→ فصل: يتضمن مقدمة لتفسير إياك نعبد وإياك نستعين | مجموع الفتاوى فصل: في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة ابن تيمية |
فصل: العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارا إليه كان أقرب إليه وأعز عليه ← |
فصل: في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة
في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة والتوكل عليه، فلا يعمل إلا له، ولا يرجى إلا هو، هو سبحانه الذي ابتدأك بخلقك والإنعام عليك، بنفس قدرته عليك ومشيئته ورحمته من غير سبب منك أصلا، وما فعل بك لا يقدر عليه غيره. ثم إذا احتجت إليه في جلب رزق أو دفع ضرر، فهو الذي يأتى بالرزق لا يأتى به غيره، وهو الذي يدفع الضرر لا يدفعه غيره، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [1]
وهو سبحانه ينعم عليك، ويحسن إليك بنفسه، فإن ذلك موجب ما تسمى به، ووصف به نفسه؛ إذ هو الرحمن الرحيم، الودود المجيد، وهو قادر بنفسه، وقدرته من لوازم ذاته، وكذلك رحمته وعلمه وحكمته، لا يحتاج إلى خلقه بوجه من الوجوه، بل هو الغني عن العالمين {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [2] {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [3].
وفي الحديث الصحيح الإلهي: (يا عبدي لو أن أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُم وَجِنَّكُمْ كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا، ولو كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكى شيئا، ولو قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئا) إلى آخر الحديث.
فالرب سبحانه غني بنفسه، وما يستحقه من صفات الكمال ثابت له بنفسه، واجب له من لوازم نفسه، لا يفتقر في شيء من ذلك إلى غيره، بل أفعاله من كماله: كَمُلَ فَفَعل، وإحسانه وجُودُه من كماله، لا يفعل شيئا لحاجة إلى غيره بوجه من الوجوه، بل كُل ما يريده فعله، فإنه فعال لما يريد. وهو سبحانه بالغ أمره، فكل ما يطلب فهو يبلغه ويناله ويصل إليه وحده لا يعينه أحد، ولا يعوقه أحد، لا يحتاج في شيء من أموره إلى معين، وما له من المخلوقين ظهير، وليس له ولى من الذل.