→ كتاب السرقة (مسألة 2266 - 2267) | ابن حزم - المحلى كتاب السرقة (مسألة 2268 - 2274) ابن حزم |
كتاب السرقة (مسألة 2275 - 2279) ← |
كتاب السرقة
مسائل من هذا الباب
2268- مسألة : فيمن سرق من بيت المال , أو من الغنيمة
قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : إن رجلا سرق من بيت المال , فكتب فيه سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر إليه : أن لا قطع عليه ; لأن له فيه نصيبا. وبه إلى وكيع ، حدثنا سفيان هو الثوري عن سماك بن حرب عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل قد سرق من الخمس مغفرا فلم يقطعه علي , وقال : إن له فيه نصيبا. وبه يقول إبراهيم النخعي , والحكم بن عتيبة , وأبو حنيفة , والشافعي , وأصحابهما
وقال مالك , وأبو ثور , وأبو سليمان , وأصحابهم : عليه القطع
قال أبو محمد رحمه الله : إنما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين : إحداهما : أن له فيه نصيبا مشاعا. والثانية : أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ،. أما الأحتجاج بأنه قول طائفة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يعرف لهم منهم مخالف , فإن هذا يلزم المالكيين المحتجين بمثل هذا إذا وافق أهواءهم التاركين له إذا اشتهوا
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ .
وأما احتجاجهم بأن له في ذلك نصيبا فهذا ليس حجة في إسقاط حد الله تعالى , إذ ليست هذه القضية مما جاء به القرآن , ولا مما صح عن رسول الله ﷺ ولا مما أجمعت عليه الأمة : فلا حجة لهم في غير هذه العمد الثلاث. وكونه له في بيت المال وفي المغنم نصيب لا يبيح له أخذ نصيب غيره ; لأنه حرام عليه بإجماع لا خلاف فيه. وبقول الله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} . فإذ نصيب شريكه عليه حرام فلا فرق بين سرقته إياه وبين سرقته من أجنبي لا نصيب له معه , وهم يدعون القياس. وهم يقولون : إن الحرام إذا امتزج مع الحلال فإنه كله حرام , كالخمر مع الماء , ولحم الخنزير يدق مع لحم الكبش , وغير هذا كثير ويرون الحد على من شرب خمرا ممزوجة بماء حلال , فما الفرق بينه وبين من سرق شيئا بعضه له حلال وبعضه حرام لغيره
قال أبو محمد رحمه الله : فلما لم نجد في المنع من قطع من سرق من المغنم , أو من الخمس , أو من بيت المال , حجة أصلا , لا من قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , وجب أن ننظر في القول الآخر : فوجدنا الله تعالى يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} . ووجدنا رسول الله ﷺ قد أوجب القطع على السارق جملة , ولم يخص الله تعالى , ولا رسوله عليه السلام سارقا من بيت المال من غيره , ولا سارقا من المغنم , ، ولا سارقا من مال له فيه نصيب من غيره وما كان ربك نسيا ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أغفله ، ولا أهمله والعمل في ذلك أن ننظر فيمن سرق من شيء له فيه نصيب من بيت المال أو الخمس , أو المغنم , أو غير ذلك , فإن كان نصيبه محدودا معروف المقدار كالغنيمة , أو ما اشترك فيه ببيع , أو ميراث , أو غير ذلك , أو كان من أهل الخمس , نظر : فإن أخذ زائدا على نصيبه مما يجب في مثله القطع قطع , ولا بد , فإن سرق أقل فلا قطع عليه , إلا أن يكون منع حقه في ذلك أو احتاج إليه فلم يصل إلى أخذ حقه إلا بما فعل ، ولا قدر على أخذ حقه خالصا فلا يقطع إذا عرف ذلك , وإنما عليه أن يرد الزائد على حقه فقط ; لأنه مضطر إلى أخذ ما أخذ إذا لم يقدر على تخليص مقدار حقه , والله تعالى يقول {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} وبالله تعالى التوفيق.
2269 مسألة : فيمن سرق من الحمام ، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن بلال بن سعد أن رجلا سرق برنسا من الحمام فرفع إلى أبي الدرداء فلم ير عليه قطعا. وبه يقول أبو حنيفة , وأصحابه
وقال مالك , وأحمد , وإسحاق , وأبو ثور , وأبو سليمان , وأصحابهم : عليه القطع إذا كان هنالك حافظ
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا مما تناقض فيه الحنفيون , والمالكيون ; لأنهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة إذا وافق آراءهم , وقد خالفوا هاهنا قول أبي الدرداء , ولا يعرف له من الصحابة مخالف
قال أبو محمد رحمه الله : أما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ وقد قال تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} وهذا سارق فالقطع عليه بنص القرآن , ولو أراد الله تعالى تخصيص ذلك لما أغفله.
2270 - مسألة : فيمن سرق من مسجد قال قوم : لا قطع على من سرق من مسجد.
وقالت طائفة : إذا كان هنالك حافظ لذلك الشيء , أو كانت الأبواب مغلقة قطع , وإلا فلا
وكذلك لو قلع باب المسجد فإن كان مغلقا مضبوطا قطع , وإلا فلا وهكذا القول في باب الدار
وهو قول مالك. وقال أصحابنا : القطع في كل ذلك واجب , والأصل في ذلك أمر الحرز كما ذكرنا وقد بطل قول من قال بمراعاة الحرز فالواجب قطع من سرق من مسجد بابا كان مغلقا أو غير مغلق أو حصيرا , أو قنديلا , أو شيئا وضعه صاحبه هنالك ونسيه كان صاحبه معه أو لم يكن إذا أخذه مستترا بأخذه لنفسه , لا ليحفظه على صاحبه , وذلك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
2271 - مسألة : هل على النباش قطع أم لا
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في النباش فقالت طائفة : عليه القتل.
وقالت طائفة : تقطع يده ورجله.
وقالت طائفة : تقطع يده فقط.
وقالت طائفة : يعزر أدبا ، ولا شيء عليه غير ذلك.
وأما من رأى عليه القتل فكما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن صفوان بن سليم : أن رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ وجد رجلا يختفي في القبور فقتله , فأهدر عمر بن الخطاب دمه.
وأما من رأى قطع يده ورجله : فكما روينا بالسند المذكور إلى ابن جريج قال : قال لي عمرو بن دينار : قطع عباد بن عبد الله بن الزبير يد غلام ورجله , اختفى
قال أبو محمد رحمه الله : " عباد " هذا من التابعين أدرك عائشة , نعم , وجده الزبير , وجمهور الصحابة ، رضي الله عنهم .
وأما من رأى قطع يده فقط : فكما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه وجد قوما يختفون القبور باليمن , فكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر : أن يقطع أيديهم.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا هشيم عن سهيل بن أبي صالح قال : شهدت عبد الله بن الزبير قطع يد النباش. وبه إلى الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة : أن الشعبي , والنخعي , ومسروق بن الأجدع , وزاذان , وأبا ذرعة بن عمرو وعمرو بن حزم , قالوا في النباش إذا أخذ المتاع : قطع. وعن إبراهيم النخعي قال : إذا سرق النباش قدر ما يقطع فيه , فعليه القطع. وعن الشعبي أنه سئل عن النباش فقال : نقطع في أمواتنا , كما نقطع في أحيائنا
قال أبو محمد رحمه الله : والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق : أن كل هذا لا معنى له , لكن الفرض هو ما افترض الله تعالى ورسوله عليه السلام الرجوع إليه عند التنازع , إذ يقول تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية ففعلنا : فوجدنا الله تعالى يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ووجدنا رسول الله ﷺ قد أوجب القطع على من سرق بقوله عليه السلام لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها. ووجدنا " " السارق " في اللغة التي نزل بها القرآن وبها خاطبنا الله تعالى : هو الآخذ شيئا لم يبح الله تعالى له أخذه , فيأخذه متملكا له , مستخفيا به فوجدنا النباش هذه صفته. فصح أنه سارق , وإذ هو سارق , فقطع اليد على السارق , فقطع يده واجب وبه نقول.
وأما من رأى قتله , أو قطع يده ورجله , فما نعلم له حجة , إلا أن يكونوا رأوه محاربا وليس هاهنا دليل على أنه محارب أصلا ; لأنه لم يخف طريقا , فليس له حكم المحارب , ودماؤنا حرام , فدم النباش حرام وبالله تعالى التوفيق.
2272 - مسألة : ما يجب فيه على آخذه القطع
قال أبو محمد رحمه الله : تنازع الناس في أشياء , فقال قوم : لا قطع في سرقتها.
