→ كتاب السرقة | ابن حزم - المحلى كتاب السرقة (مسألة 2266 - 2267) ابن حزم |
كتاب السرقة (مسألة 2268 - 2274) ← |
كتاب السرقة
2266 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : قال الله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} فوجب القطع في السرقة بنص القرآن , ونص السنة , وإجماع الأمة , ثم اختلف الناس في مواضع من حكم السرقة نذكرها إن شاء الله تعالى ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله.
2267- مسألة : ذكر ما السرقة وحكم الحرز أيراعى أم لا
قال أبو محمد رحمه الله : قالت طائفة : لا قطع إلا فيما أخرج من حرزه ,
وأما إن أخذه من غير حرزه ومضى به , فلا قطع عليه.
وكذلك لو أخذ وقد أخذه من حرز فأدرك قبل أن يخرجه من الحرز ويمضي به , فلا قطع عليه. كما ،
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى , وعمرو بن شعيب , قال سليمان : إن عثمان , وقال عمرو بن شعيب : إن ابن عمر , ثم اتفقا : لا قطع على سارق حتى يخرج المتاع.
حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن عثمان قضى أنه لا قطع على سارق وإن كان قد جمع المتاع فأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج به. وبه إلى ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن سارقا نقب خزانة المطلب بن وداعة والطعن فيها قد جمع المتاع ولم يخرج به , فأتي به إلى ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع , فمر بابن عمر فسأل فأخبر فأتى ابن الزبير فقال : أمرت به أن يقطع فقال : نعم , قال : فما شأن الجلد قال : غضبت , فقال ابن عمر : ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت , أرأيت لو رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده قال : لا , قال : لعله قد كان نازعا تائبا وتاركا للمتاع.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن سليمان عن مكحول عن عثمان بن عفان قال : لا تقطع يد السارق وإن وجد معه المتاع ما لم يخرج به عن الدار. وبه إلى ابن وهب سمعت الشمر بن نمير يحدث عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال في الرجل يوجد في البيت وقد نقبه معه المتاع : أنه لا يقطع حتى يحمل المتاع فيخرج به عن الدار.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا زكريا عن الشعبي قال : ليس على السارق قطع حتى يخرج المتاع. وعن عطاء سأله ابن جريج السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به قال : لا قطع عليه حتى يخرج به. وعن ربيعة ، أنه قال : من أخذ في دار قوم معه سرقة قد خرج عن مفاتيح البيت الذي أخذ السرقة منه فعليه القطع , ومن لم يوجد معه شيء فلا قطع عليه وإن كان يريد السرقة. وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل نقب بيت قوم حتى دخل البيت فجمع متاعهم فأخذوه في البيت قد جمع المتاع , فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : إنه لم ينقب البيت ويجمع المتاع لخير , فعاقبه عقوبة شديدة ثم احبسه ، ولا تدع أن تذكرنيه. وعن ابن شهاب ، أنه قال : إنما السرقة فيما أحصن , فما كان محصنا في دار , أو حرز , أو حائط , أو مربوط , فاحتل رباطه فذهب به , فتلك من السرقة التي يقطع فيها , قال : فمن سرق طيرا من حرز له معلق , فعليه ما على السارق
قال أبو محمد رحمه الله : وبهذا يقول سفيان الثوري , وأبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وأصحابهم , وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة : عليه القطع سواء من حرز سرق أو من غير حرز. كما ، حدثنا أحمد بن أنس العذري ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال هو الزبيري ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا موسى بن إسحاق ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو خالد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : بلغ عائشة أم المؤمنين أنهم يقولون : إذا لم يخرج السارق المتاع لم يقطع فقالت عائشة : لو لم أجد إلا سكينا لقطعته. اختلاس وبه إلى ابن الجهم ، حدثنا محمد بن رمح ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا سليم بن حيان ، حدثنا سعيد بن مسلم قال : كان عبد الله بن الزبير يلي صدقة الزبير , فكانت في بيت لا يدخله أحد غيره وغير جارية له , ففقد شيئا من المال فقال للجارية : ما كان يدخل هذا المكان غيري وغيرك فمن أخذ هذا المال فأقرت الجارية , فقال لي : يا سعيد انطلق بها فاقطع يدها , فإن المال لو كان لم يكن عليها , قطع.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم ، حدثنا أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم , قال : ذكر عند إبراهيم النخعي قول الشعبي في السارق لا يقطع حتى يخرج بالمتاع , فأنكره إبراهيم.
