الرئيسيةبحث

حوادث دمشق اليومية/سنة 1164

حوادث دمشق اليومية
سنة 1164
المؤلف: أحمد البديري


ثم دخلت سنة أربعة وستين ومئة وألف، كانت هلّة المحرم نهار الثلاثاء، جعلها الله سنة خير وبركة علينا وعلى المسلمين. وفي ستة وعشرين من المحرم جاء جوقدار الحج الشريف، وبشّر عن الحج بكل خير من كثرة الرخص والمياه وغير ذلك ولله الحمد. غير أن الغلاء لم يفارق الشام، فقد دخلت هذه السنة ورطل الخبز بخمسة وبستة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل اللحم بثمانية وعشرين مصرية، ورطل الدبس بتسع مصاري، وأوقية السمن بستة مصاري، والعملة مغشوشة، والفلوس غير منقوشة، والنساء باحت والرجال ساحت، والحدود طاحت، والأكابر مشغولة ومروءة الرجال مغلولة، إلى آخر ما قال المؤرخ.

وفي تلك الأيام جاؤوا بأربع رؤوس من العرب قطاع الطريق، أتى بهم عيسى بشه الحبش، أحد الزرباوات الهاربين، فعُفي عنه لأجل ذلك.

وفي تاسع وعشرين محرم جاء كَتّاب الحج، وذكر أن هذه السنة هي أريح وأجود السنين في أيام الحاج أسعد باشا والي الشام حفظه الله. غير أنهم جاءهم سيل عظيم في عسفان أوقعهم أياماً، ثم أمر الباشا بأن يجدوا في المسير حتى ترك من العشرة اثنين، هكذا ذكر لي بعض الحجاج. ودخل الحاج يوم الأربعاء ثاني صفر. وثاني يوم الخميس دخل المحمل الشريف، وأسعد باشا وأخوه سعد الدين باشا سردار الجردة بالموكب العظيم. وثامن صفر دخل قاضي الشام عبد الله أفندي سعيد زاده ليلاً وعليه جلالة وهيبة ولم يتكلم بقال وقيل. وبلغنا أن عثمان باشا المحصل حاكم جدة مات ودفن بها.

وفي تلك الأيام من هذه السنة جاء منصب حلب إلى سعد الدين باشا أخو أسعد باشا، فتحوّل من طرابلس بعياله وذهب من دمشق إلى حلب، وقد أشاعوا أن سلفه حاكم حلب كان ظالماً غاشماً، وقد خرب قرايا كثيرة، وعمر عماير كثيرة، أخذ غالب مصارفها من أهل حلب، وبنى بها جامعاً يدهش الأبصار.

وبعد مجيء الحاج أسعد باشا من الحج الشريف وجدنا داره قد تمّت عمارتها، فلما دخلها زاد فرحاً وابتهاجاً وسروراً، فذبح الذبائح وأعطى المنائح، وأقام بها بلذة عيش، وبلغه مجيء تقريره في الشام، فازداد شكراً لمولى الأنام. غير أن أهل الشام في أكدار من غلاء الأسعار، وبخل التجار وانفساد الأحرار وضعف الصغار، وعدم زحمة الكبار، والحكم لله الواحد القهار. فلقد صار رطل اللحم الشامي بقرش، ورطل السمن بقرش ونصف، ورطل لحم الجاموس بأربعة وعشرين مصرية، والسمك مثل ذلك، ورطل لحم الجمل بثمانية عشر مصرية، وأوقية الرز بمصرية، والعسل الأوقية بشاهية. ورطل الخبز بستة مصاري، والناس في أسوأ الأحوال. وفي هذه السنة جاءت حجاج كثيرون من العجم، وهم على ما نقلوا ألف وست مئة عجمي، ما عدا البغّادة والعرب، وصار جبر خاطر لعموم الناس في البيع والشراء. وجاء مع العجم ربيّات ذهب كل واحدة بثلاثة عشر غرشاً ولؤلؤ كبير وصغير وأحجار ومعادن وشال وغير ذلك. وخرج المحمل يوم الخميس ثامن عشر شوال، وخرج الحاج يوم الجمعة بعد المناداة مرارا بأن لا يبات أحد من الحجاج إلا خارج باب الله. وخرج المتسلم والبلطجية بعد العصر وأناس بالليل والباقي ضحوة السبت. وهذا شيء ما سبق على ما نعلم.

وفي شوال بهذه الأيام صار حرٌّ شديد لا يطاق، حتى نشفت الأعين والآبار، فقد غارت قناة بيت راس التي هي قرية من ببيلة في طريق قبر الست ونشفت واندرست، حتى كأنها لم تكن. وعلى أثر جفاف الأعين وقلة المياه جاء زيادة ماء، حتى صارت الماء مثل الطحينة. ونهار الأربعاء ثامن ذي القعدة جرس رجل، قيل إنه يدق الزغل من المعاملة. وركب حمارا بالمقلوب وسخم وجهه بالسواد، وآلة العمل على صدره، وداروا به البدل كلها. ومع هذا فالغلاء واصل لحدّه: فرطل اللحم بستة وعشرين مصرية، والأرز بعشرة مصاري، والخبز بخمسة مصاري، إلى آخر ما قدمنا.

وفي منتصف ذي القعدة ورد حاكم حلب سعد الدين باشا أخو أسعد باشا ابن العظم إلى دمشق، سردار إلى جردة الحج، ورحل بها نهار الخميس غرة ذو الحجة.