باب ميراث الجد |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث، فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه، وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقد روي هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت، وقد روي هذا أيضا عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي ﷺ فقال: أبو بكر وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه. إنه أب إذا كان معه الإخوة طرحوا وكان المال للجد دونهم، وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي ﷺ إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله. قالوا: فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال: الجد أب لخصال منها أن الله عز وجل قال: {يا بني آدم} وقال: {ملة أبيكم إبراهيم} فأقام الجد في النسب أبا وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس، وهذا حكمهم للأب وأن المسلمين حجبوا بالجد الأخ للأم وهكذا حكمهم في الأب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا بين أحكامه وحكم الأب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الأب قالوا وما دل على ذلك؟ قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الأبوة هل كان اسم الأبوة يفارقه لو كان دونه أب، أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا، أو كافرا؟ قال: لا قلنا، فقد نجد اسم الأبوة يلزمه، وهو غير وارث، وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة قال: فإنهم لا ينقصونه من السدس وذلك حكم الأب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قياسا على الأب فتقفها موقف الأب فتحجب بها الإخوة؟ قالوا: لا ولكن قد حجبتم الإخوة من الأم بالجد كما حجبتموهم بالأب قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا، ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة، ولا نحكم لها بحكم الأب. وهذا يبين لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الأب كالأب كما جعلتم ابن الابن كالابن؟ قلنا لاختلاف الأبناء والآباء؛ لأنا وجدنا الأبناء أولى بكثرة المواريث من الآباء وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا، ولا يكون أبوان يرثانه معا، وقد نورث نحن وأنتم الأخت، ولا نورث ابنتها أو نورث الأم، ولا نورث ابنتها إذا كان دونها غيرها، وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها، وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال: فما حجتكم في أن أثبتم فرائض الإخوة مع الجد؟ قلنا ما وصفنا من الاتباع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك؟ قلنا أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلي واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه؟ قالوا: لا، قلنا: أليس إنما يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه؟ قالوا بلى قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما أولى بميراثه؟ قال: يكون لابنه خمسة أسداسه ولأبيه السدس قلنا، وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالأب فابن الأب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد منه؟ قلنا: ميراث الإخوة ثابت في القرآن. ولا فرض للجد فيه فهو أقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال: فكيف جعلتم الجد إذا كثر الإخوة أكثر ميراثا من أحدهم؟ قلنا خبرا، ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الإخوة أقل ميراثا فنظرنا كل ما صار للأخ ميراثا فجعلنا للأخ خمسة أسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد أبو الابن قال: فلم لم تقولوا بهذا؟ قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي ﷺ إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم.