"تاريخ البطاركة" لساويرس بن المقفع [1] هو في الأصل مخطوط قديم من أهم المخطوطات التى تتناول تاريخ مصر منذ الاحتلال الرومانى [ القرن الأول الميلادى] و حتى حكم الخديو عباس حلمى الثانى [ اوائل القرن العشرين ] . و لعل ولع مؤلفه الأول ساويرس أبن المقفع بكتابته يعود إلى أن تاريخ مصر يمتاز بالخصوبة و الإنجازات و التفاعلات الهائلة التى تغرى دوماً بالتدوين .
وقد ذكر ابن المقفع انه جمع سير البطاركه من مخطوطات دير ابى مقار ودير نهيا وغيرهما ، ومن الملاحظ انه كان يكتب أحداث السير الأخيره بالتفصيل لإنها تقاربت من العصر الذى يعيش فيه وقال في ابن المقفع في مقدمه كتابه ( بعد دراسه المؤلفات التى وضعت عن آباء الكنيسه الإسكندريه المتداوله بين الأيدى والمحفوضه في أديره الأنبا مكارى ونهيا وغيرهما ، هيأت العنايه الإلهيه لى الفرصه لإن أجمعها في كتاب واحد ، وقد شاء الآب السمائى أن يمد في عمرى حتى بلغت التسعين فإستطعت بهذه النعمه أن أتمم وضع هذا الكتاب)
تقول المؤرخة أيريس حبيب المصرى عن تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية لساويريس بن المقفع أسقف الأشمونيين : " الظاهرة الغريبة أن الأسقف الأشمونى عاش في القرن العاشر ولكنه سيطر على الفكر القبطى بكتابة البطاركة .. إلى حد أن تاريخ الباباوات الذين عاشوا بعده بقرون يرجعونه إليه !! [2] [3]
قام الأنبا ساويرس بن المقفع بتسجيل سير البطاركة من القديس مرقس كاروز الديار المصرية إلي البابا شنودة الأول البطريرك 55 (859 ــ 880م)، ثم جاء بعده الأنبا ميخائيل أسقف تنيس وسجل سير البطاركة من البابا خائيل الأول البطريرك 56 (880 ــ 909م) إلي البابا شنودة الثاني البطريرك 65 (1032 ــ 1046م)، ثم جاء موهوب بن منصور بن مفرِّج الإسكندري وسجل سيرة البابا خرستوذولس البطريرك 66 (1047 ــ 1078م)[4].
يتعرض كتاب ساويرس لتاريخ العصور الوسطى وطبيعى أن يركز ساويرس اهتمامه بتاريخ مصر، فيبين لنا كيف احتلها العرب، ثم كيف كانت معاملتهم للمصريين من النواحى الدينية والمالية والاجتماعية والإدارية. يفصل ساويرس الكلام على الأحداث الهامة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية التى حدثت في "عصر الولاة" وهو الذى يبدأ بغزو العرب لمصر وينتهى بقدوم أحمد بن طولون إليها وتأسيسه الدولة الطولونية فيها،
يبين ساويرس انتقال مصر من التبعية للخلافة إلى الاستقلال الذاتى أيام الدولتين الطولونية والإخشيدية، ثم قيام الخلافة الفاطمية في مصر التى نافست الخلافة العباسية في بغداد لفترة من الزمن، كذلك يبين ساويرس علاقة البطاركة المصريين بولاة مصر وأمرائها وخلفائها من ناحية، ثم علاقة هؤلاء البطاركة بالنوبة والحبشة وشمال أفريقيا والشام من ناحية أخرى. ولا شك أن ساويرس يشترك مع بقية المؤرخين في ذكر كافة الأحداث الهامة مع العناية بشئون مصر على غرار المؤرخين المصريين مسلمين كانوا أم مسيحيين، لكنه يمتاز عليهم جميعا بأن كتابه له قيمة الحوليات، والمذكرات والمصادر المعاصرة له.
كتاب تاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية القبطية هو المخطوطة الوحيدة التي تغطي تاريخ مصر منذ ما قبل الاحتلال الروماني (من بدايات القرن الأول الميلادي على وجه التقريب) وحتى عهد الملك فؤاد في بدايات القرن العشرين. وعلى رغم ذلك فإن معظم مؤرخي مصر يتجاهلونها بسبب ندرتها بين يدي الباحثين وبسبب ظن من يسمعون عنها أنها تاريخ للكنيسة المصرية فقط غير مدركين للرصد التاريخي لوقائع مصر الكثيرة.[5]
لعل من أهم الأمور التى انفرد ساويرس ببيانها أو توضيحها ما كتبه عن مركز المصريين في ظل السلطة الإسلامية من الناحية الاجتماعية، ومدى تمتعهم بالحرية الدينية، وقيامهم بشعائرهم، والاحتفال بأعيادهم، وبناء أو تجديد كنائسهم، وعلاقة المصريين بالمسلمين في مصر وفى غيرها من البلدان، وموقفهم من الحكومات الإسلامية المتعاقبة على مصر.كذلك أفاض ساويرس في حديثه عن نشر الإسلام في مصر ، بل أنه في بعض الحيان يعطينا أرقاماً بعدد الذين تحولوا إلى الدين الإسلامى في ظل الظروف الإقتصادية القاسية تخلصاً من الجزية و الخراج . و قد أكد ساويرس أن العرب منذ البداية ، أنتصروا لكنيسة اليعاقبة الأرتدكسية [ المصرية ] على اعداءهم في المذهب و هم الملكانيين [ البيزنطيين ] وغيرهم . فقد أعتبر الأقباط أن الملكانيين أتباع الملك البيزنطى ، و أنهم ليسوا أعداءهم في المذهب الدينى فقط و إنما أعداءهم في القومية . كذلك آزر الحكام العرب الكنيسة المصرية بأعتبارهم أصحاب البلاد ، و أعتبروا الملكانيين سنداً لأعداءهم البيزنطيين .
كذلك يبين لنا ساويرس أن الأقباط شغلوا كثيرا من الوظائف في ظل السلطة الإسلامية وخاصة الوظائف المالية والادارية ، ويورد ساويرس في مناسبات مختلفة أسماء كثير من كبار الموظفين الأقباط. ويشيد ساويرس بتسامح الخلفاء الفاطميين، اللهم إلا عهد الحاكم بأمر الله الذى كان يمتاز بالتقلب مع جميع المذاهب، بل إن ساويرس يذكر أنه في العصر الفاطمى أصبح "جميع مقدمى المملكة والناظرين في دواوينها وتدبير أمورها كلهم نصارى".
أما عن انتشار الإسلام في مصر منذ أواخر عصر الولاة، فيتضح لنا مما كتبه ساويرس أن العامل المالى من أهم العوامل التى حولت أغلبية الأقباط إلى اتباع الدين الإسلامى. ويتضح من كتابات ساويرس أن الرهبان كانوا يبغضون السلطة الإسلامية لأنهم كانوا يفلتون في البداية من دفع الجزية والخراج إلى أن بدأ والى مصر عبد العزيز بن مروان (684-705م) سنة فرض الجزية عليهم. فمن المعروف أن الرهبنة كانت منتشره حينذاك في مصر ، و قد ساعد على أنتشارها ما وقع للمصريين من ظلم و إظطهاد زمن البيزنطيين ، ففضل الكثيرون أن يعيشوا في عزلة عن العالم منفردين أو جماعات في أديرة ، و لما كان الراهب لا يملك شيئاً و يعيش في عزلة ن العالم ، لذا لم تفرض عليه أى ضريبة في عهد الرومان و البيزنطيين ، بل أعفيت الأديرة و الرهبان من الضرائب . و لما أحتل العرب مصر حافظوا على هذا التقليد تقريباً من الكنيسة المصرية و ما لبث الحكام المسلمين أن فطنوا إلى أن الأديرة أصبحت تملك ثروات ضخمة ، و إلى أن كثيراً من الأقباط لجئوا إليها كى يتخلصوا من الضرائب. و لذا نرى حاكم مصر عبد العزيز بن مروان و هو أخ للخليفة عبد الملك بن مروان يأمر بإحصاء الرهبان و فرض الجزية عليهم . كما أنه الزم الأساقفة بأن يؤدوا قدراً معيناًمن المال سنوياً بالأضافة إلى خراج الأديرة و الكنائس . و كانت السلطة الإسلامية تفرض أشد العقاب على الرهبان أو رجال الدين الفارين من الأموال المفروضة عليهم ، كما كانت تتشدد في جمع الجزية من المصريين .
و يبين ساويرس أن كثيراً من المصريين أسلموا ليتخلصوا من الجزية و الضرائب المفروضة عليهم ، كما يذكر أن الأقباط الذين بقوا على دينهم قاموا بمقاومة سلبية ضد الحكام المسلمين تنطوى على الهروب من مكان إلى مكان ، و هجر الأراضى الزراعية ، و ذلك منذ خلافة الوليد بن عبد الملك [ 705ـ714م ] . وفى أثناء حكم أخيه عبد الله بن عبد الملك أصدر نائبه في مصر أمر بوشم الفارين من الجبايات المالية . و استمرت حركة الهروب في حكم قرة أبن شريك و أتخذت شكلاً واسعاً ، فيذكر ساويرس أن الأسرة بأكملها كانت تهرب من مكان إلى مكان فراراً من الأموال الباهظة المطلوبة منهم .و أضطر قرة بن شريك إزاء هذا إلى إنشاء هيئة خاصة مسلحة لوقف تلك الحركة و إعادة كل هارب إلى موضعه . و ظل قرة يقاوم تلك الحركة بنشاط حتى توفى سنة 714م . و يؤكد كلام ساويرس ما استخلصناه من الأوراق البردية العربية و اليونانية التى ترجع إلى عهد هذا الحاكم . و من بعد قرة أبن شريك حكم مصر أسامة أبن زيد التنوخى في خلافة سليمان بن عبد الملك ، وتشدد مثله في طلب الخراج و الجزية ، و أسلم الكثيرون في أيامه كى يتخلصوا من الأعباء المالية . ولكن حركة الهرب استمرت من جانب الذين أثقلت كاهلهم الأعباء المالية و الجزية و لم يرغبوا في أعتناق الإسلام . ولكى لايتمكن أحد من الهروب من منطقة إلى أخرى عملت سجلات للأهالى بمحلات اقامتهم ، و ألزم كل شخص يريد الإنتقال من جهة إلى أخرى ، أو يريد ركوب سفينة أو النزول منها أن يحمل معه سجله . أما من يفقد سجله أو يتلفه فقد ألزمه الحاكمبالحصول على سجل آخر مقابل دفع خمسة دنانير . والواقع أن ساويرس هو المؤرخ الوحيد الذى كتب و فصل لنا الكلام عن حركة الهروب ، تلك الحركة التى تنطوى على مقاومة المصريون لسلطة الحكام المسلمين مقاومة سلبية بعدما أصبح الألتجاء إلى الأديرة لا يعفيهم من الألتزامات المالية الباهظة منذ الخليفة عبد الملك بن مروان و أخيه عبد العزيز بن مروان . كذلك يذكر ساويرس أن الخليفة العباسى الأول أبو العباس عبد الله السفاح وعد في حالة مساعدته على القضاء على بقايا الأمويين ، خاصة في مصر و افريقيا ،أن يعفى من الجزية كل من يعتنق الدين الإسلامى ، فتخلى كثير من المسيحيين ، أغنياء و فقراء ، عن دينهم و أعتنقوا الدين الإسلامى بسبب فداحة الجزية و الأعباء الملقاةعليهم أملاً في ذلك ، وهذا ما لم يتحقق . ومما لاشك فيه أن الأمثلة التى يوردها ساويرس ، و التى تبين أن الأقباط الأغنياء ضجوا من الجزية الباهظة كما ضج منها الفقراء ، تظهر أن الجزية كانت المورد المالى الرئيسى الذى عنيت به السلطة الإسلامية ، و أنها كانت أمراً ثقيلاً ، و لم تكن بالضريبة الهينة و إلا لما حملت الكثيرين على التخلى عن دينهم .
