→ كتاب العتق وأمهات الأولاد | ابن حزم - المحلى كتاب العتق وأمهات الأولاد (مسأله 1660 - 1666) ابن حزم |
كتاب العتق وأمهات الأولاد (مسأله 1667) ← |
كتاب العتق وأمهات الأولاد
1660 - مسألة: العتق فعل حسن , لا خلاف في ذلك.
1661 - مسألة: ولا يحل للمرء أن يعتق عبده أو أمته إلا لله عز وجل لا لغيره , ولا يجوز أخذ مال على العتق , إلا في الكتابة خاصة , لمجيء النص بها. وقال بعض القائلين : إن قال لعبده : أنت حر للشيطان : نفذ ذلك
قال أبو محمد : وهذا خلاف قول الله عز وجل : {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}
وقال عز وجل : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} والعتق عبادة فإذا كانت لله تعالى خالصة جازت , وإذا كانت لشريك معه تعالى أو لغيره محضا : بطلت ; لأنها وقعت بخلاف ما أمر الله تعالى ثم لقول رسول الله ﷺ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فوجب رد هذا العتق وإبطاله.
وروينا من طريق شعبة ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : (قال رسول الله ﷺ عن الله تعالى أنه يقول : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء , وليلتمس ثوابه منه).
1662 - مسألة: ومن قال : إن ملكت عبد فلان فهو حر , أو قال : إن اشتريته فهو حر , أو قال : إن بعت عبدي فهو حر , أو قال : شيئا من ذلك في أمة لسواه أو أمة له ثم ملك العبد والأمة , أو اشتراهما " أو باعهما : لم يعتقا بشيء من ذلك. أما بطلان ذلك في عبد غيره , وأمة غيره :
فلما رويناه من طريق مسلم حدثني زهير بن حرب ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، هو ابن علية ، حدثنا أيوب هو السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال : قال رسول الله ﷺ : (لا وفاء لنذر في معصية , ولا فيما لا يملك العبد).
وأما بطلان ذلك في عبده وأمته ; فلأنه إذ باعهما فقد بطل ملكه عنهما , ولا وفاء لعقده فيما لا يملكه :
روينا من طريق حماد بن سلمة ، حدثنا زياد الأعلم عن الحسن البصري فيمن قال لأخر : إن بعت غلامي هذا منك فهو حر فباعه منه قال الحسن : ليس بحر ثم قال : ولو قال الآخر : إن اشتريته منك فهو حر , ثم اشتراه منه فليس بحر
وهو قول أبي سليمان , وأصحابنا واختلف الحاضرون في ذلك : فقال الشافعي : إن قال إن بعت غلامي فهو حر , فباعه فهو حر. فإن قال : إن اشتريت غلام فلان فهو حر فاشتراه فليس بحر.
واحتج بعض أصحابه لقوله هذا بأنه إذا باعه فهو في ملكه بعد , ما لم يتفرقا , فلذلك عتق.
قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأن رسول الله ﷺ قال : لا بيع بينهما حتى يتفرقا فصح أنه لم يبعه بعد , فإذا تفرقا فحينئذ باعه , ولا عتق له في ملك غيره.
وقال أبو حنيفة , وسفيان بعكس قول الشافعي , وهو أنهما قالا : إن قال : إن بعت عبدي فهو حر. فباعه , لم يكن حرا بذلك. فإن قال : إن اشتريت عبد فلان فهو حر. فاشتراه فهو حر.
وقال مالك : من قال : إن بعت عبدي فهو حر. فباعه فهو حر وإن قال : إن اشتريت عبد فلان فهو حر. فاشتراه فهو حر. فلو قال : إن بعت عبدي فهو حر , وقال آخر : إن اشتريت عبد فلان فهو حر. ثم باعه منه فإنه يعتق على البائع لا على المشتري. وقد
روينا هذا القول عن إبراهيم النخعي , والحسن أيضا وهذا تناقض منه , وكلاهما يلزمه عتقه عنده بقولهما , فقال بعض مقلديه : هو مرتهن بيمين البائع.
قال أبو محمد : وهذا تمويه ; لأنه يعارضه الحنفي فيقول : بل هو مرتهن بيمين المشتري ويعارضه آخر فيقول : بل هو مرتهن بيمينهما جميعا فيعتق عليهما جميعا. وقال حماد بن أبي سليمان : يعتق على المشتري , ويشتري البائع بالثمن عبدا فيعتقه وهذا عجب عجيب ليت شعري كيف يجوز عنده بيعه لمن نذر عتقه ثم يلزمه عتقا فيما لم ينذر عتقه , وهذه صفة الرأي في الدين ونحمد الله على عظيم نعمته.
1663 - مسألة: ولا يجوز عتق بشرط أصلا , ولا بإعطاء مال إلا في " الكتابة " فقط , ولا بشرط خدمة , ولا بغير ذلك , لقول رسول الله ﷺ : (كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل). فإن ذكر ذاكر ما روينا من طريق حماد بن سلمة ، حدثنا سعيد بن جمهان ، حدثنا سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله ﷺ قال : " قالت لي أم سلمة : أريد أن أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله ﷺ ما عشت قلت : إن لم تشترطي علي لم أفارق رسول الله ﷺ حتى أموت , قال : فأعتقتني واشترطت علي أن أخدم رسول الله ﷺ ما عاش ". ورويناه أيضا من طريق عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة , فسعيد بن جمهان غير مشهور بالعدالة , بل مذكور أنه لا يقوم حديثه ثم لو صح فليس فيه : أن رسول الله ﷺ عرف ذلك فأقره , والحنفيون , والمالكيون , والشافعيون : لا يجيزون العتق بشرط أن يخدم فلانا ما عاش فقد خالفوا هذا الخبر.
روينا من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن أبي بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : أعتق عمر بن الخطاب كل من صلى سجدتين من رقيق الإمارة , واشترط على بعضهم خدمة من بعده إن أحب سنتين أو ثلاثا.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني أيوب بن موسى أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر قال : إن عمر بن الخطاب أعتق كل من صلى من سبي العرب , فبت عتقهم , وشرط عليهم : أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات , وشرط لهم : أنه يصحبكم بمثل ما كنت أصحبكم به فابتاع الخيار خدمته تلك الثلاث سنوات من عثمان بأبي فروة وخلى سبيل الخيار , وقبض أبا فروة.
وبه إلى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر أنه أعتق غلاما له وشرط عليه أن له عمله سنتين , فعمل له بعض سنة , ثم قال له : قد تركت لك الذي اشترطت عليك فأنت حر , وليس عليك عمل.
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : كان علي بن أبي طالب تصدق بعد موته بأرض له , وأعتق بعض رقيقه , وشرط عليهم أن يعملوا فيها خمس سنين.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا عباد عن حجاج عن القاسم بن عبد الرحمن عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه أن رجلا أتى ابن مسعود فقال : إني أعتقت أمتي هذه واشترطت عليها أن تلي مني ما تلي الأمة من سيدها إلا الفرج , فلما غلظت رقبتها قالت : إني حرة فقال ابن مسعود : ليس ذلك لها , خذ برقبتها فانطلق بها فلك ما اشترطت عليها.
قال أبو محمد : الحنفيون , والمالكيون , والشافعيون : مخالفون لجميع هذه الآثار ; لأن في جميعها العتق بشرط الخدمة بعد العتق , وإلى غير أجل وهم لا يجيزون هذا ; ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف , وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق رأيهم ,
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ .
وروينا عن سعيد بن المسيب : من أعتق عبده واشترط خدمته عتق وبطل شرطه : رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه عن شريح مثله. وأجازوا العتق على إعطاء مال , ولا يحفظ هذا فيما نعلمه عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، في غير الكتابة.
فإن قالوا : قسنا ذلك على الكتابة.
قلنا : ناقضتم , لأنكم لا تجيزون في الكتابة الضمان ، ولا الأداء بعد العتق , وتجيزون كل ذلك في العتق على مال. ولا تجيزون في الكتابة أن يكون أمد أداء المال مجهولا , وتجيزون ذلك في العتق على مال فقد أبطلتم قياسكم , فكيف والقياس كله باطل. ثم لهم في هذا غرائب :
فأما أبو حنيفة فإنه قال : من قال لعبده : أنت حر على أن تخدمني أربع سنين , فقبل العبد ذلك فعتق ثم مات من ساعته. فمرة قال : في ماله قيمة خدمته أربع سنين
وهو قول الشافعي ثم رجع فقال : في ماله قيمة رقبته. قال : ومن قال لعبده : أنت حر على ألف درهم , أو على أن عليك ألف درهم , فالخيار للعبد في قبول ذلك أو رده , فإن قبل ذلك في المجلس فهو حر , والمال دين عليه , وإن لم يقبل فلا عتق له ، ولا مال عليه. قال : فإن قال له : إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر , فله بيعه ما لم يؤدها , فإذا أداها فهو حر.
وقال مالك : من قال لعبده : أنت حر على أن عليك ألف درهم : لم يلزم العبد أداؤها ، ولا حرية له إلا بأدائها , فإذا أداها فهو حر. قال : فلو قال : إن جئتني بألف درهم فأنت حر , ومتى ما جئتني بألف درهم فأنت حر : فليس له أن يبيعه حتى يتلوم له السلطان ، ولا ينجم عليه , فإن عجز عجزه السلطان وكان لسيده بيعه. قال : فلو قال لعبده : أنت حر الساعة وعليك ألف درهم : فهو حر والمال عليه قال ابن القاسم صاحبه : هو حر ، ولا شيء عليه.
قال أبو محمد : وهذا هو الصحيح ; لأنه لم يعلق الحرية بالغرم , بل أمضاها بتلة بغير شرط , ثم ألزمه ما لا يلزمه , فهو باطل. ولكن ليت شعري كم يتلوم له السلطان , أساعة أم ساعتين أم يوما أم يومين أم جمعة أم جمعتين أم حولا أم حولين وكل حد في هذا فهو باطل بيقين ; لأنه دعوى بلا
برهان والقول في هذا : أنه إن أخرج كلامه مخرج العتق بالصفة فهو لازم ; لأنه ملكه فمتى ما جاءه بما قال فهو حر له ذلك ما بقي عنده , وللسيد بيعه قبل أن يستحق العتق ; لأنه عبده وهذه أقوال لا تحفظ عمن قبلهم , وجعل خيارا للعبد حيث لا دليل على أن له الخيار وبالله تعالى التوفيق.
1664 - مسألة: ومن قال : لله تعالى علي عتق رقبة : لزمته ومن قال : إن كان أمر كذا مما لا معصية فيه فعبدي هذا حر , فكان ذلك الشيء فهو حر ,
وقد ذكرنا هذا في " كتاب النذور ".
وأما من نذر رقبة فهو نذر لا عتق فيما لا يملك , فهو لازم لما ذكرناه في " كتاب النذور " وقد جاء في هذا نص وهو قول معاوية بن الحكم لرسول الله ﷺ إن علي لله رقبة أفأعتقها فسألها عليه السلام : أين الله فأشارت إلى السماء فقال : هي مؤمنة , فأعتقها فهذا نص جلي على لزوم الرقبة لمن التزمها لله تعالى وبه عز وجل نتأيد.
1665 - مسألة: ولا يجوز عتق الجنين دون أمه إذا نفخ فيه الروح قبل أن تضعه أمه , ولا هبته دونها. ويجوز عتقه قبل أن ينفخ فيه الروح وتكون أمه بذلك العتق حرة وإن لم يرد عتقها , ولا تجوز هبته أصلا دونها. فإن أعتقها وهي حامل فإن كان جنينها لم ينفخ فيه الروح , فهو حر , إلا أن يستثنيه فإن استثناه فهي حرة , وهو غير حر وإن كان قد نفخ فيه الروح فإن أتبعها إياه إذ أعتقها فهو حر , وإن لم يتبعها إياه , أو استثناه : فهي حرة , وهو غير حر.
وكذلك القول في الهبة إذا وهبها سواء سواء ، ولا فرق. وحد نفخ الروح فيه : تمام أربعة أشهر من حملها.
برهان صحة قولنا : قول الله عز وجل : {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}.
ومن طريق مسلم ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو توبة هو الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية يعني ابن سلام أنه سمع أبا سلام ، حدثنا أبو أسماء الرحبي : أن ثوبان مولى رسول الله ﷺ حدثه " أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : (ماء الرجل أبيض , وماء المرأة أصفر , فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله) وذكر الحديث.
ومن طريق شعبة , وسفيان , كلاهما عن الأعمش ، حدثنا زيد بن وهب ، حدثنا عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله ﷺ : : أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله وأجله ثم يكتب شقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح " وذكر الحديث. فهذه النصوص توجب كل ما
قلنا فصح أنه إلى تمام المائة والعشرين ليلة ماء من ماء أمه ولحمة ومضغة من حشوتها كسائر ما في جوفها , فهو تبع لها ; لأنه بعضها وله استثناؤه في كل حال ; لأنه يزايلها كما يزايلها اللبن. وإذ هو كذلك فإذا أعتق فقد أعتق بعضها , فوجب بذلك عتق جميعها , لما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. ولا يجوز هبته دونها ; لأنه مجهول , ولا تجوز هبة المجهول على ما ذكرنا في " كتاب الهبات ".
وأما إذا نفخ فيه الروح فهو غيرها ; لأن الله تعالى سماه خلقا آخر وهو حينئذ قد يكون ذكرا وهي أنثى , ويكون اثنين وهي واحدة , ويكون أسود أو أبيض وهي بخلافه في خلقه وخلقه , وفي السعادة والشقاء , فإذ هو كذلك فلا تجوز هبته ، ولا عتقه دونها ; لأنه مجهول , ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما تطيب النفس عليه , ولا يمكن ألبتة طيب النفس إلا في معلوم الصفة والقدر , فإن أعتقها فلا عتق له ; لأنه غيرها فإن وهبها فكذلك , فإن أتبعها حملها في العتق والهبة والصدقة : جاز ذلك ; لأنه لم يزل الناس في عهد رسول الله ﷺ وبعلمه وبعده يعتقون الحوامل وينفذون عتق حملها ويهبون كذلك ويبيعونها كذلك , ويمتلكونها بالقسمة كذلك , ويتصدقون ويهدون ويضحون بإناث الحيوان فيتبعون أحمالها لها فتكون في حكمها وبالله تعالى التوفيق.
روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا قرة بن سليمان عن محمد بن فضالة عن أبيه ، عن ابن عمر فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها قال : له ثنياه.
ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر أنه أعتق أمة له واستثنى ما في بطنها.
وبه يقول عبيد الله بن عمر هذا إسناد كالشمس من أوله إلى آخره.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، أنه قال في الذي يعتق أمته ويستثني ما في بطنها قال : ذلك له.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها قال : له ذلك.
ومن طريق أبي ثور ، حدثنا أسباط عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : من كاتب أمته واستثنى ما في بطنها فلا بأس بذلك.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : إذا أعتقها واستثنى ما في بطنها فله ثنياه.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال : من أعتق أمته واستثنى ما في بطنها فذلك له.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة ، حدثنا شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان عن ذلك يعني : عمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها فقالا جميعا : ذلك له. وقد روي أيضا عن أبي هريرة
وهو قول أبي ثور , وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه , والأوزاعي , والحسن بن حي , وابن المنذر , وأبي سليمان , وأصحابنا. وقال الحسن البصري , والزهري , وقتادة , وربيعة : إذا أعتقها فولدها حر وليس له أن يستثنيه.
وروي عن سعيد بن المسيب ولم يصح عنه
وهو قول أبي حنيفة , وسفيان , ومالك , والشافعي. وقال ربيعة : إن أعتق ما في بطن أمته دونها فهو له , فإن ولدته فعسى أن يعتق , وله بيعها قبل أن تضع , وترق هي وما ولدت , ويبطل عتقه ,
وكذلك إن مات : فهي وما في بطنها رقيق لا عتق له.
وقال مالك : إن أعتق ما في بطن أمته فإن مات وقام غرماؤه بيعت وكان ما في بطنها رقيقا ، ولا عتق له , فإن لم تبع حتى وضعت فهو حر.
وقال أبو حنيفة , والشافعي : إن أعتق ما في بطن أمته فهو حر , ولا يرق أبدا.
قال أبو محمد : هذا مما خالفوا فيه ابن عمر , ولا يعرف له من الصحابة مخالف , وهم يعظمون هذا.