حدثنا حمام بن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج أخبرني أبو بكر قال : حدثنا خالد بن سعيد بن المسيب , وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنهما سئلا عن السارق يسرق فيطرح السرقة , ويوجد في البيت الذي سرق منه , لم يخرج فقالا جميعا : عليه القطع. وقد روي هذا أيضا عن الحسن البصري رواه روح بن عبادة عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن قال : إذا جمع السارق المتاع ولم يخرج به , قطع
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة أنا عبد العزيز بن أبي سعيد المزني أن عمرو بن أبي سيارة المزني كان قائما يصلي من الليل فسمع خشفة في البيت , فظن أنها الشاة ثم استيقن أن في البيت لصوصا , فأخذ السيف فقام على باب البيت , فإذا كارة وسط البيت , فخرج عليه مثل الجمل المحجرم , فضرب بالثياب وجهه , وحذفه عمرو بالسيف حذفة , ونادى مواليه وعبيده على الرجل فقد أثقلته , وأقام بمكانه يرى أن في البيت آخرين فأدركوه , وهو تحت ساباط لبني ليث يشتد , فأخذوه فجاءوا به إلى عبيد الله بن أبي بكرة , فقال : إني رجل قصاب , وإني أدلجت من أهلي أريد الجسر لأجيز غنما لي , وإن عمرا ضربني بالسيف , فبعث عبيد الله إلى عمرو فسأله فقال : بل دخل علي بيتي , وجمع المتاع , فشهد عليه فقطع عبيد الله بن أبي بكرة يده.
قال أبو محمد رحمه الله : وبه يقول أبو سليمان , وجميع أصحابنا ومن هذا أيضا المختلس فإن الناس اختلفوا فيه فقالت طائفة : لا قطع عليه : كما
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل اختلس من رجل ثوبا فقال : إنما كنت ألعب معه , قال : تعرفه قال : نعم , فلم يقطعه.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا مالك بن أنس عن الزهري أن رجلا اختلس طوقا , فسأل عنها مروان زيد بن ثابت فقال : ليس عليه قطع. وعن معمر عن الزهري قال : اختلس رجل متاعا فأراد مروان أن يقطع يده , فقال له زيد بن ثابت : تلك الخلسة الظاهرة , لا قطع فيها , لكن نكال وعقوبة.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الخلسة , فقال : تلك الدعوة المقلة , لا قطع فيها. وعن الشعبي أن رجلا اختلس طوقا فأخذوه وهو في حجرته فرفع إلى عمار بن ياسر وهو على الكوفة فكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه : أنه عادي الظهيرة , ولا قطع عليه. وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل اختلس طوقا من ذهب كان في عنق جارية نهارا , فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : إن ذلك عاد ظهر ليس عليه قطع , فعاقبه. وعن الحسن البصري في الخلسة : لا قطع فيها وعن قتادة : لا قطع على المختلس , ولكن يسجن ويعاقب
وهو قول النخعي , وأبي حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وأصحابهم .
وبه يقول إسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة : عليه القطع كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب عن قباث بن رزين أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول : السنة أن تقطع اليد المستخفية , ولا تقطع اليد المعلنة. وعن عطاء بن أبي رباح ، أنه قال : تقطع يد السارق المستخفي المستقر ، ولا تقطع يد المختلس المعلن.
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن هشام : أن عدي بن أرطاة رفع إليه رجل اختلس خلسة , فقال إياس بن معاوية : عليه القطع
قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ,
فنظرنا في قول من لم ير القطع إلا في أخذ من حرز , فوجدناهم يذكرون : ما ناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ سئل عن التمر المعلق فقال : من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه , ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا أبو عوانة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله ﷺ في كم تقطع اليد فقال : لا تقطع اليد في تمر معلق , فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن , ولا تقطع في حريسة الجبل , فإذا آواه المراح قطعت في ثمن المجن.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب عن الحارث بن مسكين قراءة عليه وأحمد يسمع ، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : إن رجلا من مزينة أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل قال : هي ومثلها , والنكال , وليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما آواه المراح , فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد , وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه , وجلدات نكال , قال : يا رسول الله كيف ترى في التمر المعلق قال : هو ومثله معه , والنكال , وليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا فيما آواه الجرين , فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع , وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه , وجلدات نكال.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي عن مخلد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله ﷺ قال : ليس على خائن ، ولا مختلس قطع. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن حاتم ، حدثنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك ، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر أن رسول الله ﷺ درأ عن المنتهب , والمختلس , والخائن , القطع
قال أبو محمد رحمه الله : فقالوا : لم يجعل النبي ﷺ القطع على مختلس , ولا على خائن فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن , وسقط القطع عن حريسة الجبل , والتمر المعلق , حتى يؤويهما الجرين , والمراح , وهو حرزهما. وقالوا : ما وجد في غير حرز فإنما هو لقطة قد أبيح أخذها وتحصينها , وقالوا : قد جاء عن عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب , وزيد بن ثابت : أنه لا قطع على مختلس ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف , فدل ذلك على اعتبار الحرز :
فنظرنا في ذلك فوجدناه لا حجة لهم في شيء منه : أما الخبران اللذان ذكرنا فلا يصح منهما ، ولا واحد. أما حديث حريسة الجبل , والتمر المعلق , فإنه لا يصح ; لأن أحد طريقيه من سعيد بن المسيب مرسل , والأخرى : هي أيضا أسقط , مرسلة من طريق ابن أبي حسين ، ولا حجة في مرسل والأخرى : مما انفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهي صحيفة لا يحتج بها فهذا وجه يسقط به. ودليل آخر أنه لو صح لكان عليهم لا لهم ; لأنهم كلهم يعني الحاضرين من المخالفين مخالفون , لما فيه من ذلك أن فيه : أن من خرج بشيء من التمر المعلق ففيه غرامة مثليه وهم لا يقولون بهذا.
