الرئيسيةبحث

تنوخ

تنوخ هي قبيلة عربية مهمة ورد ذكرها في النصوص السبئية وفي الكتابات الحسائية وفي جغرافية بطليموس. ينتمي إليها المناذرة من بني لخم.

تشكلت تنوخ من اتحاد قبلي شمل أكبر القبائل العربية، ضمت :قضاعة، وقبيص، وإياد، وتميم، والأزد، والعماليق، وبقية من القبائل العربية النجدية والتهامية، واتفق زعماء هذه القبائل على تمليك زعيمهم مالك بن فهم والمناداة به ملكاً على المنطقة المحصورة بين نجد غرباً والخليج العربي شرقاً وحدود عُمان جنوباً، وحدود البصرة شمالاً ، وقد سميت هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة البحرين،

وكان أول من ملك منهم مالك بن فهم وكان منزله مما يلي الأنبار ثم مات مالك فملك بعده أخوه عمرو بن فهم ثمّ مات فملك بعده جذيمة الأبرش.

ويبدو أن ملك البحرين وزعيم تنوخ مالك بن فهم، كان يحمل نفساً أبية وهمة عالية، وروحاً تواقة، ولذلك فما إن استتبت له شؤون المُلك والزعامة في البحرين واجتمعت إليه كلمة العرب في المنطقة حتى تسامى بهمته إلى أرض العراق مستثمراً حالة الشقاق والخلاف بين ملوك الطوائف وطامحاً لتأسيس مملكة عربية كبرى تسيطر على كامل المنطقة وهكذا تحركت هذه الموجة العربية العارمة إلى أرض العراق، بمجموعتين أو جيشين قاد الجيش الأول منهما – كما يقول ابن الأثير في كتابه"الكامل في التاريخ" زعيم قبيص الحيقاد بن الحنق وقصد هذا وجيشه مملكة الأرمانيين، الذين سكنوا بابل وما حولا فأغاروا عليهم ثم جاء الجيش الثاني بقيادة مالك بن فهم "ملك البحرين" في جمع كبير من قبائل العرب فهاجم الأرمانيين وأجلاهم عن الأرض التي كانوا يسيطرون عليها وتابع طريقه إلى مملكة الأردوانيين فأخرجهم من الأرض التي حكموها واستقر المقام بمالك بن فهم ومن معه في منطقة الأنبار حتى حدود الحيرة لتأسيس أول مملكة عربية تمتد من حدود عُمان جنوباً وحتى الحيرة شمالاً وبالطبع فإن البحرين تحولت في هذه الأثناء من "مملكة " إلى "إقليم" يتبع الدولة العربية العتيدة.

في عهد الملك مالك بن فهم تأسست الأرضية الصالحة لنشوء الدولة غير أن شؤون الملك والحكومة لم تكن قد تطورت بعد واستمر هذا الحال إلى ما بعد موت مالك بن فهم وتولي شقيقه عمرو بن فهم سدة الحكم غير أن هذا لم يستمر طويلاً فتوفي وخلفه الملك جذيمة بن مالك المعروف بـ" الأبرش" ويُعتبر عدد كبير من المؤرخين جذيمة الأبرش الملك المُؤسس لمملكة اللخميين العرب في الحيرة والأنبار وسائر الجنوب العراقي امتدادً إلى حدود عُمان وهي المملكة التي كانت اللبنة الأولى لدولة المناذرة.

وفي عهد الملك جذيمة الأبرش استقر الملك للعرب وتطورت أساليب إدارة الحكم وشؤون المُلك ولا شك أن جذيمة الملك استفاد من معارف الأرمانيين وأنظمتهم وأساليبهم في تدبير شؤون المُلك. ووصفه المؤرخون بأنه ملك عظيم ضم إليه شمل العرب وأسس لهم أركان دولة كبيرة وغزا بجيوشه الممالك المتاخمة لدولته الممتدة.

