الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الحادية والخمسون

كتاب العتق وأمهات الأولاد

1667 - مسألة: ومن ملك عبدا أو أمة بينه وبين غيره فأعتق نصيبه كله , أو بعضه , أو أعتقه كله : عتق جميعه حين يلفظ بذلك فإن كان له مال يفي بقيمة حصة من يشركه حين لفظ بعتق ما أعتق منه أداها إلى من يشركه فإن لم يكن له مال يفي بذلك كلف العبد أو الأمة أن يسعى في قيمة حصة من لم يعتق على حسب طاقته , لا شيء للشريك غير ذلك , ولا له , أن يعتق , والولاء للذي أعتق أولا , وإنما يقوم كله ثم يعرف مقدار حصة من لم يعتق ، ولا يرجع العبد المعتق على من أعتقه بشيء مما سعى فيه حدث له مال أو لم يحدث وللناس في هذا أربعة عشر قولا : قال ربيعة : من أعتق حصة له من عبد بينه وبين آخر لم ينفذ عتقه : حدثنا بذلك أحمد بن محمد بن الجسور قال : ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب عن يونس بن زيد عن ربيعة قال يونس سألته عن عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه من العبد فقال ربيعة : عتقه مردود لم يخص بذلك من أعتق بإذن شريكه أو بغير إذنه. وروى ذلك عنه الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف : أن ربيعة قال له ذلك. وقال بكير بن الأشج في اثنين بينهما عبد فأراد أحدهما أن يعتق أو يكاتب : فإنما يتقاومانه :

روينا ذلك ، عن ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه.

وقالت طائفة : ينفذ عتق من أعتق , ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء :

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة , وسعيد بن منصور , قالا جميعا : ، حدثنا أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد , قال : كان بيني وبين الأسود وأمنا غلام شهد القادسية وأبلى فيها فأرادوا عتقه وكنت صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر , فقال : أعتقوا أنتم ويكون عبد الرحمن على نصيبه حتى يرغب في مثل ما رغبتم فيه أو يأخذ نصيبه قال سعيد بن منصور مكان " أعتقوا أنتم " : " أعتقوا إن شئتم " لم يختلفا في غير ذلك , وهذا إسناد كالذهب المحض.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا جرير عن منصور عن النخعي عن الأسود , قال : كان لي ولأخوتي غلام أبلى يوم القادسية فأردت عتقه لما صنع , فذكرت ذلك لعمر فقال : أتفسد عليهم نصيبهم حتى يبلغوا , فإن رغبوا فيما رغبت فيه وإلا لم تفسد عليهم نصيبهم.

قال أبو محمد : لو رأى التضمين لم يكن ذلك إفسادا لنصيبهم :

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قلت لعطاء في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه , فأراد الآخر أن يجلس على حقه من العبد , وقال العبد : ، حدثنا أقضي قيمتي فقال عطاء , وعمرو بن دينار : سيده أحق بما بقي يجلس عليه إن شاء

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر : ، أنه قال في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم أعتق الآخر بعد : فولاؤه وميراثه بينهما

وهو قول الزهري أيضا , قال معمر.

ومن طريق ابن وهب عن عقبة بن نافع عن ربيعة في عبد بين ثلاثة : أعتق أحدهم نصيبه , وكاتب الآخر نصيبه , وتمسك الآخر بالرق ثم مات العبد , فإن الذي كاتب يرد ما أخذ منه , ويكون جميع ما ترك بينه وبين الذي تمسك بالرق يقتسمانه.

وقالت طائفة : ينفذ عتق الذي أعتق في نصيبه , ولا يلزمه شيء لشريكه إلا أن تكون جارية رائعة إنما تلتمس للوطء , فإنه يضمن للضرر الذي أدخل على شريكه

وهو قول عثمان البتي :

وقالت طائفة : شريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن المعتق :

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي حمزة عن النخعي : أن رجلا أعتق شركا له في عبد وله شركاء يتامى فقال عمر بن الخطاب : ينتظر بهم حتى يبلغوا , فإن أحبوا أن يعتقوا أعتقوا , وإن أحبوا أن يضمن لهم ضمن وهذا لا يصح عن عمر , إنما الصحيح عنه ما ذكرنا آنفا ; لأن هذه الرواية عن أبي حمزة ميمون وليس بشيء. ثم منقطعة ; لأن إبراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر بسنين كثيرة , إلا أن القول بهذا قد روي عن سفيان الثوري , والليث.

