الرئيسيةبحث

حوادث دمشق اليومية/سنة 1167

حوادث دمشق اليومية
سنة 1167
المؤلف: أحمد البديري


ثم دخلت سنة سبع وستين ومئة وألف يوم السبت وبهذا اليوم سافر قاضي الشام صالح منلا طالباً إسلامبول. وفي سابع المحرم قدم القاضي الجديد، ونزل في محكمة النورية المسماة بمحكمة الباب. وفي ثامن عشر قتل أحمد آغا بن سنان في باب المصلى، وهو من قرية قريبة من قطنا.

وفي ليلة الجمعة عشرين من المحرم توفي بقية العلماء الأعلام مفتي السادة الشافعية وأفصح من نطق بالعربية الشيخ محمد أفندي الغزي، ودفن بمرج الدحداح، رحمة الله عليه وعلى أموات المسلمين.

ونهار الثلاثاء رابع وعشرين المحرم قدم جوقدار الحج الشريف مبشِّراً بكل خير عميم. وفي أثناء هذه الأيام جاء مقرَّر الشام لحضرة الحاج أسعد باشا والي الشام.

وفي يوم الجمعة خامس صفر الخير دخل ركب الحاج الشامي بالصحة والسلامة أحسن من كل عام، وأخبرت الحجاج أنهم لم يحجّوا نظيرها من الرخاء الكثير والماء الغزير والأمن والأمان، ولم ينقص من الحجاج إلا الأفراد النادرة، وأن أمير الحاج خوزق أربع لصوص من أولاد الشام، وتوفي معهم تُرْبَدار، ومتولي جامع السلطان إبراهيم بن أدهم. وثاني يوم السبت دخل المحمل الشريف والموكب المنيف بالكواخي والبشاوات، فكان أولهم مصطفى باشا بن إسماعيل باشا العظم أخو الحاج أسعد باشا، وبعده أخوه سعد الدين باشا العظم، وبعده أخوهما الوزير الكبير الحاج أسعد باشا في ألاى حافل وعسكر وجحافل. وثالث يوم دخلت خزنة مصر، وكانت بثمانية أحمال، فتفرجت الناس ثلاث فرج بثلاثة أيام متتابعات: يوم دخول الحج ويوم دخول المحمل ويوم دخول خزنة مصر.

وفي ذلك العام من شهر محرم الحرام تمت قيسارية أسعد باشا والي الشام الذي لم يعمل مثلها في سائر بلاد الإسلام، وقد تم بناؤها بعد سنة وشهرين. قال المؤرخ: وقد بلغني أنه صرف عليها في كل يوم من الآلات والأجر ألف ومئة غرش، ولكن كما قال القائل: جزى الله الوسعة كل خير. وفي ليلة الخميس تاسع عشر صفر الخير لثلاث أيام مضت من كانون الأول ثالث ساعة من الليل صارت زلزلة خفيفة في دمشق وقع بسببها بعض أماكن في سراية الحكم على جماعة، فقتل رجل مسلم ورجل نصراني. وكان ذلك الشهر مطره غزير جداً يعقبه إن شاء الله تَعالى خير كثير. وتوفي بهذا الشهر الشيخ محمد بن أحمد بن سوار شيخ المحيّا والشيخ خليل بن البكري في داره بباب توما وأعملوا له في الأموي. وفي ثامن عشر شهر صفر يوم الجمعة بعد العصر توفي لرحمة الله تَعالى الشيخ أحمد الجلبي إمام جامع السنانية للسادة الشافعية. قال المؤرخ: كان هذا الإمام إماماً في كل فن، ضحوك السن فاضلاً مباركاً قاطناً في جامع العداس عند الملاّ إلياس قُدّس سره، لا يفارق الملا لا ليلاً ولا نهارا، ودفن بباب الصغير قريباً من الملا إلياس، رحمهما الله تَعالى. وفي تلك الأيام أيضاً توفي الشيخ يحيى بن محاسن رحمه الله. وفي نهار الاثنين الثاني والعشرين من شهر صفر تشاجر سعد الدين المغربي خدام في بيت الخانم بنت سليمان باشا مع رجل من نفر الأرطة، فضرب الأرطلي فقتله، وجرح طواشي الخانم بعدما جرحه المغربي جرحين. فحين بلغ حضرة الوزير أسعد باشا أمر بقتله حالاً، فخنقوه في تلك الأيام من غير إثبات ولا دعوى.

وفي منتصف مربعانية الشتاء وقعت صخرة بنهر القنوات، ووقوعها كان تجاه وادي كيوان، سدّت النهر وانقطع ثلاثة أيام بلياليها، فأخرجوا الصخرة قطعاً قطعاً، فوجدوها قبراً قديماً من قبور الحكماء.

وفي شهر ربيع كذا أعاد الباشا السردرة على البلاد، فصاروا يمسكون من عرب الجبل ويقتلون ويأتون برؤوسهم إلى الشام. وفي شهر جمادى كذا جدَّد حضرة أسعد باشا الجامع الذي هو قدام قهوة الخريزاتية وحسّنه هيئة وفرشاً وعمّر بعض دكاكينه قنايا ماء قريباً من بيت السفرجلاني.

وفي أواخر رجب جاء مقرَّر لسنة ثمانية وستين، وهو عن ثلاثة عشر سنة من حكمه، حفظه الله أمير الشام وأمير حاج الإسلام وقد عدل في الخاص والعام، وأحسن للعلماء والفقراء والأيتام بلا ظلم ولا عدوان، وعمَّر أماكن كثيرة داخل المدينة وخارجها ومدارس وجوامع وغير ذلك من وجوه الخير والصدقات، جزاه الله خيرا.

وفي يوم الاثنين خامس رجب خرج حضرة أسعد باشا إلى الدورة، وترك موسى كيخية متسلماً بها. وكان نصف شعبان المبارك يوم الخميس، وثبت أول رمضان نهار السبت. والأسعار ناهضة جداً: فرطل اللحم بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الخبز بأربعة وبخمسة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل الكعك باثني عشر مصرية، ورطل الدبس بخمسة عشر مصرية، وأوقية السمن بستة مصاري في أيام الموسم، وأوقية الزيت بثلاث مصاري ونصف، وكذلك الصابون، وأوقية الجبن الأخضر بمصريتين، وأوقية القريشة بثلاثة مصاري، ورطل المشمش الحموي بستة مصاري مع أنه مقبل كثير، والمشمش البلدي بثلاثة مصاري ونصف مع إقباله. وحاصله كل شيء غالي حتى العلق التي تستعمله الناس لإخراج الدم، والقصرمل الذي يخرج من وقيد الحمام، والأمر لله.

وفي ثاني عشر شوال سار حضرة الوزير الحاج أسعد باشا مع المحمل في الموكب العظيم للحج الشريف. وكانت هذه السنة هي الثالثة عشر من حججه المتوالية وإمارته التي لم تسبق لغيره.

وبهذه السنة مروا على وادي الليمون في الطلعة، وكانت وقفتهم الجمعة، ورجعوا من الطريق السلطاني. وفي خامس وعشرين من المحرم دخل جوقدار الحج وبشَّر بالخير. وفي خامس صفر دخل الحج الشريف وهو على أحسن حال.

وفي هذه الأيام توفي رجل من البله المجاذيب، وكان بطلاً من الأبطال تعتقده أهل الشام ويكاشف بكلامه، ويقع كما يقول واسمه الشيخ خليل البياض. وخرج بجنازته أكابر الشام حتى حاكمها المتسلم موسى كيخية ومشى وراءها، رحمه الله.