→ سنة 1157 | حوادث دمشق اليومية سنة 1158 المؤلف: أحمد البديري |
سنة 1159← |
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومئة وألف نهار الثلاثاء. تفاقم الأمر من تعدي الزرباوات وهم الأشقياء، فاستطالوا في سب الدين وظلم الناس وغير ذلك. وحاكم الشام حضرة أسعد باشا لا يحرك ساكناً، ولم يفعل شيئاً، حتى صاروا يسمونه سعدية قاضين، نائمة مع النائمين، ونرى الأشقياء للعرض والمال مستحلين. لكن البلد من الحركات ساكنة ومن ظلم الحكام آمنة. وفي خمسة عشر من جمادى الثانية توفي الشيخ الفاضل معتقد أهل الشام على الإطلاق الشيخ يوسف الطباخ الخلوتي. قال المؤرخ: ومما منَّ الله عليّ أن حلقت رأسه واغتنمت دعاءه، رحمه الله ورضي عنه.
وفي نهار الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة قامت العامة من قلة الخبز وغلو الأسعار وهجموا على السرايا، رافعين أعلى أصواتهم بالبكاء والتضرع، قائلين ما يحل من الله قلة الشفقة على العباد الذين تضرروا بالغلاء، وأنت حاكم الشام ومسؤول عند الله عنا وعن هذه الأحوال. فقال لهم أسعد باشا: اذهبوا إلى المحكمة، واشكو حالكم إلى القاضي. فأقبلوا نحو المحكمة، واصطرخوا فيها يشكون حالهم وما أصابهم وما هو واقع بهم. فخرجت جماعة القاضي بالعصي وطردوهم، وكان ذلك بأمر نائبه، فهجمت العامة ورجموهم بالحجارة، فأمر القاضي أعوانه أن يضربوا بالبارود فضربوهم، فقتلوا منهم رجلاً شريفاً وجرحوا منهم جماعة، فغارت العامة عليهم، وساعدهم بعض الإنكشارية، فهزموا القاضي وقتلوا باش جوقدار وبعض أعوانه، ونهبوا المحكمة وحرقوا بابها، وسكّرت الناس البلد، فركب بعض الأغاوات وردّ الناس. وأما القاضي فقد هرب من فوق الأسطحة هو ونائبه وجماعته، فأخذه بعض الأكابر وصار يأخذ بخاطره، فحلف القاضي لا يسكن هذا الشهر إلاّ بالقلعة. ثم جمعوا مال القاضي ومتاعه والذي نقص منه فرضوه على خزينة الوجاق وعلى بعض الأكابر والأعيان، وأرضوا القاضي وصالحوه وإلى المحكمة ردّوه.
وفي نهار الثامن والعشرين من جمادى الثانية توفي الشيخ الزاهد صاحب الأحوال والكرامات الشيخ أحمد النحلاوي الأحمدي، ودفن بزاويته القاطن بها جوار ستي خاتون شاه أخت الملك العادل السلطان نور الدين الشهير بزقاق المحكمة. ثم في هذه الأوقات زاد غلو الأسعار وقلت الأمطار وعظمت أمور السفهة والأشرار، حتى صار رطل الجبن بنصف قرش والبيضة بمصرية وأوقية السيرج بنصف الثلث، ومد الشعير بنصف قرش، ومد الحمّص بنصف قرش، ومد العدس بنصف قرش، وغرارة القمح بخمسة وأربعين قرشا، بعدما كانت بخمسة وعشرين غرشا، وأوقية الطحينة بأربعة مصاري، والدبس كل ثلاثة أرطال بقرش، ورطل العسل بقرش وربع، وكل شيء نهض ثمنه فوق العادة، حتى صار مدّ الملح بنصف قرش.
وفي تلك الأيام هلك مصطفى آغا ابن القباني كيخية الإنكشارية بمرض أعيا الأطباء برؤه، وكان من الذين يدخرون القوت ويتمنون الغلاء لخلق الله، فجعل الله العذاب والعقاب، لقد بلغني عنه أنه لما أرادوا دفنه حفروا له قبراً فوجدوا فيه ثعباناً عظيماً، فحفروا غيره فوجدوا كذلك، حتى حفروا عدّة قبور وهم يجدون الثعبان، قلت: وقد سبق ذلك فيما سلف لبعض الظلمة. وقد وجدوا في تركته من السمسم مئة غرارة، على أن في البلد كلها لم يوجد مدّ سمسم، ووجدوا من القمح شيئاً كثيرا، وقد طلب منه أن يبيع غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشاً فلم يقل، وحلف لا يبيعها إلاّ بخمسين، فهلك ولم يبع شيئاً، فبيعت في تركته، ورحم الله عباده بموته لأنه أرحم الراحمين.