→ كتاب الجنائز (مسألة 578 - 585) | ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 586 - 593) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الجنائز (مسألة 594 - 606) ← |
كتاب الجنائز
586 - بقية من المسألة : التي قبل هذه : قال أبو محمد : واستدركنا الوصية بأن يصلي على الموصي غير الولي وغير الزوج ، وهو أن الله تعالى - وقد ذكر وصية المحتضر - قال { فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } وروينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار : أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد وهو غير أمير ولا ولي من ذوي محارمها ولا من قومها ، وذلك بحضرة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبه إلى سفيان عن أبي إسحاق السبيعي : أن أبا ميسرة أوصى أن يصلي عليه شريح وليس من قومه . ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين : أن عبيدة السلماني أوصى أن يصلي عليه الأسود بن يزيد النخعي .
587 - مسألة : وتقبيل الميت جائز - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري أنا بشر بن محمد أنا عبد الله بن المبارك أخبرني معمر ويونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ، - أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته " أن أبا بكر دخل على رسول الله ﷺ وهو مسجى ببرد حبرة - تعني إذ مات عليه السلام - قالت : فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ، ثم بكى وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله " . وذكر الحديث .
588 - مسألة : ويسجى الميت بثوب ويجعل على بطنه ما يمنع انتفاخه - : أما التسجية - فلما ذكرناه في رسول الله ﷺ وكل ما فعل فيه ﷺ فهو حق ، لقوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } وهذا عموم ، لا يجوز تخصيصه إلا بنص ؟ وأما قولنا : يوضع على بطنه فلقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } وكل ما فيه رفق بالمسلم ودفع للمثلة عنه ، فهو بر وتقوى ؟
589 - مسألة : والصبر واجب ، والبكاء مباح ، ما لم يكن نوح ، فإن النوح حرام ، والصياح ، وخمش الوجوه وضربها ، وضرب الصدر ، ونتف الشعر وحلقه للميت - : كل ذلك حرام ، وكذلك الكلام المكروه الذي هو تسخط لأقدار الله تعالى ، وشق الثياب - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال { مر النبي ﷺ بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ؟ } . وبه إلى البخاري : نا محمد بن بشار نا غندر عن شعبة عن ثابت البناني قال : سمعت أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } . وبه إلى البخاري : ثنا الحسن بن عبد العزيز نا يحيى بن حسان حدثني قريش هو ابن حيان - عن ثابت البناني عن أنس قال { دخلنا مع رسول الله ﷺ على إبراهيم - هو ابن رسول الله ﷺ - وهو يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : يا ابن عوف ، إنها رحمة ، العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ؟ } . فهذا إباحة الحزن الذي لا يقدر أحد على دفعه ، و { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وفيه إباحة البكاء ، وتحريم الكلام بما لا يرضي الله تعالى وبه إلى البخاري : نا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال : { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } . حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن منصور أنا حبان بن هلال نا أبان هو ابن يزيد العطار - نا يحيى هو ابن أبي كثير - أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه أن النبي ﷺ قال : { أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، النائحة إذا ماتت ولم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب } . وبه إلى مسلم : نا عبد الله بن حميد ، وإسحاق بن منصور قالا : أرنا جعفر بن عون أنا أبو عميس قال : سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري قالا ( جميعا ) : أغمي على أبي موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ، فأفاق قال : ألم تعلمي - وكان يحدثها - أن رسول الله ﷺ قال : { أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق } ومن طريق البخاري : نا أصبغ نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن عبد الله بن عمر قال : { اشتكى سعد بن عبادة فعاده النبي ﷺ مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غاشيته فبكى النبي ﷺ فلما رأى القوم بكاء النبي ﷺ بكوا ، فقال : ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم ، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه } . قال أبو محمد هذا الخبر بتمامه يبين معنى ما وهل فيه كثير من الناس من قوله عليه السلام : { إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه } . ولاح بهذا أن هذا البكاء الذي يعذب به الميت ليس هو الذي لا يعذب به من دمع العين ، وحزن القلب . فصح أنه البكاء باللسان ، إذ يعذبونه برياسته التي جار فيها فعذب عليها ، وشجاعته التي يعذب عليها ، إذ صرفها في غير طاعة الله تعالى ، وبجوده الذي أخذ ما جاد به من غير حله ، ووضعه في غير حقه فأهله يبكونه بهذه المفاخر ، وهو يعذب بها بعينها ، وهو ظاهر الحديث لمن يتكلف في ظاهر الخبر ما ليس فيه - وبالله تعالى التوفيق - : وقد روينا عن ابن عباس : أنه أنكر على من أنكر البكاء على الميت ، وقال : الله أضحك وأبكى ؟
590 - مسألة : وإذا مات المحرم ما بين أن يحرم إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر إن كان حاجا ، أو أن يتم طوافه وسعيه ، إن كان معتمرا - : فإن الفرض أن يغسل بماء وسدر فقط - إن وجد السدر - . ولا يمس بكافور ولا بطيب ، ولا يغطى وجهه ، ولا رأسه ؟ ولا يكفن إلا في ثياب إحرامه فقط ، أو في ثوبين غير ثياب إحرامه . وإن كانت امرأة فكذلك ، إلا أن رأسها تغطى ويكشف وجهها ، ولو أسدل عليه من فوق رأسها فلا بأس من غير أن تقنع ؟ فمن مات من محرم ، أو محرمة بعد طلوع الشمس من يوم النحر فكسائر الموتى ، رمى الجمار أو لم يرمها ؟ وقال أبو حنيفة ، ومالك : هما كسائر الموتى في كل ذلك - : برهان قولنا - : ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة سمعت أبا بشر هو جعفر بن أبي وحشية - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن رجلا وقع عن راحلته فأقصعته فقال رسول الله ﷺ اغسلوه بماء وسدر ، ويكفن في ثوبين ، خارج رأسه ووجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي } ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبدة بن عبد الله البصري أنا أبو داود هو الحفري - عن سفيان هو الثوري - عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { مات رجل فقال رسول الله ﷺ غسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثيابه ، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي } . ومن طريق البخاري نا قتيبة نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { بينما رجل واقف مع رسول الله ﷺ بعرفة ، إذ وقع من راحلته فقال رسول الله ﷺ اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } . ومن طريق البخاري نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم - نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع رسول الله ﷺ وهو محرم ، فقال النبي ﷺ : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تمسوه طيبا ، ولا تخمروا رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبدا } . ومن طريق أبي داود السجستاني نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم هو ابن عيينة - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { وقصت برجل محرم ناقته فقتلته ، فأتي به رسول الله ﷺ فقال : اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبا ، فإنه يبعث يهل } . فهذا لا يسع أحدا خلافه ، لأنه كالشمس صحة ، رواه شعبة ، وسفيان ، وأبو عوانة ، ومنصور ، وحماد بن زيد . ورواه قبلهم أبو بشر ، وعمرو بن دينار ، والحكم ، وأيوب ، وأئمة المسلمين كلهم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه شهد القصة في حجة الوداع ، آخر حياة رسول الله ﷺ وصحت ألفاظ هذا الخبر كلها ، فلا يحل ترك شيء منها ، وأمر عليه السلام بذلك في محرم سئل عنه ، والمحرم يعم الرجل والمرأة ، والبعث والتلبية يجمعهما ، وبهما جاء الأثر ، والسبب المنصوص عليه في الحكم . فإن قيل : إنكم تجيزون للمحرم الحق أن يغطي وجهه ، وتمنعون ذلك الميت ؟ قلنا : نعم ، للنصوص الواردة في ذلك ، ولا يحل الاعتراض على رسول الله ﷺ فلم يأمر المحرم الحي بكشف وجهه ، وأمر بذلك في الميت ، فوقفنا عند أمره عليه السلام ، { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وما ندري من أين وقع لهم أن لا يفرق الله تعالى بين حكم المحرم الحي والمحرم الميت ؟ أم في أي سنة وجدوا ذلك أم في أي دليل عقل ؟ ثم هم أول قائلين بهذا نفسه ، فيفرقون بين حكم المحرم الحي والمحرم الميت بآرائهم الفاسدة ، وينكرون ذلك على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ . وقال بعضهم هذا : خصوص لذلك المحرم . فقلنا : هذا الكذب منكم ؛ لأن النبي ﷺ إنما أفتى بذلك في المحرم يموت إذ سئل عنه ، كما أفتى في المستحاضة ، وكما أفتى أم سلمة في أن لا تحل ضفر رأسها في غسل الجنابة وسائر ما استفتي فيه عليه السلام ؟ فأفتى فيه فكان عموما ؟ . ومن عجائب الدنيا أنهم أتوا إلى قوله عليه السلام { فإنه يبعث ملبدا } " ويلبي " " ويهل " فلم يستعملوه ، وأوقفوه على إنسان بعينه ، وأتوا إلى ما خصه عليه السلام من البر ، والشعير والتمر ، والملح ، والذهب ، والفضة - : فتعدوا بحكمها إلى ما لم يحكم عليه السلام قط بهذا الحكم فيه فإنما أولعوا بمخالفة الأوامر المنصوص عليها ؟ وقال بعضهم : قد صح عن عائشة أم المؤمنين ، وابن عمر : تحنيط المحرم إذا مات ، وتطييبه ، وتخمير رأسه ؟ قلنا : وقد صح عن عثمان ، وغيره خلاف ذلك - : كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري قال : خرج عبد الله بن الوليد معتمرا مع عثمان بن عفان ، فمات بالسقيا وهو محرم ، فلم يغيب عثمان رأسه ، ولم يمسسه طيبا ، فأخذ الناس بذلك - : ومن طريق عبد الرزاق نا أبي قال : توفي عبيد بن يزيد بالمزدلفة وهو محرم فلم يغيب المغيرة بن حكيم رأسه في النعش - : ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال في المحرم ، يغسل رأسه بالماء والسدر ، ولا يغطى رأسه ، ولا يمس طيبا ؟ وهو قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ، وغيرهم والعجب أن الزهري يقول : فأخذ الناس بذلك ، وهم يدعون الإجماع في أقل من هذا كدعواهم في الحد في الخمر : ثمانين ، وغير ذلك فإن قيل : قد خالف ابن عمر عثمان بعد ذلك ، فبطل أن يكون إجماعا ؟ قلنا : وقد خالف : عثمان ، وعلي ، والحسن ، وعبد الله بن جعفر : في حد الخمر بعد عمر ، فبطل أن يكون إجماعا ؟ وإذا تنازع السلف فالفرض علينا رد ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنة لا إلى قول أحد دونهما ؟ ومن طرائف الدنيا احتجاجهم في هذا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله ﷺ قال { خمروا وجوههم ، ولا تشبهوا باليهود } . وهذا باطل لوجوه - : أولها - أنه مرسل ، ولا حجة في مرسل ؟ والثاني - أنه ليس فيه نص ولا دليل - لو صح - على أنه في المحرم أصلا ، بل كان يكون في سائر الموتى ؟ وثالثها - أنه لا يجوز أن يقوله عليه السلام أصلا ؛ لأنه عليه السلام لا يقول إلا الحق ، واليهود لا تكشف وجوه موتاها . فصح أنه باطل ، سمعه عطاء ممن لا خير فيه أو ممن وهم والرابع - : أنه لو صح مسندا في المحرمين لما كانت فيه حجة ؛ لأن خبر ابن عباس هو الآخر بلا شك ، ومن المحال أن يقول عليه السلام في أمر أمر به أنه تشبه باليهود ، وجائز أن ينهى عن التشبه باليهود قبل أن ينزل عليه الوحي ، ثم يأمر بمثل ذلك الفعل ، لا تشبها بهم كما قال عليه السلام في قول اليهودية في عذاب القبر ، ثم أتاه الوحي بصحة عذاب القبر واحتج بعضهم في هذا بالخبر الثابت { إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم علمه ، وولد صالح يدعو له } . وهذا لا حجة لهم فيه أصلا ؛ لأنه إنما فيه أنه انقطع عمله ، وهكذا نقول ، وليس فيه أنه ينقطع عمل غيره فيه ، بل غيره مأمور فيه بأعمال مفترضة ، من غسل ، وصلاة ، ودفن ، وغير ذلك ، وهذا العمل ليس هو عمل المحرم الميت ، إنما هو عمل الأحياء - فظهر تخليطهم وتمويههم واحتج بعضهم بقول الله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وهذه إحالة منهم للكلم عن مواضعه ، ولم نقل قط : إن هذا من سعي الميت ، ولكنه من سعي الأحياء المأمور به في الميت كما أمرنا بأن لا نغسل الشهيد ولا نكفنه ، وأن ندفنه في ثيابه ، وليس هو عمل الشهيد ولا سعيه ، لكنه عملنا فيه وسعينا لأنفسنا الذي أمرنا به فيه ولا فرق ؟ والقول متحكمون بالآراء الفاسدة ولا مزيد إلا إن كانوا يحومون حول أن يعترضوا بهذا كله على قول النبي ﷺ : { فإنه يبعث ملبدا } " يلبي " " ويهل " فهذا ردة ؟ ولا فرق بين قوله عليه السلام { إن المحرم يبعث يوم القيامة يلبي ويهل وملبدا } وبين قوله عليه السلام { إن من يكلم في سبيل الله يأتي يوم القيامة يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك } . وكل هذه فضائل لا تنسخ ولا ترد ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، فهلا قالوا : المقتول في سبيل الله ، والميت محرما : كلاهما مات في سبيل الله تعالى ، وحكم أحدهما خلاف حكم الموتى ، فكذلك الآخر ؟ ولكنهم لا النصوص يتبعون ، ولا القياس يحسنون ، ولا شك في أن الشبه بين الجهاد ، والحج أقرب من الشبه بين السرقة ، والنكاح .
591 - مسألة : ونستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء - وإن كانت جنازة كافر - حتى توضع أو تخلفه ، فإن لم يقم فلا حرج لما روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد - عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي ﷺ قال : { إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه } . ورويناه أيضا من طريق أيوب ، وابن جريج ، وعبيد الله بن عمر ، وعبد الله بن عون ، كلهم عن نافع عن ابن عمر مسندا . ومن طريق الزهري عن سالم عن أبيه مسندا . ومن طريق البخاري نا مسلم هو ابن إبراهيم - نا هشام هو الدستوائي - نا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع } . ومن طريق البخاري نا معاذ بن فضالة نا هشام هو الدستوائي - عن يحيى هو ابن أبي كثير عن عبيد الله بن مقسم عن { جابر قال مر بنا جنازة ، فقام لها النبي ﷺ وقمنا به فقلنا : يا رسول الله ، إنها جنازة يهودي ؟ قال : فإذا رأيتم الجنازة فقوموا } وبه يأخذ أبو سعيد - ويراه واجبا - وابن عمر ، وسهل بن حنيف ، وقيس بن سعد ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو مسعود البدري ، والحسن بن علي ، والمسور بن مخرمة ، وقتادة ، وابن سيرين ، والنخعي ، والشعبي ، وسالم بن عبد الله ؟ ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح بن المهاجر نا الليث هو ابن سعد - عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري - عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أن نافع بن جبير بن مطعم أخبره أن مسعود بن الحكم حدثه عن علي بن أبي طالب أنه قال : { قام رسول الله ﷺ ثم قعد يعني للجنازة } فكان قعوده ﷺ بعد أمره بالقيام مبينا أنه أمر ندب ، وليس يجوز أن يكون هذا نسخا ؛ لأنه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ ، والنسخ لا يكون إلا بالنهي ، أو بترك معه نهي ؟ فإن قيل : قد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : قمت إلى جنب نافع بن جبير في جنازة ، فقال لي : حدثني مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب قال { أمرنا رسول الله ﷺ بالقيام . ثم أمرنا بالجلوس } فهلا قطعتم بالنسخ بهذا الخبر ؟ قلنا : كنا نفعل ذلك ، لولا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد نا حجاج بن محمد هو الأعور - عن ابن جريج عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري قالا جميعا : { ما رأينا رسول الله ﷺ شهد جنازة قط فجلس حتى توضع } . فهذا عمله عليه السلام المداوم ، وأبو هريرة وأبو سعيد ما فارقاه عليه السلام حتى مات ، فصح أن أمره بالجلوس إباحة وتخفيف ، وأمره بالقيام وقيامه ندب وممن كان يجلس : ابن عباس ، وأبو هريرة ، وسعيد بن المسيب .
592 - مسألة : ويجب الإسراع بالجنازة ، ونستحب أن لا يزول عنها من صلى عليها حتى تدفن ، فإن انصرف قبل الدفن فلا حرج ، ولا معنى لانتظار إذن ولي الجنازة ؟ أما وجوب الإسراع ، فلما رويناه من طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب : أخبرني يونس بن زيد عن ابن شهاب حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي هريرة سمعت رسول الله ﷺ يقول : { أسرعوا بالجنازة ، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير ، وإن كانت غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم } . وهو عمل الصحابة ، كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر عن إسماعيل ابن علية وهشيم كلاهما عن عيينة بن عبد الرحمن عن { أبي بكرة قال : لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا } . ومن طريق مسلم نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ أن رسول الله ﷺ قال : { من صلى على جنازة فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان - القيراط مثل أحد } . ورويناه أيضا من طريق ابن مغفل وأبي هريرة مسندا صحيحا ؟ قال أبو محمد : الإسراع بها أمر ، وهذا الآخر ندب ، وفي إباحته عليه السلام لمن صلى على الجنازة أن لا يشهد دفنها وجعل له مع ذلك قيراط أجر مثل جبل أحد - : بيان جلي بأنه لا معنى لإذن صاحب الجنازة - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي أن ابن مسعود قال : إذا صليت على الجنازة فقد قضيت الذي عليك ، فخلها وأهلها ، وكان ينصرف ولا يستأذنهم ؟ وبه إلى معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن زيد بن ثابت : أنه كان ينصرف ولا ينتظر إذنهم ، يعني في الجنازة وبه يأخذ معمر . قال معمر : وهو قول الحسن ، وقتادة . وصح عن القاسم ، وسالم ، وروي عن عمر بن عبد العزيز
593 - مسألة : ويقف الإمام - إذا صلى على الجنازة - قبالة رأسه ومن المرأة قبالة وسطها - : قال مالك ، وأبو حنيفة يقف من الرجل قبالة وسطه ، ومن المرأة عند منكبها . وروي عن أبي حنيفة أيضا : يقف قبالة الصدر من كليهما ؟ برهان صحة قولنا ما رويناه من طريق أبي داود : نا داود بن معاذ نا عبد الوارث عن أبي غالب نافع قال { شهدت جنازة عبد الله بن عمير ، فصلى عليها أنس بن مالك وأنا خلفه ، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات ، ثم قالوا : يا أبا حمزة ، المرأة الأنصارية فقربوها وعليها نعش أخضر ، فقام عليها عند عجيزتها ، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل فقال له العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله ﷺ يصلي على الجنازة كصلاتك ، يكبر عليها أربعا ، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم } ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن نافع أبي غالب فذكر حديث أنس هذا ، وفي آخره : فأقبل العلاء بن زياد على الناس فقال : احفظوا ؟ قال أبو محمد : هذا مكان خالف فيه الحنفيون ، والمالكيون أصولهم ؛ لأنهم يشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف ، وهذا صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وقد خالفوه ؟ وقولنا هذا هو قول الشافعي ، وأحمد ، وأبي سليمان ، وإليه رجع أبو يوسف ؟ ولا نعلم لمن قال : يقف في كليهما عند الوسط - : حجة ، إلا أنهم قالوا : قسنا ذلك على وقوف الإمام مقابل وسط الصف خلفه ، وهذا أسخف قياس في العالم ؛ لأن الميت ليس مأموما للإمام فيقف وسطه وحجة من قال : يقف عند الصدر أنهم قالوا : كان ذلك قبل اتخاذ النعوش ، فيستر المرأة من الناس وهذا باطل ، ودعوى كاذبة بلا برهان ، وهذا عظيم جدا نعوذ بالله منه . ثم مع كذبه بارد باطل ، لأنه وإن ستر عجيزتها عن الناس لم يسترها عن نفسه ، وهو والناس سواء في ذلك ؟