الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الخامسة


كتاب الجنائز

594 - مسألة : ولا يحل سب الأموات على القصد بالأذى ، وأما تحذير من كفر أو بدعة أو من عمل فاسد : فمباح ، ولعن الكفار : مباح ؟ لما روينا من طريق البخاري : نا آدم نا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة أم المؤمنين قالت : قال النبي ﷺ : { لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا } . وقد سب الله تعالى : أبا لهب ، وفرعون ، تحذيرا من كفرهما وقال تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل } وقال تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين } وأخبر عليه السلام { أن الشملة التي غلها مدعم تشتعل عليه نارا } ، وذلك بعد موته

595 - مسألة : ويجب تلقين الميت الذي يموت في ذهنه ولسانه منطلق - أو غير منطلق - شهادة الإسلام ، وهي " لا إله إلا الله محمد رسول الله " . لما روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد نا أبو خالد الأحمر عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لقنوا موتاكم لا إله إلا الله } . وصح هذا أيضا عن أم المؤمنين ، وروي عن عمر بن الخطاب ؟ وعن إبراهيم عن علقمة قال : لقنوني لا إله إلا الله وأسرعوا بي إلى حفرتي وأما من ليس في ذهنه فلا يمكن تلقينه ، لأنه لا يتلقن ؟ وأما من منع الكلام فيقولها في نفسه ، نسأل الله خير ذلك المقام

596 - مسألة : ويستحب تغميض عيني الميت إذا قضى ؟ لما روينا من طريق مسلم : حدثني زهير بن حرب نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحاق الفزاري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة أم المؤمنين قالت { دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه } . وروينا عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بتغميض أعين الموتى

597 - /218 مسألة /218 : ويستحب أن يقول المصاب " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها " . لما روينا من طريق مسلم : نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة عن سعد بن سعيد أخبرني عمر بن كثير بن أفلح سمعت ابن سفينة يحدث أنه سمع أم سلمة تقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها } .

598 - /218 مسألة /218 : ونستحب الصلاة على المولود يولد حيا ثم يموت - استهل أو لم يستهل - وليس الصلاة عليه فرضا ما لم يبلغ ؟ أما الصلاة عليه فإنها فعل خير لم يأت عنه نهي أما ترك الصلاة عليه فلما روينا من طريق أبي داود : نا محمد بن يحيى بن فارس نا يعقوب بن سعد حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت { مات إبراهيم بن رسول الله ﷺ وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، فلم يصل عليه رسول الله ﷺ } . هذا خبر صحيح ولكن إنما فيه ترك الصلاة ، وليس فيه نهي عنها ، وقد جاء أثران مرسلان بأنه عليه السلام صلى عليه ، والمرسل لا حجة فيه ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود أنا خالد بن الحارث نا سعيد بن عبيد الله الثقفي سمعت زياد بن جبير بن حية يحدث عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أنه ذكر أن رسول الله ﷺ قال { الراكب خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، والطفل يصلى عليه } . وبهذا يأخذ جمهور الصحابة روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق قال : أحق من صلينا عليه أطفالنا - : ومن طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أنه صلى على منفوس إن عمل خطيئة قط قال : اللهم أعذه من عذاب القبر ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال - إذا استهل الصبي صلي عليه وورث ؟ ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه قال : إذا تم خلقه فصاح : صلي عليه وورث ومن طريق شعبة : نا عمرو بن مرة قال : قال لي عبد الرحمن بن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يصلون على الصبي إذا مات ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرزاق قال يحيى : نا عبيد الله هو ابن عمر - وقال عبد الرزاق : نا معمر عن أيوب ، ثم اتفق عبيد الله ، وأيوب كلاهما عن نافع قال : صلى عبد الله بن عمر على سقط له لا أدري استهل أم لا ؟ هذا لفظ أيوب ، وقال عبيد الله : " مولود " مكان " سقط " . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال : السقط يصلى عليه ويدعى لأبويه بالعافية والرحمة ؟ ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين : أنه كان يعجبه إذا تم خلقه أن يصلى عليه - : ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني { عن ابن سيرين أنه كان يدعو على الصغير كما يدعو على الكبير ، فقيل له : هذا ليس له ذنب ؟ فقال : والنبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمرنا أن نصلي عليه ؟ } ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وأيوب ، قال قتادة : عن سعيد بن المسيب وقال أيوب : عن محمد بن سيرين قالا جميعا : إذا تم خلقه ونفخ فيه الروح : صلي عليه وإن لم يستهل وروينا عن قتادة عن سعيد بن المسيب في السقط لأربعة أشهر يصلى عليه ؟ قال قتادة : ويسمى ، فإنه يبعث أو يدعى يوم القيامة باسمه . ومن طريق البخاري نا أبو اليمان أنا شعيب هو ابن أبي حمزة - قال ابن شهاب : يصلى على كل مولود متوفى ، وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام - ثم ذكر حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة } . وقال الحسن ، وإبراهيم : يصلى عليه إذا استهل قال أبو محمد : لا معنى للاستهلال ، لأنه لم يوجبه نص ولا إجماع وقال حماد : إذا مات الصبي من السبي ليس بين أبويه صلي عليه ؟ وروي عن الزبير بن العوام : أنه مات له ابن قد لعب مع الصبيان واشتد ولم يبلغ الحلم ، اسمه عمر فلم يصل عليه ومن طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال : لا يصلى على الصبي ؟ ورويناه أيضا عن سويد بن غفلة