وجاء بعد جذيمة الأبرش ابن أخته وولي عهده الملك عمرو بن عَديّ الذي يُعتبر جد الملوك اللخميين المناذرة وفي عهد عمرو بن عديّ تحالفت هذه المملكة العربية مع دولة الفرس الساسانيين التي تأسست وازدهرت في إيران، وبدأت تبسط نفوذها وسيطرتها على جزء كبير من العالم وقد تولى الملك عمرو بن عديّ سدة الملك عام 268 للميلاد، واستمر حكمه حتى عام 288 للميلاد، وعاصر من ملوك ذلك الزمان الملك شمر يرعش "ملك حمير التُبعي" والملك سابور بن أردشير وبهرام هرمز بن سابور "الأول" ثم بهرام الثاني بن بهرام الأول ملوك الإمبراطورية الساسانية.

في هذه الفترة كانت البحرين إقليماً تابعاً لدولة المناذرة التي اختارت الحيرة عاصمة لها وكان ملوك الحيرة ينتدبون من قبلهم ملوكاً محليين يمارسون ولايتهم على مناطق محددة من الدولة الشاسعة وبالطبع كانت البحرين من هذه الممالك المحلية أما "أوال" فكانت حاضرة البحرين الإقليم، وإليها كانت تعود شؤون حكم هذا الإقليم غير أنه من الجدير بالذكر أن البحرين في هذه الأثناء وخاصة "أوال" بدأت تعود إلى عهودها الزاهرة وازدهارها التجاري والاقتصادي وعادت من جديد لتشكل واحداً من أهم أسواق العرب وميناءً تصل إليه السلع والبضائع من مختلف أنحاء الدنيا، وكان يسكن البحرين في هذه الأثناء مجموعة قبائل عبد القيس وربيعة وإياد، فيما كانت ربيعة تسيطر على "أوال" بشكل خاص، وكان الملوك المحليين للإقليم من هؤلاء وهؤلاء، أي يكون الملك لعبد القيس تارة ولربيعة تارة أخرى، بينما تحتفظ كل قبيلة بزعيمها المباشر، أما الدولة الأم أي مملكة المناذرة فكانت تُقيم ما يشبه التحالف مع الإمبراطورية الساسانية ولم تكن تابعة لهذه الإمبراطورية، في هذا الوقت.

استمرت ولاية عمرو بن عديّ على مملكة المناذرة نحو عشرين سنة اخذ خلالها عدة حروب مع عدد من الممالك المحاذية وكان أشهر هذه الحروب حربه مع مملكة "تدمر" في بلاد الشام وهي حرب اختلطت فيها الأسطورة بالحقيقة وتمازج فيها الخيال بالواقع فدخلت بذلك ديوان الأقاصيص والروايات والسير الشعبية العربية.

أما التاريخ العربي الموثق فيحكي الكثير عن الملك التالي الذي جاء بعد عمرو بن عديّ وهو امرؤ القيس بن عمرو بن عديّ الذي تجاوزت طموحاته طموحات من سبقه من الملوك العرب وكان بحق صاحب أول مشروح وحدوي لتوحيد البلاد العربية وتشكيل دولة عربية واحدة، تطاول بمكانتها الإمبراطوريتين السائدتين آنذاك، وهما إمبراطورية الفرس الساسانيين والإمبراطورية الرومانية. اعتلى الملك امرؤ القيس بن عمرو سدة المُلك عام 288 للميلاد، وعاصره من ملوك التبابعة في حميرَ ثلاثة ملوك هم: شمر يرعش ثم افريقس الملقب بذي القرنين، ثم يمريرجب، أما معاصروه من ملوك الإمبراطورية الساسانية فهم: بهرام الثالث ثم نرسي بن بهرام ثم هرمز بن نرسي ثم الإمبراطور الدموي سابور الثاني المُلقب بـ(ذي الأكتاف).

