→ كتاب الجنائز | ابن حزم - المحلى كتاب الجنائز (مسألة 558 - 572) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الجنائز (مسألة 573 - 577) ← |
كتاب الجنائز
558 - مسألة : غسل المسلم الذكر والأنثى وتكفينهما : فرض ، ولا يجوز أن يكون الكفن إلا حسنا على قدر الطاقة ، وكذلك الصلاة عليه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس - ثنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين { عن أم عطية الأنصارية قالت : دخل علينا رسول الله ﷺ حين توفيت ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك } وذكر الحديث . فأمر عليه السلام بغسلها ، وأمره فرض ، ما لم يخرجه عن الفرض نص آخر . ولا خلاف في أن حكم الرجل والمرأة في ذلك سواء ، وإيجاب الغسل : هو قول الشافعي ، وداود - : والعجب ممن لا يرى غسل الميت فرضا وهو عمل رسول الله ﷺ وأمره ، وعمل أهل الإسلام مذ أوله إلى الآن حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن عبد الله ثنا حجاج بن محمد الأعور قال : قال ابن جريج أنا أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث : { أن النبي ﷺ خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ، فقال : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه } . وروينا عن ابن مسعود : أنه أوصى أن يكفن في حلة بمائتي درهم ، وعن ابن سيرين : كان يقال : من ولي أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يتزاورون في أكفانهم . وعن حذيفة : لا تغالوا في الكفن ، اشتروا لي ثوبين نقيين . قال أبو محمد : هذا تحسين للكفن : وإنما كره المغالاة فقط ، وعن أبي سعيد الخدري : أنه قال لأنس ، وابن عمر ولغيرهما من أصحاب النبي ﷺ احملوني على قطيفة قيصرانية ، وأجمروا علي أوقية مجمر وكفنوني في ثيابي التي أصلي فيها ، وفي قبطية في البيت معها ؟ والذي روي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في أن يغسل الثوب الذي عليه ويكفن فيه وفي ثوبين آخرين - : تحسين للكفن ، وحتى لو كان خلاف لوجب الرد إلى رسول الله ﷺ .
559 - مسألة : ومن لم يغسل ولا كفن حتى دفن : وجب إخراجه حتى يغسل ويكفن ولا بد - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان هو ابن عيينة - قال عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله قال : { أتى رسول الله ﷺ عبد الله بن أبي بعدما أدخل في حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبته ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصا } . قال أبو محمد : أمر النبي ﷺ بالغسل والكفن ليس محدودا بوقت ، فهو فرض أبدا ، وإن تقطع الميت ، ولا فرق بين تقطعه بالبلى وبين تقطعه بالجراح ، والجدري ، لا يمنع شيء من ذلك من غسله وتكفينه ؟
560 - مسألة : ولا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة ولا عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، ولا حين استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال ، ولا حين ابتداء أخذها في الغروب ، ويتصل ذلك بالليل إلى طلوع الفجر الثاني ، والصلاة جائزة عليه في هذه الأوقات كلها - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { خطب رسول الله ﷺ فزجر أن يقبر إنسان ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك } ؟ . قال أبو محمد : كل من دفن ليلا منه عليه السلام ، ومن أزواجه ، ومن أصحابه رضي الله عنهم : فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك ، من خوف زحام ، أو خوف الحر على من حضر ، وحر المدينة شديد ، أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا ، لا يحل لأحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك ؟ - : روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه كره الدفن ليلا ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه سمعت عقبة بن عامر يقول : { ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهى أن نصلي فيها أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب } . قال أبو محمد : قد بينا قبل أن الصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات إنما هي التطوع المتعمد ابتداؤه قصدا إليه . وكذلك كل صلاة فرض مقضية تعمد تركها إلى ذلك الوقت وهو يذكرها فقط ، لا كل صلاة مأمور بها أو مندوب إليها - وبالله تعالى التوفيق .
561 - مسألة : والصلاة على موتى المسلمين : فرض - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان أنا أبو داود هو الطيالسي - ثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب سمعت عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أن رسول الله ﷺ أتي برجل من الأنصار ليصلي عليه ، فقال ﷺ : صلوا على صاحبكم ، فإن عليه دينا } وذكر الحديث ؟ فهذا أمر بالصلاة عليه عموما . وروي مثل ذلك أيضا في الغال ؟
562 - مسألة : حاشا المقتول بأيدي المشركين خاصة في سبيل الله عز وجل في المعركة خاصة ، فإنه لا يغسل ولا يكفن ، لكن يدفن بدمه وثيابه ، إلا أنه ينزع عنه السلاح فقط ، وإن صلي عليه : فحسن ، وإن لم يصل عليه : فحسن ، فإن حمل عن المعركة وهو حي فمات : غسل وكفن وصلي عليه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث هو ابن سعد - حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله : أنه ذكر قتلى أحد وقال : { إن رسول الله ﷺ أمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم } . وبه أيضا إلى الليث بن سعد : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني { أن رسول الله ﷺ خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم أنصرف إلى المنبر } وذكر الحديث - : قال أبو محمد : فخرج هؤلاء عن أمر النبي ﷺ بالكفن ، والغسل ، والصلاة - وبقي سائر من قتله مسلم ، أو باغ ، أو محارب ، أو رفع عن المعركة حيا - على حكم سائر الموتى ، وذهب أبو حنيفة إلى أن يصلى عليهم - : قال أبو محمد : ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر ، بل كلاهما حق مباح ، وليس هذا مكان نسخ ؛ لأن استعمالهما معا ممكن في أحوال مختلفة . وقد صح عن النبي ﷺ { أن المبطون ، والمطعون ، والغريق ، والحريق ، وصاحب ذات الجنب ، وصاحب الهدم ، والمرأة تموت بجمع - : شهداء كلهم } . ولا خلاف في أنه عليه السلام كفن في حياته ، وغسل من مات فيهم من هؤلاء - وبالله تعالى التوفيق . وقد كان عمر ، وعثمان ، وعلي - رضي الله عنهم : شهداء ، فغسلوا ، وكفنوا وصلي عليهم ؟ ولا يصح في ترك المجلود أثر ؛ لأن راويه علي بن عاصم ، وليس بشيء ؟
563 - مسألة : وإعماق حفير القبر : فرض ، ودفن المسلم : فرض وجائز دفن الاثنين ، والثلاثة في قبر واحد ، ويقدم أكثرهم قرآنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال : سمعت حميدا هو ابن هلال - عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال { لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين ، فأصاب الناس جراحات ، فقال رسول الله ﷺ احفروا وأوسعوا ، وادفنوا الاثنين ، والثلاثة في القبر ، وقدموا أكثرهم قرآنا } وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا محمد بن بشار ثنا إسحاق بن يوسف ثنا سفيان هو الثوري - عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال { شكونا إلى رسول الله ﷺ يوم أحد ، فقلنا : يا رسول الله ، الحفر علينا لكل إنسان : شديد ؟ فقال رسول الله ﷺ احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا } فلم يعذرهم عليه السلام في الإعماق في الحفر - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث هو ابن سعد - حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال : { كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد }
564 - مسألة : ودفن الكافر الحربي وغيره : فرض - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك : { أن رسول الله ﷺ أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث } . وقد صح نهيه عليه السلام عن المثلة . وترك الإنسان لا يدفن : مثلة . وصح أن { رسول الله ﷺ أمر إذ قتل بني قريظة بأن تحفر خنادق ويلقوا فيها } - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن سعيد ثنا يحيى هو ابن القطان - عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب قال { قلت للنبي ﷺ : إن عمك الضال قد مات فمن يواريه ؟ قال : اذهب فوار أباك } وذكر باقي الحديث - ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي سنان عبد الله بن سنان عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : رجل فينا مات نصرانيا وترك ابنه ؟ قال : ينبغي أن يمشي معه ويدفنه قال سفيان : وسمعت حماد بن أبي سفيان يحدث عن الشعبي : أن أم الحارث بن أبي ربيعة ماتت وهي نصرانية ، فشيعها أصحاب النبي ﷺ .
565 - مسألة : وأفضل الكفن للمسلم : ثلاثة أثواب بيض للرجل ، يلف فيها ، لا يكون فيها قميص ، ولا عمامة ، ولا سراويل ، ولا قطن . والمرأة كذلك ، وثوبان زائدان . فإن لم يقدر له على أكثر من ثوب واحد أجزأه . فإن لم يوجد للاثنين إلا ثوب واحد : أدرجا فيه جميعا . وإن كفن الرجل ، والمرأة بأقل أو أكثر فلا حرج - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ، { كفن النبي ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة } - : قال أبو محمد : ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الأحوال ؟ وبه إلى البخاري : ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - حدثني نافع عن ابن عمر قال { إن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي ﷺ فقال : أعطني قميصك أكفنه فيه ؟ وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه قميصه ، وقال له : آذني أصل عليه } وذكر الحديث . وبه إلى البخاري : ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي عن الأعمش ثنا شقيق ثنا خباب قال { هاجرنا مع رسول الله ﷺ نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي ﷺ أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر } . قال أبو محمد : هكذا يجب أن يكفن من لم يوجد له إلا ثوب واحد لا يعمه كله ؟ قال أبو محمد : وههنا حديث وهم فيه راويه - : رويناه من طريق أحمد بن حنبل عن الحسن بن موسى الأشيب عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن محمد بن علي بن أبي طالب هو ابن الحنفية - عن أبيه { أن النبي ﷺ كفن في سبعة أثواب } . والوهم فيه من الحسن بن موسى ، أو من عبد الله بن محمد بن عقيل - : فإن ذكر ذاكر الخبر الذي رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان قال : سمعت سعيد بن أبي عروبة يحدث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ قال : { البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيه موتاكم } . قلنا : هذا ليس فرضا ، لأنه قد صح أنه عليه السلام لبس حلة حمراء وشملة سوداء - : وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي - عن زيد هو ابن أسلم - أن ابن عمر قيل له { لم تصبغ بالصفرة ؟ قال : إني رأيت رسول الله ﷺ يصبغ بها ، ولم يكن شيء أحب إليه منها ، وكان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عمرو بن عاصم ثنا همام بن يحيى عن قتادة قال { قلت لأنس بن مالك أي الثياب كان أحب إلى رسول الله ﷺ ؟ قال الحبرة } . قال أبو محمد : لا يحل أن يترك حديث لحديث ، بل كلها حق ، فصح أن الأمر بالبياض ندب ؟ وباختيارنا هذا يقول جمهور السلف : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن أبا بكر الصديق قال لها في حديث " فيم كفنتموه ؟ - يعني النبي ﷺ - قالت في ثلاثة أثواب بيض سحول ليس فيها قميص ولا عمامة ، فقال أبو بكر : انظروا ثوبي هذا فاغسلوه ، وبه ردع من زعفران أو مشق واجعلوا معه ثوبين آخرين " . ومن طريق ابن عمر قال : كفن عمر بن الخطاب في ثلاثة أثواب : ثوبين سحوليين ، وثوب كان يلبسه { وعن أبي هريرة أنه قال لأهله عند موته لا تقمصوني ولا تعمموني فإن رسول الله ﷺ لم يقمص ولم يعمم } . وعن ابن جريج عن عطاء : لا يعمم الميت ولا يؤزر ولا يردى لكن يلف فيها لفا . قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه : أنه كان يكفن الرجل من أهله في ثلاثة أثواب ليس فيها عمامة . وهو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم . وهكذا كفن بقي بن مخلد ، وقاسم بن محمد : أفتى بذلك الخشني ، وغيره ممن حضر ؟ وأما كفن المرأة فإن عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا حامد بن عمر ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت : { توفيت إحدى بنات النبي ﷺ فخرج فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني ؟ قالت فلما فرغن آذناه فألقى إلينا حقوه وقال : أشعرنها إياه } . وروينا عن الحسن قال : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، وثلاث لفائف وعن النخعي : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، ولفافة ، ومنطقة ، ورداء وعن ابن سيرين : تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع ، وخمار ، ولفافتين وخرقة ؟ وعن الشعبي تكفن المرأة في خمسة أثواب ، والرجل في ثلاثة ؟
566 - مسألة : ومن مات وعليه دين يستغرق كل ما ترك : فكل ما ترك للغرماء ، ولا يلزمهم كفنه دون سائر من حضر من المسلمين ؟ لأن الله تعالى لم يجعل ميراثا ولا وصية إلا فيما يخلفه المرء بعد دينه ، فصح أن الدين مقدم ، وأنه لا حق له في مقدار دينه مما يتخلفه ، فإذ هو كذلك فحق تكفينه - إذا لم يترك شيئا - واجب على كل من حضر من غريم ، أو غير غريم . لقول الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } وقول رسول الله ﷺ { من ولي أخاه فليحسن كفنه } . وقد ذكرناه قبل بإسناده . فكل من وليه فهو مأمور بإحسان كفنه ، ولا يحل أن يخص بذلك الغرماء دون غيرهم . وهو قول أبي سليمان وأصحابه ؟ فإن فضل عن الدين شيء فالكفن مقدم فيه قبل الوصية والميراث - : لما ذكرنا قبل من { أن رسول الله ﷺ كفن مصعب بن عمير رضي الله عنه في بردة له لم يترك شيئا غيرها ، فلم يجعلها لوارثه }
567 - مسألة : وكل ما ذكرنا أنه فرض على الكفاية فمن قام به سقط عن سائر الناس ، كغسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه . وهذا لا خلاف فيه ، ولأن تكليف ما عدا هذا داخل في الحرج والممتنع ، قال تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج }
568 - مسألة : وصفة الغسل أن يغسل جميع جسد الميت ورأسه بماء قد رمي فيه شيء من سدر ولا بد ، إن وجد ، فإن لم يوجد فبالماء وحده - : ثلاث مرات ولا بد ، يبتدأ بالميامن ، ويوضأ - : فإن أحبوا الزيادة فعلى الوتر أبدا : إما ثلاث مرات ، وإما خمس مرات ، وإما سبع مرات ويجعل في آخر غسلاته - إن غسل أكثر من مرة - شيئا من كافور ولا بد فرضا ، فإن لم يوجد فلا حرج ، لأمر رسول الله ﷺ بذلك كله - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا يزيد بن زريع عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت { دخل علينا رسول الله ﷺ ونحن نغسل ابنته فقال : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن موسى ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن { أم عطية قالت لما غسلنا بنت رسول الله ﷺ قال لنا : ابدأن بميامنها وبمواضع الوضوء } . وقال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } فصح أن من لم يؤته الله تعالى سدرا ولا كافورا فلم يكلفه إياهما - : روينا عن ابن جريج عن عطاء : يغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، كلهن بماء وسدر ، في كلهن يغسل رأسه وجسده قال ابن جريج : فقلت له : فإن لم يوجد سدر فخطمي ؟ قال : لا ، سيوجد السدر . ورأى الواحدة تجزئ ، وهذا رأي منه ؟ وعن سليمان بن موسى ، وإبراهيم : غسل الميت ثلاث مرات . وعن محمد بن سيرين ، وإبراهيم : يغسل الميت وترا . وعن ابن سيرين : يغسل مرتين بماء وسدر ، والثالثة بماء فيه كافور . والمرأة أيضا كذلك . وعن قتادة عن سعيد بن المسيب : الميت يغسل بماء ، ثم بماء وسدر ، ثم بماء وكافور . وعن ابن سيرين : الميت يوضأ كما يوضأ الحي يبدأ بميامنه . وعن قتادة يبدأ بميامن الميت ، يعني في الغسل ؟
569 - مسألة : فإن عدم الماء يمم الميت ولا بد ، لقول رسول الله ﷺ { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا إذا لم نجد الماء } .
570 - مسألة : ولا يحل تكفين الرجل فيما لا يحل لباسه ، من حرير ، أو مذهب ، أو معصفر . وجائز تكفين المرأة في كل ذلك ، لما قد ذكرناه في كتاب الصلاة من { قول رسول الله ﷺ في الحرير ، والذهب إنهما حرام على ذكور أمتي حل لإناثها } . وكذلك قال في المعصفر : إذ نهى عليه السلام الرجال عنه ؟
571 - مسألة : وكفن المرأة وحفر قبرها من رأس مالها ، ولا يلزم ذلك زوجها ، لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة ، والكسوة ، والإسكان ، ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن : كسوة ، ولا القبر : إسكانا
572 - مسألة : ويصلى على الميت بإمام يقف ويستقبل القبلة ، والناس وراءه صفوف ، ويقف من الرجل عند رأسه ، ومن المرأة عند وسطها . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال { صلى رسول الله ﷺ على النجاشي فكنت في الصف الثاني ، أو الثالث } . ولا خلاف في أنها صلاة قيام ، لا ركوع فيها ، ولا سجود ، ولا قعود ، ولا تشهد ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الوارث بن سعيد عن حسين بن ذكوان حدثني عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب قال { صليت خلف رسول الله ﷺ وصلى على أم كعب ، ماتت في نفاسها ، فقام رسول الله ﷺ في الصلاة عليها وسطها } . ورويناه أيضا من طريق البخاري عن مسدد ثنا يزيد بن زريع عن الحسين بن ذكوان بإسناده . ورواه أيضا يزيد بن هارون ، والفضل بن موسى ، وعبد الله بن المبارك كلهم عن الحسين بن ذكوان بإسناده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا داود بن معاذ ثنا عبد الوارث بن سعيد { عن نافع أبي غالب أنه قال : صليت على جنازة عبد الله بن عمير ، وصلى عليه بنا أنس بن مالك وأنا خلفه ، فقام عند رأسه ، فكبر أربع تكبيرات ، لم يطل ولم يسرع ، ثم ذهب يقعد فقالوا : يا أبا حمزة ، المرأة الأنصارية ؟ فقربوها وعليها نعش أخضر ، فقام عند عجيزتها ، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ، ثم جلس ، فقال له العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، هكذا كان رسول الله ﷺ يصلي على الجنازة كصلاتك ، يكبر عليها أربعا ، ويقوم عند رأس الرجل ، وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن أبي غالب ، فذكر حديث أنس هذا ، وفي آخره - : أن العلاء بن زياد أقبل على الناس بوجهه فقال : احفظوا ؟ فدل هذا على موافقة كل من حضر له ، وهم تابعون كلهم . وبهذا يأخذ الشافعي ، وأحمد ، وداود ، وأصحابهم ، وأصحاب الحديث . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، بخلاف هذا ، وما نعلم لهم حجة إلا دعوى فاسدة ، وأن ذلك كان إذ لم تكن النعوش وهذا كذب ممن قاله ؛ لأن أنسا صلى كذلك والمرأة في نعش أخضر ؟ وقال بعضهم : كما يقوم الإمام مواز وسط الصف خلفه كذلك يقوم مواز وسط الجنازة ؟ فيقال له : هذا باطل ، وقياس فاسد ؛ لأنه إمام الصف ، وليس إماما للجنازة ، ولا مأموما لها ، والذي اقتدينا به في وقوفه إزاء وسط الصف هو الذي اقتدينا به إزاء وسط المرأة ، وإزاء رأس الرجل ، وهو النبي عليه السلام ، الذي لا يحل خلاف حكمه - وبالله تعالى التوفيق .