بدأ الأقباط منذ سنة 725 في التخلى عن مقاومتهم السلبية وأخذوا يقاومون سلطة الحكام المسلمين مقاومة إيجابية وذلك بالقيام بالثورات العلنية ضدهم. وحين بدأ المصريون الأقباط يثورون ضد سلطة الحكام المسلمين بسبب مطالبهم المالية المجحفة، أنتهز المسلمين الذين زاد عددهم في مصر وأصبحوا يملكون أراضى خراجية، شريكا لهم في تلك الثورات. ولذلك نرى سائر مؤرخى مصر المسلمين يشتركون مع ساويرس في ذكر تلك الثورات بل يفصلون الكلام أحيانا فيما لا يفصل فيه مؤرخ البطاركة. وقد تعددت ثورات المصريين وشملت الوجهين البحرى والقبلى. وكان أعنف هذه الثورات تلك التى كان يقوم بها أهل البشمور أو البشرود، وهى المنطقة الرملية الساحلية بين فرعى دمياط ورشيد. ولقد ظل المصريون الأقباط يقومون بالثورة بعد الأخرى طوال القرن الثامن الميلادى وكانت حكومة العرب تقابل تلك الثورات بالقوة. وكان يتبع إخماد تلك الثورات في العادة تحول عدد كبير من الأقباط إلى الدين الإسلامى. وكان آخر تلك الثورات تلك التى انتهت في بداية القرن التاسع الميلادى (832 م) بمجئ الخليفة المأمون وإبادته للثائرين والتى كان من نتائجها أن أصبح الإسلام أغلبية في القطر المصرى. ويخبرنا ساويرس عن هذه الثورة فيقول أن الخليفة المأمون صحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية وأنه استعان به وببطرك الأقباط الأنبا يوساب، لإخماد ثورة البشموريين وسير إليهم قائدة الأفشين لمحاربتهم، ثم سار إليهم بنفسه وجحافله وقضى على حركتهم. يتضح لنا مما كتبه ساويرس أن الشعور الوطنى كان ضعيفا بين المصريين آنذاك، فلم يكن في ثورات المصريون الأقباط ضد سلطة الحكام المسلمين عنصر وطنى، بل كانت كلها بسبب الضرائب والجزية إما لحمل الحكام المسلمين على تخفيفها وعدم اتباع القوة في جبايتها، وإما للهرب من دفعها. ولعل ضعف هذا الشعور الوطنى كان أكبر عون للحكام المسلمين للقضاء على حركات المصريين. كذلك يذكر ساويرس أن الخليفة المتوكل على الله العباسى (232-247 هـ= 847-861 م) أمر بهدم الكنائس وأن يتميز المسيحيون واليهود في لباسهم عن المسلمين كما أمر أن يشغل الوظائف المسلمون فقط، ويذكر ساويرس أن كثيرين أسلموا حينئذ إما لحاجتهم وفقرهم، وإما رغبة منهم في الإبقاء على مناصبهم. والواقع أن مؤرخى الخلافة يشتركون مع ساويرس في تفصيل اضطهاد المتوكل لأهل الذمة المصريين.
لكن من الملاحظ أن التشريعات التى كانت تصدر ضد أهل الذمة، لم تكن تنفذ كاملة في بعض الأحيان خوفا من ازدياد التذمر واندلاع الثورات، وكان أثرها يخف كثيرا إلى أن تقوم تشريعات جديدة لتأكيدها. ولعل أبلغ مثل لذلك أن ساويرس نفسه يعود فيمتدح المتوكل مدحا كثيرا، فيقول أنه في أواخر أيام المتوكل استقامت أمور النصارى وأسبغت عليهم النعم العظيمة. ومن الأمثلة الصارخة التى يبين فيها ساويرس إسلام الكثيرين بسبب الفقر و قلة ما معهم من المال ما حدث في خلافة المنتصر العباسى [ 861 ـ 862م ] حينما ولى خراج مصر أحمد أبن المدبر ، إذ فرض هذا الوالى ضرائب باهظة على الأديرة و الكنائس و على المصريين عامة مما دفع الكثيرين إلى التحول إلى الإسلام تحت أمل إعفائهم من الجزية و الخراج . ويحدثنا ساويرس عن شخصيات من رجال الدين الأقباط الذين خرجوا للشكوى في مقر الخلافة العباسية ببغداد من الأعباء المالية ، و مثل ذلك خروج أحد رجال الدين من مصر و أسمه إبراهيم إلى مقر الخلافة في أيام المعتز [ 866 ـ 869م ] يشكو تعسف أبن المدبر ، فأصدر الخليفة أمراً بالتخفيف عن النصارى، ثم أكد هذا الأمر الخليفة المهتدى [ 896 ـ 897م ] الذى أمر بأن يرد إلى النصارى ما أغتصب منهم من المنقولات و الأراضى . وقد أتيح للأكفاء من أهل الذمة في مصر و في مختلف أنحاء الخلافة أن يتقلدوا وظائف مختلفة بالدولة و أن يزداد نفوذهم حتى وصل بعضهم للوظائف العليافى الإدارة ، كما وصل آخرون إلى أن يصبحوا الكتاب الرئيسيين و الوزراء عند بعض الولاة و الأمراء و الخلفاء ، و ذلك لحاجة الجهاز الإدارى الإسلامى إليهم بسبب خبرتهم الغير متوفرة عند غيرهم . و كان هذا يؤدى في بعض الأحيان إلى احتجاج فقهاء الدين ، و ثورة المسلمين أصحاب المصلحة مطالبين بالحيلولة دون سيطرة أهل البلاد على الجهاز الإدارى ، مما كان يستتبع ذلك إصدار التشريعات تبعد أهل الذمة عن الوظائف الإدارية بل و تلزمهم بألتزام زىّ يميزهم عن المسلمين .
