→ كتاب الجنائز (مسألة 607 - 615) | ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 616 - 623) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الأعتكاف ← |
كتاب الجنائز
616 - مسألة : وتوجيه الميت إلى القبلة حسن ، فإن لم يوجه فلا حرج . قال الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } . ولم يأت نص بتوجيهه إلى القبلة - : روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر قال : سألت الشعبي ، عن الميت يوجه إلى القبلة ؟ فقال : إن شئت فوجهه ، وإن شئت فلا توجهه ، ولكن اجعل القبر إلى القبلة ، قبر رسول الله ﷺ وقبر أبي بكر ، وقبر عمر إلى القبلة ؟ - : ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، وابن جريج عن إسماعيل بن أمية : أن رجلا دخل على سعيد بن المسيب ، قال ابن جريج : حين حضره الموت وهو مستلق - فقال : وجهوه إلى القبلة ، فغضب سعيد وقال : ألست إلى القبلة ؟
617 - /218 مسألة /218 : وجائز أن تغسل المرأة زوجها ، وأم الولد سيدها ، وإن انقضت العدة بالولادة ، ما لم تنكحا ، فإن نكحتا لم يحل لهما غسله إلا كالأجنبيات وجائز للرجل أن يغسل امرأته ، وأم ولده ، وأمته ، ما لم يتزوج حريمتها ، أو يستحل حريمتها بالملك ، فإن فعل لم يحل له غسلها ؟ وليس للأمة أن تغسل سيدها أصلا ، لأن ملكها بموته انتقل إلى غيره . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } : فسماها زوجة بعد موتها وهي - إن كانا مسلمين - امرأته في الجنة ، وكذلك أم ولده ، وأمته ، وكان حلالا له رؤية أبدانهن في الحياة وتقبيلهن ومسهن ، فكل ذلك باق على التحليل فمن ادعى تحريم ذلك بالموت فقول باطل إلا بنص ، ولا سبيل له إليه وأما إذا تزوج حريمتها ، أو تملكها ، أو تزوجت هي - : فحرام عليه الاطلاع على بدنيهما معا ، لأنه جمع بينهما . وكذلك حرام على المرأة التلذذ برؤية بدن رجلين معا ؟ وقولنا هو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال أبو حنيفة : تغسل المرأة زوجها ؛ لأنها في عدة منه ، ولا يغسلها هو روينا من طريق ابن أبي شيبة عن معمر بن سليمان الرقي عن حجاج عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : الرجل أحق بغسل امرأته ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الرحمن بن الأسود قال : إني لأغسل نسائي ، وأحول بينهن وبين أمهاتهن وبناتهن وأخواتهن ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري سمعت حماد بن أبي سليمان يقول : إذا ماتت المرأة مع القوم فالمرأة تغسل زوجها ، والرجل امرأته ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء هو جابر بن زيد قال : الرجل أحق أن يغسل امرأته من أخيها ؟ ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم عن عطاء بن أبي رباح قال : يغسلها زوجها إذا لم يجد من يغسلها ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال : يغسل كل صاحبه - يعني الزوج ، والزوجة - بعد الموت ؟ ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن قال : لا بأس أن يغسل الرجل أم ولده ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة : نا أبو أسامة عن عوف هو ابن أبي جميلة - : أنه شهد قسامة بن زهير وأشياخا أدركوا عمر بن الخطاب وقد أتاهم رجل فأخبرهم أن امرأته ماتت فأمرته أن لا يغسلها غيره ؟ فغسلها ، فما منهم أحد أنكر ذلك ؟ وروينا أيضا من طريق سليمان بن موسى أنه قال : يغسل الرجل امرأته وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : إذا ماتت المرأة مع رجال ليس فيهم امرأة فإن زوجها يغسلها ؟ والحنفيون يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له منهم مخالف ، وهذه رواية عن ابن عباس لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وقد خالفوه وقد روي أيضا عن علي : أنه غسل فاطمة مع أسماء بنت عميس ؟ فاعترضوا على ذلك برواية لا تصح : أنها رضي الله عنها اغتسلت قبل موتها وأوصت ألا تحرك ، فدفنت بذلك الغسل . وهذا عليهم لا لهم ؛ لأنهم قد خالفوا في هذا أيضا عليا ، وفاطمة ، بحضرة الصحابة ؟ فإن ذكروا ما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ليث عن يزيد بن أبي سليمان عن مسروق قال : ماتت امرأة لعمر ، فقال : أنا كنت أولى بها إذ كانت حية ، فأما الآن فأنتم أولى بها ؟ فلا حجة لهم فيه ، لأنه إنما خاطب بذلك ، أولياءها في إدخالها القبر والصلاة عليها ، ولا خلاف في أن الأولياء لا يجوز لهم غسلها ، ودليل ذلك أنه بلفظ خطاب المذكر ، ولو خاطب النساء لقال : أنتن أولى بها ، وعمر لا يلحن ؟
618 - /218 مسألة /218 : فلو مات رجل بين نساء لا رجل معهن ، أو ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم - : غسل النساء الرجل وغسل الرجال المرأة على ثوب كثيف ، يصب الماء على جميع الجسد دون مباشرة اليد ، لأن الغسل فرض كما قدمنا ، وهو ممكن كما ذكرنا بلا مباشرة ، فلا يحل تركه ، ولا كراهة في صب الماء أصلا - وبالله تعالى التوفيق . ولا يجوز أن يعوض التيمم من الغسل إلا عند عدم الماء فقط - وبالله تعالى التوفيق . وروينا أثرا فيه أبو بكر بن عياش عن مكحول { أن رسول الله ﷺ قال : ييممان } وهذا مرسل ، وأبو بكر بن عياش ضعيف ، فهو ساقط وممن قال بقولنا هذا طائفة من العلماء - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، وقتادة قالا جميعا : تغسل وعليها الثياب ، يعنيان في المرأة تموت بين رجال لا امرأة معهم ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد ، وزياد الأعلم ، والحجاج : قال حميد ، وزياد : عن الحسن ، وقال الحجاج عن الحكم بن عتيبة ، قالا جميعا - في المرأة تموت مع رجال ليس معهم امرأة - : أنها يصب عليها الماء من وراء الثياب والعجب أن القائلين أنها تيمم : فروا من المباشرة خلف ثوب وأباحوها على البشرة وهذا جهل شديد - وبالله تعالى التوفيق .
619 - /218 مسألة /218 : ولا ترفع اليدان في الصلاة على الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ؛ لأنه لم يأت برفع الأيدي فيما عدا ذلك نص ؟ وروي مثل قولنا هذا عن ابن مسعود ، وابن عباس وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان ؟ وصح عن ابن عمر رفع الأيدي لكل تكبيرة ، ولقد كان يلزم من قال بالقياس أن يرفعها في كل تكبيرة قياسا على التكبيرة الأولى .
620 - /218 مسألة /218 : وإن كانت أظفار الميت وافرة ، أو شاربه وافيا ، أو عانته : أخذ كل ذلك ؛ لأن النص قد ورد وصح بأن كل ذلك من الفطرة ، فلا يجوز أن يجهز إلى ربه تعالى إلا على الفطرة التي مات عليها وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة : أن سعد بن أبي وقاص حلق عانة ميت وهم يعظمون مخالفة الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا صاحب لا يعرف له منهم مخالف ؟ وعن عبد الرزاق عن معمر عن الحسن : في شعر عانة الميت إن كان وافرا ، قال : يؤخذ منه واحتج بعضهم بأن قال : فإن كان أقلف أيختن ؟ قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ والختان من الفطرة فإن قيل : فأنتم لا ترون أن يطهر للجنابة إن مات مجنبا ، ولا للحيض إن ماتت حائضا ، ولا ليوم الجمعة إن مات يوم الجمعة ، فما الفرق ؟ قلنا : الفرق أن هذه الأغسال مأمور بها كل أحد في نفسه ، ولا تلزم من لا يخاطب : كالمجنون ، والمغمى عليه ، والصغير . وقد سقط الخطاب عن الميت وأما قص الشارب ، وحلق العانة ، والإبط ، والختان : فالنص جاءنا بأنها من الفطرة ، ولم يؤمر بها المرء في نفسه ، بل الكل مأمورون بها ، فيعمل ذلك كله بالمجنون ، والمغمى عليه ، والصغير ؟
621 - /218 مسألة /218 : ويدخل الميت القبر كيف أمكن ، إما من القبلة ، أو من دبر القبلة ، أو من قبل رأسه أو من قبل رجليه ، إذ لا نص في شيء من ذلك . وقد صح عن علي أنه أدخل يزيد بن المكفف من قبل القبلة . وعن ابن الحنفية : أنه أدخل ابن عباس من قبل القبلة . وصح عن عبد الله بن زيد الأنصاري صاحب رسول الله ﷺ أنه أدخل الحارث الخارفي من قبل رجلي القبر . وروى قوم مرسلات لا تصح في إدخال النبي ﷺ - : فعن إبراهيم النخعي : { أنه عليه السلام أدخل من قبل القبلة } . وعن ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وأبي الزناد ، وموسى بن عقبة : { أنه عليه السلام أدخل من قبل الرجلين } . وكل هذا لو صح لم تقم به حجة في الوجوب ، فكيف وهو لا يصح ؟ لأنه ليس فيه منع مما سواه .
622 - /218 مسألة /218 : ولا يجوز التزاحم على النعش ، لأنه بدعة لم تكن قبل ، وقد { أمر رسول الله ﷺ بالرفق } . روينا من طريق مسلم : نا محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري نا منصور بن المعتمر عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله عن النبي ﷺ قال : { من يحرم الرفق يحرم الخير } . ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن : أنه كره الزحام على السرير ، وكان إذا رآهم يزدحمون قال : أولئك الشياطين . ومن طريق وكيع عن همام عن قتادة : أنه قال : شهدت جنازة فيها أبو السوار هو حريث بن حسان العدوي فازدحموا على السرير ، فقال أبو السوار : أترون هؤلاء أفضل أو أصحاب محمد ﷺ ؟ كان الرجل منهم إذا رأى محملا حمل ، وإلا اعتزل ولم يؤذ أحدا .
623 - /218 مسألة /218 : ومن فاته بعض التكبيرات على الجنازة كبر ساعة يأتي ، ولا ينتظر تكبير الإمام ، فإذا سلم الإمام أتم هو ما بقي من التكبير ، يدعو بين تكبيرة وتكبيرة كما كان يفعل مع الإمام ، لقول رسول الله ﷺ فيمن أتى إلى الصلاة أن يصلي ما أدرك ويتم ما فاته ، وهذه صلاة ، وما عدا هذا فقول فاسد لا دليل على صحته ، لا من نص ولا قياس ولا قول صاحب - وبالله تعالى التوفيق .