→ كتاب السرقة (مسألة 2292) | ابن حزم - المحلى كتاب السرقة (مسألة 2293 - 2298) ابن حزم |
مسائل في التعزير ← |
كتاب السرقة
2293 - مسألة : الخليطين قد ذكرنا " فيما يحل ويحرم من الأشربة " أن التمر والرطب , والزهو والبسر , والزبيب , هذه الخمسة خاصة دون سائر الأشياء يحل أن ينبذ كل واحد منها على انفراده ,
ولا يحل أن ينبذ شيء منها مع شيء آخر لا منها ، ولا من سائرها في العالم. وأنه لا يحل أن يخلط نبيذ شيء بعد طيبه أو قبل طيبه لا بشيء آخر ، ولا بنبيذ شيء آخر لا منها ، ولا من غيرها أصلا ,
وأما ما عدا هذه الخمسة فجائز أن ينبذ منها الشيئان والأكثر معا , وأن يخلط نبيذ اثنين منها فصاعدا أو عصير اثنين فصاعدا , وبينا السنن الواردة في ذلك , فمن شرب من الخليطين المحرمين مما ذكرنا شيئا لا يسكر فقد شرب حراما كالدم , والبول , ولا حد في ذلك ; لأنه لم يشرب خمرا , ولا حد إلا في الخمر. لقول رسول الله ﷺ : ومن شرب الخمر فاجلدوه وللآثار الثابتة أن رسول الله ﷺ جلد في الخمر , ولقوله عليه السلام كل مسكر خمر فإن لم يكن خمرا فلا حد فيه , وإنما فيه التعزير فقط ; لأنه أتى منكرا.
وأما كل خليطين مما ذكرنا من غير ذلك إذا أسكر فهو خمر , وعلى شاربه حد الخمر , لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
2294 - مسألة : متى يحد السكران أبعد صحوه أم في حال سكره
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فروي عن عمر بن عبد العزيز والشعبي , أنهما قالا : لا يحد حتى يصحو , وبه قال سفيان الثوري , وأبو حنيفة.
وقالت طائفة : يجلد حين يؤخذ. وما نعلم لمن قال : يؤخر حتى يصحو إلا أن قالوا : إن الجلد تنكيل وإيلام , والسكران لا يعقل ذلك
قال أبو محمد رحمه الله : واحتج من رأى أن الحد حين يؤخذ بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ من طريق عتبة بن الحارث , وأنس بن مالك , وغيرهم : أن رسول الله ﷺ أتي بالشارب فأقر , فضربه ولم ينتظر أن يصحو. والنظر لا يدخل على الخبر الثابت , فالواجب أن يحد حين يؤتى به , إلا أن يكون لا يحس أصلا , ولا يفهم شيئا , فيؤخر حتى يحس وبالله تعالى التوفيق.
2295 - مسألة : فيمن جالس شراب الخمر , أو دفع ابنه إلى كافر فسقاه خمرا
قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن البصري : أن ابن عامر قال : لا أوتى برجل دفع ابنه إلى يهودي , أو نصراني , فسقاه خمرا إلا جلدت أباه الحد. وبه إلى حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة عن أبيه أن مروان بن الحكم أتي برجل صائم دعا قوما فسقاهم الخمر ولم يشرب معهم فجلدوا الحد , وجلده معهم
قال أبو محمد رحمه الله : ليس هذا مما يعبأ به , وقد قال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام. وقد بينا أن لا حد إلا على زان , أو مرتد , أو محارب , وقاذف , أو سارق , أو مستعير جاحد , أو شارب خمر.
وأما من سقى غيره الخمر فلا حد عليه ; لأن بشرته حرام , ولم يأت بإباحتها بإيجاب الحد عليه , لا قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولا إجماع , ولا قول صاحب
قال أبو محمد رحمه الله : لقد يلزم من رأى القود بالقتل على الممسك إنسانا حتى قتل ظلما , ومن رأى الحد في التعريض قياسا على القذف , ومن رأى الحد على فاعل فعل قوم لوط قياسا على الزنى : أن يرى الحد على ساقي القوم الخمر قياسا على شاربها وإلا فقد تناقضوا في قياسهم وبالله تعالى التوفيق.
2296 - مسألة : من اضطر إلى شرب الخمر
قال أبو محمد رحمه الله : من أكره على شرب الخمر , أو اضطر إليها لعطش , أو علاج , أو لدفع خنق , فشربها , أو جهلها فلم يدر أنها خمر , فلا حد على أحد من هؤلاء. أما المكره فإنه مضطر , وقد قال تعالى {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} . وقد قال تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} .
فصح أن المضطر لا يحرم عليه شيء مما اضطر إليه من طعام , أو شراب.
وأما الجاهل فإنه لم يتعد ما حرم الله تعالى عليه , ولا حد إلا على من علم التحريم ، ولا يختلف اثنان من الأمة في أنه من دست إليه غير امرأته فوطئها وهو لا يدري من هي يظن أنها زوجته , فلا حد عليه.
وأما من قرأ القرآن فبدله جاهلا , فلا شيء عليه قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ} فصح أنه لا حد إلا على من بلغه التحريم , وعلى من عرف أن الزنى حرام فقصده عمدا وبالله تعالى التوفيق.
2297 - مسألة : حد الذمي في الخمر
قال أبو محمد رحمه الله : قد بينا في مواضع جمة مقدار الحكم على أهل الذمة كالحكم على أهل الإسلام. لقول الله تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} .
ولقوله تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} . قال الحسن بن زياد : لا حد على الذمي إلا أن يسكر , فإن سكر فعليه الحد
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا تقسيم لا وجه له ; لأنه لم يوجبه قرآن , ولا سنة , ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق.
2298 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : جائز بيع العصير ممن لا يوقن أنه يبقيه حتى يصير خمرا , فإن تيقن أنه يجعله خمرا لم يحل بيعه منه أصلا وفسخ البيع. لقول الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وبيقين ندري أنه من باع العنب , أو التين , أو الخمر ممن يتخذه خمرا , فقد أعانه على الإثم والعدوان وهذا محرم بنص القرآن , وإذ هو محرم فقد قال رسول الله ﷺ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
قال أبو محمد رحمه الله : ومن كسر إناء خمر , أو شق زق خمر , ضمنه ; لأنه لم يصح في ذلك أثر , وأموال الناس محرمة , وقد يغسل الإناء ويستعمل فيما يحل , فإفساده إفساد للمال.
فإن قيل : إن أبا طلحة : وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كسروا خوابي الخمر
قلنا : لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ وليس في ذلك الخبر أنه عليه السلام عرف ذلك فأقره والحديث الذي فيه شق الزقاق لا يصح ; لأنه من رواية طلق , ولا يدرى من هو , عن شراحيل بن نكيل هو مجهول
قال أبو محمد رحمه الله : ومن طرح في الخمر سمكا وملحا فجعلها مريا فقد عصى الله تعالى , وعليه التعزير , لأستعماله الخمر الذي لا يجوز استعمالها , ولا تحل في شيء أصلا , ولا يحل فيها شيء إلا الهرق , فإن أدرك ذلك وللخمر ريح , أو طعم , أو لون : هرق الجميع. وهكذا كل مائع خلط فيه خمر وإن لم يدرك ذلك إلا وقد استحالت ولم يبق لها أثر فلا يفسد شيء من ذلك , وهو حلال أكله , وبيعه. وهو لمن سبق إليه من الناس , لا لمن يطرح الخمر فمتى سقط ملك صاحبه عنه , وإذا سقط عنه ملكه : لم يرجع إليه إلا بنص , أو إجماع وبالله تعالى التوفيق.