وقالت طائفة : من أعتق نصيبا له في عبد أو أمة , فشريكه بين خيارين : إن شاء أعتق نصيبه ويكون الولاء بينهما , وإن شاء استسعى العبد في قيمة حصته , فإذا أداها عتق والولاء بينهما سواء كان في كلا الأمرين المعتق معسرا أو موسرا , وله إن كان موسرا خيار في وجه ثالث : وهو إن شاء ضمن للمعتق قيمة حصته ويرجع المعتق المضمن على العبد بما ضمنه شريكه الذي لم يعتق , فإذا أداها العبد عتق , والولاء في هذا الوجه خاصة للذي أعتق حصته فقط. قال : فإن أعتق أم ولد بينه وبين آخر : فلا ضمان عليه لشريكه , ولا عليه أيضا موسرا كان المعتق أو معسرا. قال : فإن دبر عبدا بينه وبين آخر فشريكه بالخيار , إن شاء احتبس نصيبه رقيقا كما هو , ويكون نصيب شريكه مدبرا , وإن شاء دبر نصيبه أيضا وإن شاء ضمن العبد قيمة حصته منه مدبرا , وإذا أداها عتق , وضمن الشريك الذي دبر العبد أيضا قيمة حصته مدبرا , ولا سبيل له إلى شريكه في تضمين وإن شاء أعتق نصيبه , فإن فعل كان لشريكه الذي دبر أن يضمن الشريك المعتق قيمة نصيبه مدبرا

وهو قول أبي حنيفة وما نعلم أحدا من أهل الإسلام سبقه إلى هذا التقسيم بين الموسر والمعسر , ولا إلى هذه الوساوس وأعجبها : أم ولد بين اثنين , ولا نعلم أحدا من أصحابه اتبعه عليه , إلا المتأخرين في أزمانهم وأديانهم فقط.

وقالت طائفة : من أعتق شركا له في مملوك ضمن قيمة حصة شريكه موسرا كان أو معسرا :

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون عن حجاج ، هو ابن أرطاة عن عبد الرحمن بن الأسود , وإبراهيم النخعي , كلاهما عن الأسود , قال : كان بيني وبين إخوتي غلام فأردت أن أعتقه , قال عبد الرحمن في روايته : فأتيت ابن مسعود فذكرت ذلك له فقال : لا تفسد على شركائك فتضمن , ولكن تربص حتى يشبوا , وقال إبراهيم في روايته مكان " ابن مسعود " : " عمر " واتفقا فيما عدا ذلك.

ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا أزهر السمان عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين : أن عبدا بين رجلين أعتقه أحدهما , فكتب عمر بن الخطاب : أن يقوم عليه أعلى القيمة وهذا لا شيء ; لأن الحجاج بن أرطاة هالك , والآخر مرسل , إلا أن هذا قد رويناه من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن مبشر عن هشام بن عروة عن أبيه في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه قال : هو ضامن لنصيب صاحبه وهو أيضا قول زفر بن الهذيل.

وقالت طائفة : إن أعتق أحد الشريكين نصيبه استسعى العبد سواء كان المعتق موسرا أو معسرا :

كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عطاء : إن كان عبد بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه بغير أمر شريكه أقيم ما بقي منه , ثم عتق في مال الذي أعتقه , ثم استسعى هذا العبد بما غرم فيما أعتق عليه من العبد فقلت له : يستسعي العبد كان مفلسا أو غنيا قال : نعم , زعموا. قال ابن جريج : هذا أول قول عطاء , ثم رجع إلى ما ذكرت عنه قبل.

وقالت طائفة : إن أعتق شركا له في عبد وهو مفلس فأراد العبد أخذ نفسه بقيمته , فهو أولى بذلك إن نفذ : رويناه من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد قوله.

