الرئيسيةبحث

كتاب الأم/الدعوى والبينات/باب شهادة أهل الذمة في المواريث


باب شهادة أهل الذمة في المواريث


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا تجوز شهادة أحد خالف الأحرار البالغين المسلمين على شيء من الدنيا لأن الله تبارك وتعالى قال: {ممن ترضون من الشهداء}، ولا رضا في أحد خالف الإسلام، وقال الله تبارك وتعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ومنا المسلمون، وليس منا من خالف الإسلام، ولو كان رجل يعرف بالنصرانية فمات وترك ابنين أحدهما مسلم، والآخر نصراني فادعى النصراني أن أباه مات نصرانيا، وادعى المسلم أن أباه أسلم قبل أن يموت وقامت البينة أن لا وارث للميت غيرهما، ولم تشهد على إسلامه ولا كفره غير الكفر الأول فهو على الأصل، وميراثه للنصراني حتى يعلم له إسلام، ولو أقاما جميعا البينة، وأقام النصراني شاهدين مسلمين أنه أباه مات نصرانيا، والمسلم شاهدين نصرانيين أن أباه أسلم قبل أن يموت فالميراث للنصراني الذي شهد له المسلمان، ولا شهادة للنصرانيين، ولو كان الشهود جميعا مسلمين صلى عليه، ومن أبطل البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا جعل الميراث للنصراني، وأقره على الأصل، ومن رأى أن يقرع بينهما أقرع، ورجع الميراث للذي خرجت قرعته، ومن رأى أن يقسم الشيء إذا تكافت عليه البينة دخلت عليه في هذا شناعة وقسمة بينهما فأما الصلاة عليه فليست من الميراث إنما نصلي عليه بالإشكال على نية أنه مسلم كما نصلي عليه لو اختلط بالمسلمين موتى، ولم يعرف على نية أنه مسلم قال الربيع، وفيه قول آخر أن الشهود إن كانوا جميعا مسلمين فشهد اثنان أنه مات مسلما، وشهد اثنان أنه مات نصرانيا، ولم نعلم أي شيء كان أصل دينه فإن الميراث موقوف عليهما حتى يصطلحا فيه لأنهما يقران أن المال كان لأبيهما وأحدهما مسلم، والآخر كافر فمتى قسمناه بينهما كنا قد ورثنا كافرا من مسلم أو مسلما من كافر فلما أحاط العلم أن هذا المال لا يكون إلا لواحد، ولا يعرف الواحد وقفناه أبدا حتى يصطلحا فيه، وهذا القول معنى قول الشافعي في موضع آخر. [قال الربيع]: قال مالك يقسم المال بينهما.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي رجلين مسلمين فأقرا جميعا أن أباهما مات وتركها ميراثا، وقال أحدهما كنت مسلما، وكان أبي مسلما، وقال الآخر كنت أنا أيضا مسلما، وكذبه الآخر وقال كنت أنت كافرا، وأسلمت أنت بعد موت أبي، وقال هو بل أسلمت قبل موت أبي، وأقر أن أخاه كان مسلما قبل موت أبيه فإن الميراث للمسلم الذي يجمع عليه، ويكون على الآخر البينة أنه أسلم قبل موت أبيه، وكذلك لو كانا عبدين فقال أحدهما لأخيه أعتقت بعد موت أبيك، وقال الآخر بل أعتقت قبل موت أبي أنا وأنت جميعا فقال الآخر أما أنا فقد أعتقت قبل موت أبي، وأما أنت فأعتقت بعد موت أبيك فالميراث للذي يجمع على عتقه، وعلى الآخر البينة، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ذلك.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي ذمي فادعى مسلم أن أباه مات، وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام على ذلك بينة من أهل الذمة، وادعى فيها ذمي مثل ذلك، وأقام بينة من أهل الذمة فإن الدار للذي هي في يديه، ولا يقضى بها لمن ادعاها بشهادة أهل الذمة، ويحلف الذي الدار في يديه للذي ادعاها، ومن كانت بينته من المسلمين قضيت له بالدار.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي ورثة فقالت امرأة الميت وهي مسلمة زوجي مسلم مات، وهو مسلم، وقال ولده، وهم كبار كفار بل مات أبونا كافرا، وجاء أخو الزوج مسلما، وقال بل مات أخي مسلما، وادعى الميراث، والمرأة مقرة بأنه أخوه، وأنه مسلم فإن كان الميت معروفا بالإسلام فهو مسلم، وميراثه ميراث مسلم، وإن كان الميت معروفا بالكفر كان كافرا، وإن كان غير معروف بالإسلام، ولا بالكفر كان الميراث موقوفا حتى يعرف إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه.

[قال الشافعي]: وإذا مات المسلم، وله امرأة فقالت كنت أمة فأعتقت قبل أن يموت أو ذمية فأسلمت قبل أن يموت أو قامت عليها بينة بأنها كانت أمة أو ذمية، وادعت العتق والإسلام قبل أن يموت الزوج فأنكر ذلك الورثة، وقالوا إنما كان العتق والإسلام بعد موته فالقول قول الورثة، وعلى المرأة البينة إذا عرفت بحال فهي من أهلها حتى تقوم البينة على خلافها، ولو كانت المسألة بحالها فقال الورثة كنت ذمية أو أمة أسلمت أو أعتقت بعد موته فقالت لم أزل مسلمة حرة كان القول قولها لأنها الآن حرة مسلمة فلا يقضى عليها بخلاف ذلك إلا ببينة تقوم أو إقرار منها، وهكذا الأصل في العلم كله لا يختلف فيه.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أقرت المرأة بأن زوجها طلقها طلقة واحدة في صحته، وانقضت عدتها ثم قالت راجعني قبل أن يموت، وقال الورثة لم يراجعك فالقول قول الورثة لأنها قد أقرت أنها خارجة، وادعت الدخول في ملكه فلا تدخل في ملكه إلا ببينة تقوم، ولو كانت المسألة بحالها، وقالت لم تنقض عدتي، وقال الورثة قد انقضت كان القول قولها.