الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثانية والثمانون

كتاب السرقة

2285 - مسألة : مقدار ما يجب فيه قطع السارق

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في مقدار ما يجب فيه قطع يد السارق فقالت طائفة : يقطع في كل ما له قيمة , قل أو كثر.

وقالت طائفة : أما من الذهب فلا تقطع اليد فيه إلا في ربع دينار فصاعدا ,

وأما من غير الذهب ففي كل ما له قيمة , قلت أو كثرت.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في درهم أو ما يساوي درهما فصاعدا.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في درهمين أو ما يساوي درهمين فصاعدا.

وقالت طائفة : أما من الذهب فلا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا ,

وأما من غير الذهب فلا تقطع اليد إلا فيما قيمته ثلاثة دراهم , فإن ساوى ربع دينار أو نصف دينار فأكثر , ولم يساو لرخص الذهب ثلاثة دراهم , فلا تقطع اليد فيه وإن ساوى ثلاثة دراهم , ولم يساو عشر دينار لغلاء الذهب فلا قطع فيه.

وقالت طائفة : أما من الذهب فلا تقطع اليد في أقل من ربع دينار ,

وأما من غير الذهب , فكل ما يساوي ربع دينار فصاعدا , ففيه القطع , فإن ساوى عشرة دراهم أو أكثر أو أقل ، ولا يساوي ربع دينار لغلاء الذهب , أو ساوى ربع دينار ولم يساو نصف درهم لرخص الذهب فالقطع في كل ذلك.

وقالت طائفة : أما من الذهب فلا قطع في أقل من ربع دينار , وتقطع في ربع دينار فأكثر ,

وأما من غير الذهب , فإن ساوى ربع دينار ولم يساو ثلاثة دراهم , أو ساوى ثلاثة دراهم ولم يساو ربع دينار , قطع في كل ذلك , وإن لم يساو ربع دينار ، ولا ثلاثة دراهم , فلا قطع فيه.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم أو ما يساويها فصاعدا.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في ثلث دينار أو ما يساويه فصاعدا.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في خمسة دراهم أو يساويها فصاعدا.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في دينار ذهب أو ما يساويه فصاعدا.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في دينار ذهب , أو عشرة دراهم , أو ما يساوي أحد العددين فصاعدا , فإن لم يساو لا دينارا ، ولا عشرة دراهم , لم تقطع.

وقالت طائفة : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم مضروبة , أو ما يساويها فصاعدا , ولا تقطع في أقل

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا في ذلك , فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده فكان هذا أيضا نصا بينا جليا على أنه لا حد فيما يجب القطع فيه في السرقة , إلا أن يأتي نص آخر مبين لذلك : فوجدنا ما , ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أشعث ، حدثنا الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ ، أنه قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن. فعم رسول الله ﷺ كل سرقة , ولم يخص عددا من عدد , ولو أنه عليه السلام أراد مقدارا من مقدار لبينه , كما بين ذلك في النهبة في الحديث المذكور , فخص ذات الشرف التي يرفع الناس إليه فيها أبصارهم , ولم يخص في الزنى , ولا في السرقة , ولا في الخمر. فكانت هذه النصوص المتواترة , المتظاهرة , المترادفة , موافقة لنص القرآن الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا.

فنظرنا , هل نجد في السنة تخصيصا لشيء من هذه النصوص فوجدنا الخبر الذي ذكرناه من طريق عروة , وعمرة , والزهري , وأبي بكر بن حزم كما ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا الوليد بن شجاع أرني ابن وهب أخبرني يونس ، عن ابن شهاب عن عروة , وعمرة عن عائشة عن رسول الله ﷺ قال : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا. وبه إلى مسلم ، حدثنا بشر بن الحكم العبدي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها سمعت النبي ﷺ يقول لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا.

قال أبو محمد رحمه الله : فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية , وعن عموم النصوص التي ذكرنا قبل , ووجب الأخذ بكل ذلك , وأن يستثنى الذهب عن سائر الأشياء , فلا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا , ولا تقطع في أقل من ذلك من الذهب خاصة. ثم نظرنا هل نجد نصا آخر فيما عدا الذهب إذ ليس في هذا الخبر ذكر قيمة ، ولا ثمن أصلا , ولا دليل على ذلك , ولا فيه ذكر حكم شيء غير عين الذهب , فإذا يونس بن عبد الله قد حدثنا : قال : حدثنا عيسى بن أبي عيسى هو يحيى بن عبد الله بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن يد السارق لم تكن تقطع على عهد رسول الله ﷺ في أدنى من ثمن حجفة أو ترس , كل واحد منهما يومئذ ذو ثمن , وأن يد السارق لم تكن تقطع على عهد رسول الله ﷺ في الشيء التافه فكان هذا حديثا صحيحا تقوم به الحجة , وهو مسند ; لأنها ذكرت عما كان رسول الله ﷺ لا يقطع يد السارق إلا فيه , ولأنه لا يشك أحد لا مؤمن ، ولا كافر في أنه لم يكن في المدينة حيث كانت عائشة , وحيث شهدت الأمر أحد يقطع الأيدي في السرقات , ولا يحتج بفعل أحد في الإسلام إلا رسول الله ﷺ وحده. فصح بهذا الخبر أحكام ثلاثة : أحدها أن القطع إنما يجب في سرقة ما سوى الذهب فيما يساوي ثمن حجفة أو ترس قل ذلك أو كثر دون تحديد.

