مملكة التكرور أو التكرور Tukulor هو اسم لشعب كبير من القبائل الحامية أسس مملكة افريقية قديمة جدا امتدت من غرب السودان إلى سواحل بحر الظلمات في أراض شاسعة تزيد عن مساحة الجزيرة العربية والعراق والشام معا. ضمت تلك المملكة أرضي المناطق المعروفة اليوم سياسيا بالسنغال ومالي ونيجيريا و النيجر وتشاد وصولا إلى حدود دارفور في السودان ويذهب بعض المؤرخين، خاصة العرب، إلى إن اسم تكرور هو اسم لمدينة على نهر السنغال الحالي وكانت عاصمة مملكة التكرور.
فهرس
|
وقد وصف المؤرخ القلقشندي مدينة تكرور بالمدينة الكبيرة ويقول عنها إنها أكبر من مدينة سلا التابعة لبلاد المغرب. كما ذكر إن مملكة التكرور تشتمل على أربعة عشر إقليما وان أكثر ما يجلبه إليها تجار المغرب الأقصى (شمال إفريقيا) هو الصوف والنحاس والخرز وأكثر ما يشترونه منها هو التبر(الذهب الخالص) . ويدل هذا الوصف على الغنى الواسع الذي تمتعت به تلك المملكة. وحتى اليوم، لا تزال الكثير من دول تلك المناطق تُصنف بين أكبر منتجي الذهب في العالم. ولاشك إن هذا الذهب الوفير كان من الأسباب الرئيسية لقدوم المستعمر الأوربي الذي نهب خيرات المسلمين هناك باسم الحرية و"التبشير" النصراني.
وعبر العصور بات كل من ينتمي لغرب أفريقيا ينسب لمملكة التكرور ويسمى بالتكروري ربما نسبة للتكرار وهي كلمة عربية انطبق معناها على التكروريين، ربما لكثرة تكرارهم لأداء فريضة الحج والله اعلم. ومع ذلك، تتفق المصادر التاريخية العربية والغربية على تسمية جزء من شعوب غرب إفريقيا بالتكرور وان كانت المصادر العربية خاصة الحديثة منها تنسب كل سكان غرب إفريقيا للتكرور.
أقدم ما ذكرته المصادر التاريخية عن مملكة التكرور في غرب إفريقيا هو تاريخ دخول الإسلام لأراضيها حوالي عام 1030م أي بداية القرن الخامس الهجري. لكن بعض الباحثين يرون إن تلك المملكة نشأة قبل هذا التاريخ بعدة قرون حيث كانت في أوج قوتها حين دخلها الإسلام في عهد الملك القوي وارديابي الذي توفي عام 1040م. وعلى الأرجح، ربما دخل الإسلام لمملكة التكرور قبل سنة 1030م بعدة سنوات بإسلام أفراد وجماعات صغيرة على يد التجار المسلين القادمين من شمال أفريقيا.
رغم قوة المملكة آنذاك، فقد دخل الإسلام لمملكة التكرور طواعية دون قتال وباختيار أهلها. كانت سنة 1030م سنة متميزة وتاريخية ليس في حياة شعب تلك المملكة العريضة وقتئذ، لكنها كانت سنة مصيرية حددت هوية ومستقبل شعب وأمة التكرور وكل من ينتمي له لحوالي ألف عام، بل ليومنا هذا والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ففي حوالي سنة 1030م اسلم ملك مملكة التكرور القوي وارديابي وأسلمت معه الطبقة الارستقراطية ورجال الدولة والعلماء ثم عم الإسلام كافة أرجاء المملكة بفضل ذلك الملك الرائد رحمه الله.