يعتبر امرؤ القيس بن عمرو، واحداً من أقوى ملوك المناذرة بل من أقوى الملوك العرب قبل الإسلام وقد استمر حكمه نحو أربعين سنة نهض خلالها إلى إنجاز حلمه الكبير لتوحيد العرب في دولة واحدة فأخضع لسلطانه القبائل والملوك المحليين في سائر البلاد العربية كالحجاز ونجد وتهامة والعراق والشام وحدود اليمن، وغزا مملكة الحميريين التبابعة من اليمن فانتصر على الملك شمر يرعش وقلص نفوذه إلى ما وراء نجران وهاجم بقبائل عب القيس وربيعة القاطنين في البحرين شواطئ فارس مستخدماً أسطولاً بحرياً حربياً كبيراً فعبر إلى أرض الفرس واحتل أجزاءً منها كما هدد بغزواته مشارف الإمبراطورية الرومانية إلا أنه ما لبث أن تصالح مع ملوك الرومان، وتحالف معهم إبان ظهور الإمبراطور الساساني سابور الثاني(ذو الأكتاف) وعودة القوة والازدهار إلى الدولة الساسانية التي سعت بمجرد اشتداد أمرها للثأر من هذا الملك العربي وتطلعاته التحررية لقد وضع سابور (ذو الأكتاف) الفتل بالعرب نُصب عينيه بمجرد أن دانت له دولة فارس فجهز من فوره جيشاً وصل تعداده إلى 70 ألف فارس وقاد هذا الجيش بنفسه ومثيراً الرعب والقتل والدمار، حيثما وصل بقواته الجرارة وبعد معارك ضارية مع ملك المناذرة امرؤ القيس، وجموع العرب تمكن سابور من احتلال الحيرة فيما تراجع امرؤ القيس إلى خد دفاعه الثاني في (إقليم البحرين) فتبعه سابور إلى هناك حيث أسرف في الفتك والقتل، وعذب العرب من أهل البحرين بخلع أكتافهم فمن هنا أطلق عليه العرب هذا اللقب وكان يقول( إنما أقتلكم أيها العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة ومملكة)! وهكذا عادت معظم البلاد العربية بما فيها " إقليم البحرين" لتئن من جديد تحت نير وظلم الفرس والساسانيين وأصبحت دولة المناذرة في الحيرة مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية ونُصب الملك أوس بن قلام على الحيرة ملكاً تابعاً للتاج الساساني أما امرؤ القيس بن عمرو فقد تابع مسيره إلى ملك الروم قسطنطين الكبير في الشام وكان هذا أول من تنصر من ملوك الروم وناصر الديانة المسيحية فاعتنق امرؤ القيس بدوره النصرانية وكأنه كان يريد بذلك دفع الملك قسطنطين الكبير لمساعدته في استرجاع ملكه من الفرس الساسانيين غير أن ذلك على ما يبدو لم يشفع له عند الروم فتوفي في حوران على مشارف الدولة الجنوبية ودُفن هناك فيما بقي أبناؤه يُمنون نفوسهم بدعم ونصرة الروم لهم لاستعادة ملك أبيهم وأجدادهم ومع أن هذا لم يحدث إلا أن سُدة الحكم الملك عادت إليهم من جديد وكانت البداية من البحرين تماماً كما كانت بداية تأسيس المملكة العربية الأولى منها.

وتقول الروايات أن شخصاً من أهل إقليم اسمه جحجبان بن عتيق اللخمي خرج من البحرين قاصداً الحيرة وقد أجمع على الفتك بالملك أوس بن قلام ثاراً لمن كان سابور قتلهم وفتك بهم من أبناء البحرين بمساعدة أوس بن قلام وفعلاً وصل ابن عتيق إلى الحيرة وكمن للملك أوس بن قلام حتى قتله فنشبت فتنة كبرى في الحيرة عام 330 للميلاد دفعت بالملك الفارسي لإعادة الاتصال بأبناء ملك الحيرة المحبوب امرؤ القيس بن عمرو وهم عند ملك الروم من أجل العودة إلى الحيرة وتسلم المُلك وبالطبع على أن تكون المملكة العربية تابعة للتاج الساساني وفعلاً عاد أبناء الملك امرؤ القيس إلى الحيرة ونصبوا أخاهم عمرو بن امرؤ القيس ملكاً في العام 370 للميلاد.