نلاحظ أن ساويرس يعنى بالتأريخ للإسكندرية عناية خاصة ، وليس هذا بمستغرب فالإسكنرية كانت مقرا لبطركية الأقباط ، ولذا نراه يسميها في معظم الأحيان المدينة العظمى . و يؤكد ساويرس في مناسبات مختلفة ما نستشفه من سائر المصادر بأن الأسكندرية كانت منذ الأحتلآل اليونانى حتى حكم الأخشيديين تعتبر في معظم الأحيان جزءاً مستقلاً عن مصر حتى في القضاء . و لهذا عندما وصل إلى أحمد بن طولون مرسوم توليته جميع بلاد مصر من الخليفة العباسى ، يذكر ساويرس أن هذا الأمر كان بخلاف ما جرت به العادة ، فإنه لم يكن بين والى الأسكندرية و والى مصر معاملة و لا خطاباً . كذلك يحدثنا ساويرس عن أهمية الأسكندرية التجارية فيذكر أنها احتفظت بتلك الأهمية حتى بعد غزو العرب لها فظلت ميناءاً تجارياً هاماً تأتيها التجارة براً و بحراً . ويحدثنا ساويرس عن ثائر من سكان الإسكندرية من بنى مدلج قام بثورة في أواخر عصر الولاة في الوجه البحرى وانضم إليه جماعة كبيرة مقاتلة من أصحابه، ومن العربان وأخذوا يهاجمون عمال الخراج ويأخذون ما لديهم من الأموال . ويذكر أنه لما زادت جماعته، حاصر مدينة الإسكندرية، ولكنه لم يستطع فتحها بأى وجه من الوجوه، وذلك لوقوف حصونها حجر عثرة في سبيل ذلك، ولعدم وجود آلات لدك الحصون لدى الثوار، ومع ذلك فأنهم حاصروها ومنعوا الميرة من الوصول إليها عن طريق البحر والبحيرة الواقعة للجنوب منها . ويذكر ساويرس أنه لما طال حصار الإسكندرية اجتمع رؤساؤها وتشاوروا مع واليها واتفقوا على إحاطتها بسور كبير حولها. وقد اشترك في بناء هذا السور أهل الإسكندرية، إذ بنى كل صاحب دار أو أرض حائطا أمامه ووصله إلى حائط جاره، وبذلك أصبح للإسكندرية سور حولها وجعلوا له أبوابا، ولم يكن يفتح إلا باب واحد في المرة الواحدة وبذلك تحصنت الإسكندرية وأمن أهلها الأعداء. ولما وصل والى مصر مزاحم بن خاقان (253-254 ه = 876-868 م) استطاع أن يشتت هؤلاء الثوار الذين كانوا قد اتخذوا مراكز لهم بين بنا وأبو صير في الوجه البحرى فأعمل فيهم القتل بالسيف وأغرق آخرين وانهزم من بقى منهم في الجبال بالصعيد.
ومن الأمور التى يوضحها ساويرس وتساعدنا على فهم الوضع الحقيقى للأمور ما يذكره عن الشدة العظمى التى حدثت أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى. فقد ذكر المؤرخون المصريون مثل ابن ميسر، والمقريزى، وأبى المحاسن ابن تغرى بردى، إن الشدة العظمى كان سببها انخفاض ماء النيل وانتشار الوباء في مصر حتى إنعدمت الغلات من أرض مصر وأكل الناس البغال والحمير والميتة ثم أكل بعضهم بعضا. ولكن مؤرخ البطاركة يبين بوضوح أثر القلاقل والفتن في إيجاد هذه الشدة، فقد عمت الفوضى والحروب بين الجند وخاصة بين السودانية والأتراك، فكانت القاهرة في يد الجند الترك، وكان الصعيد في يد الجند السودانية، وكانت الإسكندرية وجزء كبير من الدلتا في يد فريق آخر من الجند التركية تساعدهم قبائل قيس ولواتة. ويبين ساويرس تسلط اللواتين، وهى قبائل بربرية الأصل، على الريف ويذكر أنهم ملكوا أسفل الأرض أى الوجه البحرى، وأصبحوا يزرعونه كما يريدون بلا خراج ولم يهتموا بحفر الترع أو عمل الجسور وإنفردوا بالزراعة دون غيرهم وامتنعوا عن بيع الغلات، وكانت النتيجة أن رزئت مصر بفترة مجاعة قاربت من سبع سنين عرفت بالشدة العظمى (1066-1082م). وقد استطاع بدر الجمالى والى عكا الذى استدعاه الخليفة المستنصر لتولى الوزارة في مصر، أن يقبض على ناصية الحال فيها فأباد اللوتيين من الريف، وسار إلى الصعيد ففتحه ثم عاد إلى مصر وأقام بها ورتب الأمور فيها كما كانت عليه في السابق. ويذكر ساويرس أن أميرا عرف بكنز الدولة كان قد ملك الصعيد الأعلى فلما وصل بدر الجمالى إلى مصر هرب كنز الدولة إلى النوبة فأرسل بدر الجمالى رسولا إلى ملك النوبة كى يسلم له كنز الدولة وقد سلمه الملك لرسول بدر الجمالى الذى قتله وصلبه عند باب الحديد الذى يحدد ساويرس موقعه فيما بين القاهرة المعزية، وبين مصر أى الفسطاط أو مصر القديمة.
جردت الحملات الصليبية في الأصل لأغراض غير محاربة الإسلام و المسلمين إذ كان هدفها في البداية محاربة البابا لمخالفيه ، فقد جاء الصليبيون من شمال فرنسا إلى جنوبها لكى يقاتلوا الهراطقة الألبيجنسيين . فمنذ نهاية القرن الحادى عشر بدأت بوادر المقاومة ضد الكنيسة البابوية في روما و سيطرتها على شئون الحياة الأوربية ، وعند نهاية القرن الثانى عشر ذاعت الأفكار التى أخذ يواقيم الفلورى Jouchim Flora يدعو لها ، وقد لاقت افكاره الدينية الذيوع بسرعة ملحوظة . و سار يواقيم على نهج سان برنار الذى زعم أن العالم قد دخل عصر المسيح الدجال الذى يسبق قيام القيامة . و على حين أكتفى سان برنار بإدانة كبار الأساقفة على أعتبار أنهم أسرى الشيطان ، فإن يواقيم جعل البابوية نفسها هى المسيح الدجال . و قلب بذلك حق وراثة بابا روما للمسيح رأساً على عقب . وحاز شعبية واسعة لدى جميع الفرق المخالفة ، ونتج عن أفكاره هذه أن ظهرت عصبة جمعت حولها عدداً ضخماً من الأتباع في جنوب فرنسا تدعى الكارتاريون Czthari أى الأطهار أو الألبيجنسيون نسبة إلى بلدة Albi في مقاطعة تولوز و التى كانت معقلاً لهم . و عند نهاية القرن الثانى عشر كان سكان المدن الأثرياء و نبلاء تولوز و بروفانس إما أعضاء في الكنيسة الألبيجانسية و إما من المتعاطفين مع قادتها . و كانت البابوية في روما سنة 1200م ترى في السيطرة الألبيجنسية على جنوب فرنسا سرطان ينهش في جسد العالم المسيحى يجب استئصالهبأى ثمن ، لأنها رأت فيها ديانة مختلفة . و تطورت الأحداث بالشكل الذى أدى إلى إعلان بابا روما قرار حرمان على ريموند السادس أمير تولوز ، و إباحة أراضيه و أملاك الألبيجنسيين ، فتحمس لذلك أمراء شمال فرنسا و اندفعوا في حملة صليبية سنة 1209 قضت على الأمراء الأقطاعيين في جنوب فرنسا ، و إقتسموا إقطاعاتهم.كذلك يمكن أن نصور الغزو الجزئى الذى قام به الأنجلو ـ نورمان لأيرلندا على أنه نمط من أنماط الحروب الصليبية رغم أن ضحاياه كانوا من الكاثوليك .
