الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة


كتاب الجنائز

607 - /218 مسألة /218 : ولو ماتت امرأة حامل والولد حي يتحرك قد تجاوز ستة أشهر فإنه يشق بطنها طولا ويخرج الولد ، لقول الله تعالى : { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } ومن تركه عمدا حتى يموت فهو قاتل نفس . ولا معنى لقول أحمد رحمه الله : تدخل القابلة يدها فتخرجه ، لوجهين - : أحدهما - أنه محال لا يمكن ، ولو فعل ذلك لمات الجنين بيقين قبل أن يخرج ، ولولا دفع الطبيعة المخلوقة المقدورة له وجر ليخرج لهلك بلا شك . والثاني - أن مس فرجها لغير ضرورة حرام .

608 - /218 مسألة /218 : ولا يحل لأحد أن يتمنى الموت لضر نزل به روينا من طريق أحمد بن شعيب : أنا قتيبة بن سعيد أنا يزيد بن زريع عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال { : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا لكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي } . ورويناه أيضا بأسانيد صحاح من طريق أبي هريرة ، وخباب ؟ فإن ذكروا قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام : { توفني مسلما وألحقني بالصالحين } فليس هذا على استعجال الموت المنهي عنه ، لكن على الدعاء بأن لا يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلما ، وهذا ظاهر الآية الذي لا تزيد فيه

609 - /218 مسألة /218 : ويحمل النعش كما يشاء الحامل ، إن شاء من أحد قوائمه ، وإن شاء بين العمودين ؟ وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : يحمله من قوائمه الأربع . واحتج بما روينا من طريق ابن أبي شيبة : نا هشيم عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي قال : رأيت ابن عمر في جنازة فحمل بجوانب السرير الأربع ، ثم تنحى ؟ ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة : نا حميد عن مندل عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن استطعت فابدأ بالقائمة التي تلي يده اليمين ، ثم أطف بالسرير ، وإلا فكن قريبا منها ؟ ومن طريق سعيد بن منصور عن عبيد بن نسطاس عن أبي عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود - قال : قال عبد الله - يعني أباه - : من تبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها ، فإنه من السنة ثم يتطوع بعد إن شاء أو ليدع . ومن طريق سعيد بن منصور : نا حبان بن علي حدثني حمزة الزيات عن بعض أصحابه : كان عبد الله بن مسعود يبدأ بميامن السرير على عاتقه اليمنى من مقدمه ، ثم الرجل اليمنى ، ثم الرجل اليسرى ، ثم اليد اليسرى ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد هو القطان - عن ثور عن عامر بن جشيب وغيره من أهل الشام قالوا : قال أبو الدرداء من تمام أجر الجنازة أن يشيعها من أهلها ، وأن يحملها بأركانها الأربع ، وأن يحثوا في القبر ؟ وروينا أيضا ذلك عن الحسن . قالوا : فقال ابن مسعود ، وأبو الدرداء : إنه من السنة ، ولا يقال : هذا إلا عن توقيف ؟ قال أبو محمد : أما هذا القول ففاسد ، لأن من عجائب الدنيا أن يأتوا إلى قول لم يصح عن ابن مسعود ، وأبي الدرداء ، فلا يستحيون من القطع بالكذب على رسول الله ﷺ بمثله ، ثم لا يلتفتون إلى قول ابن عباس الثابت عنه في قراءة أم القرآن في صلاة الجنازة إنها السنة . وقد صح عن النبي ﷺ تصديق قول ابن عباس هذا ، بقوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } ولا يحل لأحد أن يضيف إلى رسول الله ﷺ قولا بالظن فيتبوأ مقعده من النار . وكل هذه الروايات لا يصح منها شيء إلا عن ابن عمر وأما رواية ابن عباس فعن مندل وهو ضعيف ؟ وأما خبرا ابن مسعود فمنقطعان ؛ لأن أبا عبيدة لا يذكر من أبيه شيئا ، وعامر بن جشيب غير مشهور وقد صح عن ابن عمر ، وغيره : خلاف هذا ؟ كما روينا من طريق سعيد بن منصور : نا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال : خرجت مع جنازة عبد الرحمن بن أبي بكر فرأيت ابن عمر جاء فقام بين الرجلين في مقدم السرير ، فوضع السرير على كاهله ، فلما وضع ليصلى عليه خلى عنه . ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن عباد بن منصور عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال : من حمل الجنازة ثلاثا فقد قضى ما عليه . فإذ ليس في حملها نص ثابت عن رسول الله ﷺ فلا اختيار في ذلك . وكيفما حملها الحامل أجزأه .

