الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثمانون

كتاب السرقة

2275- مسألة : فيمن سرق خمرا لذمي , أو لمسلم , أو سرق خنزيرا كذلك , أو ميتة كذلك

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عطاء قال : من سرق خمرا من أهل الكتاب , قال عطاء : زعموا في الخمر , والخنزير , يسرقه المسلم من أهل الكتاب يقطع , من أجل أنه حل لهم في دينهم , وإن سرق ذلك من مسلم فلا قطع عليه. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : من سرق خمرا من أهل الكتاب قطع.

وقالت طائفة : لا قطع عليه في ذلك , ولكن يغرم لها مثلها وهذا قول شريح , وسفيان الثوري , ومالك , وأبي حنيفة , وأصحابهم.

وقالت طائفة : لا قطع عليه ذلك , ولا ضمان

وهو قول الشافعي , وأحمد , وأصحابهما .

وبه يقول أصحابنا

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا في ذلك , فرأينا قول من أوجب الضمان وأسقط القطع , في غاية الفساد ; لأنه لا يخلو الخمر , والخنزير , من أن يكونا مالا للذمي له قيمة , أو لا يكونا مالا له , ولا سبيل إلى قسم ثالث أصلا , فإن كانت الخمر , والخنزير , مالا للذمي , لهما قيمة , فالقطع فيهما واجب على أصولهم إذا بلغ كل واحد منهما ما فيه القطع. وإن كان الخمر , والخنزير , لا قيمة لهما , وليسا مالا للذمي , فبأي وجه قضوا بضمان ما لا قيمة له , ولا هو مال , وهل هذا منهم إلا قضاء بالباطل وإيكال مال بغير حق , لا سيما وهم يقولون : إن المسلم إن سرق خمرا لمسلم , أو خنزيرا لمسلم , فلا قطع , ولا ضمان ; لأنهما ليسا مالا له , ولا لهما قيمة. والعجب كله , كيف يقضون بضمانهما عليه وهو لا سبيل له إلى قضائهما ; لأنه عندهم مما يكال أو يوزن ففيهما المثل عندهم. ثم نظرنا في قول من رأى القطع في ذلك والضمان , وقول من لا يرى في ذلك لا قطعا ، ولا ضمانا.

فنظرنا فيمن رأى القطع والضمان , فلم نجد لهم حجة أصلا. إلا إن قالوا : إنها مال لهم , ولها قيمة عندهم .

فقلنا لهم : أخبرونا , أبحق من الله تملكوها , واستحقوا ملكها وشربها , أو بباطل ، ولا سبيل إلى قسم ثالث

فإن قالوا : بحق , وأمر من الله تعالى , كفروا بلا خلاف وهم لا يقولون هذا ويلزمهم أن يقولوا : إن دين اليهود والنصارى حق , وهذا لا يقوله مسلم أصلا

قال الله تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} .

وقال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} . فإذ قد صح ما

قلنا , وصح أن الله تعالى حرم شرب الخمر , على كل مسلم وكافر , وحرم بيعها على كل مسلم وكافر , وحرم ملكها على كل مسلم وكافر بقوله تعالى آمرا للرسول عليه السلام أن يقول {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} . وبقوله عليه السلام كل مسكر حرام ، وأن الذي حرم شربها حرم بيعها , ثبت أنها ليست مالا لأحد , وأنه لا قيمة لها أصلا ,

وكذلك الخنزير للتحريم الوارد فيه جملة. فإذ قد حرم ملكها جملة , كان من سرقها لم يسرق مالا لأحد , لا قيمة لها أصلا , ولا سرق شيئا يحل إبقاؤه جملة , فلا شيء عليه والواجب هرقها على كل حال لمسلم وكافر ,

وكذلك قتل الخنازير وبالله تعالى التوفيق

قال أبو محمد رحمه الله : وأما من سرق ميتة , فإن فيها القطع ; لأن جلدها باق على ملك صاحبها , بدبغه فينتفع به ويبيعه.

