الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثالثة والخمسون

كتاب العتق وأمهات الأولاد

1673 - مسألة: وجائز للمسلم عتق عبده الكتابي في أرض الإسلام وأرض الحرب ملكه هنالك أو في دار الإسلام لقول رسول الله ﷺ : في كل ذي كبد رطبة أجر. ولحضه عليه الصلاة والسلام على العتق جملة , إلا أن عتق المؤمن أعظم أجرا ,

وكذلك عتق الكافر لعبده الكافر جائز ,

وقد ذكرنا قول حكيم لرسول الله ﷺ : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصدقة فقال له رسول الله ﷺ : أسلمت على ما أسلفت من خير فجعل عتق العبد الكافر خيرا. فإن أسلم المعتق ورثه سيده المسلم ,

وكذلك لو أسلم المعتق والمعتق ; لأن الولاء للمعتق عموما , قال عليه الصلاة والسلام : الولاء لمن أعتق فإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا لم يتوارثا , لأختلاف الدين.


1674 - مسألة: فإن كان للذمي أو الحربي عبد كافر فأسلما معا فهو عبده , كما كان , فلو أسلم العبد قبل سيده بطرفة عين فهو حر ساعة يسلم , ولا ولاء عليه لأحد , لقول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} والرق أعظم السبيل.

وقد وافقنا المخالفون لنا على أنه إن خرج من دار الحرب فهو حر , وما ندري للخروج في ذلك حكما , لا بنص ، ولا بنظر.

فإن قيل : أعتق رسول الله ﷺ من خرج إليه من عبيد الكفار.

قلنا : هذه حجتنا , ومن أين لكم أنه بالخروج أعتقه وما قال عليه الصلاة والسلام قط ذلك. ثم يقولون : إن أسلم عبد الكافر بيع عليه .

فقلنا : لماذا تبيعونه ألأنه لا يجوز ملكه له أم لنص ورد في بيعه وإن كان ملكه له جائزا ، ولا سبيل إلى نص في ذلك.

فإن قالوا : لأن ملكه له لا يجوز.

قلنا : فإذ لا يحل ملكه له فقد بطل ملكه عنه بلا شك , وإلا فكلامكم مختلط متناقض , وإذ قد بطل ملكه عنه , ولم يقع عليه بعد ملك لغيره , فهو بلا شك حر , إذ هذه صفة الحر. وإن كان ملكه له جائزا فبيعكم إياه ظلم وباطل وجور. وما الفرق بين ما قضيتم به من إبقائه في ملك الكافر حتى يباع ولعله لا يستبيع إلا بعد سنة وبين منعكم من ملكه متماديا وهذا ما لا سبيل له إلى وجود فرق في ذلك وبالله تعالى نتأيد

وأما سقوط الولاء عنه ; فلأنه لم يعتق , ولا ولاء إلا للمعتق , أو لمن أوجبه النص. وبالله تعالى التوفيق.


1675 - مسألة: وعتق ولد الزنى جائز ; لأنه رقبة مملوكة , وقد جاءت أخبار بخلاف ذلك لا حجة فيها ; لأنها لا تصح : منها عن رسول الله ﷺ من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبي عن ميمونة مولاة رسول الله ﷺ : أن النبي ﷺ سئل عن ولد الزنى فقال : لا خير فيه , فعلان أجاهد بهما أو قال أجهز بهما أحب إلي من أن أعتق ولد الزنى إسرائيل ضعيف , وأبو يزيد الضبي لا أعرفه. وعن الصحابة مرسلة , وقد اختلفوا فيه , ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ

وقد وافقنا المخالفون هاهنا.


1676- مسألة: ومن قال : أحد عبدي هذين حر. فليس منهما حر وكلاهما عبد كما كان , ولا يكلف عتق أحدهما , فإنه لم يعتق هذا بعينه فليس حرا , إذ لم يعتقه سيده , ولا أعتق هذا الآخر أيضا بعينه , فليس أيضا حرا , إذ لم يعتقه سيده , فكلاهما لم يعتقه سيده , فكلاهما عبد وهذا في غاية البيان , ولا يجوز إخراج ملكه عن يده بالظن الكاذب.