ومنذ هذا التاريخ ظلت دولة المناذرة تابعة للإمبراطورية الفارسية وتمارس في ذات الوقت حكمها وسلطتها غير المباشرة على إقليم البحرين، فيما ظل المُلك متداولاً في سلالة امرئ القيس بن عمرو غالب الأحيان وباستثناء فترات قليلة جداً أُعطي فيها المُلك لآخرين نصبهم ملوك فارس ومن هؤلاء : علقمة أبو يعقر، من 504 إلى 507 للميلاد، والحارث بن عمرو الكدني من 523 إلى 578 للميلاد، وفيشهرت أوزيد من 577 إلى 578 للميلاد وإياس بن قبيصة من 613 إلى 618 للميلاد، وأخيراً زاديه من 618 إلى 638 للميلاد باستثناء هؤلاء فقد توارث المُلك على الحيرة والدولة العربية المنذرية أبناء وسلالة امرؤ القيس بن عمرو منذ عام 370 للميلاد وحتى عام 638 أي بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بنحو 27 سنة وهي السنة التي ازدهرت فيها حركة الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية حيث سنلاحظ أن أول وصول للمسلمين إلى فارس كان من البحرين وأن القضاء على دولة الفرس بدأ من البحرين وهكذا ظلت البحرين ومنذ بدء التكوين التاريخي للمنطقة مؤثرة في مسارات أحداثها الكبرى وركيزة مهمة من ركائز بناء تاريخ المنطقة وظل ملوكها من أبرز صُناع التاريخ البشري في هذه البقعة من العالم، التي حفلت بالنُبوات تماماً كما اكتظت قبل ذلك بالأرباب الأسطوريين والآلهة المتخيلة جنباً إلى جنب مع الأرباب والآلهة الصنمية ثم منها خرج نور الإسلام ليعمَ العالم.

دولة اللخميين

بدأ حكم ملوك دولة اللخميين بعمرو بن عدي اللخمي كما يوضحه الجداول السابق، وبعد وفاته عام 288 م تولى الحكم ابنه امرؤ القيس بن عمرو، وهو من أقوى ملوك دولة اللخميين.

امرؤ القيس بن عمرو بن عدي وهو الملقب بالبدء. تولى الحكم عام 288 م وكان معاصرا من ملوك الفرس لبهرام الثالث ونرسى بن بهرام وهرمز الثاني بن نرلمى وسابور ذى الأكتاف. ويبدو من خلال تاريخ مدة حكمه التي استمرت أربعين عاما أن امرؤ القيس كان يهدف إلى توحيد العرب في دولة واحدة ويكون هو ملكا عليها. ولكن الظروف لم تساعده فقد مات بعيدا عن عاصمة مملكته عام 328 م.

وعثر على قبره المستشرق الفرنسي دوسو Dussaud بين خرائب النمارة في حوران. ومن بين أنقاض ذلك القبر وجد حجرا من البازلت مقاسه 4 أمتار و 40 سنتمترا 3 أمتار و 30 سنتمترا تقريبا ويكون الحجر العتبة العليا من القبر، ومكتوب عليه بالحرف النبطي وهو اقرب إلى اللسان العربي العدناني كما هو شائع حينذاك طول متر وستة عشر سنتمترا عرض 23 سنتمترا كما توضحه الصورة ص 101 والمنقولة عن كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" الجزء الثالث للدكتور جواد علي: وترجمة هذه الكتابة تقرأ على النحو التالي: 1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج. 2- واخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج وقاد. 3- الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر واخضع معدا واستعمل بنيه. 4- على القبائل ووكلهم فرساناً للروم فلم يبلغ ملك مبلغه. 5- إلى اليوم. توفى سنة 223 م في اليوم السابع من أيلول سبتمبر وفق بنوه للسعادة. وكان أهل الشام وحوران وما يليهما يؤرخون في ذلك الوقت بالتقويم

البصروي نسبة إلى بصرى عاصمة حوران، وهو يبذأ بدخولها في حوزة الروم سنة 105 للميلاد. فإذا أضفنا هذا العدد إلى 223 المذكور على الحجر اصبح المجموع 328 للميلاد وهى نفس السنة التي ذكرناها أعلاه والتي توفى فيها امرؤ القيس.