610 - /218 مسألة /218 : ويصلى على الميت الغائب بإمام وجماعة . قد { صلى رسول الله ﷺ على النجاشي رضي الله عنه - ومات بأرض الحبشة - وصلى معه أصحابه عليه صفوفا } ، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه ؟

611 - /218 مسألة /218 : ويصلى على كل مسلم ، بر ، أو فاجر ، مقتول في حد ، أو في حرابة ، أو في بغي ، ويصلي عليهم الإمام ، وغيره - ولو أنه شر من على ظهر الأرض ، إذا مات مسلما لعموم أمر النبي ﷺ بقوله { صلوا على صاحبكم } والمسلم صاحب لنا . قال تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } . وقال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } . فمن منع من الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما ، وإن الفاسق لأحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم ؟ وقال بعض المخالفين : إن رسول الله ﷺ لم يصل على " ماعز " ؟ قلنا : نعم ، ولم نقل إن فرضا على الإمام أن يصلي على من رجم ، إنما قلنا : له أن يصلي عليه كسائر الموتى ، وله أن يترك كسائر الموتى ، ولا فرق - وقد أمرهم عليه السلام بالصلاة عليه ، ولم يخص بذلك من لم يرجمه ممن رجمه وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب : أنا عبيد الله بن سعيد نا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني ، قال { مات رجل بخيبر ، قال رسول الله ﷺ : صلوا على صاحبكم ، إنه قد غل في سبيل الله ، قال : ففتشنا متاعه ، فوجدنا خرزا من خرز يهود ، لا يساوي درهمين } . قال أبو محمد : وهؤلاء الحنفيون ، والمالكيون - المخالفون لنا في هذا المكان - لا يرون امتناع النبي ﷺ من الصلاة على الغال حجة في المنع من أن يصلي الإمام على الغال ، فمن أين وجب عندهم أن يكون تركه عليه السلام أن يصلي على " ماعز " حجة في المنع من أن يصلي على المرجوم الإمام ؟ وكلاهما ترك وترك إن هذا لعجب فكيف وقد صح أن رسول الله ﷺ صلى على من رجم ؟ - : كما روينا من طريق أحمد بن شعيب : أنا إسماعيل بن مسعود نا خالد هو ابن الحارث - نا هشام هو الدستوائي - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين { أن امرأة من جهينة أتت إلى رسول الله ﷺ فقالت : إني زنيت - وهي حبلى - فدفعها إلى وليها ، وقال له : أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ، فأمر بها فشكت عليها ثيابها ، ثم رجمها ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها وقد زنت ؟ قال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها } . فقد صلى عليه السلام على من رجم فإن قيل : تابت ؟ قلنا : و " ماعز " تاب أيضا ولا فرق والعجب كله من منعهم الإمام من الصلاة على من أمر برجمه ، ولا يمنعون المتولين للرجم من الصلاة عليه : فأين القياس لو دروا ما القياس ؟ وروينا عن علي بن أبي طالب : أنه إذ رجم شراحة الهمدانية قال لأوليائها : اصنعوا بها كما تصنعون بموتاكم ؟ وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنى ، وعلى أمه ، وعلى المتلاعنين ، وعلى الذي يقاد منه ، وعلى المرجوم ، والذي يفر من الزحف فيقتل . قال عطاء : لا أدع الصلاة على من قال لا إله إلا الله . قال تعالى : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } قال عطاء : فمن يعلم أن هؤلاء من أصحاب الجحيم ؟ قال ابن جريج : فسألت عمرو بن دينار فقال : مثل قول عطاء وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال : لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة ، والذي قتل نفسه يصلى عليه . وأنه قال : السنة أن يصلى على المرجوم . فلم يخص إماما من غيره ؟ وصح عن قتادة : صل على من قال : لا إله إلا الله ، فإن كان رجل سوء جدا فقل : اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات - ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال : لا إله إلا الله ؟ وصح عن ابن سيرين : ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة . وصح عن الحسن أنه قال : يصلى على من قال لا إله إلا الله وصلى إلى القبلة ، إنما هي شفاعة ؟ ومن طريق وكيع عن أبي هلال عن أبي غالب قلت لأبي أمامة الباهلي : الرجل يشرب الخمر ، أيصلى عليه ؟ قال : نعم ، لعله اضطجع مرة على فراشه فقال : لا إله إلا الله ، فغفر له ؟ وعن ابن مسعود : أنه سئل عن رجل قتل نفسه : أيصلى عليه ؟ فقال : لو كان يعقل ما قتل نفسه وصح عن الشعبي : أنه قال في رجل قتل نفسه : ما مات فيكم مذ كذا وكذا أحوج إلى استغفاركم منه ؟ وقد روينا في هذا خلافا من طريق عبد الرزاق عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن ميمون بن مهران ، أنه شهد ابن عمر صلى على ولد زنى ، فقيل له : إن أبا هريرة لم يصل عليه ، وقال : هو شر الثلاثة ؟ فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة وقد روينا من طريق وكيع عن الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر : أنه كان لا يصلي على ولد زنى ، صغير ولا كبير ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال له : لا يصلى على المرجوم ، ويصلى على الذي يقاد منه ، إلا من أقيد منه في رجم - فلم يخص الزهري إماما من غيره وأما الصلاة على أهل المعاصي فما نعلم لمن منع من ذلك سلفا من صاحب ، أو تابع في هذا القول ؟ وقولنا هذا هو قول سفيان ، وابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ قال أبو محمد : لقد رجانا الله تعالى في العفو والجنة حتى نقول قد فزنا . ولقد خوفنا عز وجل حتى نقول : قد هلكنا ، إلا أننا على يقين من أن لا خلود على مسلم في النار - وإن لم يفعل خيرا قط غير شهادة الإسلام بقلبه ولسانه ، ولا امتنع من شر قط غير الكفر ، ولعله قد تاب من هذه صفته قبل موته ، فسبق المجتهدين ، أو لعل له حسنات لا نعلمها تغمر سيئاته فمن صلى على من هذه صفته ، أو على ظالم للمسلمين متبلغ فيهم ، أو على من له قبله مظالم لا يريد أن يغفرها له - : فليدع له كما يدعو لغيره ، وهو يريد بالمغفرة والرحمة ما يئول إليه أمره بعد القصاص ، وليقل : اللهم خذ لي بحقي منه