1677 - مسألة: ومن لطم خد عبده أو خد أمته بباطن كفه فهما حران ساعتئذ إذا كان اللاطم بالغا مميزا .

وكذلك إن ضربهما أو حدهما حدا لم يأتياه فهما حران بذلك . ولا يعتق عليه مملوك لا بمثلة ولا بغير ما ذكرنا . فإن كان اللاطم محتاجا إلى خدمة المملوك الملطوم أو الأمة كذلك , ولا غنى له عنه أو عنها - استخدمه أو استخدمها - فإذا استغنى عنه أو عنها - فهي أو هو حران حينئذ . لما روينا من طريق محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر , وعبد الرحمن بن مهدي , قال غندر : نا شعبة , وقال عبد الرحمن : عن سفيان الثوري - ثم اتفق سفيان , وشعبة , كلاهما عن فراس بن يحيى قال : سمعت ذكوان - هو أبو صالح السمان - يحدث عن زاذان أبي عمر قال : (دعا ابن عمر غلاما له فرأى بظهره أثرا فقال له : أوجعتك ؟ قال : لا , قال : فأنت عتيق , ثم قال : إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : من ضرب غلاما له حدا لم يأته , أو لطمه , فإن كفارته أن يعتقه) . اللطم لا يقع في اللغة إلا بباطن الكف على الخد فقط , وهو في القفا الصفع . وحديث شعبة , وسفيان زائد على ما رواه أبو عوانة عن فراس عن ذكوان عن ابن عمر , وهو حديث واحد , وزيادة العدل لا يجوز ردها . ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل (عن معاوية بن سويد بن مقرن عن أبيه قال : كنا بني مقرن على عهد رسول الله ﷺ ليس لنا إلا خادم واحد فلطمها أحدنا , فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال : أعتقوها , فقال : ليس لهم خادم غيرها , قال : فليستخدموها فإذا استغنوا فليخلوا سبيلها) فهذا أمر من رسول الله ﷺ لا يحل لأحد مخالفته . فإن قيل : قد رويتم من طريق أبي مسعود البدري (أن رسول الله ﷺ رآه يضرب غلاما له فقال له : اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه ؟ فقال : يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى ثم قال أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) . قلنا : ليس في هذا أمر بعتقه وإنما فيه أنه أتى ذنبا بضربه استحق عليه النار , فلما أعتقه كانت حسنة أذهبت تلك السيئة , كما لو فعل حسنة أخرى توازيها أو تربي عليها , قال الله عز وجل {إن الحسنات يذهبن السيئات} . وأما أمره عليه الصلاة والسلام بعتقه , فقد قال تعالى : {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} . فمن لزمه أمر فلم ينفذه وجب إنفاذه عليه لقول الله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} . وقال مالك : يعتق بالمثلة , وقاله الليث , والأوزاعي , إلا أن مالكا رأى ولاءه لسيده الممثل به , وقال الليث : لا ولاء له , لكن لجماعة المسلمين - وروي هذا أيضا عن ربيعة , والزهري , ويحيى بن سعيد الأنصاري - وصح عن قتادة , وعن الصحابة رضي الله عنهم عن عمر بن الخطاب أنه أعتق أمة أقعدت على مقلى فأحرقت عجزها - وهو غير صحيح عن عمر - لأنه من طريق معمر عن أيوب عن أبي قلابة : أن عمر , ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الملك العرزمي عن رجل منهم : أن عمر , ومن طريق مالك : أن عمر , ومن طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار : أن عمر , فالأول : مرسل ; لأن أبا قلابة لم يدرك عمر . والثاني : منقطع , وعن ضعيف , وعن مجهول . والثالث : منقطع , أين مالك من عمر ؟ والرابع : منقطع في موضعين , لأن مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا , وسليمان لم يدرك عمر . وقد صح خلاف هذا عن غير عمر . كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : سأل حيان العبدي عطاء بن أبي رباح عمن شج عبده أو كسره ؟ فقال عطاء : ليكسه ثوبا أو ليعطه شيئا , فقال حيان : هكذا أخبرني جابر بن زيد - وهو أبو الشعثاء - عن ابن عباس فيمن فقأ عين عبده ؟ قال ابن عباس : أحب إلي أن يعتقه , فهذا ثابت عن ابن عباس , ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . وقولنا هذا هو قول أبي حنيفة , والشافعي , وأبي سليمان .