مع نجاح الحروب الصليبية في أوروبا تم نقلها إلى الشام و مصر و حين يحدثنا ساويرس عن الصليبيين وقدومهم إلى الشرق لا يعتبر أن هذه الحروب حرب بين المسيحية والإسلام. وإنما ينظر إلى الصليبيين كغزاة أعداء للشرق. ويعلق على امتلاكهم لبيت المقدس بأن الأقباط اليعاقبة سوف لا يستطيعون الحج لاختلافهم والصليبيين في المذهب الدينى.
عرفت الأوساط الكنيسية الأوروبية كتاب "سير البطاركة أول ما عرفته تحت اسم التاريخ اللاتينى للكنيسة القبطية الذى كان قد نشره المستشرق الفرنسى يوساب رينوده . وطبع في باريس في القرن الثامن عشر (حوالى عام 1713م) تحت اسم "تاريخ بطاركة الإسكندرية" Historia Patriarcharum Alixandrinorum 4:Paris.1713 ولكن يعيب ما فعله هذا العالم إنه لم يستطع أن يترجم كل ما في مخطوط الكتاب والذى يحتوى على كم هائل من المعلومات المتعلقة بمعتقدات الكنيسة المصرية وشعائرها. وما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية بين الحكام المسلمين والأقباط، والحالة المزاجية لهؤلاء الأقباط وكذلك التاريخ العام لمصر.
نشر المستشرق إفتس B.Evctts المجلد الاول من كتاب ساويرس بعنوان "سير الآباء البطاركة" أو "تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية في الإسكندرية" ضمن مجموعة Patrologia Orientalis أى كتابات "آباء الكنيسة في الشرق"، وذلك في الجزء الأول من هذه المجموعة الذى نشر في باريس عام 1907م، والجزء الخامس، باريس عام 1910م، والجزء العاشر ، باريس عام 1915م.
تولت جمعية الآثار القبطية، نشر الأجزاء الباقية من هذا الكتاب بمعاونة الأستاذ يسى عبد المسيح أمين مكتبة المتحف القبطى سابقا والأستاذ برمستر مدرس اللغات القديمة بجامعة الإسكندرية سابقا والدكتور عزيز سوريال عطية أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة الإسكندرية سابقا.
نشرت الجمعية القبطية الجزء الأول من المجلد الثانى في القاهرة عام 1943، دون أن تعتنى بنشر الأجزاء الثلاث التى كونت المجلد الأول والذى سبق ونشرهم المستشرق إفتس B.Evetts بين عامى 1917،1915. ثم ظهر الجزء الثانى من المجلد الثانى في القاهرة عام 1948، ونشر الجزء الثالث من المجلد الثانى في القاهرة 1959، ثم تتابعت إصدارات بقية أجزاء المخطوط حتى اكتملت بصدور المجلد الرابع عام 1974، أى أن صدور المجلدات الثلاث الأخيرة استغرق حوالى 31 سنة، أما الفترة التى استغرقتها نشر المجلدات الأربع، ما بين باريس والقاهرة، فهى حوالى 65 سنة، هذه الفترة الطويلة أدت إلى ندرة وجود الكتاب في الأسواق بل وحتى في المكتبات العامة.
بالمتحف القبطى بالقاهرة مخطوطة كاملة لهذا الكتاب . وهى في أربعة أجزاء الأول والثانى في مخطوط تحت رقم 1 تاريخ (93عام) باسم تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسير البيعة المقدسة لساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ومن أتى بعده من المؤرخين، يحتوى على السير من مار مرقس إلى البابا شنوده الأول (البطرك 55) . نسخ في القرن الثالث عشر الميلادى. عدد صفحاته 133 ورقة، عدد أسطر الورقة حوالى 26 سطرا ، قياس الورقة 24×15 سم، بأوله حاشية مطالعة بالخط الكرشونى . أما الجزءان الثالث والرابع ففى مخطوط تحت رقم 1 ب تاريخ (94 عام) بنفس الاسم السابق. وهو يحتوى السير من البابا خايال (البطرك 56) إلى البابا كيرلس الخامس (البطرك 112)، يبتدىء من الورقة 133 إلى الورقة 233. رممه وأكمل السير من البابا كيرلس الثالث (البطرك 75) إلى الآخر، مرقس بن يوحنا جرجس سميكه باشا سنة 1898م بخطه عن نسخة بالدار البطريركية، بجدول تاريخ البطاركة. مقاس الورقة 24×15سم عدد أسطرها من 20 إلى 26 سطرا.
يحوى سير ثلاث من البطاركة هم خايال الثانى، قزما الثانى، شنودة الأول الذين ارتقوا الكرسى المرقس من سنة 849 إلى 880م. تاريخ، محفوظة بمكتبة دار البطريركية القبطية تحت رقم (3أ) تاريخ، ويلاحظ أنه كتب في نهاية مخطوطة المتحف القبطى ما يلى : "كان الفراغ من نسخها يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر كيهك القبطى سنة ألف وأربعمائة (و) أربعة وثلاثين (1434) للشهدا الطهار".
