المقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها
(الأول) أني إذا أطلقت الكلام في هذا الكتاب في موضع من المواضع فهو منقول عن كتب علماء (البروتستنت) بطريق الإلزام والجدل، فإن رآه الناظر مخالفاً لمذهب أهل الإسلام فلا يقع في الشك، وإذا نقلت عن الكتب الإسلامية أشرت إليه غالباً إلا أن يكون مشهوراً.
(الثاني) أن النقل غالباً في هذا الكتاب من كتب فرقة البروتستنت سواء كانت تراجم أو تفاسير أو تواريخ، لأن هذه الفرقة هي المتسلطة على مملكة الهند، ومن علمائها وقعت المناظرة والمباحثة، ووصلت إلى كتبها، وقليلاً ما يكون عن كتب فرقة الكاثوليك أيضاً.
(الثالث) أن التبديل والإصلاح بمنزلة الأمر الطبيعي لفرقة البروتستنت، ولذلك ترى أنه إذا طبع كتاب من كتبهم مرة أخرى يقع غالباً فيه تغيير كثير بالنسبة إلى المرة الأولى، إما بتبديل بعض المضامين أو بزيادتها أو نقصانها، أو تقديم المباحث وتأخيرها فإذا قوبل المنقول عن كتبهم بالكتب المنقول عنها، فإن كانت تلك الكتب مطبوعة من جنس الكتب التي نقل عنها الناقل فيخرج النقل مطابقاً وإلا فخرج غير مطابق غالباً، فمن لم يكن واقفاً على عادتهم يظن أن الناقل أخطأ والحال أنه مصيب، وحصل هذا الأمر من عادات هؤلاء القسيسين، ووقعت أنا أيضاً في المغالطة مرتين قبل العلم بعادتهم، فلا بد أن يكون الناظر في هذا الأمر على تنبه تام؛ لئلا يقع في الغلط أو يوقعه أحد فيه، ولئلا يتهم الناقل. وأنا أبين الكتب التي أنقل عنها فأقول: الكتب المذكورة هذه :
[1] ترجمة الكتب الخمسة لموسى عليه السلام في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس في لندن سنة 1848 من الميلاد على النسخة المطبوعة في الرومية العظمى سنة 1264
[2] ترجمة كتب العهد العتيق والجديد كلها في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس المذكور أيضاً سنة 1844 وجعل في هذه الترجمة الزبور التاسع والعاشر زبوراً واحداً، وقسم الزبور المائة والسابع والأربعين إلى قسمين وجعله زبورين، فصار فيها عدد الزبورات ما بين العاشر والمائة والسابع والأربعين أقل منها بواحد بالقياس إلى التراجم الأخرى وفيما عداها متفقة، فلو وجد الناظر الاختلاف في هذا الأمر بالنسبة إلى التراجم الأخرى فلا بد أن يحمل على ما ذكرت
[3] ترجمة العهد الجديد باللسان العربي وطبعت في بيروت سنة 1860 ونقلت عبارة العهد الجديد غالباً عن هذه الترجمة لأن عبارتها ليست ركيكة مثل عبارة الترجمة الأولى
[4] تفسير آدم كلارك على العهد العتيق والجديد الذي طبع في لندن سنة 1851
[5] تفسير هورن الذي طبع في لندن سنة 1882 في المرة الثالثة
[6] تفسير هنري واسكات الذي طبع في لندن
[7] تفسير لاردنر الذي طبع في لندن سنة 1717 في عشرة مجلدات
[8] تفسير دوالي ورجردمينت الذي طبع في لندن سنة 1848
[9] تفسير هارسلي
[10] كتاب واتسن
[11] ترجمة فرقة البروتستنت بلسان الإنكليز المثبت عليها الخاتم المطبوعة سنة 1819 وسنة 1830 وسنة 1821 وسنة 1836
[12] ترجمة العهد العتيق والجديد لرومن كاثلك بلسان الإنكليز وطبعت في دبلن سنة 1840، وما سواها من كتب أخرى أيضاً يجيء ذكرها في مواضعها وهذه الكتب في بلاد تسلط عليها الإنكليز، كثيرة الوجود فمن شك فليطابق النقل بأصله.
(الرابع) إن صدر عن قلمي في موضع من المواضع لفظ يوهم بسوء الأدب بالنسبة إلى كتاب من كتبهم المسلّمة عندهم، أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، فلا يحمل الناظر عليَّ سوء اعتقادي بالنسبة إلى الكتب الإلهية، والأنبياء عليهم السلام؛ لأن إساءة الأدب إلى كتاب من كتب الله أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام من أقبح المحذورات عندي أعاذني الله وجميع أهل الإسلام منها. لكن لما لم يثبت كون الكتب المسلمة عندهم المنسوبة إلى الأنبياء بحسب زعمهم كتباً إلهية بل ثبت عكسه وثبت أن بعض مضامين هذه الكتب يجب على كل مسلم أن ينكره أشد الإنكار، وثبت أن الغلط والاختلاف والتناقض والتحريف واقعة فيها جزماً فإني معذور في أن أقول: إن هذه الكتب ليست كتباً إلهية وأن أنكر بعض القصص مثل: أن لوطاً شرب الخمر وزنى بابنتيه وحملتا بالزنا منه، أو أن داود عليه السلام زنا بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه، وأشار إلى أمير العسكر لأن يدبر أمراً يقتل به أوريا فأهلكه بالحيلة، وتصرف في زوجته، وأن هارون صنع عجلاً وبنى له مذبحاً فعبده هارون مع بني إسرائيل وسجدوا له وذبحوا الذبائح أمامه، وأن سليمان ارتد في آخر العمر وعبد الأصنام وبنى المعابد لها، ولا يثبت من كتبهم المقدسة أنه تاب بل الظاهر أنه مات مرتداً مشركاً. فإن هذه القصص وأمثالها يجب علينا أن ننكرها ونقول إنها غير صحيحة جزماً، ونعتقد اعتقاداً يقينياً أن ساحة النبوة بريئة من أمثال هذه الأمور القبيحة.
وكذا معذور في أن أقول للغلط إنه غلط، وهكذا فلا يناسب لعلماء البروتستنت أن يشكوا في هذا الباب، ألا يرون إلى أنفسهم كيف يتجاوزون الحد في مطاعنهم على القرآن المجيد والأحاديث النبوية والنبي ﷺ؟ وكيف يصدر عن أقلامهم ألفاظ غير ملائمة؟ لكن الإنسان لا يرى عيب نفسه ولو كان عظيماً ويتعرض لعيب غيره ولو كان صغيراً، إلا من فتح الله عين بصيرته ولنعم ما قال المسيح عليه السلام: (لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك يا مرائي. أخرج أوّلاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك) كما هو مصرح في الباب السابع من إنجيل متى.
(الخامس) قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ألا ترى أن المسيح عليه السلام كيف خاطب الكتبة والفريسيين مشافهة بهذه الألفاظ (ويل لكم أيها الكتبة الفريسيون المراءون وويل لكم أيها القادة العميان، وأيها الجهال العميان، وأيها الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) وأّظْهَرَ قبائحهم على رؤوس الأشهاد حتى شكا بعضهم بأنك تشتمنا، كما هو مصرح في الباب الثالث والعشرين من إنجيل مَتَّى، والباب الحادي عشر من إنجيل لوقا، وكيف أطلق لفظ الكلاب على الكنعانيين الذين كانوا كافرين، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من إنجيل متى، وكيف خاطب يحيى عليه السلام اليهود بقوله: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي"، كما هو مصرح في الباب الثالث من إنجيل متى، سيما في مناظرات العلماء الظاهرية تقع أمثال هذه الكلمات بمقتضى البشرية، ألا ترى إلى مُقْتَدى فرقة البروتستنت ورئيس المصلحين جناب لوطر كيف يقول في حق الذي كان مقتدى المسيحيين وفي عهده أعني البابا معاصِرَه وكيف يقول في حق السلطان الأعظم والملك الأفخم هنري الثامن ملك لندن، وأنقل بعض أقواله بطريق الترجمة عن الصفحة 277 من المجلد التاسع من (كاثُلك هرلد) وادعى صاحبه أنه نقل هذه الأقوال عن المجلد الثاني والسابع من المجلدات السبعة التي لجناب رئيس المصلحين.
قال الرئيس الممدوح في الصفحة 274 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 في حق البابا: "هكذا أنا أول من طلبه الله لإظهار الأشياء التي يوعظ بها فيما بينكم، وإني أعلم أن كلام الله المقدس عندكم، امش مشياً هيناً يا بولسي الصغير، واحفظ نفسك يا حماري من السقوط احفظ نفسك يا حماري البابا، ولا تقدم يا حماري الصغير لعلك تسقط وتنكسر الرجل؛ لأن الهواء في هذا العام قليل جداً حتى أن الثلج يوجد فيه دسومة كثيرة، وتزل فيه الأقدام، فإن سقطت فيستهزئ الخلق، إن أي أمر شيطاني هذاأبعدوا عني، أيها الأشرار الغير المبالين الحمقاء الأذلاء الحمير، أأنتم تخيلون أنفسكم أنكم أفضل من الحمير، إنك أيها البابا حمار بل حمار أحمق وتبقى حماراً دائماً"، ثم قال في الصفحة 474 من المجلد المسطور هكذا: (لو كنتُ حاكماً لحكمت أن يكتّف الأشرار البابا ومتعلقوه ثم يغرقوا في "استيا" الذي من الروم على ثلاثة أميال وههنا غدير عظيم) يعني البحر (لأنه حَّمام جيد لحصول الشفاء للبابا، وجميع متعلقيه من جميع الأمراض والضعف، وإني أعطي قولي بل أعطي المسيح كفيلاً على أني لو أغرقتهم إغراقاً ليناً إلى نصف ساعة لبروءا من جميع الأمرض اهـ)، وقال في الصفحة 451 من المجلد المذكور: (إن البابا ومتعلقيه زمرة الأشرار المفسدين الخادعين الكاذبين وكنيف الأشرار الذي هو مملوء من أعظم الشياطين الجهنميين، وهو مملوء بحيث يخرج من بصاقه ومخاطه الشياطين) وقال في الصفحة 109 من المجلد الثاني المطبوع سنة 1562 (قلت أولاً إن بعض مسائل جان هس مسائل الإنجيليين، والآن أرجع عن هذا القول وأقول: ليس البعض بل كل مسائله التي ردها الدجال وحواريه في محفل كون ستس، وأقول لك مشافهة أيها النائب المقدس للّه: إن جميع مسائل جان هس المردودة واجبة التسليم، وكل مسألة من مسائلك شيطانية كفرية، فلذلك أسلم مسائل جان هس المردودة وأستعد لتأييدها بفض الله).
وكان من مسائل جان هس (أن السلطان أو القسيس إذا ارتكب كبيرة من الكبائر لا يبقى سلطاناً وقسيساً) فلما كانت جميع مسائله مسلّمة عند رئيس المصلحين كانت هذه المسألة أيضاً مسلمة فعلى هذا لا يخرج أحد من مقتديه أهلاً للسلطنة والقسيسية، لأنه لا يوجد أحد منهم لا يصدر عنه كبيرة من الكبائر، والعجب كل العجب أن العصمة ليست شرطاً للأنبياء، وهم ما كانوا معصومين عند الرئيس، وتشترط للسلطان والقسيس. لعل منصب النبوة أدون من منصب القسيسية عنده.
وأما ألفاظ الرئيس المذكور في حق السلطان الأعظم هنري الثامن فهذه: قال في الصفحة 277 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 هكذا: [1] لا ريب أن لوطر يخاف إذا بذل السلطان هذا القدر من ريقه في الكذب واللغو [2] إني أتكلم مع الكاذب الديوث ولما لم يراع هو لأجل الحمق منصبه السلطاني فلم لم أرد كذبه في حلقومه [3] أيها الحوض الخشبي الجاهل أنت تكذب وسلطان أحمق سارق الكفن [4] كذا بلغو هذا السلطان الأحمق الْمُصِرُّ).
والظاهر أن أمثال هذه الألفاظ يكون إطلاقها على الخصم جائزاً عند علماء البروتستنت إلا أن يقولوا إنها وقعت منهم بمقتضى البشرية، فأقول إني إن شاء الله لا أذكر عمداً لفظاً يوازن لفظاً من ألفاظ مقتداهم في حق العلماء المسيحية، لكن لو صدر من غير العمد لفظ لا يكون مناسباً لشأنهم في زعمهم أرجو منهم المسامحة والدعاء؛ قال المسيح عليه السلام: (باركوا لأعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) كما هو مصرح في الباب الخامس من إنجيل متى.
(السادس) إنه كثر في ديار أوربا وجود الذين يعبر علماء البروتستنت عنهم بالملاحدة، وهم ينكرون النبوة والإلهام، ويستهزؤون بالمذاهب سيما بالمذهب المسيحي، ويسيئون الأدب بالنسبة إلى الأنبياء سيما بالنسبة إلى المسيح عليه السلام، ويزيدون في الديار المذكورة يوماً فيوماً، واشتهرت كتبهم في أقطار العالم فيجيء نقل أقوالهم أيضاً على سبيل القلة في هذا الكتاب، فلا يظن من هذا النقل أحدٌ أني أستحسن أقوالهم وأفعالهم، حَاشا وكَلاَّ لأن منكر نبي من الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم عندنا سيما منكر المسيح عليه السلام كمنكر محمد ﷺ، بل النقل لتنبيه علماء البروتستنت ليعلموا أن ما أوردوا على الملة الإسلامية ليس بشيء بالقياس مما أورد أهل ديارهم وصنْفهم على الملة المسيحية.
(السابع) إن عادة أكثر علماء البروتستنت في تحرير جواب المخالف جارية بأنهم يتفحصون في كتابه بنظر العناد والاعتساف، فإن وجدوا في جميع الكتاب الأقوال القليلة ضعيفة اغتنموها ونقلوها لتغليط العوام، ثم يقولون: إن جميع كتابه من هذا القبيل، والحال أنهم ما وجدوا مع غاية تفحصهم إلا القدر المسطور، ثم بعد ذلك يأخذون أقوال المخالف حيث يقدرون على التأويل والجواب، ويتركون الأقوال القوية بالمرة ولا يشيرون إليها أيضاً، ولا ينقلون جميع عبارة كتابه في الرد ليظهر على الناظر حال كلام الجانبين، بل يصدر عنهم الخيانة، تارة في النقل فيحرّفون كلامه، وغرضهم الأصلي إيقاع الناظر في مغلطة ليظن بملاحظة بعض الأقوال التي نقلوها أن كلام المخالف كله كما قالوا وهذه العادة غير مستحسنة، ومن كان واقفاً عليها يجزم أنهم ما وجدوا في كتاب المخالف إلا هذا القدر، وظاهر أنه لا يلزم منه على تقدير صحة النقل أيضاً ضعف كتاب المخالف كله سيما إذا كان كبيراً، لأن الكتاب إذا لم يكن إلهامياً يوجد فيه عادة أقوال ضعيفة، لأن كلام البشر يتعسر خلوه عن هذا، كما قيل لكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة، وأول ناسٍ أولُ الناس، والعصمة عن الخطأ والسهو والضعف عندنا خاصة الكلام الإلهامي والكتاب الإلهامي لا غير، ألا يرون أنه لا يوجد محقق من محققيهم من زمانِ إمام الفرقة جناب (لوطر) إلى هذا الحين بحيث لا يكون في كلامه خطأ أو ضعف في موضع من المواضع من تصنيفاتهم، وإلا فعليهم البيان وعلينا الجواب. أيجوز في الصورة المذكورة عندهم أن ننقل بعض الأقوال الضعيفة التي صدرت عن إمامهم، الممدوح أو عن إمامهم الآخر (كالون) أو عن محقق مشهور من محققيهم، ونقول: إن كلامه الباقي كله باطل وهذيان من هذا القبيل وما كان له دقة النظر؟ حَاشا! لا نقول ذلك بل هو خلاف الإنصاف، ولو كان هذا القدر يكفي عندهم لحصلت لنا الراحة العظيمة، فننقل الأقوال من أقوال أئمتهم ومحققيهم في المواضع التي اعترف مُتَّبعوهم وأهلُ ملتهم أيضاً بأنها ضعيفة أو غلط، ثم نقول بعد ذلك إن كلامهم الباقي كله من هذا القبيل، وإنهم كانوا كذا، فالمرجو منهم أنهم إن كتبوا جواب كتابي هذا فلا بد أن ينقلوا عبارتي كلها في الرد، ويراعوا الأمور التي هي مذكورة في المقدمة، ولو اعتذروا عن عدم الفرصة، فهذا العذر غير مقبول؛ لأنه قد صرح صاحب مرشد الطالبين في الصفحة 210 من كتابه المطبوع سنة 1848 في الفصل الثاني عشر من الجزء الثاني (أن نحو ألف سوّاح من البروتستنت يواظبون على بث الإنجيل، ولهم قدر مائة معاون على ذلك من الواعظين والمعلمين وغيرهم ممن تنصروا)، فهؤلاء كلهم خرجوا من بلادهم وليس لهم أمر مهم غير الوعظ والدعوة إلى ملتهم، فكيف يقبل عذر عدم الفرصة من هذا الجم الغفير.
وأذكر شيئاً لتوضيح ما قلت من حال ترجمة إمام الفرقة جناب (لوطر) وحال كتاب ميزان الحق للقسيس النبيل (فندر) وكتاب حل الإشكال ومفتاح الأسرار للقسيس الممدوح أيضاً. قال (وارد كاثُلك) في كتابه المطبوع سنة 1841 في حال الترجمة المذكورة التي كانت في لسان دجهه (قال زونكليس الذي هو من أعظم علماء البروتستنت مخاطباً (للوطر): يا لوطر أنت تخرب كلام الله أنت مخرب عظيم ومخرب الكتب المقدسة ونحن نستحي منك استحياء لأنا كنا نعظمك في الغاية، وتظهر الآن أنك كذا) ورد لوطر ترجمة زونكليس ولقبه بالأحمق والحمار والدجال والمخادع، وقال القسيس (ككرمن) في حق الترجمة المذكورة: (ترجمة كتب العهد العتيق سيما كتاب أيوب وكتب الأنبياء معيبة وعيبها ليس بقليل، وترجمة العهد الجديد أيضاً معيبة وعيبها ليس بقليل)، وقال بسروا وسياندر للوطر: ترجمتك غلط، ووجد ستا فيلس وامسيرس في ترجمة العهد الجديد فقط ألفاً وأربعمائة 1400 فساد هي بدعات)، فإذا كان الفساد في ترجمة العهد الجديد ألفاً وأربعمائة فالغالب أنه لا يكون في جميع الترجمة أقل من أربعة آلاف فساد، ولا ينسب الجهل وعدم التحقيق إلى إمامهم المعظم مع وجود هذه الفسادات. فكيف ينسبهما أهل الإنصاف إلى من كان كلامه مجروحاً في خمسة أو ستة مواضع على زعم المخالف.
وإذا فرغت من بيان ترجمة إمامهم أتوجه إلى الميزان الحق وغيره، فاعلم أيها الأخ أن لهذا الكتاب نسختين نسخة قديمة كانت متداولة إلى مدة بين القسيسين الواعظين قبل تأليف الاستفسار، ولما ألف الزكي الفاضل آل حسن الاستفسار، ورد الباب الأول والثالث من النسخة المذكورة، وانكشف على القسيس النبيل (فندر) حال كتابه بعد ملاحظة الاستفسار، استحسن أن يهذبها ويصلحها مرة أخرى ويزيد فيها شيئاً ويطرح عنها شيئاً، ففعل هذا المستحسن، وأخرج نسخة جديدة سواها بعد الإصلاح التام، وطبع هذه الجديدة في اللسان الفارسي سنة 1849 في بلدة أكبر أباد وفي لسان أردو سنة 1850، فصارت تلك النسخة العتيقة بهذه النسخة الجديدة كالقانون المنسوخ عندهم، لا يعبأ بها، فلا أنقل عنها إلا قولاً واحداً، وإن كان مجال واسع للكلام فيها، وأنقل عن هذه الجديدة الفارسية بطريق الأنموذج أربعة وعشرين قولاً، وعن كتاب حل الإشكال المطبوع سنة 1847 تسعة أقوال، وقولين عن مفتاح الأسرار القديم والجديد على سبيل الترجمة باللسان العربي مع الإشارة إلى الباب والفصل والصفحة فأقول وبالله التوفيق.
(القول الأول) في الفصل الثاني من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 17: "يدعي القرآن والمفسرون في هذا الباب" أي نسخ "أنه كما نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل فكذلك نسخ الإنجيل بسبب القرآن" انتهى، فقوله: (نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل) بهتان لا أثر له في القرآن ولا في التفاسير، بل لا أثر له في كتاب من الكتب المعتبرة لأهل الإسلام، والزبور عندنا ليس بناسخ للتوراة، ولا بمنسوخ بالإنجيل، وكان داود عليه السلام على شريعة موسى عليه السلام، وكان الزبور أدعية لعله سمع من بعض العوام، فظن أنه يكون في القرآن والتفاسير فنسب إليها، فهذا حال هذا المحقق في بيان الدعوى في الطعن الذي هو أول المطاعن وأعظمها.
(القول الثاني) في الفصل المذكور في الصفحة 24 هكذا: "لا أصل لادعاء الشخص المحمدي بأن الزبور ناسخ للتوراة والإنجيل ناسخ لهما" وهذا أيضاً غير صحيح كالأول؛ لما عرفت أن الزبور ليس بناسخ للتوراة ولا بمنسوخ بالإنجيل ولما طلبت منه تصحيح النقل في هذين القولين في المناظرة التي وقعت بيني وبينه في المجمع العام، ما وجد ملجأ سوى الإقرار بأنه أخطأ، كما هو مصرح في رسائل المناظرة، التي طبعت مراراً في أكبر أباد ودهلي باللسان الفارسي ولسان الأردو، فمن شاء فليرجع إليها.
(القول الثالث) في الفصل المذكور في الصفحة 25: "يلزم من قانون النسخ هذا التصور: أن الله أراد عمداً بالنظر إلى مصلحته وإرادته أن يعطي شيئاً ناقصاً غير موصِّلٍ إلى المطلوب ويبينه، لكنه كيف يمكن أن يتصور أحد مثل هذه التصورات الناقصة الباطلة في ذات الله القديمة الكاملة الصفات" وهذا لا يَرِدُ على أهل الإسلام نظراً إلى النسخ المصطلح [عليه] عندهم كما ستعرف في الباب الثالث إن شاء الله، نعم يَرِدُ على مقدسهم بولس، لأن هذا المقدس ابتلي بهذا التصور الناقص الباطل الذي كان عند القسيس غير ممكن، وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860، قال في الباب السابع من الرسالة العبرانية هكذا:" 18فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها [19] إذ الناموس لم يكمل شيئاً" الخ، وفي الباب الثامن من الرسالة المذكورة هكذا :" [7] فإنه لو كان ذلك الأول (16) بلا عيب لما طُلب موضعٌ للثاني" [13] "فإذا قال جديداً، إما الأول، وإما ما عَتُق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"، وفي الآية التاسعة من الباب العاشر من الرسالة المذكورة هكذا: "يَنْزع الأول حتى يُثبت الثاني" فأطلق مقدسهم على التوراة أنه أبْطل ونزع، وكان ضعيفاً وعديم النفع، وغير مكمل لشيء ومعيباً وجعله أحق بالاضمحلال والإبطال، بل يُرد على زعم هذا القسيس أن الله ابْتُلي أولاً بهذا التصور الباطل الناقص والعياذ بالله، لأنه قال على لسان حزقيال هكذا: "إذن أعطيتهم أنا وصايا غير حسنة وأحكاماً يعيشون بها" كما هو مصرح في الآية الخامسة والعشرين من الباب العشرين من كتاب حزقيال، فالعجب كل العجب من إنصاف هذا المحقق أنه ينسب إلى أهل الإسلام ما يلزم على مذهبه لا على مذهبهم.
(القول الرابع) في الفصل المذكور في الصفحة 26: "لا بد أن تبقى أحكام الإنجيل وكتب العهد العتيق جارية ما دامت السماوات والأرض بمقتضى هذه الآيات"، وهذا غلط؛ لأنه إن كان مقتضاها بقاء أحكام العهدين يلزم أن يكون جميع القسيسين واجبي القتل، لأنهم لا يعظمون السبت، وناقضُ تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، على أنه أقر في هذا الفصل في الصفحة 19: "أن الأحكام الظاهرية" من التوراة "كملت بظهور المسيح، ونسخت بمعنى أنها ما بقيت محافظتها لازمة" فهذه الأحكام الظاهرية على اعترافه ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، وتكميلها ونسخها بالمعنى المذكور عندهم هو نسخ الأحكام المصطلح عندنا، وقال عيسى عليه السلام للحواريين حين أرسلهم إلى طريق أمم: "لا تمضوا، وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا" و "قال لم أُرْسَلْ إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" فسهى عن دعوة أمم والسامريين، وخصص رسالته ببني إسرائيل، ثم قال وقت العروج إلى السماء: "اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" فأمر بدعوة جميع العالم وعمم رسالته فنسخ حكمه الأول، ونسخ الحواريون بعد المشاورة جميع الأحكام العملية المدرجة في التوراة إلا أربعة أحكام: حرمة ذبيحة الصنم، وحرمة الدم، وحرمة المخنوق، وحرمة الزنا، وكتبوا في هذا الباب كتاباً إلى الكنائس، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من كتاب الأعمال. ثم نسخ مقدسهم بولس من هذه الأربعة أيضاً الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة المندرجة في الآية الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من رسالته إلى أهل رومية، وفي الآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس، فنسخ الحواريون أحكام التوراة، ونسخ مقدسهم أحكام الحواريين، فظهر مما ذكرت أن النسخ كما وقع في أحكام التوراة كذلك وقع في أحكام الإنجيل، فهذه الأحكام المنسوخة من كليهما ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، وستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثالث إن شاء الله تعالى، والآيات التي تمسّك بها هذا القسيس النبيل أربع على ما نقلها في الصفحة 26 و 27 في الفصل المذكور، الأولى الآية الثالثة والثلاثون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: "السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول"، والثانية: الآية الثامنة عشرة من الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: "فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل"، الثالثة: الآية الثالثة والعشرون من الباب الأول من الرسالة الأولى لبطرس هكذا: "أنتم مولودون ثانية، لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد" الرابعة: الآية الثامنة من الباب الأربعين من أشعيا هكذا: "يبس الحشيش وسقط الزهرُ وكلمة ربنا تدوم إلى الأبد".
ولا يصح للمسيحيين التمسك بالآية الثانية والرابعة، على أن حكماً من أحكام التوراة لا ينسخ، لأن أحكامه العملية كلها صارت منسوخة في الشريعة العيسوية، ولا بالأولى والثالثة أن حكماً من الإنجيل لا ينسخ؛ لأن النسخ قد وقع في أحكامه أيضاً لما عرفت وستعرف في الباب الثالث مفصلاً إن شاء الله تعالى، فالصحيح أن الإضافة في لفظ (كلامي) الواقع في الآية الأولى للعهد، والمراد به الكلام الذي أخبر فيه عن الحوادث الآتية كما اختار المفسر (دوالي ورجردمينت) على مختار القسيس (بيرس) (ودين استان هوب) وستعرف في الباب المذكور، وليست هذه الإضافة للاستغراق؛ ليفيد أن كل كلامي يبقى إلى الأبد، سواء كان حكماً أو غيره، وأنه لا يصح أن ينسخ حكم من أحكامي، وإلا لزم كذب إنجيلهم في الأحكام المنسوخة، على أن عدم الزوال في الآية الثانية كان مقيداً بقيد الكمال، وقد حصل كمال أحكام التوراة في الشريعة العيسوية على زعم القسيس النبيل فلا مانع للزوال بعده، ولفظ إلى الأبد في الآية الثالثة محرفٌ إلحاقيُّ لا وجود له في أقدم النسخ وأصحها، ولذلك كتب قوسان في جانبه هكذا (إلى الأبد) في النسخة العربية المطبوعة سنة 1860 في بيروت، وقد قال طابعوه ومصححوه في التنبيه الذي أوردوه في الديباجة هكذا: و "الهلالان يدلان على أن الكلمات التي بينهما ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها"، وقول بطرس الحواري (كلمة الله) الحية (الباقية إلى الأبد) كقول أشعيا (كلمة ربنا تدوم إلى الأبد) فكما لا يفيد قول أشعيا عليه السلام عدم نسخ حكم التوراة، فكذلك لا يفيد قول بطرس عدم نسخ حكم الإنجيل، والتأويل الذي يجري في قول أشعيا هو بعينه يجري في قول بطرس. فهذه الآيات الأربعة لا يصح التمسك بها في مقابلة أهل الإسلام لإبطال النسخ المصطلح (عليه) عندهم، ولذلك كانت أقوال القسيس النبيل مضطربة في التمسك بهذه الآيات وقت المناظرة التي وقعت بيني وبينه، كما لا يخفى على ناظر رسائلها التي طبعت باللسان الفارسي ولسان الأردو في دهلي وأكبر أباد مراراً.
(القول الخامس) نقل القسيس النبيل قول (الفاني) في بيان مذهب الشيعة الاثني عشرية في حق القرآن المجيد من كتابه المسمى بدبستان في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 29 وحرَّف قوله حيث كانت عبارته هكذا (بعضي أزيشان كوبندكه عثمان مصحف راسوخته) الخ، ونقل القسيس النبيل هكذا: كه (مي كوبند) فأسقط لفظ بعضي أزيشان وزاد لفظ (مي) ليكون النسبة بحسب الظاهر إلى كل الفرقة، وهكذا نقل القسيس النبيل عبارة الاستفسار في الصفحة 103 من كتابه حل الإشكال هكذا (قوانين الصرف والنحو والمعاني والبيان وسائر الفنون لا ترى قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين)، وما كان في عبارة الاستفسار لفظ سائر الفنون، بل كان بدله مفردات اللغة، وكان غرض صاحب الاستفسار أن الفنون التي تتعلق باللسان الأصلي للتوراة والإنجيل ما كانت قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين، فحَرَّف القسيس النبيل لفظ مفردات اللغة بسائر الفنون ثم اعترض عليه (وفرقة الكاثلك) يقولون: إن التحريف في مثل هذه الأمور عادة فرقة البروتستنت، نقل (وارد كاثلك) في كتابه "إنه وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون: أن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلواتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضوع تخميناً".
وقال طامس انككلس كاتلك في الصفحة 176 و 177 من كتابه المسمى (بمرآة الصدق) وهو بلسان الأردو وطبع سنة 1815: (إن نظرتم إلى الزبور الرابع عشر فقط الذي هو موجود في كتاب الصلوات العام الذي يظهر عليه علماء البروتستنت رضاهم وقبولهم بالحلف، ثم طالعتم هذا الزبور في الكتاب المقدس للبروتستنت لوجدتم أن أربع آيات في كتاب الصلوات ناقصة بالقياس إلى الكتاب المقدس، لكن هذه الآيات إن كانت من كلام الله فَلِم تركوها، وإن لم تكن من كلام الله، فَلِمَ لَمْ يُظهروا عدم صدقها في كتاب الصلوات، والحق الصريح أن البروتستنتيين حرفوا كلام الله، وهذا الخبر الذي عن الأمر المستقبل إما بالزيادة أو بالنقصان) فإسقاط لفظ (بعضي أزيشان) أهون من إسقاط أربع آيات في الزبور الواحد، وكذا تبديل لفظ مفردات اللغة أهون من التحريف في مائتي موضع من كتاب الزبور.
(القول السادس) في الصفحة 54 في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق هكذا: "واعتقادنا في النبي هذا، أن الأنبياء والحواريين وإن كانوا قابلي السهو والنسيان في جميع الأمور لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير"، وهذا أيضاً غلط كما سيظهر في الفصل الثالث من الباب الأول، وفي الباب الثالث عشر من سفر الملوك الأول في حال النبي الذي جاء بأمر الله من يهودا إلى (يور بعام) ثم رجع إلى يهودا بعد ما أخبر بأن المذبح الذي بناه (يور بعام) يهدمه السلطان (يوشيا) الذي يكون من أولاد داود عليه السلام وقع هكذا: (وكان في بيت إبل شيخا نبياً أتاه بنوه وأخبروه بكل ما صنع رجل الله في ذلك اليوم) الخ 12 (فقال لهم أبوهم أي طريق أخذ، فدله بنوه على الطريق الذي أخذ رجل الله) الخ 13 (فقال لنبيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوا له الحمار وركبه) 14 (ولحق رجل الله فوجده جالساً تحت شجرة البطم) الخ 15 (قال مُرَّ معي إلى بيتي لتأكل خبزاً) 16 (قال لا أقدر أن أرجع وأدخل معك ولا آكل طعاماً ولا أشرب ماء في هذه البلاد) 17 (لأن الْمَلَكَ (20) قال لي: يقول الرب قائلاً: لا تأكل طعاماً ولا تشرب ماء هنالك، ولا ترجع من الطريق التي جئت منها) 18 (قال له أنا أيضاً نبي مثلك وقد قال ليَ الملاك عن قول الرب قائلاً: رده معك إلى بيتك ويأكل طعاماً ويشرب ماء فكذب له وخدعه) 19 (فرجع معه وأكل طعاماً وشرب ماء في منزله) 20 (فبينما هما على المائدة كان قول الرب إلى النبي الذي رده) 21 (فدعا إلى الرجل الذي جاء من يهودا وقال له هكذا: يقول الرب إنك خالفت قول فم الرب ولم تحفظ ما أمرك به الله ربك) 22 (ورجعتَ وأكلت الخبز وشربت الماء في الموضع الذي قال لك لا تأكل فيه خبزاً ولا تشرب ماء فلا يدخل جسدك قبر آبائك) 23 (فلما أكل وشرب أسرج حماره للنبي الذي رده) 24 (وخرج منصرفاً فاستقبله أسد في الطريق وقتله وصارت جثته مطروحة في الطريق) الخ 25 (فَمَرَّ قوم ورأوا الجثة مطروحة في الطريق والأسد قائماً عند الجثة فدخلوا القرية التي فيها النبي الشيخ وأخبروا بذلك) 26 (فسمع النبي الذي رده) الخ 27 (فقال لبنيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوه) 28 (وانطلق) الخ 29 (فأخذ النبي الشيخ جثة رجل الله وحملها على الحمار فرجع، وجاء بها إلى القرية التي كان فيها ذلك النبي الشيخ لينوح عليه).
فأطلق فيه هذه العبارة على النبي الشيخ لفظ النبي في خمسة مواضع، وفي الآية الثامنة عشرة نقل عن حضرته الأقدس ادعاء الرسالة الحقة، وفي الآية العشرين ثبت تصديق رسالته الحقة أيضاً، وهذا النبي الشيخ الصادق النبوة افترى على الله وكذب في التبليغ، وخدع رجل الله المسكين وألقاه في غضب الرب وأهلكه، فثبت عدم عصمتهم في التبليغ أيضاً. فإن قلت: إنهم يفترون على الله ويكذبون في التبليغ قصداً لا سهواً أو نسياناً وكلام القسيس النبيل في السهو والنسيان، قلت: هذا وإن كان توجيهاً مناسباً لعبارته لكنه يلزم عليه شناعة أقوى من السهو والنسيان، ومع ذلك هو غلط أيضاً كما ستعرف.
ثم قال القسيس النبيل بعده: "إن ظهر لأحد في موضع من المواضع في تحريرهم اختلاف أو محال عقلي فذلك دليل نقصان فهمه وعقله" أقول: هذا أيضاً ليس بصحيح، بل تغليط وتمويه محض ومخالف لتصريح علماء اليهود والمفسر (آدم كلارك) الذي هو من المفسرين من فرقة البروتستنت، ولتصريح كثير من المحققين من هذه الفرقة كما ستعرف في الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، والشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني، ولو ادعى هذا القسيس صدق ما ادعاه فعليه أن يوجه جميع الاختلاقات والأغلاط التي نقلتها في الفصل الثالث؛ ليظهر الحال، لكنه لا بد أن يكون بيانه مشتملاً على توجيه جميعها لا بعضها ولا بد أن يكون جوابه بعد نقل عبارتي وتقريري ليحيط الناظر بكلام الجانبين، ولو وجه بعضها الذي يمكن تأويله ولو بعيداً وترك نقل عبارتي فلا يُسمع ادعاؤه.
(القول السابع) في الصفحة 60 في مقدمة الباب الثاني من ميزان الحق: "خلص الله اليهود من انقضاء سبعين سنة على ما وعد (أرميا) وأوصلهم إلى إقليمهم"، وهذا أيضاً غلط؛ لأن إقامتهم كانت في بابل ثلاثاً وستين سنة لا سبعين كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول إن شاء الله تعالى.
(القول الثامن) في الصفحة 105 في الفصل الثالث من الباب الثاني: "وتم سبعون أسبوعاً التي هي عبارة عن أربعمائة وتسعين سنة في وقت ظهوره" أي المسيح (كما أخبر دانيال الرسول أنه يمضي من رجوع بني إسرائيل عن بابل إلى مجيء المسيح المدة بالقدر المذكور)، وهذا أيضاً غلط كما ستعرفه في الفصل الثالث من الباب الأول. على أن هذا القول غير صحيح بالنظر إلى تحقيقه أيضاً، وإن فرضت أن اليهود أقاموا في بابل سبعين سنة ثم أطلقوا لأنه صرح في الصفحة 60: (أن أسر اليهود كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة فإذا أسقطنا سبعين من ستمائة يبقى خمسمائة وثلاثون فتكون المدة من الإطلاق إلى ظهور المسيح بهذا القدر لا بقدر أربعمائة وتسعين سنة).
(القول التاسع) في الصفحة 100 في الفصل الثالث من الباب الثاني: (أخبر الله داود الرسول أن هذا المخلِّص يظهر من أولادك، وتكون سلطنته إلى الأبد كما هو مصرح في الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من الفصل السابع من سفر صموئيل الثاني) والتمسك بهاتين الآيتين غلط كما ستعرف مفصلاً في الفصل الثالث من الباب الأول.
(القول العاشر) في الصفحة 101 في الفصل الثالث من الباب الثاني هكذا: "علم مكان ولادة هذا المخلص في الآية الثانية من الفصل الخامس من كتاب (ميخا) الرسول هكذا، وأنت يا بيت لحم أفراثا وإن كنت صغيراً في ألوف يهوذا، لكن منك يخرج لي الذي هو يكون سلطاناً في إسرائيل، وخروجه من الْبَدْي منذ أيام الأزل"، وهذه العبارة محرفة كما حقق محققهم المشهور (هورن) كما ستعرف في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني، ومخالفة للآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل (متى) فيلزم على القسيس، إما أن يعترف بتحريف عبارة (ميخا) كما اعترف محققهم المشهور أو يعترف بتحريف عبارة الإنجيل، وهو يتحاشى عن إقراره عند العوام وفي صورة الإقرار يلزم عليه في الصورة الأولى أنه كيف تمسك بالعبارة المحرمة، وفي الصورتين أن يبين مَنْ حَرَّف ومتى حَرَّف ولماذا حَرَّف، أحَصَل له شيء من المناصب الدنيوية أو شيء من ثواب الآخرة؟، كما هو يسأل أهل الإسلام، ويقول: إن هذا البيان دَيْنٌ عليهم، وهم بفضل الله بُرآء من هذا الدين، كما فصل في الإعجاز العيسوي، وإزالة الشكوك، ومعدل اعوجاج الميزان، وهذا الكتاب.
(القول الحادي عشر) في الصفحة المذكورة: "أن هذا المخلص يتولد من العذراء كما قال (أشيعا) في الآية الرابعة عشرة من الفصل السابع" والتمسك بهذا أيضاً غلط بلا شبهة كما ستعرف في بيان الغلط الخمسين من الفصل الثالث من الباب الأول، وستعرف هناك أيضاً أن ما ادعى جناب القسيس في الصفحة 130 من كتابه حل الإشكال: (أنه لا معنى للفظ علماء إلا العذراء) غلط أيضاً.
(القول الثاني عشر) نقل القسيس النبيل من الزبور الثاني والعشرين عبارة في الصفحة 104 في الفصل الثالث من الباب الثاني، وفي هذه العبارة وقعت هذه الجملة أيضاً: (ثقبوا يدي ورجلي) وهذه الجملة لا توجد في النسخة العبرانية بل فيها بدلها هذه الجملة: (كلتا يدي مثل الأسد) نعم توجد في تراجم المسيحيين قديمة كانت أو جديدة، فيسأل من القسيس النبيل: أن النسخة العبرانية ههنا محرفة في زعمكم أم لا؟، فإن لم تكن محرفة فَلِمَ حرفتم هذه الجملة، لتصدق على المسيح في زعمكم، وإن كانت محرفة فلا بد أن تقروا بتحريفها، ثم يسأل على وَفْق تقريره في ميزان الحق: مَنْ حرفها ومتى حرفها ولماذا حرفها، أحصل له شيء من المناصب الدنيوية أو شيء من ثواب الآخرة؟؟.
(القول الثالث عشر إلى الخامس عشر) في الفصل السادس من الباب الثاني في الصفحة 156 عد القسيس النبيل من الإخبارات بالحوادث الآتية التي يستدل بصدقها على كون الكتب المقدسة كتباً إلهية الخبر المندرج في الفصل الثامن والثاني عشر من كتاب دانيال، والخبر المندرج في إنجيل متى من الآية 16 إلى 22 من الباب العاشر، وهذه الأخبار الثلاثة غير صحيحة، كما بين في الفصل الثالث من الباب الأول في الغلط الثلاثين والحادي والثلاثين والثامن والتسعين.
(القول السادس عشر) في الصفحة 224 من الفصل الثالث من الباب الثالث: "وكل منهم يقول: إن الآيات العديدة المنسوخة توجد في القرآن، ومَنْ يتأمل تأملاً قليلاً ويدقق تدقيقاً يسيراً يفهم أن مثل هذه القاعدة معيبة وناقصة" أقول: لو كان هذا عيباً فالتوراة والإنجيل معيبان ناقصان بالطريق الأول؛ لأنهما أيضاً يشملان على الآيات المنسوخة كما عرفت في بيان القول الرابع، وستعرف في الباب الثالث مفصلاً إن شاء الله، فالعجب من هذا المحقق!! إنه يقول بمخالفة القرآن ما يقع على التوراة والإنجيل بأشنع حالة.
(القول السابع عشر) قال القسيس النبيل في الصفحة 246 في الفصل الرابع من الباب الثالث بعد ما أنكر المعجزة التي فهمت من قوله تعالى {وما رَمَيْتَ إذْ رَميْتَ ولكنَّ الله رَمَى} وقدح عليها بحسب زعمه: "ولو سلمنا أن الحديث المذكور رأى الذي ذكره المفسرون صحيح، وأن محمداً ﷺ رمى بقبضة من تراب إلى عسكر العدو فلا تثبت منه المعجزة أيضاً" أقول: الحديث الذي ذكره المفسرون هكذا: ورأى أنه لما طلعت قريش من العقنقل (قال عليه السلام: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول كفاً من الحصباء فرمى بها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر، فيقول الرجل قتلتُ وأسرت)، كما هو في البيضاوي، فقوله: فأتاه جبريل عليه السلام وقال له خذ قبضة من تراب يدل دلالة واضحة على أنه كان من جانب الله تعالى، وقوله فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه يدل دلالة واضحة على أنه كان خارقاً للعادة، فبعد تسليم الحديث لا يمكن الإنكار إلا من الذي يكون قصده العناد والاعتساف، ويكون إنكار الحق قصداً بمنزلة الأمر الطبيعي له.
(القول الثامن عشر) في الصفحة 275 في الفصل الخامس من الباب الثالث هكذا: "اعلم أن عشرة أشخاص أو اثني عشر نفراً فقط آمنوا بمحمد بعد ثلاث سنين وفي السنة الثالثة عشرة التي هي السنة الأولى من الهجرة كان مائة شخص من أهل مكة وخمسة وسبعون شخصاً من أهل المدينة آمنوا به" وهذا غلط، يكفي في رده قول القسيس: سئل مترجم القرآن وأنقل قوله عن النسخة المطبوعة سنة 1850: (قلما يخرج بيت من بيوت المدينة أن لا يوجد فيه مسلم من أهله قبل الهجرة) ثم قال: "ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط فقوله تهمة صرفة، لأن بلاداً كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف أيضاً وشاع فيها الإسلام"، وأسلم أبو ذر رضي الله عنه وأنيس أخوه وأمهما في أول الإسلام فلما رجعوا أسلم نصف قبيلة غفار بدعوة أبي ذر، وهاجر في السنة السابعة من النبوة من مكة إلى الحبشة ثلاثة وثمانون رجلاً وثماني عشرة امرأة، وقد بقي في مكة أناس أيضاً من المسلمين، وقد أسلم نحو عشرين رجلاً من نصارى نجران، وكذا أسلم ضماد الأزدي قبل السنة العاشرة من النبوة، وقد أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي قبل الهجرة وكان شريفاً مطاعاً في قومه، وأسلم أبوه وأمه بدعوته بعد ما رجع إلى قومه، وقد أسلم قبل الهجرة قبيلة بني الأشهل في المدينة المنورة في يوم واحد ببركة وعظ مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه، فما بقي منها رجل ولا امرأة إلا أسلم، غير عمرو بن ثابت، فإنه تأخر إسلامه إلى غزوة أحد، وبعد إسلامهم كان مصعب رضي الله عنه يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من سكان عوالي المدينة أي قراها من جهة نجد، ولما هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة أسلم بُرَيدة الأسلمي مع سبعين رجلاً من قومه في طريق المدينة طائعين، وقد أسلم النجاشي ملك الحبشة قبل الهجرة، ووفد قبل الهجرة أبو هند وتميم ونُعيم وأربعة آخرون من الشام، وأسلموا وهكذا أسلم آخرون.
(القول التاسع عشر) في الصفحة 279 في الفصل الخامس من الباب الثالث قال القسيس النبيل: أولاً: "إن أبا بكر رضي الله عنه عين أحد عشر رئيساً على العسكر وأعطى لكلٍ كتابَ الحكم ليقرأ على الكفار" ثم نقل إنه كان من جملة أحكام الكتاب المذكور هذا الحكم أيضاً لا يرحمون (أي رؤساء العسكر) "على المنحرفين بوجه مقابل يحرقونهم في النار ويقتلونهم بكل طريق"، وهذا أيضاً غلط، نقل في روضة الصفاء وصية أبي بكر رضي الله عنه لرؤساء العسكر هكذا: (سران سباه راوصيت فرمودكه خيانت نكنيد وييرامن غدر نكرديد وطفلان وييران وزنان رانكشيد وأشجار مثمرة راقطع نفر ما يبدو رهابين راكه دركنايس وصوامع بعبادات باري تعالى اشتغالي داشته باشند تعرض نرسانيد)، ولا بد من أن ينقل القسيس النبيل عن تاريخ من التواريخ المعتبرة لأهل الإسلام أن أبا بكر رضي الله عنه كان أمرهم أن يحرقوا الكفار في النار.
(القول العشرون) في الصفحة 280 في الفصل الخامس من الباب الثالث: "لما استقرت الخلافة على عمر رضي الله عنه أرسل عسكر العرب إلى إيران وأمر بأن أهل إيران إن قبلوا الدين المحمدي بالحسن والرضا فبها، وإلا فاجعلوهم معتقدين للقرآن تابعين لمحمد ﷺ جَبْراً وإكراهاً" وهذا أيضاً غلط فاحش وكذب محض، ما أمر عمر رضي الله عنه أن بدخل أهل إيران بالجبر والإكراه في الملة الإسلامية، ألا يرى هذا النبيل أن عمر رضي الله عنه حضر بنفسه الشريفة في غزوة بيت المقدس، فلما تسلط وفتح ما جبر على أحد من أهل التثليث، وما أكرههم على قبول الملة الإسلامية، بل أعطاهم شروطاً جليلة، وما نزع كنيسة من كنائسهم، وعاملهم معاملة جميلة مدحه عليها المفسر (طامس نيوتن) كما ستطلع على عبارته في الفصل الثالث من الباب الأول.
(القول الحادي والعشرون) في الصفحة 210 في الفصل الثالث من الباب الثالث هكذا: "ذهب محمد قبل ادعاء النبوة إلى الشام بإرادة التجارة مع عمه أبي طالب ثم ذهب إليها منفرداً مرات"، وهذا أيضاً غلط لأنه ﷺ ذهب إلى الشام أوّلاً مع عمه وكان ابن تسع سنين على الراجح، ثم ذهب إليه ثانياً مع ميسرة غلام خديجة، وكان على قول جمهور العلماء ابن خمسة وعشرين سنة، ولم يثبت ذهابه إلى الشام قبل النبوة أزيد من هاتين المرتين، فجعل هذا القسيس ذهابه ﷺ منفرداً في المرة الواحدة مرات.
(القول الثاني والعشرون) في الفصل الرابع من الباب الثالث في الصفحة 243 هكذا: (وهذه الآية) أي معجزة يونس النبي التي وعد بها المسيح اليهود وهي مذكورة في الباب الثاني عشر من إنجيل متى: "قد وصلت إليهم" أي اليهود "وقت قيام المسيح"، وهذا غلط أيضاً لأن المعجزة الموعودة ما كانت وقت قيامه بعد الموت مطلقاً، بل كانت موعودة هكذا، أن المسيح يبقى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، وبعدها يقوم، وهذا لم تصل إلى اليهود كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول في بيان الغلط الستين.
(القول الثالث والعشرون) في الصفحة 253 في الفصل الرابع من الباب الثالث هكذا: "لا يخفى أن معجزات المسيح حررها الحواريون الذين كانوا كل وقتٍ مع المسيح ورأوها بأعينهم"، وهذا غلط ومخالف لكلامه في حل الإشكال كما ستعرف في بيان القول الرابع والخامس من حل الإشكال المذكور.
(القول الرابع والعشرون) في الصفحة 283 في الفصل الخامس من الباب الثالث: "من ارتد عن الملة المحمدية يقتلونه بحكم لقرآن في غاية الوضوح والظهور، إن الحقية والحقيقة لا يثبتان بضرب السيف ويستحيل أن يوصل الإنسان بالجبر والإكراه إلى مرتبة يؤمن بالله بالقلب، ويحب الله بالقلب كافاً يده عن الأفعال الذميمة، بل الجبر والظلم يمنعان إطاعة الله وإيمانه".
أقول: هذا الطعن يقع على التوراة بأشنع وجه في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من كتاب الخروج (من يذبح للأوثان فليقتل) وفي الباب الثاني والثلاثين من كتاب الخروج أنه أمر موسى عليه السلام بحكم الله لبني (لاوى) أن يقتلوا عبدة العجل، فقتلوا ثلاثة وعشرين ألف رجل، وفي الآية الثانية من الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج في حكم السبت (من عمل فيه عملاً فليقتل)، وأخذ رجل إسرائيلي كان يلقط حطباً يوم السبت، فأمر موسى عليه السلام بحكم الله برجمه فرجمه بنو إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من سفر العدد، وفي الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبي إلى عبادة غير الله يقتل، [ص 28] وإن كان ذا معجزات عظيمة، وكذا لو رغب أحد من غير الأنبياء إليها يرجم، وإن كان هذا الداعي قريباً أو صديقاً ولا يرحم عليه، وكذا لو ارتد أهل قرية فلا بد أن يقتل جميع أهل القرية، وتقتل دوابها وتحرق القرية ومتاعها وأموالها وتجعل تَلاًّ ثم لا تبنى إلى الدهر، وفي الباب السابع عشر من سفر الاستثناء: إنه لو ثبت على أحد عبادة غير الله يرجم رجلاً كان أو امرأة.
وهذه التشددات لا توجد في القرآن، فالعجب من هذا القسيس المتعصب أن التوراة لا يلحقه عيب ما بهذه التشددات وأن القرآن يكون معيباً، وفي الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول: أن إيليا ذبح في وادي قيشون أربعمائة وخمسين رجلاً من الذين كانوا يدعون نبوة البعل. فيلزم على قول القسيس النبيل أن موسى وإيليا عليهما السلام بل الله عز وجل ما كان لهم علم بهذا الأمر الذي هو في غاية الوضوح والظهور عنده، ويكونون والعياذ بالله حُمقاء أغبياء بحيث يخفى عليهم الأمر البديهي الذي هو من أجلى البديهيات عند هذا الذكي، لكني أقول له: إن مقدس أهل التثليث (بولس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الأول من رسالته الأولى إلى أهل قورنيشوس يعتقد هكذا: "إن حماقة الله أعقل من الناس وضعف الله أشد قوة من الناس" فعلى اعتقاد مقدس أهل التثليث حماقة الله والعياذ بالله أحكم من الرأي الذي بدا لهذا القسيس النبيل، فما ظهر له غير مقبول في مقابلة حكم الله، هذه الأقوال المذكورة نقلتها من النسخة الجديدة على سبيل الأنموذج، وآخذ من الأقوال الباقية في كتابي هذا في كل موضوع ما يناسبه منها إن شاء الله تعالى.
وقال هذا القسيس النبيل في الصفحة 252 من ميزان الحق القديم المنسوخ الآن: "إن بعض المفسرين منهم القاضي البيضاوي وغيره قالوا: إن {انشق} في قوله تعالى {اقتربت الساعة وانشق القمر} بمعنى سينشق" فلما كان هذا غلط ونقل القاضي والكشاف هذا القول عن البعض ثم ردا عليه، اعترض عليه الفاضل الذكي آل حسن في الاستفسار، وقال: إن هذا غلط من القسيس أو تغليط للعوام، فحرَّف القسيس النبيل عبارته في النسخة الجديدة، وقد عرفت حال قولين من أقواله المندرجة في كتاب حل الإشكال في بيان القول الخامس والحادي عشر، فبقي سبعة أقوال من التي أردت إفرادها بطريق نموذج هنا فأقول:
القول الثالث في الصفحة 105: "ونحن لا نقول إن الله ثلاثة أشخاص أو شخص واحد بل نقول ثلاثة أقانيم في الوحدة، وبين الأقانيم الثلاثة، وثلاثة أشخاص بُعْدَ السماء والأرض" وهذه مغالطة صرفة، لأن الوجود لا يمكن أن يوجد بدون التشخص، فإذا فرض أن الأقانيم موجودون وممتازون بالامتياز الحقيقي، كما صرح هو بنفسه في كتبه فالقول بوجود الأقانيم الثلاثة هو بعينه القول بوجود الأشخاص الثلاثة، على أنه وقع في الصفحة 29 و 30 من كتاب الصلوات الذي هو رائج في كنيسة إنكلترا التي رجع إليها هذا القسيس في آخر عمره بعد ما كان متذهباً على طريقة كنيسة (لوطرين) وطبع هذا الكتاب في لسان "الأردو في لندن في مطبعة رجردواطس" سنة 1818 هكذا: "أي مقدس أورمبارك أورعاليشان تينون جوابك هو يعني تين شخص أورايك خداهم برشان كنهكارون يررحكم كر" يعني: "أيها الثلاثة المقدسون والمباركون والعالون منزلة الذين هم واحد يعني ثلاثة أشخاص وإلهاً واحداً ارحمنا المنتشرين المذنبين" فوقع لفظ ثلاثة أشخاص صريحاً.
(القول الرابع) في الصفحة 121: "نعم ظن بعض العلماء في حق إنجيل متى فقط أنه لعله كان باللسان العبراني أو العرامائي، ثم ترجم في اليوناني لكن الغالب أن هذا أيضاً كتبه متى الحواري باللسان اليوناني" فقوله: "ظن بعض العلماء" وكذا قوله: لكن الغالب غلطان يقيناً، كما ستعرف مفصلاً في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني، ولا بد أن ينظر إلى ثلاثة ألفاظ من ألفاظه هذه العبارة: الأول ظن بعض العلماء، والثاني لفظ لعل، والثالث لفظ الغالب، فإنها تدل دلالة صريحة على أنه لا يوجد عندهم سند متصل، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون.
(القول الخامس) في الصفحة 145: "وهذا حق إن الإنجيل الثاني والثالث يعني إنجيل مرقس ولوقا ليسا من الحواريين"، ثم قال في الصفحة 146: "تبين في مواضع كثيرة من الكتب القديمة المسيحية كلها وثبت في كتب الإسناد بأدلة كثيرة أن الإنجيل الموجود الآن يعني مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، وهو بعينه الذي كان في الأول وما كان غيره في زمان ما". انظروا إلى تهافت أقواله الثلاثة التي نقلها في القول السابق وهذا القول؛ لأنه يعلم من السابق أنه لا يوجد سند متصل لهذا الأمر أن الإنجيل الأول الموجود الآن كتبه فلان، وكان باللسان الفلاني وأي شخص ترجمه، ويعلم من القول الثالث أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، وهذا الأمر ثابت بأدلة كثيرة في كتب الإسناد ومبين في الكتب القديمة المسيحية كلها، ولأنه قد أقر في القول الثاني من هذه الأقوال الثلاثة أن الإنجيل الثاني والثالث ما كتبهما الحواريون، ويدعي في القول الثالث من هذه الأقوال الثلاثة أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون، ولأنه قد أقر في القول السابق أن بعض العلماء ظن أن إنجيل متى لعله كان بالسان العبراني أو العرمائي، وادعى في القول الأخير أن هذا المجموع هو بعينه ما كان في الأول، وستعرف في الفصل الثاني من الباب الأول أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا، والرسالة العبرانية، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا إسنادها إلى الحواريين بلا حجة، وكانت مشكوكة [فيها] إلى سنة 263، ومشاهدات يوحنا كان مشكوكاً [فيها] إلى سنة 297، وأبقاه محفل نائس ومحفل لوديسيا مشكوكاً فيه أيضاً ومردوداً، وما قبلوه، والكنائس السريانية تَرُدُّ من الابتداء إلى الآن الرسالة الثانية لبطرس، ورسالة يهودا والرسالتين ليوحنا وكتاب المشاهدات، وردها جميع كنائس العرب أيضاً، وقد أقر هو بنفسه في الصفحة 38 و 39 من المباحث المحرفة المطبوعة سنة 1855 في حق الصحف المذكورة: بأن هذه الصحف لم تكن منضمة بالإنجيل في الزمان الأول، ولا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا والرسالتان ليوحنا وكتاب مشاهدات يوحنا، ومن الآية الثانية إلى الحادية عشرة من الباب الثاني من إنجيل يوحنا والآية السابعة من الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنا، ولذلك قال خليلي صاحب الاستبشار بعد نقل أقواله: "ماذا نقول غير أن هذا القسيس مجنون".
(القول السادس) في الصفحة 146: "سلسوس كان من علماء الوثنيين في القرن الثاني وكتب كتاباً في رد الملة المسيحية، وبعض أقواله موجودة إلى الآن، لكنه ما كتب في موضع أن الإنجيل ليس من الحواريين" انتهى ملخصاً.
(أقول:) هذا مخدوش بوجهين: أما أولاً: فلأنه أقر بنفسه أن كتابه لا يوجد الآن، بل بعض أقواله موجودة فكيف يعتقد أنه ما كتب في موضع، وعندي هذا الأمر قريب من الجزم (بأنه) كما أن علماء البروتستنت ينقلون أقوال المخالف في هذه الأزمنة، فكذلك كان المسيحيون الذين كانوا في القرن الثالث وما بعده ينقلون أقوال المخالف، ونقل أقوال سلسوس أرجن في تصنيفاته، وكان الكذب والخداع في عهده في الفرقة المسيحية بمنزلة المستحبات الدينية كما ستعلم إن شاء الله في القول السادس من الهداية الثالثة من الباب الثاني، وكان أرجن من الذين أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة ونسبتها إلى الحواريين والتابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين، كما هو مصرح في الحصة الثانية من الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة 1848 لوليم ميور بلسان الأردو، فأي اعتماد على نقل هذا المفتي؟، وإني قد رأيت بعيني الأقوال الكاذبة التي نسبت إلى المباحثة التي طبعها القسيس النبيل بعد التحريف التام في بلد أكبر أباد، ولذلك احتاج السيد عبد الله الذي كان من متعلقي الدولة الإنكليزية، وكان من حُضّار محفل المناظرة، وكان ضبطها بلسان الأردو أولاً ثم بالفارسي وطبعهما في أكبر أباد، إلى أن كتب محضراً وزينه بخواتيم المعتبرين وشهاداتهم مثل قاضي القضاة محمد أسد الله، والمفتي محمد رياض الدين، والفاضل الأمجد علي، وغيرهم من أراكين الدولة الإنكليزية وأهل البلدة، وأما ثانياً: فلأن هذا القول ليس بصحيح في نفس الأمر، لأن سلسوس كان يصيح في القرن الثاني: "إن المسيحيين بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أزيد منها تبديلاً كأن مضامينها أيضاً بدلت" وكذا (فاستس) من علماء فرقة (ماني كيز) كان يصيح في القرن الرابع: "بأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقائهم خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" كما ستعرف في الهداية الثانية من الباب الثاني.
(القول السابع): (ما عبد نبي العجل وعبده هارون فقط مرة واحدة لأجل خوف اليهود، وهو ما كان نبياً بل كاهناً فقط ورسول موسى) وهذا مخدوش بوجهين أيضاً: أما أولاً: فلأن هذا الجواب غير تام لأن صاحب الاستفسار اعترض بعبادة العجل وعبادة الأوثان معاً، لكن القسيس سكت عن الجواب عن اعتراض عبادة الأوثان، وما تكلم فيه بشيء لأنه عاجز فيه يقيناً، كيف لا؟ وأن سليمان عليه السلام قد ارتد في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى لها معابد كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول، وأما ثانياً: فلأن قوله ما كان نبياً باطل كما سيجيء في بيان حال هارون عليه السلام في الباب السادس إن شاء الله تعالى.
(القول الثامن) نقل القسيس النبيل في الصفحة 153 قول (اكستابن) هكذا: "تحريف الكتب المقدسة ما كان ممكناً في زمان مّا؛ لأنه لو أراد أحد هذا الأمر فرضاً، علم في ذلك الوقت بالنظر إلى النُّسخ التي كانت موجودة بالكثرة ومشهورة من القديم، وترجمت الكتب المقدسة بالسنة، فلو غير وبدل أحد فيها بسبب ما ظهر في ذلك الوقت"، هذا مخدوش أيضاً بوجهين: الأول: أنه وقع في المجلد الأول من تفسير (هنري واسكات) قول (اكستاين) هكذا: "إن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين كانوا قبل زمن الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه السلام، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله، وكانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من الميلاد"؛ فعلم منه إن (اكستاين) والقدماء المسيحيين كانوا يعترفون بتحريف التوراة، ويدعون أن هذا التحريف وقع في سنة مائة وثلاثين من الميلاد، فما نقل في التفسير يخالف ما نقله القسيس النبيل، لكن التفسير المذكور في غاية الاعتبار عند علماء البروتستنت، فالقول الذي نقله القسيس النبيل يكون مردوداً غير مقبول، إلا أن يكون منقولاً عن الكتاب الذي يكون معتبراً زائداً من التفسير المذكور، فأطلب منه تصحيح النقل فعليه أن يبين: إنه عن أي كتاب معتبر نقله؟، والثاني: أن المخالف والموافق يناديان من القرن الثاني أن التحريف قد وقع ومحققوهم يعترفون بوقوع الأقسام الثلاثة للتحريف في كثير من المواضع من كتب العهد العتيق والجديد كما ستعرف في الباب الثاني، فأي ظهور أزيد من هذا؟، ولذلك قال صاحب الاستبشار معرضاً ومتعجباً: "لا يدري أن انكشاف التحريف عبارة عن أي شيء عند... القسيس لعله عبارة عن أن يؤخذ المحرف في عدالة الإنكليز ويسجن بعلة الجعل دائماً".
(تنبيه) إن هذا القسيس في بيان استبعاد التحريف يبين الاحتمالات التي يفهمها الجاهل معتدة بأنه يقول: "مَنْ حرَّف ومتى حُرِّف، ولماذا حرَّف والألفاظ المحرفة ماذا؟؟"، فأخبرنا أسلافه شكر الله سعيهم في هذا الباب بأن المحرفين للتوراة اليهود، وزمان التحريف سنة مائة وثلاثين من الميلاد، والباعث على التحريف عناد الدين المسيحي، وجعل الترجمة اليونانية غير معتبرة، ومن بعض الألفاظ المحرفة الألفاظ التي فيها بيان زمان الأكابر، ولا يضر ادعاؤهم شهادة المسيح في حق التوراة بعد تسليمها أيضاً لأنهم يدعون بعد مدة من عروج المسيح، وليس هؤلاء ثلاثة أو أربعة بل هم الجمهور من القدماء المسيحيين.
(القول التاسع) في الصفحة 121: "كتب الإنجيل بالإلهام بواسطة الحواريين كما يظهر ويثبت هذا الأمر من الإنجيل نفسه والكتب القديمة المسيحية" ثم قال: "كتب الحواريون بالإلهام قول المسيح وتعليماته وحالاته" وهذا مردود بالوجوه التي ذكرتها في بيان القول الرابع والخامس من حل الإشكال، وبأن من قرأ الأناجيل يحصل له اليقين أن قول القسيس النبيل غير صحيح، ولا يظهر منها أصلاً أن الإنجيل الفلاني كتبه فلان الحواري بالإلهام باللسان اليوناني. نعم إنه يكون اسم الإنجيل مكتوباً على ناصية كل صفحة من هذه الأناجيل من طرف الطابعين والكاتبين، وهذا ليس بحجة ولا دليل لأنهم كما يكتبون اسم الإنجيل، فكذلك يكتبون لفظ القضاة وراعوث واستير وأيوب على ناصية كل صفحة من كتاب القضاة، وكتاب راعوث وكتاب استير وكتاب أيوب، فكما أن الثاني لا يدل على أن هذه الكتب من تصنيف هؤلاء المنسوب إليهم فكذلك لا يدل الأول، فصدور أمثال هذه الإفادات عنه سبب التعجب لعلماء الإسلام. ويصدر في بعض الأحيان بسبب ضيق الصدر عن قلم البعض لفظ لا يناسب شأنه، كما قال صاحب الاستبشار في هذا الموضع بعد ما رد قوله: "ما رأينا قسيساً من القسيسين كاذباً غير مبال بالقول الكذب مثل القسيس فندر"، ولما كان نقل أقواله مفضياً إلى التطويل الممل فالأولى أن أتركه وأكتفي على هذا القدر، وإذا نبهت على هذه العادة فأستحسن أن أنبه أيضاً على العادتين الأخريين لتحصل للناظر بصيرة (العادة الثانية) من عاداته أنه يأخذ الكلمات التي تصدر عن قلم المخالف بمقتضى البشرية في حقه أو في حق أهل مذهبه ولا تكون مناسبة لمنصبه أو لمنصب أهل ملته في زعمه فيشكر عليها ويجعل الخردلة حبلاً ولا يلتفت إلى ما يصدر عن قلمه في حق المخالف. وإني متحير لا أعلم أن سببه ماذا؟ أيفهم أن أية كلمة قبيحة كانت أو حسنة إذا صدرت عن لسانه أو قلمه تكون حسنة وفي محلها، وإذا صدر مثلها عن المخالف يكون قبيحاً وفي غير محله؟؟، وأنقل بعض أقواله. قال القسيس النبيل في حق الفاضل (هادي علي) مصنف كشف الأستار الذي هو رد مفتاح الأسرار في الصفحة الأولى من حل الإشكال: إنه يصدق في حق هذا المصنف قول (بولس) ثم نقل قوله، وفي هذا القول وقعت هذه الجملة أيضاً (إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الكافرين) فأطلق عليه لفظ الكافر وفي الصفحة 2: (غمض المصنف لأجل التعصب قصداً عين الإنصاف) وفي الصفحة الثالثة: (كان مقصوده ومطلبه النزاع البحت والتعصب الصرف) وفي الصفحة الرابعة: (الكتاب كله مملوء من الاعتراضات الباطلة والدعاوى المهملة والمطاعن غير المناسبة) ثم قال في الصفحة المذكورة: (الكتاب المذكور مملوء من الخلاف والباطل) وفي الصفحة 19: (ظن المصنف لأجل التكبر) وفي الصفحة 24: (هذا تكبر محض وكفر رحمه الله الرحمن الرحيم وأخرجه عن شبكة غواية الفهم) وفي الصفحة 25: (هذا ليس دليل قلة علمه وجهله فقط بل هو دليل سوء فهمه وتعصبه أيضاً) ثم قال في تلك الصفحة: (الظاهر أن التكبر والتعصب جعلا المصنف مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله) وفي الصفحة 38: (ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا) أيضاً وفي الصفحة 43: (ينزل منظرته الحمراء) ثم قال في تلك الصفحة: (وهذا القول كله باطل وعاطل) وفي الصفحة 50: (هذا عين التكبر والكفر) ثم قال في تلك الصفحة: (امتلاء قلب المصنف من التكبر والعجب هكذا) ثم قال في تلك الصفحة: (هذا عين الجهل وانتهاء التكبر) وفي الصفحة 55: (هذا يدل على عدم اطلاعه رأساً وتعصبه) وفي الصفحة 56: (بيانه ساقط عن الاعتبار وباطل محض وعاطل) ثم قال في تلك الصفحة: (هذا انتهاء التعصب والكفر) وفي الصفحة 87: (الأمر الذي جعل العقل حاكما غير معقول محض وحيلة وحوالة) هذه الألفاظ كلها في حق الفاضل السيد (هادي علي) الذي كان سلطان لكهنو يعظمه أيضاً.
وأما الألفاظ التي كتب في حق الفاضل الذكي آل حسن صاحب الاستفسار، فمنها في الصفحة 117 من حل الإشكال: (هو يكون في الفهم أنقص من الوثني قائد الملة وفي الكفر أزيد من هؤلاء اليهود) وفي الصفحة 118: (فالآن جناب الفاضل يكتب في الصفحة 592 من غاية الكفر وعدم المبالاة) وفي الصفحة 120: (الإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلب جناب الفاضل) وكتب في آخر مكاتيبه في حق الفاضل الممدوح لفظ الفرار، وهذا اللفظ أيضاً قبيح عنده، يشكو منه لو صدر عن غيره في حقه وإن قال هذا القسيس: إني قلت هذه الألفاظ في حق الفاضل الممدوح؛ لأنه صدر عن قلمه ألفاظ غير ملائمة في حق الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، قلت: هذا تغليظ محض؛ لأن الفاضل الممدوح قد صرح في مواضع كثيرة من كتابه أنه أورد هذه الألفاظ في الدلائل الإلزامية في مقابلة تقريرات القسيسين وإيراداتهم إلزاماً أنه يلزم عليكم هكذا أيضاً، وهو يرى من سوء الاعتقاد بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام ومن شاء فليرجع إلى كتابه فيجد ما قلت له في الصفحة 9 و 177 و 558 و 594 و 604 وغيرها من النسخة المطبوعة سنة 1861 من الميلاد، وفي الصفحة 89 من حل الإشكال في حق جميع أهل السلام (المحمديون معتقدون بالوسوسة العظيمة والأقوال الباطلة الكثيرة).
ووقعت بين هذا القسيس النبيل وبين الحكيم الفطين المكرم (محمد وزير خان) بعد رجوعي إلى دهلي مناظرة تحريرية وطبعت هذه المناظرة سنة 1854 من الميلاد في أكبر أباد، فكتب القسيس النبيل إليه في المكتوب الثاني الذي كتبه 29 مارس سنة 1854 هكذا: (لعل جنابكم أيضاً داخلون في زمرتهم) أي زمرة الدهريين (كما يوجد في الملة الإسلامية أناس هم محمديون في الظاهر ودهريون في الباطن) فكتب الحكيم الممدوح في جوابه أموراً منها هذان الأمران أيضاً (قد اعترفتم في المجمع العام أن أحكام التوراة منسوخة، وسلمتم في المجمع المذكور التحريف في سبعة أو ثمانية مواضع، واعترفتم في ثلاثين أو أربعين ألف موضع في النسخ المتعددة بسهو الكاتب الذي دخلت بسببه الفقرات من الحاشية في المتن، وخرجت الفقرات الكثيرة منه، وبدلت الفقرات، فأي مانع أن يقال لأجل ذلك لكم: "إنكم تعتقدون قلباً أن الدين العيسوي باطل، وتعلمون أيضاً أن كتبكم المقدسة منسوخة ومحرفة ولا اعتبار لها عندكم أصلاً؟، لكنكم لأجل الطمع الدنيوي فقط متمذهبون بهذا المذهب في الظاهر وحامون لهذه الكتب المحرفة، أو يظن لأجل أنكم كنتم من مريدي كنيسة (لوتيرين) مدة حياتكم، وصرتم من عدة شهور إلى كنيسة إنكلتره أن سببه أيضاً هو الطمع الدنيوي لأن عزمكم أن تستوطنوا إنكلتره كما سمعت من رفيقكم القلبي أيضاً) أي القسيس فرنج (أو أن سببه أمر منزلي) يعني أن زوجة القسيس النبيل كانت من كنيسة إنكلتره فبدل القسيس النبيل مذهبه لأجل استرضاء خاطرها، كما ظهر لي من بيان الحكيم الممدوح أن مرادي بالأمر المنزلي هذا"
فانظر إلى حركته قال أمراً وسمع أموراً، والوجهان اللذان كتبهما الحكيم الممدوح في تبديل المذهب ما أنكر عليهما في الجواب. ولو كان تبديل المذهب لأحد هذين الأمرين فلا شك أنه قبيح جداً، والأمر الآخر غيرهما لم يسمع لكن هذا الأمر خارج عن البحث الذي أنا فيه فأترك وأرجع إلى ما كنت في نقل عاداته فأقول: هذا ما كتب القسيس في حق معاصريه من علماء الهند، وأما ما كتب في الصفحة 139 من حل الإشكال وآخر مكاتيبه، وفي ميزان الحق وفي طريق الحياة في حق النبي ﷺ، وفي حق القرآن والحديث، لا يرضى قلمي وقلبي بإظهارها، وإن لم يكن نقل الكفر كفراً، ولما وقعت المناظرة التحريرية بينه وبين صاحب الاستفسار سنة 1844، فكتب صاحب الاستفسار إليه في مكتوبه الثاني لقبول أربعة شروط في المناظرة، وكان الشرط الأول منهما هذا: (يذكر اسم نبينا ﷺ أو لقبه بلفظ التعظيم، وإن لم يكن هذا الأمر منظوراً لكم فاكتبوا هكذا نبيكم أو نبي المسلمين، وصيغ الأفعال أو الضمائر التي ترجع إلى جنابه الشريف تكون على صيغ الجمع كما هو عادة أهل لسان الأردو، وإلا لا نقدر على التكلم ويحصل لنا الملال في الغاية) فكتب هذا القسيس في جوابه في مكتوبه الذي كتبه في 19 تموز سنة 1844 هكذا: "فاعلموا أننا معذورون في ذكر نبيكم بالتعظيم أو بإيراد الأفعال والضمائر في صورة الجمع، هذا الأمر غير ممكن منا، لكنا لا نكتب باللقب السوء أيضاً بل أكتب نبيكم أو نبي المسلمين، أو محمد ﷺ فقط مثل أن أقول قال محمد ﷺ وأقول في موضع يكون مقتضى الكلام محمد ليس برسول أو كاذب، لكنكم لا تظنون من هذه الألفاظ أن مقصودنا منها إيذاؤكم، بل الأمر هذا أن محمداً لما لم يكن نبياً حقاً عندنا فإظهار هذا الأمر واجب علينا".
ثم كتب في مكتوبه الذي كتبه في 21 تموز سنة 1844: "من المحال أن يذكر اسم محمد بإيراد الأفعال أو الضمائر على صيغ الجمع" وطلبت منه أيضاً في مكتوبي الذي كتبت إليه في 16 نيسان سنة 1854 في هذا الباب، فكتب في جوابه في 18 نيسان سنة 1854، كما كتب إلى صاحب الاستفسار، "وإذا عرفت هذا فأقول إن علماء الإسلام يعتقدون في حقه وحق علماء ملته أزيد مما يعتقده في حق نبينا ﷺ، فلو صدر عن عالم من علماء الإسلام على وفق أقواله بلا زيادة ونقصان في حقه هكذا، إنه يصدق في حقه قول بولس: "إن إله الدهر قد أعمى قلوب الكافرين"، وهو غمض عين الإنصاف قصداً لأجل التعصب، وكان مقصوده ومطلبه النزاع البحت، والتعصب، وظن لأجل التكبر، والظاهر أن التكبر والتعصب جعلاه مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله، ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا أيضاً: امتلأ قلبه من التكبر والتعصب هكذا، وهو في الفهم أنقص من الوثني، وفي الكفر أزيد من اليهود، ويكتب في غاية عدم المبالاة والكفر، والإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلبه، وداخل في زمرة الدهريين، وكذا لو صدر في حق كتابه ميزان الحق لأجل اشتماله على المغالطات الصرفة والسفسطيات المحضة والدعاوى الغير الصحيحة والبراهين الضعيفة هكذا: أن كله مملوء من الاعتراضات الباطلة ومملوء من الخلاف والباطل والدعاوى المهملة والمطاعن غير المناسبة، وكذا لو صدر في حق تقريره الذي صدر عنه في حق النبي ﷺ أو القرآن أو الحديث أن هذا تكبر محض وكفر، رحمه الله وأخرجه عن شبكة غواية الفهم، وهذا ليس دليل قلة علمه وجهله فقط، بل هو دليل سوء فهمه وتعصبه أيضاً، وهذا كله باطل وعاطل، وهذا عين التكبر والكفر، وهذا عين الجهل وانتهاء التكبر، وهذا يدل على عدم اطلاعه رأساً وتعصبه، وساقط عن الاعتبار وباطل محض وعاطل، وانتهاء التعصب والكفر وغير مقبول محض، وحيلة وحوالة؛ فالتفوّه بهذه الأقوال أيجوز لهذا العالم في زعم القسيس النبيل أم لا؟؟، فإن جاز فلا بد أن لا يشكو هذا القسيس من أمثال هذه الألفاظ, وإن لم يجز فكيف يتفوه بها، والعجب كل العجب من إنصافه أن يكون هو معذوراً في تحريرها، ويكون العالم الإسلامي ملوماً غير معذور، فالمرجو منه أن يعلم أن العالم الذي يصدر عن قلمه لفظ بالنسبة إليه أو إلى علمائه في موضع يكون مقتضى الكلام ليس مقصوده إيذاءه أو إيذاء أهل ملته، بل سببه إظهار ما هو الحق عند هذا العالم أو جزاء لقوله أو لقول علمائه كما قيل: كل يحصد ما زرع ويجزى بما صنع.
(العادة الثالثة) أنه يترجم الآيات القرآنية ويفسرها تارة على رأيه ليعترض عليها في زعمه، ويدعي أن التفسير الصحيح والترجمة الصحيحة ما ترجمت به وما فسرت به، لا ما صدر عن علماء الإسلام ومفسري القرآن، وبين كماله على العوام ببعض قواعد التفسير مثلاً، بيّن في الصفحة 237 و 238 في الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق المطبوع سنة 1849 باللسان الفارسي وفي الصفحة 51 في الباب الرابع من حل الإشكال المطبوع سنة 1847، وأنقل ههنا قاعدتين منها لتعلق الحاجة بهما وأقول، قال هذا النبيل: "لا بد للمفسر أن يفهم مطلب الكتاب كما كان في ضمير المصنف، فلا بد لمن طالع أو فسر أن يكون واقفاً على حالات أيام المصنف وعادة طائفة تربى المصنف فيها وعلى مذهبهم، وأن يكون واقفاً على صفات المصنف وأحواله أيضاً، لا أن يبادر بمجرد معرفة اللسان بترجمة الكتاب وتفسيره، وثانياً لا بد أن يتوجه إلى تسلسل المطالب ولا يفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة وإذا فسر مطلباً، فلا بد أن يلاحظ معه كل مقام له مناسبة ومطابقة بهذا المطلب ثم يفسر".
والحال أنه لا معرفة له بلسان العرب معرفة معتداً بها فضلاً عن الأمور الأخر، ولا يتوجه إلى تسلسل المطالب، ويفسد علاقة الأقوال السابقة واللاحقة كما سيظهر عن قريب، فمثل هذا الادعاء يحمل على أي شيء؟، فلو قلت في حقه في هذا الباب كما قال هو في حق الفاضل (هادي علي): أن التكبر والجهل جعلاه مسلوب الفهم وغمضا عين عقله وعدله، أو قلت هذا عين الجهل والتكبر، لكنت مصيباً، ومظهراً للحق، لكن أمثال هذه الألفاظ لما كانت غير ملائمة لا أتفوه بها في حقه أبداً، وإن تفوه هو بها وبأمثالها في حق علماء الإسلام.
(أقول) ادعى هذا القسيس النبيل في آخر الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق هكذا: "من تجنب عن الاعتساف وسلك مسلك الإنصاف ولاحظ معاني الآيات القرآنية علم أن معانيها على التفسير الصحيح الموافق لقانونه ما ترجمت وفسرت" وإذا عرفت ادعاءه فأذكر ثلاثة شواهد على وفق عدد التثليث يظهر منها حال صلوحه لأمثال هذه الدعوى:
(الشاهد الأول) أن القسيس قام في الجلسة الثانية من المناظرة التي وقعت بيني وبينه فأخذ ميزان الحق وشرع في قراءة بعض الآيات القرآنية التي نقلها في الفصل الأول من الباب الأول وكانت هذه الآيات مكتوبة بالخط الحسن ومعربة بالإعراب فكان يغلط في الألفاظ فضلاً عن الإعراب، ونقل هذا الأمر على المسلمين فما صبر قاضي القضاة محمد أسد الله فقال للقسيس النبيل: اكتفوا على الترجمة واتركوا الألفاظ لأن المعاني تتبدل بتبدل الألفاظ، فقال القسيس النبيل "سامحونا إن هذا من قصور لساننا"، هذا حاله في معرفة اللسان بحسب التقرير.
(الشاهد الثاني) كتب القسيس إظهاراً لفضله وإخباراً عن معرفته بلسان العرب في آخر ميزان الحق الفارسي المطبوع سنة 1849، وفي آخر ميزان الحق الذي هو في لغة الأردو وطبع سنة 1850 هكذا: "تمت هذه الرسالة في سنة ثمانية ماية ثلاثون والثلاث بعد الألف مسيحي وبالمطابق مايتان وأربعين ثمانية بعد الألف هجري" وفي آخر مفتاح الأسرار الفارسي المطبوع سنة 1850 هكذا: (تمت هذه الأوراق في سنة ماية وثلاثون السابعة بعد الألف مسيحي وفي سنة مايتان اثنا وخمسين بعد الألف من هجرة المحمدية)، وفي النسخة التي هي في لسان الأردو هذه العبارة بعينها أيضاً غير أن لفظ الهجرة في النسخة الفارسية بدون الألف واللام، وفي هذه النسخة بهما، ولعل سببه أنه لما كان توجه إلى النسخة الفارسية أكثر فتصحيحه فيها أبلغ، وثبت عنده بتحقيقه الكامل الذي هو مختص به أنه لا يجوز أن يكون الموصوف والصفة كلاهما معرفين باللام فأسقط الألف واللام من الموصوف، فهذا حاله في التحرير.
(الشاهد الثالث) نقل في مفتاح الأسرار القديم المطبوع سنة 1843 في الصفحة الرابعة أولاً هذه الآية من سورة التحريم {ومريم ابْنَةَ عِمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وقوله تعالى في سورة النساء: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} قال: إذا كان المسيح روح الله بحكم هاتين الآيتين فلا بد أن يكون في مرتبة الألوهية؛ لأن روح الله لا يكون أقل من الله، لكن بعض المحمديين يقولون: إن لفظ الروح الذي جاء في هاتين الآيتين المراد به جبريل الملك، "إلا أن هذا القول منشؤه العداوة فقط لأن ضمير لفظ (منه) الذي في الآية الثانية والضمير المتصل في لفظ روحنا الذي في الآية الأولى على حكم قاعدة الصرف لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله"، أقول: هذا مخدوش بوجوه: (الأول) إنا نرجو أن نستفيد منه أن أية قاعدة صرفية تحكم أن الضميرين لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله، ما رأينا قاعدة من قواعد هذا العلم يكون حكمها ما ذكر، فظهر أنه لا يعرف أن علم الصرف أي علم، ويبحث فيه عن أي أمر، بل سمع اسم هذا العلم فكتب ههنا ليعتقد الجاهل أنه يعرف علوم العربية (الثاني) أنه ما قال أحد من علماء الإسلام المعتبرين أن المراد بلفظ الروح في قوله تعالى وروحٌ منه جبريل فهذا بهتان منشؤه العداوة (الثالث) إن آية سورة النساء هكذا: {يا أهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحقّ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحدٌ سبحانَه أن يكونَ له ولدٌ، له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} ففي هذه الآية، وقع قبل لفظ روح منه هذا القول: {يا أهلَ الكتاب لا تَغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} وهذا يشنع على المسيحيين في غلو اعتقادهم في حق المسيح عليه السلام ووقع بعد اللفظ المذكور هذا القول، {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد} وهذا القول، يلومهم في اعتقاد التثليث، واعتقاد كون المسيح ابن الله، {قالوا إنَّ الله هوَ المسيح ابنُ مريمَ}، ومثل قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}، ومثل قوله: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول} فانظروا إلى تبحره في معرفة قواعد التفسير وإلى دقة نظره كيف بين المقصود، كما كان مراد المصنف، وكيف توجه إلى تسلسل المطالب، وكيف ادعى القول السابق واللاحق وكيف لاحظ كل مقام كان له مناسبة ومطابقة، لكني أتأسف تأسفاً عظيماً أن هذا التحرير والمفسر العديم النظير ما كتب تفسيراً حاوياً على أمثال هذه التحقيقات البديعة على العهد العتيق والجديد، ليكون تذكرة بين أهل ملته، ويظهر لهم من نكات العهدين ما لم يظهر إلى عهده والحق إنه لو قال مثل هذا المفسر بعد التأمل الكثير والإمعان البليغ: إن مجموع الاثنين والاثنين يكون خمسة، فلا أتعجب من دقة نظره وصائب فكره، فهذا حاله في فهم المقصود وعلى هذه البضاعة تقريراً وتحريراً وفهماً يرجو أن ترجح ترجمته الرديئة وتفسيره الركيك على ترجمة علماء الإسلام وتفسيرهم، هذا هو ثمرة العجب والتكبر لا غير (الرابع) أن قوله: (إن روح الله لا يكون أقل من الله) مردودٌ لأن الله تعالى قال في سورة السجدة في حق آدم عليه السلام: {ثُم سَوّاهُ ونفخ فيه من رُوحه} وقال في سورة الحِجر وسورة ص في حقه أيضاً: {فإذا سَوَّيتهُ ونفختُ فيه مِنْ روحي فَقَعُوا لهُ ساجدين} فأطلق الله على النفس الناطقة التي كانت لآدم عليه السلام أنها روحه وروحي، وقال في سورة مريم في حق جبريل: {فأرْسَلْنَا إِلَيْها رُوحَنَا فَتَمَثَلَ لهَا بشراً سَويّاً} والمراد بروحنا ههنا جبريل، ووقع في الآية الرابعة عشرة من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال هكذا: (فأعطي فيكم روحي) فأطلق ههنا أيضاً على النفس الناطقة الإنسانية إنها روحي فيلزم أن تكون هؤلاء الآلاف إلهية على تحقيق القسيس بحكم كتاب حزقيال، ويكون آدم وجبريل عليهما السلام إلهين بحكم القرآن، فالحق أن المراد بالروح في قوله تعالى: {وروح منه} النفس الناطقة الإنسانية والمضاف محذوف أي ذو روح منه في الجلالين: {وروح} أي ذو روح {منه} أضيف إليه تشريفاً، [ص 45] وفي البيضاوي: {وروح منه} وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة، ولما كانت هذه العبارة مَلْعَبَة الصبيان واطلع على قبحها القسيس النبيل باعتراض بعض الفضلاء حَرّفَها في النسخةِ الجديدة المطبوعة سنة 1850 فأتى بعبارة مموّهة بإرادة أخرى نقلتها ورددت عليها في كتابي (إزالة الشكوك) فمن شاء فليرجع إليها، وأذكر ههنا حكايتين مناسبتين لحكاية القسيس.
(الحكاية الأولى) ما نقله الطيبي في شرح المِشكاة أن مسلماً كان يتلو القرآن فسمع منه بعض القسيسين هذا القول {وكلمتُهُ ألقاه إلى مريمَ وروحٌ منه) فقال: إن هذا القول يصدِّق ديننا ويخالف ملة الإسلام؛ لأن فيه اعترافاً بأن عيسى عليه السلام روحٌ هو بعض من الله، فكان على بن حسين بن الواقد مصنف كتاب النظير حاضراً هناك فأجاب: بأن الله قال مثل هذا القول في حق المخلوقات كلها: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه} فلو كان معنى روح منه روح بعض منه أو جزء منه فيكون معنى جميعاً منه أيضاً على قولك مثله، فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة فأنصف القسيس وآمن.
(الحكاية الثانية) استدل البعض من الفرقة المسيحية في البلد (دهلي) في إثبات التثليث، بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء فيدل على التثليث، فأجاب بعض الظرفاء: إنك قصرت. عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع ووجود سبعة آلهة بمبدأ سورة المؤمن وهو هكذا: {حم تنزيل الكتابِ مِنَ الله العزيز العليم غافرِ الذَّنب وقابِل التوبِ شديدِ العقاب ذي الطَّوْل} بل عليك أن تقول: إنه يثبت وجود سبعة عشراً إلهاً من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسماً من الذات والصفات متوالية، فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطلاع على ستة وثلاثين قولاً من أقوال القسيس النبيل.
وأنقل في أكثر المواضع من كتابي هذا من أقواله الأخر أيضاً وأرد عليها وأسأل الآن من القسيس النبيل أن يُجَوِّز لي، نظراً إلى الأقوال التي نقلتها، أن أقول في حقه اقتداء بعادته قولاً مطابقاً لقوله: "إن هذه المواد التي لا أساس لها، والمواد التي مثلها تدل دلالة واضحة على قلة علمه، وعدم دقة نظره؛ لأنه لو كان له دقة جزئية وأدنى معرفة في العلم لما قال ذلك. أم لا يجوز؟ ففي الصورة الثانية لا بد من بيان الفرق بأنه يجوز له أن يقول لو وجد في كلام المخالف خمسة أقوال أو ستة أقوال مجروحة في زعمه، ولا يجوز للمخالف، ولو وجد المخالف في كلامه أقوالاً باطلة قطعاً أزيد مما وجده بقدر ستة أمثال، وفي الصورة الأولى لا بد أن ينظر إلى حاله، ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق، ومفتاح الأسرار وحل الإشكال وغيرها؛ لأن الكلام الباقي حاله في الصورة المذكورة يكون كحال الكلام المذكور، ولنعم ما قيل لا تفتح باباً يُعْييك سَدُّهُ ولا ترم سهماً يُعجزك رَدُّه. والمقصود الأصلي مما ذكرت في هذا الأمر السابع أن الذي يكتب جواب كتابي هذا فالمرجو منه أن ينقل أولاً عبارتي، ثم يجيب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب، وإن خاف التطويل فلا بد أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستة، ويراعي أيضاً في تحرير الجواب الأمور الباقية التي ذكرتها في هذه المقدمة ولا يسلك مسلك المموهين من علماء البروتستنت؛ لأن هذا المسلك بعيد من الإنصاف مائل عن الحق ومفض إلى الاعتساف، وإن تَصدّى القسيس النبيل (فندر) لتحرير جواب كتابي هذا فالمرجو منه ما هو المرجو من غيره من مراعاة الأمور المذكورة في هذه المقدمة وشيء زائد أيضاً وهو أن يوجه أولاً هذه الأقوال الستة والثلاثين كلها من كلامه؛ لتكون توجيهاته معياراً لتوجيه أقوالي في جواب الجواب، وظني أنهم لا يكتبون الجواب إن شاء الله، وإن كتبوا لا يراعون الأمور المذكورة ألبتة، ويعتذرون باعتذارات باردة، ويكون جوابهم هكذا يأخذون من أقوالي بعض الأقوال التي يكون لهم المجال للكلام، ولا يشيرون إلى الأقوال القوية لا بالرد ولا بالتسليم. نعم! يدّعون لتغليط العوام ادعاءً باطلاً أن كلامه الباقي أيضاً كذلك، ولعله لا يبلغ حجم ردهم إلى حد يكون كل ورقة ورقة منه بإزاء كراس كراس من كتابي فأقول من قبل: إنهم لو فعلوا كذا يكون دليل عجزهم.
(الأمر الثامن) إني نقلت أسماء العلماء والمواضع عن الكتب التي وصلت إلي بلسان الإنكليز، أو عن تراجم فرقة البروتستنت، أو عن رسائلهم باللسان الفارسي أو العربي أو الأردو، وحال الأسماء أشد فساداً من الحالات الأخر أيضاً كما لا يخفى على ناظر كتبهم فلو وجد الناظر هذه الأسماء مخالفة لما هو المشتهر في لسان آخر فلا يعيب علي في هذا الأمر، فإذا فرغت من المقدمة فها أنا أشرع في المقصود بعون الله الملك الودود. اللهم أرنا الحق حقاً والباطل باطلاً