بإسلام ملكها وارديابي، زادت قوة مملكة التكرور في النصف الأول من القرن الخامس الهجري وبسطت نفوذها على مناطق كثيرة في إفريقيا السمراء وبلغت أوج قوتها واتساعها في القرنين الثامن والتاسع (هـ) وهو ما تزامن مع أوج قوة الدولة العثمانية حاضرة الخلافة الإسلامية في تلك العصور. ولا يستبعد قيام علاقة مباشرة بين مملكة التكرور والدولة العثمانية في تلك الفترة وربما خُص السلاطين العثمانيين بالدعاء لهم على المنابر كما كان الحال في الحجاز وغيره من الإمارات والممالك الإسلامية التي أقرت بالولاء ولو صوريا لخليفة المسلمين في استانبول.
ورغم الضعف الكبير الذي تطرق إلى أركان مملكة التكرور في الفترة الممتدة مابين القرنيين العاشر و الثالث عشر (هـ) ، فإنها لم تتلاشى تماما وإنما بقيت على قيد الحياة ولم تخضع خضوعا مباشرا لأية قوة عسكرية استعمارية. ورغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها تلك المملكة في أواخر عهدها، فإن المؤرخين أكدوا أن حكمها استمر لأكثر من تسعمائة سنة دون انقطاع بما فيها فترات الاتساع والانكماش. تميز شعب التكرور بحبه الشديد للإسلام وتطبيقه في كل شؤون حياتهم.
في بدايات وأواسط القرن الثالث عشر الهجري (1210ـ 1260هـ) كانت مملكة التكرور في ضعف شديد ولم يُسمي المؤرخون لها حاكما قويا يَلمُ شملها، وعلى الأرجح أن مملكة التكرور كانت مقسمة للمالك وإمارات صغيرة ليس لها تأثير يذكر عسكريا أو سياسيا في تلك الفترة[بحاجة لمصدر]. لكن مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت حركات إصلاحية كثيرة في غرب إفريقيا وبلاد التكرور ،كما في بقية أجزاء العالم الإسلامي حيث كانت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد مابين عامي 1730و 1793م تقريبا.
اشتهر من هذه الحركات الإصلاحية حركة الشيخ عثمان دن فوديو وحركة الحاج عمر تال المتزامنتان تقريبا. ورغم أن بعض المحللين يصفون هذين الرجلين بالصوفية فأعمالها وجهادهما تدعوا للتساؤل عن صحة هذه المقولة. فكما هو معلوم، فالصوفية يكتفون بالتأمل والعزلة ولا يجاهدون عدوا ولا يقارعون كافرا وكل همهم العيش الخشن والتمتمة. والحقيقة هناك بعض النصوص التي تؤكد أن منهج الصوفية كان من التجارب التي مر بها الشيخ عثمان دن فوديو في بداية شبابه لكنه ترك العزلة وتفرغ للجهاد بقية حياته.
ونبدأ بأولهما مولدا، الشيخ عثمان دن فوديو الذي ولد حوالي سنة 1754م. درس الشيخ عثمان العلوم الإسلامية على يد والده و أعمامه وبدأ بنشر الدعوة وهو في سن العشرين في بلدته دقل. في بداية حياته وجهاده ربط الشيخ عثمان الجهاد بقرب ظهور المهدي آخذا برأي السيوطي الذي حدد في كتبه موعد ظهور المهدي بسنة 1200هـ. لكن الشيخ عثمان تراجع عن هذا التوجه بعد ما لاحظه من ادعاء بعض المفترين بالمهدية ونفى ان يكون هو نفسه المهدي.
أدى الشيخ عثمان فريضة الحج وعاش فترة بين أبناء جلدته من قدماء المهاجرين التكروريين، كما التقى برجال الدعوة السلفية للشيخ محمد بن بعد الوهاب في الحجاز وتأثر بها. الرئيس السابق لقسم التاريخ في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور مصطفى مسعد مؤلف كتاب " دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا" يؤكد تأثر حركة الشيخ عثمان بن فوديو بالدعوة السلفية وبين تطابق أسلوب ومنهج الدعوتين. اتبع الشيخ عثمان نفس طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نشر الدعوة وهو أسلوب بعث الرسائل وبث الدعاة. كان الشيخ عثمان يجوب المساجد والأحياء ويلقي الخطب ويكتب باللغة العربية. وللشيخ قصائد بلغة الهوسه والفلاني مكتوبة بالأبجدية العربية. هذه المواعظ أكسبت الشيخ شهرة عريضة وكانت من أسباب التفاف الناس حوله من قبائل كثيرة.