وقالت طائفة : في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه : أن باقيه يعتق من بيت مال المسلمين : روي ذلك ، عن ابن سيرين.

وقالت طائفة : من أعتق شركا له في عبد أو أمة. فإن كان موسرا قوم عليه حصص شركائه وأغرمها لهم , وأعتق كله بعد التقويم لا قبله , وإن شاء الشريك أن يعتق حصته فله ذلك , وليس له أن يمسكه رقيقا , ولا أن يكاتبه , ولا أن يبيعه , ولا أن يدبره , فإن غفل عن التقويم حتى مات المعتق أو العبد بطل التقويم , وماله كله لمن تمسك بالرق , فإن كان الذي أعتق نصيبه معسرا فقد عتق منه ما أعتق والباقي رقيق يبيعه الذي هو له إن شاء , أو يمسكه رقيقا , أو يكاتبه , أو يهبه , أو يدبره , وسواء أيسر المعتق بعد عتقه أو لم يوسر. فإن كان عبد أو أمة بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وهو معسر ثم أعتق الآخر وهو موسر لم يقوم عليه ، ولا على المعتق وبقي بحسبه , فإن كان كلاهما موسرا قوم على الذي أعتق أولا فقط , فلو أعتق الأثنان معا وكانا غنيين قومت حصة الباقين عليهما , فمرة قال : بنصفين , ومرة قال : على قدر حصصهما , فإن كان أحدهما غائبا لم ينتظر , لكن يقوم على الحاضر وهذا قول مالك , وما نعلم هذا القول لأحد قبله.

وقالت طائفة : إن كان الذي أعتق موسرا قوم عليه حصة من شركه وهو حر كله حين عتق الذي أعتق نصيبه , وليس لمن يشركه أن يعتقوا ، ولا أن يمسكوا , فإن كان المعتق معسرا فقد عتق ما عتق وبقي سائره مملوكا يتصرف فيه مالكه كما يشاء وهو أحد قولي الشافعي

وقال أحمد , وإسحاق : إن كان المعتق موسرا ضمن باقي قيمته , لا يباع له في ذلك داره , قال إسحاق : ولا خادمه وسكتا عن المعسر , فما سمعنا عنهما فيه لفظة.

وقالت طائفة : إن كان المعتق لنصيبه موسرا قوم عليه حصة من شركه وعتق كله , فإن كان المعتق لنصيبه معسرا استسعى العبد في قيمة حصة من لم يعتق وعتق كله. ثم اختلف هؤلاء : أيكون حرا مذ يعتق الأول نصيبه ، ولا يكون للآخر تصرف بعتق ، ولا بغيره أم لا يعتق إلا بالأداء ولمن يكون ولاؤه إن أعتق باستسعائه وهل يرجع على الذي أعتق بعضه أولا بما سعى فيه أم لا :

روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا أشعث بن سوار عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يقول : إذا أعتق نصيبا له في عبد فعلى الذي أعتق أنصباء شركائه إن كان موسرا , وإن كان معسرا استسعى العبد.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب قال : كان ثلاثون من أصحاب رسول الله ﷺ يضمنون الرجل إذا أعتق العبد بينه وبين صاحبه إذا كان موسرا ويستسعونه إذا كان معسرا.

ومن طريق الطحاوي عن روح بن الفرج عن يحيى بن بكير عن الليث بن سعد : سئل أبو الزناد , وابن أبي ليلى : عمن أعتق نصيبه من عبد بينه وبين آخر فذكرا تضمين العتق إن كان موسرا , أو استسعاء العبد إن كان المعتق معسرا , فقالا : سمعنا أن عمر بن الخطاب تكلم ببعض ذلك.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري ، حدثنا أسامة بن زيد : أنه سمع سليمان بن يسار يقول : إذا أعتق شقصا في عبد فإنه يضمنه بقيمته إن كان له مال , فإن لم يكن له مال استسعى العبد في بقيته فقلت لسليمان : أرأيت إن كان العبد صغيرا قال : كذلك جاءت السنة

ومن طريق محمد بن المثنى ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن سليمان بن يسار قال : من أعتق شقصا من عبد فإنه يعتق عليه من ماله , فإن لم يكن له مال استسعى العبد في بقيته , قال أسامة : فقلت لسليمان : عمن قال : جرت به السنة.

ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي في العبد يكون بين الرجلين : يعتق أحدهما نصيبه قال : يضمن إن كان له مال , فإن لم يكن له مال استسعى العبد.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يقول : إن كان له من المال تمام نصيب صاحبه ضمن له , وليس على العبد سعاية , فإن نقص منه درهم فما فوقه سعى العبد , وليس على المعتق ضمان.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا يونس , وإسماعيل بن سالم , قال يونس عن الحسن , وقال إسماعيل : عن الشعبي , قالا جميعا : إن كان المعتق موسرا ضمن أنصباء أصحابه , وإن كان معسرا استسعى العبد.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة من أعتق شركا له في عبد فإنه يقوم عليه يوم أعتقه ، ولا يتبعه السيد بما غرم عنه والعبد غير معتق حتى يتم أداء ما استسعى فيه.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : يستسعي العبد ، ولا بد , إن كان المعتق لنصيبه معسرا , ولا يستسعي إن كان موسرا ويعتق كله يعني على الذي أعتق نصيبه منه.

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن أعتق نصيبه من عبد بينه وبين غيره قال الزهري : يقوم العبد بماله على المعتق في مال المعتق إن كان له مال , فإن لم يكن للعبد مال استسعي.

وروي عن أبي الزناد , وابن أبي ليلى : أنهما قالا في عبد بين ثلاثة أعتق اثنان نصيبهما منه فقالا : نرى أن يضمنا عتاقه جميعا , فإن لم يكن لهما مال قوم العبد قيمة عدل فسعى العبد فيها فأداها.

وهو قول سفيان الثوري , وابن شبرمة , والأوزاعي , والحسن بن حي , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن ,

وقد ذكرناه عن ثلاثين من الصحابة ، رضي الله عنهم ،. وعن ابن عمر , وبعضه عن عمر , وقال سليمان بن يسار : وهو السنة , وقاله سعيد بن المسيب , وسليمان بن يسار , والزهري , وأبو الزناد , والنخعي , والشعبي , والحسن , وحماد , وقتادة , وابن جريج.

وأما هل يكون حرا حين يعتق الأول بعضه أم لا فإن أبا يوسف , ومحمد بن الحسن , والأوزاعي , والحسن بن حي قالوا : هو حر ساعة يلفظ بعتقه , وقال قتادة , هو عبد حتى يؤدي إلى من لم يعتق حقه.

وأما من يكون ولاؤه : فإن حماد بن أبي سليمان , والحسن البصري , كلاهما قال : إن كان للمعتق مال فضمنه فالولاء كله له وإن عتق بالأستسعاء فالولاء بينهما

وهو قول سفيان. وقال إبراهيم , والشعبي , وابن شبرمة , والثوري , وابن أبي ليلى , وكل من قال : هو حر حين عتق بعضه : أن ولاءه كله للذي أعتق بعضه : عتق عليه , أو بالأستسعاء.

وأما رجوعه , أو الرجوع عليه : فإن ابن ليلى , وابن شبرمة , قالا جميعا : لا يرجع المعتق بما أدى على العبد , ويرجع العبد إذا استسعى بما أدى على الذي ابتدأ عتقه. وقال أبو يوسف , وغيره : لا رجوع لأحدهما على الآخر.

قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ينظر فيما احتجت به كل طائفة. فوجدنا قول ربيعة يشبه قول أبي حنيفة في منعه من هبة المشاع ومن الصدقة بالمشاع , ومن إجارة المشاع , ورهن المشاع. وقول الحسن , وعبد الملك بن يعلى القاضي في المنع من بيع المشاع , ورهن المشاع , ويحتج له بما احتج به من ذكرنا. وليس كل ذلك بشيء ; لأن النص والنظر يخالف كل ذلك : أما النص : فقد ذكرناه ونذكره إن شاء الله تعالى.

