[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزه فمن أجازه فينبغي أن يكون من حجته أن يقول ليسا بشاهدين على شهادة أنفسهما، وإنما يشهدان على شهادة رجلين فهما رجلان كل واحد منهما على رجل ورجل، وأدل من هذا على امرئ كأنه يشبه أن يجوز أن يقول رجل ألا ترى أنهما لو شهدا على شهادة رجلين أن هذا المملوك لهذا الرجل بعينه، وشهدا على شهادة رجلين آخرين أن هذا المملوك بعينه لآخر غيره لم يكونا شاهدي زور، وإنما أديا قول غيرهما، ولو كانا شاهدين على الأصل كانا شاهدي زور، وقد سمعت من يقول لا أقبل على رجل إلا شهادة رجلين، وعلى آخر شهادة آخرين غيرهما، ومن قال هذا ينبغي أن يكون من حجته أن يقول أنا أقيمهما مقام الشاهد نفسه فلم يكن لهما أكثر من حكمه فهو لو شهد مرتين على شيء واحد لم يكن إلا مرة فكذلك إذا شهدا هما على الآخر لم يكن إلا مرة فلا تجوز شهادتها، وينبغي أن يقول من قال هذا أنهما إنما كانا غير مجروحين في شهادتهما على أربعة مختلفين لأنهما لم يشهدا على العيان، وهما لا يقومان إلا مقام من شهدا على شهادته فلا يجوز أن يقوم اثنان إلا مقام واحد إذ لم يجز أن يجوز على الواحد إلا اثنان.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا يجوز على شهادة المرأة إلا رجلان، ولا يجوز عليها رجل وامرأتان لأن هذا ليس بمال.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا كانت دار في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أن أباه مات وتركها ميراثا، ولم يشهدوا على الورثة، ولا يعرفونهم فإن القاضي يكلف الورثة البينة أنهم أولاد فلان بأعيانهم، وأنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم فإن أقاموا البينة على ذلك دفع الدار إليهم، وإن لم يقيموا البينة على ذلك، وقف الدار أبدا حتى يأتوا ببينة أنهم ورثته، ولا وارث له غيرهم، ولا يؤخذ من الوارث كفيل بشيء مما يدفع إليه بعد أن يستحقه، ولو أخذته منه أخذته ممن قضيت له على آخر بدار أو عبد، وأخذته ممن قضيت له على رجل بدين، وممن حكمت له بحكم ما كان، وقاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي رجل، وادعاها آخر، وأقام بينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام الذي هي في يديه البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة فإنها للذي هي في يديه، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أقضي بها للمدعي.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أن الذي في يديه الدار أقر أن الدار كانت لأبي المدعي، وأن أباه اشتراها منه، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة قبل منه ذلك لأن الدار في يديه، وهو أقوى سببا، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى مثله إلا أنه يجعله المدعي في هذه المنزلة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل عليها البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا له، ولأخويه فلان وفلان لا يعلمون له وارثا غيرهم، وإخوته كلهم غيب غيره فإن الدار تخرج من يدي الذي هي في يديه، وتصير ميراثا، ويدفع إلى الحاضر من الورثة حصته فإن كان للغائب من الورثة وكلاء دفع إليهم حق من هم وكلاؤه، وإلا وقفت أنصباؤهم من الدار، وأكريت لهم حتى يحضروا، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يدفع إلى الحاضر حقه، وتترك بقية الدار في يدي الذي كانت الدار في يديه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي ورثة، وواحد منهم غائب فادعى رجل أنه اشترى نصيب ذلك الغائب فمن قال لا يقضى على الغائب فإنه لا يقبل منه، وخصمه غائب، وليس أحد من هؤلاء الورثة بخصمه، وإن كانوا كلهم مقرين بنصيب الغائب أنه له، ومن قضى للغائب قضى للمشتري ببينته، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يقضى على غائب.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أكانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره، وادعى ابن الأخ أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره فإن لم يكن لواحد منهما بينة فإنه يقضي بها بينهما نصفين.
[قال]: وإذا كانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فقال العم هي بين، والدي، وأخي نصفان، وأقر ابن الأخ بذلك، وأقام العم البينة أن أباه مات قبل أبيه فورثه أبوه، وابنه لا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره، وأقام ابن الأخ البينة أن الجد مات قبل أخيه، وأنه ورثه ابناه أحدهما أبو ابن الأخ، والآخر العم الباقي، ولا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره فمن ذهب إلى أن تلغى البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا ألغى هذه البينة، وجعل هذه الدار على ما أقرا بها للميتين، وورث ورثتهما الأحياء والأموات لأنه يجعل أصل الملك لمن أقرا له به، ومن ذهب إلى أن يقرع بينهما أقرع بينهما فأيهما خرج سهمه قضي له بما شهد له شهوده، وألغى شهود صاحبه، ومن ذهب إلى أن يقبل من كل واحد منهما البينة عما في يده، ويلغيها عما في يدي صاحبه قبلها ثم أثبت النصفين على أصل ما أقرا به، وأثبت لكل واحد منهما النصف وورث كل واحد منهما من ورثه كان حيا يومه هذا أو ميتا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أقضي في هذه بنصيب كل واحد منهما لورثته الأحياء، ولا ترث الأموات من ذلك شيئا فأقضي بنصف الدار لابن الأخ، وبنصف الدار للعم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل، وترك أخا لأبيه وأمه فعرفه القاضي أو شهد له بذلك شهوده، ولا يعلم الشهود ولا القاضي أن له وارثا غيره ليس أكثر من علم النسب فإن القاضي لا يدفع إليه شيئا لأنه قد يكون أخا، ولا يكون وارثا، ولو كان مكان الأخ ابن فشهد الشهود أن هذا ابنه، ولم يشهدوا على عدد الورثة، ولا على أنه وارثه لا وارث له غيره وقف القاضي ماله وتلوم به، وسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد فإذا بلغ الغاية التي لو كان له فيها ولد لعرفه، وادعى الابن أن لا وارث له غيره دفع إليه المال كله، ولا يدفعه إلا بأن يأخذ به ضمينا بعدد المال، وحكاية أنه لم يقض له إلا بأنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث أخذ الضمناء بإدخال الوارث عليه بقدر حقه، وإن كان مكان الابن أو معه زوجة أعطاها ربع الثمن، ولا يعطيها إياه حتى يشهد الشهود أن زوجها مات، وهي له زوجة، ولا يعلمونه فارقها، وإنما فرق بينها وبين الابن أن ميراثها محدود الأكثر محدود الأقل فالأقل ربع الثمن، والأكثر الربع، وميراث الابن غير محدود الأقل محدود الأكثر فالأكثر الكل، والأقل لا يوقف عليه أبدا إلا بعدد الورثة، وقد يكثرون ويقلون.