فإن قيل : ما الفرق بين الخنزير والميتة أوجبتم القطع في الميتة من أجل جلدها , ولم توجبوا القطع في الخنزير فهلا أوجبتموه من أجل جلده , وجلده وجلد سائر الميتات سواء في جواز الأنتفاع به وبيعه إذا دبغ فجوابنا : أن الفرق بينهما في غاية الوضوح ولله الحمد وهو أن الميتة كانت في حياتها متملكة لصاحبها بأسرها , فلما ماتت سقط ملكه عن لحمها , وشحمها , ودمها ; ومعاها , وفرثها , ودماغها , وغضاريفها ; لأن كل هذا حرام مطلق التحريم , وبقي ملكه كما كان , على ما أباح الله تعالى له الأنتفاع به منها , وهو الجلد , والشعر , والصوف , والوبر , والعظم , فلا يخرج عن ملكه , إلا بإباحته إياه لأنسان بعينه , أو لمن أخذه ويعلم ذلك بطرحه الجميع , وتبريه منه , فهو ما لم يطرحه مالك لذلك , فإن سرق فإنما سرق شيئا متملكا , ملكا صحيحا , ومال من مال مسلم , أو ذمي , فالقطع فيه.

وأما الخنزير فلا يقع عليه في حياته ملك لأحد ; لأنه رجس محرم جملة فمن سرقه حيا , أو ميتا , فإنما أخذ مالا لا مالك له , وما لا يحل لأحد تملكه فجلده لمن بادر إليه , وأخذه , ودبغه , فإذا دبغ صار حينئذ ملكا من مال متملكه , من سرقه فعليه فيه القطع , والقطع واجب في عظام الفيل كما ذكرنا والميتات كلها كذلك ; لأن رسول الله ﷺ قال : إنما حرم أكلها حاش عظم الخنزير , وشعره , وكل شيء منه حرام جملة , لا يحل لأحد تملك شيء منه , إلا الجلد فقط بالدباغ , لقول رسول الله ﷺ : أيما إهاب دبغ فقد طهر وبالله تعالى التوفيق ;


2276- مسألة : فيمن سرق حرا صغيرا , أو كبيرا

قال أبو محمد رحمه الله : لا نعلم خلافا في أن من سرق عبدا صغيرا لا يفهم أن عليه القطع , واختلف الناس فيمن سرق عبدا كبيرا يتكلم , وفيمن سرق حرا صغيرا أو كبيرا

فأما العبد الصغير الذي لا يفهم , فإن الذي سرقه سارق مال , فعليه القطع

وأما من سرق العبد الذي يفهم , فإنما أسقط عنه القطع من أسقطه ; لأنه لولا أنه أطاعه ما أمكنه سرقته إياه

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا لا ينبغي أن يطلق إطلاقا ; لأن في الممكن أن يسرقه وهو نائم , أو سكران , أو مغمى عليه , أو متغلبا عليه متهددا بالقتل , فلا يقدر على الأمتناع , ولا على الأستغاثة , فإذا كان هكذا , فهي سرقة صحيحة قد تمت منه , وإذ هي صحيحة فالقطع عليه بنص القرآن.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج , قال : أخبرت أن عمر بن الخطاب قطع رجلا في غلام سرقه. وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل عن الحسن البصري قال : من سرق صغيرا حرا , أو عبدا , قطع. قال إبراهيم النخعي : يقام الحد على الكبير وليس على الصغير من شيء يعني أنه يقطع الكبير في سرقة الصغير. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر قال : سألت الزهري عمن سرق عبدا أعجميا لا يفقه قال : يقطع. وبالقطع في سرقة العبد الصغير يقول أبو حنيفة , ، ومحمد بن الحسن , ومالك , والشافعي , وأحمد , وأصحابهم , وإسحاق , وأصحابنا , وسفيان الثوري. وذكر عن أبي يوسف أنه استحسن أن يقطع.

وأما من سرق حرا فإن حمام بن أحمد ، حدثنا قال : حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : أخبرت أن عليا قطع البائع بائع الحر وقال : لا يكون الحر عبدا. وقال ابن عباس : ليس عليه قطع , وعليه شبيه بالقطع الحبس.

وقال أبو حنيفة , وسفيان , وأحمد , وأبو ثور : لا قطع على من سرق حرا صغيرا كان أو كبيرا.

وقال مالك , وإسحاق بن راهويه : على من سرق حرا صغيرا , القطع وذكر هذا عن الحسن البصري , والشعبي.

قال أبو محمد رحمه الله : وقد جاء في هذا أثر , لا علينا أن نذكره ; لأن الحنفيين يأخذون بأقل منه , إذا وافقهم , وهو : كما ، حدثنا القاضي عبد الله بن عبد الرحمن بن جحاف المعافري ببلنسية ، حدثنا محمد ، حدثنا إبراهيم بطليطلة ، حدثنا بكر بن العلاء القشيري بمصر ، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي البصري ، حدثنا القاسم بن إسحاق الأنصاري ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ﷺ أتي برجل كان يسرق الصبيان , فأمر به فقطع

قال أبو محمد رحمه الله : فليس فيه تخصيص حر من عبد وبالله تعالى التوفيق.


2277- مسألة : من سرق المصحف

قال أبو محمد رحمه الله : قال أبو حنيفة , وأصحابه , لا قطع على من سرق مصحفا سواء كانت عليه حلية فضة تزن مائتي درهم , أو أكثر , أو أقل أو لم تكن.

وقال مالك , والشافعي , وأصحابنا : عليه القطع

قال أبو محمد رحمه الله : واحتج من لم ير القطع بأن قال : إن له فيه حق التعليم ; لأنه ليس له منعه عمن احتاج إليه. قال : فلما كان له فيه حق كان كمن سرق من بيت المال. قال : والفضة تبع ; لأنها تدخل في بيعه , كما يدخل في بيعه الجلد , والدفتان وهذا كلام في غاية الفساد والباطل : أول ذلك قولهم : لأن له فيه حق التعليم وقد كذب , إنما حق المتعلم في التلقين فقط , لا في مصحف الناس أصلا , إذ لم يوجبه قرآن , ولا سنة , ولا إجماع. وإنما فرض على الناس تعليم بعضهم بعضا القرآن تدريسا وتحفيظا وهكذا كان جميع الصحابة ، رضي الله عنهم ، في عهد رسول الله ﷺ بلا خلاف من أحد , أنه لم يكن هنالك مصحف , وإنما كانوا يلقنه بعضهم بعضا , ويقرئه بعضهم بعضا , فمن احتاج منهم أن يقيد ما حفظ كتبه في الأديم , وفي اللخاف , والألواح , والأكتاف فقط. فبطل قوله " إن للسارق حقا في المصحف " وصح أن لصاحب المصحف منعه من كل أحد , إذ لا ضرورة بأحد إليه

قال أبو محمد رحمه الله : فصح أن القطع واجب في سرقة المصحف كانت عليه حلية أو لم تكن لقول الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}

قال أبو محمد رحمه الله : ويلزمهم أن لا يوجبوا القطع على من سرق كتب العلم وهذا خطأ , بل القطع في كل ذلك واجب وبالله تعالى التوفيق.


2278- مسألة : سراق اختلف الناس في وجوب القطع عليهم

قال أبو محمد رحمه الله : قال أبو حنيفة , وأصحابه : لا يقطع من سرق صليبا , أو وثنا ولو كان من فضة , أو ذهب قال : فإن سرق دراهم فيها صور أصنام , أو صور صلبان , فعليه القطع ; لأن ذلك يعبد وهذا لا يعبد

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا خطأ , وتناقض , واحتجاج فاسد. أما الخطأ , فإسقاط الحد الذي افترض الله تعالى من القطع على السارق. وإنما وجب القطع على سارق الصليب ; لأنه سرق جوهرا لا يحل له أخذه. وإنما الواجب فيه كسره فقط ,

وأما ملك جوهره فصحيح ، ولا فرق بينه وبين من سرق إناء ذهب وإناء فضة , والنهي قد صح عن اتخاذ آنية الفضة والذهب , كما صح عن اتخاذ الصليب والوثن ، ولا فرق والقطع واجب في كل ذلك ; لأنه لم يسرق الصورة , ولا شكل الإناء , وإنما سرق الجسم الحلال تملكه , وإنما الواجب في الآنية المذكورة , والصلبان , والأوثان , الكسر فقط. فإن كان الصليب , أو الوثن , من حجر لا قيمة له أصلا بعد الكسر , فلا قطع فيه أصلا , لما ذكرنا قبل من قول عائشة ، رضي الله عنها ، إن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله ﷺ في الشيء التافه وسنستقصي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في كلامنا " في مقدار ما يقطع فيه السارق ".