وأما النظر : فكل أحد أحق بماله ما لم يمنعه منه نص , وقد حض الله تعالى على العتق , والهبة , والصدقة , وأمرنا بالرهن , وأباح البيع , والإجارة , فكل ذلك جائز على كل حال ما لم يمنع النص من شيء من ذلك. وقد يمكن أن يحتج بذلك : بأنه لا يمكن أن يكون إنسان بعضه حر وبعضه عبد. .

فقلنا : وما المانع من ذلك فقالوا : كما لا تكون امرأة بعضها مطلقة , وبعضها زوجة. .

فقلنا : هذا قياس والقياس كله باطل. ثم يلزم على هذا أن يقولوا : إذا وقع هذا أعتق كله , كما يقولون في المرأة إذا طلق بعضها. وقالوا : هذا ضرر على الشريك , وقد جاء (لا ضرر ، ولا ضرار). . فقلنا : افتراق الملك أيضا ضرر فامنعوا منه , وأعظم الضرر منع المؤمن من عتق حصته.

وأما من قال بالتقاوم فخطأ ; لأنه لم يأت به نص , ولا يجوز أن يجبر أحد على إخراج ملكه عن يده إلا أن يوجب ذلك عليه نص فسقط هذا القول أيضا.

وأما القول المأثور عن عمر بن الخطاب , وعطاء , والزهري , وعمرو بن دينار , وربيعة : فوجدنا من حججهم

ما روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص : أن بني سعيد بن العاص كان لهم غلام فأعتقوه كلهم إلا رجل واحد , فذهب إلى رسول الله ﷺ يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه لرسول الله ﷺ فأعتقه , فكان يقول : أنا مولى رسول الله ﷺ واسمه رافع أبو البهاء.

قال أبو محمد : هذا منقطع ; لأن محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه ثم لو صح لكان ذلك على معهود الأصل , والأصل أن كل أحد أملك بماله , ثم نسخ ذلك بأمر النبي ﷺ بأن يعتق على الموسر ويستسعى إن كان المعتق معسرا فبطل بهذا الحكم ما كان قبل ذلك بلا شك. وقالوا : هو قول صح عن عمر ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه. .

فقلنا : عارضوا بهذا الحنفيين والمالكيين الذين يتركون السنن لأقل من هذا , كما فعلوا في " البيعين بالخيار ما لم يتفرقا " وفي عتق صفية وجعله عليه الصلاة والسلام عتقها صداقها , وتوريث المطلقة ثلاثا في مرض الموت.

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ . وذكروا

ما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي بشر هو الوليد بن مسلم العنبري ، عن ابن الثلب عن أبيه " رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه رسول الله ﷺ " فهذا ، عن ابن الثلب وهو مجهول. وقال : قال الله تعالى : {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} ، ولا فرق بين عتق نصيبه وبين بيع نصيبه.

قلنا : نعم , ولكن السنة أولى أن تتبع , وهو عليه الصلاة والسلام يفسر القرآن , قال تعالى : {لتبين للناس ما نزل إليهم}. وقد حكمتم بالعاقلة ولم تبطلوها بهذه الآية. وحكمتم بالشفعة ولم تقولوا : كل أحد أملك بحقه. وقالوا : لو ابتدأ عتق نصيب شريكه لم ينفذ , فكذلك , بل أحرى أن لا ينفذ إذا لم يعتقه , لكن أعتق نصيب نفسه , وقد جاء لا عتق قبل ملك. .

فقلنا : هذا كله كما ذكرتم , وكله لا يعارض به النص عن رسول الله ﷺ ولا تضرب السنن بعضها ببعض. وقالوا : لو أعتقا معا لجاز.فصح أن كل أحد أملك بحقه

قلنا : نعم , وليس هذا بمشبه لعتقه بعد عتق شريكه ; لأن له أن يبيع مع عتق شريكه معا , وأن يهب , وليس له عند بعض من قال بهذا القول أن يبيع بعد عتق شريكه , ولا أن يهب , وله ذلك عند بعضهم وكل هذا فيمكن أن يشغب به لو لم تأت السنة بخلاف ذلك ,

وأما وقد جاء ما يخص هذا كله فلا يحل خلاف أمر النبي ﷺ .