وقال قوم : فيها القطع , من ذلك : التمر , والجمار , والشجر , والزرع
قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن خالد أخبرني أبي ، حدثنا سلمة بن عبد الملك الغوصي عن الحسن ، هو ابن صالح بن حي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن رافع بن خديج قال : " سمعت رسول الله ﷺ يقول : لا قطع في ثمر , ولا كثر والكثر الجمار وفي هذا آثار كثيرة لم نذكرها , لئلا نطول بذكرها , ولو صحت لوجب الأخذ بها بذلك , وللزم حينئذ أن لا يقطع في شيء من الثمر , والحبوب سواء حصد أو لم يحصد , جد أو لم يجد كان في المخازن أو لم يكن لعموم هذا اللفظ. ولأن الله تعالى سمى اليابس ثمرا , فقال : ومن ثمرات النخيل والأعناب فسمى الله تعالى ما تثمره الشجرة , والنخلة , والزرع , ثمرا بقوله تعالى {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان} الآية إلى قوله تعالى : {وآتوا حقه يوم حصاده} . فوجب الحق فيه يوم حصاده والحصاد لا يكون إلا في اليابس
وأما ساق الشجر , والنخل , وأغصانه , فلا يقع عليه اسم ثمر أصلا , لا في لغة , ولا في شريعة. واختلف المتأخرون في هذا , فقال سفيان الثوري : لا قطع فيما يفسد من يومه من الطعام , مثل : الثريد , واللحم , وما أشبهه , لكن يعزر. وإذا كانت الثمرة في شجرتها لم تقطع اليد في سرقتها , لكن يعزر. قال أبو حنيفة : لا يقطع في شيء من : الإبل , ولا البقر , ولا الغنم , ولا الخيل , ولا البغال , ولا الحمير إذا سرق كل ذلك من المرعى , فإذا كانت في المراح , أو في الدور ففيها القطع. ولا يقطع في شيء من : الفواكه الرطبة كانت في الدور أو في الشجر في حرز كانت أو غير حرز
وكذلك البقول كلها.
وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحم , والطعام كله كان في حرز أو في غير حرز. ولا قطع في الملح , ولا في التوابل , ولا في الزروع كلها , فإذا يبس الزرع وحمل إلى الأندر , أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شيء منه , إذا بلغ ما يجب فيه القطع.
وقال مالك : كل ما كان من الفواكه في أشجاره , والزرع في مزرعته , فلا قطع في شيء منه
وكذلك الأنعام في مسارحها , فإذا أحرزت الأنعام في مراح , أو دار , ففيها القطع , فإذا جمع الزرع في أندره أو في الدور ففيه القطع , وإذا جنيت الفواكه , وأدخلت في الحرز ففيها القطع ,
وكذلك تقطع في البقول , والفواكه كلها , وفي اللحم وفي كل شيء إذا كان في حرز وهذا قول الشافعي أيضا. وقال أبو ثور : إذا كانت الفواكه في أشجارها رطبة أو غير رطبة وكان الفسيل في حائطه , وكان كل ذلك محرزا ممنوعا , ففيه القطع وقال فيما عدا ذلك بقول مالك , والشافعي ,
وقال مالك , والشافعي وأبو ثور في البعير , أو الدابة تسرق من الفدان , ففيه القطع. وقال أصحابنا في كل ما ذكرنا : القطع محرزا كان أو غير محرز إذا سرقه السارق ولم يأخذه معلنا
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك , ونظرنا في قول أبي ثور فوجدناه صحيحا , إلا اشتراطه الحرز فقط , فإن الحرز لا معنى له على ما بينا قبل. وقول أبي ثور هذا إنما صح لموافقته عموم قول الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} . وبحكم رسول الله ﷺ بقطع السارق عموما دون اشتراط حرز. وقول أبي ثور , مخالف للأحاديث المذكورة قبل هذا ; لأنها واهية , ولا حجة إلا في صحيح. ثم نظرنا في قول مالك , والشافعي , فوجدنا حجتهما إنما هي خبر عمرو بن شعيب , وابن المسيب , وخبر حميد بن قيس , وعبد الرحمن بن عبد الله , لا حجة لهما غيرها , وقد بينا أن هذه الأخبار في غاية الوهي , وأن الأحتجاج بالواهي باطل ; وقد
قلنا : إن هذه الأخبار لا تصح ولو صحت لما كان في شيء منها دليل على ما ادعاه من ادعاه من الحرز , بل كان الواجب حينئذ أن لا يقطع في شيء مما يقع عليه اسم ثمر , ولا اسم كثر , وأن يقطع في ذلك إن آواه الجرين رطبا كان أو غير رطب فهذا كان يكون الحكم لو صح الخبر وما عدا هذا فباطل , بظن كاذب فإذا لم تصح الآثار أصلا فالواجب ما قاله أصحابنا من أن القطع واجب في كل ثمر , وفي كل كثر معلقا كان في شجره أو مجذوذا , أو في جرين كان أو غير جرين إذا أخذه سارقا له , مستخفيا بأخذه , غير مضطر إليه , وبغير حق له , فإن القطع في كل طعام كان مما يفسد أو لا يفسد إذا أخذه على وجه السرقة غير مشهور بأخذه , لا حاجة إليه , ولا عن حق أوجب له أخذه , فإن القطع واجب في الزرع , إذا أخذ من فدانه , أو هو بأندره , على وجه السرقة مستترا , أو مختفيا بأخذه , لا عن حاجة إليه , ولا عن حق له.
وأما الماشية فالقطع فيها أيضا كذلك , إلا أن تكون ضالة يأخذها معلنا فيكون محسنا , حيث أبيح له أخذها , وعاصيا لا سارقا , حيث لم يبح له أخذها , فلا قطع هاهنا ; لأنه ليس سارقا ; وإنما القطع على السارق وعمدتنا في ذلك قول الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وحكم رسول الله ﷺ بقطع السارق عموما وبالله تعالى التوفيق.
2273 - مسألة : الطير فيمن سرقها
قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في القطع في الطير إذا سرق , كالدجاج , والإوز , وغيرها. فقالت طائفة : لا قطع في شيء من ذلك : كماحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن عبد الله بن يسار قال : أتي عمر بن عبد العزيز برجل قد سرق دجاجا , فأراد أن يقطعه , فقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كان عثمان يقول : لا قطع في طير فخلى عمر سبيله.
حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جابر الجعفري عن عبد الله بن يسار , قال : أراد عمر بن عبد العزيز أن يقطع سارقا سرق دجاجة , فقال له أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : إن عثمان بن عفان قال : لا قطع في طير.
وبه يقول أبو حنيفة , وأحمد بن حنبل , وأصحابهما , وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة : القطع فيه إذا سرق من حرز
وهو قول مالك , والشافعي , وأصحابهما.
وقالت طائفة : القطع فيها على كل حال , إذا سرقت
قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا فيما اختلفوا من ذلك , فوجدنا من احتج بقول من لم ير القطع فيه , فوجدناهم يقولون : إن إبطال القطع فيه قد روي عن عثمان بن عفان ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة. وادعى بعضهم أنه روى نحو ذلك عن علي , هذا لا يعرف. وقالوا : إن الأصل فيه أنه تافه في الأصل مباح , فإذا كان مملوكا لم يقطع سارقه , إذا كان ما هذا وصفه لم يقطع سارقه , والطير إذا كان مباحا , وكان فرخا فلا قيمة له , وإنما تصير له القيمة بعدما يصير مملوكا بالتعليم. فهذا كل ما موهوا به , ما لهم شبهة غير ذلك لا حجة لهم فيه أصلا
قال أبو محمد رحمه الله : فإذا قد عرى قولهم من حجة , وكان الطير مالا من الأموال , فقد تعين ذلك ملكا لصاحبه , كالدجاج , والحمام , وشبهها وجب فيه القطع بقول الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} . وبإيجاب رسول الله ﷺ القطع على من سرق. ولم يخص الله تعالى , ولا رسوله عليه السلام من ذلك طيرا ، ولا غيره وتالله , أراد الله تعالى الذي يعلم سر كل من خلق , وكل ما هو كائن , وحادث , من حركة أو نفس , وكلمة , أبد الأبد , وكل ما لا يكون لو كان كيف كان يكون , أن يخص من القطع من سرق الطير , لما أغفل ذلك , ولا أهمله. فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله تعالى لم يرد قط إسقاط القطع عن سارق الطير , بل قد أمر الله تعالى بقطعه نصا والحمد لله رب العالمين.
2274- مسألة : الصيد
قال أبو محمد رحمه الله : يتعلق بهذا الباب أمر الصيد , فإن أبا حنيفة لا يرى القطع في الصيد إذا تملك أصلا , ولا يرى القطع فيمن سرق إبلا متملكا من حرزه , ولا على من سرق كذلك غزالا , أو خشفا , أو ظبيا , أو حمارا وحشيا , أو أرنبا , أو غير ذلك من الصيد. ورأى مالك , والشافعي , وأصحابهما , القطع في كل ذلك على حسب الأختلاف الذي أوردناه عنهم في مراعاة الحرز.
قال أبو محمد رحمه الله : وهذا مكان ما نعلم للحنفيين فيه حجة أصلا , ولا ، أنه قال به أحد قبل شيخهم , بل هو خرق للإجماع , وخلاف للقرآن مجرد , إلا أنهم ادعوا أنهم قاسوه على الطير
فإن قالوا : إن الصيد يشبه الطير في أنهما حيوان وحشي مباح في أصله قيل لهم : فأسقطوا على هذا القياس القطع عمن سرق ياقوتا , أو ذهبا , أو فضة , أو نحاسا , أو حديدا , أو رصاصا , أو قزديرا , أو زئبقا , أو صوف البحر ; لأن هذا كله أجسام مباحة في الأصل , غير متملكة كالصيد , ولا فرق فهذا تشبيه أعم من تشبيهكم , وعلة أعم من علتكم.
وأيضا فإنهم قد نقضوا هذا القياس , فلم يقيسوا قاتل الدجاج الإنسي على الصيد المحرم في الإحرام , ولا قاسوا الأنعام , والخيل عند من يبيحها على ذوات الأربع من الصيد , وكان هذا كله نصا أو إجماعا متيقنا
فصح أن القطع واجب على من سرق صيدا متملكا , كما هو واجب في سائر الأموال وبالله تعالى التوفيق.