتات والتكوُّنات الجيولوجية للشواطئ والأراضي القريبة منها وجمع فيها العديد من العينات ودوَّن ملاحظاته عليها. وعندما عاد من تلك الرحلة بدأ يفكر في أصل هذه الأنواع المتباينة والمختلفة وفي هذه الأثناء اطَّلَع على رأي لعالم الاقتصاد الإنجليزي مالتوس (1766 - 1834م) حول مشكلة تزايد السكان مع محدودية الموارد، ورأى أن حل هذه المشكلة يقوم على أن الحياة صراع، وأن عدد السكان يتزايد أكثر من تزايد الموارد الغذائية، لكن الحروب والأمراض والمجاعات تحد وتقلل من هذه الزيادة، وأنه لهذه الأسباب يوجد نوع من التوازن بين عدد السكان والغذاء. وقد أُعْجِب داروين بهذه الأفكار وتوصَّل عن طريقها إلى فكرة الانتخاب الطبيعي التي تعتبر أساس نظريته عن التطور. وقد لخص داروين في مقدمة كتابه أصل الأنواع ( 1859م) نظريته بقوله "إنني مقتنع تمام الاقتناع بأن الأنواع ليست ثابتة، وبأن الأنواع التي تنتمي إلى فصيلة واحدة أو جنس واحد قد انحدرت مباشرة من أنواع أقدم منها، وغالبًا ما تكون قد انقرضت، وقد حدث هذا بنفس الطريقة التي تخرج بها سلالات مختلفة من نوع واحد، وفوق هذا فإني مقتنع بأن الانتخاب الطبيعي كان أهم عامل في حدوث هذه التغيرات التي طرأت على الأنواع، وإن لم يكن العامل الوحيد".

أسس النظرية:

بنى داروين نظريته هذه على افتراضين استنبطهما من عدد من الملاحظات على النحو التالي:

أولا: ميل الكائنات الحية للازدياد المطرد في العدد ؛ فهي في أطوارها المبكرة تكون دائما أكثر بكثير من جيل آبائها.

ثانيا: بالرغم من هذا الميل للزيادة المتدرجة، فإن عدد كل نوع من الحيوانات يظل في الحقيقة ثابتًا تقريبًا، والسبب في ذلك يرجع إلى أن عددًا كبيرًا من الأفراد يفنى بوساطة الأعداء أو الأمراض أو التنافس أو المناخ.

ومن هاتين الملاحظتين استنتج داروين قانونه الأول: قانون الصراع، أو التنازع على البقاء. فعدد الصغار أكثر بكثير من أن تظل على قيد الحياة، وبما أن هناك كمية محدودة من الغذاء والمأوى وأماكن التكاثر فإن الأفراد ينافس بعضها بعضًا من أجل هذه الاحتياجات.

ثالثا: لأن الكائنات لها صفات متفاوتة، وأنها في صراع مع الطبيعة من أجل البقاء استنتج داروين ماعرف باسم قانون الانتخاب الطبيعي. فحيثما يوجد تنازع على البقاء بين الأفراد، واختلاف بينها وتمايز في الصفات، فإن هذا سيؤدي إلى أن الأفراد التي تتمتع بصفات تميزها على غيرها كسرعة الحركة أو قوة العضلات أو طول الرقبة كالزرافة مثلاً، ستكون لها الفرصة الأفضل للبقاء وإنتاج أفراد جديدة، في الوقت الذي تفنى فيه خصومها وتزول. وقد أشار داروين إلى هذا بتعبير البقاء للأصلح بمعنى أن التنازع على البقاء له تأثير انتخابي في إزالة غير الصالح من الأفراد وفي الاحتفاظ بالصالح منها. وبينما يبقى الصالح حيًا ويتكاثر، يهلك الضعيف.

أدلة النظرية:

استمد التطوُّريون أدلتهم ممايلي:

الانتخاب الجنسي من الدلائل التي يعتمد عليها أنصار نظرية التطور. فالريش الملون لذكور بعض الطيور مثل الطاووس يساعدها على جذب الأنثى.