واحتج من رأى العتق بالمثلة بما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن زنباعا خصى عبدا له وجدع أذنيه وأنفه ؟ فقال رسول الله ﷺ : من مثل به أو حرق بالنار فهو حر , وهو مولى الله ورسوله ثم أعتقه عليه الصلاة والسلام) . وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب : كان زنباع يومئذ كافرا - وهذا مملوء مما لا خير فيه : يحيى بن أيوب , والمثنى بن الصباح , وابن لهيعة , ثم هو صحيفة - والعجب أن مالكا يخالفه ; لأنه يرى الولاء للمعتق . ومن طريق جيدة إلى معمر , وابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رجلا جب عبده ؟ فقال له رسول الله ﷺ اذهب فأنت حر) وهذه صحيفة . ومن طريق البزار نا محمد بن المثنى نا محمد بن الحارث نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ قال: (لا شفعة لغائب , ولا لصغير , والشفعة كحل العقال - من مثل بمملوكه فهو حر , وهو مولى الله ورسوله - والناس على شروطهم ما وافقوا الحق) وابن البيلماني ضعيف مطرح لا يحتج بروايته . ومن عجائب الدنيا احتجاج المالكيين لصحيفة عمرو بن شعيب هذه في عتق الممثل به , وهو قد خالف هذا الخبر نفسه إذ جعل الولاء لسيده وليس هو الذي أعتقه بل أعتق عليه على رغمه , ونص الخبر أنه مولى الله تعالى ورسوله . وجعلوا الشفعة للغائب , فصار حجة فيما اشتهوا ولم يكن حجة فيما لم يشتهوا , واحتجوا من خبر ابن البيلماني بعتق من مثل بمملوكه وخالفوه في الشفعة ولم ير الحنفيون , ولا الشافعيون خبر عمرو بن شعيب هاهنا حجة إذ خالفه رأي أبي حنيفة , والشافعي , فإذا وافقهم صار حينئذ صحيحا وحجة . كروايته في أم الصغير أنت أحق به ما لم تنكحي . والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم . ورد شهادة ذي الغمر لأخيه , وشهادة القانع لأهل البيت , وإجازتها لغيرهم . وقد رد المالكيون رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كثيرا إذا خالفت رأي مالك - ونعوذ بالله من مثل هذا اللعب بالدين . ومن عجائب الدنيا قول الحنفيين إنما قال النبي ﷺ هذا على الندب . قال أبو محمد : هذا كذب بحت ; لأن في الخبر (أنت حر , من مثل به فهو حر) وهلا قلتم مثل هذا في قوله ﷺ : (من ملك ذا رحم محرمة عليه فهو حر) واللفظ واحد . وقالوا : بلغنا أن رسول الله ﷺ أعطاه قيمته ؟ قلنا : هبكم قد صح لكم ذلك - وهو الكذب بلا شك - فأعتقوه ثم أعطوه قيمته , بل هذا خلاف آخر جديد منكم لما صححتم وأنتم تنكرون على الشافعي ما ذكر : أنه بلغه من عدد تكبير النبي ﷺ على حمزة , وبعثته لقتل أبي سفيان , وهما حكايتان مشهورتان قد ذكرهما أصحاب المغازي , ولم تعيبوا على محمد بن الحسن هذه الكذبة التي لم يشاركم فيها أحد , ثم عملها أيضا باردة عليه لا له . وقالوا : لعل عمر أعتقه لغير المثلة . فمجاهرة قبيحة , لأن نص الخبر عن عمر " أنها شكت إليه أنه أحرقها فأعتقها وجلده , وقال له : ويحك أما وجدت عقوبة إلا أن تعذبها بعذاب الله " . وذكروا أيضا : ما روينا من طريق معمر عن رجل عن الحسن : أشعل رجل وجه عبده نارا فأتى عمر بن الخطاب فأعتقه , ثم أتي عمر بسبي فأعطاه عبدا , قال الحسن : كانوا يعتقون ويعاقبون - يعني يعطيه لما أعتقه عقبة مكانه ؟ .