وكذلك إذا آواه الجرين فلم يبلغ ثمن المجن ففيه أيضا غرامة مثليه , وهم لا يقولون بهذا أيضا. وفيه أيضا : أن في حريسة الجبل غرامة مثلها , وأن فيها غرامة مثليها , وأن فيها إن آواه المراح فلم يبلغ ثمن المجن غرامة مثليها , فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه , فكيف يستجيز ذو ورع يدري أن كلامه محسوب عليه , وأنه محاسب به يخاف لقاء الله تعالى , ويهاب عقابه , أن يحتج بخبر هو يصححه , ويخالفه في أربعة أحكام من أحكامه , على من لا يصححه أصلا , فلا يراه حجة , وهل في التعجيل بالإثم , والفضيحة العاجلة أكثر من هذا فإن ادعوا في ترك هذه الأحكام الأربعة إجماعا كذبوا ; لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حكم بها بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يعرف منهم له مخالف ، ولا يدرى منهم عليه منكر , فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي سرقوها وانتحروها. وقد
روينا من طرق منها ما ناه أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مطرف بن قيس ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة للمزني رجل من مزينة فانتحروها , فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر لكثير بن الصلت أن يقطع أيديهم , قال عمر : إني أراك تجيعهم , والله لاغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني : كم ثمن ناقتك قال : أربعمائة درهم , قال عمر : فأعطه ثمانمائة درهم
قال أبو محمد رحمه الله : فهذا أثر عن عمر كالشمس
وأما حديث سعيد بن المسيب وهم يعدون مثل هذا إجماعا إذا وافق أهواءهم وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره نحو هذا في إتلاف الأموال :
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبان بن عثمان أن أباه عثمان أغرم في ناقة محرم أهلكها رجل , فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها قال الزهري : ما أصيب من أموال الناس ومواشيهم في الشهر الحرام , فإنه يزاد الثلث لهذا في العمد فهذا أثر في غاية الصحة عن عثمان رضي الله عنه ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ،. وقال به الزهري بعد ذلك , وهم لا يبالون بدعوى الإجماع في أقل من هذا جرأة على الكذب , ثم لا يبالون بمخالفة ما يقرون بأنه إجماع
قال أبو محمد رحمه الله : نقول وبالله تعالى التوفيق إن الخبر الذي رواه أبو الزبير عن جابر لم يروه أحد من الناس عن جابر إلا أبو الزبير فقط , وأبو الزبير مدلس ما لم يقل فيه : حدثنا , أو أنا , لا سيما في جابر , فقد أقر على نفسه بالتدليس فيه : كما ، حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي ، حدثنا إسحاق بن أحمد الصيدلاني ، حدثنا أبو جعفر العقيلي ، حدثنا زكريا بن يحيى الحلواني ، حدثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا عمي وحدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا الليث بن سعد قال : قدمت مكة , فجئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين , فانقلبت بهما , فقلت في نفسي : لو عاودته فسألته : أسمع هذا كله من جابر فرجعت إليه , فقلت له : هذا كله سمعته من جابر فقال : منه ما سمعته , ومنه ما حدثت عنه , فقلت له : أعلم لي ما سمعت منه فأعلم لي على هذا الذي عندي
قال علي : فما لم يروه الليث عن أبي الزبير , أو لم يقل فيه : حدثنا , أو أنا , فهو منقطع فقد صح أن هذا الحديث لم يسمعه أبو الزبير من جابر.