والثاني أن ما دون ذلك مما لا قيمة له أصلا وهو التافه لا يقطع فيه أصلا. والثالث بيان كذب من ادعى أن ثمن المجن الذي فيه القطع , إنما هو مجن واحد بعينه معروف , وهو الذي سرق , فقطع فيه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ; لأن عائشة أخبرت بأن المراعى في ذلك ثمن حجفة أو ترس , وكلاهما ذو ثمن , فلم يخص الترس دون الحجفة , ولا الحجفة دون الترس , وأخبرت أن كليهما ذو ثمن دون تحديد الثمن. فصح ما قلناه يقينا.

وأما قولنا في الدينار إنه بوزن مكة , فلما صح عن النبي ﷺ مما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان الزهراني ، حدثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان هو الثوري عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاووس ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : المكيال مكيال أهل المدينة , والوزن وزن أهل مكة. فالمثقال المكي : اثنان وثمانون حبة من حب الشعير المجمل لا تنتخب كبيرة ، ولا تتحر صغيرة فربع دينار : وزنه عشرون حبة ونصف حبة لا قطع في أقل من ذلك من الذهب المحض الصرف , الذي لا ينضاف إليه خلط يظهر له فيه أثر قل أو كثر من ورق , أو نحاس , أو غير ذلك وبالله تعالى التوفيق.


2286 - مسألة : ذكر أعيان الأحاديث الواردة في القطع باختصار

قال أبو محمد رحمه الله : أما حديث ابن عمر قطع رسول الله ﷺ في مجن ثمنه ثلاثة دراهم فلم يروه أحد إلا نافع ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ هكذا رواه عنه الثقات الأئمة : أيوب السختياني , وموسى بن عقبة , وأيوب بن موسى , وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي , وعبيد الله بن عمر بن حفص , وإسماعيل بن أمية , وإسماعيل بن علية , وحماد بن زيد , ومالك بن أنس , والليث بن سعد , ، ومحمد بن إسحاق , وجويرية بن أسماء , وغير هؤلاء ممن لا يلحق بهؤلاء , ولا يختلف في اللفظ , إلا أن بعضهم قال : قيمته وبعضهم قال : ثمنه. ورواه بعض الثقات أيضا عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع ، عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ فقال : قيمته خمسة دراهم. وجاء حديث لم يصح ; لأن راويه أبو حرمل ، ولا يدرى من هو أن جارية سرقت ركوة خمر لم تبلغ ثلاثة دراهم , فلم يقطعها رسول الله ﷺ .

وأما القطع في ربع دينار , فلم يرو إلا عن عائشة ، رضي الله عنها ،

وروي عنها على ثلاثة أضرب : أحدها أن رسول الله قال ﷺ : لا قطع إلا في ربع دينار. "

والثاني أن رسول الله ﷺ : قطع في ربع دينار , أو قال : القطع في ربع دينار. والثالث أنه عليه السلام يقطع في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس لا في الشيء التافه , أو قطع في مجن ولم يرو هذه الألفاظ باختلافها عنها ، رضي الله عنها ، إلا القاسم بن محمد , وعروة بن الزبير , وعمرة بنت عبد الرحمن , وامرأة عكرمة لم تسم لنا.

فأما القاسم , فأوقفه على عائشة من لفظها , ولم يسنده , لكن أنها قالت : السارق تقطع يده في ربع دينار. وأنكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه وخطأه.

وأما من قال : لا قطع إلا في ربع دينار , فلم يروه أحد نعلمه إلا يونس عن الزهري عن عروة , وعمرة عن عائشة مسندا , وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مسندا , ، ومحمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة مسندا.

وأما الذين رووا القطع في ثمن المجن لا في التافه الذي هو أقل من ثمن المجن , وتحديد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة , وامرأة عكرمة عن عائشة مسندا.

وأما حديث العشرة دراهم أو الدينار , فليس فيه شيء أصلا عن رسول الله ﷺ فلا ينبغي أن يجوز التمويه فيه على أحد , إنما فيه موصولا به ذكر العشرة دراهم من قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، ولا يصح عنه أيضا. ومن قول عبد الله بن عباس بن عبد الله

وهو قول سعيد بن المسيب , وأيمن كذلك وهو عنهم صحيح , إلا حديثا موضوعا مكذوبا لا يدرى من رواه من طريق ابن مسعود مسندا : لا قطع إلا في ربع دينار , أو عشرة دراهم , وليس فيه مع علته ذكر القيمة أصلا.


2287- مسألة : ذكر ما يقطع من السارق

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس فيما يقطع من السارق : فقالت طائفة : لا تقطع إلا اليد الواحدة فقط , ثم لا يقطع منه شيء.

وقالت طائفة : لا يقطع منه إلا اليد والرجل من خلاف , ثم لا يقطع منه شيء.

وقالت طائفة : تقطع اليد , ثم الرجل الأخرى.

وقالت طائفة : تقطع يده , ثم رجله من خلاف , ثم رجله الثانية. واختلفوا أيضا : كيف تقطع اليد , وكيف تقطع الرجل , وماذا يفعل إذا لم يبق له ما يقطع , وأي اليدين تقطع وسنذكر إن شاء الله تعالى كل باب من هذه ألأبواب , والقائلين بذلك , وحجة كل طائفة , ليلوح الحق ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم :

فأما من قال : لا تقطع إلا يده فقط فكما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج قلت لعطاء : سرق الأولى , قال : تقطع كفه , قلت : فما قولهم : أصابعه , قال : لم أدرك إلا قطع الكف كلها , قلت لعطاء : سرق الثانية , قال : ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط , قال الله تعالى {فاقطعوا أيديهما} ولو شاء أمر بالرجل , ولم يكن الله تعالى نسيا هذا نص قول عطاء.

وأما من قال : تقطع اليد , ثم اليد , ولا تقطع الرجل فروي عن ربيعة وغيره وبه قال بعض أصحابنا.

وأما من قال : تقطع يده , ثم رجله من خلاف فقط , ثم لا يقطع منه شيء : فكما , ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى , قال : كان علي بن أبي طالب لا يزيد في السرقة على قطع اليد والرجل قال وكيع : و ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة : أن علي بن أبي طالب أتي بسارق فقطع يده , ثم أتي به فقطع رجله , ثم أتي به الثالثة , فقال : إني أستحيي أن أقطع يده , فبأي شيء يأكل , أو أقطع رجله فعلى أي شيء يعتمد فضربه وحبسه. وبه إلى وكيع ، حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عابد الأزدي قال : أتي عمر بن الخطاب برجل أقطع اليد والرجل يقال له : سدوم فأراد أن يقطعه , فقال علي بن أبي طالب : إنما عليه قطع يده ورجله , فحبسه عمر.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال : كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس : السارق يسرق فتقطع يده , ثم يعود فتقطع يده الأخرى , قال الله تعالى {فاقطعوا أيديهما} قال ابن عباس : بلى , ولكن يده ورجله من خلاف , قال عمرو بن دينار : سمعته من عطاء منذ أربعين سنة

قال أبو محمد رحمه الله : هذا إسناد في غاية الصحة , ويحتمل قول ابن عباس هذا وجهين : أحدهما بلى , إن الله تعالى قال هذا , ولكن الواجب قطع يده ورجله ويحتمل أيضا بلى , إن الله تعالى قال هذا وهو الحق ولكن السلطان يقطع اليد والرجل , وهذا الوجه الثاني هو الذي لا يجوز أن يحمل قول ابن عباس على غيره ألبتة ; لأنه لا يجوز أن يكون ابن عباس يحقق أن هذا قول الله تعالى ثم يخالفه ويعارضه. إذ لا يحل ترك أمر الله تعالى إلا لسنة عن رسول الله ﷺ ناسخة لما في القرآن , واردة من عند الله تعالى بالوحي , إلى نبيه عليه السلام. فمن الباطل الممتنع أن يخالف قول ابن عباس قول الله تعالى برأيه , أو بتقليده لرأي أحد دون رسول الله ﷺ ; وهو أبعد الناس من ذلك , وقد دعاهم إلى المباهلة في " العول " وغيره. وقال في أمر متعة الحج وفسخه بعمرة : ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض أقول لكم قال رسول الله ﷺ وتقولون : قال أبو بكر , وعمر ومن المحال أن يكون عنده عن رسول الله ﷺ سنة في ذلك ، ولا يذكرها , وقد أعاذه الله تعالى من ذلك. ومن المحال أن يسمعه عطاء ويفهم عنه أن عنده في قطع الرجل سنة ينبغي لها ترك القرآن , ثم يأبى عطاء من قطع الرجل في السرقة كما ذكرنا عنه ويتمسك بالقرآن في ذلك , ويقول وما كان ربك نسيا لو شاء الله تعالى أمر بالرجل. فصح يقينا أن ابن عباس لم يرد بقوله " بلى , ولكن اليد والرجل " إلا لتصحيح : قطع اليدين فقط , على حكم الله تعالى في القرآن , وأن قوله " ولكن اليد والرجل " إنما أخبر عن فعل أهل زمانه فقط. وعن الزهري , وسالم , وغيره : إنما قطع أبو بكر الصديق رجله , وكان مقطوع اليد قال الزهري : فلم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل , لا يزاد على ذلك. وعن إبراهيم النخعي قال كانوا يقولون : لا يترك ابن آدم مثل البهيمة , ليس له يد يأكل بها , ويستنجي بها