ومما سجل على قبره أن امرأ القيس قد اخضع لسلطانه قبائل معد وفروعها وأن نفوذه امتد إلى البحرين والحجاز ونجد وأطراف العراق والشام واليمن، كما أنه حارب شمر يرعش الحميري وحاصر مدينة نجران، وهذا ما يؤيده العلامة ابن خلدون بقوله: "ولما طك عمرو بن عدى ولى بعده على العرب وسائر من بادية العراق والحجاز ونجد والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له البدء، وهو أول من تنصر من ملوك ال نصر(1) كما ذكر ابن خلدون أن امرأ القيس قد تملك في عهد سابور ذي الأكتاف(2)

ومن الجدير بالذكر أن امرأ القيس أمضى سني حكمه الأولى خاصة وهو يمني نفسه بقيام دولة عربية كبيرة ومستقلة عن نفوذ الإمبراطورية الساسانية. وقد مهد لذلك الهدف بمحاربة القبائل العربية أولا وإخضاعها داخليا لسلطانه، ثم بعد ذلك حارب شمرير عشى ملك الدولة الحميرية في اليمن وقلص نفوذه إلى ما وراء فجران. وفي عام 359 م واتت امرؤ القيس فرصة أخرى حينما توفى هرمز الثاني بن نرسى الذي لم يخلف وريثا لعرش الساسانيين ولكن كانت إحدى زوجاته حاملا فأوصى بالملك من بعده للحمل الذي في بطنها. فولدت غلاما هو سابور فلقب بذي الأكتاف ابن هرمز. وبايعته الفرس حين ولادته ولم يزل صغيرا، فاختلت شأن الإمبراطورية الساسانية إلى حين وطمع فيها من جاورها. فاستغل امرؤ القيس تلك الفرصة وأخذ يعمل على إنشاء الدولة العربية التي كان يحلم بها. ولما دانت له القبائل العربية أوعز إلى عبدالقيس ومن يسكن البحرين من قبائل العرب بمهاجمة سواحل فارس فعبروا الخليج بسفنهم. وفي هذا يقول ابن الأثير: وسمع الملوك أن ملك الفرس صغير في المهد فطمعت في مملكته العرب والروم معاً، ولما كانت العرب أقرب إلى بلاد فارس سار جمع عظيم منهم في البحر-وبينهم من بني عبدالقيس بالبحرين- إلى بلاد فارس وسواحل أردشيرفره، وغلبوا اهلها على مواشيهم ومعايشهم واكثروا الفساد. ومن هذه الواقعة نستدل على عدة أمور: أولا: أن القبائل العربية من ربيعة كانت تسكن البحرين قبل القرن الرابع الميلادي. ثانيا: أن مهاجمة الدولة الفارسية عن طريق البحر كان بأمر من امرئ القيس الذي كان يدأب على تكوين الدولة العربية التي كان يعاضدها عدد من القبائل العربية في منطقة الخليج.

ويرجح كذلك أن امرأ القيس قد أمر اياد بالإغارة على سواد العراق. وفي ذلك كتب ابن الأثير أيضا: وغلبت اياد على سواد العراق واكثروا الفساد فيهم، فمكثوا حينا لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم وهذا دليل آخر على خضوع بقية القبائل العربية لسلطان امرئ القيس. ولكن الإخباريين سامحهم الله لا يرون للعرب دولة قبل الإسلام، فأهملوا عدداً من حقائق التاريخ لانهم اعتمدوا في الغالب على الروايات الفارسية.