فقلنا : هذا مكسور في موضعين . رجل لم يسم عن الحسن , ثم الحسن عن عمر , ولم يولد إلا قبل موت عمر بسنتين , ثم هبك أنه صح فافعلوا كذلك , ويا سبحان الله يكون ما احتجوا فيه بعمر مما لم يصح عنه من أنه جلد في الخمر ثمانين حدا , وأنه أخذ الزكاة من الخيل , وورث المطلقة ثلاثا في المرض : حجة , ولا يكون ما جاء عن عمر من عتق الممثل به حجة هذا التحكم بالباطل في دين الله تعالى . ويجعل المالكيون ما روي عن عمر في هذا حجة , ولا يجعلون حكمه في حديث الضحاك , وعبد الرحمن بن عوف وسائر ما خالفوه فيه حجة . وذكرنا أيضا ما روينا من طريق البزار عن إبراهيم بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن ربيعة بن لقيط حدثهم (أن عبد الله بن سندر حدثه عن أبيه أنه كان عبدا لزنباع بن سلامة وأنه خصاه وجدعه فأتى رسول الله ﷺ فأخبروه فأغلظ القول لزنباع وأعتقه) - فابن لهيعة لا شيء , والآن صار عند الحنفيين ضعيفا , وكان ثقة في رواية الوضوء بالنبيذ , ألا تبا لمن لا يستحي ؟ ومن طريق العقيلي نا محمد بن خزيمة نا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عمرو بن عيسى القرشي الأسدي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس جاءت جارية إلى عمر وقد أحرق سيدها فرجها فقالت : إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى أحرق فرجي فقال لها عمر : هل رأى ذلك عليك ؟ قالت : لا , قال : فاعترفت له ؟ قالت : لا , قال عمر : علي به , فأتي به , فقال له : أتعذب بعذاب الله ؟ والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله ﷺ يقول : (لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والد) لأقدتها منك , ثم برزه فضربه مائة سوط , ثم قال : اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى , وأنت مولاة الله ورسوله , أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول : (من حرق بالنار , أو مثل به فهو حر , وهو مولى الله ورسوله) عبد الله بن صالح ضعيف , وعمرو بن عيسى مجهول . والعجب كل العجب أن المالكيين احتجوا بهذا الخبر في عتق الممثل به , وفي أن لا يقاد مملوك من مالك , ورأوه حقا في ذلك , وخالفوه في القود من الحرق بالنار , وقد رآه عمر حقا إلا في السيد لعبده , والوالد لولده , وفي أن الولاء لغير الممثل . والحنفيون , والشافعيون رأوه حجة في أن الولد لا يقاد له من والده , والعبد لا يقاد له من سيده , ولم يجيزوا خلافه , ثم لم يروه حجة في جلده في التعزير مائة , ولا في عتق الممثل به , فيا سبحان الله , أي دين يبقى مع هذا العمل . ثم عجب آخر : أنهم كلهم رأوا ما روي في خبر أبي قتادة إذ عقر الحمار وهو محل وأصحابه محرمون من قول رسول الله ﷺ (أفيكم من أشار إليه , أو أعانه ؟ قالوا : لا , قال : فكلوا) حجة في منع أكل من صيد من أجله وهو محرم , ولم يروا قول عمر هاهنا " هل رأى ذلك عليك ؟ أو اعترفت له ؟ " حجة في أن لا يعتق الممثل به إذا عرف زناه بإقرار أو معاينة , ولو صح عن عمر لكان قد خالفه ابن عباس , ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . قال أبو محمد : واحتجوا كما ترى بهذه العفونات الفاسدة وتركوا ما رويناه من طريق أبي داود نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام الدستوائي نا أبي عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ (من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن خصى عبده خصيناه) فالآن صار الحسن عن سمرة صحيفة , ولم يصر حديث عمرو بن شعيب كونه صحيفة إذا اشتهوا ما فيها . وقد رأى المالكيون حديث الحسن عن سمرة حجة في العهدة - وحسبنا الله ونعم الوكيل . فلما لم يصح عن النبي ﷺ في هذا شيء كان من مثل بعبده لا يجب عليه عتقه , إذ لم يوجب عليه ذلك الله تعالى ولا رسوله ﷺ وإنما يجب في ذلك ما أوجبه الله تعالى إذ يقول: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} . وإذ يقول تعالى: {والحرمات قصاص} . وإذ يقول تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وبالله تعالى التوفيق .


