► المقصد السابع في بيان ما يدل على بطلان مذهب الشيعة | المقصد الثامن في ذكر شيء من تعصباتهم ونبذ من هفواتهم | ☰ |
المطلب الأول في ذكر شيء من تعصباتهم
وهي كثيرة، ويعلم مما سبق كثير منها. ويذكر شيء منها ههنا.
فمنها [أنهم] أنكروا كون رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله ﷺ حقيقة، قالوا وإنما هما ابنتا أخت خديجة، مات أبوهما وهما طفلتان عند خالتهما خديجة فرباهما رسول الله ﷺ في حجره بعد دخوله بخديجة، ونسبوا إليه عادة العرب يومئذ أن من ربى يتيما نسب إليه، كما في قصة زيد التي حكاها الله تعالى في كتابه. ثم قالوا: على تسليم أنهما ابنتاه ﷺ حقيقة لا فضيلة لعثمان في تزويج الرسول ﷺ له بهما وقد زوجهما قبله كافرين، لأن رقية كانت تحت عتبة بن أبي لهب وأختها تحت أخيه عتيبة.
وقولهم هذا مردود أن كونهما ابنتيه عليه الصلاة والسلام حقيقة مقطوع به لصريح نص الكتاب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ}؛ ولما ذكر في نهج البلاغة أن عليا قال لعثمان بطريق العتاب على تغييره سيرة الشيخين: "قد بلغت من صهره ما لم ينالا" يعني أبا بكر وعمر؛ ولما روى أبو جعفر في التهذيب عن جعفر الصادق أنه كان يقول في دعائه: "اللهم صلِّ على رقية بنت نبيك، اللهم صل على أم كلثوم بنت نبيك"؛ ولما روى الكليني أن رسول الله ﷺ "تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة، فولد منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وبعد المبعث الطيب والطاهر.."، إلى غير ذلك من النصوص. وكتب التواريخ المعتبرة صارحة بذلك.
ثم [ما] ذكروا من أنه بعد التسليم لا فضيلة في ذلك فيه مردود، لأن الفضيلة أظهر من أن تنكر، كيف لا وقد صار ختن النبي ﷺ بأمر الله مرتين كما نطقت بذلك الأخبار وشهدت به الآثار. وتزويجهما قبله بابني أبي لهب لا ينافي الفضيلة، لأن ذلك كان قبل المبعث، ومع ذلك لم يدخلا بهما لأنهما كانا قد عقدا عليهما وقبل أن يدخلا نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} فقال لهما أبوهما: "رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقهما ولم يكونا دخلا بهما". وكيف لا يكون في ذلك فضيلة وقد ساوى كثير من العلماء بين فاطمة وأم كلثوم رضي الله تعالى عنهما.
ومنها أنهم لم يعملوا بالخبر الموافق لما عليه أهل السنة ولو بلغ في الصحة ما بلغ. وقد ذكر بعض علمائهم الشهير عندهم بشيخ الطائفة أن أكثر ما رواه الكليني وأبو عبد الله محمد بن النعمان الملقب عندهم بالشيخ المفيد شيخ الكليني وشيخ شيخه علي بن بابويه القمي متروكة العمل لموافقتها ما ذهب إليه العامة، يعني أهل السنة.
ومنها أنهم يعتقدون أن من لم يقل بعصمة الأئمة وأنهم أفضل من الأنبياء وأن الصحابة قد ارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ بسبب مبايعتهم أبا بكر فهو مبغض لأهل البيت. فأهل السنة عندهم هم والنواصب سواء، بل هم أنجس من اليهود والنصارى بزعمهم الفاسد. ولا يخفى أن هذا أدل دليل على جهلهم ومزيد عصبيتهم، إذ كيف يتصور ذلك وقد صرحوا في كتبهم -وهم ليسوا قائلين بالتقية- أن الله تعالى أوجب محبة أهل بيت نبيه ﷺ على جميع أمته. فقد روى البيهقي وأبو الشيخ والديلمي أنه ﷺ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من نفسه". وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عباس أنه ﷺ قال: "أحبوا أهل بيتي بحبي.." إلى غير ذلك من الأخبار. وقالوا من ترك المودة في أهل بيت ﷺ فقد خانه. وقد أجاد من قال:
ولا تعدل بأهل البيت خلقا ** فأهل البيت هم أهل الشهادة
فبغضهم من الإنسان خسر ** حقيقي وحبهم عبادة
وأوجبوا الصلاة عليهم في صلواتهم. ولما سمع أبو حنيفة أن الأعمش يريو عن علي بن أبي طالب ما لا يليق بجلالة شأنه، "فمرض فدخل عليه ومعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة، وكان عنده شريك بن عبد الله، التفت إليه أبو حنيفة وكان أكبرهم فقال: يا أبا محمد اتق الله فإنك في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، وقد سمعت أنك تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو سكت عنها لكان خيرا لك، فقال الأعمش: لمثلي يقال هذا؟ أسندوني، فلما أسندوه قال: حدثنا ابن المتوكل القاضي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: إذا كان يوم القيامة قال الله لي ولعلي بن أبي طالب: أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما، فلذلك قول الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}، فقال: قوموا عني لا يجيء أطهر من هذا، فما خرجوا من الباب حتى مات الأعمش رحمه الله تعالى". وقد روى هذا الحديث بهذا الإسناد جمع، فهو إسناد صحيح. [1]
وقد صحب الإمام أبو حنيفة محمد بن علي الباقر وابنه أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق وزيدا رضي الله تعالى عنهم وأخذ عنهم العلم. وقد أخذ مشائخ أهل السنة الطريقة عن الصادق، فإنه كما كان في في فروع الشريعة نظر ثاقب كان له في أصول الطريقة علامات باهرة ومقامات ظاهرة، وقد صحبه الكبراء من سادات الطريقة مثل داود بن نصير الطائي وعبد الله بن المبارك والفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وتأدبوا بآدابه، كذا ذكره الإمام الأجل الشيخ محمد بن محمود الفارساي البخاري الحافظي في الفصول. وروي أن الإمام أبا حنيفة ذهب به أبوه ثابت وهو صغير إلى الأمير كرم الله تعالى وجهه فدعا له ولذريته بالبركة. وللشافعي رحمه الله تعالى أبيات تدل على مزيد محبته لأهل البيت وولائه، وقد نسبها إليه الشيعة واعترفوا بأنها له، وهذا كاف في إيرادها، منها:
يا أهل بيت رسول الله حبكم ** فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم ** من لم يصل عليكم لا صلاة له
ومنها:
إلام وحتى ومتى ** أعاتب في حب هذا الفتى
فهل زوجت فاطم غيره ** وفي غيره هل أتى هل أتى
ومنها:
قالوا ترفضت قلت كلا ** ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت من غير شك ** خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضا ** فإني أرفض العباد
ومنها:
يا رب بالقدم التي أوطأتها ** من قاب قوسين المحل الأعظما
وبحرمة القدم التي جعلت له ** كف المؤيد بالرسالة سلما
ثبت على متن الصراط تكرما ** قدمي وكن لي محسنا ومكرما
واجمعها ذخرا فمن كانا له ** أمن العذاب ولا يخاف جهنما
ومنها:
لو كان عبد أتى بالصالحات غدا ** وود كل نبي مرسل وولي
وصام ما صام صوام بلا ملل ** وقام ما قام قوام بلا كسل
وعاش في الناس آلاف مؤلفة ** عار عن الذنب معصوم عن الزلل
ما كان يوم البعث منتفعا ** إلا بحب أمير المؤمنين علي
ومنها:
إذا ذكروا عليا أو بينه ** وجاءوا بالروايات العلية
يقال تجاوزا يا قوم عنه ** فهذا من حديث الرافضة
برئت إلى المهمين من أناس ** يرون الرفض حب الفاطمية
ومنها:
إن فتشوا قلبي رأوا وسطه ** سطرين قد خطا بلا كاتب
العلم والتوحيد في جانب ** وحب أهل البيت في جانب
إلى غير ذلك. وقد سبق شيء منها.
ومالك بن أنس رحمه الله تعالى كان يفتخر أيضا بأخذ العلم عنهم وعمن أخذ عنهم. وكذلك أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه، وقد روي عنه أنه قال: "من أبغض أهل البيت فهو منافق"، وما رواه أحد من أئمة أهل البيت عن أبيه عن جده سمى إسناده أئمة المحدثين سلسلة الذهب. وروى محمد في فضائلهم أحاديث جمة، وذكر في تاريخ نيسابور: "أن علي بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنه دخل نيسابور وهو على بغلة وشقيق البلخي يسوقها وعليه مظلة لا يرى من ورائها، وتعرض له الحافظان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى، فتضرعا إليه أن يريهم وجهه ويروي لهم حديثا عن آبائه، فاستوثق البغلة وأمر غلمانه أن يكشفوا عن الظلة وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، وكان الناس بين باك وصارخ ومتمرغ بالتراب ومقبل حافر بغلته! فصاحت العلماء معاشر الناس أنصتوا، واستملى منه الحافظان المذكوران فقال: حدثي أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله ﷺ قال: 'حدثني جبريل قال: سمعت رب العزة يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي'. [2] ثم أرخى الستر وسار، فعد أهل المحابر والذين يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا". وكذا أورده صاحب الفصول من الإمامية في تاريخ الأئمة. وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: لو قرأت هذه الأسانيد على مجنون لبرئ من حينه.
وذكر المبرد في الكامل قال: "يروى عن رجل من قريش قال: كنت عند سعيد بن المسيب يوما فأتاه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقلت له: يا أبا عبد الله من هذا؟ قال: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب".
قال بعض الشعراء من علماء أهل السنة في أبيات:
أنا عبد لعبد عبد علي ** غير أني أحب كل الصحابة
إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى ولا يسعه قرطاس فيذكر. وقد سبق في مواضع متفرقة ثناء الصحابة على الأمير وعلى سائر أهل البيت من صغير وكبير. سوّد الله وجه الرافضة بالكذب والبهتان وعاملهم سبحانه بعدله بمزيد العذاب والخسران.
ومنها أنهم قالوا إن المخالفين لهم يستحقون اللعن. قال ابن عباد وزير السلاطين الديالمة:
حب علي بن أبي طالب ** هو الذي يهدي إلى الجنة
إن كان تفضيلي له بدعة ** فلعنة الله على السنة
وأنت تعلم أن السنة هي أقواله ﷺ وأفعاله، ومنها تقريراته. فانظر إلى هذا التجاسر العظيم والضلال الوخيم. نسأل الله العافية في الدين والدنيا.
ومنها أنهم يقولون إن النبي ﷺ فوّض طلاق أزواجه إلى علي، ولما قاتلته عائشة طلقها. ولا يخفى بطلان هذا على أولي النهى، وذلك لأن الله تعالى قال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}، والتبديل إنما يكون بعد الطلاق لحرمة الزيادة على التسع عليه ﷺ، فقد نهاه سبحانه عن الطلاق، فكيف يفوض ذلك لعلي؟ على أن الطلاق بعد الموت مما لم يقل به أحد.
المطلب الثاني في ذكر شيء من هفواتهم
(التقية)
منها جواز التقية على الرسل عليهم الصلاة والسلام. روى الكليني عن أبي بصير قال: "قال أبو عبد الله: إن التقية من دين الله، قال: والله من دين الله، ولقد قال يوسف عليه السلام: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} والله ما كانوا سرقوا شيئا، ولقد قال إبراهيم: {إِنِّي سَقِيمٌ} والله ما كان سقيما". وروى ابن بابويه في الأمالي: "أنه سأله أبا عبد الله هل كان رسول الله ﷺ يتاقي؟ قال: أما بعد نزول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فإنه يدل على أن النبي تجوز التقية وتجب عليه".
والجواب أن هذه الروايات لا أصل لها. ونص القرآن يدل صراحة على أنهم لم يتاقوا. قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}. ومقتضى كلامهم أن النبي ﷺ تاقى بضعا وعشرين سنة، لأن الآية -أعني قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}- نزلت بعد الفراغ من حجة الوداع، والتقية لا تكون إلا من الخوف والجبن، فيلزم ترجيح سائر الأنبياء عليه عليه الصلاة والسلام لأنهم لا يخشون أحدا إلا الله، مع أنه ﷺ سيد ولد آدم، بل آدم ومن دونه تحت لوائه.
ومنها إيجاب التقية على الأئمة الذين هم خلفاء النبي ﷺ في تبليغ أحكام الشريعة. وقد بالغوا في وجوبها عليهم وعلى أتباعهم حتى فسروا قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} بالأكثر تقية. وروى صاحب المحاسن عن أبي عمر قال: "قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق: با أبا عمر تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له". وكتبهم محشوة من مثل هذه الأخبار المفتراة على الأئمة في فضائل التقية. وقد حملوا أقوال الأئمة وأفعالهم التي توافق مذهب أهل السنة عليها. وروى الكليني وغيره عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله: "في قوله عز وجل: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} قال: الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة وترك التقية".
والجواب أن هذا غير ثابت عن الأئمة. وقد ثبت في نهج البلاغة عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالهم الذي هم فيه والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، وإني إلى لقاء الله وحسن الثواب لمنتظر راج". ومن كان بهذه المثابة فأي حاجة له إلى التقية حتى تجب عليه؟ على أن موت الأئمة باختيارهم كما ذكره الكليني وبوب لذلك بابا. ولأن الأمير كان يعلم قاتله ويوم موته فلأي شيء يتاقي؟ وإذا لم تجب عليه التقية فالأئمة الباقون مثله لعدم القائل بالفرق. ولأن التقية لو كانت واجة لبايع أبا بكر حين بويع له بالخلافة أول الأمر ولم يتأخر مدة تزيد على ستة أشهر كما زعموا. وروى زرارة بن أعين عن أبي بكر بن حزم قال: "توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى فجاء علي فوطأ رقبته فقال: ويلك تصلي على غير وضوء، فقال: أمرني عمر بن الخطاب، فأخذ بيده فانتهى به إليه فقال: انظر ما يقول هذا عنك، ورفع صوته على عمر، فقال: أنا أمرته". فلو وجبت التقية لم يطأ رقبة الرجل ولم يقل له تصلي على غير وضوء ولم يرفع صوته على عمر. وروى الراوندي شارح نهج البلاغة ومعتمد الشيعة في كتاب الخرائج والجرائح عن سلمان الفارسي: "أن عليا بلغه عن عمر أنه ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرق بساتين المدينة وفي يد علي قوس فقال: أربع على صلعتك فقال علي: إنك ههنا، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغراً فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه، فقال عمر: اللَّهَ اللَّهَ يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء، فجعل يتضرع فضرب بيده على الثعبان فعادت القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته، قال سلمان: فلما كان الليل دعاني علي فقال: سر إلى عمر فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق وقد عزم أن يخبئه فقل له يقول لك علي: أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من هو لهم ولا تخبئه فأفضحك. قال سلمان: فمضيت إليه وأديت الرسالة فقال: أخبرني عن أمر صاحبك من أين علم به؟ فقلت وهل يخفى عليه مثل هذا؟ فقال: يا سلمان اقبل عني ما أقول لك، ما علي إلا ساحر والصواب أن تفارقه وتصير من جملتنا، قلت: ليس كما قلت لكنه ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه وعنده أكثر من هذا، قال: ارجع إليه فقل: السمع والطاعة لأمرك، فرجعت إلى علي فقال: أحدثك عما جرى بينكما، فقلت: أنت أعلم مني، فتكلم بما جرى بيننا ثم قال: إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت". وفي هذه الرواية ضرب عنق التقية أيضاً إذ صاحب هذه القوس تغنيه قوسه عنها ولا تحوجه أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر خوفاً منه وتقية. وروى الإمامية بطرق متنوعة منهم الكليني في الكافي أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم وأن الأمير يعلم قاتله. ومن يعلم عاقبة أمره ولا يموت إلا باختياره لا تجب عليه التقية لأن التقية للخوف من القتل أو مما هو دونه كالضرب والشتم وغير ذلك. وقد زال الأول لعلمهم بوقت موتهم وكونه باختيارهم. وأما الثاني فلأن تحمل الأذى في سبيل الله عبادة كما هو شأن دعاة الله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. قد تواتر عن أمير المؤمنين أنه كان يقول: "علامة الإيمان إيثار الصدق على الكذب النافع". وروى الكليني عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله أنه قال: "يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء، فقال: ومن النجباء يا جبريل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب وولده، وكان على الكتاب خواتم من ذهب فدفعه رسول الله ﷺ إلى علي وأمره أن يفك خاتما منه فيعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسن ففك منه خاتماً فيعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين ففك خاتما فوجد فيه أن اخرج بقومك إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشتر نفسك لله تعالى ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتماً فوجد فيه أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ففعل، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي ففك خاتماً فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن أحدا إلا الله تعالى فإنه لا سبيل لأحد عليك، ثم دفعه إلى جعفر الصادق ففك خاتماً فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله تعالى وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين فإنك في حرز وأمان، ففعل، ثم دفعه إلى موسى وهكذا إلى المهدي". ورواه من طريق آخر عن معاذ أيضا عن أبي عبد الله، وفي الخاتم الخامس: "وقل الحق في الأمن والخوف ولا تخش إلا الله تعالى" وهذه الرواية صريحة في أن أولئك الكرام ليس دينهم التقية كما زعمت الشيعة. وروى سليم بن قيس الهلالي الشيعي من خبر طويل أن أمير المؤمنين قال: "لما قبض رسول الله ﷺ ومال الناس إلى أبي بكر فبايعوه حملت فاطمة وأخذت بيد الحسن والحسين ولم تدع أحداً من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله تعالى حقها ودعتهم إلى نصرتها، فلم يستجب لها من جميع الناس إلا أربعة: الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد". وهذه الرواية أيضا تدل على عدم وجوب التقية كما لا يخفى. وذكر سليم بن قيس في كتابه الذي رواه عنه أبان بن عياش: "أن أبا بكر بعث [قنفدا إلى] علي حين بايعه الناس ولم يبايعه علي وقال: انطلق إلى علي وقل له أجب خليفة رسول الله ﷺ. فانطلق فبلغه فقال له: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ﷺ وارتددتم، والله ما استخلف رسول الله ﷺ غيري".
وفي هذا الكتاب أيضا: "أنه لما لم يجب علي غضب عمر وأضرب النار بباب علي وأحرقه ودخل فاستقبلته فاطمة وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها المبارك ورفع السوط فضرب به درعها فصاحت: يا أبتاه. فأخذ علي بتلابيب عمر وهزه ووجأ أنفه ورقبته".
وفيه أيضا أن عمر قال لعلي: "بايع أبا بكر، قال: إن لم أفعل ذلك؟ قال: إذن لأضربن عنقك. قال: كذبت والله يا ابن صهاك لا تقدر على ذلك، أنت ألأم وأضعف من ذلك".
فهذه الروايات تدل صريحا أن التقية بمراحل من الإمام، إذ لا معنى لهذه المناقشة والمسابة مع وجوب التقية.
وروى محمد بن سنان أن أمير المؤمنين قال لعمر: "يا مغرور، إنى أراك في الدنيا قتيلا بجراحة عبد أم معمر، تحكم عليه جورا فيقتلك ويدخل بذلك الجنان على رغم منك". ورورى أيضا "أنه قال مرة لعمر: إن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه هتكا وصلبا، تخرجان من جوار رسول الله ﷺ فتصلبان على شجرة يابسة فتورق فيفتتن بذلك من ولاكما، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم ويأتي جرجيس ودانيال وكل نبي وصديق فتصلبان فيها فتحرقان وتصيران رمادا، ثم تأتى ريح فتنسفكما في اليم نسفا".
فانظر بالله عليك هل ينبغي لمن يروي هذه الأكاذيب عن الإمام كرم الله تعالى وجهه أن يقول بنسبة التقية إليه؟
ومما يرد قولهم أيضا أن زكريا ويحيى والحسين ينبغي أن لا يكون لهم عند الله كرامة على ما يقتضيه مذهبهم لأنهم لم يفعلوا التقية؛ وأن يكون جميع المنافقين في أعلى المراتب من الكرامة. سبحانك هذا بهتان عظيم ووبال وخيم.
وبقيت براهين أخر تدل أن من قال بوجوب التقية كفر. وفي تفسير الجد قدس الله روحه ما ليس فوقه كلام، نسأل الله أن ينشر فرائد فوائده في جميع بلاد الإسلام.
(التفسير)
ومنها أنهم يقولون إن معنى قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} اعصتموا بعلي؛ وأن المراد بالصراط المستقيم هو علي؛ وأن المراد بقوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} علي وآله لا غير؛ وأن المراد بالناس في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} العشرة المبشرين بالجنة عند أهل السنة غير علي؛ وأن المراد بالرب في قوله تعالى: {أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} هو علي؛ وأن المراد بالرب في قوله تعالى: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} هو علي، والكافر من غصب الخلافة؛ وأن معنى قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} لئن أشركت يا محمد في الخلافة ليحبطن عملك؛ وأن معنى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} أي حتى يخرج المهدي؛ وأن المراد بقوله تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} الآية صورة علي؛ وأن معنى قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} لا يسأل أحد من شيعة علي [عن] ذنبه لأن الحسنات في الميزان بغير ولاية علي لا تقبل بل تكون هباء منثورا وأن السيئات مع ولاية علي لا ثبات لها لأن سر ولاية علي يحول السيئات حسنات كما ذكره ابن بابويه وابن طاووس وغيرهما؛ وأن معنى قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي بخروج المهدي. وهذا كله مذكور في تفاسيرهم وكتب حديثهم، ومعظمها في الكافي للكليني وشيء منها في تفسير علي بن إبراهيم وتفسير ابن بابويه الذي عزاه إلى أبي محمد الحسن العسكري وحاشاه منها، وشيء منها في كتاب تنزيه الأنبياء والأئمة. ولو تتبعت تفاسيرهم لرأيت من ذلك شيئا كثيرا لا يسع المقام لذكره، وبطلانه لا يخفى على صغار المتلعمين فضلا عن العلماء العارفين، فلذا لم نتعب القلم بردها ولم نسود وجه القرطاس بسردها.
(الكذب)
ومنها أنهم يقولون إن عمر دبرّ على قتل علي، كما ذكر ذلك علي بن مظاهر الواسطي راويا له عن حذيفة. وهذا كذب فضيح وافتراء صريح، فإن عمر كان يحب عليا محبة عظيمة وكان يفتخر بمصاهرته وكان يصلي على أهل البيت في صلواته ويروي أحاديث فضائلهم. وفي نهج البلاغة أن الأمير كتب إلى أهل مصر وأرسل الكتاب مع مالك بن الأشتر لما ولاه إمارتها: "أما بعد، فإن الله سبحانه بعث محمدا ﷺ نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين، فلما مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يُلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده ﷺ عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد ﷺ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق الحق واطمأن الدين وتنهنه". فهذا الكلام يدل على أن ما كان عليه الشيخان حق، فإن عمر كان يحذو حذو أبي بكر، وعدل عمر مما لا ينكر، فقد ابتهج الإسلام بفتوحاته وانصرم دجى الكفر بصارم عزماته، ولم تزل مآثره مسطورة على صفحات الأيام، ولم تبرح كتب التواريخ والسير تتلو من جميل ذكره ما يغص به الكفرة الطغام.
(ثواب المتعة)
ومنها أنهم قالوا إن في نكاح المتعة ثوابا لا يحصى. وروى غير واحد منهم عن الأئمة: "أن من اغتسل عن جماع المتعة صارت كل قطرة تقطر من ماء الغسل ملكا يدعو للمغتسل إلى يوم القيامة". ولا يخفى كذب هذا الخبر على كل من نظر وفكر. كيف لا وقد قال تعالى: {[وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ] * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وقد سبق شيء من قبائح المتعة فتذكر.
(الرقاع والتوقيعات)
ومنها أنهم يروون كثيرا من مسائل مذهبهم عن الرقاع، وهي كثيرة. منها رقعة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، فإنه كان يظهر رقعة بخط الصاحب في جواب سؤاله، ويزعم أنه كاتب أباب القاسم بن ابي الحسين بن روح أحد السفرة على يد علي بن جعفر بن الأسود أن يوصل له رقعة إلى الصاحب فأوصلها إليه، فزعم أبو القاسم أنه أوصل رقعته إلى الصاحب وأرسل إليه رقعة زعم أنها جواب صاحب الأمر له. ومنها رقاع محمد بن عبد الله بم جعفر بن حسين بن جامع بن مالك [الحميري] أبي جعفر القمي. قال النجاشي: "أبو جعفر القمي كاتبَ صاحب الأمر وسأله مسائل في أبواب الشريعة، قال: قال لنا أحمد بن الحسين: وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور". ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الغيبة وكتاب الاحتجاج.
والتوقيعات هي خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشريعة. ويرجحون التوقيع على المروي بالإسناد الصحيح لدى التعارض. قال ابن بابويه في الفقيه بعد ما ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب الرجل يوصي إلى الرجلين: "هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد بن الحسن بن علي، وفي الكافي للكليني خلاف ذلك التوقيع عن الصادق. ثم قال: لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خط الحسن بن علي. "
ومنها رقاع أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي. ومنها رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد. فهؤلاء كلهم يزعمون أنهم يكاتبوه صاحب الأمر ويسألونه مسائل في أحكام الشريعة وأنه يكتب جواب أسئلتهم كما ذكره النجاشي وغيره. وأبو العباس هذا قد جمع كتابا في الأخبار المروية عنه وسماه قرب الإسناد إلى صاحب الأمر.
ومنها رقاع علي بن سليمان بم الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين أبي الحسن الرازي، فإنه كان يدعي المكاتبة أيضا ويظهر الرقاع. قال النجاشي: "كان له اتصال بصاحب الأمر وخرجت له توقيعات". إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
الخاتمة
اعلم أن مذهب الروافض مشابه لمذهب اليهود والنصارى والمجوس والصابئين، وهم عبدة الكواكب.
أما الغلاة والباطنية والسبعية والقرامطة والنزارية من الإمامية فظاهر لأنهم كفرة من غير نكير، وقد وافقوا في أكثر الاعتقادات الفرق الأربعة من الكفار.
وأما مشابهة الكل مذهب اليهود فإنهم يقولون {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}، وكذلك الغلاة يقولون لأولاد علي أبناء الله. واليهود يبغضون جبريل وكذلك الغرابية. واليهود يقولون نحن أحباء الله، وكذا الغلاة. واليهود يقولون ليس محمد رسول الله، وكذلك الرزامية. واليهود لعنهم الله يذمون النبي العربي، وكذلك الذمية. واليهود ينكرون نبوته عليه الصلاة والسلام، وكذلك الغرابية.
وأما مشابهة مذهبهم لمذهب النصارى فلأن النصارى يقولون {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، وكذلك السبائية يقولون لأولاد علي أبناء الله. والنصارى يقولون بتعدد الآلهة، وكذلك الغلاة كما تقدم. والنصارى يقولون إن الله يحل في بعض أبناء البشر، وكذلك النصيرية والإسحاقية.
وأما مشابهة مذهبهم لمذهب الصابئية، فإن الصابئين يقولون إن العالم قديم، وكذلك الكاملية والعجلية والرزامية والقرامطة من الغلاة والنزارية من الإمامية. وإن الصابئين يقولون إن واجب الوجود متعدد زعما منهم أن الأجرام واجبة الوجود وليس لها مبدأ، وكذلك الاثنينية والخمسية والخطابية والمقنعية. وإن الصابئين يقولون إن الآلهة متعددة وهي الكواكب فإنها هي الآلهة لهذا العالم بزعمهم الفاسد ويزعمون أنه يجب لأهل العالم الأسفل أن يشتغلوا بالعبادة لها والتضرع إليها، وكذلك الفرق الأربع من الغلاة يزعمون أن الآلهة متعددة.
وأما مشابهة مذهبهم لمذهب المجوس، فإن المجوس يقولون بتعدد الخالق، وكذلك الروافض كلهم. والمجوس يزعمون أن الله تعالى يتصف ببعض العوارض كالحزن والسآمة وغير ذلك، وكذلك السبائية وجمع من الخطابية والذمية والعلبائية والرزامية والغرابية. والمجوس يزعمون أن إرادة أهرمن تقع إذا أراد الشر ولا تقع إرادة يزدان إذا أراد خلاف ما أراد أهرمن، ويعنون بيزدان الله عز اسمه وبأهرمن إبليس، وكذلك الغلاة وسائر الرافضة.
وأما مشابهة مذهبهم لمذهب الهنود، فإن الهنود يقولون إذا ظهر في الأرض الفساد ينزل الله تعالى في الأرض لدفعه، وكذلك السبائية يقولون إذا كثر الظلم في العالم ينزل الله تعالى من السماء فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا. والهنود يقولون إن الله تعالى له صورة، وكذلك الغلاة. والهنود يقولون إن الله تعالى يأكل ويشرب وينكح ويلد ويولد، وكذلك الغلاة.
ومذهب الكيسانية من الفرق السبعة أقل مشابهة لهم، فإنهم لقصر مدتهم لم يبتدعوا في الدين كما ابتدع غيرهم من الفرق في أصول الدين وفروعه. وكذا الزيدية لاتباع المتقدمين منهم ما رواه الجمهور منهم عن الإمام زيد بن زين العابدين السجاد، واتباع بعض المتأخرين منهم الإمام أبا حنيفة والبعض الآخر الإمام الشافعي والبعض منهم الإمام مالك بن أنس والبعض الإمام أحمد بن حنبل والبعض سفيان الثوري والبعض ابن جرير الطبري وغيرهم من مجتهدي أهل السنة، ووافقوا الإمامية في مسائل معدودة.
قف على حال الإمامية من الشيعة
وأكثر فرق الرافضة مشابهة بالكفار الإمامية ولا سيما الاثنى عشرية منهم.
أما مشابهتهم لليهود فإن اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وكذلك الإمامية فإنهم لا يؤمنون بما زعموه محرفا مثل: {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} ونحو ذلك كما تقدم. واليهود يزعمون أنهم أولياء الله وأحباؤه دون غيرهم، وكذلك الإمامية. واليهود يزعمون أنه لا يصلح للنبوة إلا رجل من نسل داود، وكذلك الرافضة لا تصلح إلا لرجل من نسل علي بن أبي طالب. واليهود يقولون لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل بسبب من السماء، وكذلك الرافضة يقولون لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء. واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة يؤخرونها إلى ذلك الوقت. واليهود تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة. واليهود لا ترى على النساء عدة، وكذلك الرافضة أعني الإمامية منهم. واليهود يقولون من سعى في قتل مسلم فله حسنات كثيرة، وكذلك الإمامية يزعمون أن من سعى في قتل أحد من أهل السنة فله سبعون حسنة. واليهود يقولون {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} وكذلك الروافض.
أقول: وقد رأيت في كتاب الداء والدواء للعلامة الحافظ الشهير بابن القيم الجوزية قدس روحه ورضي عنه بعد كلام طويل: "فما قدر الله حق قدره من عبد معه من لا يقدر على خلق أضعف حيوان وأصغره وإن سلبه الذباب شيئا مما عليه لم يقدر على استنقاذه منه.." إلى أن قال: "وكذلك لم يقدره حق قدره من قال إنه رفع أعداء رسله وأهل بيته [وأعلى] ذكرهم، وجعل فيهم الملك والخلافة والعز، ووضع أولياء رسوله وأهانهم وأذلهم وضرب عليهم الذلة أين ما ثقفوا؛ وهذا يتضمّن غاية القدح في الرب -تبارك وتعالى عن قول الرافضة علوا كبيرا- وهذا القول مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين إنه أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة لنفسه وكذب على الله تعالى ومكث زمنا طويلا يكذب عليه كل وقت ويقول قال كذا وأمر بكذا ونهى عن كذا، وينسخ شرائع أنبيائه ورسله ويستبيح دماء أتباعهم [وأموالهم] وحريمهم، ويقول: الله تعالى أباح لي ذلك؛ والرب تبارك وتعالى يُظهره ويؤيده ويُعليه ويجيب دعواته ويمكنه ممن خالفه ويقيم الأدلة على صدقه ولا يعاديه أحد إلَّا ظفر به، فيصدقه بقوله وفعله وتقريره، ويحدث أدلة تصديقه شيئا بعد شيء. ومعلوم أن هذا يتضمن أعظم القدح والطعن في الرب سبحانه وتعالى وعلمه وحكمته ورحمته وربوبيته - تعالى عن قول الجاحدين علوا كبيرا. فوازن بين هذا القول وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين:
رضيعَي لبان ثدي أُمٍّ تقاسَما ** بأسحم داج عوض لا يتفرّق"
انتهى.
وإذا نظرت إليهم في زماننا هذا وجدتهم مع اليهود طبق النعل بالنعل في اللباس والمأكول والدسائس وغير ذلك مما هو ظاهر لدى كل أحد.
وأما مشابهتهم للنصارى، فلأن النصارى لا يرون بأسا مما يخرج من البول في الصلاة وإن سال، وكذلك الروافض لا يرون بأسا منه [بعد] نتر القضيب ثلاثا ولو سال إلى الساق. والنصارى يجوزون الصلاة إذا أصابت الشخص نجاسة كعذرة الإنسان، وكذلك الإمامية. والنصارى يجوزون الصلاة على المكان النجس، وكذلك الإمامية. والنصارى يجوزون الصلاة إلى الجهات الأربع، وكذلك الإمامية يجوزون في النوازل استقبال الجهات الأربع. والنصارى لا يجوزون الأكل ليلة الصوم قبل طلوع الفجر، [وكذلك الإمامية]. والنصارى يتخذون بعض الأيام عيدا من تلقاء أنفسهم، وكذلك الإمامية وغيرهم من الروافض، فإنهم اتخذوا يوم قتل عمر وعثمان عيدا وكذا كثيرا من الأعياد على ما سبق. والنصارى يصورون صورة عيسى بن مريم ويضعونها في كنائسهم، وكذلك الإمامية فإنهم يصورون صور الأئمة ويعظمونها كتعظيم النصارى لما صوروه، بل نقل أنهم يسجدون لها ولقبورهم.
وأما مشابهتهم للصابئين، فلأن الصابئين يزعمون أن المؤثر لا ينحصر في واحد، فإن الكواكب بزعمهم مؤثرة في عالم الكون والفساد ومدبرة له، وكذلك الإمامية وغيرهم يزعمون أن المؤثر كثير ويزعمون أن الحيوانات كلها خالقة لأفعالها. وإن الصابئين كانوا يحترزون عن الأيام التي يكون القمر فيها في العقرب أو الطريقة أو المحاق، وكذلك الإمامية وغيرهم. وإن الصابئين يعظمون يوم النيروز، وكذلك الإمامية وغيرهم.
وأما مشابهتهم للمجوس، فإن المجوس يزعمون تعدد الخالق، وكذلك الإمامية وغيرهم على ما سبق. والمجوس يزعمون أنه يحصل مراد أهرمن في كثير من الأمور ولا يحصل مراد يزدان، وكذلك الإمامية يزعمون أنه يحصل مراد إبليس والشياطين من الجن والإنس ولا يحصل مراد الله على ما سبق. والمجوس يزعمون أن للعالم خالقين خالق للخير وخالق للشر، وكذلك الروافض. والمجوس يجوزون إخراج أمهات الأولاد والجواري للرجال، وكذلك الروافض.
وأما مشابهتهم للهنود، فإن الهنود يجوزون في الصوم أكل بعض الأشياء، وكذلك جمع من الإمامية يجوزون فيه أكل ما ليس بمعتاد على ما سبق. والهنود يحكمون بطهارة المذي، وكذلك الإمامية وغيرهم.
إلى غير ذلك من المشابهات التي لا تفي بها العبارات، ولو اطلعت على ما هم عليه لبان لك أنهم ليسوا على شيء مما جاء به النبي وأوحي إليه.
هذا آخر ما أردناه وغاية ما قصدناه من تلخيص كتاب الصواقع المنطوي على الفوائد البدائع. وحيث كانت النسخة سقيمة الخط كثيرة الغلط صححتُ غالب مباحثها على كتاب المختصر، فأظن أنه لم يبق التباس على من نظر وفكر، فإن موضوع الكتابين واحد وغالب البحث متحد وأحدهما يغني عن الآخر كما لا يخفى على من دقق النظر. وقد أبدلت كثيرا من العبارات بما هو أوضح وأقوى وألزم لدى المخاصمات، لا سيما مباحث الإمامة، فإن غالبها منقول من ترجمة التحفة بتلخيص الجد العلامة.
وأسأل الله تعالى أن يجعل بها النفع العميم وأن يستخلصها لوجهه الكريم وأن يعصمنا من الزيغ والزلل ويوفقنا لصالح العمل. والحمد لله أولا وآخرا وله الشكر باطنا وظاهرا. وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على من اصطفاه حبيبا وخصه بالخلق العظيم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وأتى بقلب سليم.
وقد وقع الفراغ سنة 1303 من الهجرة.
هامش
- ↑ [قال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا الحديث موضوع وكذب على الأعمش، والواضع له إسحاق النخعي، وقد ذكرنا أنه من الغلاة في الرفض الكذابين".]
- ↑ [ضعيف الجامع 2700]