599 - /218 مسألة /218 : ولا نكره اتباع النساء الجنازة ، ولا نمنعهن من ذلك ؟ جاءت في النهي عن ذلك آثار ليس منها شيء يصح ، لأنها : إما مرسلة ، وإما عن مجهول ، وإما عمن لا يحتج به وأشبه ما فيه ما رويناه من طريق مسلم : نا إسحاق بن راهويه نا عيسى بن يونس عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت { نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا } . وهذا غير مسند ؛ لأننا لا ندري من هذا الناهي ؟ ولعله بعض الصحابة ثم لو صح مسندا لم يكن فيه حجة ، بل كان يكون كراهة فقط . بل قد صح خلافه كما روينا من طريق ابن أبي شيبة : نا وكيع عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ كان في جنازة فرأى عمر امرأة ، فصاح بها فقال له رسول الله ﷺ دعها يا عمر فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب } . وقد صح عن ابن عباس : أنه لم يكره ذلك ؟

600 - /218 مسألة /218 : ونستحب زيارة القبور ، وهو فرض ولو مرة ولا بأس بأن يزور المسلم قبر حميمه المشرك ، والرجال والنساء سواء ؟ لما روينا من طريق مسلم : نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن أبي سنان هو ضرار بن مرة ، عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ : { نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها } . ومن طريق مسلم : نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال { زار النبي ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت } وقد صح عن أم المؤمنين ، وابن عمر ، وغيرهما : زيارة القبور ؟ وروي عن عمر النهي من ذلك ، ولم يصح

601 - /218 مسألة /218 : ونستحب لمن حضر على القبور أن يقول ما رويناه من طريق مسلم : نا زهير بن حرب نا محمد بن عبد الله الأسدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : { كان رسول الله ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية } .

602 - /218 مسألة /218 : ونستحب أن يصلي على الميت مائة من المسلمين فصاعدا ؟ لما روينا من طريق مسلم : نا الحسن بن عيسى نا ابن المبارك أنا سلام بن أبي مطيع عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة أم المؤمنين عن عائشة أم المؤمنين عن النبي ﷺ قال { ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له : إلا شفعوا فيه } . قال : فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال : حدثني به أنس بن مالك عن النبي ﷺ . قال أبو محمد : الخبر الذي فيه { يصلي عليه أربعون } رواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وهو ضعيف ؟ قال أبو محمد : الشفيع يكون بعد العقاب ، إلا أنه مخفف ما قد قضى الله تعالى أنه لولا الشفاعة لم يخفف ، وشفاعة رسول الله ﷺ التي هي أكبر الشفاعات تكون قبل دخول النار وبعد دخول النار كما جاءت - الآثار ، نعوذ بالله من النار

603 - /218 مسألة /218 : وإدخال الموتى في المساجد والصلاة عليهم حسن كله ، وأفضل مكان صلي فيه على الموتى في داخل المساجد . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، ولم ير ذلك مالك ؟ برهان صحة قولنا - : ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج : نا محمد بن حاتم نا بهز هو ابن أسد - نا وهيب هو ابن خالد - نا موسى بن عقبة عن عبد الواحد هو ابن حمزة - عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنه { لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي ﷺ أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ، ففعلوا ، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ثم أخرج به من باب الجنائز الذي كان على المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك ، وقالوا : ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد ؟ فقالت عائشة : ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به ؟ عابوا علينا أن يمر بالجنازة في المسجد ، وما صلى رسول الله ﷺ على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد } ؟ ومن طريق مسلم : نا محمد بن رافع نا ابن أبي فديك أنا الضحاك بن عثمان عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنا عائشة أم المؤمنين قالت : { والله لقد صلى رسول الله ﷺ على ابني بيضاء - سهيل ، وأخيه - في المسجد } . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر ، وسفيان الثوري ، كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه رأى الناس يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة ، فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ ما صلي على أبي بكر الصديق إلا في المسجد ومن طريق ابن أبي شيبة : نا الفضل بن دكين عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر : أن عمر صلي عليه في المسجد فهذه أسانيد في غاية الصحة ، وفعل رسول الله ﷺ وأزواجه وأصحابه ، لا يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا أصلا ؟ قال علي : وقد شهد الصلاة عليها خيار الأمة ، فلم ينكروا ذلك ، فأين المشنع بعمل أهل المدينة - ؟ : واحتج من قلد مالكا في ذلك بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة : نا حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب عن مولى التوأمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { : من صلى على جنازة في المسجد فلا صلاة له } . قال : وكان أصحاب رسول الله ﷺ إذا تضايق بهم المكان رجعوا ولم يصلوا ؟ ومن طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أيمن عن كثير بن عباس قال : لأعرفن ما صليت على جنازة في المسجد ؟ وقال بعضهم : الميت جيفة ، وينبغي تجنيب الجيف المساجد ؟ ما نعلم له شيئا موهوا به غير هذا ، وهو كله لا شيء أما الخبر عن النبي ﷺ وأصحابه فلم يروه أحد إلا صالح مولى التوأمة ، وهو ساقط ؟ ومن عجائب الدنيا تقليد المالكيين مالكا دينهم ، فإذا جاءت شهادته التي لا يحل ردها - لثقته - اطرحوها ولم يلتفتوا إليها فواخلافاه رويناه من طريق مسلم بن الحجاج قال : نا أبو جعفر الدارمي هو أحمد بن سعيد بن صخر - نا بشر بن عمر هو الزهراني قال : سألت مالك بن أنس عن صالح مولى التوأمة ؟ فقال : ليس بثقة . فكذبوا مالكا في تجريحه صالحا واحتجوا برواية صالح في رد السنن الثابتة وإجماع الصحابة ؟ وأما المنكرون إدخال سعد في المسجد فليس في الخبر إلا تجهيلهم ، وأنهم أنكروا ما لا علم لهم به ، فصح أنهم عامة جهال أو أعراب كذلك بلا شك ولا يصح لكثير بن عباس صحبة ؟ وأما قول من قال : الميت جيفة ، فقوله مرغوب عنه ، بل لعله إن تمادى عليه ولم يتناقض خرج إلى الكفر ، لأنه يلزمه ذلك في الأنبياء عليهم السلام . وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال { : المؤمن لا ينجس } فبطل قول هذا الجاهل . وصح أن المؤمن : طاهر طيب حيا وميتا - والحمد لله رب العالمين .

604 - /218 مسألة /218 - ولا بأس بأن يبسط في القبر تحت الميت ثوب ؟ لما روينا من طريق مسلم : نا محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا أبو جمرة عن ابن عباس قال { : بسط في قبر رسول الله ﷺ قطيفة حمراء } . ورواه أيضا كذلك وكيع ، ومحمد بن جعفر ، ويزيد بن زريع ، كلهم عن شعبة بإسناده ؟ وهذا من جملة ما يكساه الميت في كفنه ، وقد ترك الله تعالى هذا العمل في دفن رسوله المعصوم من الناس . ولم يمنع منه ، وفعله خيرة أهل الأرض في ذلك الوقت بإجماع منهم ، لم ينكره أحد منهم . ولم يرد ذلك المالكيون ، وهم يدعون في أقل من هذا عمل أهل المدينة وقد تركوا عملهم هنا ، وفي الصلاة على الميت في المسجد ، وفي حديث صخر : أنه عملهم وحسبنا الله ونعم الوكيل

605 - /218 مسألة /218 : وحكم تشييع الجنازة أن يكون الركبان خلفها ، وأن يكون الماشي حيث شاء ، عن يمينها أو شمالها أو أمامها أو خلفها ، وأحب ذلك إلينا خلفها ؟ برهان ذلك - : ما روينا آنفا في باب الصلاة على الطفل من قول رسول الله ﷺ : { الراكب خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها } . وما رويناه من طريق البخاري : نا أبو الوليد هو الطيالسي - نا شعبة عن الأشعث بن أبي الشعثاء قال : سمعت معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال : { أمرنا رسول الله ﷺ باتباع الجنائز } . قال أبو محمد : فلفظ الاتباع لا يقع إلا على التالي ، ولا يسمى المتقدم تابعا ، بل هو متبوع ، فلولا الخبر الذي ذكرنا آنفا ، والخبر الذي روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا أبي نا همام هو ابن يحيى - نا سفيان ومنصور وزياد كلهم ذكر أنه سمع الزهري يحدث أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه أخبره { أنه رأى النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان يمشون بين يدي الجنازة } : لوجب أن يكون المشي خلفها فرضا لا يجزي غيره ، للأمر الوارد باتباعها ، ولكن هذان الخبران بينا أن المشي خلفها ندب . ولا يجوز أن يقطع في شيء من هذا بنسخ ، لأن استعمال كل ذلك ممكن . ولم يخف علينا قول جمهور أصحاب الحديث : أن خبر همام هذا خطأ ، ولكنا لا نلتفت إلى دعوى الخطأ في رواية الثقة إلا ببيان لا يشك فيه ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ يمشون أمام الجنازة ؟ وقد جاءت آثار فيها إيجاب المشي خلفها ، لا يصح شيء منها ؛ لأن فيها أبا ماجد الحنفي ، والمطرح وعبيد الله بن زحر وكلهم ضعفاء . وفي الصحيح الذي أوردنا كفاية ، وبكل ذلك قال السلف . روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عروة بن الحارث عن زائدة بن أوس الكندي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب في جنازة ، وعلي آخذ بيدي ، ونحن خلفها ، وأبو بكر وعمر أمامها ، فقال علي : إن فضل الماشي خلفها على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ، وإنهما ليعلمان من ذلك ما أعلم ، ولكنهما يسهلان على الناس وبهذا يقول سفيان ، وأبو حنيفة . ومن طريق عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي عن حميد الطويل قال : سمعت أنس بن مالك وقد سئل عن المشي أمام الجنازة فقال : إنما أنت مشيع ، فامش إن شئت أمامها ، وإن شئت خلفها ، وإن شئت عن يمينها وإن شئت عن يسارها ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : المشي وراء الجنازة خير أم أمامها ؟ قال : لا أدري . قال أبو محمد : قال مالك : المشي أمام أفضل ، واحتج أصحابه بفعل أبي بكر ، وعمر - : وعلي ، قد أخبر عنهما بغير ذلك ، فجعلوا ظن مالك أصدق من خبر علي

606 - /218 مسألة /218 : ومن بلع درهما أو دينارا أو لؤلؤة : شق بطنه عنها ، لصحة نهي رسول الله ﷺ عن إضاعة المال . ولا يجوز أن يجبر صاحب المال على أخذ غير عين ماله ، ما دام عين ماله ممكنا ، لأن كل ذي حق أولى بحقه ، وقد قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فلو بلعه وهو حي حبس حتى يرميه ، فإن رماه ناقصا ضمن ما نقص ، فإن لم يرمه : ضمن ما بلع ؟ ولا يجوز شق بطن الحي ، لأن فيه قتله ، ولا ضرر في ذلك على الميت - ولا يحل شق بطن الميت بلا معنى ؛ لأنه تعد ، وقد قال تعالى : { ولا تعتدوا } . فإن قيل : قد صح عن رسول الله ﷺ { كسر عظم الميت ككسره حيا } . قلنا : نعم ، ولم نكسر له عظما ، والقياس باطل ، ومن المحال أن يريد رسول الله ﷺ النهي عن غير كسر العظم فلا يذكر ذلك ويذكر كسر العظم ، ولو أن امرأ شهد على من شق بطن آخر بأنه كسر عظمه لكان شاهد زور ، وهم أول مخالف لهذا الاحتجاج ، ولهذا القياس ، فلا يرون القود ، ولا الأرش : على كاسر عظم الميت ؟ بخلاف قولهم في عظم الحي وبالله تعالى التوفيق .