وهو قول حماد بن أبي سليمان , وسفيان الثوري , وأحمد بن حنبل , وأصحابهم

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا في قول من رأى قطع يد السارق الواحدة فقط ثم لا يقطع منه شيء وقول من رأى قطع اليد بعد اليد فقط , ولم ير قطع الرجل في ذلك أصلا : فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} .

وقال رسول الله ﷺ : لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها.

وقال رسول الله ﷺ : لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا.

وقال رسول الله ﷺ : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وقالت عائشة ، رضي الله عنها ، : لم تكن الأيدي تقطع على عهد رسول الله ﷺ في الشيء التافه. فهذا القرآن , والآثار الصحاح الثابتة عن رسول الله ﷺ جاءت بقطع الأيدي , لم يأت فيها للرجل ذكر.

وقال تعالى {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} . وقد بينا أنه لم يصح عن رسول الله ﷺ في قطع رجل السارق شيء أصلا ولو صح لقلنا به , وما تعدينا. ولم يرو في قطع الرجل شيء إلا عن أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , ويعلى بن منية.

فأما الرواية عن عثمان فلا تصح.

وأما الرواية عن أبي بكر فقد جاء عنه أنه أراد قطع الرجل الثانية في السرقة الثالثة وهم لا يقولون بهذا. وصح عن علي أنه لم ير قطع الرجل الثانية , ولا اليد الثانية. فصح الأختلاف عنهم في ذلك ، رضي الله عنهم ،. وما ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم , ومحمد بن أبي بكر عن أبيه , قال : أراد أبو بكر قطع الرجل بعد اليد والرجل , فقال عمر : السنة في اليد فهذا عمر رضي الله عنه لم ير السنة إلا في اليد

قال أبو محمد رحمه الله : فانبلج الأمر ولله الحمد .

وقد روينا من طريق البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن يونس ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس كان يحدث : أن رجلا أتى إلى رسول الله ﷺ فقال : إني رأيت الليلة وذكر الحديث ، وأن أبا بكر رضي الله عنه عبر تلك الرؤيا , وأن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر رضي الله عنه أصبت بعضا وأخطأت بعضا فكل أحد دون رسول الله ﷺ يخطئ ويصيب.

فإن قال قائل : قد جاء عن رسول الله ﷺ : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي

قلنا : سنة الخلفاء ، رضي الله عنهم ، هي اتباع سنته عليه السلام ,

وأما ما عملوه باجتهاد فلا يجب اتباع اجتهادهم في ذلك. وقد صح عن أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وابن الزبير , وخالد بن الوليد , وغيرهم : القود من اللطمة والحنفيون , والمالكيون , والشافعيون , لا يقولون بذلك.

وأما نحن فليس الإجماع عندنا إلا الذي تيقن أنهم أولهم عن آخرهم قالوا به , وعملوه , وصوبوه , دون سكوت من أحد منهم , ولا خلاف من أحد منهم , فهذا حقا هو الإجماع وبالله تعالى التوفيق. فإذ إنما جاء القرآن , والسنة , بقطع يد السارق لا بقطع رجله , فلا يجوز قطع رجله أصلا , وهذا ما لا إشكال فيه والحمد لله. فوجب من هذا إذا سرق الرجل , أو المرأة , أن يقطع من كل واحد منهما يدا واحدة , فإن سرق أحدهما ثانية قطعت يده الثانية , بالنص من القرآن , والسنة , فإن سرق في الثالثة عذر , وثقف , ومنع الناس ضره , حتى يصلح حاله وبالله تعالى التوفيق.