612 - /218 مسألة /218 : وعيادة مرضى المسلمين فرض - ولو مرة - على الجار الذي لا يشق عليه عيادته ، ولا نخص مرضا من مرض - : روينا من طريق البخاري : نا محمد هو ابن يحيى الذهلي - نا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي أخبرني ابن شهاب أخبرني ، سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس } . ومن طريق أبي داود : نا عبد الله بن محمد النفيلي نا حجاج بن محمد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن أرقم قال { : عادني رسول الله ﷺ من وجع كان بعيني } وقد { عاد رسول الله ﷺ عمه أبا طالب } . ومن طريق أبي داود : نا سليمان بن حرب نا حماد هو ابن سلمة - عن ثابت البناني عن أنس { أن غلاما من اليهود مرض فأتاه النبي ﷺ يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال : أطع أبا القاسم ؟ فأسلم ، فقام النبي ﷺ وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار } . فعيادة الكافر فعل حسن ؟

613 - /218 مسألة /218 : ولا يحل أن يهرب أحد عن الطاعون إذا وقع في بلد هو فيه ؟ ومباح له الخروج لسفره الذي كان يخرج فيه لو لم يكن الطاعون ولا يحل الدخول إلى بلاد فيه الطاعون لمن كان خارجا عنه حتى يزول ؟ والطاعون هو الموت الذي كثر في بعض الأوقات كثرة خارجة عن المعهود - : لما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس قال : قال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله ﷺ يقول { إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه } . قال أبو محمد : فلم ينه عليه السلام عن الخروج إلا بنية الفرار منه فقط ؟ وقد روينا عن عائشة رضي الله عنها إباحة الفرار عنه ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ .

614 - /218 مسألة /218 : ونستحب تأخير الدفن ولو يوما وليلة ، ما لم يخف على الميت التغيير ، لا سيما من توقع أن يغمى عليه . وقد مات رسول الله ﷺ يوم الاثنين ضحوة ، ودفن في جوف الليل من ليلة الأربعاء ؟ وروينا من طريق وكيع عن سفيان عن سالم الخياط عن الحسن قال : ينتظر بالمصعوق ثلاثا ؟ .

615 - /218 مسألة /218 : ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ، ووجهه قبالة القبلة ، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ، ويسارها ، على هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا ، وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض ؟