يحوى سيرة عشرة بطاركة. من خايال الثالث (ميخائيل الأول) البطرك السادس والخمسين إلى شنودة الثانى، البطرك الخامس والستون. أرتقوا الكرسى المرقسى من سنة 880 إلى 1047م. فقد أخذ النص من مخطوطة المتحف القبطى رقم (1) تاريخ، جزء ثان، ثم استعين في سد ما بها من غموض أو نقص بمخطوطة مكتبة البطريركية بالأسكندرية رقم 3(أ) تاريخ. ويبدأ الجزء الثانى من الصفحة 133(ظ) بمخطوطة المتحف القبطى وهذه الورقة بالجزء الأول لصق عليها ورق شفاف وأعيدت كتابتها في صدر الجزء الثانى بمعرفة المغفور له مرقس سميكة باشا – وينتهى بالصفحة 282(ظ)، وبه أوراق مرممة يرجع تاريخ ترميمها إلى أوائل القرن التاسع عشر في أثناء بطريركية الأنبا بطرس السابع، البطرك 109 (1809-1853م)، وذلك بدليل ما جاء في عبارة واردة بالصفحة 203(ظ) نصها كالآتى : "أذكر يارب عبدك الحقير الذليل المسكين شنودة بالإسم قمص، خادم دير القديس العظيم البارانبابولا الكبير أول السواح الذى رمم هذه السيريرجوا بذلك العفو والمسامحة بغفران خطاياه بشفاعة من ذكرة (ذكرت) اسمايهم فيها. وكان ترميم ذلك يوميذ بالقلاية العامرة بالمحروسة في أيام رياسة السيد الأب الجليل المغبوط الطوبانى ريس الرويسا وسيد السادات الأب المكرم بكل نوع انبا بطرس البطرك التاسع والماية من عدد الأبا البطاركة أدام الله تعالى علينا رياسته سنينا عديدة وأزمنه متصلة سالمة هادية مديدة بالعمر الطويل والحياة السعيدة أمين". وعدد الأسطر في كل صفحة 26 سطرا، والصفحات الأخيرة بخط المغفور له مرقس سميكة باشا الذى أشار في أول صفحاته إلى أنه نقلها من النسخة المخطوطة بالدار البطريركية سنة 1898. ويتراوح عدد سطورها بين 18-20 سطرا. ويلاحظ مع شديد الأسف أنه عند تجليد هذه المخطوطة قصت حوافها فترتب على ذلك أن ضاعت بعض الكلمات المتطرفة على هوامشه وبالتالى صعوبة قراءة هذا القسم الذى تزداد صعوبته شدة وتعقيد بكثرة الأجزاء المطموسة أو المتآكلة من صفحاتها، وقد استعين بمخطوطة البطريركية في استعادة الأجزاء التى قصت في التجليد وإيضاح الأسطر المطموسة أو المتآكلة. وهذا الجزء كتبه الأنبا ميخائيل الدمراوى اسقف تنيس ليستكمل به ما كتبه "ساويرس" يؤيد ذلك الفقرة الآتية بالصفحة 133(ظ) : "قال الأب الفاضل انبا ميخائيل (الدمراوى) اسقف مدينة تنيس أن من الواجب احباى لأجل المحبة المسيحية أن تسطر ما آخر تسطيره مما كان في البيعة الأرتدكسية الذى شاهده وعرفه اوليك الرعاة في كل جيل".
واضعه هو يوحنا ابن صاعد (سعيد) ابن يحيى المعروف بابن القلزمى ونسخها عنه جرجه ابن مدكور، يؤيد ذلك الفقرة الآتية باخر الصفحة 167(ج) : "قال يوحنا ابن صاعد (سعيد) ابن يحيى المعروف بابن القلزمى ناسخ هذه السيرة في السيرة التى نسختها أنا المسكين جرجه ابن مدكور من نسخة بخط المذكور". ويشمل هذا الجزء سير ثلاثة من بطاركة الأسكندرية، هم خريسطو دولس البطرك (66) وكيرلص الثانى البطرك (67) وميخائيل الرابع البطرك (68)، جلسوا على الكرسى البطريركى منه سنة 1047 لسنة 1102م. وفى هذه السير معلومات هامة عن مصر في هذا الزمن، حيث كانت الخلافة للمستنصر ثم لابنه المستعلى من بعده، وكان بدر الجمالى وابنه الأفضل الحاكمين الحقيقيين للبلاد. وكان مقر البطريركية في زمن البطرك خريسطو دولس بدمرو، (وهى شمال المحلة الكبرى وغرب قرية بشبيش محافظة الغربية حاليا) التى يبدو أنها كانت مركزا دينيا هاما به ما لا يقل عن سبعة عشر كنيسة، ويطلق عليها مؤلف هذه السيرة، يوحنا ابن صاعد القلزمى، اسم القسطنطينية الثانية، إلا أن تخريب الدلتا على يد قبائل اللواتيين، وهم الذى قبضوا على خريسطو دولس وعذبوه، كان أحد الأسباب التى أدت إلى نقل مقر البطريركية للقاهرة. وقد وضع كيرلص الثانى، وهو البطرك (67) الذى تولى في 792 للشهداء = 1077م في عهد خلافة المستنصر . مقر البطريركية في كنيسة القديس ميخائيل المختارة بجزيرة الروضة، ومن هنا عرفت باسم كنيسة الجزيرة. وتنتهى سيرة خريسطو دولس بتقرير عن حملة ألبارسلان في سوريا، وعن موقعة ماذكرد التى هزمت فيها القوات البيزنطية وكانت مؤذنة بقرب نهايتها، وأخيرا عن اغتيال البارسلان. وفى سيرة كيرلص الثانى نعلم أن الجزء الأكبر من جيش بدر الجمالى (الأرمنى) الأصل كان مؤلفا في معظمه من الأرمن، وأن بطرك الأرمن زار القاهرة سنة 1087م، وأن الأرمن والسوريين حصلوا على إقامة الخدمة في كنيستين غير مستعملتين في دير الخندق بضواحى القاهرة. هذا بالإضافة إلى رواية ثورة الأوحد ابن بدر الجمالى،الذى حاول الاستقلال بالأسكندرية، وقيام والده بمحاصرته لمدة شهرين ثم قبض عليه وسجنه لمدة سنة ونصف، ثم أمر بقتله شنقا. وتنتهى هذه السيرة ببيان هام عن بقايا أجساد القديسين المحفوظة في مصر والتى رآها شخصيا مؤلف هذه السيرة يوحنا ابن صاعد (سعيد) القلزمى. وقد أرغم البطرك (68) ميخائيل الرابع على أن يوافق على توقيع بعض الشروط في مقابل السماح له بتولى البطريركية، من بينها أن يعيد بعض الكنائس والأديرة إلى أصحابها، التى كان بعض اسلافه قد الحقوها بالبطريركية مع أوقافها وإيراداتها، ولكنه ما أن صار بطركا حتى رفض تنفيذ هذا الشرط وانكر توقيعه. واضطر الأساقفة والأكليروس إلى الكف عن مطالبته بحقوقهم بعد أن هددهم بالحرم إلا أسقف مصر الذى رفض الإذعان له فتعرض بهذا السبب لمضايقات كثيرة من البطرك ميخائيل الرابع، وصلت إلى حد أنه كان يوشك على الحاق كنيسة هذا الأسقف، وهى كنيسة ابن سرجة بالبطريركية لولا موته بالطاعون فجأة. وفى هذه السيرة نقرأ كيف خلف الأفضل بن بدر الجالى أبيه في الحكم، ومنح الخلافة الأسمية للمستعلى بدلا من عمه نزار. وتنتهى هذه السيرة بالعبارة التالية : "وفى أيام أنبا ميخائيل البطرك المذكور وصلت عساكر الروم والفرنج (الصليبيين) من روميه ومن بلاد الفرنجة إلى الشام في خلق كثير وملكوا أنطاكية وما يليها وأكثر الشام الفوقانى (الشمالى) وكان يوميذ بايدى الغز الخرسانيين ولم يبق منه بأيدى الغز إلا دمشق وما يليها. ثم ملكوا مدينة القدس الشريف وما يليها في شهر رمضان سنة اثنين وتسعين وأربع مايه الهلالية وصرنا معشر النصارى اليعاقبه القبط لا نصل إلى الحج إليها ولا نتمكن من الدنو من ذلك لجل (لأجل) ما هو من بغضهم لنا وعدم اعتقادهم فينا وتكفيرهم إيانا …".
