→ كتاب العتق وأمهات الأولاد (مسأله 1667) | ابن حزم - المحلى كتاب العتق وأمهات الأولاد (مسأله 1668 - 1672) ابن حزم |
كتاب العتق وأمهات الأولاد (مسأله 1673 - 1678) ← |
كتاب العتق وأمهات الأولاد
1668 - مسألة: ومن أعتق بعض عبده فقد عتق كله بلا استسعاء , ولو أوصى بعتق بعض عبده أعتق ما أوصى به وأعتق باقيه واستسعي في قيمة ما زاد على ما أوصى بعتقه لما ذكرنا قبل. فلو أوصى بعتق عبده فلم يحمله ثلثه أعتق منه ما حمل الثلث , وأعتق باقيه واستسعي لورثته فيما زاد على الثلث , ولا يعتق في ثلثه ; لأن ما لم يوص به الميت فهو للورثة , فالورثة شركاؤه فيما أعتق ، ولا مال للميت : فوجب أن يستسعى لهم :
روينا عن محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن خالد بن سلمة عن عمر بن الخطاب : من أعتق ثلث مملوكه فهو حر كله ليس لله شريك ورويناه من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري , وعطاء بن أبي رباح , ونافع مولى ابن عمر من طريق ابن وهب : من أعتق بعض عبده في صحة أو مرض عتق عليه في ماله.
وروي من طريق ابن عمر , والحكم , والشعبي , وإبراهيم النخعي : من أعتق عبده في مرضه فمن ثلثه , فإن زاد على الثلث استسعي للورثة وعتق كله.
وقال أبو حنيفة : إن أعتق بعض عبده في صحته عتق منه ما أعتق واستسعي له في باقيه فإذا أدى عتق.
وقال أبو حنيفة : فإن أوصى بعتق بعضه عتق منه ما أوصى بعتقه وسعى للورثة في الباقي , فإذا أدى عتق
وروي نحو هذا عن علي جملة.
وقال مالك : إن أعتق بعض عبد في صحته أعتق عليه كله , فإن أعتقه في مرضه أعتق عليه باقيه ما حمل منه الثلث ويبقى الباقي رقيقا , فإن أوصى بعتق بعض عبده لم يعتق منه إلا ما أوصى به فقط
وروي نحوه عن مسعود.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا حفص عن أشعث عن الحسن قال : قال علي بن أبي طالب : يعتق الرجل ما شاء من غلامه ، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وقد اختلفوا كما ذكرنا.
1669 - مسألة: ومن ملك ذا رحم محرمة فهو حر ساعة يملكه , فإن ملك بعضه لم يعتق عليه , إلا الوالدين خاصة , والأجداد والجدات فقط , فإنهم يعتقون عليه كلهم إن كان له مال يحمل قيمتهم فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا. وهم كل من : ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب. وكل من : ولده هو من جهة ولد أو ابنة , والأعمام , والعمات وإن علوا كيف كانوا لأم أو لأب , والأخوات والإخوة كذلك. ومن نالته ولادة أخ أو أخت بأي جهة كانت. ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة أجبر على ابتياعهم بأغلى قيمتهم وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم , فإن أبى لم يجبر السيد على البيع وإن ملك ذا رحم غير محرمة أو ملك ذا محرم بغير رحم لكن بصهر أو وطء أب أو ابن لم يلزمه عتقهم وله بيعهم إن شاء.
وقالت طائفة : لا يعتق إلا من ولده , من جهة أب أو أم , أو من ولده هو كذلك , أو أخ أو أخت فقط. ولا يعتق العم ، ولا العمة , ولا الخال ، ولا الخالة , ولا من ولد الأخ أو الأخت
وهو قول مالك. وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري ,
وروي عن ربيعة , ومكحول , ومجاهد , ولم يصح عنهم , ولا روي عنهم : أن من عدا هؤلاء لا يعتق.
وقالت طائفة : لا يعتق إلا من ولده من جهة أب أو أم , ومن ولده هو كذلك , ولا يعتق غير هؤلاء , لا أخ وغيره
وهو قول الشافعي. وقال أبو سليمان : لا يعتق أحد على أحد. وقال الأوزاعي : يعتق كل ذي رحم محرمة كانت أو غير محرمة حتى ابن العم ، وابن الخال فإنهما يعتقان عليه ويستسعيهما.
