الكنوز
أحد فروع سكان النوبة اليوم، و يقيمون بالنوبة و بخاصة في وادي حلفا، يعود أصلهم إلى عرب قبيلة ربيعة، أحد القبائل العربية، و قد تزاوجوا بدرجة متفاوتة بالنوبيين الأصليين و أصبحوا اليوم ثنائي اللسان، فهم يتكلمون العربية و النوبية الكنزية، و قد بدأت قصة الكنوز مع إستقرار فرع من قبيلة ربيعة حول أسوان في منطقة عيذاب بجنوب الصحراء الشرقية بمصر، في المنطقة المعروفة ببلاد المعدن. أسس عرب ربيعة إمارة قوية في أسوان و حولها، و قد إتخذوا من أسوان عاصمة لإمارتهم، وكان أحد أمرائها هو أبو المكارم بن محمد بن علي، و الذي قبض على أحد المتمردين ضد الدولة الفاطمية، المسمى بأبي ركوة و الذي يعتقد إنه من بقايا الأمويين، و الذي ثار ضد الدولة الفاطمية في منطقة غرب دلتا النيل، و الذي فر إلى جنوب مصر بعد فشل ثورته ضد الفاطميين و هزيمته في المنطقة المعروف برأس البركة أو السبخة قرب الفيوم، تلك الثورة التي شاركت فيها قبائل بني قرة الهلالية و التي تم إخماد ثورتها بفضل قبائل سنبس من طيء، و قد قام الأمير أبو المكارم بن محمد بن علي بتسليم الثائر أبي ركوة إلى الخلافة الفاطمية فأنعم عليه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بلقب كنز الدولة، و الذي أصبح لقب حكام تلك الإمارة، و عرفت الإمارة و شعبها بالكنوز.
و في عام 474 للهجرة، ثار الأمير العربي كنز الدولة محمد في أسوان، حيث إمارته، ضد الوزير الفاطمي بدر الدين الجمالي الأرمني، و بعد فشل ثورته لجأ إلى ملك النوبة الذي سلمه إلى رسل بدر الدين الجمالي الأرمني، بناء على رسالة توصية من بطريرك الأقباط، حملها كل من الأسقف مرقورة و الشريف سيف الدولة، ليتم إعدام كنز الدولة محمد في القاهرة، و لكن ملك النوبة تشفع في أخويه فعفى عنهما بدر الدين الجمالي الأرمني. و يعتقد أن سبب الثورة له دخل بمسألة وراثة الإمامة الفاطمية فمن المعروف أن بدر الدين الجمالي منع نزار،الإبن الأكبر للخليفة الفاطمي المستنصر، من ولاية العهد، رغم إنه الحق بها طبقا لحق البكورية، فدفع بدر الدين الجمالي بولاية العهد إلى أخو نزار الأصغر الذي عرف بالمستعلي بالله، الأمر الذي رفضه بعض وجوه الدولة الفاطمية، و منهم الحسن الصباح، الذي عرف فيما بعد بشيخ الجبل و الذي كان له فضل كبير في تأسيس الفرقة النزارية الإسماعيلية، و يحتمل أن يكون هذا هو دافع الأمير كنز الدولة محمد للتمرد، أي أن التمرد لم يكن إلا تمرد داخل الدولة الفاطمية و ليس ضدها، و قد برهن الكنوز على ولائهم للأئمة الفاطميين بعد ذلك و في أحلك الأوقات كما سأتي ذكره.
فقد ظل الكنوز موالين للخلافة الفاطمية حتى بعد إعلان صلاح الدين سقوطها، و تجلى ذلك حين قاموا بثورة في عهد صلاح الدين الأيوبي بمساندة الجنود الفاطميين من الفرقة السودانية الفاطمية و الذين سبق لهم القيام بثورة في القاهرة من أجل إعادة الخلافة لأصحابها، و نجح صلاح الدين في قمعهم ثم نفاهم صلاح الدين إلى جنوب مصر و بخاصة إلى أخميم، فإنضمت الفرقة السودانية تلك إلى الأمير كنز الدولة، الذي أعلن الثورة بأسوان، من أجل إعادة الخلافة الفاطمية الإسماعيلية، فأرسل صلاح الدين الأيوبي أخاه الأمير أبو بكر محمد بن أيوب، و جرت معركة كبيرة فاصلة في السابع من شهر صفر من عام 570 للهجرة، إنتهت بقتل الأمير كنز الدولة و هزيمة قوات الثورة الفاطمية.
و تعد ثورة الكنوز، هي أخر ثورة فاطمية إسماعيلية بمصر، إذا إستثنينا ثورة الحلف القرشي بقيادة الأمير الشريف حصن الدين ثعلب الجعفري الطالبي الزينبي الديروطي، في عهد السلطان المملوكي المعز عز الدين أيبك التركماني، و التي تختلف فيها الأراء بين كونها فاطمية إسماعيلية تريد إعادة الخلافة للأسرة الفاطمية، و بين كونها زيدية كان يريد بموجبها الأمير حصن الدين ثعلب الخلافة لنفسه، لهذا تعد ثورة الحلف القرشي أخر ثورة شيعية، أما ثورة الكنوز فإنها أخر ثورة شيعية إسماعيلية مجزوم بإسماعيليتها.
لم يكن قمع ثورة الكنوز الفاطمية، نهاية لإمارة الكنوز، فقد ظلت إمارة الكنوز قائمة و لها اليد العليا على صعيد مصر الأعلى، إلى أن قوضها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في حملته على جنوب مصر و التي شملت أيضا القضاء على قوة قبائل البجا، و كانت نتيجة حملته تدمير ميناء عيذاب بالقرب من حلايب اليوم، و إنتهاء دوره كميناء هام في تجارة البحر الأحمر و الحج، و أيضا دفع قبائل الكنوز جنوبا بإتجاه النوبة، و منذ ذلك الوقت أعتبر الكنوز جزء من النوبيين الذين ينقسمون اليوم إلى كنوز و فديجا. و قد ظل الكنوز حتى يومنا هذا يحتفظون بإسمهم و يعتزون به و بتاريخهم، و قد ظل إلى يومنا هذا بعض الكنوز شيعة إسماعيلية، و يتبعون الفرقة النزارية المعروفة اليوم بالأغاخانية، أي أتباع الإمام أغاخان، و قد أتى أغاخان الثالث، في مذكراته على ذكر وجود جزر شيعيةإسماعيلية نزارية، في صعيد مصر الأعلى، و قد إختار أغاخان الثالث، الذي سبق و أن رشح في عام 1914، لتولي عرش مصر، أن يدفن في أسوان، التي كانت عاصمة إمارة الكنوز، و قد تحدث عن أسوان و علاقتها بالخلافة الفاطمية و لماذا إختار أسوان لتكون مثواه، في مذكراته.
المصادر:
1) ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون.
2) المقريزي:
3) أبو العباس القلقشندي: نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب.
4) ابن حزم الأندلسي الظاهري: جمهرة أنساب العرب.
5) د. سلام شافعي محمود، أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995، القاهرة، مصر.
6) أغاخان الثالث، مذكرات أغاخان الثالث، من منشورات بيروت.