قال أبو محمد : هذا مما تناقض فيه الحنفيون , والمالكيون , فخالفوا صاحبا لا يصح عن أحد من الصحابة خلافه , وخالفوا أثرين مرسلين , وهم يقولون بالمرسل , وخالفوا القياس.

فأما أبو حنيفة : فلم يتعلق بشيء أصلا.

وأما مالك : فتعلق بحديث ناقص عن غيره , وقد جاء غيره بالزيادة عليه

وأما قول عثمان البتي في تخصيصه الجارية الرائعة , فقول لا دليل عليه أصلا واستدلاله فاسد ; لأن الضرر الداخل عليهم بالشركة المانعة من الوطء هو بعينه ، ولا زيادة داخلة عليهم في عتق بعضها ، ولا فرق , وكلتاهما يمكن أن تتزوج ، ولا فرق , فبطل هذا القول.

وأما قول زفر : فإن الحجة له ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا الوليد بن مسلم عن حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى عن نافع , عن عطاء , قال نافع : عن ابن عمر , وقال عطاء : عن جابر , ثم اتفق جابر , وابن عمر : عن رسول الله ﷺ قال : من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمة لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء. وب

ما روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا يحيى بن الأنصاري عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : أيما رجل كان له نصيب في عبد فأعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل.

قال أبو محمد : الأول إنما فيه حكم من له وفاء , ولم يذكر فيه من لا وفاء عنده

وأيضا فهو من طريق حفص بن غيلان ، ولا نعرفه وأخلق به أن يكون مجهولا لا يعتد به.

ومن طريق شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ ، أنه قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال : يضمن وعليه خلاصه.

وأما الثاني , والثالث فصحيحان , إلا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليهما , فأخذ الزيادة أولى ولو لم يأت إلا هذان الخبران لما تعديناهما. وقالوا : جنى على شركائه فوجب تضمينه.

قال أبو محمد : ما جنى شيئا , بل أحسن وتقرب إلى الله عز وجل , ولكن عهدنا بالحنفيين , والمالكيين يجعلون خبر المعتق نصيبه حجة لقولهم الفاسد في أن المعتدي لا يضمن إلا قيمة ما أفسد , لا مثل ما أفسد , فإذ هو عندهم إفساد وهم أصحاب تعليل وقياس , فالواجب عليهم أن يقولوا بقول زفر هذا , وإلا فقد أبطلوا تعليلهم , ونقضوا قياسهم , وأفسدوا احتجاجهم وتركوا ما أصلوا , وهذه صفات شائعة في أكثر أقوالهم وبالله تعالى التوفيق فسقط هذا القول أيضا.

وأما قول أبي حنيفة : ففي غاية الفساد ; لأنه قول لم يتعلق بقرآن , ولا سنة صحيحة , ولا رواية سقيمة , ولا قول صاحب , ولا تابع , ولا أحد نعلمه قبله , ولا بقياس , ولا برأي سديد , ولا احتياط , بل هو مخالف لكل ذلك. وما وجدناهم موهوا إلا بكذب فاضح من دعواهم : أن قولهم موافق لقول عمر , وكذبوا كما يرى كل ذي فهم مما أوردنا. وحكموا بالأستسعاء , وخالفوا حديث الأستسعاء في إجازتهم الذي لم يعتق أن يعتق , وأن يضمن في حال إعسار الشريك , وأجازوا له أن يعتق , ومنعوه أن يحتبس. ثم أتوا بمقاييس سخيفة على المكاتب , والمكاتب عندهم قد يعجز فيرق , ولا يرق عندهم المستسعى , وغير ذلك مما لم يفارقوا فيه الكذب البارد

فإن قالوا : إن كل فصل من قولنا موجود في حديث من الأحاديث.

قلنا : وموجود أيضا خلافه بعينه في هذه القضية , فمن أين أخذتم ما أخذتم وتركتم ما تركتم هكذا مطارفة

وأيضا فلا يوجد في شيء من الآثار خيار في تضمين الموسر أو ترك تضمينه , ولا رجوع الموسر على العبد , ولا تضمين العبد في حال يسار الذي أعتقه أصلا وبالله تعالى التوفيق وسائر الأقوال لا متعلق لها أصلا

وأما قول مالك , والشافعي : فوجدناهم يحتجون ب

ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : من أعتق شركا له من مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه , فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق.

قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهو خبر صحيح , إلا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليه لا يحل تركها , وقد أقدم بعضهم فزاد في هذا الخبر ورق منه ما رق وهي موضوعة مكذوبة , ولا نعلم أحدا رواها , لا ثقة ، ولا ضعيف , ولا يجوز الأشتغال بما هذه صفته , وليس في قوله عليه الصلاة والسلام: (وإلا فقد عتق منه ما عتق) دليل على حكم المعسر أصلا , وإنما هو مسكوت عنه في هذا الخبر , ولا شك في أنه قد " عتق منه ما عتق " وبقي حكم المعسر فوجب طلبه من غير هذا الخبر على أنه قد قيل : إن لفظة وإلا فقد عتق منه ما عتق إنما هو من كلام نافع , ولسنا نلتفت إلى هذا ; لأنه دعوى بلا دليل , لكن ينبغي طلب الزيادة , فإذا وجدت صحيحة وجب الأخذ بها وبالله تعالى نتأيد. فلم يبق إلا قولنا فوجدنا الحجة له

ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو الناقد , وإسماعيل ، هو ابن علية كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : من أعتق شقصا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال , فإن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه.

ومن طريق أبي داود ، حدثنا مسلم ، هو ابن إبراهيم الكشي ، حدثنا أبان ، هو ابن يزيد العطار ، حدثنا قتادة ، حدثنا النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : من أعتق شقصا في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه.

ومن طريق البخاري ، حدثنا أحمد بن أبي رجاء , وأبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم قال أحمد : ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا جرير بن حازم سمعت قتادة , وقال أبو النعمان : ، حدثنا جرير بن حازم عن قتادة ثم اتفقا عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : من أعتق شقصا في عبد عتق كله إن كان له مال وإلا استسعي غير مشقوق عليه وقد سمع قتادة هذا الخبر من النضر بن أنس.

كما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، حدثنا أبو هشام ، حدثنا أبان بن يزيد العطار ، حدثنا قتادة ، حدثنا النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : (من أعتق شقيصا له من عبد فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه) وهذا خبر في غاية الصحة فلا يجوز الخروج عن الزيادة التي فيه فقال قوم : قد روى هذا الخبر : شعبة , وهمام , وهشام الدستوائي فلم يذكروا ما ذكر ابن أبي عروبة.

قال أبو محمد : فكان ماذا ، وابن أبي عروبة ثقة , فكيف وقد وافقه عليه جرير , وأبان , وهما ثقتان.

فإن قيل : فإن هماما قال في هذا الحديث : فكان قتادة يقول : إن لم يكن له مال استسعي العبد

قلنا : صدق همام , قال قتادة مفتيا بما روى , وصدق ابن أبي عروبة , وجرير , وأبان , وموسى بن خلف , وغيرهم , فأسندوه عن قتادة , ولو لم يصح حديث قتادة هذا لكان حديث ابن عمر , وأبي هريرة بالتضمين : جملة زائدة على ما تعلق به مالك من رواية نافع , فكان يكون القول ما ذهب إليه زفر بن الهذيل , وهذا لا مخلص له عنه وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولنا : إنه حر ساعة يعتق بعضه , فإن بعض الرواة قال " ثم يعتق " وكان في رواية جرير بن حازم التي ذكرنا " عتق كله " فكانت هذه زيادة لا يجوز تركها , فإذ قد عتق كله فولاؤه للذي عتق عليه.

وأما رجوع أحدهما على الآخر فباطل ; لأن رسول الله ﷺ ألزم الغرامة للمعتق في يساره وألزمها العبد المعتق في إعسار المعتق ولم يذكر رجوعا , فلا يجوز لأحد القضاء برجوع في ذلك.

قال علي : فإن كان له مال لا يفي بجميع قيمة العبد فلا غرامة على المعتق لكن يستسعى العبد , وهذا مقتضى لفظ الخبر.

وبه يقول حماد وبالله تعالى التوفيق.