يشمل سير أربعة بطاركة هم :
1-البابا مقاره الثانى وهو البطرك (69)
2- البابا غبريال الثانى وهو البطرك (70)
3-البابا ميخائيل الخامس : وهو البطرك (71)
4-البابا يوحنا الخامس : وهو البطرك (72)
وفيما يختص بسيرة البطرك مقاره الثانى، فقد قورن أيضا النص العربى لمخطوط المتحف القبطى مع النص المطابق في مخطوط (تاريخ رقم 3) بمكتبة البطريركية القبطية.
يشمل سيرة اثنين من البطاركة هما:
بالإضافة إلى هاتين السيرتين نجد سير أخرى لصلاح الدين والملك العزيز وعثمان والملك الناصر يوسف والملك الأفضل على والملك العادل أبو بكر والملك الكامل محمد وأكثر من هذا يوجد جزء تحليلى للحوادث التى وقعت في مصر بعد وفاة البطرك يوحنا السادس.
ذكر أنه مع بداية حكم صلاح الدين، أزيلت الصلبان من قباب الكنائس، وقد أمر بتلطيخ بياض الكنائس من الظاهر بطبقة من الطين الأسود، ومنع دق الأجراس، كما نفذت القوانين التى تحدد ملابس المسيحيين. والجزء التاريخى المدون في هذا الجزء يتعلق بحرب صلاح الدين مع الصليبيين، وبالحوادث التى وقعت بمصر أثناء حكم خلفاؤه حتى عهد الملك الكامل محمد. إن قصة هذه الحروب الواردة في الجزء الثانى من المجلد الثانى ذات قيمة خاصة لأنها تزودنا بمعلومات وتفاصيل ذات أهمية بالغة لا ترد في المصادر الأفرنجية والإسلامية.
ويغطي الجزء الرابع من الموسوعة الفترة التاريخية الممتدة من عام 1216م. حتى نهاية القرن العشرين. وهي بذلك تتناول نهايات الحروب الصليبية خصوصاً سقوط دمياط في يد الفرنجة عام 1219م. كذلك حملة لويس التاسع سنة 1220م. ومعركة المنصورة في 7 نيسان (إبريل) 1250 وحروب التتار في الشام. وسقوط السلطنة المملوكية الثانية على يد الغزو العثماني بشنق طومان باي عام 1517م. وتوسعات السلطنة العثمانية في مصر والشام والعراق وفارس. كذلك يتناول أحداثاً تقليدية مثل الزلازل والمجاعات والاضطهادات ونهب السلطة أموال المصريين بزيادة الجزية عليهم. حتى وصل بهم الأمر إلى الانتحار.
كما يتناول المخطوط بعض الأمور الكنسية في ذلك الوقت والخاصة باختيار البطرك ابن لقلق. ومحاولات الأساقفة وضع لائحة موحدة للكنيسة.جاء في المخطوط "تاريخ رقم (1) بالمتحف القبطى تحت عنوان "سيرة البطريرك كيرلس الثالث" المسمى – قبل رهبنته .. بابن لقلق، والذى لم يشغل أكثر من خمسة عشر سطرا. لذلك فإن النص المنشور في هذا الجزء يعتبر ملحقا هاما لتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية في الفترة المشار إليها. ونظرا لورود تكرار في ذكر بعض الأحداث والمشاهدات، فإنه يبدو أنه لفق من مصدرين متشابهين. فبعد نياحة البطرك يوحنا السادس في عام 1216م، مضى تسعة عشر عاما قبل أن ينجح "ابن لقلق" في أن يعد العدة لاختياره بطركا للأسكندرية. وفى أثناء هذه الفترة وقعت أحداث هامة في مصر وفلسطين – سياسية واجتماعية واقتصادية وكذلك كنسية – ورد وصفها بالتفصيل في هذا الجزء. أما عن شخصية ابن لقلق فقد اختلفت الآراء فيها تماما، فبينما نظر خصومه إلى أنه كانت تنقصه كل المقومات المطلوبة فيمن يجلس على كرسى القديس مرقس، يرى أصدقاؤه أن الشرطونية (السيمونية) كان ذلته الأساسية، وكذلك مخالفته بعض عادات الكنيسة القبطية، فمثلا كان يبيح رسامة الكهنة من أبناء الزواج الثانى أو الثالث.
وكذلك فساد العربان في الأقاليم ونهبهم المصريين. كما كشف المخطوط عن التحالفات التي كانت تتم بين الأمراء الصليبيين والمسلمين ضد بعضهم البعض. وأحوال المصريين اليهود. والخيانات والصراعات داخل البيت المملوكي، هذا إلى جانب الكشوف الأثرية التي كانت تتم بالصدفة في هذا الوقت.
كما يذكر المخطوط دخول الحملة الفرنسية مصر وخروجها وحكم محمد علي مصر، ويستمر في ذكر تاريخ مصر وحكامها من أسرة محمد علي حتى الملك فؤاد، حيث يتوقف المخطوط، ما استدعى أن يقوم المحقق باستكمال تراجم البطاركة حتى البابا شنودة القائم حالياً على رأس الكنيسة القبطية المصرية.
والجزئين الأول والثالث من المجلد الرابع يحتويان على عدة موضوعات وأحداث هامة سواء على المستوى الكنسى أو سيرة ابن لقلق. من هذه الأحداث الإيضاح الخاص الذى يسوقه كاتب السيرة لقصة رأس مارى مرقس الذى يذكر أن ابن لقلق في اليوم التالى لتقديمه بالأسكندرية ذهب إلى بيت ابن السكرى حيث كانت رأس مارى مرقس محفوظة، وذلك ليضعها كالعادة في كفن جديد، وطبقا لرواية كاتب هذه السيرة، فإن هذه الرأس للقديس بطرس خاتم الشهداء. وقد قدم ابن لقلق مطرانا للقدس والساحل والشام، مما سبب له متاعب كثيرة بينه وبين بطرك أنطاكية. وكان لابن لقلق أعداء أقوياء حاولوا حرمانه بشدة من الكنيسة، حتى أنهم قدموا مبلغا كبيرا من المال للسلطان ليصدر أمرا باختيار بطريرك آخر. وقد تنيح ابن لقلق عام 1243م بدير الشمع، حيث دفن هناك. وقد ذكر مؤلف هذا الجزء أن الملكانيين كانوا بغير بطرك، إذ تنيح بطريركهم قبل ابن لقلق بقليل. وهذه الرواية تثبت أن القديس نيقولا الأول بطرك الروم الأرثوذكس بالأسكندرية قد تنيح عام 1243م. كما ذكر أن أسرى الأفرنج الذين أسروا في الحروب، كانوا يرسلون إلى مصر ليشتغلوا في إقامة قلعة السلطان بجزيرة الروضة التى حلت محل مقر البطريركية بهذه الجزيرة. وذكر ايضا قصص عن ثلاث حالات ارتداد، وتزييف العملة والغلاء ونقص فيضانات النيل والطاعون والزلزال مثل :
الجزء الثالث من المجلد الرابع هو الجزء الختامى من تاريخ الكنيسة المصرية فيه سير ثمانية وثلاثين بطركا، قد اعتلوا كرسى القديس مرقس من عام 1235 إلى عام 1895م.
اهتمام محمد على بالقبط خاصة بعد شفاء ابنته على يد السرا بمون اسقف المنوفية، فتح إبراهيم باشا للشام ومعجزة خروج النور من داخل ضريح السيد المسيح بكنيسة الروم في القدس وحضور إبراهيم باشا لمشاهدة هذه المعجزة، ومحاولة محمد على باشا ضم الكنيسة المصرية إلى الكنيسة الرومية تحت ضغوط الفرنساوية العاملين لديه.
بطاركة الإسكندرية
|
---|
مرقس | إنيانوس | ميليوس الأول | كردونوس الأول | إبريموس الأول | يسطس الأول | أومانيوس الأول | مركيانوس الأول | كلاديانوس الأول | أغربينوس الأول | يوليانوس الأول | ديميتريوس الأول | ياراكلاس | ديونيسيوس | مكسيموس الأول | ثاؤنا | بطرس الأول | ارشيلاوس الأول | الكسندروس الأول | أثناسيوس الأول | بطرس الثاني | تيموثاوس الأول | ثيوفيلس الأول | كيرلس الأول | ديوسقورس الأول | تيموثاوس الثاني | بطرس الثالث | أثناسيوس الثاني | يوأنس الأول | يوأنس الثاني | ديوسقورس الثاني | تيموثاوس الثالث | ثيؤدوسيوس الأول | بطرس الرابع | دميانوس الأول | انسطاسيوس الأول | اندرونيقوس الأول | بنيامين الأول | اغاثون الأول | يوأنس الثالث | اسحق الأول | سيمون الأول | الكسندروس الثاني | قزمان الأول | ثيؤدوسيوس الثاني | ميخائيل الأول | مينا الأول | يوحنا الرابع | مرقس الثاني | ياكوبوس الأول | سيمون الثاني | يوساب الأول | ميخائيل الثاني | قزمان الثاني | شنودة الأول | ميخائيل الثالث | غبريال الأول | قزمان الثالث | مكاريوس الأول | ثيوفيلس الثاني | مينا الثاني | ابرآم الأول | فيلوثاؤس الأول | زكريا الأول | شنودة الثاني | خرستوذولس الأول | كيرلس الثاني | ميخائيل الرابع | مكاريوس الثاني | غبريال الثاني | ميخائيل الخامس | يوأنس الخامس | مرقس الثالث | يوأنس السادس | كيرلس الثالث | أثناسيوس الثالث | يوأنس السابع | غبريال الثالث | ثيؤدوسيوس الثالث | يوأنس الثامن | يوأنس التاسع | بنيامين الثاني | بطرس الخامس | مرقس الرابع | يوأنس العاشر | غبريال الرابع | متاؤس الأول | غبريال الخامس | يوأنس الحادي عشر | متاؤس الثاني | غبريال السادس | ميخائيل السادس | يوأنس الثاني عشر | يوأنس الثالث عشر | غبريال السابع | يوأنس الرابع عشر | غبريال الثامن | مرقص الخامس | يوأنس الخامس عشر | متاؤس الثالث | مرقص السادس | متاؤس الرابع | يوأنس السادس عشر | بطرس السادس | يوأنس السابع عشر | مرقس السابع | يوأنس الثامن عشر | مرقس الثامن | بطرس السابع | كيرلس الرابع | ديميتريوس الثاني | كيرلس الخامس | يوأنس التاسع عشر | مقاريوس الثالث | يوساب الثاني | كيرلس السادس | شنودة الثالث |