غير أننا نرى أن نستخلص مما تقدم بأن امرأ القيس قد قام فعلا بمحاولة تأسيس دولة عربية كبيرة امتد نفوذها من مشارف الشام وسواحل البحر الأحمر إلى حدود اليمن وسواد العراق بما في ذلك شطري الخليج العربي وإقليم البحرين.

ولما ترعرع سابور ذو الأكتاف وبلغ من العمر 16 سنة تولى أمور مملكته فبادر إلى إصلاح أوضاعها الداخلية بسرعة، ثم تطلع إلى استرجاع حدود إمبراطورية أسلافه. ولهذا شرع بتوجيه جيوشه ضد العرب أولا، وفي هذا يصف لنا لقيط ابن يعمر الأيادي -وقد كان يعمل في حينه في البلاط الفارسي- تحذيره لقبيلته ناشدا:


سلام في الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من اياد بأن الليث كسرى قد أتاكم فلا يشغلكم سوق النفاد أتاكـم منهم سـبعون ألفا يزجون الكتائب كالجراد

ثم أرسل لقيط رسالة أخرى ينذر بها قومه:

يا أيها الراكب المزجى مطيته إلى الجزيرة مرتادا ومرتبعا أبلغ ايادا وخلل في سراتهم اني أرى الرأي أن لم أعص قد نصعا لا تلهكم ابل ليست لكم ابل أن لعدو بعظم منكم قرعا قوموا قياما على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا كي ينال الأمن من فزعا

وقال ابن خلدون عن سابور ذي الأكتاف: "حتى إذا كبر وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ست عشرة سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه. وكان أول شيء ابتدأ به هو شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم.

ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم، وهم غازون بلاد فارس فقتلهم أبرح القتل. وعن قصيدة لقيط كاتب البلاط الفارسي يحق لنا أن نتساءل: هل جهز سابور سبعين ألف جندي وقادهم بنفسه لمحاربة قبيلة واحدة فقط في ذلك الوقت؟ نرجح الجواب بالنفي. وفي هذا نرى أن سابور نحو الأكتاف قد جهز تلك القوة الكبيرة حينذاك وترأس قيادتها بنفسه لمحاربة الدولة العربية الناشئة بزعامة امرئ القيس بن عمرو. فتحركت جيوش سابور تجاه عاصمة الدولة العربية في الحيرة سنة 325 م(2) واشتبكت مع العرب في حروب ضارية. ولما كان الفرس أكثر تنظيما وأقوى سلاحا استطاع سابور أن يحتل الحيرة منتصرا وولى عليها أوس بن قلام (1) بعد أن تقهقر امرؤ القيس بجنوده تجاه إقليم البحرين. ثم تبعه سابور أسرف في القتل في الخط وهجر حتى سالت دماء العرب على الأرض، وتابع سابور زحفه إلى اليمامة وهو يغور المياه ويخلع أكتاف العرب تنكيلا بهم، ولذلك سموه سابور ذا الأكتاف. ويحدثنا العلامة ابن خلدون نقلا عن السهيلي بأن سابور قال: إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة.

واثر تلك الهزيمة التحث امرؤ القيس إلى دولة الروم في الشام وعلى رأسها قسطنطين الكبير الذي تحالف معه فأسكنه حوران على أطراف مملكته وبما أن قسطنطين هو أول من تنصر من ملوك الروم واول من عمل على تنشيط الحركة التبشيرية واجتهد في تنظيمها ونشرها، فقد اعتنق امرؤ القيس النصرانية أيضا. وقبل ذلك كان هذا الأخير وثنيا يدلنا على ذلك اسمه امرؤ القيس أي خادم القيس، والقيس اسم لصنم من أصنام العرب التي كانوا يعبدونها.