1678 - مسألة: ومن أعتق عبدا وله مال فماله له إلا أن ينتزعه السيد قبل عتقه إياه , فيكون حينئذ للسيد.

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا غندر عن هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن عبد الله بن أبي مليكة : أن عائشة أم المؤمنين قالت لأمرأة سألتها وقد أعتقت عبدها : إذا أعتقتيه ولم تشترطي ماله فماله له. ومثله : عن ابن عمر , وصح عن الحسن , وعطاء : في عبد كاتبه مولاه وله مال وولد من سرية له , أن ماله وسريته له , وولده أحرار , والعبد إذا أعتق كذلك.

روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن زياد الأعلم , وقيس بن سعد , قال زياد : عن الحسن , وقال قيس : عن عطاء.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري إذا أعتق العبد فماله له.

ومن طريق مالك عن الزهري مضت السنة إذا أعتق العبد يتبعه ماله.

وروي أيضا : عن القاسم , وسالم , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وربيعة , وأبي الزناد , ومحمد بن عبد القاري ومكحول مثل قول الزهري , قال يحيى : على هذا أدركت الناس , وقال ربيعة , وأبو الزناد , سواء علم سيده ماله أو جهله

وهو قول أبي سليمان.

وقال مالك : مال العبد المعتق له ,

وأما أولاده فلسيده ,

وكذلك حمل أم ولده ولو أنه بعد عتقه أراد عتق أم ولده لم يقدر لأن حملها رقيق. وقال : هي السنة التي لا اختلاف فيها , أن العبد إذا أعتق يتبعه ماله ولم يتبعه ولده ,

واحتج بأن العبد والمكاتب إذا فلسا أو جرحا أخذ مالهما وأمهات أولادهما , ولم يؤخذ أولادهما , وأن العبد إذا بيع واشترط المبتاع ماله كان له , ولم يدخل ولده في الشرط.

قال أبو محمد : ما رأينا حجة أفقر إلى حجة من هذه , وإن العجب من هذه السنة التي لا يعرف لها راو من الناس , لا من طريق صحيحة ، ولا سقيمة. والخلاف فيها أشهر من ذلك. كما ذكرنا عن عطاء , والحسن , بل إنما روي مثل قول مالك عن سليمان بن موسى , وعمرو بن دينار , والنخعي. وقد أجمعت الأمة , ومالك معهم في جملتهم , وهؤلاء : على أن ولد الأمة مملوك لسيد أمه إلا أن يكون ولد الرجل من أمته الصحيحة الملك , فإنه حر , والفاسدة الملك , فإنه عند بعضهم حر , وعلى أبيه قيمته أو فداؤه. ولا تخلو أم ولد العبد من أن تكون له , فولدها له إما حر ,

وأما مملوك فتعتق عليه بالملك , أو لا تعتق ,

وأما أن تكون لسيده فلا يحل لأحد وطء أمة غيره إلا بالزواج , وإلا فهو زنا , والولد غير لاحق إذا علم أنها أمة غيره , ولا سبيل إلى ثالث , وليس في الباطل , والكلام المتناقض الذي يفسد بعضه بعضا أكثر من أن تكون أمة للعبد لا يحل للسيد وطؤها إلا أن ينتزعها , ويكون ولدها لسيد أبيه مملوكا , هذا عجب لا نظير له ، ولا أصل له. فبطل هذا القول لظهور فساده.

وأعجب منه منعه عتق أم ولده وهو حر وهي أمته من أجل جنينها , وهم يجيزون عتق الجنين دون أمه وهما لواحد , فما المانع من عتق أمه دونه وهما لأثنين. وقال الأوزاعي : كل ما أعطى المرء أم ولده في حياته فهو لها إذا مات لا يعد من الثلث , ومن أعتق عبده وله مال فما كان بيد العبد مما اطلع عليه سيده فهو للعبد , وما كان بيد العبد ولم يطلع عليه السيد فهو للسيد وهذا تقسيم لا

برهان على صحته فهو باطل.