وأما قول ربيعة , ومالك , ففي غاية التناقض , ولا يخلو عتقه لجنين أمته من أن يكون عتقا أو لا يكون عتقا , فإن كان عتقا لا يحل استرقاقه بيعت أمه أو لم تبع وإن كان ليس عتقا فلا يجوز أن يصح له عتق وإن وضعته بقول " ليس عتقا " ونسوا هاهنا احتجاجهم ب المسلمين عند شروطهم و ب أوفوا بالعقود.
وهذا قول لا يؤيده قرآن , ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قول صاحب , ولا قول أحد قبل ربيعة , ومالك , ولا غيرهما , ولا قياس , ولا رأي سديد , بل هو مخالف لكل ذلك وبالله تعالى التوفيق. وعهدناهم يحتجون في بعض المواضع بشيء لا يعرف مخرجه " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها " وهم أول مخالف لهذا , فيقولون في ولد الغارة , والمستحقة : هي أمة وولدها حر.
وقال بعضهم : لم نجد قط امرأة حرة يكون جنينها مملوكا. .
فقلنا : ولا وجدتم قط امرأة مملوكة وولدها حر , وقد قضيتم بذلك في أم الولد , ولا وجد الحنفيون قط حكم الآبق , وجعله في غير الآبق , ولا وجد المالكيون قط امرأة متزوجة بزيد ترث عمرا بالزوجية وهي في عصمة زيد , ولا وجد الشافعيون قط حكم المصراة في غير المصراة وهذا تخليط لا نظير له وبالله تعالى التوفيق.
1666 - مسألة: ومن أعتق عضوا أي عضو كان من أمته أو من عبده , أو أعتق عشرهما , أو جزءا مسمى كذلك : عتق العبد كله والأمة كلها , وكذلك لو أعتق ظفرا أو شعرا أو غير ذلك , لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عبدة بن سليمان الصفار البصري ، حدثنا سويد ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا عبيد الله ، هو ابن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال رسول الله ﷺ : من أعتق شيئا من مملوكه فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه , فإن لم يكن له مال عتق منه نصيبه.
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو الوليد وهو الطيالسي ، حدثنا همام ، هو ابن يحيى عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن أبيه : أن رجلا من هذيل أعتق شقصا من مملوك فأجاز رسول الله ﷺ عتقه , وقال : ليس لله شريك , وهذان إسنادان صحيحان ووجب بهذا القول ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه أن من أعتق جنين أمته قبل أن ينفخ فيه الروح عتقت هي بذلك ; لأنه بعضها وشيء منها.
روينا من طريق محمد بن المثنى ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا ليث بن أبي سليم عن عاصم ، عن ابن عباس ، أنه قال في رجل قال لخادمه : فرجك حر قال : هي حرة أعتق منها قليلا أو كثيرا فهي حرة.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال : إذا أعتق من غلامه شعرة , أو أصبعا : فقد عتق.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : من قال لعبده : أصبعك حر أو ظفرك أو عضو منك حر : عتق كله.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال : من أعتق من عبده عضوا : عتق كله , ميراثه ميراث حر , وشهادته شهادة حر
وهو قول مالك , والليث , وابن أبي ليلى , والحسن بن حي , والشافعي وزفر , إلا أن مالكا ناقض فقال : إن أوصى بأن يعتق من عبده تسعة أعشاره : عتق ما سمى , ولا يعتق بذلك سائره.
وقال أبو حنيفة وأصحابه حاش زفر : لا يجب العتق بذكر شيء من الأعضاء إلا في ذكره عتق الرقبة , أو الوجه , أو الروح , أو النفس , أو الجسد , أو البدن , فأي هذه أعتق أعتق جميعه واختلف عنه في عتقه : الرأس , أو الفرج , أيعتق بذلك أم لا واحتجوا في ذلك بأن هذه ألفاظ يعبر بها عن الجميع , قال : لأنه يعبر " بالوجه " عن الجميع في اللغة , وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة السنة الثابتة , وصاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف , وهم يعظمون هذا إذا وافقهم , وما نعلم لأبي حنيفة في هذا التقسيم متقدما قبله.
وقال أحمد , وإسحاق : إن قال : ظفرك حر , لم يجب العتق بذلك , لا لأنه يباين حامله وكل هذا لا شيء وبالله تعالى التوفيق.