قال أبو محمد : ما نعلم قول الشافعي عن أحد قبله ,
فإن ذكروا : أنه روي عن إبراهيم أنه إذا ملك الوالد والولد عتق.
قلنا : نعم , وقد صح عنه هذا أيضا في كل ذي رحم وليس في قوله " إذا ملك الوالد الولد عتق " أن غيرهما لا يعتق , ولا نعلم له حجة إلا دعوى الإجماع على عتق من ذكرنا , وهذه دعوى كاذبة فما يحفظ في هذه المسألة قول عن عشرين من صاحب وتابع وهم ألوف فأين الإجماع
فإن قالوا : قال الله تعالى : {وبالوالدين إحسانا}
قلنا : أتموا الآية وبذي القربى فسقط هذا القول
واحتج المالكيون بقول الله تعالى في الوالدين : {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}. قالوا : ولا يمكن خفض الجناح والذل لهما مع استرقاقهما. قالوا :
وأما الولد : فإن الله تعالى يقول : {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا}. قالوا : فوجب أن الرق , والولادة لا يجتمعان. قالوا:
وأما الأخ : فقد قال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام : إني لا أملك إلا نفسي وأخي. قالوا : فكما لا يملك نفسه كذلك لا يملك أخاه. وب
ما روينا من طريق زكريا بن يحيى الساجي ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا حفص بن سليمان هو القارئ عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء ، عن ابن عباس كان لرسول الله ﷺ مولى يقال له صالح اشترى أخا له مملوكا فقال رسول الله ﷺ : قد عتق حين ملكته.
قال أبو محمد : وهذا أثر فاسد ; لأن حفص بن سليمان ساقط , وابن أبي ليلى سيء الحفظ , ولو صح لم يكن فيه إرقاق من عدا الأخ.
وأما احتجاجهم بقول الله تعالى : {إني لا أملك إلا نفسي وأخي} فتحريف للكلم عن مواضعه وتخليط سمج. ولو كان هذا يحتج به من يرى أن الأخ يملك لكان أدخل في الشبهة ; لأن فيه إثبات الملك على الأخ والنفس , ومن المحال أن يقع لأحد ملك رق على نفسه , وليس محالا ملك أخيه وأبيه , ولا يجوز قياس الأخ على النفس ; لأن الإنسان يصرف نفسه في الطاعة أو المعصية بقدر الله تعالى ويملك نفسه في ذلك , كما قال موسى عليه الصلاة والسلام إنه يملك نفسه في الجهاد , ولا يصرف أخاه كذلك ، ولا يطيعه , ففسد هذا القياس البارد الذي لم يسمع قط بأسخف منه.
وأما قول الله تعالى : {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} فلا يجوز ألبتة أن يستدل من هذا على عتق الأبن ، ولا على أنه لا يملك ; لأن الله تعالى لم يدل على ذلك بهذه الآية , وليس فيها إلا الخبر عنهم بما هم عليه من أنهم عبيد لا أولاد , ولو كان ما قالوه لوجب عتق الزوجة والشريك إذا ملكا لأن الله تعالى انتفى عن الولد سواء سواء , وأخبر أن الكل عبيده ، ولا فرق فسقط احتجاجهم جملة , وبالله تعالى التوفيق.
وأما من قال : لا يعتق أحد على أحد فإنهم ذكروا ما صح عن رسول الله ﷺ : لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
قال أبو محمد : هذا حجة عليهم ; لأن الله تعالى يقول : {أن اشكر لي ولوالديك} فافترض عز وجل شكر الأبوين وجزاؤهما هو من شكرهما , فجزاؤهما فرض , فإذ هو فرض , وجزاؤهما لا يكون إلا بالعتق فعتقهما فرض , وما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا. ثم نظرنا : فيما احتج به الأوزاعي فوجدنا من حجته قول الله تعالى {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى}.
قال علي : وهذا لا يوجب العتق ; لأن الإحسان فرض إلى العبيد , ولا يقتضي ذلك عتقهم فرضا , ولو وجب ذلك في ابن العم , وابن الخال لوجب في كل مملوك ; لأن الناس يجتمعون في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام , ولا يجوز أن يخص بهذا ابن العم , وابن الخال : دون ابن ابن العم وابن ابن الخال , وهكذا صعدا , فبطل هذا القول بيقين. ثم نظرنا في قولنا ف
وجدنا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عيسى بن محمد هو أبو عمير الرملي وعيسى بن يونس الفاخوري عن ضمرة بن سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : من ملك ذا رحم محرم عتق فهذا خبر صحيح كل رواته ثقات تقوم به الحجة وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه. .
فقلنا : فكان ماذا إذا انفرد به ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن الواحد , وكم خبر انفرد به راويه فقبلتموه , وليتكم لا تقبلون ما انفرد به من لا خير فيه , كابن لهيعة , وجابر الجعفي , وغيره.
فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل ; لأنها دعوى بلا
برهان وهذا موضع قبله الحنفيون وقالوا به , ولم يروا انفراد ضمرة به علة , ثم أتوا إلى ما رويناه من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : من أعتق عبدا وله مال فماله له , إلا أن يستثنيه السيد فقالوا انفرد به عبيد الله بن أبي جعفر وأخطأ فيه , فيا للمسلمين إذا رأى المالكيون , والشافعيون هذا الخبر صحيحا وعملوا به , ولم يروا انفراد عبيد الله بن أبي جعفر به وقول من قال : إنه خطأ فيه حجة في رده وتركه , ورأى الحنفيون انفراد عبيد الله بن أبي جعفر بهذا الخبر وقول من قال : إنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده , ولم يروا انفراد ضمرة بذلك الخبر وقول من قال : إنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده , فهل من الدليل على التلاعب بالدين وقلة المراقبة لله تعالى أكثر من هذا ونعوذ بالله من الضلال باتباع الهوى. وقد
روينا هذا الخبر أيضا : من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول وقتادة عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب " أن رسول الله ﷺ قال : (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فصحح الحنفيون هذا الخبر ورأوه حجة وقالوا : لا يضره ما قيل : أن الحسن لم يسمع من سمرة , والمنقطع تقوم به الحجة , ثم أتوا إلى مرسل رويناه من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب " أن رسول الله ﷺ قال : عهدة الرقيق ثلاث فقالوا : لم يصح سماع الحسن من سمرة , وهو منقطع لا تقوم به حجة. وقلب المالكيون هذا العمل فرأوا رواية الحسن عن سمرة في عهدة الرقيق حجة لا يضره ما قيل : من أن الحسن لم يسمع من سمرة , والمنقطع تقوم به الحجة , ولم يروا خبر عتق ذي الرحم المحرمة حجة ; لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا , والمنقطع لا تقوم به الحجة وفي هذا كفاية لمن عقل ونصح نفسه
قال أبو محمد : فبطلت الأقوال إلا قولنا ولله الحمد .
وبه يقول جمهور السلف :
روينا من طريق الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم هو الضحاك ابن مخلد ، حدثنا أبو عوانة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب قال : من ملك ذا رحم محرم فهو حر.
وبه إلى بندار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة , وسفيان الثوري , قال شعبة عن غيلان وقال سفيان عن سلمة بن كهيل , كلاهما عن المستورد ، هو ابن الأحنف أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال له : إن عمي زوجني جارية له , وإنه يريد أن يسترق ولدي فقال له ابن مسعود : ليس له ذلك.
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد ، عن ابن شبرمة عن الحارث العكلي عن إبراهيم النخعي قال : من ملك ذا رحم فهو حر
وهو قول ابن شبرمة.
ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن , وجابر بن زيد قالا جميعا : من ملك ذا رحم عتق.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن عطاء قال : إذا ملك الأخ , والأخت , والعمة , والخالة عتقوا.
ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان قالا جميعا : كل من ملك ذا رحم محرمة عتق. وصح أيضا عن قتادة
وهو قول الزهري , وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف , والليث بن سعد , وسفيان الثوري , والحسن بن حي وأبي حنيفة , وجميع أصحابه , وعبد الله بن وهب وغيرهم. وهذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وصاحبين لا يعرف لهما من الصحابة مخالف , وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم. وقد
روينا من طريق الحسن ما رواه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن : من ملك أخاه من الرضاعة عتق.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة : أن ابن مسعود مقت رجلا أراد أن يبيع جارية له أرضعت ولده.
قال أبو محمد : وما نعلم لهذا حجة إلا أن الحنفيين , والمالكيين والشافعيين : أصحاب قياس بزعمهم , فكان يلزمهم أن يقيسوا الأم من الرضاع , والأب من الرضاع , والولد من الرضاع , والأخ من الرضاع : على كل ذلك من النسب , لا سيما مع قول رسول الله ﷺ : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فهذا أصح من كل قياس قالوا به.
قال أبو محمد : ثم استدركنا فرأينا من حجتهم أن قالوا : إن السنة توجب أن يعتق ذوو المحارم من الرضاع أيضا ، ولا بد : ل
ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا محمد بن رمح ، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أم المؤمنين " أن رسول الله ﷺ قال : (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب).
ومن طريق مسلم ، حدثنا هداب بن خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة عن جابر بن يزيد ، عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال : (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم). ووجدنا " يحرم من الرحم , ومن النسب " تمادي ملك كل ذي رحم محرمة وذي نسب محرم , فوجب ، ولا بد أن يحرم تمادي الملك فيمن يمت بالرضاعة كذلك ، ولا بد.
فنظرنا في هذا الأحتجاج فوجدناه شغبيا : أول ذلك أن ملك ذي الرحم المحرمة ليس حراما , بل هو صحيح لقول رسول الله ﷺ : من ملك ذا رحم محرمة فهو حر " فأوقع الملك عليه ثم ألزم العتق , ولو لا صحة ملكه لم يصح عتقه. ثم وجدنا قولهم : إن تمادي ملك ذي الرحم المحرمة يحرم خطأ ; لأنه لو لم يكن هاهنا إلا تحريم تمادي الملك لكان العتق لا يجب ، ولا بد , بل كان له أن يهبه فيسقط ملكه عنه , أو أن يتصدق به فيبطل بهذا ما قالوا من أن تمادي الملك يحرم , وكان الحق أن يقولوا : إن العتق يجب عقيب الملك بلا فصل ، ولا مهلة , ولم يقل عليه الصلاة والسلام : إنه يجب في الرضاع ما يجب في النسب , وما يجب في الرحم , ولو قال هذا لوجب العتق كما قالوا وإنما قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ومن الرحم فصح أنه إنما يحرم النكاح والتلذذ فقط , فهو حرام فيهما معا ,
وأما من ملك بعض ذي الرحم المحرمة فلم يملك ذا رحم محرمة فليس عليه عتقه , إذ لم يوجب النص ذلك.
وأما قولنا في الوالدين بخلاف ذلك , فل
ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , وزهير بن حرب , قالا جميعا : ، حدثنا جرير ، هو ابن حازم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه قال أبو بكر في روايته " والده " واتفقا في غير ذلك.
ومن طريق محمد بن المثنى ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل الحميري ، حدثنا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : لا يجزي ولد والديه إلا أن يجدهما أو أحدهما مملوكا فيشتريه فيعتقه. واسم " الوالد " يقع على الجد والجدة , ما لم يخصهما نص , ويلزمه أن يشتريه بما يشتري به الرقبة الواجبة للعتق , والحر والعبد سواء في كل ما ذكرنا , لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : من ملك ذا رحم محرمة فهو حر فولد العبد من أمته حر على أبيه.
روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قلت لعطاء : اليتيم أمه محتاجة أن ينفق عليها من ماله قال : نعم , قلت : فإن كانت أمه أمة أتعتق فيه قال : نعم , يكره على إعتاقها إن لم يتمتعوا بها ويحتاجوه.
1670 - مسألة: ولا يصح عتق من هو محتاج إلى ثمن مملوكه أو غلته أو خدمته , فإن أعتقه فهو مردود , إلا في وجه واحد , وهو من ملك ذا رحم محرمة كما ذكرنا , فإنه يعتق عليه بالحكم المذكور , صغيرا كان أو كبيرا , مجنونا أو عاقلا , غائبا أو حاضرا , وهو حر ساعة ذلك من حيث شاء بحكم السلطان وبغير حكم السلطان - : لما روينا من طريق البخاري نا عاصم بن علي نا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أعتق عبدا له ليس له مال غيره فرده رسول الله ﷺ فابتاعه منه نعيم بن النحام) . فإن قيل : هذا حديث المدبر نفسه , رواه : عطاء , وعمرو بن دينار , وأبو الزبير , كلهم عن جابر , فذكروا أنه كان دبره قلنا : لو لم يمكن أن يكونا خبرين في عبدين لكان ما قلتم حقا , وأما إذ في الممكن أن يكونا خبرين في عبدين يبتاعهما معا نعيم بن النحام , فلا يحل القطع بأنهما خبر واحد , فيكون من قال ذلك كاذبا , قافيا ما لا علم له به . وأما من ملك ذا رحم محرمة , فما يبالي أعتقه أو لم يعتقه , وليس هو الذي أعتقه , بل هو حر ولا بد . ومن أعتق شقصا له في عبد وهو محتاج إليه , ولا غنى به عنه فهو باطل وإذ هو باطل فلم يعتقه , فليس له الحكم الذي ذكرنا قبل - وقد قال مالك ; من أعتق والدين محيط بماله رد عتقه - ولا نص له في ذلك .
1671 - مسألة: ولا يجوز عتق من لا يبلغ ، ولا عتق من لا يعقل من سكران أو مجنون , ولا عتق مكره , ولا من لم ينو العتق , لكن أخطأ لسانه , إلا أن هذا وحده إن قامت عليه بينة ولم يكن له إلا الدعوى قضي عليه بالعتق ,
وأما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه , لقول الله تعالى : {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}
فصح أن السكران لا يعلم ما يقول , ومن لا يعلم ما يقول لم يلزمه ما يقول , حتى لو كفر بكلام لا يدري ما هو لم يلزمه. ولقوله تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} ولقول رسول الله ﷺ : إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى والمجنون والسكران والمكره لا نية لهم ,
وكذلك من أخطأ لسانه , وليس من هؤلاء أحد أخلص لله الدين بما نطق به من العتق , فهو باطل. وصح عن رسول الله ﷺ : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ , والمجنون حتى يفيق , والنائم حتى يستيقظ. وصح عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وقال أبو حنيفة , ومالك : عتق السكران جائز ، ولا حجة لهم أصلا , إلا أنهم قالوا : هو أدخل على نفسه ذلك بالمعصية .
فقلنا : نعم , فكان ماذا ومن أين وجب إذا أدخل على نفسه ذلك بالمعصية أن يلزمه ما لم يلزمه الله تعالى قط وما تقولون فيمن حارب قاطعا للطريق فأصابته ضربة في رأسه خبلت عقله , أتجيزون عتاقه وهم لا يفعلون هذا , وهو أدخله على نفسه. وعمن تزنك عاصيا لله تعالى فقطع لحم ساقيه وكوى ذراعيه عبثا أتجيزون له الصلاة جالسا أم لا لأنه أدخل على نفسه ذلك بالمعصية وعمن سافر في قطع الطريق فلم يجد ماء وخاف ذهاب الوقت أيتيمم أم لا وكل هذا ينقضون فيه هذا الأصل الفاسد.
وقال أبو حنيفة : عتق المكره جائز.
وقال مالك , والشافعي : لا يلزمه وما نعلم للحنفيين حجة أصلا , إلا آثارا فاسدة في الطلاق خاصة وليس العتاق من الطلاق والقياس باطل.
واحتج بعضهم بثلاث جدهن جد وهزلهن جد فذكر بعضهم في ذلك العتاق وهو خبر مكذوب. ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة أصلا ; لأننا لسنا معهم فيمن هزل فأعتق , إنما نحن معهم فيمن أكره فأعتق , وليس في هذا الخبر على نحسه ووضعه ذكر إكراه ثم لا يجيزون بيع المكره , ولا إقراره , ولا هبته : وهذا تناقض ظاهر , وتمامها في التي بعدها. وبالله تعالى التوفيق.