وفي عام 1795م أعلن الشيخ عثمان الاستعداد لجهاد حاكم إمارة جوبير بهدف "إزالة الظلم والطغيان بعد تفشيه هناك" وتطهير العقيدة الإسلامية مما لحقها من الشوائب والشرك ونشر الاسلام بين الوثنين. حاكم إقليم جوبير الذي ينتمي له الشيخ، واسمه نفاثا، كان قلقا من حركة الشيخ عثمان وحأول السيطرة عليه. أعلن نفاثا أن امتياز الدعوة للشيخ فقط ولا يحق لاتباعية نشرها بين الناس. كما اصدر مراسيم قضت برجوع من اسلم من الوثنيين لوثنيتهم وان لا مسلم إلا من كان أبواه مسلمان. كما منع الرجال من لبس العمائم ومنع النساء من ارتداء الحجاب، ولا يستبعد أن تكون تلك الإجراءات بإيعاز من الانجليز الذين كان لهم وجود قوي في تلك المناطق. بل إن الحاكم حأول القبض على الشيخ عثمان أو التخلص منه.
كانت تلك الإجراءات سببا في خروج الشيخ واتباعية للصحراء ليستقر في مدينة بعيدة تسمى جودو. ومن هناك كانت بداية تأسيس إحدى أكبر الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا. فمن جودو أعلن الشيخ عثمان الجهاد وخاض معارك كثيرة ووجدت دعوته استجابة واسعة في غرب إفريقيا وانضمت لحركة قبائل من مناطق تشاد والنيجر والطوارق. وانتظم الجهاد وشمل كافة لإمارات مثل كانو وزاريا ثم تُوج الجهاد بتأسيس خلافة سكوتو عام 1831م وسمي الشيخ بأمير المؤمنين. اسمرت حياة هذه الإمارة حتى عام 1903م حيث سقطت على يد الإستعمار الأنجليزي وأعوانه. توفي الشيخ عثمان بعد ذلك الجهاد الطويل وخلفه ابنه محمد بيلو.
للشيخ عثمان مؤلفات كثيرة منها "إحياء السنة وإخماد البدعة" ونصيحة أهل الزمان" وكتاب " أصول الدين" وتؤكد هذه المؤلفات أن الشيخ كان واسع الاطلاع على الأحاديث النبوية الشريفة ، وأقوال الخلفاء الراشدين وأتباعهم وآراء الأمة الأربعة. كان الشيخ يهدف من مؤلفاته إصلاح أحوال العلم والعلماء وتطبيق أحكام الله، و تصحيح الإيمان بشكل يؤدى إلى إقامة الشريعة كما أمر الرسول نهى والتبصر في الدين. كان الشيخ رحمه الله فصيحا بليغا، جميل العشرة كريم الصحبة.
وفي سنة 1838م ظهر رجل قوي آخر من سلالة الأسر الحاكمة من التكرور ليلعب دورا خطيرا في تاريخ إفريقيا السمراء حيث وحد أجزاء كبيرة من غرب القارة تحت حكمه وهو الحاج عمر. تدخل حركة الحاج عمر تال في إطار الحركات الإصلاحية التي قامت في الكثير من الأراضي الإسلامية إما لمقأومة الشركيات أو لتخليص المسلمين من القوى الاستعمارية التي تسلطت على الكثير من بلاد المسلمين بعد ضعف الخلافة العثمانية وعجزها عن حماية الأمة. ومع اخذ تلك الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في بلاد المسلمين في الحسبان، فليس من الغريب أن تتزامن حركة الحاج عمر مع أوج الحركة التصحيحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، فمن هو الحاج عمر؟.