وقالت طائفة : مال المعتق لسيده

وهو قول أبي حنيفة وسفيان , والشافعي , قالوا كلهم : المكاتب , والموصى بعتقه , والمعتق , والموهوب , والمتصدق به , وأم الولد يموت سيدها : فمالهم كلهم للمعتق , أو لورثته. وقال الحسن بن حي : مال المعتق والمكاتب لسيدهما. وقال ابن شبرمة : مال المعتق وأم الولد : للسيد ولورثته.

وقال أحمد , وإسحاق : مال المعتق لسيده

وروي هذا القول عن الحكم بن عتيبة , وصح عن قتادة.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي خالد الأحمر عن عمران بن عمير عن أبيه : أنه كان عبدا لأبن مسعود فأعتقه , وقال : أما إن مالك لي , ثم قال : هو لك. وصح نحوه عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك.

فنظرنا فيما احتج به من قال : مال المعتق لسيده , فوجدناهم يذكرون

ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد ، حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الأعلى بن أبي المساور حدثني عمران بن عمير عن أبيه قال لي ابن مسعود : أريد أن أعتقك وأدع مالك فأخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول : من أعتق عبدا فماله للذي أعتقه.

ومن طريق العقيلي ، حدثنا عبد الرحمن بن الفضل ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عمران المسعودي مولاهم سمع عمه يونس بن عمران عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال ابن مسعود " سمعت رسول الله ﷺ يقول : (من أعتق مملوكا فليس للمملوك من ماله شيء). هذان لا شيء ; لأن عبد الأعلى بن أبي المساور ضعيف جدا والآخر منقطع ; لأن القاسم لا يحفظ أبوه ، عن ابن مسعود شيئا فكيف هو. وقالوا : قد صح أن العبد إذا بيع فماله للسيد , إلا أن يشترطه المبتاع فعتقه كذلك , وهذا قياس , والقياس كله باطل. ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا , لأن البيع نقل ملك فلا يشبه العتق الذي هو إسقاط الملك جملة , والقياس عند من قال به إنما هو على ما يشبهه لا على ما لا يشبهه. وقالوا : مال العبد للسيد قبل العتق فكذلك بعد العتق. .

فقلنا : هذا باطل ما هو له قبل العتق , إلا أن ينتزعه , وقد أوضحنا الحجة في أن العبد يملك ويكفي من ذلك قوله تعالى في الإماء: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} فدخل في هذا الخطاب : الحر , والعبد.

وقوله تعالى : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}.

فصح أن صداق الأمة لها بأمر الله تعالى يدفعه إليها. وصح أن العبد مأمور بإيتاء الصداق , فلولا أنه يملك ما كلف ذلك , ولا نكاح إلا بصداق , إن لم يذكر في العقد فبعد العقد , ووعدهم الله بالغنى فهم كسائر الناس وبالله تعالى التوفيق. فإذ ماله له فهو بعد العتق كما كان قبل العتق. ثم

وجدنا ما روينا من طريق أبي داود ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يشترطه السيد. فهذا إسناد في غاية الصحة لا يجوز الخروج عنه.

فإن قيل : قد قيل : إن عبيد الله أخطأ فيه

قلنا : إنما أخطأ من ادعى الخطأ على عبيد الله بلا

برهان ، ولا دليل. والعجب من الحنفيين الذين لم يروا قول أصحاب الحديث " أخطأ ضمرة في حديثه عن سفيان : من ملك ذا رحم محرمة فهو حر ". وقالوا : لا يجوز أن يدعي الخطأ على الثقة بلا

برهان ثم تعلقوا بقول أولئك أنفسهم هاهنا أخطأ عبيد الله , وتعلق المالكيون بقولهم : أخطأ ضمرة , ولم يلتفتوا إلى قولهم : أخطأ عبيد الله , فهل في التلاعب بالدين أكثر من هذا العمل ونسأل الله العافية.

وأما الشافعيون : فردوا الخبرين معا , وأخذوا في عدة مواضع بالخطأ الذي لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق.