وإذا عرفت هذا فالآن أشرع في نقل مطاعنهم والجواب عنها وأقول:
(المطعن الأول) مطعن الجهاد، وهو من أعظم المطاعن في زعمهم، ويقررونه في رسائلهم بتقريرات عجيبة مموهة، منشؤها العناد الصرف، وأنا أمهد قبل تحرير الجواب أموراً خمسة:
(الأمر الأول) أن الله يبغض الكفر ويجازي عليه في الآخرة يقيناً، وكذا يبغض العصيان وقد يعاقب الكفار والعصاة في الدنيا أيضاً، فيعاقب الكفار تارة بالإغراق عموماً في عهد نوح عليه السلام، فإنه أهلك كل ذي حياة غير أهل السفينة بالطوفان، وتارة بالإغراق خصوصاً، كما في عهد موسى عليه السلام حيث أغرق فرعون وجنوده، وتارة بالإهلاك مفاجأة، كما أهلك أكبر الأولاد لكل إنسان وبهيمة من أهل مصر في ليلة خرج بنو إسرائيل فيها من مصر، كما هو مصرح به في الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وتارة بإمطار الكبريت والنار من السماء، وقلب المدن، كما في عهد لوط عليه السلام، فإنه أهلك سادوم وعمورة ونواحيهما بإمطار الكبريت والنار وقلب المدن، وتارة بإهلاكهم بالأمراض، كما أهلك الأسدوديين بالبواسير، كما هو مصرح به في الباب الخامس من سفر صموئيل الأول، وتارة بإرسال الملك لإهلاكهم، كما فعل بعسكر الآثوريين، حيث أرسل ملكاً، فقتل منهم في ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانين ألفاً، كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من سفر الملوك الثاني، وتارة بجهاد الأنبياء ومتبعيهم، كما ستعرف في الأمر الثاني، وكذا يعاقب العصاة أيضاً تارة بالخسف والنار، كما أهلك قورح وداثان وأبيرم وغيرهم لما خالفوا موسى عليه السلام، فانفلقت الأرض وابتلعت قورح وداثان وأبيرم ونسائهم وأولادهم وأثقالهم، ثم خرجت نار فأكلت مائتين وخمسين رجلاً كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من سفر العدد. وتارة بالإهلاك مفاجأة كما أهلك أربعة عشر ألفاً وسبعمائة لما خالف بنو إسرائيل في غد هلاك قورح وغيره، ولو لم يقم هارون عليه السلام بين الموتى والأحياء، ولم يستغفر للقوم، لهلك الكل بغضب الرب في هذا اليوم، كما هو مصرح به في الباب المذكور. وكما أهلك خمسين ألفاً وسبعين رجلاً من أهل بيت الشمس على أنهم رأوا تابوت الله، كما هو مصرح به في الباب السادس من سفر صموئيل الأول. وتارة بإرسال الحيات المؤذية، كما أن بني إسرائيل لما خالفوا موسى عليه السلام مرة أخرى، أرسل الله عليهم الحيات المؤذية، فجعلت تلدغهم، فمات كثير منهم كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر العدد. وتارة بإرسال الملك كما أهلك سبعين ألفاً في يوم واحد، على أن داود عليه السلام عد بني إسرائيل، كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني. وقد لا يعاقب الكفار والعصاة في الدنيا. ألا ترى أن الحواريين على زعم المسيحيين كانوا أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية، ومن تابوت الله. وأن قاتليهم عند المسيحيين أسوأ من كفار عهد نوح ولوط وموسى عليهم السلام. وقتل نيرو الظالم المشرك، الذي كان ملك ملوك الروم، بطرس الحواري وزوجته وبولس وكثيراً من المسيحيين بأشد أنواع القتل. وكذا أكثر الكفار الحواريين وتابعيهم. وما أهلكهم الله بالإغراق ولا بإمطار الكبريت والنار وقلب المدن، ولا بقتل أكبر أولادهم، ولا بابتلائهم بالأمراض ولا بإرسال الملك، ولا بإرسال الحيات، ولا بوجه آخر.
(الأمر الثاني) أن الأنبياء السابقين أيضاً قتلوا الكفار وسبوا نسائهم وذراريهم، ونهبوا أموالهم. ولا تختص هذه الأمور بشريعة محمد ﷺ. كما لا يخفى على من طالع كتب العهدين. وله شواهد كثيرة أكتفي على إيراد بعضها.
1- في الباب العشرين من كتاب الاستثناء هكذا: 10 (وإذا دنوت من قرية لتقاتلها ادعهم أولاً إلى الصلح) 11 (فإذا قبلت وفتحت لك الأبواب فكل الشعب الذي بها يخلص ويكونون لك عبيداً يعطونك الجزية) 12 (وإن لم ترد تعمل معك عهداً وتبتدئ بالقتال معك فقاتلها أنت) 13 (وإذا سلمها الرب إلهك بيدك اقتل جميع من بها من جنس الذكر بفم السيف) 14 (دون النساء والأطفال والدواب وما كان في القرية غيرهم، واقسم للعسكر الغنيمة بأسرها وكل من سلب أعدائك الذي يعطيك الرب إلهك) 15 (وهكذا فافعل بكل القرى البعيدة منك جداً وليست من هذه القرى التي ستأخذها ميراثاً) 16 (فأما القرى التي تعطى أنت إياها فلا تستحي منها نفساً البتة) 17 (ولكن أهلكهم إهلاكاً كلهم بحد السيف الحيثي والأموري والكنعاني والفرزي والحوايي واليابوسي كما أوصاك الرب إلهك). فظهر من هذه العبارة أن الله أمر في حق القبائل الست، أعني الحيثانيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوايين واليابوسيين، أن يقتل بحد السيف كل ذي حياة منهم ذكورهم وإناثهم وأطفالهم. وأمر فيما عداهم، أن يدعوا أولاً إلى الصلح، فإن رضوا به وقبلوا الإطاعة وأداء الجزية فيها، وإن لم يرضوا يحاربوا، فإذا حصل الظفر عليهم، يقتل كل ذكر منهم بالسيف ويسبي نساؤهم وأطفالهم، وينهب دوابهم وأموالهم، وتقسم على المجاهدين، وهكذا يفعل بكل القرى التي هي بعيدة من قرى الأمم الست. وهذه العبارة الواحدة تكفي من جوابهم عن تقريراتهم الواهية، وقد نقلها العلماء الإسلامية سلفاً وخلفاً في مقابلتهم لكنهم يسكتون عنها كأنهم لم يروها في كلام المخالف، ولا يجيبونه عنها لا بالتسليم ولا بالتأويل.
2- في الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج هكذا: 23 (وينطلق ملاكي أمامك فيدخلونك على الأموريين والحيثانيين والفرزانيين والكنعانيين والحوايين واليابوسانيين الذين أنا أخرجهم) 24 (لا تسجدن لآلهتهم ولا تعبدها، ولا تعمل كأعمالهم، ولكن خربهم تخريباُ واكسر أوثانهم).
3- في الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج في حق الأمم الست هكذا: 12 (فاحذر أن تعاهد البتة سكان تلك الأرض الذين تأتيهم لئلا يكونوا لك عثرة) 13 (ولكن اهدم مذابهحم وكسر أصنامهم واقطع أنساكهم).
4- في الباب الثالث والثلاثين من سفر العدد: 51 (مر بني إسرائيل وقل لهم إذا عبرتم الأردن وأنتم داخلون أرض كنعان) 25 (فأبيدوا كل سكان تلك الأرض واسحقوا مساجدهم واكسروا أصنامهم المنحوتة جميعها واعقروا مذابحها كلها) 55 (ثم أنتم إن لم تبيدوا سكان الأرض فالذين يبقون منهم يكونون لكم كأوتاد في أعينكم ورماح في أجنابكم ويشقون عليكم في الأرض التي تسكنونها) 56 (وما كنت عزمت أني أفعل بهم سأفعله بكم).
5 - في الباب السابع من سفر الاستثناء هكذا: 1 (إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي تدخل لترثها، وتبيد الشعوب الكثيرة من قدامك الحيثي والجرحيثاني والأموراني والكنعاني والفرزاني والحوايي واليوساني، سبعة أمم أكثر منكم عدداً وأشد منكم) 2 (وسلمهم الرب إلهك بيدك فاضربهم حتى إنك لا تبقي منهم بقية، فلا تواثقهم ميثاقاً ولا ترحمهم) 5 (ولكن فافعلوا بهم هكذا خربوا مذابحهم وكسروا أصنامهم وقطعوا مناسكهم وأوقدوا أوثانهم). فعلم من هذه العبارات أن الله أمر بإهلاك كل ذي حياة من الأمم السبع وعدم الرحمة عليهم، وعدم المعاهدة معهم وتخريب مذابحهم، وكسر أصنامهم، وإحراق أوثانهم، وقطع مناسكهم، وشدد في إهلاكهم تشديداً بليغاً، وقال: إن لم تهلكوهم أفعل بكم ما كنت عزمت أن أفعله بهم. ووقع في حق هذه الأمم السبعة (أنهم أكثر منكم عدداً وأشد منكم). وقد ثبت في الباب الأول من سفر العدد أن عدد بني إسرائيل الذين كانوا صالحين لمباشرة الحروب، وكانوا أبناء عشرين سنة وما فوقها، كان ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رجلاً، وأن اللاويين مطلقاً ذكوراً أو إناثاً، وكذا إناث سائر الأسباط الإحدى عشر مطلقاً، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة خارجون عن هذا العدد، ولو أخذنا عدد جميع بني إسرايل، وضممنا المتروكين والمتروكات كلهم بالمعدودين، لا يكون الكل أقل من ألفي ألف وخمسمائة ألف، أعني مليونين ونصف مليون، وهذه الأمم السبعة إذا كانت أكثر منهم عدداً وأشد منهم، فلا بد أن يكون عدد هذه الأمم، أكثر من عددهم. وألف القسيس دقتركيث كتاباً باللسان الإنكليزي، في بيان صدق الإخبارات عن الحوادث المستقبلة المندرجة في كتبهم المقدسة، وترجمه القسيس مريك باللسان الفارسي وسماه كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل. وهذه الترجمة طبعت في أدن برغ سنة 1846 من الميلاد وسنة 1262 من الهجرة. ففي الصفحة 26 من هذه الترجمة: (علم من الكتب القديمة أن البلاد اليهودية كان فيها قبل خمسمائة وخمسين سنة من الهجرة ثمانية كرورات) أي ثمانون مليوناً (من ذي حياة) انتهى. فالغالب أن هذه البلاد في عهد موسى عليه السلام، كانت معمورة مثلها أو أزيد منها، فأمر الله بقتل ثمانين مليونات أو أكثر منها من ذي حياة.
6- في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج هكذا: (من يذبح للأوثان فليقتل).
7- من طالع الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، علم أن الداعي إلى عبادة غير الله، ولو كان نبياً صاحب معجزات، واجب القتل، وكذا الداعي إلى عبادة الأوثان واجب الرجم، وإن كان من الأقارب أو من الأصدقاء. وإن عبدها أهل القرية، يقتل هؤلاء كلهم ودوابهم بحد السلاح وتحرق القرية ومتاعها وأموالها بالنار وتجعل تلاً، ثم لا تبنى.
8- في الباب السابع عشر من سفر الاستثناء هكذا: 2 (إذا وجد عندك جوأة أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة، تعمل سيئة قدام الرب إلهك ويعدوا ميثاقه) 3 (ليذهبوا ويعبدوا آلهة أخرى ويسجدوا لها ويسجدوا للشمس والقمر، ولكل أجناد السماء ما لم آمر به أنا) 4 (وأنت أخبرت بذلك وسمعت ذلك، وفحصت عنه بحرص فوجدت أن ذلك حق، وأنها قد صنعت رجاسة فاخرج الرجل الذي فعل الفعل السيء أو الامرأة إلى أبواب قريتك وارجموه بالحجارة).
9- في الباب الثالث من سفر الخروج هكذا: 21 (وأعطى نعمة لهذا الشعب قدام المصريين وإذا ما أردتم الخروج، فلا تخرجوا فارغين) 22 (بل تسأل الامرأة مِنْ جارتها، ومِن التي هي ساكنة دارها، أواني فضة، وذهب، وثياباً وتضعونها على بنيكم، وبناتكم، وتسلبون مصر). ثم في الباب الحادي عشر من السفر المذكور قول الله لموسى عليه السلام هكذا: 1 (فتحدث في مسمع الشعب أن يسأل الرجل صاحبه، والمرأة من صاحبتها أواني فضة، وأواني ذهب) 3 (والرب يعطي لشعبه نعمة قدام المصريين). ثم في الباب الثاني عشر من السفر المذكور هكذا: 35 (وفعل بنو إسرائيل كما أمر موسى، واستعاروا من المصريين أواني فضة، وذهب، وشيئاَ كثيراً من الكسوة) 36 (فأما الرب أوهب نعمة لشعبه أمام المصرين أن يعيروهم واستلبوا المصريين). فإذا كان عدد بني إسرائيل كما علمت، واستعار رجالهم ونساؤهم من المصريين، يكون ما استعاروه مالاً غير محصور، كما وعد الله أولاً بأنكم تسلبون مصر، ثم أخبر ثانياً واستلبوا المصريين لكنه أجاز لهم السلب بحيلة الاستعارة، التي هي في الظاهر خديعة وغدر.
10- في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج في حال عبادة العجل هكذا: 25 (فنظر موسى عليه السلام الشعب أنه قد صار عرياناً إنما عراه هارون لعار النجاسة، وجعله عرياناً بين الأعداء) 26 (فوقف في باب المحلة، وقال من كان من حزب الرب فليقبل إلي فاجتمع إليه جميع بني لاوى) 27 (وقال لهم هذا ما يقول الرب إله إسرائيل ليتقلد كل رجل منكم سيفه فجوزوا في وسط المحلة من باب إلى باب، وارتدوا وليقتل الرجل منكم أخاه، وصاحبه، وقريبه) 28 (فصنع بنو لاوى كما أمرهم موسى عليه السلام فقتلوا في ذلك اليوم من الشعب نحو ثلاثة وعشرين ألف رجل). فقتل موسى عليه السلام على عبادة العجل ثلاثة وعشرين ألفاً. واعلم أنه وقع في الترجمة العربية سنة 1831، وسنة 1844، وسنة 1848 التي نقلت عنها هذه العبارة لفظ ثلاثة وعشرين ألف رجل.
11- في الباب الخامس والعشرين من سفر العدد، أن بني إسرائيل لما زنوا ببنات الموات، وسجدوا لآلهتهن، أمر الرب بقتلهم، فقتل موسى أربعة وعشرين ألفاً منهم.
12- من طالع الباب الحادي والثلاثين من سفر العدد، ظهر له أن موسى عليه السلام لما أرسل اثني عشر ألف رجل مع فنيحاس بن العازار لمحاربة أهل مديان، فحاربوا وانتصروا عليهم، وقتلوا كل ذكر منهم، وخمسة ملوكهم وبلعام، وسبوا نسائهم، وأولادهم، ومواشيهم كلها، وأحرقوا القرى والدساكر والمدائن بالنار، فلما رجعوا غضب عليهم موسى عليه السلام، وقال: لِمَ استحييتم النساء، ثم أمر بقتل كل طفل مذكر، وكل امرأة ثيبة، وإبقاء الأبكار، ففعلوا كما أمر، وكانت الغنيمة من الغنم ستمائة وخمسة وسبعين ألفاً، ومن البقر اثنين وسبعين ألفاً، ومن الحمير أحداً وستين ألفاً، ومن الأبكار اثنتين وثلاثين ألفاً، وكان لكل مجاهد ما نهب من غير الدواب، والإنسان، وما بين مقداره في هذا الباب غير أن رؤساء الألوف والمئين، أعطوا الذهب لموسى والعازار ستة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسين مثقالاً. وإذا كان عدد النساء الأبكار اثنتين وثلاثين ألفاً، فكم يكون مقدار المقتولين من الذكور مطلقاً، شيوخاً كانوا أو شباناً أو صبياناً، ومن النساء الثيبات.
13- عمل يوشع عليه السلام بعد موت موسى عليه السلام على الأحكام المندرجة في التوراة، فقتل المليونات الكثيرة، ومن شاء فليطالع هذا في كتابه من الباب الأول إلى الباب الحادي عشر، وقد صرح في الباب الثاني عشر من كتابه، أنه قتل إحدى وثلاثين سلطاناً من سلاطين الكفار، وتسلط بنو إسرائيل على مملكتهم.
14- في الباب الخامس عشر من سفر القضاة في حال شمشون هكذا: (ووجد فكاً أعني خد حمار، فمد يده وأخذه، وقتل به ألف رجل).
15 - في الباب السابع والعشرين من سفر صموئيل الأول: 8 (وصعد داود ورجاله، وكانوا ينهبون أهل جاسور وجرز وعمالق، لأن هؤلاء كانوا سكان الأرض من الدهر من حد سوراً حتى حد مصر) 9 (وكان يخرب داود كل الأرض، ولم يكن يبقى منهم رجلاً، ولا امرأة، ويأخذ الغنم، والبقر، والحمير، والجمال، والأمتعة، وكان يرجع ويأتي إلى أخيس). انظروا إلى فعل داود عليه السلام أنه كان يخرب الأرض، وما كان يبقي رجلاً، ولا امرأة من أهل جاسور، وجرز، وعمالق، وينهب دوابهم وأمتعتهم.
16- في الباب الثامن من سفر صموئيل الثاني: 2 (وضرب الموابيين ومسحهم بالحبال وأضجعهم على الأرض، ومسح حبلين للقتل وكمل حبلاً واحداً للاستحياء، وكان الموابيون عبيداً لداود يؤدون إليه الخراج) 3 (وضرب داود أيضاً هدر عازار بن راحوب ملك صوبا) الخ 5 (فأتت أرام دمشق ليعينوا هدر عازار ملك صوبا، وضرب داود من أرام اثنين وعشرين ألف رجل). فانظروا إلى فعل داود عليه السلام بالموابيين، وهدر عازار، وجيشه وجيش أرام.
17- الآية الثامنة عشر من الباب العاشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (وهرب السريانيون من بين يدي إسرائيل، وقتل داود من السريانيين سبعمائة مركب، وأربعين ألف فارس، وسوباك رئيس الجيش ضربه فمات في ذلك المكان).
18- وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: 29 (فجمع داود جميع الشعب، وسار إلى راية فحارب أهلها، وفتحها) 30 (وأخذ تاج ملكهم عن رأسه وكان وزنه قنطاراً من الذهب، وكان فيه جواهر مرتفعة ووضعوه على داود، وغنيمة القرية أخرجها كثيرة جداً) 31 (والشعب الذي كانوا فيها أخذهم ونشرهم بالمناشير وداسهم بموارج حديد، وقطعهم بالسكاكين وأجازهم بقمين الأجاجر، كذلك صنع بجميع قرى بني عمون، ورجع داود وجميع الشعب إلى أورشليم). ونقلت هذه العبارة لفظاً لفظاً، عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831، وسنة 1844. فانظروا كيف قتل داود عليه السلام بني عمون قتلاً شنيعاً، وأهلك جميع القرى بمثل هذا العذاب العظيم الذي لا يتصور فوقه.
19- في الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول: أن إيليا عليه السلام ذبح أربعمائة وخمسين رجلاً من الذين يدعون أنهم أنبياء بعل.
20- لما فتح أربعة ملوك سادوم، وعامورة، ونهبوا جميع أموال أهاليهما، وأسروا لوطاً عليه السلام، ونهبوا ماله أيضاً. ووصل هذا الخبر إلى إبراهيم عليه السلام، خرج إبراهيم عليه السلام ليخلص لوطاً عليه السلام. ففي بيان هذا الحال في الباب الرابع عشر من سفر التكوين هكذا: 14 (فلما سمع إبرام أن لوطاً ابن أخيه سبي فأحصى غلمانه أولاد بيته ثلثمائة وثمانية عشر، وانطلق في أثرهم حتى أتى دان) 15 (وفرق أرفاقه، ونزل عليهم ليلاً، وضربهم، وطردهم إلى حوبا التي هي من شمال دمشق) 16 (واسترد المقتنى كله، ولوطاً ابن أخيه وماله، والنسوة أيضاً، والشعب) 17 (وخرج ملك سادوم للقائه بعد ما رجع من قتل كدرلغمور، والملوك الذين معه في وداي شوا الذي هو وادي الملك).
21- في الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية هكذا: 32 (وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون، وباراق، وشمسون ويفتاح، وداود، وصموئيل، والأنبياء) 33 (الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا براً نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود) 34 (أطفؤا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء). فظهر من كلام مقدسهم بولس، أن قهر هؤلاء الأنبياء ممالك، وإطفائهم النار ونجاتهم من حد السيف، وهزمهم جيوش الكفار، كان من جنس البر، لا من جنس الإثم. وكان منشؤها قوة الإيمان، ونيل مواعد الرحمن، لا قساوة القلب والظلم. وإن كان أفعال بعضهم في صورة أشد أنواع الظلم، سيما في قتل الصغار الذين ما كانوا متدنسين بدنس الذنوب، وقد عد داود عليه السلام جهاداته من الحسنات حيث قال في الزبور الثامن عشر: 20 (ويجازيني الرب مثل بري ومثل طهارة يدي يكافئني) 21 (لأني حفظت طرق الرب، ولم أكفر بإلهي) 22 (لأن جميع أحكامه قدامي، وعدله لم أبعده عني) 23 (وأكون طهارة يدي قدام عينيه). وقد شهد الله أن جهاداته وسائر أفعاله الحسنة كانت مقبولة عند الله في الآية الثامنة من الباب الرابع عشر من سفر الملوك. الأول قول الله هكذا: (داود عبدي الذي حفظ وصاياي، وتبعني من كل قلبه وعمل بما حسن أمامي). فما قال صاحب ميزان الحق وغيره من علماء بروتستنت، أن جهادات داود عليه السلام كانت لأجل سلطنته ومملكته، فمنشؤه قلة الديانة، لأن قتل النساء والأطفال وكذا جميع أهل بعض البلاد ما كان ضرورياً لأجل هذا المصلحة، على أنا نقول أنا لو فرضنا أن هذا القتل كان لأجل السلطنة، لكنه لا يخلو إما أن يكون مرضياً للّه وحلالاً له، أو يكون مبغوضاً عند الله ومحرماً عليه، فإن كان الأول ثبت مطلوبنا، وإن كان الثاني لزم كذب قوله وقول مقدسهم، وكذب شهادة الله في حقه، ولزوم أن يكون دماء ألوف من المعصومين، وغير واجبي القتل في ذمته. ودم البريء الواحد يكفي للهلاك، فكيف تحصل له النجاة الأخروية. في الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا: (وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه). وفي الباب الحادي والعشرين من المشاهدات: (وأما الجبانون والكفار والمرذولون والقتلة والزناة والسحرة وعبدة الأوثان، وكل الكذابين يكون نصيبهم في البحيرة الموقدة بالنار والكبريت). هذا هو الأمر الثاني والعياذ بالله، وحذراً من التطويل أكتفي على هذا القدر.
(الأمر الثالث) لا يشترط أن تكون الأحكام العملية الموجودة في الشريعة السابقة، باقية في الشريعة اللاحقة بعينيها، بل لا يشترط أن تكون هذه الأحكام العملية في شريعة واحدة من أولها إلى آخرها، بل يجوز أن تختلف هذه الأحكام بحسب اختلاف المصالح والأزمنة والمكلفين، وقد عرفت هذه الأمور في الباب الثالث بما لا مزيد عليه، فكان الجهاد مشروعاً في الشريعة الموسوية على طريق هو أشنع أنواع الظلم عند منكري النبوة، ولم تبق مشروعيته في الشريعة العيسوية، وما كان بنو إسرائيل مأمورين بالجهاد قبل خروجهم عن مصر، وصاروا مأمورين به بعد خروجهم، وعيسى عليه السلام يقتل الدجال وعسكره بعد نزوله. كما هو مصرح به في الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي، والباب التاسع عشر من المشاهدات. وكذا لا يشترط أن تكون معاملة تنبيه الكفار والعصاة على طريقة واحدة كما علمت في الأمر الأول، فلا يجوز لمن يعتقد النبوة والوحي أن يعترض في مثل هذه الأمور على شريعته، فلا يجوز له أن يقول أن إهلاك كل ذي حياة غير أهل السفينة في طوفان نوح عليه السلام، وإهلاك أهل سادوم وعامورة ونواحيهما في عهد لوط عليه السلام، وإهلاك كل ولد أكبر من أولاد الإنسان والبهيمة من أهل مصر، ليلة خروج بني إسرائيل عنها في عهد موسى عليه السلام، كان ظلماً سيما إهلاك ألوف في حادثة الطوفان، وإهلاك ألوف في الحادثتين الأخيرتين من أولاد الإنسان الصغار، وأولاد البهيمة التي هي ما كانت مدنسة بذنب من الذنوب. وكذا لا يجوز أن يقول أن قتل الأمم السبعة كلها بحيث لا تبقى منهم بقية ما سيما قتل أولادهم الصغار الذين ما كانوا اقترفوا ذنباً ظلم، أو أن يقول أن قتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال من غير الأمم السبعة، أو أن قتل ذكور المديانيين كلهم حتى الطفل الرضيع، وكذا قتل نسائهم الثيبات كلها وإبقاء الأبكار لأجل أنفسهم، ونهب الأموال والدواب ظلم، أو أن يقول أن جهادات داود عليه السلام، وجهادات سائر الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، أو أن ذبح إيليا عليه السلام أربعمائة وخمسين رجلاً من أنبياء بعل، أو أن قتل عيسى عليه السلام بعد نزوله الدجال وعسكره ظلم، لا يجوز العقل أن يفعل الله أو يأمر أحداً بأمثال هذا الظلم، وكذا لا يجوز أن يقول أن قتل الذابح للأوثان، وكذا قتل من يرغب إلى عبادة غير الله، وكذا قتل أهل القرية كلها إذا ثبت منهم الترغيب، وكذا قتل موسى عليه السلام ثلاثة وعشرين ألفاً من عبدة العجل، وكذا قتل موسى عليه السلام أربعة وعشرين ألفاً من الذين زنوا ببنات مواب وسجدوا لآلهتهن ظلم شنيع، وفي هذه الأحكام إجبار بأن يثبت الإنسان على الشريعة الموسوية لأجل خوف القتل والرجم، وظاهر أن الإيمان القلبي لا يمكن أن يحصل بالإجبار بل يستحيل أن يحصل للإنسان محبة الله أيضاً بالإجبار. فأمثال هذه الأحكام لا تكون من جانب الله، نعم من لا يكون معتقداً بالنبوة والشرائع، ويكون ملحداً وزنديقاً وينكر أمثال هذه الأمور لم تستبعد منه، لكنا لا كلام لنا معه في هذا الكتاب، بل كلامنا فيه مع المسيحيين عموماً وعلماء بروتستنت خصوصاً.
(الأمر الرابع) أن علماء بروتستنت يدعون كذباً أن دين الإسلام شاع بالسيف، وهذا الادعاء غير صحيح كما علمت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، وأفعالهم غير أقوالهم، فإنهم وكذا أسلافهم من أهل التثليث إذا تسلطوا تسلطاً تاماً، اجتهدوا في إمحاء المخالفين، وأنا أنقل بعض الحالات من كتبهم ورسائلهم فأنقل حالهم بالنسبة إلى اليهود من كتاب كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل الذي عرفته في بيان الأمر الثاني فأقول:
قال صاحبه في الصفحة 27: (القسطنطين الأعظم الذي كان قبل الهجرة بثلثمائة سنة تقريباً أمر بقطع آذان اليهود وإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، ثم أمر ملك الملوك الرومي في القرن الخامس من القرون المسيحية، بإخراجهم من البلدة السكندرية التي كانت مأمنهم من مدة، وكانوا يجيئون إليها من كل جانب، فيستريحون فيها. وأمر بهدم كنائسهم ومنع عبادتهم، وعدم قبول شهادتهم وعدم نفاذ الوصية أن أوصى أحد منهم لأحد في ماله، ولما ظهر منهم بغاوة ما لأجل هذه الأحكام نهب جميع أموالهم وقتل كثيراً منهم، وسفك الدماء بظلم ارتعد به جميع يهود هذا الإقليم.
ثم قال في الصفحة 28: (أن يهود البلد انطيوح لما أسروا بعد ما صاروا مغلوبين، قطع أعضاء البعض، وقتل البعض، وأجلى الباقين منهم كلهم، وظلم ملك الملوك في جميع مملكته هؤلاء المشاركين بأنواع الظلم، ثم أجلاهم من مملكته آخر الأمر. وهيج ولاة الممالك الأخرى على أن يعاملوا اليهود هذه المعاملة، فكان حالهم أنهم تحملوا الظلم من آسيا إلى أقصى حد أوربا، ثم بعد مدة قليلة كلفوا في مملكة اسبنيول لقبول شرط من الشروط الثلاثة: أن يقبلوا الملة المسيحية فإن أبوا عن قبولها يكونون محبوسين، وإن أبوا عن كليهما يجلون من أوطانهم، وصار مثل هذه المعاملة معهم في ديار فرانس. فهؤلاء المساكين كانوا ينتقلون من إقليم إلى إقليم ولا يحصل لهم موضع القرار، ولم يحصل لهم الأمن في آسيا الكبير أيضاً بل قتلوا في كثير من الأوقات كما قتلوا في ممالك الفرنج.
ثم قال في الصفحة 29: (أن أهل ملة كتلك كانوا يظلمونهم باعتقاد أنهم كفار وعظماء هذه الملة عقدوا مجلساً للمشورة، وأجروا عليهم عدة أحكام: (الأول): من حمى يهودياً على ضد مسيحي يكون ذا خطأ، ويخرج عن الملة. (والثاني): أنه لا يعطى يهودي منصباً في دولة من الدول. (والثالث): لو كان مسيحي عبد يهودي فهو حر. (والرابع): لا يأكل أحد مع اليهودي، ولا يعامله. (والخامس): أن ينزع الأولاد منهم وتربى في الملة المسيحية، وهكذا كان أحكام أخر). أقول لا شك أن الحكم الخامس أشد أنواع الإكراه. ثم قال: (كانت عادة أهل البلدة ثولوس من إقليم فرانس أنهم كانوا يلطمون وجوه اليهود في عيد الفصح، وكان رسم البلدة بزيرس أن أهلها من أول يوم الأحد من أيام العيد إلى يوم العيد، كانوا يرمون اليهود بالحجارة، وكان يكثر القتل أيضاً في هذا الرمي، وكان حاكم البلدة المسيحي المذهب يهيج أهلها على هذا الفعل.
ثم قال في الصفحة 30 و 31: (دبر سلاطين فرانس في حق اليهود أمراً، وهو أنهم كانوا يتركون اليهود إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته، ثم لما صار فلب أوك سطس سلطاناً في فرانس، أخذ أولاً الخمس من ديون اليهود التي كانت على المسيحيين، وأبرأ من الباقي ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود حبة، ثم أجلى اليهود كلهم من مملكته، ثم جلس على سرير السلطنة سنط لوئيس وهو يطلب اليهود مرتين في مملكته وأجلاهم مرتين، ثم أجلى جرلس السادس اليهود من مملكة فرانس، وقد ثبت من التواريخ، أن اليهود أجلوا من مملكة فرانس سبع مرات، وعدد اليهود الذين أخرجوا من مملكة اسبنيول لو فرض في جانب القلة، لا يكون أقل من ألف وسبعين ألف بيت، وفي مملكة نمسا قتل كثير منهم ونهب كثير منهم ونجا منهم قليل وهم الذين تنصروا، ومات كثير منهم بأن سدوا أولاً أبوابهم، ثم أهلكوا أنفسهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم، إما بالإغراق في البحر أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم في الجهاد المقدس، وكان الإنكليز اتفقوا على أن يظلموا اليهود، فلما حصل اليأس العظيم ليهود البلدة يرك بسبب الظلم، قتل بعضهم بعضاً فقتل ألف وخمسمائة من الرجال والنساء والأطفال، وصاروا أذلاء في هذه المملكة بحيث إذا بغى الأمراء على السلطان قتلوا سبعمائة يهودي ونهبوا أموالهم، لأجل أن يظهروا شوكتهم على الناس، وسلب رجار دوجان وهنري الثالث من سلاطين إنكلترة مراراً، أموال اليهود ظلماً سيما هنري الثالث، فإنه كانت عادته أنه كان ينهب اليهود بكل طريق على وجه الظلم، وعدم الرحم، وكان جعل أغنيائهم الكبار فقراء وظلمهم بحيث رضوا على الجلاء، واستجازوا أن يخرجوا من مملكته، لكنه ما قبل هذا الأمر منهم أيضاً. ولما جلس ادورد الأول على سرير السلطنة، ختم الأمر بأن نهب أموالهم كلها ثم أجلاهم من مملكته، فأجلى أزيد من خمسة عشر ألف يهودي في غاية العسر).
ثم قال في الصفحة 32: (نقل مسافر اسمه سوتي أنه كان حال قوم برتكال قبل خمسين عاماً، أنهم كانوا يأخذون اليهودي ويحرقونه بالنار، ويجتمع رجالهم ونساؤهم يوم إحراقه كاجتماع يوم العيد، وكانوا يفرحون وكانت النساء يصحن وقت إحراقه لأجل الفرح).
ثم قال في الصفحة 33: (أن البابا الذي هو عظيم فرقة كاتلك قرر عدة قوانين شديدة في حق اليهود). انتهى كلام كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل.
وقال صاحب سير المتقدمين: (أن السلطان السادس من قسطنطين الأول، أمر بمشورة أمرائه في سنة 379 أن يتنصر كل من هو في السلطنة الرومية ويقتل من لم يتنصر) انتهى. وأي إكراه أزيد من هذا.
ولطامس نيوتن تفسير على الإخبار عن الحوادث المستقبلة المندرجة في الكتب المقدسة. وطبع هذا التفسير سنة 1803 في البلد لندن. ففي الصفحة 65 من المجلد الثاني في بيان تسلط أهل التثليث على أورشليم هكذا: (فتحوا أورشليم في الخامس عشر من شهور تموز الرومي سنة 1099 بعد ما حاصروا خمس أسبوعات وقتلوا غير المسيحيين، فقتلوا أزيد من سبعين ألفاً من المسلمين وجمعوا اليهود وأحرقوهم ووجدوا في المساجد غنائم عظيمة) انتهى.
وإذا عرفت حال ظلمهم في حق اليهود خصوصاً، وفي حق رعية السلطنة عموماً، وما فعلوا عند تسلطهم على أورشليم، فالآن أذكر نبذاً مما فعل كاتلك بالنسبة إلى غيرهم من المسيحيين، وأنقل هذه الحالات عن كتاب الثلاث عشرة رسالة الذي طبع في بيروت سنة 1849، من الميلاد باللسان العربي فأقول:
قال في الصفحة 15 و 16: (أما الكنيسة الرومانية فقد استعملت مرات كثيرة الاضطهادات والطرد المزعج ضد البروتستانت، أي الشهود أو بالحري الشهداء، وذلك في ممالك أوربا. ويظن أنها أحرقت في النار أقل ما يكون مائتين وثلاثين ألفاً من الذين آمنوا بيسوع دون البابا، واتخذوا الكتب المقدسة وحدها هدى وإرشاداً لإيمانهم وأعمالهم، وقد قتلت أيضاً منهم ألوف وربوات بحد السيف والحبوس والكلبتين، وهي آلة لتخليع المفاصل بالجذب، وأفظع العذابات المتنوعة. ففي فرنسا قتل في يوم واحد ثلاثون ألف رجل وذلك في اليوم الملقب بيوم ماريرثو لماوس، وعلى هذا الأسلوب أذيالها مختضبة بدماء القديسين) انتهى كلامه بلفظه.
وفي الصفحة 338 في الرسالة الثانية عشر من الكتاب المذكور: (يوجد قانون وضع في المجمع الملتم في توليد وفي سبانيا يقول أننا نضع قانوناً: أن كل من يقبل إلى هذه المملكة فيما بعد، لا تأذن له أن يصعد إلى الكرسي إن لم يحلف أولاً أنه لا يترك أحداً غير كاثوليكي يعيش في مملكته، وإن كان بعد ما أخذ الحكم يخالف هذا العهد فليكن محروماً، فدام الإله السرمدي وليصر كالحطب للنار الأبدية). مجموع المجامع من كارتراوجه 404 (والمجمع اللاتراني يقول أن جميع الملوك والولاة وأرباب السلطنة فليحلفوا أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة، ولا يتركون أحداً منهم في نواحيهم، وأن كانوا لا يحفظون هذه اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم) رأس 3 (وهذا القانون قد ثبت أيضاً في مجمع قسطنطيا) جلسة 45 (ومن رسم البابا مرتينوس الخامس) عن ضلال فيكل. (وفي اليمين التي حلفت بها الأساقفة تحت رياسة البابا بولينوس الثالث سنة 1551 يوجد هذا الكلام: أن الأراتقة وأهل الانشقاق والعصاة على سيدنا البابا وخلفائه هؤلاء بكل قوتي أطردهم وأبيدهم). والمجمع اللاتراني ومجمع قسطنطيا يقولون: (أن الذي يمسك الأراتقة له إذن وسلطة أن يأخذ منهم كل ما لهم ويستعمله لنفسه من غير مانع) مجمع لا تراني 4 مجلد 2 فصل 1 وجه 152 ومجمع قسطنطيا جلسة 45 مجلد 7 (والبابا اينوشنيسوس الثالث يقول أن هذا القصاص على الأراتقة نحن نأمر به كل الملوك والحكام ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية) رسم 7 كتاب 5.
وفي سنة 1724 وضع الملك لويس الحادي عشر ثمانية عشر قانوناً.
أولها: أننا نأمر أن الديانة الكاتوليكية وحدها، مأذونة في مملكتنا، وأما الذين يتمسكون بديانة أخرى فليذهبوا إلى الاعتقال طول حياتهم، والنساء فلتقطع شعورهن ويحبسن إلى الموت.
وثانيها: أننا نأمر أن جميع الواعظين الذي جمعوا جماعات على غير العقائد الكاتوليكية، والذين علموا أو مارسوا عبادة مخالفة لها يعاقبون بالموت. وفي مخاطبة الأساقفة في سبانيا للملك سنة 1765 يقولون له أعط الرسوم كل قوتها، والديانة كل مجدها، لكن تسبب هذه المقالة منا تجديد قوانين سنة 1724 المذكورة: (وكان من جملة رسوم إنكلترا تحت رياسة البابا أن كل من يقول أنه لا يجوز أن يسجد للايفونات يحبس في السجن الشديد حتى يحلف أنه يسجد لها، والأسقف أو القاضي الكنايسي له سلطان أن يحضر إليه، أو يحبس كل من يقع عليه الشبهة أنه أراتيكي، والأراتيكي العنيد فليحرق بالنار قدام الشعب، وجميع الحكام فليحلفوا أنهم يعينون هذا القاضي على استئصال الأراتقة الذين عندما تظهر أرتقتهم تسلب أموالهم ويسلمون إليه، وتمحى خطاياهم بلهيب النار). كوك فرائض عدد 3 وجه 40 و 41 وأيضاً عدد 4 وجه 15 (وبارونيوس يقول أن الملك كارلوس الخامس، كان يظن برأيه الباطل، أنه يستأصل الأراتقة ليس بالسيف بل بالكلام، وفي فهرس الكتاب المقدس المطبوع في رومية باللاتيني والعربي تحت حرف الهاء يوجد هذا التعليم: أن الأراتقة ينبغي لنا أن نهلكهم ويورد الإثبات على ذلك أن الملك ياهو قتل الكهنة الكذبة وإيليا ذبح كهنة باعل، وغير ذلك. فإذن هكذا ينبغي لأولاد الكنيسة أن يهلكوا الأراتقة).
ثم في الصفحة 347 و 348: (المؤرخ منتوان المتقدم في رياسة الكرمليين مع غيره من المؤرخين، يخبرنا عن كاروز بالإنجيل معتبر يقال له ثوما من رودن، أحرقه البابا بالنار لأنه كرز ضد فسادات الكنيسة الرومانية، والمؤرخون يدعونه قديساً وشهيداً حقيقياً للمسيح).
وفي الصفحة 350 إلى 355: (في سنة 1194 أمر الديفونسو ملك اراغون في إسبانيا بنفي الواضيين من بلاده، لأنهم أراتقة.. وفي سنة 1206 رغماً عن الأمير رايمون وإلى مدينة ثولوس، أرسل البابا قضاة بيت التفتيش إلى تلك المدينة، لأن الأمير المذكور كان قد أبى أن ينفي هؤلاء الواضيين، ثم بعد قليل أرسل ملك فرنسا بطلب البابا إلى تلك المدينة ونواحيها عسكراً، عدده ثلثمائة ألف، فحاصر الأمير رايمون في مدينته لأجل المحاماة عن نفسه، ولكي يدفع القوة بالقوة، فانذبح في ذلك القتال ألف ألف، وانكسر أهل رايمون وأحاط بهم كل صنف من الإهانات والعذابات، وكان البابا في حركة هذه الحروب يقول لقومه: إننا نعظمكم ونحتم عليكم أن تجتهدوا في ملاشاة هذه الأرتقة الخبيثة أرتقة الألبجيين أي الواضيين وتطردوهم بيد قوية أشد مما يكون ضد الساراجين أي المسلمين.. وفي سنة 1400 في آخر شهر كانون الأول، قام أهل البابا بغتة على الواضيين في أوديابيت مونت بلاد ملك سردينيا، فهربوا من وجوههم بلا قتال، ولكن قتل كثيرون بالسيف وكثيرون ماتوا بالثلج، ثم أن البابا بعد ذلك بسبع وثمانين سنة، كلف البرتوس ارشيديا كونوس في مدينة كريمونا أن يحارب الواضيين في النواحي القبلية من فرنسا، وفي أوديابيت مونت، حيث بقي البعض منهم من الذين رجعوا بعد الحرب في سنة 1400، وهذا الرجل المذكور تقدم حالاً ومعه ثمانية عشر ألف محارب، وأقام تلك الحرب التي استمرت نحو ثلاثين سنة على المسيحيين الذين قالوا: نحن في كل وقت نكرم الملك ونؤدي الجزية، ولكن أرضنا وديانتنا التي ورثناها من الله ومن آبائنا لا نريد أن نتركها، وفي كالابريا من بلاد إيطاليا سنة 1560 قتل ألوف ألوف، من البروتستنتيين، بعضهم قتل من العسكر وبعضهم من محكمة بيت التفتيش. قال أحد المعلمين الرومانيين: إنني أرتعد كلما أفتكر بذلك الجلاد والخنجر الدموي بين أسنانه والمنديل يقطر دماً بيده وهو متلطخ بيديه إلى الأكارع، يسحب واحداً بعد واحد من السجن، كما يفعل الجزار بالغنم.. وفي سنة 1601 نفى دوك السافوي خمسمائة عيلة من الواضيين.. وأيضاً سنة 1655 وسنة 1676 تجددت الاضطهادات عليهم في أوديابيد مونت، لأن الملك لويس الرابع عشر بإشارة من البابا تقدم إليهم بجيشه، وهم في بيوتهم بغاية الطمأنينة، فذبح العسكر خلقاً كثيراً منهم، ووضعوا في الحبس أكثر من عشرة آلاف، فمات كثير منهم من الزحام والجوع، والذين سلموا أخرجوهم لكي ينزحوا من تلك البلاد، وكان ذلك اليوم شديد البرد والأرض مغطاة بالثلج. والجليد، فكان كثير من الأمهات وأولادهن في أحضانهن موتى على جانب الطريق من البرد.. وكارلوس الخامس سنة 1521، أخرج أمراً في طرد البروتستنتيين في بلاد فلامنك عن رأي البابا، وبسبب ذلك قتل خمسمائة ألف نفر.. وبعد كارلوس تولى ابنه فيلبس، ولما ذهب إلى إسبانيا سنة 1559، استخلف الأمير ألفاً على طرد البروتستنتيين، والمذكور في أشهر قليلة قتل على يد الجلاد الملوكي الشرعي ثمانية عشر ألفاً، وبعد ذلك كان يفتخر بأنه قتل في كل المملكة ستة وثلاثين ألفاً، والقتيل الذي يذكره المعلم كين في عيد ماربرثولماس، كان في 24 آب سنة 1572 في وقت السلامة الكاملة وكان (الملك ملك فرنسا قد وعد بأخته لأمير نافار وهو من علماء البروتستنتيين وأشرافهم، ثم اجتمع هو وأصدقاء أعيان كنيستهم في باريس لأجل استتمام الوعد بالزواج، ولما ضربت النواقيس لأجل الصلاة الصباحية، قاموا بغتة حسب اتفاقهم السابق على الأمير وأصحابه، وعلى جميع البروتستنتيين في باريس، فذبحوا منهم للوقت عشرة آلاف نفر، وهكذا جرى أيضاً في روين وليون وأكثر المدن في تلك البلاد، حتى قال البعض من المؤرخين أنه قتل نحو ستين ألفاً، واستمر هذا الاضطهاد مدة ثلاثين سنة، لأن البروتستنتيين مسكوا سلاحهم لكي يدفعوا القوة بالقوة، ومات في هذا الحرب منهم تسعمائة ألف، ولما سمع في رومية فعل ملك فرنسا في عيد ماربرثولماوس أطلقوا المدافع من الأبراج، وذهب البابا مع الكرديناليين ليرتل مزمور الشكر في كنيسة ماربطرس، وكتب شكراً وتعظيماً للملك على الخير والجميل الذي صنعه مع الكنيسة الرومانية بهذا العمل، فلما جلس الملك هنري الرابع على كرسي فرنسا قطع هذا الاضطهاد سنة 1593. ولكن يظن أنه قتل لأجل عدم تسليمه بالاغتصاب في أمر الدين. ثم إنه في سنة 1675 تجدد الاضطهاد وبعد ما قتل خلق كثير يقول المؤرخون أن خمسين ألفاً اضطروا أن يتركوا بلادهم لكي ينجوا من الموت) انتهى كلامه، ونقلت عبارة هذا الكتاب بألفاظها من الرسالة الثانية عشر.
وإذا عرفت حال ظلم فرقة كاتلك، فاعلم أن حال ظلم فرقة بروتستنت قريب منه، وأنقل هذا الحال عن كتاب مرآة الصدق الذي ترجمه القسيس طامس انكلس من علماء كاتلك، من اللسان الإنكليزي إلى أردو، وطبع سنة 1851 من الميلاد. ويوجد هذا الكتاب عند أهل هذه الفرقة في الهند كثيراً. في الصفحة 41 و 42: (سلب بروتستنت في ابتداء أمرهم ستمائة وخمسة وأربعين رباطاً، وتسعين مدرسة، وألفين وثلثمائة وستة وسبعين كنيسة، ومائة وعشر مارستانات من ملاكها، فباعوا بثمن بخس وقاسمها الأمراء فيما بينهم، وأخرجوا ألوفاً من المساكين المفلوكين عريانين من هذه الأمكنة). ثم قال في الصفحة 54: (امتد طمعهم أنهم ما تركوا الأموات أيضاً آذوا أجسادهم في نوم العدم وسلبوا أكفانهم).
ثم قال في الصفحة 48 و 49: (وضاعت في هذه الغنائم كتبخانات ذكرها جيء بيل متحسراً بهذه الألفاظ: إنهم سلبوا كتباً واستعملوا أوراقها في الشواء، وفي تطهير الشمعدانات والنعال، وباعوا بعض الكتب على العطارين وباعة الصابون، وباعوا كثيراً منها ما وراء البحر على أيدي المجلدين، وما كانت هذه الكتب مائة أو خمسين، بل المراكب كانت مملوءة منها، وأضاعوها بحيث تعجب الأقوام الأجنبية، وإني أعلم تاجر اشترى كتبخانتين كلا منهما بعشرين ربية. وبعد هذه المظالم ما تركوا من خزائن الكنائس إلا جداراً عريانة، ثم ظنوا أنفسهم من أهل الوقار وملؤوا الكنائس من أناس من أهل ملتهم). ثم قال في الصفحة الثانية والخمسين إلى الصفحة السادسة والخمسين: (فلنلاحظ الآن أفعال الجور التي فعلها بروتستنت في حق فرقة كاتلك إلى هذا الحين، أنهم قرروا أزيد من مائة قانون كلها خلاف العدل والرحمة، لأجل الظلم، ونحن نذكر عدة من هذه القوانين الجورية:
[1] لا يرث كاتلك تركة أبويه.
[2] لا يشتري واحد منهم أرضاً بعد ما يجاوز عمره ثماني عشر سنة إلا أن يصير بروتستنت.
[3] لا يكون لهم مكتب.
[4] لا يشتغل أحد منهم بالتعليم ومن خالف هذا الحكم يحبس دائماً.
[5] من كان من هذه الملة يؤدي ضعف الخراج.
[6] إن صلى أحد من قسوسهم فعليه أداء ثلثمائة وثلاثين ربية من ماله، وإن صلى أحد منهم ولا يكون قسيساً فعليه أداء ربية ويسجن سنة.
[7] إن أرسل أحد منهم ولده خارج إنكلترا للتعليم، يقتل هو وولده ويسلب أمواله ومواشيه كلها.
[8] لا يعطى لهم منصب من الدولة.
[9] من لم يحضر منهم يوم الأحد أو العيد في كنيسة بروتستنت، تؤخذ منه مائتا ربية في كل شهر، ويكون خارجاً عن الجماعة، ولا يعطى له منصب.
[10] من ذهب منهم بعيداً من لندن مسافة خمسة أميال، يؤخذ منه ألف ربية مصادرة.
[11] لا يسمع استغاثة أحد منهم عند الحكام بحسب القانون.
[12] ما كان أحد منهم يسافر أزيد من خمسة أميال، مخافة أن ينهب ماله ومتاعه، وكذا ما كان أحد منهم يقدر على الاستغاثة في أمر عند الحكام، مخافة أن يؤخذ منه ألف ربية مصادرة.
[13] لا تنفذ أنكحتهم ولا تجهيز موتاهم ولا تكفين الموتى ولا تعميد أولادهم، إلا إذا كانت هذه الأمور على طريقة كنيسة إنكلترا.
[14] إن تزوجت إحدى نساء هذه الملة، تأخذ الدولة من جهازها ثلثين، ولا ترث من تركة زوجها، ولا يوصي زوجها لها من تركته بشيء، ونساؤهم كن يحبسن إلى أن يعطي أزواجهن عشر ربيات في كل شهر أو يعطوا ثلث أراضيهم إلى الدولة.
[15] ثم صدر الحكم عاقبة الأمر إن لم يصر كلهم بروتستنت يسجنون ثم يجلون من أوطانهم مدة حياتهم، وإن أبوا عن الحكم أو رجعوا من الجلاء بدون الأمر كانوا ملزمين بإلزام عظيم.
[16] لا يحضر القسيس عند قتلهم ولا عند تجهيزهم وتكفينهم.
[17] لا يكون السلاح في بيت أحد منهم.
[18] لا يركب أحد منهم على حصان يكون ثمنه أزيد من خمسين ربية.
[19] إن أدى قسيس منهم أمراً من الخدمات المتعلقة به يسجن دائماً.
[20] القسيس الذي يكون مولده إنكلترا، ولا يكون من ملة بروتستنت، إن أقام أزيد من ثلاثة أيام في إنكلترا يتصور أنه غدار ويقتل.
[21] من أنزل القسيس المذكور على مكانه يقتل.
[22] لا تقبل شهادة كاتلك في العدالة.. وقتل على هذه القوانين الجورية في عهد الملكة اليصابت مائتان وأربعة أشخاص. كان مائة وأربعة منهم قسيسين والباقون من أهل الغنى، وما كان ذنبهم غير أنهم أقروا أنهم من ملة كاتلك، ومات تسعون قسيساً وكبار آخرون في السجن، وأجلى مائة وخمسة أشخاص مدة حياتهم، وضرب كثيراً منهم بالسياط وصودروا وحرموا من أموالهم، حتى هلك عشيرتهم، وقتلت ميري المشهورة ملكة أسكات، وكانت بنت الخالة للملكة اليصابت، لأجل كونها من ملة كاتلك).
ثم قال في الصفحة الحادية والستين إلى السادسة والستين: (حمل كثير من رهبانهم وعلمائهم بأمر الملكة اليصابت في المراكب، ثم أغرقوا في البحر. جاء عساكرها إلى إيرلاند ليدخلوا أهل ملة كاتلك في ملة بروتستنت، فأحرقوا كنائس كاتلك وقتلوا علماءهم، وكان يصطادونهم كاصطياد الوحوش البرية، وكانوا لا يؤمنون أحداً وإن أمنوا أحد قتلوه أيضاً بعد الأمان، وذبحوا العسكر الذي كان في حصن سمروك وأحرقوا القرى والبلاد، وأفسدوا الحبوب والمواشي وأجلوا أهلها بلا امتياز المنزلة والعمر. ثم أرسل بارلمنت سنة 1643 وسنة 1644 الباشوات ليسلبوا جميع أموال كاتلك وأراضيهم بلا امتياز بينهم، وبقي أنواع الظلم إلى زمن الملك جيمس الأول وحصل التخفيف في الظلم في عهده ثم رحمهم الملك سنة 1778، لكن البروتستنتيين سخطوا عليه وقدموا عرضحال إلى السلطان من جانب أربعة وأربعين ألفاً من فرقة بروتستنت في ثاني حزيران سنة 1780، واستدعوا أن يبقى بارلمنت القوانين الجورية في حق ملة كاتلك كما كانت. لكن بارلمنت ما التفتوا إليه فاجتمع مائة ألف من بروتستنت في لندن وأحرقوا الكنائس وهدموا أمكنة كاتلك. وكان الحريق يرى من موضع واحد في ستة وثلاثين مكاناً، وكانت هذه الفتنة قائمة إلى ستة أيام، ثم أوجد الملك قانوناً آخر سنة 1791 وأعطى ملة كاتلك حقوقاً هي حاصلة لهم إلى هذا الحين.
ثم قال في الصفحة 73 و 74: (ما سمعتم حال جارتراسكول الذي هو في ايرلاند هذا الأمر محقق، أن بروتستنت يجمعون في كل سنة مقدار مائتي ألف وخمسين ألف ربية، وكراء أكثر المكانات الكبيرة، ويشترون بها أولاد فرقة كاتلك الذين هم من المساكين المفلوكين. ويرسلوا بهم في العربيات إلى إقليم آخر بالخفية، لئلا يرى آباؤهم وأمهاتهم، ويقع كثيراً أن هؤلاء الأشقياء إذا رجعوا إلى أوطانهم، تزوجوا بأخواتهم أو إخوتهم أو آبائهم أو أمهاتهم للجهل وعدم الامتياز) انتهى كلامه.
والظلم الذي صدر عن بعض فرق بروتستنت بالنسبة إلى بعض آخر، لا أنقله حذراً من التطويل، وأكتفي على هذا القدر، وأقول: انظروا إلى هؤلاء الطاعنين على الملة المحمدية إنهم كيف أشاعوا ملتهم بالجور والظلم.
(الأمر الخامس) أن حكم الجهاد في الشريعة المحمدية هكذا يدعى الكفار أولاً بالموعظة الحسنة إلى الإسلام، فإن قبلوه فبها ويكونون كأمثالنا، وإن لم يقبلوا فإن كانوا من مشركي العرب فحكمهم القتل، كما كان هذا الحكم في الشريعة الموسوية في حق الأمم السبعة والمرتد والذابح للأوثان والداعي إلى عبادتها، وإن كانوا من غيرهم يدعون إلى الصلح بقبول الجزية والإطاعة، فإن قبلوا صارت دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا، وإن لم يقبلوا فيحاربون، مع مراعاة الشروط التي هي مصرح بها في كتب الفقه. كما كان مثله في الشريعة الموسوية في حق غير الأمم السبعة. والخرافات الني نقلها علماء بروتستنت في بيان هذه المسألة بعضها مفتريات وبعضها هذيانات.
وأنقل كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى رئيس عسكر فارس وكتاب الأمان من عمر رضي الله عنه لنصارى الشام ليظهر الحال على الناظر اللبيب.
أما الأول فصورته هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم من خالد ابن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس. سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإنا ندعوكم إلى الإسلام فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله، كما يحب فارس الخمر. والسلام على من اتبع الهدى).
وأما الثاني فصورته هكذا: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أماناً لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبرها وسائر ملتها، أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من صلبانهم ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وعلى صليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء رجع إلى أرضه وأنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله ﷺ وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك من الصحابة رضي الله عنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه) وكل الناس يعترفون أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان شديداً في الإسلام في غاية الشدة، وكان جهاد الشام من أعظم جهاداته وكان جاء بنفسه الشريف عند محاصرة إيلياء، ولما تسلط على إيلياء وقبل المسيحيون الجزية ما قتل أحداً ولا أكره على الإيمان وأعطاهم شروطاً حسنة، وقد اعترف به مؤرخوهم ومفسروهم أيضاً، كما عرفت من كلام طامس نيوتن في الفصل الثالث من الباب الأول، وقد عرفت في الأمر الرابع من هذا المبحث من كلام المفسر المذكور ما فعل المسيحيون في حق المسلمين واليهود إذ تسلطوا على إيلياء.
والفرق بين الشريعة المحمدية والموسوية في مسألة الجهاد أن الشريعة المحمدية أن يدعى الكافر فيها:
أولاً: بالموعظة الحسنة إلى الإسلام بخلاف الشريعة الموسوية وظاهر أنه لا قبح في هذه الدعوة، والامتناع بعد الإيمان عن القتل عين الإنصاف.. في الآية الحادية عشر من الباب الثالث والثلاثين من كتاب حزقيال: (يقول الرب الإله لست أريد موت المنافق بل أن يتوت المنافق من طريقه). والآية السابعة من الباب الخامس والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: (فليترك المنافق طريقه ورجل السوء أفكاره، وليرجع إلى الرب فيرحمه وإلى آلهنا لأنه كثير الغفران).
والثاني: أنه كان حكم قتل النساء والصبيان إذا كانوا من الأمم السبعة في الشريعة الموسوية، بخلاف الشريعة المحمدية، فإن هؤلاء لا يقتلون وإن كانوا من مشركي العرب، كما كانوا لا يقتلون في الشريعة الموسوية أيضاً إذا كانوا من غير الأقوام السبعة.
فإذا تمهدت هذه الأمور الخمسة أقول لا شناعة في مسألة الجهاد الإسلامي نقلاً وعقلاً. أما نقلاً فلما عرفته في الأمور المذكورة وأما عقلاً فلأنه قد ثبت بالبرهان الصحيح أن إصلاح القوة النظرية مقدم على إصلاح القوة العملية فإصلاح العقائد مقدم على إصلاح الأعمال، وهذه مقدمة مسلمة عند كافة الملبين، ولذلك لا تفيد الأعمال الصالحة بدون الإيمان عندهم. ولا يعاندنا المسيحيون أيضاً في هذا الباب لأن الأعمال الصالحة بدون الإيمان بالمسيح لا تنجي عندهم أيضاً. وأن الجواد الحليم المتواضع الكافر بعيسى عليه السلام أشر عندهم من البخيل الغضوب المتكبر المؤمن بعيسى عليه السلام. وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان قد تنبه على خطأه وقبحه بتنبيه الغير، وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان لا يطيع الحق غالباً لأجل وجاهة قومه وشوكتهم، ولا يصغي إلى قول رجل من صنف آخر بل يأنف من سماع كلامه، سيما إذا كان هذا القول مخالفاً لطبائع صنفه وأصولهم، ويكون في قبوله لزوم المشقة في أداء العبادات البدنية والمالية بخلاف ما إذا انكسرت وجاهة قومه وشوكتهم فلا يأنف من الإصغاء، وكذا قد ثبت بالتجربة أن العدو إذا رأى أن مخالفه مائل إلى الدعة والسكون يطمع في التسلط على مملكته، وهذا هو السبب الأغلبي في زوال الدول القديمة وبعد تسلطه تحصل المضرة العظيمة للدين والديانة ولذلك أضطر المسيحيون كافة إلى ما يخالف إنجيلهم المتداول:
فقال أهل ملة كاتلك: أن الكنيسة الرومانية لها سلطان حقيقي على كل مسيحي بواسطة العماد، لكون كل معتمد خاضعاً للكنيسة الرومانية ومرؤوساً منها وهي ملتزمة بقصاص العصاة بالعقوبات الكنائسية، وبأن تسلم المصرين على ضلالهم والمضرين للجمهور، إلى ذوي الولاية ليعاقبوهم بالموت، وبالتالي يمكنها إلزامهم بحفظ الإيمان الكاتلكي والشرائع الكنائسية تحت أي قصاص كان.
وقد نقل قولهم هذا إسحاق برد كان من علماء بروتستنت، في كتابه المسمى بكتاب الثلاث عشرة رسالة في الرسالة الثانية عشر في الصفحة 360 من النسخة المطبوعة سنة 1849 في بيروت.
وقال علماء بروتستنت من أهل إنكلترا سعادة الملك له الحكم الأعلى في مملكة إنكلترا هذه وفي ولاياته الأخر، وله السلطنة الأولى على جميع متعلقات هذه المملكة سواء كانت كنائسية أو مدنية في كل حال، وما هي خاضعة بل لا يصح أن تخضع لحاكم أجنبي، ويجوز للمسيحيين أن يتقلدوا السلاح بأمر الحكام ويباشروا الحروب. كما هو مصرح به في العقيدة السابعة والثلاثين من عقائد دينهم، فترك كلا الفريقين ظاهر أقوال عيسى عليه السلام أعني (لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين من سألك فأعطه). فإن هذه الأقوال تخالف ما مهدوه ولو عملوا على هذه الأقوال لا أقوال أزيد من هذا، إن سلطنة الإنكليز تزول من الهند في أيام معدودة ويخرجهم أهل الهند بلا كلفة.
ولذلك قال بعض الظرفاء الأذكياء أطال الله حياته قادحاً على هذه الأقوال إلزاماً: (تكليف للإنسان بما ليس في وسعه، ولا يمكن لدولة ما أن تعمل به، ولا يمكن إلزام أحد به إلا بعض الصيادين الذين لا رداء لهم فيؤخذ منهم ولا يعبؤون بإضاعة الوقت) انتهى كلامه.
ثم قال: (وذلك كله غير مذكور في مرقص ويوحنا مع أن النصارى كافة على إلقائهم العمل بهذه الأحكام ما زالوا يحتجون بها وبها يستدلون على أفضلية مذهبهم، فكيف ساغ إذا لمرقس ويوحنا أن يهملا ذلك ويتواطآ معاً على قصة حل الجحش. فهل من دأب المؤرخين أن يذكروا الخسيس من الأمور ويسكتوا عن الجليل، ولا سيما أنهم هم المخاطبون به ويمكن أن يقال أن من ذكره فإنما نظر إلى تكليف غيره، ومن سكت عنه فإنما خشي تكليف نفسه) انتهى كلامه بلفظه.
وقال بعض الملاحدة: إن هذه الأحكام التي يفخر بها المسيحيون لا تخلوا إما أن تكون مستحبة نظراً إلى بعض الحالات أو واجبة. فإن كانت مستحبة فلا بأس بها. لكنها لا تختص بالملة المسيحية فإن هذا الاستحباب نظراً إلى بعض الحالات يوجد في غير ملتهم أيضاً، وإن كانت واجبة فلا شك أنها منابع المفاسد والشرور وأسباب زوال الدول والراحة والاطمئنان والسرور وإذ ثبت ما ذكرت فلا شك في استحسان الجهاد عقلاً إذا كان جامعاً للشروط المذكورة في الشريعة المحمدية. وتذكرت حكاية مناسبة للمقام:
جاء بعض القسيسين في محكمة المفتي من محكمات الدولة الإنكليزية في الهند فقال: يا جناب المفتي لي سؤال على المسلمين أمهل المجيب إلى سنة لأداء جوابه. فأشار المفتي إلى ناظر المحكمة وكان رجلاً ظريفاً فقال: أي سؤال هذا قال القسيس: إن نبيكم ادعى أنه مأمور بالجهاد وما كان موسى مأمور به ولا عيسى. فقال الناظر: [ص 359] أهذا هو السؤال الذي تمهلنا إلى سنة لنتفكر في جوابه. قال القسيس: نعم. قال الناظر: لا نستمهلك، وأجيبك الآن لسببين: أما أولاً فلأنا متعلقون بالدولة الإنكليزية ولا فرصة لنا إلا في أيام التعطيل فمن يمهلنا إلى سنة. وأما ثانياً فلأن هذا السؤال لا يحتاج في جوابه إلى تأمل.. ماذا تقول في حق لجج (يعني الحاكم الإنكليزي الذي يكون بمنزلة القاضي في الشرع) أيجوز له بحسب القوانين الإنكليزية أن يقتل القاتل قصاصاً إذا ثبت القتل عليه عنده، قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور بهذا، بل منصبه أن يرسل هذا القاتل إلى شيشن جج (يعني الحاكم الكبير منه). قال: أيجوز لهذا الحاكم الكبير بحسب القوانين أن يقتله إذا ثبت القتل عنده. قال القسيس: لا، لأنه ليس بمأمور أيضاً، بل منصبه أن يحقق الأمر ثانياً ويخبر الحاكم الذي هو أعلى منه حتى يصدر حكم القتل عن هذا الأعلى ثم يحكم هذا الكبير بقتله. فقال الناظر: أهؤلاء الحكام الثلاثة ليسوا بمتعلقين بالدولة الواحدة الإنكليزية. قال القسيس: بلى لكن اختلاف الاقتدار لأجل مناصبهم. فقال الناظر: الآن ظهر الجواب من كلامك، فلا بد أن تعلم أن موسى وعيسى عليهما السلام بمنزلة الحاكمين الأولين ونبينا بمنزلة الحاكم الثالث الأعلى، فكما لا يلزم من عدم اقتدار الحاكمين الأولين عدم اقتدار الثالث فكذا لا يلزم من عدم اقتدار موسى وعيسى عليه السلام عدم اقتدار محمد ﷺ. فسكت القسيس وخرج خائباً.
فمن نظر إلى ما ذكرت بنظر الإنصاف، وتجنب عن العناد والاعتساف، علم يقيناً أن التشدد في مسألة الجهاد، وقتل المرتد والمرغب إلى عبادة الأوثان في الشريعة الموسوية، أشد وأكثر من التشدد الذي فيها في الشريعة المحمدية، وأن طعن المسيحيين خلاف الإنصاف جداً، وأتعجب من حالهم أنهم لا ينظرون إلى أن أسلافهم كيف أشاعوا ملتهم بالظلم وكيف قرروا القوانين الجورية لمخالفيهم. ولما طال هذا البحث لا أتعرض لهوساتهم المندرجة في رسائلهم. وفيما ذكرت كفاية لذفع هذه الهوسات وبالله التوفيق.