اسمه الكامل هو عمر بن سعيد تال ولد بين سنتي 1794و 1795م. وبعد اشتداد عُوده أدى الحاج عمر فريضة الحج سنة 1840م تقريبا وأقام في الحجاز فترة طويلة. ورغم انه لم يختر البقاء والمجأورة بقية عمره كما كان يفعل الكثير من التكروريين في تلك الفترة، فقد عاصر علماء الحرمين وزار مناطق كثيرة في الحجاز. بعد رجوعه من الحجاز عبر مصر، أقام لمدةَ غير محددة في مدينة سكتو ثم سافر إلى في فوتة جالون حيث أقام حوالي سبع سنوات. رجع الحاج عمر إلى منطقة حوض نهر السنغال حيث أعلن الجهاد ضد الوثنين والمشركين. لم تمس حركة الحاج عمر الوثنيين فقط وإنما ضربت بعض الممالك الإسلامية الأخرى في غرب إفريقيا كذلك لأنها، وحسب رأيه، لم تكن على الإسلام الصحيح.
استمرت جيوش الحاج عمر في اكتساح الإمارات والممالك في غرب إفريقيا ولم يوقفه سوى الزحف الاستعماري الفرنسي الذي بلغ أقصاه في تلك الفترة. توفي الحاج عمر عن عمر ناهز السبعين في ظروف غامضة ولم يتأكد للمؤرخين أمات أم قتل. والحقيقة إن الفضل يعود، بعد الله، لجهاد الحاج عمر في نشر الإسلام في مناطق كثيرة كانت مرتعا للوثنية، كما يحسب له وقوفه الصلب ضد انتشار النصرانية في غرب إفريقيا.
وبوفاة الحاج عمر طُوي آخر فصل من تاريخ مملكة التكرور التي دامت لأكثر من ألف عام وحكمت أراضي شاسعة من غرب إفريقيا غطت ما يعرف اليوم بالسنغال ومالي وغانا. كان لسقوط دولة التكرور بقوة الاستعمار الفرنسي وحليفة الاستعمار البريطاني، دور مهم في حدوث موجه جديدة من الهجرة لبعض قبائل التكروريين . فكما حدث في كل الأراضي الإسلامية التي وقعت تحت الاستعمار، تأذي المسلمون من جور الحكم الظالم الذي فرض القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية.
كانت أرض الحرمين من الأماكن القليلة من الأراضي الإسلامية التي لم يدخلها المستعمر الغربي فأصبحت الملجأ الأول لكافة المسلمين الذين تعرضوا للقمع في بلدانهم. أتت المرحلة الحديثة لهجرة التكروريين لأرض الحرمين في إطار موجة عالمية من هجرة المسلمين للحجاز الذي كان تحت الحكم العثماني الضعيف جدا في تلك العقود. ففي تلك الفترة وقعت أراضي بخارى والجمهوريات الإسلامية الشمالية تحت الحكم الروسي، كما سقطت كل أجزاء المغرب العربي تحت الاستعمار الفرنسي والاسباني والايطالي. أيضا في تلك الفترة كانت الهند وأجزاء كبيرة من ممالك المسلمين في بلاد جأوة وماليزيا واقعة تحت الاستعمار.
تحت هذه الظروف التي شكلت حقبة قاتمة في تاريخ البشرية، فر كل من استطاع من المسلمين لأرض الحرمين هاربا بدينة ونفسه. فما بين عامي 1860و 1930م وبسبب تبعات الحرب العالمية الأولى، هاجر لأرض الحجاز أعداد كبيرة من التكروريين و الجأوة والبخاريين والهنود والمغاربة حيث تفاعلوا مع من سبقهم من الجاليات القديمة الهجرة من أبناء جنسهم ومن سكان الأماكن المقدسة من عرب الحجاز وأهل اليمن ليشكلوا مجتمعا فريدا في تكوينه الثقافي والعرقي تحت مظلة الإخوة الإسلامية التي تعززت بقيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1344هـ.