وبعد أن مات امرؤ القيس في الشام ودفن على حدودها حيث يوجد قبره ظل بنوه لمدة سنتين خارج الحكم إلى أن نشبت الفتنة في الحيرة عام 330 م حينما قتل جحجبان بن عتيق اللخمي أوس بن قلام الذي أوردنا ذكره. ويحدثنا المؤرخون بأنه بعد أن يئس أبناء امرئ القيس من مناصرة الروم لهم عادوا بزعامة عمرو بن امرئ القيس إلى حكم الحيرة بعد مقتل أوس.

وذلك لان الفرس اتصلوا بهم ليحاربوا معهم ضد الروم. وهكذا اصبح حكم اللخميين خاضعا أيضا لسلطان الفرس ونفوذهم الذي كان يشتد حيناً ويضعف حينا أخر أتقيس لشخصية الملوك من الطرفين، أو لقرب وبعد أي إقليم من عاصمتهم. وعليه نرجح أن إقليم البحرين كان خاضعا لنفوذ اللخميين التابعين، كما هو معروف، بدورهم للإمبراطورية الساسانية، ولم يكن حكم الأخير على البحرين حكما مباشرا إلا في بعض الفترات.

البحرين من القرن الرابع إلى ظهور الإسلام

استطاع العرب في أوائل القرن الرابع الميلادي وبقيادة امرؤ القيس بن عمرو أن يؤسسوا أركان دولة عربية لو حالفتها الظروف لكان لها شأن يذكر في التاريخ.. ولكن الفرس استطاعوا القضاء عليها ولم تزل في بداية نشوئها كما أسلفنا.

ومنذ عام 325م إلى 378م مر العرب بفترة قاسية كانت من أسوأ الفترات التي مرت عليهم في تاريخهم القديم، فقد احتل الفرس الأطراف الشرقية من جزيرة العرب، واحتل الأحباش اليمن فقضوا على دولة الحميريين فيها، وغزا الروم الشام والأطراف الشمالية لبلاد العرب وبذلك قضوا على استقلال الدويلات التي كانت للعرب في اليمن والحيرة وتخوم الشام، ولم يبق بعيدا عن ذلك الاحتلال غير الحجاز وبعض أقسام نجد وباديتها.

وفي عام 378 م استطاع الحميريون بقيادة ملكيكرب ينعم أو ملك كرب (يهأمن) أن يحرروا اليمن من سيطرة الأحباش وبويع ملكيكرب ملكا على اليمن ولقب بملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات. ولكن العرب لم يستطيعوا التخلص من أكبر دول العالم في ذلك العصر وهما دولتا الفرس والروم.

وبما أن هاتين الدولتين ليس لهما مطامع في داخلية جزيرة العرب وصحاريها فقد أعاد الفرس إلى اللخميين سلطانهم على الحيرة بعد قتل اوس بن قلام كما أسلفنا، ثم تحالفت الدولة الساسانية مع هذه الإمارة واتخذت منها أداة رادعة لصد هجمات القبائل العربية المتكررة على حدود مملكتها، كما جعلتها عونا لها في الحروب التي تنشب بين الساسانيين وبين الروم.

أما التبابعة في اليمن فقد وسعوا نفوذهم في جزيرة العرب في عهد أبو كرب. اسعد بن ملكيكرب وابنه حسان أضيف إلى لقبهما ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم طودم (وتهمتم) أي وأعرابها في الجبال وتهامه. ويروى الاخباريون أن حسان بن أسعد بن ملكيكرب ساعد أخاه لامه حجر بن عمرو سيد قبيلة كنده على تأسيس إمارة كنده التي امتد سلطانها على قبائل معد، وكانت هذه القبائل تابعة لسلطة تبابعة اليمن كما كانت إمارة المناذرة تابعة للفرس حينذاك. ولما كان لأمراء كئدة دور كبير في تاريخ إقليم البحرين ونجد فإننا سنذكر هذه الإمارة باختصار.

ملوك تنوخ

الترتيب الحـــاكــم فترة الحكم
1 مالك بن فهم
2 عمرو بن فهم
3 جذيمة الأبرش ------268
4 عمرو بن عدي 268-288
5 امرؤ القيس بن عمرو (الأول) 288-328

انظر