وأما التناقض , فظاهر أيضا ; لأنه لا فرق بين صورة وصورة بلا برهان وكلاهما محرم تصويره , ومتوعد عليه بالعذاب الشديد يوم القيامة.

وأما فساد احتجاجه , بأن الصليب يعبد , والصورة التي في الدراهم لا تعبد , فإن الهند يعبدون البقر كما يعبد النصارى الصليب , ويعظمونها كما يعظم الصليب , ولا فرق فيلزمه أيضا , أن لا يقطع في سرقة البقر.

فإن قالوا : إننا نحن لا نعبدها

قلنا لهم : وإننا نحن أيضا لا نعبد الصليب , ولا نعظمه والحمد لله رب العالمين والعجب كل العجب من إسقاط أبي حنيفة القطع عن سارق الصليب , وهو يقتل المسلم إذا قتل عابد الصليب فلئن كان لعابد الصليب من الحرمة عندهم ما يستباح به دم المسلم , فإن لمال عابد الصليب من الحرمة ما تستباح به يد سارقه , والصليب مال من ماله , هذا على أن النهي قد صح أن لا يقتل مؤمن بكافر عن رسول الله ﷺ ". نعم , وعن الله تعالى في القرآن , إذ يقول {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} . وإذ يقول تعالى {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} . ولم يأت نهي قط عن قطع يد من سرق مال كافر ذمي بل أمر الله تعالى بقطعه في عموم قوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} . وقد علم الله تعالى أن السارق يسرق من مسلم ومن ذمي , فنحن نقسم بالله تعالى أنه لو أراد استثناء سارق مال الذمي لما سكت عن ذلك , ولا نسيه , ولبينه , كما بين لنا أن لا يقتل مؤمن بكافر وبالله تعالى التوفيق.


2279 - مسألة : إحضار السرقة

قال أبو محمد رحمه الله : قال المالكيون : من أقر بسرقة دراهم كثيرة أو قليلة أو غير ذلك , فإن القطع لا يجب بذلك إلا حتى يحضر ذلك الشيء الذي أقر بسرقته

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا أيضا خطأ ; لأنه رد لما أمر الله تعالى به من قطع السارق , ولم يشترط إحضار السرقة وما كان ربك نسيا لكن الواجب قطعه ، ولا بد , ثم يلزمه إحضار ما سرق ليرد إلى صاحبه إن عرف أو ليكون في جميع مصالح المسلمين إن لم يعرف صاحبه فإن عدم الشيء المسروق ضمنه , على ما نذكر بعد هذا , إن شاء الله تعالى

قال أبو محمد رحمه الله : ولا نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا فإن تعلقوا : بما ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب : أن طارقا كان جعله ثعلبة الشامي على المدينة يستخلفه , فأتي بإنسان متهم بسرقة , فجلده , فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة , فأرسل إلى ابن عمر فاستفتاه فقال ابن عمر لا تقطع يده حتى يبرزها فهذا لا حجة لهم فيه ; لأن من أقر تحت العذاب وبالتهديد فلا قطع عليه , وسواء أبرز السرقة أو لم يبرزها ; لأنه قد يكون أودعت عنده , وهو يدري أنها سرقة أو لا يدري , فلا يكون على المودع في ذلك قطع أصلا. ويحتمل قول ابن عمر هذا أي حتى يبرز قولته مجردة من الإقرار بالضرب , مع أنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وكم قولة لأبن عمر قد خالفوها بلا برهان

فإن ذكروا ما روينا بالسند المذكور إلى ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن أيوب , قال : كتب إلي يحيى بن سعيد يقول : من اعترف بسرقة , ثم أتى مع ذلك بما يصدق اعترافه فذلك الذي تقطع يده , ومن اعترف على تهدد وتخوف , ثم لم يأت بما يصدق اعترافه , فإن ناسا يزعمون أن يقطعوا في مثل هذا. وبه إلى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة , قال : من اعترف بعد امتحان فلم يوجد ذلك عنده , ولم يوجد ما يصدقه من عمله , فإن اعترافه لم يكن متصلا , ولا إقامته على الأعتراف خشية أن يكون عليه من البلاء ما قد دفع عنه من البلاء باعترافه , فنرى أن لا يؤخذ باعترافه , إلا أن يأتي وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن من أقر بسرقة , فلا يخلو من أن يكون أقر بلا تهديد ، ولا عذاب , أو أقر بتهديد وعذاب فإن أقر بتهديد وعذاب , فلا قطع عليه أصلا أحضر السرقة , أو لم يحضرها إذ قد يدري موضعها , أو جعلت عنده , فلا قطع عليه وإن كان أقر بلا تهديد ، ولا عذاب , فالقطع عليه أخرج السرقة , أو لم يخرجها لما ذكرنا قبل.

وأما قول ربيعة " أن لا يؤخذ المكره باعتراف إلا أن يأتي وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة " فقول صحيح لا شك فيه , أنه إذا جاء ببيان يتيقن به دون شك أنه سرقها , فالقطع واجب وسواء حينئذ أقر تحت العذاب أو دون عذاب

وكذلك لو عذب أو أقر , وجاءت بينة تشهد بأنهم رأوه يسرق لوجب قطع يده بالسرقة , لا بإقراره , وقد

قلنا : إن إحضار الشيء المسروق ليس بيانا في أنه هو سرقه , وإنما هو ظن , ولا يحل قطع يد مسلم بالظن , قال الله تعالى {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} .

وقال رسول الله ﷺ : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث

قال أبو محمد رحمه الله : وقد روينا عن أبي بكر الصديق بحضرة عمر بن الخطاب وسائر الصحابة ، رضي الله عنهم ، أنه قطع إلا قطع بإقرار مجرد دون إحضار السرقة , وأن السرقة إنما وجدت عند الصائغ , أو عنده , وقد يمكن أن توضع في رحله بغير علمه : حدثنا حماد ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر , وسفيان الثوري , كلاهما عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال : إني سرقت , فرده , فقال : إني سرقت , فقال : شهدت على نفسك مرتين , فقطعه قال عبد الرحمن : فرأيت يده في عنقه معلقة. وبه إلى عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : رجل شهد على نفسه مرة واحدة قال : حسبه

قال أبو محمد رحمه الله : إنما أوردنا هذا لئلا يشغبوا فيما يذكرونه من إحضار السرقة بما ذكرنا ، عن ابن عمر , فأوجدناهم عن علي أصح مما وجدوا لأبن عمر قطعا , بغير إحضار السرقة ,

وكذلك عن عطاء وإلا فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ

قال أبو محمد رحمه الله : وقال بعض من لا يرى درء الحد عن السارق برجوعه : أنه إن أقر ثم رجع فلا قطع عليه , لكن يغرم السرقة الذي أقر أنه سرقها منه وهذا تناقض وخطأ ; لأنه لم يقر له بشيء إلا على وجه السرقة

قلنا : فلا يخلو إقراره ذلك ضرورة من أحد وجهين , لا ثالث لهما : إما أن يكون صادقا في أنه سرق منه ما ذكر أو يكون كاذبا في ذلك , فإن كان صادقا فقد عطلوا الفرض , إذ لم ينفذوا عليه ما أمر الله تعالى به من قطع يد السارق وإن كان كاذبا فقد ظلموه , إذ غرموه ما لم يجب له عنده قط , ولا صح إقراره به , فهم بين تعطيل الفرض , أو ظلم في إباحة مال محرم وكلاهما لا يحل وبالله تعالى التوفيق.