وأما احتجاجهم بما جاء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، في المختلس فإن الرواية في ذلك عن زيد بن ثابت لا تصح ; لأنها عن الزهري عنه منقطعة , ولم يسمع الزهري من زيد كلمة :
وأما الرواية عن عمر , وعمار بن ياسر في ذلك , فإنها منقطعة ; لأنها عن الشعبي عنهما ولم يولد الشعبي إلا بعد قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكن يعقل إذ مات عمار بن ياسر.
وأما الرواية عن علي في ذلك فهي من طريقين : إحداهما عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين والأخرى من طريق بكير بن أبي السميط المكفوف وقد روي نحوه عن قتادة , وعفان , ولا يعرف حاله , إلا أن القول في المختلس لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون اختلس جهارا غير مستخف من الناس فهذا لا خلاف فيه أنه ليس سارقا , ولا قطع عليه. أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر فهذا لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق , وأن عليه القطع. فبطل كل ما تعلقوا به , وعري قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا.
وأما قولهم : إن الشيء إذا لم يكن محرزا فهو لقطة فخطأ ; لأن اللقطة إنما هي ما سقط عن صاحبه وصار بدار مضيعة
وكذلك الضالة
وأما ما كان غير مهمل ، ولا ساقط , فقد بطل عن أن يكون لقطة , أو ضالة , وقد جاء في اللقطة والضالة نصوص لا يحل تعديها , فلا مدخل للسارق فيها , فنحن إنما نكلمهم في سارق من حرز , لا في ملتقط , ولا في آخذ ضالة فإن الملتقط مختلس فسقط هذا الأعتراض الفاسد.
قال أبو محمد رحمه الله : فوجب أن ننظر في القول الثاني فوجدنا الله تعالى يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} فوجب بنص القرآن أن كل من سرق فالقطع عليه , وأن من اكتسب سرقة فقد استحق بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه ذلك قطع يده نكالا. وبالضرورة الحسية , وباللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق من حرز أو من غير حرز فإنه " سارق " وأنه قد اكتسب سرقة , لا خلاف في ذلك , فإذ هو سارق مكتسب سرقة , فقطع يده واجب , بنص القرآن ,
ولا يحل أن يخص القرآن بالظن الكاذب , ولا بالدعوى العارية من البرهان. فإن من قال : إن الله تعالى إنما أراد في هذه الآية من سرق من حرز , فإنه مخبر عن الله تعالى , والمخبر عن الله تعالى بما لم يخبر به عن نفسه , ولا أخبر به عنه نبيه ﷺ فقد قال على الله تعالى الكذب , وقال ما لا يعلم , وقفا ما لا علم له به وهذا عظيم جدا. وقد أوردنا عن عائشة , وابن الزبير , وسعيد بن المسيب , وعبد الله بن عبيد الله , والحسن , وإبراهيم النخعي , وعبيد الله بن أبي بكرة القطع على من سرق , وإن لم يخرج به من الحرز
قال أبو محمد رحمه الله : فهذا نص القرآن ,
وأما من السنن فروينا من طريق البخاري ، حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي والليث ، هو ابن سعد ، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فذكر الحديث وفيه : أن رسول الله ﷺ قام فخطب فقال : يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد , وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها من طريق البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد الأعمش قال : سمعت أبا صالح سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده , ويسرق الحبل فتقطع يده
قال أبو محمد رحمه الله : فقضى رسول الله ﷺ بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من غير حرز وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , وما كان ربك نسيا
وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} .
وقال تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم} . ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله عز وجل لو أراد أن لا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك , ولا أهمله , ولا أعنتنا بأن يكلفنا علم شريعة لم يطلعنا عليه , ولبينه على لسان رسوله ﷺ إما في الوحي ,
وأما في النقل المنقول. فإذ لم يفعل الله تعالى ذلك , ولا رسوله ﷺ فنحن نشهد , ونبت , ونقطع بيقين لا يمازجه شك أن الله تعالى لم يرد قط , ولا رسوله ﷺ اشتراط الحرز في السرقة. إذ لا شك في ذلك فاشتراط الحرز فيها باطل بيقين لا شك فيه , وشرع لما لم يأذن الله تعالى به , وكل ما ذكرنا فإنما يلزم من قامت عليه الحجة ووقف على ما ذكرنا ; لأن من سلف ممن اجتهد فأخطأ مأجور وبالله تعالى التوفيق.
وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الأختفاء بأخذ الشيء ليس له , وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له , وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الأسم , فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة , وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده , ولا دليل على صحته.
وأما قول الصحابة : فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلا وإنما جاء عن بعضهم " حتى يخرج من الدار "
وقال بعضهم " من البيت " وليس هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة , وابن الزبير في ذلك فلاح أن قولنا قول قد جاء به القرآن , والسنن الثابتة عن رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق