الرئيسيةبحث

كتاب الأم/الدعوى والبينات/ما يقضى فيه باليمين مع الشاهد


ما يقضى فيه باليمين مع الشاهد


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا قضى رسول الله ﷺ باليمين مع الشاهد في الأموال، وكان في ذلك تحويل ملك مالك إلى مالك غيره حتى يصير المقضي له يملك المال الذي كان في يدي المقضي عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال فكل ما كان في هذا المعنى قضي به على معنى ما قضى به رسول الله ﷺ وذلك أن يأتي رجل بشاهد أن الدار التي في يدي فلان داره غصبها إياه الذي هي في يديه أو باعه إياها، وأخذ منه ثمنها أو بغير ذلك من وجوه الملك فيحلف مع شاهده، وتخرج الدار من يدي الذي هي في يديه فتحول إلى ملك المشهود الحالف له فيملكها كما كان الذي هي في يديه مالكا لها، وكذلك غيرها مما يملك، وكذلك لو أتى بشاهد على عبد أو عرض أو عين بعينه أو بغير عينه أحلف مع شاهده، وقضي له بحقه، وكذلك لو أقام شاهدا أن له عليه ألف درهم أو أقل أو أكثر حلف مع شاهده، وأخذ منه ألفا فيملكها عليه كما كان المشهود عليه لها مالكا قبل الشهادة واليمين.

[قال]: وكذلك لو أقام البينة عليه أنه حرق له متاعا قيمته كذا وكذا أو قتل عبدا قيمته كذا أو جرحه هو في بدنه جراحة خطأ حلف في هذا كله مع شاهده، وقضي له بثمن المتاع وقيمة العبد وأرش الجناية قلت أو كثرت على الجاني في ماله أو على عاقلته لأنه يملك كل واحد ممن قضي عليه ما كان هو مالكا له إما في الظاهر والباطن، وإما في الظاهر.

وكذلك لو أقام شاهدا أنه أسلفه مائة دينار في طعام موصوف أو بر موصوف أو غير ذلك أحلفته مع الشاهد، وألزمت المشهود عليه بما شهد به شاهده، وجعلت ذلك مضمونا عليه إلى أجله الذي سمى.

وكذلك لو أقام شاهدا على رجل أنه اشترى منه جارية أو عبدا بمائة دينار حلف مع شاهده، ولزم المشهود عليه العبد أو الجارية بيعا بمائة دينار.

وكذلك لو أقام شاهدا أنه باعه هذه الجارية بجارية أخرى أو بدار حلف مع شاهده ولزم كل واحد منهما البيع، وهذا كله تحويل ملك إلى مالك.

وكذلك لو أقام على رجل البينة أنه سرق منه شيئا من غير حرز يسوى مالا أو سرق منه شيئا من حرز لا يسوى ربع دينار حلف مع شاهده، وغرم السارق قيمة السرقة إن كانت مستهلكة، ولم يقطع السارق.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو كان لرجل حق من دين أو ثمن بيع أو أرش جناية أو غير ذلك من الحقوق فأقام الذي عليه الحق شاهدا أنه قد قبض ذلك منه صاحبه أو أبرأه منه أو صالحه منه على شيء قبضه حلف مع شاهده، وبرئ من ذلك كله، وهذا تحويل ما كان من المشهود عليه بالبراءة ملك عليه إلى ملك المشهود له بالبراءة.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو قضى على عاقلة رجل بأرش جناية فأقام شاهدا أن المجني عليه أبرأه من أرش الجناية وقفنا الشاهد. فإن قال أبرأه من أرش الجناية، وأبرأ أصحابه المقضي عليهم بها أحلفناهم وأبرأناهم فإن حلف بعضهم، ولم يحلف بعض برئ من حلف، ولم يبرأ من لم يحلف، وذلك مثل أن يكون ألف درهم لرجل على رجلين فأقاما شاهدا فشهد لهما بالبراءة فيها فحلف أحدهما، ولم يحلف الآخر فيبرأ الذي حلف، ولا يبرأ الذي لم يحلف: وتحلف عاقلته، ولا يحلف معها لأن جنايته على عاقلته، ولا يعقل هو عن نفسه معهم شيئا. ولو قال الشاهد أبرأه من الجناية وقفته أيضا فقلت قد يحتمل قولك أبرأه من الجناية من أرشها فإن كنت هذا تريد فهو بريء منها، وإن تثبت الشهادة على إبراء العاقلة حلفوا وبرئوا، وإن لم تثبت عليهم لزمهم العقل لأنه لم يشهد لهم بالبراءة.

ولو باعه عبدا معيبا فأقام شاهدا أنه تبرأ إليه من العيب أو شاهدا أنه أبرأه بعد العلم بالعيب من العيب حلف مع شاهده وبرئ. ولا احتاج مع هذا إلى وقفه كما أحتاج إلى وقفه في الجناية من قبل أنه أبرأه من أن يكون به عيب فهذا أكثر ما يكون له. وإن أبرأه مما يلزم في العيب من الرد بالعيب أو أخذ ما نقص العيب برئ، وهذا لا يلزم إلا المشهود له خاصة فيحلف فيه ويبرأ.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أقام رجل على رجل بينة بحق فأتى المشهود عليه بشاهد يشهد بأن المشهود له أقر بأن ما شهد به شهوده على فلان باطل أحلف مع شاهده، وأبرئ مما شهد به عليه. وهذا مثل أن يقيم عليه بينة بمال فيأتي المشهود عليه بشاهد فيشهد أنه أبرأه منه فيحلف مع شاهده، ويبرأ مما شهد به عليه.

[قال]: ولو أن رجلا أقام شاهدا في حياته أن له حقا على فلان بوجه من الوجوه. ثم مات قبل أن يحلف. أو مات قبل أن يقيم شاهدا فأقام ورثته بعده شاهدا بأن له على فلان حقا فورثته يقومون مقامه في كل ما ملكوا عنه. وذلك أن الله عز وجل نقل ملك الموتى بالمواريث إلى الأحياء فجعلهم يملكون ما كان للأحياء يملكون ما ملكهم بقدر ما فرض لهم فهم يقومون مقام من ورثوه بقدر ما ورثوا [قال]: فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول كيف يحلف الوارث، وهو لا يدري أشهد شاهده بحق فيحلف على علمه، وذلك أن العلم قد يكون بالعيان والسماع والرؤية فإذا سمع ممن يصدق أن لأبيه حقا على فلان أو علمه بأي وجه من وجوه العلم كان ذلك حلف مع شاهده، وكان كأبيه لو شهد له شاهد على حق كان عنه غائبا أو على رجل أنه قتل له دابة غائبة أو عبدا حلف مع شاهده، وأخذ حقه، ولو لم يحلف إلا على ما عاين أو سمع من الذي عليه الحق بعينه ضاق هذا عليه [قال]: ولم يزل أهل العلم يحلفون مع الشاهد على الحق الغائب إذا أمكن أن يكون الحالف علم أن حقه حق بوجه من وجوه العلم الرؤية أو السمع أو الخبر [قال]: وإذا كان هكذا فكذلك كل من شهد له بحق بأن فلانا أقر له أو أوصى له أو تصدق عليه حلف مع شاهده، ولو ضاق عليه أن يحلف إلا على ما عاين ضاق عليه أن يأخذ الحق بشاهد إلا فيما عاين حتى لو مات أبوه وهو صغير فشهد له أنه ورثه شيئا بعينه ضاق عليه أن يأخذه لأنه لم يعاين أباه وما ترك ولا عدد ورثته، ولا هل عليه دين أو له وصايا، وكذلك لو كان بالغا، ومات أبوه غائبا فشهد له على تركة له غائبة لأنه لم ير أباه يملكها، ولا يدري لعله لم يتركها فإن مات ميت، وترك ابنا بالغا، وابنا صغيرا، وزوجة يحلف البالغ، ويأخذ نصيبه من الميراث، وذلك نصف المال بعد ثمن المرأة، وإن حلفت المرأة أخذت الثمن ووقفت للصبي حقه من المال وذلك النصف بعد الثمن حتى يبلغ فيحلف أو يمتنع من اليمين فيبطل حقه أو يموت قبل البلوغ فتقوم ورثته فيما ورثوا عنه مقامه فيحلفون ويستحقون [قال]: وكذلك لو كان الورثة بالغين فيهم غيب أخذ الحاضر الحالف حقه، ووقفت حقوق الغيب حتى يحضروا فيحلفوا، ويستحقوا أو يأبوا فتبطل حقوقهم أو يموتوا قبل ذلك فتقوم ورثتهم في حقوقهم مقامهم.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإن كان في الورثة أخرس، وكان يفقه الإشارة باليمين أشير إليه بها حتى يفهم عنه أنه حلف ثم يعطى حقه، وإن كان لا يفهم الإشارة، ولا يفهم عنه أو كان معتوها أو ذاهب العقل وقف له حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه فيحلفون، ويستحقون، ولا يجوز عندي أن يترك وارثين فيحلف أحدهما فيستحق الآخر حقه بيمين أخيه لأن كلا إنما يقوم مقام الميت فيما ورث عنه، والحق وإن كان عن الميت ورث فلم يحق إلا للأحياء بسبب الميت على قدر مواريثهم. ألا ترى أن اليمين إنما كانت من الأحياء فلا يجوز أن يقوم رجل مقام الذي له أصل الحق في نصف ماله فيستحق بيمين غيره النصف الآخر كما لو كان لرجلين على رجل ألفا درهم فأقام أحدهما شاهدا بها، وحلف أحدهما لم يستحق الألف، وهي التي تملك، ولا يحلف على ما يملك غيره، ولو حلف لم يستحق غيره بيمينه شيئا لأن رسول الله ﷺ قضى باليمين مع الشاهد لصاحب الحق وصاحب الحق من ملكه كله لا من ملك بعضه، وبقي البعض مملوكا لغيره، ولو كان للورثة، وصي فأقام شاهدا بحق للميت لم يحلف الوصي لأنه ليس بمالك، وتوقف حقوقهم فكلما بلغ منهم واحد حلف، وأخذ حقه بقدر ميراثه، ولو مات رجل، وقد أقام في حياته شاهدا له بحق على رجل أو أقامه، وصيه بعد وفاته أو أحد ورثته، وله غرماء فقيل لورثته احلفوا، واستحقوا فأبوا أن يحلفوا بطل حقهم، ولم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن رسول الله ﷺ إذ قضى لمن أقام شاهدا بحق له على الآخر بيمينه، وأخذ حقه فإنما أعطى باليمين من شهد له بأصل الحق، وإنما اليمين مع الشاهد أن يقال لقد شهد الشاهد بحق، وإن هذا الحق لي على فلان، وما برئ منه، وإنما جعلت للوارث اليمين بأن الله عز وجل نقل ملك الميت إلى الوارث فجعله يقوم مقامه فيه، ولا يخالفه بقدر ما فرض له وجعله مالكا ما كان الميت مالكا أحب أو كره، ولو ورث عبدا زمنا ألزمته ملكه، وإن لم يرد ملكه حتى يخرجه هو من ملكه قال، وليس الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث بسبيل لا هم الذين لهم أصل الحق فيكونون المقضي لهم باليمين مع الشاهد، ولا الذين حكم الله تعالى لهم بالميراث فيكونون في معنى صاحب الحق، والغرماء، والموصى لهم، وإن استحقوا مال صاحب الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه، ولا يلزم فيهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمنى قال، ولو مات صاحب الحق فجاء وارثه بشاهد، وقال أنا أحلف، وقال غريم الميت المال لي دون الوارث، وأنا أحلف حلف الوارث، وأخذ الغريم المال دونه كما كان أخذ له دون أبيه، ولو كان الغريم يقوم مقام الوارث كان أحق بالمال إذا ملكه الوارث عن الموروث فالغريم أحق به كما يكون أحق بجميع ماله الذي في يديه، والذي يحق به وله من الدية وغيرها.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ففيما وصفت إن شاء الله تعالى بيان فرق ما بين الغريم والموصى له والوارث وصاحب أصل الحق قال ومما يثبته إن شاء الله تعالى أن الغريم إنما حقه في مال الميت جملة لا في ماله الذي يحلف عليه، وذلك أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من المال الظاهر الذي لم يحلف عليه، ولو لم يكن له مال إلا ما حلف عليه الغريم فجاء غريم غيره فامتنع أحدهما من اليمين فإن حلف الآخر، وأخذ جميع الدين فقد أعطى بيمينه الحق، وإنما كان له النصف، وليس هكذا الرجلان يكون الحق لأحدهما إذا نكل بطل حقه، وأخذ الحالف حقه.

قال ولو أقام ورثة رجل شاهدا على حق له، وله غرماء، ووصايا قيل للورثة: احلفوا، واستحقوا فإذا فعلوا فالغرماء أحق بماله منهم وأهل الوصايا يشركونهم في ماله بالثلث، وإن أبوا أن يحلفوا أبطلنا حصة أهل الوصايا.