1672 - مسألة: ومن أعتق إلى أجل مسمى قريب أو بعيد مثل أن يقول : أنت حر غدا , أو إلى سنة , أو إلى بعد موتي , أو إذا جاء أبي , أو إذا أفاق فلان , أو إذا نزل المطر , أو نحو هذا , فهو كما قال , وله بيعه ما لم يأت ذلك الأجل , فإن باعه ثم رجع إلى ملكه فقد بطل ذلك العقد , ولا عتق له بمجيء ذلك الأجل , ولا رجوع له في عقده ذلك أصلا , إلا بإخراجه عن ملكه ; لأن هذا العتق إما وصية ,
وأما نذر , وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما , فلو علق العتق بمعصية , أو بغير طاعة ، ولا معصية : لم يجز العتق ; لأنه عقد فاسد محرم منهي عنه , قال رسول الله ﷺ : لا وفاء لنذر في معصية الله وقد
روينا عن عطاء من قال لعبده : أنت حر , لم يكن حرا حتى يقول : لله , وهذا حق ; لأن العتق عبادة لله تعالى , وبر وقربة إليه تعالى , فكل عبادة وقربة لم تكن له تعالى مخلصا له بها فهي باطل مردودة لقول النبي ﷺ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وقد رويت آثار فاسدة : منها من أعتق لاعبا فقد جاز وهو باطل ; لأنه مرسل عن الحسن أن رسول الله ﷺ . ومن طريق فيها إبراهيم بن أبي يحيى وهو مذكور بالكذب
وروي ، عن ابن عمر : أربع مقفلات لا يجوز فيهن الهزل : الطلاق , والنكاح , والعتاقة , والنذر وهذا لا يصح ; لأنه عن سعيد بن المسيب عن عمر , ولم يسمع سعيد من عمر شيئا إلا نعيه النعمان بن مقرن. ثم لو صح لم يكن لهم فيه متعلق ; لأن ظاهره خلاف قولهم , بل موافق لقولنا ; لأن الهزل لا يجوز في النكاح , والطلاق , والعتق , والنذر , فإذ لا يجوز فيها فهي غير واقعة به , هذا مقتضى لفظ الخبر. ثم لو صح كما يريدون فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ومن طريق فيها إبراهيم بن عمرو وهو ضعيف عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهو غير ثقة عن جعدة بن هبيرة عن عمر : ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء الطلاق , والصدقة والعتق. ثم هم مخالفون لهذا ; لأنهم لا يجيزون صدقة المكره عليها فبعض كلام روي عن عمر حجة , وبعضه ليس حجة , هذا اللعب بالدين.
ومن طريق الحسن عن أبي الدرداء : ثلاث اللاعب فيهن كالجاد : النكاح , والطلاق , والعتاق هذا مرسل , ولم يدرك الحسن أبا الدرداء
ومن طريق جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي : ثلاث لا لعب فيهن : النكاح , والطلاق , والعتاق , جابر كذاب , ثم لو صح لكان ظاهره موافقا لقولنا لا لقولهم , وهو إبطال اللعب فيهن فإذا بطل ما وقع منها باللعب.
ومن طريق سفيان بن عيينة بلغني أن مروان أخذ من علي : أربع لا رجوع فيهن إلا بالوفاء : النكاح , والطلاق , والعتاق , والنذر ونعم , كل هذه إذا وقعت كما أمر الله تعالى في دين الإسلام فالوفاء بها فرض ,
وأما إذا وقعت كما أمر إبليس , فلا ، ولا كرامة للآمر والمطيع ثم ليس في شيء منها ذكر للإكراه على العتق وجوازه , فوضح بطلان قولهم بلا شك.
وأما قولنا : له بيعه ما لم يأت الأجل , فلأنه عبد ما لم يستحق الحرية وأحل الله البيع والتفريق بين الآجال المذكورة باطل ; لأنه قد يجيء ذلك الأجل والعبد ميت , أو السيد ميت.
وأما قولنا : إنه إن أخرجه عن ملكه ثم عاد إلى ملكه لم يلزمه العتق بمجيء ذلك الأجل ; فلأنه قد بطل العقد بخروجه عن ملكه , قال تعالى : {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} وكل شيء بطل بحق فلا يجوز أن يعود , إلا أن يأتي نص بعودته ، ولا نص في عودة هذا العقد بعد بطلانه.
وأما قولنا : لا رجوع له في شيء من ذلك بالقول , إلا بإخراجه من ملكه فقط ; فلأنها كلها عقود صحاح أمر الله تعالى بالوفاء بها , وما كان هكذا فلا يحل لأحد إبطاله , إذ لم يأت نص بكيفية إبطاله في ذلك أصلا , فليس له نقض عقد صحيح أصلا , إلا حيث جاء نص بذلك وبالله تعالى التوفيق