علم التشريح المقارن:

أثبت هذا العلم أن هناك تشابهًا بين جميع الحيوانات في تركيب أجسامها من خلايا متشابهة وأنسجة، وأعضاء متماثلة، فأنسجة الكبد والمعدة لا تختلف جوهرياً في الأرنب عنها في الإنسان.

كما يزعم التطوُّريون أن أوجه الشبه بين كل من الهيكل العظمي والجهاز الهضمي والعضلي والعصبي وتركيب الدماغ وأجزائه عند الإنسان وبين مثيلاتها عند بعض الحيوانات، يدل على الارتباط التطوُّري بين تلك الحيوانات من ناحية و الإنسان من ناحية أخرى.

وفي الواقع، فإنه يمكن تفسير ظاهرة التشابه بأن هذه المخلوقات خلق كل منها خلقًا مستقلاً، وهوما يدل على وحدانية الخالق ودقة صنعه. كما أن تشابه الحيوانات في الإطار الأساسي لتكوينها يدل على وجود أسلوب واحد للخلق يبدعه خالق واحد أحد.

ومازعمته النظرية من أوجه التشابه بين الإنسان والحيوان غير مسلم به ؛ إذ أن علم التشريح المعاصر أثبت فروقًا هائلة بين الإنسان وبين القردة التي هي أقرب الحيوانات شكلاً إلى الإنسان. تتمثل هذه الفروق في: انتصاب القامة عند الإنسان، ودقة حاسة اللمس، والمهارة اليدوية ونمو الدماغ، وحجم الجمجمة، والتعبير بالنطق عن الأفكار. وفوق هذا كله، يتميز الإنسان بقواه العقلية والقدرة على التصور وتكوين الأفكار والتعبير عن الفكرة المعنوية المجدَّدة.

إن الإنسان وحده دون سائر المخلوقات يستطيع أن ينمي معلوماته. أما الحيوانات، فإنها تستطيع أن تتعلم بعض الأشياء ولكنها لا تستطيع أن تتخطى حدًا معيَّنًا. فالطيور تستطيع أن تصنع الأعشاش، والنحل يصنع الخلايا، ولكن كل هذه الحيوانات لا تستطيع أن تُدْخِل أي تحسين على صنعتها. ولا يوجد حيوان استطاع أن يفيد من معلومات أجداده فهذه من مزايا الإنسان وحده.

وهذه الفوارق الكبيرة بين الإنسان والحيوانات تثبت أنه لا يمكن أن تكون هناك صلة سلفية بين الإنسان الحالي وبين أي حيوان. وهذا ما جعل بعض التطوريِّين ينفون اندراج الإنسان تحت قانون الانتخاب الطبيعي فيقول والدس إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان ولابد من القول بخلقه خلقًا مستقلاً. وقال فرخو: إنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقًا كبيرًا، فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان من سلالة قرد أو غيره من البهائم، ولا يحسن أن نتفوه بذلك.

علم الأجنة:

اعتمد التطوريون ولا سيما العالم الألماني فون باير (1792 - 1867م) وآرنست هايكل (1831 - 1919م) على علم الأجنة لإثبات نظريتهم وذلك لما يوجد من تشابه ـ في زعمهم ـ بين أجنة مختلف الحيوانات في مراحلها الأولى. وهذه الأجنة ومراحل تكونها تمثل عندهم إعادة لتاريخ حياة الكائنات بقانون الاستعادة. فالمراحل التي يمر بها الجنين أثناء تطوره وتَكوُّن أعضائه المختلفة تحكي قصة التطور التي يمر بها الفرد في تطوره عن أسلافه. وعملية تكوُّن الجنين في الإنسان، ماهي إلا استعادة لأطوار الجنين في عالم الحيوانات التي تعتبر أقل مرتبة منه. فالجنين ينتهي بما يشبه الذيل في كل من الإنسان والحيوان، وبتطور الجنين يختفي الذيل في جنين الإنسان ويبقى في جنين الحيوان.

لكن التطور في علم الأجنة كشف عن ضعف الحجة التي استند إليها دعاة التطور من أن التشابه في الأجنة دليل على تحول الأنواع من عالم الحيوان أو عالم النبات. وقد نفت وسائل الكشف العلمي الحديث هذا الشبه، وأوضحت أن هناك اختلافا في أجنة الحيوان في تفاصيلها التكوينيَّة الدقيقة. كما كشف علماء الأجنة والأحياء أن كل جنس من أجناس الكائنات الحية يتكون من مجموعة خلايا، وأن نواة كل خلية من خلايا الإنسان تتكون من 46 كروموزومًا (صبغيًا)، وهو عدد ثابت في كل خلية من خلايا الإنسان. فإن زاد العدد أو نقص تعرض الإنسان لخلل عقلي أو اضطراب خَلْقي. وبفحص خلايا القرد وجد هؤلاء العلماء أن نوى خلاياه تتكون من 44 كروموزومًا وهو عدد ثابت في نوى خلايا القرد لا يزيد ولا ينقص، وهذه الكروموزومات أو الصبغيات هي التي تحدد النوع وهي العامل الرئيسي الذي يُحدِّد صفات كل كائن حي. وقد أثبت علم الأجنة أن عوامل الوراثة تجعل من المستحيل تطور نوع إلى نوع آخر لأن هناك عوامل وراثية كامنة في خلية كل نوع تحتفظ له بخصائص نوعه وتحتِّم أن يظل في دائرة النوع الذي نشأ منه، ولا يخرج قط عن نوعه ولا يتطور إلى نوع جديد، فالقط أصله قط وسيظل قطًا على الدوام بمشيئة الله تعالى. والكلب والثور والحصان والقرد والإنسان. وكل مايمكن أن يقع ـ حسب نظريات الوراثة ـ هو الارتقاء في حدود النوع الواحد دون الانتقال إلى نوع آخر.

الأحافير:

وهي من أقوى الأدلة التي يعتمد عليها التطوريون في إثبات التطور في الكائنات، هذا التطور الذي يبدأ من كائنات بسيطة للغاية إلى كائنات أكثر تعقيدًا وتخصصًا. وقد اكتشفَت أحافير زعموا أنها لأناس منقرضين كإنسان بكين و إنسان جاوه و إنسان نياندرتال، وإنسان بلتداون وغيرها، وكلها تدل على أن الإنسان القديم كان أقل رُقِيًا من الإنسان المعاصر. وهكذا الحال لجميع الكائنات، إذ تدل الأحافير، في رأي التطوريين، على أنها تطورت من كائنات أقل رقيا.

ولكن تبين، بعد التدقيق في تلك الأحافير أن الوثائق التي جمعت في هذا المجال لم تكن كافية ولا دقيقة. ويعترف داروين نفسه بهذا حين يقول: على الرغم من أهمية الأحافير دليلاً على حدوث التطور، فإن السجل الجيولوجي أشبه مايكون بكتاب فقدت بعض صفحاته ولم يبق منه سوى صفحات قليلة متناثرة، وفي تلك الصفحات الباقية لم يبق إلا كلمات قليلة في كل صفحة.

ويقلل هويل من قيمة أدلة الأحافير على التطور مشككاً في صلة الشواهد بالنظرية، فيقول: ¸إن الأدلة والشواهد التي أُعطيَت لدعم النظرية من الأحافير مثل توالي ازدياد حجم جسم الحصان، صلتها ضعيفة بالنظرية، ذلك لأنها تخص حيوانات ذات تركيب وراثي واحد متشابه فضلاً عن أن هذا التوالي قد يكون حدث بسبب خارجي كالتغذية مثلا·.

والواقع أن ما يدعى أنه السلف المباشر للإنسان لا يزال مجهولاً، إذ أنه لم يعثر أحد حتى الآن على بقايا السلف المباشر للإنسان، أي على الكائن البشري البدائي الأكثر شبهًا بالقرد، والذي يفترض أنه انحدر منه، كما أننا لم نجد حتى الآن، كما يقول لانجر آثارًا مؤكدة للحيوان الذي انحدر منه الإنسان والقرد الشبيه بالإنسان كما يزعمون، وهو ما يشتهر باسم الحلقة المفقودة.

اقتصر اهتمام دعاة التطور على الأحافير التي يظنون أنها تدعم آراءهم، وأهملوا أو تجاهلوا كثيرًا من الكشوف التي تهدم نظريتهم في التطور. هناك في الواقع كثير من الكشوف لهياكل حيوانات راقية تعود إلى حقب قديمة لكن لم يهتم بها دعاة التطور لأنها تناقض نظريتهم. وقد أعلن جوهانس ووكر عام 1956م عن اكتشاف قطعة فحم حجري بها فك إنسان يرجع إلى عشرة ملايين عام، وهي أقدم قطعة من بقايا الإنسان في العالم و توجد بمتحف بال بسويسرا. وصرح ووكر أنه لا يوجد أدنى دليل على أن الإنسان من سلالة القردة.

كما أعلن ريتشارد ليكي مدير المتحف الوطني بكينيا في نوفمبر عام 1972م أمام الجمعية الجغرافية الوطنية في واشنطن، عن اكتشاف بقايا جمجمة بشرية يعود تاريخها إلى مليونين ونصف مليون سنة مضت. وعلى هذا فإن هذه الجمجمة تعد أقدم بنحو مليون ونصف مليون عام من أقدم أثر أمكن العثور عليه حتى ذلك الحين. وقد تم اكتشاف عظام ساق ترجع إلى تلك الفترة التاريخية ذاتها في جبل حجري بإحدى الصحاري شرقي بحيرة رودلف بكينيا.

والواقع أن هذه الاكتشافات الجديدة تدل على أن الكائن البشري المنتصب القامة، الذي يسير على اثنتين لم يتطور عن كائن أكثر بدائية أو أنه انحدر من سلالة الآدميات الشبيهة بالقرد، وإنما عاصرها منذ حوالي مليونين ونصف مليون سنة. وليس من شك في أنه لو صحت هذه النظرية لهدمت نظرية التطور الدارويني من أساسها ودعمت نظرية الخلق المستقل.

نقد النظرية

الطفرة يمكن أن تؤدي إلى تحورات نافعة. فالعثة الفلفلية العادية ذات الألوان الفاتحة غالبًا ما تكون غير مرئية على جذع شجرة في منطقة غير ملوثة (الصورة اليمنى) ويمكن رؤية عثة طافرة سوداء بسهولة من قبل الطيور ولكن يصعب رؤيتها على جذع شجرة داكنة بالسخام الصناعي (الصورة اليسرى).

نقاط الضعف:

يرى الكثيرون أن الأدلة والشواهد التي استند إليها التطوريون ضعيفة. ومن هنا فإنه لا غرابة في أن تقابل آراء التطوريين في عمومها بكثير من الشك والارتياب. ومن أهم ما أُخذَ على نظرية التطور مايلي:

1- أن النظرية فشلت في تقديم تفسير لسر الحياة وأصلها. فقد افترضت النظرية أن الحياة بدأت من خلية واحدة، ولكنها لم تبين من الذي حرك الخلية الأولى وجعل الحياة تدب فيها. واللجوء إلى المصادفة مهربًا من مواجهة المشكلة لا يفيد أبدًا كما سبق أن رأينا.

2- تقول النظرية إن تطور الكائنات يسوده قانون النشوء والارتقاء وإذا كان الأمر كذلك، وكان قانون النشوء والارتقاء حاكما لعملية التطور، فإنه كان ينبغي أن تحدث خلال تاريخ البشرية بعض التحولات بين الأنواع جمعياً ولكن التاريخ لم يسجل حالة واحدة تحول فيها نوع إلى نوع آخر، بأن أصبح الحمار حصانا أو الفأر أرنبا أو القرد إنسانا، ولكن المُشاهد هو احتفاظ الأنواع سواء أكانت نباتية أم حيوانية، بخصائصها.

3- ما قال به التطوريون من أن البقاء للأصلح غير مُسَلَّم به، إذ إن واقع حياة الكائنات ـ أيا كانت ـ لا يؤيد هذا المبدأ. وإذا كان هذا القانون هو الحاكم كما يقول التطوريون، فلماذا انقرض الإنسان الأول (الأصلح حسب النظرية) وبقي الحيوان القرد الأقل مرتبة من الإنسان؟ إن القول بهذا القانون يستلزم انقراض القرد القديم وبقاء الإنسان الأول، وهو مايعرف بالحلقة المفقودة أو الحيوان الواسطة، كما أن الواقع يشهد بأن الكون يعج بالصالح والأصلح والفاسد على السواء ويسير على ذلك.

4- إن قانون الانتخاب الطبيعي الذي يعتبر عماد نظرية التطور، تعرض لنقد شديد. ومن بين من نقدوه، فرد هويل، الذي ذكر أن حجة التطوريين الخاصة بالانتخاب الطبيعي تدور في حلقة مفرغة، وذلك لأنها تنص على أنه إذا كان لدى نوع واحد من أنواع عديدة المقدرة على التأقلم والعيش تحت ظروف معينة كما يفترض أن يحدث، فإن النوع الأكثر قدرة على التكيُّف سيكون هو النوع الأكثر قدرة على البقاء، وهذا فيه دور لأن ما يبقى هو الذي لديه أكثر قدرة على التكيف، والذي لديه أكثر قدرة على التكيف هو الذي يبقى، فتصير الحجة دائرة في هذه الحلقة.

وقد أغفل مبدأ الانتخاب الطبيعي، مايقع من كوارث ونوائب يكون لها الأثر الكبير في تغييرات هائلة، وفي مساحات شاسعة. وتفعل الكوارث فعلها من غير تمييز أو انتقاء أو انتخاب، ففيضانات الأنهار وطوفان البحار ونيران الحرائق قد تؤدي إلى خراب ودمار هائلين، لكن هذا لا يعني أن الكواراث قد اختارت ضحاياها على وجه خاص من بين الضعفاء أو من غير الصالحين للبقاء. وهناك أيضا الموت الطبيعي الذي لا يميز أبداً، فالموت لا يصيب دائما الأضعف ويبقي على الأقوى كما يزعم التطوريون، بل قد يموت الشاب الصحيح ويبقى الشيخ الضعيف معمرًا لفترات طويلة. وهكذا نجد أن فكرة الانتخاب الطبيعي لا تثبت أمام محك التجربة والمشاهدة كما أن حقائق الواقع لاتسندها، ومن ثم فإنه يعجز عن تعليل التطور.

ومن أجل هذا، لجأ التطوريون الجدد إلى القول بالطفرة لتفسير ما يحدث بين الكائنات من فروق زاعمين أن الانتخاب الطبيعي يبدأ عمله بين الأحياء التي تحدث فيها طفرات. ويقصد بالطفرة: التغيرات التي تحصل في طبيعة العامل الوراثي، أو شفرات الوراثة (د ن أ) ـ أي الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين ـ عن طريق الخطأ أو المصادفة، فينشأ تغيير في ظهور صفات وراثية جديدة. والواقع أن تكرر هذه الصفات الوراثية الجديدة يؤدي في النهاية إلى ظهور فروق بين الأنواع أو ظهور أنواع جديدة. ويعتقد التطوريون الجدد أن الطفرة (التغير الوراثي) تحدث عندما يقع خطأ ما في شفرات الوراثة (د ن أ) الموجودة في الصبغيات الناقلة للصفات الوراثية، فإذا تعرضت الجينات (المورثات) للأشعة الكونية أو للأشعة السينية أو للحرارة تغيرت جزيئات (د ن أ) ونتيجة لهذا التغيير تظهر أنواع مختلفة من الأحياء. وهكذا أصبح التطوريون يعتقدون أن السبب الرئيسي للارتقاء أو التطور هو حدوث خطأ في المادة الوراثية.

لكن العلم جاء أيضا بما يثبت خطأ التطوريين الجدد، كما كشف خطأ أسلافهم. وتبين للعلماء أن العبث بجزيئات الوراثة لا يؤدي إلا إلى آثار سلبية.

من هذا العرض، يتضح أن الأسس التي قامت عليها نظرية التطور الداروينية أسس واهية، وأن ما استندت إليه من أدلة فيها ضعف مبين.

وحتى أنصار النظرية أنفسهم ومؤيدوها لم يقبلوها لأنها نظرية علمية، بل لأن عدم الإيمان بها يقود إلى خيار آخر لا يرتضونه ألا وهو القول بأن الله سبحانه هو الذي خلق الخلق. ويقول أحد هؤلاء : إن العلماء لم يقبلوا نظرية التطور لأنها صحيحة في ذاتها، أو لأنه يمكن البرهان على صحتها بطرق صحيحة، سليمة، ومنطقية وعلمية، وإنما قبلوها لأنهم لم يجدوا أمامهم إلا الخيار الآخر، وهو فكرة الخلق المباشر بمشيئة الله، الذي يفرون منه لأنهم يضمرون في أنفسهم الإلحاد أو يعلنونه. وإلى نفس هذا الزعم يذهب السير آرثر كيث في قوله: إن نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميًا، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق المباشر وهذا مالا يمكن حتى التفكير فيه.

نظرية التطور والدين

الواقع أن الإلحاد الذي ارتبط بالنظرية يرجع إلى القول بالمصادفة واستبعاد الغاية والقصد في عملية الخلق، وتفسير التطور تفسيرًا ماديًا آليًا، والمسلَّم به أن الله أبدع هذا الكون وما فيه بقدرته، وسن قوانينه الطبيعية ومنها التطور في الخلق، والارتباط بين الكائنات. ولكن الماديين ـ كما سبقت الإشارة ـ اتخذوا من النظرية سندًا لمذهبهم المادي القائم على التفسير المادي للحياة، و على استبعاد التفكير في أي قوة خارج حدود المادة لها قدرة الخلق والإيجاد.

كما أن أتباع النظرية من الماديين ركزوا على نتائج النظرية المتصلة بالإنسان من أنه حيوان ينتمي إلى فصيلة القرد وأنه لا يتميز عنه إلا برقي نسبي، ومن ثم عليه أن يراعي الجوانب الحيوانية فيه ويصارع من أجل بقائه وأن دوره لا يتعدى هذا. ووفقا لهذا التصور أنكر التطوريون تميز الإنسان برسالة معينة متمثلة في معرفة الله تعالى وعبادته وطاعته، وأنه كائن مكلف، لأنهم في الأساس أنكروا أنه إنسان وأنكروا أن يكون وراء الخلق قصدٌ أو غاية من إله خالق حكيم.

إن العلماء المسلمين المعاصرين الذين درسوا نظرية داروين دراسة متعمقة أنكروا هذه النظرية وأشاروا إلى خطرها وفسادها من الناحية الفكرية واستدلوا على ذلك بأقوال طائفة كبيرة من علماء الغرب، وأشاروا إلى آثارها المدمرة التي ألحقت أعظم الأخطار على الحياة الفكرية والخلقية والاجتماعية وإلى معارضتها لأساس ديني مقرر ـ وهو أن الله عز وجل هو الذي خلق المخلوقات خلقًا مباشرًا. وقد نقل الدكتور موريس بوكاي في كتابه ما أصل الإنسان عن جراسيه الذي كتب كتابًا عنوانه الإنسان متهمًا قال في هذا الكتاب: (تعد الداروينية أكثر المبادئ عداء للدين، وأكثر المذاهب إيغالاً في المادية، ومردُّ ذلك إلى التوجيهات الأساسية التي قامت عليها وإلى الاستنتاجات النهائية التي وصلت إليها).

إن هذه النظرية تقوم على القول "بأن أشكال الحياة المختلفة تعود إلى أصل واحد مشترك وأنها بدأت من خلايا حية تكونت عن طريق المصادفة وأن الحياة الأولى وجدت مصادفة". والمصادفة أكذوبة لايقبلها العقل، فإنه لايمكن أن تُحدث المصادفة كل هذه الدقة المدهشة في الخلق وهي مرفوضة من وجهة النظر الدينية والعلمية، وكذلك فإن استبعاد فكرة خلق الله سبحانه لهذه المخلوقات أيضًا مردودة إذ يدعون أنها تولدت تولدًا ذاتيًا وهذا القول باطل. قال الله تعالى: ﴿أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون﴾ الطور: 35.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية