→ باب الخلاف في ميراث أهل الملل وفيه شيء يتعلق بميراث العبد والقاتل | كتاب الأم - كتاب الفرائض المؤلف: الشافعي |
باب رد المواريث ← |
باب من قال: لا يورث أحد حتى يموت |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} وقال الله عز وجل: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} وقال عز وعلا {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد} وقال: النبي ﷺ (لا يرث المسلم الكافر).
[قال الشافعي]: وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله ﷺ ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت، فإذا مات كان موروثا وأن الأحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه والله تعالى أعلم خلاف حكم الله عز وجل وحكم رسول الله ﷺ فقلنا: والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته. وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها. ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر، والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود، وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا، وقالوا: كيف يقضي لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة، ولم يأت يقين موته؟ ثم دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة. وجملة ما عابوا، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب، أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول.
[قال الشافعي]: فقال: ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم، أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت، وقلت: له أسألك عن قولك، فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما، أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد، وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا، أو قياسا؟ فقال: أما خبر فلا، فقلت: فقياس؟ قال: نعم من وجه، قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال: ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت قادرا عليه قتلته؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل؟ قال: لا قلت: فكيف حكمت عليه حكم الموتى، وهو غير ميت؟ أورأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الإسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه؟ قال: لا، قلت: فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته. قال: فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته. ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام. قلت: فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت؟ قال: نعم، قلت: فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجري عليه فيها الحكم؟ قال: لا. قلنا فالدار لا تميت أحدا، ولا تحييه، فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا. قال نعم: قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشيء من جهة الرأي أقبح أن تقول الحي ميت؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله، أو غبي لا يسمع منه. فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا؟
[قال الشافعي]: وقلت: له عبتم على من قال: قول عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله ﷺ إذا قال: قولا كان قوله غاية ينتهى إليها وقبلتم عن عمر أنه قال: إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين وهما قول الله عز وجل: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وقوله {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}، وقد روي هذا عن ابن عباس وشريح وذهبنا إلى أن الإرخاء والإغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال: بقول ابن عباس؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن، ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشيء علمناه، وقلتم لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل أن تستيقن وفاته، وإن طال زمانه. ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الأخبار التي انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذي هو عندك فيما تزعم؟ غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه، أو مثله، وقلت لبعضهم: أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا معقول وسكت لك عن هذا كله، ألا يكون قولك معيبا بلسانك؟ [قال]: وأين؟ قلت: أرأيت إذا كانت الردة اللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضي إن فرط، أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضي سنين، وهو في دار الحرب. ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على أصل ملكه، ولم زعمت أن القاضي إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض؟ ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب؛ لأنك لو زعمت ذلك، قلت: لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم؛ لأنه وجب، ولو زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا. [قال]: وما ذلك؟ قلت: زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطي غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا، وهو ماله بعينه فكل مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم. ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض؟ قال: قلت: هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم. ثم زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله، وهو موسر لم يغرمه إياه، وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة، فقد جمعتهما جميعا، أو خلاف معقول، أو قياس أو تناقض قول، فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا إنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له، وهو يعرفه عذرا عندنا؛ لأنه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ، ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ، وهو يعلم.
[قال الشافعي]: فقال: فما تقول أنت؟ فقلت: أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا، أو يرجع إلى الإسلام فأرده إليه، ولا أحكم بالموت على حي فيدخل علي بعض ما دخل عليك.