→ المقصد الثاني: في إثبات التحريف بالزيادة | إظهار الحق المؤلف: رحمة الله الهندي |
الباب الثالث: في إثبات النسخ ← |
المقصد الثالث: في إثبات التحريف بالنقصان
(الشاهد الأول) الآية الثانية عشرة من الباب الخامس عشر من سفر الخليقة هكذا: "وقيل له اعلم عالماً أن نَسْلك سيكون ساكناً في غير أرضهم ويستعبدونهم ويضيقون عليهم أربعمائة سنة" وهذه العبارة "يستعبدونهم ويضيقون عليهم" وكذلك الآية الرابعة عشرة من هذا الباب وهي هكذا: "ولكن الشعب الذي يستعبدهم أنا أدينه، ومن بعد هذا يخرجون بمال" تدلان على أن المراد بالأرض أرض مصر، لأن الذين استعبدوا وضيقوا على بني إسرائيل فدانهم الله فخرج بعد هذا بنو إسرائيل بمال جزيل هم أهل مصر لا غيرهم، لأن هذه الأمور لا توجد في غيرهم، والآية الأربعون من الباب الثاني عشر من كتاب الخروج هكذا: "فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة" فبين الآيتين اختلاف، فإما أسقط من الأولى لفظ ثلاثين، وإما زيد في الثانية، ومع قطع النظر عن هذا الاختلاف والتحريف أقول إن بيان المدة في كليهما غلط يقيناً لا ريب فيه لأمور:
(الأول) أن موسى عليه السلام ابن بنت لاوى، وابن ابن ابن لاوى أيضاً لأنه ابن يوخايذ بنت لاوى من جانب الأم، وابن عمران بن قاهث بن لاوى من جانب الأب، فعمران كان تزوّج عمته كما هو مصرح به في الباب السادس من سفر الخروج، والباب السادس والعشرين من سفر العدد، وقاهث جد موسى عليه السلام قد وُلد قبل مجيء بني إسرائيل إلى مصر، كما هو مصرح به في الآية الحادية عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر الخليقة، فلا يمكن أن يكون مدة إقامة بني إسرائيل بمصر أكثر من مائتين وخمس عشرة سنة.
والثاني: أن مؤرخيهم ومفسريهم متفقون على أن مدة سكون بني إسرائيل كانت مائتين وخمس عشرة سنة. من تصنيفات علماء البروتستنت كتاب باللسان العربي مسمى (بمرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) وكتب على عنوانه (طبع في مطبعة مجمع كنيسة الإنكليز الأسقفية في مدينة فالته سنة 1840 مسيحية) وضبطت تواريخ حوادث العالم من بدء التكوين إلى ميلاد المسيح في الفصل السابع عشر من الجزء الثاني لهذا الكتاب، وكتبت السنون في جانبي كل حادثة في جانب اليمين، السنون التي من بدء التكوين إلى الحادثة وفي جانب اليسار السنون التي من هذه الحادثة إلى ميلاد المسيح ففي الصفحة 346 و 3298 (إقامة إخوة يوسف وأبيه في مصر 1706) وفي الصفحة 437 و 2513 (عبور الإسرائيليين بحر القلزم وغرق فرعون) 1491 انتهت عبارته، فإذا أسقطنا الأقل من الأكثر يبقى مائتان وخمس عشرة سنة وصورة العمل هكذا:
2513 1707
2298 1491
215 215
هذا هو مختار المؤرخين وستقف على قول المفسرين وفي عبارة آدم كلارك التي ننقل ترجمتها عن قريب.
الثالث: أنه وقع في الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل غلاطيه هكذا 66: "فإن المواعيد كان قد وعد بها إبراهيم وذريته، حيث لم يقل وذراريه نظراً إلى الكثرة بل قيل ولذريتك نظراً إلى الوحدة التي هي المسيح" 17 "فأقول إن العهد الذي أثبت الله من قَبْلُ للمسيح لا يستطيع الناموس الذي ورد بعده بأربعمائة وثلاثين سنة أن ينكثه حتى ينقضي الميعاد". وكلامه وإن كان لا يخلو عن الخطأ كما ستعرف يخالف عبارة الخروج مخالفة صريحة، لأنه اعتبر المدة بالقدر المذكور من زمان العهد الذي كان من إبراهيم عليه السلام، وكان مقدماً كثيراً على دخول بني إسرائيل في مصر إلى نزول التوراة الذي هو متأخر عن خروجهم عن مصر، وما اعتبر مدة سكن بني إسرائيل في مصر بالقدر المسطور. ولما كان البيان المذكور غلطاً يقيناً صححت الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في النسخة السامرية واليونانية هكذا: "فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة": فزيد في هاتين النسختين هذه الألفاظ آباؤهم وأجدادهم وأرض كنعان، قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الأول من تفسيره في ذيل شرح الآية المذكورة هكذا: "اتفق الكل على أن مضمون هذه الآية في غاية الإشكال" أقول ليس مضمونها في غاية الإشكال، بل غلط يقيناً كما ستعرفه أيضاً. ثم نقل ذلك المفسر عبارة النسخة السامرية فقال: "وعبارة اسكندر يانوس موافقة لعبارة السامرية، وكثير من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى عليه السلام أصح، وهذا الأمر مسلم أن اسكيندر يانوس في نسخ الترجمة اليونانية أصحها وقديمة من كل نسخها الموجودة، ولا شك لأحد في وثاقة بولس، فانفصل الأمر كله بشهادة هذه الثلاثة، والتواريخ شاهدة على أن الحق في جانب هذه الثلاثة، لأن إبراهيم عليه السلام لما دخل كنعان فمن دخوله إلى ولادة إسحاق خمس وعشرون سنة، وإن إسحاق كان ابن ستين سنة حين تولد له يعقوب عليه السلام، وإن يعقوب لما دخل مصر كان ابن مائة وثلاثين سنة فالمجموع مائتان وخمس عشرة سنة، وإن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة فالكل أربعمائة وثلاثون سنة" وجامعو تفسير هنري واسكات بعد ما سلموا أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة نقلوا عبارة السامرية فقالوا: "لا شبهة في أن هذه العبارة صادقة وتزيل كل مشكل وقع في المتن" فظهر أن مفسريهم لا توجيه عندهم لعبارة الخروج التي في النسخة العبرانية سوى الاعتراف بأنها غلط، وإنما قلت: إن كلام بولس أيضاً لا يخلو عن الخطأ لأنه اعتبر المدة من العهد، وهذا العهد كان قبل ميلاد إسحاق عليه السلام بسنة، كما هو مصرح به في الباب السابع عشر من سفر التكوين، والآية الحادية والعشرون من الباب المذكور هكذا: "فأما ميثاقي فأقيمه لإسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الحين في السنة الأخرى" ونزول التوراة في الشهر الثالث من خروج بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من كتاب الخروج، فإذا لو اعتبرت بالحساب الذي صرح به آدم كلارك يكون المدة بقدر أربعمائة وسبع سنين، وهو مصرح به في تواريخ فرقة البروتستنت أيضاً لأربعمائة وثلاثين سنة، كما ادعى بولس في الصفحة 345 من مرشد الطالبين هكذا سنة 2107.
ميثاق الله مع إبرام وتبديل اسمه بإبراهيم سنة 1867 وتعيين الختان ونجاة لوط وهلاك هادوم
وعامورا وأضما وصابوعيم بالنار من أجل فاحشتهم وشرورهم:
(ثم في الصفحة 347 هكذا 2514 منح الشريعة على جبل سيناء 1490) فإذا طرحنا الأقل من الأكثر يبقى أربعمائة وسبع سنين هكذا:
2514 1897
2108 1390
407 407
(تنبيه) ما قلت أن يوخايذ كانت عمة عمران هو الصحيح، وكما يشهد عليه التراجم 8 الغير العديدة من الإنكليزية والعربية والفارسية والهندية، لكن العجب أن الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 هكذا: "فتزوج عمران يوخايذ ابنة عمه) فحرف فيها لفظ العمة بابنة العم، ولما طبعت هذه الترجمة بغاية الاجتهاد في عهد البابا أريانوس الثامن وكان كثير من القسيسين والرهبان والعلماء الواثقين على اللسان العبراني واليوناني وغيرها باذلين جهدهم في تصحيحها، كما يظهر هذا من المقدمة التي كتبوها في أول تلك الترجمة، فالغالب أن هذا التحريف صدر عنهم قصداً لئلا يقع العيب في نسب موسى عليه السلام، لأن نكاح العمة حرام في التوراة، كما هو مصرح به في الآية الثانية عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار، وفي الآية التاسعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1848 هذا التحريف موجود أيضاً.
(الشاهد الثاني) الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه ولما صارا في الحقل قام قابيل على هابيل أخيه فقتله" وفي النسخة السامرية واليونانية والتراجم القديمة هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل" إلى آخرها فهذه العبارة "تعال نخرج إلى الحقل" سقطت من العبرانية. قال هورن في الحاشية في الصفحة 193 من المجلد الثاني من تفسيره: "توجد هذه العبارة في النسخة السامرية واليونانية والآرامية، وكذا في النسخة اللاطينينة التي طبعت في بالي كلات والتن وحكم كني كات بإدخالها في النسخة العبرانية ولا شبهة في أنها عبارة حسنة" انتهى ثم قال في الصفحة 338 من المجلد المذكور: "قد تكون عبارة الترجمة اليونانية صحيحة لم توجد في نسخ العبرانية المروّجة الآن، مثلاً نسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة ناقصة في الآية المذكورة نقصاناً بيِّناً، ومترجم الترجمة الإنكليزية التي هي مختومة لما يفهم ههنا حق الفهم ترجم هكذا" "تكلم قابيل مع هابيل أخيه" وجبر هذا النقصان في الترجمة اليونانية، وتوافق هذه الترجمة النسخة السامرية والترجمة اللاطينية والآرامية وترجمة ايكوئيلا والتفسيران اللذان باللسان الجالدي والفقرة التي نقلها فلو اليهودي" وقال آدم كلارك في الصفحة 63 من المجلد الأول من تفسيره مثل ما قال هورن، وأدخلت هذه العبارة في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1848.
(الشاهد الثالث) في الآية السابعة عشرة من الباب السابع من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً على الأرض" وهذه الجملة في كثير من نسخ اللاطينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً وليلة على الأرض" قال هورن في المجلد الأول من تفسيره: "فليزد لفظ ليلة في المتن العبري".
(الشاهد الرابع) في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "ولما سكن إسرائيل تلك الأرض مضى روبيل وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل" قال جامعو تفسير هنري واسكات: "اليهود يسلمون أن شيئاً سقط من هذه الآية والترجمة اليونانية تتمها هكذا: وكان قبيحاً في نظره" فاليهود ههنا أيضاً معترفون بالسقوط، فسقوط الجملة من النسخة العبرانية ليس بمستبعد عند أهل الكتاب، فضلاً عن سقوط حرف أو حرفين.
(الشاهد الخامس) قال هارسلي المفسر في الصفحة 83 من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين: تزاد في أول هذه الآية من الترجمة اليونانية هذه الجملة: "لم سرقتم صواعي" فهذه على اعترافه ساقطة من العبرانية.
(الشاهد السادس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين في التكوين هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية واللاطينية وبعض التراجم القديمة هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا معكم" فلفظ معكم سقط من العبرانية. قال هورن: "أدخل مستر بت زائداً هذا اللفظ المتروك في ترجمته الجديدة وأصاب" انتهى.
(الشاهد السابع) الآية الثانية والعشرون من الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: "فولدت له ابناً ودعا اسمه جرسون، قائلاً: إنما أنا كنت ملتجئاً في أرض غريبة، وتوجد في الترجمة اليونانية واللاطينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة، وولدت أيضاً غلاماً ثانياً ودعا اسمه العازر، فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" قال آدم كلارك في الصفحة 310 من المجلد الأول من تفسيره بعد ما نقل العبارة المسطورة من التراجم: "أدخل هتوبي كينت هذه العبارة في ترجمته اللاطينية، ويدعي أن موضعها هذا، ولا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة، مع أنها وجدت في التراجم المعتبرة" انتهى. فعندهم هذه العبارة ساقطة من النسخة العبرانية.
(الشاهد الثامن) في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: "فولدت له هرون وموسى" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية وهكذا: "فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما" فلفظ "مريم أختهما" سقط من العبرانية، قال آدم كلارك بعد نقل عبارة النسخة السامرية واليونانية: "ظن البعض من أَجِلّة المحققين أن هذا اللفظ كان في المتن العبري".
(الشاهد التاسع) الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد هكذا: "وإذا هتفوا ونفخوا مرة ثانية بالقَرْن يهللون كأول مرة يرفع الخيام الحالَّة نحو الجنوب" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغربية للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" قال آدم كلارك في الصفحة 663 من المجلد الأول من تفسيره: "لم يذكر الغربية والشمالية ههنا لكنه يعلم أنهم كانوا يرتحلون بالنفخ أيضاً، ولذلك يعلم أن المتن العبراني ههنا ناقص، تتمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام المغربية للارتحال، وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال".
(الشاهد العاشر) قال المفسر هارسلي: سقط من آخر الآية الثالثة عشرة وأول الآية الرابعة عشرة من الباب السادس عشر من كتاب القضاة شيء فيؤخذ من الترجمة اليونانية وتزاد هذه العبارة: "فقال لها لو أخذت سبع قنزعات من رأسي ونسجتها مع سدى، وربطت بالمسمار في الجدار فأصير ضعيفاً كسائر الناس فنومته وأخذت سبع قنزعات ونسجت مع السدى وربطته" انتهى.
(الشاهد الحادي عشر) قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "سقطت من الترجمة اليونانية الآية الثالثة كلها إلا لفظ شكيناه، والآية 4 و 5 و 6 و 9 و 37 و 38 و 39 و 40 و 41، وسقطت من الترجمة العربية في الباب المذكور من الآية الأولى إلى الآية السادسة والعشرين والآية التاسعة والعشرون".
(الشاهد الثاني عشر) الآية السابعة عشرة من الباب الثاني والأربعين من كتاب أيوب هكذا: "ومات أيوب شيخاً معمراً" واختتمت النسخة العبرانية عليها، وزيد عليها في الترجمة اليونانية هذا القدر "ويبعث مرة أخرى مع الذين يبعثهم الرب" وزيد أيضاً تتمة فيها بيان نسب أيوب، وبيان أحواله على سبيل الاختصار، ويقول كامت وهِرْدَر: إن هذه التتمة جزء من الكتاب الإلهامي، وسلمها فلوو بولي هستر أيضاً وكان الناس يسلمون في عهد أرجن، وكتبها تهيودوشن في ترجمته اليونانية، فعلى هذا العبرانية محرفة بالنقصان عند القدماء المسيحيين، والعلماء المذكورين، والمحققون من فرقة البروتستنت على أنها جعلية، فيلزم التحريف بالزيادة عندهم في الترجمة اليونانية، قال جامعو تفسير هنري واسكات: "الظاهر أنها جعلية وإن كتبت قبل المسيح" أقول: إذا سلم كونها قبل المسيح يلزم أن القدماء المسيحيين من عهد الحواريين إلى ألف وخمسمائة سنة كانوا يعتقدون هذا المحرف كلام الله لأنهم كانوا متشبثين إلى هذا الزمان بهذه الترجمة ومعتقدين بأنها صحيحة والعبرانية محرفة.
(الشاهد الثالث عشر) وقع بعد الآية الثالثة من الزبور الرابع عشر في الترجمة اللاطينية وترجمة إتهيوبك والترجمة العربية، ونسخة واتيكانوس من الترجمة اليونانية هذه العبارة "فحُلقومُهُمْ قبرٌ مفتوح، وهم يغدرون بألسنتهم وسمُّ الثعابين تحت شفاههم وأفواههم مملوءة من اللعن والمرورة، وأقدامهم مسرعة لسفك الدم، والتهلكة والشقاء في طرقهم، ولم يعرفوا طريق السلامة، وخوف الله ليس بموجود أمام أعينهم" انتهت، ولا توجد هذه العبارة في النسخة العبرانية بل توجد في رسالة بولس إلى أهل رومية، فلا تخلوا إما أسقطها اليهود من العبرانية فهذا هو التحريف بالنقصان، وإما زادها المسيحيون في تراجمهم لإصلاح كلام مقدسهم بولس، وهذا هو التحريف بالزيادة فأحد التحريفين لازم قطعاً، قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية المذكورة من الزبور: "وقع بعد هذه الآية في النسخة وايتكانوس من ترجمة اتهيوبك والترجمة العربية ست آيات توجد في الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل رومية من الآية الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة" انتهى.
(الشاهد الرابع عشر) الآية الخامسة من الباب الأربعين من كتاب أشعياء في العبرانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً، قال له فم الرب" وفي الترجمة اليونانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً نجاة إلهنا لأن فم الرب قاله" قال آدم كلارك في الصفحة 2785 من المجلد الرابع من تفسيره بعد ما نقل عبارة الترجمة اليونانية: "ظني بأن هذه العبارة هي الأصل، ثم قال وهذا السقوط في المتن العبراني قديم جداً متقدم على الترجمة الجالدية واللاطينية والسريانية، وتوجد هذه العبارة في كل نسخة من الترجمة اليونانية، وسلمها لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث، وعندي نسخة واحدة قديمة جداً سقطت منها هذه الآية كلها" انتهى، وقال هورن في الباب الثامن من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره: "كتب لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث مطابقاً لما في الترجمة اليونانية ويعلم لوتهه أن هذه العبارة الصحيحة هي الصحيحة فأدخلها في ترجمته لكتاب أشعياء".
وقال جامعو تفسير هنري واسكات: فلتزد هذه الألفاظ نجاة إلهنا بعد لفظ يرى، انظروا الآية العاشرة من الباب الثاني والخمسين، والترجمة اليونانية فالمتن العبراني محرف بالنقصان باعتراف هؤلاء المفسرين، وهذا التحريف قديم جداً باعتراف آدم كلارك.
(الشاهد الخامس عشر) قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية الخامسة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعياء: "اعتقادي أنه وقع النقصان من غلط الكاتب، وهذا التحريف قديم جداً لأن المترجمين المتقدمين لم يقدروا على بيان معنى الآية بياناً حسناً كما لم يقدر عليه المتأخرون منهم".
(الشاهد السادس عشر) قال هورن في الصفحة 477 من المجلد الرابع من تفسيره: "سقطت آية تامة ما بين الآية الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا فلتزد بعد أخذها من الآية السادسة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، أو من الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس ليكون لوقا موافقاً للإنجيليين الآخرين" ثم قال في الحاشية: "أغمض المحققون والمفسرون كلهم عن هذا النقصان العظيم الواقع في متن لوقا حتى توجه عليه هلز" فعلى اعترافه سقطت آية تامة من إنجيل لوقا ويجب زيادتها فيه، وهذه الآية في إنجيل متى هكذا: "وأما ذلك اليوم والساعة فلا أحد يعلم بهما حتى ملائكة السماء إلا أبي وحده".
(الشاهد السابع عشر) في الآية السابعة من الباب السادس عشر من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "فلم يأذن لهم روح" قال كريسباخ وشولزا الصحيح هكذا: "فلم يأذن لهم روح يسوع" فعلى إقرارهما سقط لفظ يسوع، وأدخل هذا اللفظ في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1821 وعبارتهما هكذا: "فلم يتركهم روح يسوع".
(الشاهد الثامن عشر) الإنجيل الذي ينسب إلى متى الآن وهو أول الأناجيل وأقدمها عندهم ليس من تصنيفه يقيناً بل ضيعوه بعد ما حرفوه، لأن القدماء المسيحية كافة وغير المحصورين من المتأخرين على أن إنجيل متى كان باللسان العبراني، وهو ضاع وفُقد بسبب تحريف بعض الفرق المسيحية، والإنجيل الموجود الآن ترجمته، ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة حتى لم يعلم اسم المترجم أيضاً باليقين إلى هذا الحين، كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم فضلاً عن علم أحوال المترجم. نعم يقولون رَجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ترجمه، ولا يتم هذا على المخالف، ولا يثبت استناد الكتاب إلى المصنف بالظن والتخمين، فإذا كان مذهب القدماء كافة وغير المحصورين من المتأخرين ما عرفت فلا اعتماد على قول بعض علماء البروتستنت الذي يقولون بمجرد ظنهم بلا برهان إن متى نفسه ترجمه، وها أنا أورد عليك شواهد هذا الباب في المجلد الرابع التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينكا: "كُتب كل كتاب من العهد الجديد في اللسان اليوناني إلا إنجيل متى، والرسالة العبرانية فإن تأليفهما باللسان العبراني أمر يقيني بالدلائل" قال لاردنر في الصفحة 119 من المجلد الثاني من الكليات: "كتب بي بيس أن متى كتب إنجيله بالعبرانية وترجمه كل أحد على قدر لياقته" وهذا القول "ترجمه كل أحد على قدر لياقته" يدل على أن أناساً كثيرين ترجموا هذا الإنجيل، فما لم يثبت بالسند الكامل أن هذا الموجود ترجمه فلان وأنه كان ذا إلهام كيف تعد ترجمته من الكتب الإلهامية؟ ولم يثبت بالسند كونه ثقةً أيضاً فضلاً عن كونه ذا إلهام، ثم قال لاردنر في الصفحة 170 من المجلد المسطور: كتب أرنيوس "إن متى كتب إنجيله لليهود بلسانهم في الأيام التي كان بولس وبطرس يعظان في الروم"، ثم قال في الصفحة 574 من المجلد المسطور لأرجن ثلاث فقرات: "الأولى نقلها يوسي بيس أن متى أعطى الإنجيل للمؤمنين من اليهود باللسان العبراني، والثانية روى أن متى كتب أولاً وأعطى الإنجيل للعبرانيين، والثالثة أن متى كتب الإنجيل للعبرانيين الذين كانوا ينتظرون شخصاً موعوداً من نسل إبراهيم وداود"، ثم قال لاردنر في الصفحة 95 من المجلد الرابع "كتب يوسي بيس أن متى لما أراد أن يذهب إلى أقوام أخر بعد ما وعظ العبرانيين كتب الإنجيل في لسانهم وأعطاهم"، ثم قال في الصفحة 174 من المجلد الرابع المذكور: "قال سِرِل كتب متى الإنجيل بالعبراني"، ثم قال لاردنر في الصفحة 187 من المجلد الرابع المذكور: "كتب أبي فانيس أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني، وهو الذي انفرد باستعمال هذا اللسان في تحرير العهد الجديد" ثم قال في الصفحة 439 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود، ولم يخلط ظل الشريعة بصدق الإنجيل" ثم قال في الصفحة 441 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم في فهرست المؤرخين أن متى كتب إنجيله في الأرض اليهودية باللسان العبراني والحروف العبرانية للمؤمنين من اليهود، ولم يتحقق هذا الأمر أن ترجمته باليونانية ولا هذا الأمر أن المترجم مَنْ هُوَ، على أن نسخة إنجيله العبراني موجودة في كتب خانة سريا التي جمعها بيمْفَلِس الشهيد بجهد تام، وأخذتُ نقلها بإجازة الناصرين الذين كانوا في برْيا من أضلاع سِرْيا وكانوا يستعملون هذه النسخة العبرانية"، ثم قال في الصفحة 501 من المجلد الرابع المذكور: "كتب اكستائن: قيل إن متى وحده من الأربع كتب بالعبراني وكتب الباقون باليوناني" انتهى، ثم قال في الصفحة 538 من المجلد الرابع المذكور: "كتب كريزاستم قيل إن متى كتب إنجيله باللسان العبراني للمؤمنين من اليهود باستدعائهم" ثم قال لاردنر في الصفحة 1371 من المجلد الخامس: "كتب اسي دور أن متى وحده من بين الأربع كتب باللسان العبراني والباقون كتبوا باليوناني"، وقال هورن في المجلد الرابع من تفسيره: "اختار بلرمن أوكر وتيس 2 وكسابن 3 ووالتن 4 وتاملائن 5 وكيو 6 وهمند 7 ومل 8 وهارود 9 وأودن 10 وكين بل 11 وإي كلارك 12 وسائمن 13 وتلي منت 14 وبري تس 15 ودوبن 16 وكامت 17 وميكايلس 18 واري نيس 19 وأرجن 20 وسرل 21 وأبى فانيس 22 وكريزاستم 23 وجيروم 24 وغيرهم من العلماء المتقدمين والمتأخرين قول بي بيس إن هذا الإنجيل كتب باللسان العبراني" انتهى قوله، وغيرهم أي مثل كِري كِري نازِيَنْ زَنْ وايد جسو، وتهيو فلكت، ولوتهى ميس، ويوسي بيس، واتهاني سيش، واكستائن، واسي دور، وغيرهم ممن صرح بأسمائهم لاردنر وواتسن وغيرهما في كتبهم، وفي تفسير دوالي ورجردمينت "وقع اختلاف عظيم في الزمان المتأخر أن هذا الإنجيل كتب بأي لسان لكن صرح كثير من القدماء أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني الذي كان لسان أهل فلسطين فَلْيُعَدْ القول الذي اتفق عليه القدماء (يعني أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني) قولاً فصلاً في مثل هذا القسم".
قال جامعو تفسير هنري واسكات: "سبب فقدان النسخة العبرانية أن الفرقة الأبيونية التي كانت تنكر ألوهية المسيح حرفت هذه النسخة وضاعت بعد فتنة يروشالم، وقال البعض: إن الناصريين أو اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية حرفوا الإنجيل العبراني، وأخرجت الفرقة الأبيونية فقرات كثيرة منه، وكتب يوسي بَيَسْ في تاريخه: "قال إرينيوس إن متى كتب إنجيله بالعبراني" قال ريو في تاريخه للإنجيل: "من قال إن متى كتب إنجيله باليوناني غلط لأن يوسي بيس صرح في تاريخه وكذا كثير من مرشدي الملة المسيحية أن متى كتب إنجيله بالعبراني لا اليوناني".
ونورتن كتب كتاباً ضخماً أثبت فيه أن التوراة جعلي يقيناً لبس من تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل لكن مع الاعتراف بالتحريفات الكثيرة فيه، ولذلك كلامه ليس بمقبول عند أهل التثليث، لكنه لما كان مدعياً لكونه مسيحياً، ونقل في هذا الباب من كلام القدماء المعتبرين عندهم أيضاً فلا بأس بنقل كلامه فأقول: كتب في كتابه المطبوع سنة 1837 ميلادية في بلدة بوستن في الصفحة 45 من المجلد الأول في حاشية ديباجة الكتاب هكذا: "يعتقدون أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني لأن القدماء الذين أشاروا إلى هذا الأمر قولهم واحد بالاتفاق، وأترك ذكر الذين ليسوا في غاية درجة الاستناد، وأقول إن بي بيس، وأرينيوس، وأرجن، ويوسى بيس، وجيروم أقروا بأنه كتب باللسان العبراني، ولم يقل أحد من القدماء بخلافهم وهذه شهادة عظيمة جداً لأن التعصب كان في ذلك الوقت فيما بينهم، كما ترى في هذا الوقت فيما بين المتأخرين، فلو كان قولهم شك مّا لقال مخالفوهم لأجل التعصب إن الإنجيل اليوناني أصل لا ترجمة، فلو لم ترد شهادة الزمان القديم كله التي على طريقة واحدة ولا يلزم منها استحالة ما فلا بد أن نعتقد أن متى كتب إنجيله بالعبراني، وما رأيت إلى هذا الحين اعتراضاً على هذه الشهادة نحتاج بسببه إلى تحقيق، بل رأيت بدل الاعتراض شهادة القدماء على أن النسخة العبرانية لهذا الإنجيل كانت موجودة عند المسيحيين الذين كانوا من قوم اليهود محرفة كانت أو غير محرفة" فعلم من الأقوال المذكورة أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني، والحروف العبرانية والقدماء متفقون على هذا لم يقل أحد منهم بخلافه، فيكون قولهم في هذا الباب قولاً فصلاً كما أقر به دوالي ورجردمينت، وأن النسخة العبرانية كانت موجودة مستعملة إلى عهد جيروم، وأنه لم يعلم اسم المترجم على وجه التحقيق، فظهر أن ما قال هورن مع اعترافه بما مر: "إن الغالب أن متى كتب إنجيله باللسانين العبراني واليوناني" لا يلتفت إليه لأنه مجرد الظن بلا برهان، ويقوي قول القدماء أن متى كان من الحواريين، ورأى أكثر أحوال المسيح عليه السلام بعينه، وسمع البعض، فلو كان مؤلف هذا الإنجيل لظهر من كلامه في موضع من المواضع أنه يكتب الأحوال التي رآها ولعبّر عن نفسه بصيغة المتكلم، كما جرت به العادة سلفاً وخلفاً، وهذه العادة ما كانت مهجورة في عهد الحواريين أيضاً، ألا ترى إلى رسائلهم المندرجة في العهد الجديد لو سلمت أنها رسائلهم فإنه يظهر منها هذا الحال للناظر، ألا ترى إلى تحرير لوقا فإنه لما كتب الإنجيل كله بالسماع، وكذا كتاب أعمال الحواريين إلى الباب التاسع عشر لا يظهر منهما هذا الحال، ولا يعبر عن نفسه بصيغة المتكلم، وبعد ذلك لما صار شريك بولس في السفر فكتب من الباب العشرين من كتاب أعمال الحواريين بحيث يظهر منه هذا الحال، وعبر عن نفسه بصيغة المتكلم فإن تمسك أحد بتوراة موسى عليه السلام وإنجيل يوحنا فهما عندنا في محل النزاع كما عرفت في الباب الأول، وكيف يتمسك بخلاف الظاهر بلا برهان قوي، وإذا كان المؤلف ثقة معتبراً فتحريره بحيث يظهر منه الحال المذكور موجب للاعتبار. وعلم من كلام جامعي تفسير هنري واسكات أن هذا الإنجيل ما كان متواتراً في القرن الأول، وأن التحريف كان شائعاً في هذا القرن أيضاً في المسيحيين، وإلا لما أمكن لأحد تحريفه، وإن وقع بالفرض لا يكون سبباً لتركه، فإذا لم يسلم الأصل فكيف يظن السلامة بالترجمة التي لم يعلم صاحبها أيضاً بالسند الكامل، بل الحق أنها كلها محرّفة. وقال فاستس الذي كان من علماء فرقة ماني كيز في القرن الرابع: "إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه" وبروفسر الجرمني قال: "إن هذا الإنجيل كله كاذب" 7 وهذا الإنجيل كان عند فرقة مارسيوني ولم يكن البابان الأولان فيه، فهما عندهم إلحاقيان، وكذا عند فرقة إبيونية هذان البابان إلحاقيان، وتردهما فرقة يوني تيرين والقسيس وِلْيْمْس وأنكرهما وأكثر مواضع هذا الإنجيل نورتن.
(الشاهد التاسع عشر) في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "ثم أتى وسكن في بلد تسمى ناصرة ليكمل قول الأنبياء إنه سيدعى ناصريا" وقوله: "ليكمل قول الأنبياء أنه سيدعى ناصريا" من أغلاط هذا الإنجيل، ولا يوجد هذا في كتاب من الكتب المشهورة المنسوبة إلى الأنبياء، لكن أقول ههنا كما قال علماء الكاثلك: إن هذا كان في كتب الأنبياء، لكن اليهود ضيعوا هذه الكتب قصداً لعناد الدين المسيحي، ثم أقول: أي تحريف بالنقصان يكون أزيد من أن تضيّع فرقة الكتب الإلهامية قصداً للأغراض النفسانية، ولعناد ملة أخرى ألف مَمْفِرِد كاثلك كتاباً سماه بسؤالات السؤال، وطُبع هذا الكتاب في بلدة لندن سنة 1843 من الميلاد، فقال في السؤال الثاني: "الكتب التي كان فيها هذا" يعني ما نقله متى "انمحت لأن كتب الأنبياء الموجودة الآن لا يوجد في أحد منها أن عيسى يدعى ناصريا قال كريزاستم في تفسيره التاسع على متى انمحى (كثير من كتب الأنبياء لأن اليهود ضيعوا كتباً لأجل غفلتهم بل لأجل عدم ديانتهم ومزقوا بعضها وأحرقوا بعضها) انتهى قول كريزاستم، وهذا هو الأغلب جداً أنهم مزقوا الكتب وحرفوها لأنهم لما رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات مسائل الملة المسيحية فعلوا هذا الأمر، ويعلم هذا من إعدامهم كتباً نقل عنها متى، انظروا إلى جستن يقول في المناظرة لطريفون (اليهود أخرجوا كتباً كثيرة من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد ليس له موافقة تامة بالعهد العتيق) ويعلم من هذا أن الكتب الكثيرة انمحت" انتهى كلام ممفرد، ويظهر منه أمران: (الأول) أن اليهود مزقوا بعض الكتب وأحرقوا البعض لأجل عدم ديانتهم. (والثاني) التحريف كان سهلاً في سالف الزمان ألا ترى كيف انمحت هذه الكتب بإعدامهم عن صفحة العالم، وإذا عرفت ديانة أهل الكتاب بالنسبة إلى الكتب الإلهية، وعرفت سهولة وقوع التحريف في الزمان السالف فأي استبعاد عقلي أو نقلي لو قلنا إنهم فعلوا مثله بالكتب أو بالعبارات التي كانت نافعة للمسلمين؟.
(الشاهد العشرون) الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيل متى هكذا: "ويوشيا ولد يوكانيا وإخوته في زمان الجلاء إلى بابل" يظهر منها أن يوكانيا وإخوته أبناء صُلبية ليوشيا، وأن يوكانيا كانت له إخوة، وأن ولادتهم في زمان الجلاء إلى بابل، وهذه الثلاثة كلها ليست بصحيحة (أما الأول) فلأن يوكانيا ابن يهويا قيم بن يوشيا فهو ابن الابن لا الابن (وأما الثاني) فلأنه ما كان له إخوة، نعم كان لأبيه يهويا قيم ثلاثة إخوة (وأما الثالث) فلأن يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل كان ابن ثماني عشرة سنة لا أنه تولد في زمان الجلاء إلى بابل، قال آدم كلارك: "قال كامت فلتقرأ الآية الحادية عشرة" هكذا: "ولد يوشيا يهويا قيم وإخوته، وولد يهويا قيم يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل" (أقول) محصل قول كامت الذي هو مختار آدم كلارك أيضاً أنه لا بد أن يزاد لفظ يهويا قيم ههنا، والظاهر أن هذه اللفظ سقط من المتن عندهما، وهذا التحريف بالنقصان، ومع هذا لا يرتفع الاعتراض الثالث، ولما صارت شواهد الأقسام الثلاثة التحريف مائة اكتفيت عليها خوفاً من الإطناب، وهذا القدر يكفي في إثبات دعوى التحريف بجميع أقسامه ولدفع كل اعتراض يرد من جانبهم في هذه المسألة ولكل مغالطة تصدر من علماء البروتستنت فيها لكني أورد ههنا خمس مغالطات وإن ظهر جواباتها للخبير مما حررت للتوضيح وزيادة الفائدة.
(المغالطة الأولى) يظهر في بعض الأحيان من تقرير علماء البروتستنت تغليط للعوام، ولمن كان غير واقف على كتبهم أن دعوى التحريف مختصة بأهل الإسلام، ولم يسبقهم أحد ويحتاطون في التحرير عن هذه المغالطة، ولذلك لا ترى في رسائلهم، أقول يدعي المخالف والموافق سلفاً وخلفاً دعوى صحيحة أن عادة أهل الكتاب التحريف، ووقع منهم في الكتب السماوية، لكن قبل إيراد الشواهد لهذا الأمر أبين معنى لفظتين مستعملتين في كتب إسنادهم، هما لفظا (أرَاتَه) ولفظ ويُريُوس رِيدَيْك، قال هورن في الصفحة 325 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822 من الميلاد: "الفرق الحسن بين أرَاتَه يعني غلط الكاتب وبين ويريوس ريدنك يعني اختلاف العبارة ما قال ميكايلس، إنه إذا وجد الاختلاف بين العبارتين وأكثر فلا تكون الصادقة إلا واحدة والباقية إما أن تكون تحريفاً قصدياً أو سهوَ الكاتب، لكن تمييز الصحيحة عن غيرها عسير غالباً، فإن بقي شك فيطلق على الكل اختلاف العبارة، وإذا علم صراحة أن الكاتب كتب ههنا كذباً فيقال إنه غلط الكاتب" فعلى المذهب المختار عند المحققين فرق بين اللفظين المذكورين، واختلاف العبارة المصطلح فيما بينهم هو التحريف المصطلح عندنا، فمن أقر باختلاف العبارة بالمعنى المذكور يلزم عليه الاعتراف بالتحريف، ووُجِد مثل هذه الاختلافات في الإنجيل ثلاثين ألفاً على ما حقق ميل، ومائة ألف وخمسين ألفاً على ما حقق كريسباخ، ولم يعلم عدده على تحقيق شولز الذي هو آخر المحققين وفي المجلد التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينيكا في بيان لفظ اِسْكَرْ بَجَرْ أن وتيس تين جمع مثل هذه الاختلافات أزيد من ألف ألف، إذا علمت هذا فأورد الشواهد في ثلاث هدايات، في الهداية الأولى أنقل أقوال المخالفين، وفي الثانية أقوال الفرق التي تعد أنفسهم من المسيحيين لكن فرقة البروتستنت وفرقة كاثلك تعدانها من المبتدعين، وفي الثالثة أقوال الذين هم مقبولون عند الفرقتين المذكورتين، أو عند إحداهما (الهداية الأولى) كان سلسوس من علماء المشركين الوثنيين في المائة الثانية من الميلاد، وكتب كتاباً في إبطال الدين المسيحي، ونقل إكهارن الذي هو من العلماء المشهورين من أهل الجرمن قول [ص 285] ذلك الفاضل المشرك في كتابه هكذا: "بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات وأربع مرات بل أزيد من هذا تبديلاً كأن مضامينها بُدِّلت" فانظروا إن هذا المشرك يخبر أن المسيحيين كانوا بدلوا أناجيلهم إلى عهده أزيد من أربع مرات، والفرقة التي تنكر النبوة والإلهام وهذه الكتب السماوية التي عند أهل الكتاب، وكثرت جداً في ديار أوربا ويسميها علماء البروتستنت بالملحدين لو نقلت أقوالهم في التحريف فقط لطال الكلام فأكتفي على نقل قولين فمن شاء أزيد فليرجع إلى كتبهم التي هي منتشرة في أكناف العالم قال باركر منهم "قالت ملة البروتستنت إن المعجزات الأزلية والأبدية حفظت العهد العتيق والجديد عن أن تصل إليهما صدمة خفيفة لكن هذه المسألة لا تقدر أن تقوم في مقابلة عسكر اختلاف العبارة التي هي ثلاثون ألفاً" فانظروا كيف أورد الدليل الإلزامي استهزاء لكنه اكتفى على تحقيق (ميل) وإلاّ لقال التي هي ثلاثون ألفاً بل مائة ألف وخمسون ألفاً بل ألف ألف كما علمت، وقال صاحب أكسيهو مومنهم في الباب الخامس من التتمة من كتابه المطبوع سنة 1813 من الميلاد في بلدة لندن هكذا: "هذه فهرست الكتب التي ذكرها المشايخ من القدماء المسيحيين إنها نُسبت إلى المسيح عليه السلام أو الحواريين أو المريدين الآخرين للمسيح عليه السلام:
(المنسوبة إلى عيسى عليه السلام عدد 7)
(رسالة إلى إيكرس (117) ملك آديسه). (رسالته إلى بطرس وبولس). (كتاب التمثيلات والوعظ). (زبوره الذي كان يعلم الحواريين والمريدين خفية). (كتاب الشعبذات والسحر). (كتاب مسقط رأس المسيح ومريم وظئرها). (رسالته التي سقطت من السماء في المائة السادسة).
(المنسوبة إلى مريم عليها السلام عدد 8)
(رسالتها إلى أكناشس). (رسالتها إلى سي سيليان). (كتاب مسقط رأس مريم). (كتاب مريم وظئرها). (تاريخ مريم وحديثها). (كتاب معجزات المسيح). (كتاب السؤالات الصغار والكبار لمريم). (كتاب نسل مريم والخاتم السليماني).
(المنسوبة إلى بطرس الحواري عدد 11)
(إنجيل بطرس). (أعمال بطرس). (مشاهدات بطرس). (مشاهدات بطرس الثانية). (رسالته إلى كليمنس). (مباحثة بطرس واي بين). (تعليم بطرس). (وعظ بطرس). (آداب وصلاة بطرس). (كتاب مسافرة بطرس). (كتاب قياس بطرس).
(المنسوبة إلى يوحنا عدد 9)
(أعمال يوحنا). (الإنجيل الثاني ليوحنا). (كتاب مسافرة يوحنا). (حديث يوحنا). (رسالته إلى حيدروبك). (كتاب وفاة مريم). (تذكرة المسيح ونزوله من الصليب). (المشاهدات الثانية ليوحنا). (آداب صلاة يوحنا).
(المنسوب إلى أندرياه الحواري 2)
(إنجيل أندرياه). (أعمال اندرياه).
(المنسوب إلى متى الحواري 2)
(إنجيل الطفوليت). (آداب صلاة متى).
(المنسوب إلى فيلب الحواري 2)
(إنجيل فيليب). (أعمال فيليب).
(المنسوب إلى برتولما الحواري 1)
(إنجيل برتولما).
(المنسوب إلى توما الحواري 5)
(إنجيل توما). (أعمال توما). (إنجيل طفوليت المسيح). (مشاهدات توما). (كتاب مسافرة توما).
(المنسوب إلى يعقوب الحواري 3)
(إنجيل يعقوب). (آداب وصلاة يعقوب). (كتاب وفاة مريم).
(المنسوب إلى متياه الحواري الذي دخل في الحواريين بعد عروج المسيح 3)
(إنجيل متياه). (حديث متياه). (أعمال متياه).
(المنسوب إلى مرقس 3)
(إنجيل المصريين). (آداب صلاة مرقس). (كتاب بي شن برهاز) (118).
(المنسوب إلى برنباه 2)
(إنجيل برنياه). (رسالة برنياه).
(المنسوب إلى تهيودوشن 1)
(إنجيل تهيوديوشن).
(المنسوب إلى بولس 10)
(أعمال بولس). (أعمال تهكله). (رسالته إلى لا دوقيين). (رسالته الثالثة إلى أهل تسالونيقي). (رسالته الثالثة إلى أهل قورنثيوس). (رسالة أهل قونثيوس إليه وجوابها من جانبه). (رسالته إلى سنيكا وجوابها من سنيكا إليه). (مشاهدات بولس). (المشاهدات الثانية لبولس). (وِزَنْ بولس). (أنابي كِشَنْ بولس). (إنجيل بولس). (وعظ بولس). (كتاب رقية الحية). (بَرِي سِبْت بطرس وبولس).
ثم قال صاحب اكسيهومو: "لما ظهر طغيان الأناجيل والمشاهدات والرسائل التي أكثرها مسلم الثبوت عند أكثر المسيحيين إلى هذا الحين أيضاً فكيف يعرف أن الكتب الإلهامية هي كتب يسلمها فرقة البروتستنت، وإذا لاحظنا أن هذه الكتب المسلمة أيضاً قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للإلحاق والتبديل يقع الإشكال).
(الهداية الثانية) الفرقة الإبيونية كانت في القرن الأول من القرون المسيحية معاصرة لبولس ومنكرة عليه أشد الإنكار، وكانت تقول إنه مرتد، وكانت تسلم إنجيل متى، لكن كان هذا الإنجيل عندها مخالفاً لهذا الإنجيل المنسوب إلى متّى الموجود عند معتقدي بولس الآن في كثير من المواضع، ولم يكن البابان الأولان فيه، فهذان البابان وكذا كثير من المواضع محرفة عند هذه الفرقة: ومعتقدو بولس يرمونها بالتحريف (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط، وكانت تنفر عن اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيل عليهم السلام، وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متى فقط لكنها كانت حرّفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه" والفرقة المارسيونية من الفرق القديمة المبتدعة للمسيحيين كانت ترد جميع كتب العهد العتيق، وتقول إنهاليست إلهامية، وكذا ترد جميع كتب العهد الجديد أيضاً إلا إنجيل لوقا وعشر رسائل من رسالات بولس، وهذه المسلمة أيضاً عندها كانت مخالفة للموجودة الآن فعلى هذا الكتب المذكورة الموجودة الآن محرّفة عند الفرقة المذكورة ومخالفوها يرمونها بالتحريف، (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "كانت هذه الفرقة تنكر كون كتب العهد العتيق إلهامية وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا، لكن ما كانت تسلم البابين الأولين منه وتسلم من رسائل بولس عشر رسائل، لكن كانت ترد منها أيضاً ما كان مخالفاً لخيالها" أقول: ما كان إنكار هذه الفرقة في إنجيل لوقا مقصوراً على البابين، صرح لاردنر في بيان تحريف هذه الفرقة في إنجيل لوقا في المجلد الثامن من تفسيره: "بعض المواضع التي غيروا من إنجيل لوقا بالتبديل أو بالإسقاط هذه: البابان الأولان قصة اصطباغ عيسى من يحيى عليهما السلام، وحال نسب المسيح من الباب الثالث، وقصة امتحان إبليس، وقصة دخول عيسى في الهيكل، وقراءته كتاب أشعياء من الباب الرابع الآية 30 و 31 و 32 و 49 و 50 و 51 من الباب الحادي عشر" وهذا اللفظ أيضاً "سوى آية يونس الرسول الآية السادسة والثامنة والعشرون من الباب الثاني عشر من الآية الأولى إلى السادسة من الباب الثالث عشر، من الآية الحادية عشرة إلى الثانية والثلاثين من الباب الخامس عشر، الآية 31 و 32 و 33 من الباب الثامن عشر، من الآية الثامنة والعشرين إلى الآية السادسة والأربعين من الباب التاسع عشر، من الآية التاسعة إلى الآية الثامنة عشرة من الباب العشرين، الآية 8 و 21 و 13 من الباب الحادي والعشرين، الآية 16 و 25 و 36 و 37 و 50 و 51 من الباب الثاني والعشرين، الآية 43 من الباب الثالث والعشرين، الآية 26 و 28 من الباب الرابع والعشرين، وكتب أبي فانيس هذه الأحوال كلها، وقال داكتر مل: أخرجوا الآية 38 و 39 من الباب الرابع"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في ذيل بيان فرقة ماني كيز ناقلاً عن اكستائن قول فاستس الذي كان من أعظم علماء هذه الفرقة في القرن الرابع من القرون المسيحية: "قال فاستس أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر وعيّبوا صورته الحسنة وأفضليته لأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف من الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" فعقيدة هذه الفرقة بالنسبة إلى العهد الجديد هذا المذكور كما صرح به فاضلهم المشهور، فهو كان ينادي بأعلى نداء أن أهل التثليث ألحقوا الأشياء في العهد الجديد، وأنه تصنيف رجل مجهول الاسم لا تصنيف الحواريين ولا تابعيهم، وأنه يوجد فيه الأغلاطُ والتناقضات. ولعمري إن هذا الفاضل وإن كان من الفرقة المبتدعة لصادقٌ في هذه الدعاوى الثلاث.
نورتن صنف كتاباً ضخماً كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث فأنكر التوراة وأثبت بالدلائل أنه ليس من تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل، لكن مع الاعتراف بأن الإنجيل المنسوب إلى متّى من تصنيفه بل هذه ترجمته، والتحريف فيه واقع يقيناً في مواضع كثيرة وأطال الكلام جداً في إثبات ما ادعاه بالدلائل، فمن شاء فليرجعْ إلى الكتاب المذكور، فظهر من هاتين الهدايتين أن المخالفين والفرق المسيحية التي يعدها أهل التثليث من المبتدعين منادون بأعلى نداء من أول القرن إلى هذا القرن بوقوع التحريف.
(الهداية الثالثة) أنقل فيها أقوال المسيحيين المعتبرين من المفسرين والمؤرخين: 1 - قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الخامس من تفسيره: "هذا الرسم من قديم الأيام أن الكبار يكون المؤرخون لهم كثيرين وهذا هو حال الرب" يعني كان المؤرخون له كثيرين "لكن كان أكثر بياناتهم غير صحيحة، وكانوا كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقيناً وغلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً سيما المؤرخين الذين كتبوا في الأرض التي كتب فيها لوقا إنجيله، فلأجل ذلك استحسن روحُ القدس أن يعطى لوقا علم جميع الحالات على وجه الصحة ليعلم أهل الديانة الحال الصحيح" فثبت بإقرار المفسر وجود الأناجيل الكاذبة المملوءة من الأغلاط قبل إنجيل لوقا "وقوله كانوا كتبوا الأشياء" إلى آخره يدل على عدم تحقيق مؤلفيها وقوله "غلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً" يدل على عدم دياناتهم. 2 - في الباب الأول من رسالة بولس إلى أهل غلاطية 6- "ثم إني أعجب من أنكم أسرعتم بالانتقال عمن استدعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر" 7 - "وهو ليس بإنجيل بل إن معكم نفراً من الذين يزعجونكم ويريدون أن يحرفوا إنجيل المسيح" فثبت من كلام مقدسهم بولس ثلاثة أمور: (الأول) أنه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح (والثاني) أنه كان إنجيل آخر مخالف لإنجيل المسيح في عهد مقدسهم (والثالث) أن المحرفين كانوا في صدد تحريف إنجيل المسيح في زمان مقدسهم فضلاً عن الزمان الأخر لأنه ما بقي له بعد ذلك إلا الاسم كالعنقاء، قال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره في شرح هذا المقام: "هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية (وكان فابري سيوس) جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات وبين في بعضها وجوب إطاعة الشريعة الموسوية ووجوب الختان مع إطاعة الإنجيل، ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فعلم من إقرار المفسر أن هذه الأناجيل الكاذبة كانت موجودة قبل إنجيل لوقا، وقبل تحرير بولس رسالته إلى أهل غلاطية، ولذلك قال المفسر أولاً: "وكثرة هذه الأحوال" إلى آخره، وهذا موافق لما قال في المجلد الخامس من تفسيره كما عرفت، وقال ثانياً: "ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فثبت أن المراد بالإنجيل في كلام مقدسهم الإنجيل المدون لا معناه المرتكز في ذهن المصنف كما يظهر من بعض مغالطات علماء البروتستنت.
(تنبيه) ما فُهم من كلام بولس أنه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح هو الحق وهو القريب من القياس، وهو مختار الفاضل اكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن، وإليه مال المحقق لكلرك وكوب وميكايلس وليسنك ونيمير ومارس.
(القول الثالث) في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية لبولس إلى أهل قورنثيوس هكذا: "لكني سأفعلُ ما أفعله لأحجب الفرصة عن الذين يريدون أن يغتنموا الفرصة ليصيروا مثلنا فيما يفتخرون به" 13- "لأن نظائر هؤلاء هم الرسل الكذابون والعَمَلة الغدّارون قد تشبهوا برسل المسيح" فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذابين الغدارين ظهروا في عهده، وقد تشبهوا برسل المسيح. قال آدم كلارك في تفسيره في شرح هذا المقام: "هؤلاء الأشخاص كانوا يدعون كذباً أنهم رسل المسيح، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر وكانوا يعظون ويجتهدون لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة".
(القول الرابع) الآية الأولى من الباب الرابع من رسالة يوحنا الأولى هكذا: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا، لأن كثيراً من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم" فيوحنا الحواري أيضاً ينادي مثل بولس أن كثيراً من الأنبياء الكذبة ظهروا في عهده. قال آدم كلارك في شرح هذا المقام: "كان كل معلم في الزمان الأول يدعي أن روح القدس يلهمني لأن كل رسول معتبر جاء هكذا، والمراد بالروح ههنا إنسان يدعي بأني أثَر الروح، وأعلم على وفق ما يقول قوله، بل امتحنوا الأرواح يعني امتحنوا المعلمين بالدليل قوله: لأن كثيراً من الأنبياء الكذبة يعني المعلمين الذين لم يلهمهم روح القدس سيما من اليهود" فعُلم من كلام المفسر أن كل معلم كان يدعي الإلهام في الزمان الأول، وقد علم من كلامه فيما قبل أن تشبههم برسل المسيح ومكرهم وغدرهم كان لكسب المال وجلب المنفعة فمدعو الإلهام والرسالة كانوا كثيرين جداً.
(القول الخامس) كما أن الكتب الخمسة المشهورة الآن بالتوراة منسوبة إلى موسى عليه السلام كذلك ستة كتب أخرى منسوبة إليه أيضاً بهذا التفصيل (كتاب المشاهدات، كتاب الخليقة الصغير، كتاب المعراج، كتاب الأسرار، تستمنت. كتاب الإقرار) والكتاب الثاني من هذه الكتب الستة كان أصله يوجد باللسان العبراني إلى المائة الرابعة، ونقل عنه جيروم وكذا نقل عنه سيدرينس في تاريخه كثيراً، وقال أرجن إنّ بولس نقل عن هذا الكتاب الآية السادسة من الباب الخامس، والآية الخامسة عشرة من الباب السادس من رسالته إلى أهل غلاطية، وترجمته كانت موجودة إلى القرن السادس عشر، وفي هذا القرن كذّبه محفل ترنت، فصار جَعْلياً كذباً بعد ذلك، وإني متعجب من تسليمهم وتكذيبهم لأن حال الكتب الإلهية والانتظاميات الملكية عندهم واحد، إذا رأوْا مصلحة سلموها وإذا شاؤوا منعوها، والكتاب الثالث من هذه الستة أيضاً يعلم إنه كان معتبراً بين القدماء، قال لاردنر في الصفحة 512 من المجلد الثاني من تفسيره: "إن أرجن قال إن يهودا نقل عن هذا الكتاب الآية التاسعة من رسالته" والآن هذا الكتاب وسائر الكتب الستة تعد جَعلية محرّفة، لكنّ الفقرات المنقولة عنها بعد ما دخلت في الإنجيل تعد إلهامية صحيحة، قال هورن: "المظنون أن هذه الكتب الجعلية اختُرِعت في ابتداء الملة المسيحية" فنسب محققهم هذه الكتب إلى أهل القرن الأول.
(القول السادس) قال موشيم المؤرخ في بيان علماء القرن الثاني في الصفحة 65 من المجلد الأول من تاريخه المطبوع سنة 1832: "كان بين متبعي رأي أفلاطون وفيساغورس مقولة مشهورة أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة الله ليسا بجائزين بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح كما يظهر هذا جَزْما من كثير من الكتب القديمة ثم أثّر وَباء هذا الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نُسبت إلى الكبار كذباً" فإذا صار هذا الكذب والخداع من المستحبات الدينية عند اليهود قبل المسيح عليه السلام، وعند المسيحيين في القرن الثاني فما بقي للجعل والتحريف والكذب حد ففعلوا ما فعلوا.
(القول السابع) قال يوسي بيس في الباب الثامن عشر من الكتاب الرابع من تاريخه: "ذكر جستن الشهيد في مقابلة طريفون اليهودي عدة بشارات للمسيح وادّعى أن اليهود أسقطوها من الكتب المقدسة"، وقال واتسن في الصفحة 33 من المجلد الثاني هكذا: "إني لا أشك في هذا الأمر أن العبارات التي ألزم فيها جستنن اليهودي في مباحثة طريفون بأنهم أسقطوها كانت هذه العبارات في عهد جستن وأرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس، وإنْ لم توجد الآن في نسخهما، سيما العبارة التي قال جستن إنها كانت في كتاب أرمياء، كتب سِلْبَرْ جَيَسْ في حاشية جَستن وكتب داكتر كريب في حاشية أرينيوس إنه يعلم أن بطرس لما كتب الآية السادسة من الباب الرابع من رسالته الأولى كان هذه البشارة في خياله". وقال هورن في الصفحة 62 من المجلد الرابع من تفسيره هكذا: "ادعى جستن في كتابه في مقابلة طريفون اليهودي أن عزرا قال للناس: إن طعام عيد الفصح طعامُ ربنا المنجي فإن فهمتم الرب أفضل من هذه العلامة يعني الطعام وآمنتم به فلا تكون هذه الأرض غير معمورة أبداً، وإنْ لم تؤمنوا به ولم تسمعوا وعظه فتكونوا سبب استهزاء للأقوام" الأجنبية، قال وائي تيكر: "الغالب أن هذه العبارة كان ما بين الآية الحادية والعشرين والثانية والعشرين من الباب السادس من كتاب عزرا وداكتر إي كلارك يصدق جستن" فظهر من هذه العبارات المنقولة أن جستن الشهيد الذي كان من أجلة القدماء المسيحيين ادعى أن اليهود أسقطوا بشارات عديدة من الكتب المقدسة، وصدقه في هذه الدعوى سِلْبَر جَيَسْ وكِريب ووائي تيكر وإي كلارك وواتُسْن، وادعى واتْسُن أن هذه العبارات كانت في عهد جَستن وأُرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس وإن لم توجد الآن في نسخهما، فأقول: لا يخلو إما أن يكون ذلك أعظم قدمائهم ومؤيدوه الخمسة صادقين في هذه الدعوى، فثبت تحريف اليهود ألبتة بإسقاط العبارات المذكورة، وإما أنْ يكونوا غير صادقين فيلزم أن يكون هذا المقتدى ومؤيدوه محرفين يقيناً مرتكبين لهذا الأمر الشنيع لأجل إطاعة المقولة المشهورة المذكورة في القول السابق، فتحريف أحد الفريقين لازم قطعاً، وكذا أقول: يلزم على ادعاء واتسن أيضاً لأنه على الشِّق الأول يلزم تحريف مَنْ أسقطها عن العبرانية واليونانية بعد زمانهما بلا شك، وعلى الشق الثاني يلزم تحريف من زادها في نسخهما.
(القول الثامن) قال لاردنر في الصفحة 124 من المجلد الخامس من تفسيره: "حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان اناسطيثوس في الأيام التي كان فيها مِسَّالة حاكماً في القسطنطينية فصُحِّحت مرة أخرى" أقول: لو كانت هذه الأناجيل إلهامية وثبت عند القدماء في عهد السلطان المذكور بالإسناد الجيد أنها تصنيفات الحواريين وتابعيهم فلا معنى لجهالة المصنفين وتصحيحها مرة أخرى، فثبت أنها كانت إلى ذلك العهد غير ثابت إسنادها، وكانوا يعتقدون أنها إلهامية فصححوا على قدر الإمكان أغلاطها وتناقضاتها، فثبت التحريف على أكمل وجه يقيناً، وثبت أنها غير ثابتة الإسناد والحمد للّه، وظهر أن ما يدعيه علماء البروتستنت في بعض الأحيان أن سلطاناً من السلاطين وحاكماً من الحكام ما تصرف في الكتب المقدسة في زمانٍ من الأزمنة قط باطلٌ قطعاً، وظهر أن رأى إكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن في باب الأناجيل في غاية القوة.
(القول التاسع) قد عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول أن اكستاين والقدماء المسيحيين كانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، وصدر هذا التحريف عنهم في سنة 130، وأن المحقق هيلز وكني كات يقولان كما قال القدماء، وأثبت هيلز بالأدلة القوبة صحة النسخة السامرية، وقال كني كات: إن اليهود حرفوا التوراة قصداً، وما قال محققو كتب العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصداً لا أصل له.
(القول العاشر) قد عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول أن كني كات ادعى صحة السامرية، وكثير من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين.
(القول الحادي عشر) قد عرفت في الشاهد الحادي عشر من المقصد الأول إقرار آدم كلارك المفسر بأنه وقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخر والاجتهاد في التطبيق عَبَثٌ، والأحسن أن يسلم في أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر، وقد عرفت إقراره في الشاهد الثامن عشر بأنه حصل لنا موضع الاستغاثة كثيراً بوقوع التحريف في أعداد كتب التواريخ.
(القول الثاني عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول أن آدم كلارك مختاره أن اليهود حرّفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة.
(القول الثالث عشر) قد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول أن هورن سلّم تحريف اليهود في اثنتي عشرة آية.
(القول الرابع عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كنيسة الكاثلك أجمعت على صحة سبعة كتب مر تفصيلها في ذلك الشاهد، وعلى كونها إلهامية، وكذلك أجمعت على صحة الترجمة اللاطينية وأن علماء البروتستنت يقولون: إن الكتب المذكورة محرفة واجبة الردّ وإن هذه الترجمة وقع فيها التحريفات والإلحاقات الكثيرة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر، ولم تحرف ترجمة من التراجم مثل اللاطينية، ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن.
(القول الخامس عشر) قد عرفت في الشاهد السادس والعشرين من المقصد الثاني أن آدم كلارك اختار ما اختار كني كات فقال: كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزينوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة، انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أسْتير وإلى حكاية الخمر والنساء والصدقة الذي زيدت في كتاب عِزْرا ونَحْمِيا ويسمى الآن بالكتاب الأول لعِزْرا وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفَسْ (أقول) لما كان هذا التحريف سبباً لتزيين الكتب ما كان مذموماً عندهم فكانوا يحرفون بلا مبالاة سيما إذا علموا على المقولة المشهورة المسلمة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس، فكان بعض التحريفات من المستحبات الدينية.
(القول السادس عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن آدم كلارك اعترف بأن كثيراً من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى أصح.
(القول السابع عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث أن التتمة التي في آخر كتاب أيوب في الترجمة اليونانية جَعْلية عند البروتستنت، مع أنها كتبت قبل المسيح، وكانت داخلة في الترجمة المسطورة في عهد الحواريين، وكانت مسلمة عند القدماء.
(القول الثامن عشر) قد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثلث قول كريزاستم أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا بعضها وأحرقوا البعض، وقوله هو المختار عند فرقة الكاثلك.
(القول التاسع عشر) قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان الترجمة اليونانية: "هذه الترجمة قديمة جداً وكانت معتبرة غاية الاعتبار فيما بين اليهود والقدماء المسيحيين، وكانت تقرأ دائماً في معابد الفريقين، وما نقل المشايخ المسيحية لاطينيين كانوا أو يونانيين إلاّ عنها وكلُّ ترجمة سلمها الكنيسة المسيحية غير ترجمة سِريك ترجمتْ منها في ألسنة أخرى مثل العربية والأرمنية، وترجمة إتهيوبك وترجمة أتالك القديمة والترجمة اللاطينية التي كانت مستعملة قبل جيروم، وتقرأ هذه فقط إلى هذا اليوم في الكنيسة اليونانية والكنائس الشرقية" ثم قال: "والحق عندنا أنها تُرجمت قبل ميلاد المسيح بمائتين وخمس وثمانين سنة أو بمائتين وست وثمانين سنة" ثم قال: "ويكفي لكمال شهرته دليل واحد، وهو أن مصنفي العهد الجديد ما نقلوا الفقرات الكثيرة إلا عنها، وجميع المشايخ القدماء غير أرجن وجيروم ما كانوا واقفين على اللسان العبراني، وكانوا مقتدين في النقل عنها للذين كتبوا بالإلهام، وهؤلاء الناس وإنْ كانوا في باب الدين في غاية الاجتهاد لكنهم مع ذلك ما يعلمون اللسان العبري الذي هو أصل الكتب، وكانوا راضين بهذه الترجمة، وكانوا يفهمونها كافية في جميع مطالبهم، والكنيسة اليونانية كانت تعتقدها كتاباً مقدساً وتعظمها" ثم قال: "وهذه الترجمة كانت تقرأ في الكنيسة اليونانية واللاطينية إلى ألف وخمسمائة، وكان السَّنَدُ يؤخذ منها، وكانت هذه معتبرة في معابد اليهود في أول القرن، ثم لما استدل المسيحيون عليهم من هذه الترجمة أطالوا ألسنتهم على هذه بأنها ليست موافقة للمتن العبري، وجعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها ثم تركوها واختاروا ترجمة أيكوئلا، ولما كانت مستعملة في اليهود إلى أول القرن المسيحي، وفي المسيحيين إلى مدة فكثرت نقولها، ووقعت فيها الأغلاط بسبب تحريف صدر عن اليهود قصداً وكذلك بسبب غلط الكاتبين ودخول عبارة الشرح والحاشية في المتن" انتهى بقدر الحاجة، وقال وارد من علماء الكاثلك في الصفحة 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 "أن مُلحدي المشرق حرفوها" فثبت من إقرار محقق فرقة البروتستنت أن اليهود حرفوها قصداً حيث قال أولاً: "جعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها" ثم قال ثانياً: "بسبب تحريف صَدَر عن اليهود قصداً" وهذا التحريف صدر عنهم لأجل عناد الدين المسيحي كما هو مصرحفي كلام المحقق المذكور، فلا مجال لفرقة البروتستنت أن ينكروا التحريف القصدي الذي صدر عن اليهود في هذه الترجمة وعند فرقة الكاثلك أيضاً التحريف القصدي فيها مسلم. فالفرقتان في الاعتراف بهذا التحريف متفقتان فأقول: على قول فرقة البروتستنت إذا حرّفت اليهود لعناد الدين المسيحي هذه الترجمة المشهورة التي كانت مستعملة في جميع معابدهم إلى أربعمائة سنة، وكذا في جميع معابد المسيحيين شرقاً وغرباً، وما خافوا الله ولا طَعْن الخلق وأثر تحريفهم في هذه النسخة المشهورة، فكيف لا يجزم أنهم حرفوا بالتحريف القصدي النسخة العبرانية التي في أيديهم ولم تكن منتشرة بين المسيحيين، بل لم تكن مستعملة فيما بينهم إلى القرن الثاني؟ وأثر تحريفهم سواء كان ذلك التحريف إما لأجل عناد الدين المسيحي كما قال القدماء واكستائن على ما عرفت، وكما اختار آدم كلارك على ما عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثاني عشر، وكما اعترف به هورن مع تعصبه في ستة مواضع في اثنتي عشرة آية على ما عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثالث عشر، وإما لأجل عناد السامريين كما هو مختار كني كات وآدم كلارك وكثير من العلماء، كما عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول وفي القول العاشر، وإما للعناد الذي كان فيما بينهم كما صدر عن فرق المسيحيين في القرن الأول وبعده، كما عرفت في الأقوال السابقة، وستعرف في القول الثلاثين أن هذا التحريف القصدي صدر عن الذين كانوا من أهل الديانة وعن المسيحيين الصادقين في زعمهم لأجل مخالفة المسيحيين الآخرين لم يكونوا كذلك في زعمهم، ولا عجب لأن مثل هذا كان عندهم بمنزلة المستحبات الدينية، وعين مقتضى الديانة على ما حكمت به المقولة المشهورة المسلمة فيما بين القدماء، التي مر ذكرها في القول السادس، وإما لوجوه أخر كانت مقتضيةً للتحريف في زمانها.
أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايز يدخان فسمى بعبد السلام، وهو ألف رسالة صغيرة في الرد على اليهود سماها بالرسالة الهادية، وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام، فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا: "اعلم أنا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمى عندهم بالتلمود، أن في زمان تلماي الملك، وهو بعد بختنصر أن تلماي الملك قد طلب من أخبار اليهود التوراة فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكراً لبعض أوامره، فاجتمع سبعون رجلاً من أخبار اليهود فغيروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفاً منه، فإذا أقروا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟" انتهى كلامه بلفظه، وأقول: على قول علماء الكاثلك إن ملحدي المشرق إذا حرفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقاً وغرباً سيما في كنيستكم أيضاً ألف وخمسمائة سنة على ما حقق هورن، وأثر تحريفهم في نسخها فكيف يرد قول علماء البروتستنت في تحريفكم الترجمة اللاطينية التي كانت مستعملة في كنيستكم. لا والله هم الصادقون في هذا الباب.
(القول العشرون) في المجلد الرابع من إنسائي كلوييد ياريس في بيان ببيل "قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، واستدل من هذا وقال إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ونظراً إلى هذا قال والْتُن أيضاً: إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلما توجد، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية الندرة" فأقر داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة البروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، وبين وجهه أن اليهود ضيعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة، وهكذا قال والتن أقول: إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد ﷺ بأزيد من مائتين، فلما انمحت جميع النسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم، وأثر تحريفهم أثراً بلغ إلى هذه الرتبة، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد ﷺ أيضاً، فلا استبعاد في تحريفهم بعد هذا الزمان، بل الحق أن كتب أهل الكتاب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت صالحة للتحريف في كل قرن من القرون بل هم لا يمتنعون ولا يبالون بعد إيجادها أيضاً كما رأيت حال متبعي لوطر بالنسبة إلى ترجمته في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني.
(القول الحادي والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 282 من المجلد الثالث من تفسيره في مقدمة كتاب يوشع: "هذا القول أن المتن المقدس حرِّف لا ريب فيه، وظاهر من اختلاف النسخ لأن العبارة الصحيحة في العبارات المختلفة لا تكون إلا واحدة، وهذا الأمر مظنون، بل أقول قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جداً دخلت في بعض الأحيان في المتن المطبوع، لكن لم يظهر لي دليل على أن التحريفات في كتاب يوشع أكثر من سائر كتب العهد العتيق" ثم قال في الصفحة 275 من المجلد الثالث: "هذا القول صادق ألبتة إن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان بعد حادثة بختنصر، بل لعل قبلها أيضاً قبلية يسيرة في أشنع حالة التحريف بالنسبة إلى الحالة التي حصلت له في وقت ما بعد تصحيح عزرا" فكلام هذا المفسر غير محتاج إلى البيان.
(القول الثاني والعشرون) قال واتسن في الصفحة 283 من المجلد الثالث من كتابه: "مضت مدة على أن أرجن كان يشكو عن هذه الاختلافات، وكان ينسب إلى أسباب مختلفة مثل تغافل الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم. وقال جيروم: إني لما أردت ترجمة العهد الجديد قابلت نسخه التي كانت عندي فوجدت اختلافاً عظيماً".
(القول الثالث والعشرون) قال آدم كلارك في المقدمة من المجلد الأول من تفسيره: "كان الترجمات الكثيرة باللسان اللاطيني من المترجمين المختلفين موجودة قبل جيروم، وكان بعضها محرفاً في غاية درجة التحريف، وبعض مواضعها مناقضاً للمواضع الأخر كما يستغيث جيروم".
(القول الرابع والعشرون) قال وارد كاثلك في الصفحة 17 و 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 قال دُكْتر همفري في الصفحة 178 من كتابه: "إن أوهام اليهود خرَّب" (يعني كتب العهد العتيق) "في مواضع بحيث يتنبه عليها القارئ بسهولة" ثم قال: "خرّب علماء اليهود بشارات المسيح تخريباً عظيماً"، ثم قال عالم من علماء البروتستنت: "إن المترجم القديم قرأ على نهج، ويقرأ اليهود الآن على نهج آخر، وعندي أن نسبة الخطأ إلى الكاتبين من اليهود وإلى إيمانهم خير من نسبته إلى جهل المترجِم القديم وتساهله، لأن محافظة الزبور قبل المسيح وبعده كانت في اليهود أقل من محافظة غناآتهم".
(القول الخامس والعشرون) كتب فيلبس كواد نولس الراهب في رد كتاب أحمد الشريف بن زين العابدين الأصفهاني كتاباً سماه بالخيالات، وطبع هذا الكتاب سنة 1649، فقال في الفصل السادس منه: "يوجد التحريف كثيراً جداً في النسخة القصاعية سيما في كتاب سليمان، ونقل رب اقيلا المشتهر بالكليس التوراة كله، وكذا نقل رب يونثا بن عزيال كتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة، وكتاب السلاطين، وكتاب أشعياء، والكتب الأخر للأنبياء، ونقل رب يوسف أعمى الزبور، وكتاب أيوب، وراعوث، واستير، وسليمان، وهؤلاء كلهم حرفوا ونحن النصرانيون حافظنا هذه الكتب لنلزم اليهود إلزام التحريف، ونحن لا نسلم أباطيلهم"، فهذا الراهب في القرن السابع عشر يشهد على تحريف اليهود.
(القول السادس والعشرون) قال هورن في الصفحة 68 من المجلد الأول: "فليسلم في باب الإلحاق أنه وجدت الفقرات الكذائية في التوراة " ثم قال في الصفحة 445 من المجلد الثاني: "المقامات المحرفة في المتن العبراني قليلة أي تسعة فقط كما ذكرنا أولاً".
(القول السابع والعشرون) وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون. "إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضع تخميناً".
(القول الثامن والعشرون) قال مستر كارلائل: "المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال وجعلوا مطلب الإنجيل الذي كان مستقيماً معوجاً، وعندهم الظلمة أحبُّ من النور والكذبُ أحق من الصدق".
(القول التاسع والعشرون) استدعى مستر بروتن من أراكين كونسل للترجمة الجديدة قائلاً: "إن الترجمة التي هي مروَّجة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط، وقال للقسيسين إن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمانية وأربعين موضعاً، وصارت سبباً لردِّ أناس غير محصورين كتبَ العهد الجديد ودخولهم النار".
وهذه الأقوال الثلاثة المندرجة في القول 27 و 28 و 29 نقلتها عن كتاب وارد كاثلك، وخوفُ التطويل يمنعني عن نقل أقوال أخر وسيظهر أكثرها في الشواهد المذكورة للمقاصد الثلاثة، فأطوى الْكَشْح عن نقلها، وأكتفي بنقل قول واحد آخر محتو على اعتراف أنحاء التحريف مغنٍ عن نقل ما سواه، وتصير به الأقوال المنقولة ثلاثين.
(القول الثلاثون) قال هورن في الباب الثامن من المجلد الثاني من تفسيره في بيان أسباب وقوع ويريوس ريدنك الذي عرفت معناه في صدر جواب هذه المغالطة: "لوقوعه أسباب أربعة".
(السبب الأول) "غفلة الكاتب وسهوه، ويتصوّر على وجوه (الأوّل) إن الذي كان يلقي العبارة على الكاتب ألقى ما ألقى، أو الكاتب لم يفهم قوله، فكتب ما كتب (والثاني) أن الحروف العبرانية واليونانية كانت متشابهة، فكُتب أحدها بدل الآخر (والثالث) أن الكاتب ظن الإعراب خطاً أو الخط الذي كان يكتب عليه جزء الحرف أو ما فَهِم أصل المطلب فأصلح العبارة وغلط (والرابع) أن الكاتب انتقل من موضع إلى موضع فلما تنبه لم يرض بمحو ما كتب، وكتب من الموضع الذي كان ترك مرة أخرى، وأبقى ما كتبه قبل أيضاً (والخامس) أن الكاتب ترك شيئاً فبعد ما كتب شيئاً آخر تنبه، وكتب العبارة المتروكة بعده فانتقلت العبارة من موضع إلى موضع آخر (والسادس) أن نظر الكاتب أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة ما (والسابع) أن الكاتب غلط في فهم الألفاظ المخففة فكتب على فهمه كاملة فوقع الغلط (والثامن) أن جهل الكاتبين وغفلتهم منشأ عظيم لوقوع ويريوس ريدنك بأنهم فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزء المتن فأدخلوها".
(والسبب الثاني) نقصان النسخة المنقولة عنها وهو أيضاً يتصوّر على وجوه (الأول) انمحاء إعراب الحروف (والثاني) أن الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في جانب آخر منها في صفحة أخرى وامتزاج بحروف الصفحة الأخرى، وفهم جزءً منها (والثالث) أن الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة فلم يعلم الكاتب الثاني أن هذه الفقرة تكتب في أي موضع فغلط.
(والسبب الثالث) التصحيح الخيالي والإصلاح وهذا أيضاً وقع على وجوه (الأول) أن الكاتب فهم العبارة الصحيحة في نفس الأمر ناقصة أو غلط في فهم المطلب، أو تخيل أن العبارة غلط بحسب القاعدة، وما كانت غلطاً لكن كان هذا الغلطُ الذي صدر عن المصنف في نفس الأمر (الثاني) أن بعض المحققين ما اكتفوا على إصلاح الغلط بحسب القاعدة فقط بل بدّلوا العبارة الغير الفصيحة بالفصيحة أو أسقطوا الفضول أو الألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرقٌ فيها (والثالث) وهو أكثر الوجوه وقوعاً أنهم سوَّوْا الفقرات المقابلة وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصاً، ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارة التي نقلها عن العهد العتيق مطابقة للترجمة اليونانية (والرابع) أن بعض المحققين جعل العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاطينية.
(السبب الرابع) "التحريف القصدي الذي صدر عن أحد لأجل مطلبه سواء كان المحرِّف من أهل الديانة أو الديانة أو من المبتدعين وما ألزم أحد في المبتدعين القدماء أزيد من مارسيون، وما استحق الملامة أحد أزيد منه بسبب هذه الحركة الشنيعة، وهذا الأمر أيضاً محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد عليها" انتهى كلامه ملخصاً.
وأورد هورن أمثلة كثيرة في بيان أقسام كل سبب من الأسباب الأربعة، ولما كان في ذكرها طول تركتها لكن أذكر الأمثلة التي نقلها لتحريف أهل الديانة والدين من كتاب فاف قال: "مثلاً تُرك قصداً الآية الثالثة والأربعون من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الدين ظنوا أن تقوية الملك للرب منافيةٌ لألوهيته، وتُرك قصداً في الباب الأول من إنجيل مَتّى هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشرة، وهذه الألفاظ (ابنها البكر) في الآية الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمية لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثني عشر بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهودا الأسخريوطي كان قد مات قبل، وتُرك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعضُ المرشدين أيضاً لأنهم تخيلوا أنها مؤيِّدة لفرقة أيرين، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة لوتي كينس لأنها كانت منكرة أن عيسى عليه السلام فيه صفتان" فبين هورن جميع الصور المحتملة في التحريف وأقرَّ بأنها وقعت في الكتب السماوية، فأقول: إذا ثبت أن عبارات الحاشية والتفسير دخلت في المتن لجهل الكاتبين وغفلتهم، وثبت أن المصلحين أصلحوا العبارات التي كانت على خلاف القاعدة في زعمهم، أو في نفس الأمر، وثبت أنهم بدَّلوا العبارات الغير الفصيحة بالفصيحة وأسقطوا ألفاظاً فضولاً أو مترادفة، وثبت أنهم سَوَّوْا الفقرات المتقابلة في الأناجيل خصوصاً ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس، وثبت أن بعض المحققين جعلوا العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاطينية وثبت أن المبتدعين حرّفوا ما حرفوا قصداً، وثبت أن أهل الدين والديانة أيضاً كانوا يحرِّفون قصداً لتأييد المسألة أو لدفع الاعتراض، وكانت تحريفاتهم ترجح بعدهم، فأية دقيقة من دقائق التحريف باقية وأي استبعاد؟ لو قلنا الآن إن المسيحيين الذين كانوا يحبون عبادة الصليب، وما كانوا راضين بتركها وترك الجاه والمناصب حرّفوا هكذا في بعض العبارات التي كانت نافعة لدين الإسلام بعد ظهوره، ورجح هذا التحريف بعدهم كما رجح تحريفاتهم في مقابلة فرقهم، بل لما كان هذا التحريف أشد اهتماماً عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضاً أشد من ترجيح ذاك.
(المغالطة الثانية) أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق، ولو كانت محرّفة لما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف، فأقول في الجواب: أولاً إنه لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد، ولم يوجد سند متصل لها إلى مصنفيها كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول، وقد عرفت نُبذاً منها في حق كتاب أسْتِير في الشاهد الأول من المقصد الثاني، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث، وستعرف في حق كتاب أيوب، وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ثبت جميع أنواع التحريف فيها، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضاً لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين، فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا، فلا يتم الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث في مقابلة الفرقة الأبيونية، والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز، ورجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسألتهم المقبولة، كما فعلوا في مقابلة فرقة أيرين ويوتي كنيس، وكانت هذه التحريفات ترجَّح بَعْدَهم، لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها، وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى (وقال بل) في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية "كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول: إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني، وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد" انتهى كلامه.
وقال لاردنر في الصفحة 486 من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة: "كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى، وجاء عيسى لمحو شريعة موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز: "اتفق المؤرخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت، وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلَّم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم إنهم سراق ولصوص" وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقية أو غير إلحاقية، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها لأنها ما بُيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماؤها فكيف يعلم أن الكتب المستعملة في اليهود من العهد العتيق كانت تسعة وثلاثين التي يسلمها الآن فرقة البروتستنت، أو ستة وأربعين التي يسلمها فرقة الكاثلك لأن في هذه الكتب كتاب دانيال أيضاً وكان اليهود معاصر والمسيح وكذا المتأخرون منهم غير يوسيفس لا يسلمونه إلهامياً، بل ما كانوا يعترفون بنبوة دانيال أيضاً، ويوسيفس المؤرخ الذي هو معتبر عند المسيحيين ومن علماء اليهود المتعصبين، وكان بعد المسيح عليه السلام، يعترف في تاريخه بهذا القدر فقط يقول: "ليس عندنا كتب ألوف يناقض بعضها بعضاً بل عندنا اثنان وعشرون كتاباً فقط فيها أحوال الأزمنة الماضية، وهي إلهامية منها خمسة لموسى فيها بيان العالم من ابتداء الخلق إلى موت موسى، وثلاثة كتاب كتبها الأنبياء فيها أحوال أزمنتهم من موت موسى عليه السلام إلى زمان السلطان أردشير، والباقي أربعة كتب مشتملة على حمد الله وثنائه" فلا يثبت من شهادته حقية هذه الكتب المتداولة لأنه بيَّن غير التوراة سبعة عشر كتاباً، وعند فرقة الكاثلك واحد وأربعون كتاباً، ومع ذلك لم يعلم أن أي كتاب من هذه الكتب كان داخلاً في سبعة عشر، لأن هذا المؤرخ نسب إلى حزقيال سوى كتابه المشهور كتابين آخرين أيضاً في تاريخه، فالظاهر أن هذين الكتابين وإن لم يوجدا الآن كانا عنده داخلين في سبعة عشر، وقد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث أن كريزاستم وعلماء الكاثلك يعترفون أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل غفلتهم، بل لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا البعض وأحرقوا البعض، فيجوز أن تكون هذه الكتب داخلة في سبعة عشر بل أقول الكتب التي أفصِّلها الآن لا مجال لفرقة البروتستنت، ولا لفرقة الكاثلك ولا لغيرهما أن ينكروا فقدانها من العهد العتيق، فيجوز أن يكون أكثرها داخلاً في سبعة عشر والكتب المفقودة هذه: "(الأول) سفر حروب الرب الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد، وقد عرفت في الشاهد العاشر من المقصد الثاني وفي تفسير هنري واسكات "الغالب أن موسى كتب هذا السفر لتعليم يوشع وكان فيه بيان حدود أرض مواب" (والثاني) كتاب اليسير الذي جاء ذكره في الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثاني، وكذا جاء ذكره في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني (والثالث والرابع والخامس) ثلاثة كتب لسليمان عليه السلام أحدُها ألف وخمسة زبورات، وثانيها تاريخ المخلوقات، وثالثها ثلاثة آلاف أمثال ، وشيء من هذه الأمثال إلى الآن باق أيضاً كما ستعرف، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من الباب الرابع من سفر الملوك الأول، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح الآية الثانية والثلاثين في حق الأمثال والزبورات: "الأمثال التي تنسب الآن إلى سليمان تسعمائة أو تسعمائة وعشرون تخميناً، وإن سُلم قول البعض إن الأبواب التسعة من أول الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه السلام فستمائة وخمسون تخميناً وبقي من ألف وخمسة زبورات نشيد الإنشاد فقط إن قلنا إنَّ الزبور السابع والعشرين الذي بعد المائة المكتوب على عنوانه اسم سليمان ليس بداخل فيها، والأصح أن الزبور المذكور صنفه أبوه داود لأجل تعليمه" ثم قال في شرح الآية الثالثة والثلاثين في حق تاريخ المخلوقات: "حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات فقداناً أبدياً" (السادس) كتاب قوانين السلطنة تصنيف صموئيل الذي جاء ذكره في الآية الخامسة والعشرين من الباب العاشر من سفر صموئيل الأول، (السابع) تاريخ صموئيل، و (الثامن) تاريخ ناثان النبي، و (التاسع) تاريخ جدّ الرائي الغيب، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثلاثين من الباب التاسع والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1522 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب مفقودة".
(العاشر) كتاب سمعيا، و (الحادي عشر) كتاب عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام، و (الثاني عشر) كتاب أحيا النبي، و (الثالث عشر) مشاهدات عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية التاسعة والعشرين من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام، وفي هذه الآية ذكر تاريخ ناثان النبي أيضاً، قال آدم كلارك في الصفحة 1539 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب كلها مفقودة"، و (الرابع عشر) كتاب يا هو النبي ابن حناتي وجاء ذكره في الآية الرابعة والثلاثين من الباب العشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1562 من المجلد الثاني: "هذا الكتاب الآن مفقود رأساً، وإن كان موجوداً في وقت تأليف السفر الثاني من أخبار الأيام" (الخامس عشر) كتاب أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان عزياه من الأول إلى الآخر، وجاء ذكره في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1573 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب مفقود رأساً" (السادس عشر) كتاب مشاهدات أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان حزقياه مكتوباً بالتفصيل، وجاء ذكره في الآية الثانية والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، (السابع عشر) مرثية أرمياء النبي على يوشياه، وجاء ذكرها في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في شرح هذه الآية: "هذه المرثية مفقودة الآن"، وفي تفسير دوالي ورجردمينت: "هذه المرثية مفقودة الآن ولا يمكن أن تكون هذه المرثية مرثيته المشهورة لأن المشهورة على حادثة أورشليم، وموت صدقياه، وهذه كانت على موت يوشياه" (الثامن عشر) كتاب تواريخ الأيام، وجاء ذكره في الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من كتاب نحميا قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب لا يوجد في الكتب التي هي عندنا لأنه لا يوجد فيها الفهرست الكذائي بل كان هذا كتاباً آخر هو مفقود الآن"، و(التاسع عشر) سفر العهد لموسى الذي جاء ذكره في الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج، (والعشرون) كتاب أعمال سليمان الذي جاء ذكره في الآية الحادية والأربعين من الباب الحادي عشر من كتاب سلاطين الأول، وقد عرفت أن يوسيفس ينسب إلى حزقيال كتابين آخرين غير كتابه المشهور، وهو مؤرخ معتبر عند المسيحيين، فحينئذ صارت الكتب المفقودة اثنين وعشرين ولا تقدر فرقة البروتستنت أيضاً على إنكارها، وقال طامس أنكلس من علماء الكاثلك في كتابه المسمى بمرآة الصدق وهو بلسان الهند، وطبع في سنة 1851: "اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين".
(تنبيه) بعض البشارات المنقولة عن أهل الكتاب توجد في الكتب الإسلامية القديمة، ولا توجد الآن في الكتب المسلمة عندهم، فلعلها كانت موجودة في هذه الكتب المفقودة - نعم يثبت بشهادة يوسيفس أن خمسة كتب كانت منسوبة إلى موسى في عهده لكن لا يعلم أن هذه الخمسة المتداولة الآن بل الظاهر خلافه، لأنه يخالف هذه الكتب كما عرفت في الشاهد الأول والثاني من المقصد الأول، وهو يهودي متعصب، فلا يتصوّر أن يخالف التوراة بلا ضرورة مع اعتقاده بأنه كلام الله، وأقول ثالثاً لو سلمنا أن هذه الكتب المتداولة كانت في عهد المسيح، وشهد هو والحواريون لها قلنا: إن مقتضى شهادتهم هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن، وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو يكون بعضها صادقاً وبعضها كاذباً، وليس مقتضاها أن كل كتاب تصنيف المنسوب إليه، وأن كل حال مندرج فيها صادق البتة، بل لو نقل المسيح والحواريون شيئاً عن هذه الكتب لا يلزم عن مجرد نقلهم صدق المنقول، بحيث لا يحتاج إلى تحقيقه - نعم لو صرح المسيح في جزء من أجزائها أو حكم من أحكامها أنه من عند الله وثبت تصريحه أيضاً بالتواتر، فيكون صادقاً ألبتة، وما سواه مشكوك محتاج إلى التحقيق، ولا أقول هذا برأيي واجتهادي، بل محققو فرقة البروتستنت رجعوا إليه آخر الأمر وإلا ما كان لهم ملجأ أو مفر من أيدي الذين يسمونهم ملحدين، وامتلأت ديار أوربا من وجودهم، قال محقق فرقة البروتستنت بيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة 1850 في بلدة لندن: "لا ريب أن شفيعنا قال إن التوراة من جانب الله وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير الله سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالاً وفي الأشياء الأخر مثل فن الحرب والصلح أطفالاً كانوا لاصقين بالتوحيد، وكانت مسائلهم في ذات الله وصفاته جيدة، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة، ولا ريب أن شفيعنا سلم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق، ويجب علينا معشر المسيحيين أن نذهب إلى هذا الحد، وأما أنّ العهد العتيق كله أو كل فقرة منه حقة أو أن كل كتاب منه أو أن تحقيق مؤلفيه واجب ففي هذه الأمور لو جعل الدين المسيحي مدعىً عليه فلا أقول زائداً على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة، في هذه الصورة هذه الكتب كانت تقرأ عموماً، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلمونها والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة أن المسيح عليه السلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب الله فهي إلهامية، وإلا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت، ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود، لكن لا بد أن نفهم خاصية هذه الشهادة، وهذه الخاصية مباينة ألبتة للتي بينت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي بل لعلة كل أمر مع قياس تلك العلة، قال يعقوب في رسالته: "قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الرب" مع أن بين العلماء المسيحية نزاعاً ومباحة في حقية أيوب بل في وجوده قديماً، وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته وكان اليهود يسلمونه وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيمو ثاوس "كما أن ياناس ويمبراس خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق" وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية لكن أحداً ما تخيل ههنا أن بولس نقل عن الكتاب إن كان هذا الحال مكتوباً، ولا جعل هو نفسه مدعياً عليها لإثبات صدق الرواية فضلاً عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا، فلأي أمر تحقق الحالات الأخر، وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس، بل أني أتخيل على وجه آخر، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ولا جائز أن تقرَّر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلا تكن جميع كتبهم كاذبة لأن هذه القاعدة ما تقررت لكتاب آخر، وإني علمت بيان هذا الأمر ضرورياً لأجل أن رسم والي تر وتلاميذه من الأيام الماضية غالباً هكذا إنهم يدخلون في إبطِ اليهود ثم يصولون على الملة المسيحية، ونشأ بعض اعتراضاتهم عن بيان المعنى على خلاف نفس الأمر، وبعضها من المبالغة، لكن مبنى اعتراضاتهم هذه أن شهادة المسيح والمعلمين القدماء على رسالة موسى والأنبياء الآخرين تصديق لكل جزء جزء، ولكل قول قول من تواريخ اليهود وضمانة كل حال مندرج في العهد العتيق واجبة على الملة المسيحية" انتهى كلامه.
فانظر أيها اللبيب إن كلام محققهم مطابق لكلامي أم لا وما قال إن بين العلماء المسيحية نزاعاً في حقية أيوب بل في وجوده قديماً فأشار إلى الاختلاف القوي لأن رب مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود وكذا ميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم قالوا إن أيوب اسم فرضي، وما كان مسماه في وقت من الأوقات، وكتابه حكاية باطلة، وقصة كاذبة، وكامت ووانتل وغيرهما قالوا إنه كان في نفس الأمر، ثم القائلون بوجوده اختلفوا في زمانه على سبعة أقوال: فقال [1] بعضهم: إنه كان معاصراً لموسى عليه السلام. وقال [2] بعضهم: إنه كان معاصراً للقضاة وبعد يوشع عليه السلام. وقال [3] بعضهم: إنه كان معاصراً لهاسي روس أو أردشير سلطان إيران. وقال [4] بعضهم: إنه كان معاصراً ليعقوب. وقال [5] بعضهم: إنه كان معاصراً لسليمان عليه السلام. وقال [6] بعضهم: إنه كان معاصراً لبختنصر. وقال [7] بعضهم: إنه كان قبل الزمان الذي جاء فيه إبراهيم عليه السلام إلى كنعان، قال هورن من محققي فرقة البروتستنت: "إن خفة هذه الخيالات دليل كاف على ضعفها" وكذا اختلفوا في غوط بلده الذي جاء ذكره في الآية الأولى من الباب الأول من كتابه بأنه كان في أي إقليم، على ثلاثة أقوال: فقال بوجارت وأسباهم وكامت وغيرهم إنه في إقليم العرب، وقال ميكايلس وإلجن إنه في شِعْب دمشق، وقال لود وماجي وهيلز وكود وبعض المتأخرين إن غوط اسم أدومية وكذا في مصنف هذا الكتاب بأنه اليهود أو أيوب أو سليمان أو أشعياء أو رجل مجهول الاسم معاصر" للسلطان منسا أو حزقيال أو عزرا أو رجل من آل اليهود أو موسى عليه السلام، ثم اختلف القائلون بالقول الأخير فبعض المتقدمين على أن موسى عليه السلام صنفه في اللسان العبراني، وقال أرجن إنه ترجمه من السرياني إلى العبراني، وكذا اختلفوا في موضع ختم الكتاب كما عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث، ففيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهاً. هذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وذم القسيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب ذماً كثيراً، ونقل وارد كاثلك أن الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر قال: "إن هذا الكتاب قصة محضة" فانظروا إن هذا الكتاب الذي هو داخل في الكتب المسلمة عند البروتستنت والكاثلك على تحقيق رب مماني ديز وميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم حكاية باطلة وقصة كاذبة، وعلى رأي تهيودور قابل للذم وعلى رأي إمام فرقة البروتستنت حري بأن لا يلتفت إليه، وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف بل ينسبونه رجماً بالغيب إلى أشخاص، فلو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا لا يثبت كونه إلهامياً، وقد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كتاب أستير كان غير مقبول عند القدماء المسيحيين إلى ثلثمائة وأربع وستين سنة، ولا يعلم اسم مصنفه بالقطع أيضاً، ورده ميلتو وكرى ونازي زن واتهاني سيش وأظهر الشبهة عليه ايمْ في لوكْيَس، وكذا حال كتاب نشيد الإنشاد ذمه القسيس تهيودور ذماً كثيراً، كما ذم كتاب أيوب، وسيمن ولكلرك لا يعترفان بصدقه وقال وستن وبعض المتأخرين: هو غناء فِسْقي لا بد أن يخرج من الكتب الإلهامية، وقال سملر: الظاهر أنه كتاب موضوع، ونقل وارد كاثلك أن كاستيليو قال لا بد أن يخرج هذا الكتاب من العهد العتيق" وهكذا حال كتب أخر أيضاً فلو كانت شهادة المسيح والحواريين مثبتة لصدق كل جزء جزء من كتب العهد العتيق لما كان لأمثال هذه الاختلافات الفاحشة الواقعة بين العلماء المسيحية سلفاً وخلفاً مَساغٌ أصلاً، فالإنصاف أن ما قال بيلي هو غاية السعي في هذا الباب من جانبهم، وبدون الاعتراف بما قال لا يوجد لهم المفر، كيف لا وقد عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول أن علماء اليهود والمسيحيين متفقون على أن عزرا غلط في السفر الأول من أخبار الأيام، وهذا السفر أيضاً داخل في الكتب التي شهد المسيح حقيتها على زعمهم، فإذا لم يسلموا تحقيق بيلي فماذا يقولون في تصديق هذا الغلط؟، ثم أقول: رابعاً لو سلمنا على فرض التقدير والمحال أن شهادة المسيح والحواريين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من هذه الكتب فلا يضرنا أيضاً لأنه قد ثبت أن مذهب جمهور العلماء المسيحيين وجستن واكستاين وكريزاستم من القدماء ومذهب كافة الكاثلك وسلبر جيس ودكتر كريب ووائي يتكر وآي كلارك وهمفري وواتسن من علماء البروتستنت أن اليهود حرّفوا الكتب بعد المسيح والحواريين، كما عرفت في الهداية الثالثة مفصلاً.
وكافة علماء البروتستنت أيضاً يضطرون في أكثر المواضع، ويقولون: إن اليهود حرّفوا كما عرفت في المقاصد الثلاثة فالآن نسألهم: إن المواضع التي يقرون بالتحريف فيها أكانت محرفة زمان المسيح عليه السلام والحواريين ومع ذلك شهدوا بصدق كل جزء جزء وقول قول من هذه الكتب أو لم تكن كذلك بل حرفت بعدهم؟، والأول أمر لا يجترئ عليه من له ديانة، والثاني لا ينافي الشهادة، وهو المقصود فلا تضر الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الفعل (أقول) على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين لا مساغ لهذا الكلام، بل وقع التحريف في عهدهم وكانوا يلزمونهم ويوبخونهم، ولو قطعنا النظر عن مذاقهم فأقول: إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم، ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافاً موجباً لكون أحدهما غلطاً محرفاً ألبتة، ومن هذه المواضع موضع مر ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول، وبين الفريقين نزاع سلفاً وخلفاً يدعي كل منهما أن المحرف الفريق الآخر، ودكتر كني كات ومتبعوه على أن الحق مع السامريين، وجمهور علماء البروتستنت على أن الحق مع اليهود، ويزعمون أن السامرية حرفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليه السلام بخمسمائة سنة، فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصة فما ألزم قومها بل سكت وسكوته في هذا الوقت مؤيد للسامريين، ولذلك استدل دكتر كني كات بهذا السكوت وقال: إن السامريين ما حرّفوا بل اليهودُ هم المحرِّفون كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع إنه يوجد حكم واحد زائد على الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية، وفيه نزاع أيضاً سلفاً وخلفاً، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين.
(المغالطة الثالثة) إن اليهود والمسيحيين أيضاً كانوا من أهل الديانة كما تدعون في حقكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، وإذا وقع التحريف بالفعل يقيناً، وأقرّ به علماؤهم سلفاً وخلفاً فما بقي لقول المغالط، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبات الدينية بحسب المقولة المشهورة التي مر نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.
(المغالطة الرابعة) إن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقاً وغرباً فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم فأي محل لعدم إمكانه، وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق لأن هذه الكتب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للتحريف، وما كان اشتهارها بحيث يكون مانعاً عن التحريف، ألا ترى كيف حرف اليهود وملحدو المشرق على ما أقرت به فرقة البروتستنت وفرقة الكاثلك الترجمة اليونانية، مع أن اشتهارها شرقاً وغرباً كان أزيد من اشتهار النسخة العبرانية، وكيف أثر تحريفهم كما علمت في القول التاسع عشر من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى بخلاف القرآن المجيد فإن اشتهاره وتواتره كانا في كل قرن من القرون مانِعَيْن عن التحريف، والقرآن في كل طبقة كما كان محفوظاً في الصحائف فكذا كان محفوظاً في صدور أكثر المسلمين، ومن كان شاكاً في هذا الباب فليجرب في هذا الزمان أيضاً لأنه لو رأى المجرب في الجامع الأزهر فقط من جوامع مصر وجد في كل وقت أكثر من ألف شخص يكونون حافظين للقرآن كله على سبيل التجويد التام، ووجد كل قرية صغيرة من قرى الإسلام من مصر لا تخلو عن الحفاظ، ولا يوجد في جميع ديار أوربا في هذه الطبقة من المسيحيين مع فراغ بالهم وتوجههم التام إلى العلوم والصنائع وكونهم أكثر من المسلمين عدداً عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي عدد الحفاظ الموجودين في الجامع الأزهر فقط، بل لا يكون عددهم في جميع ديار أوربا يبلغ عشرة، ونحن ما سمعنا أحداً أيضاً يكون حافظاً لجميع الإنجيل فقط في هذه الطبقة فضلاً أن يكون حافظاً للتوراة وغيره أيضاً، فجميع ديار أوربا من المسيحيين في هذا الباب ليسوا في مقابلة قرية صغيرة من قرى مصر، وليس الكبار من القسيسين في هذا الأمر خاصة في مقابلة الحمارين والبغالين من أهل مصر، وكان عُزَيْز النبي عليه السلام يُمْدَحُ بحفظ التوراة في أهل الكتاب، ويوجد في الأمة المحمدية في هذه الطبقة أيضاً مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن في جميع ديار الإسلام، وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد ﷺ ولكتابهم، وهذا الأمر أيضاً معجزة لنبيهم ترى في كل طبقة من الطبقات.
(حكاية) جاء يوماً أمير من أمراء الإنكليز في مكتب في بلدة سهار تفور من بلاد الهند ورأى الصبيان مشتغلين بتعلم القرآن وحفظه، فسأل المعلم: أي كتاب هذا. فقال: القرآن المجيد، فقال الأمير: أحفظ أحد منهم القرآن كله؟، فقال المعلم: نعم، وأشار إلى عدة منهم فلما سمع استبعد فقال: اطلب واحداً منهم وأعطني القرآن أمتحن، فقال المعلم: اطلب أيهم شئت فطلب واحداً منهم كان ابن ثلاثة عشرة أو أربعة عشر وامتحنه في مواضع فلما تيقن أنه حافظ لجميع القرآن تعجب، وقال: أشهد أنه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن، يمكن كتابته من صدر صبي من الصبيان مع غاية صحة الألفاظ، وضبط الأعراب.
وأنا أورد عليك أموراً يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم (الأمر الأول) كان موسى عليه السلام كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد لأجل سماع بني إسرائيل، فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق وكانت الطبقة الأولى على وصية موسى عليه السلام، فلما انقرضت هذه الطبقة تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويُسْلمون أخرى، وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليه السلام، وحسنت حالهم في تلك السلطنة وصَدْرَ سلطنة سليمان عليه السلام وكانوا مؤمنين، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق، ولا يُعْلم جزماً متى ضاعت ولما فتح سليمان الصندوق في عهده ما وجد فيه غير اللَّوْحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا: "ولم يكن في التابوت إلا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر" ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليه السلام على ما تشهد به كتبهم المقدسة بأن ارتد سليمان والعياذ بالله تعالى في آخر عمره بترغيب الأزواج وعَبَد الأصنام وبنى المعابد لها، فإذا صار مرتد أو وثنياً ما بقي له غرض بالتوراة، وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشد من الأول بأن تفرق أسباط بني إسرائيل وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين، فصارت عشرة أسباط في جانب والسبطان في جانب، وصار يوربعام سلطاناً على عشرة أسباط وسميت تلك السلطنة الإسرائيلية، وصار رحبعام بن سليمان سلطاناً على السبطين وسميت تلك السلطنة سلطنة يهودا، وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتد، وارتدت الأسباط العشرة معه، وعبدوا الأصنام، ومن بقي منهم على ملة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا، فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين الأصنام ثم أبادهم الله بأن سلط الأسوريين عليهم فأسروهم وفرقوهم في الممالك، وما أبقوا في تلك المملكة إلا شرذمة قليلة، وعمروا تلك المملكة من الوثنيين فاختلطت هذه الشرذمة القليلة بالوثنيين اختلاطاً شديداً، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا وسميت أولادهم السامريين فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ما كان لهذه الأسباط غرض بالتوراة، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء.هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية.
وجلس على سرير سلطنة يهودا من بعد موت سليمان عليه السلام إلى ثلثمائة واثنتين وسبعين سنة عشرون سلطاناً، وكان المرتدون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين، وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام ، ووضعت تحت كل شجرة وعُبدت، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم، وسدت أبواب بيت المقدس وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين ففي المرة الأولى تسلط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت الله وبيت السلطان، وفي المرة الثانية تسلط سلطان إسرائيل المرتد ونهب بيت الله وبيت السلطان نهباً شديدثم اشتد الكفر في عهد منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس، وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه، ولما جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى الله توبة نصوحاً، وكان هو وأراكينه متوجهين لترويج الملة الموسوية، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجد والاجتهاد، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته، ثم ادعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها شافان الكاتب، فقرأ على يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام، لكن لا يعتمد على هذه النسخة، ولا على قول حلقيا لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام كانوا يدخلون البيت كل يوم، وما سمع أحد إلى سبعة عشرة عاماً من سلطنة يوشيا أيضاً اسم التوراة، ولا رآه، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتباع الملة الموسوية، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة، فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد، فهذه النسخة ما كانت إلا من مخترعات حلقيا فإنه لما رأى توجه السلطان والأراكين إلى اتباع الملة الموسوية، جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو غير صادقة، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها، فبعد ما جمع نسب إلى موسى عليه السلام، ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة وإشاعة الحق كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء المسيحيين كما عرفت، لكني أقطع النظر ههنا عن هذا وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر من سلطنة يوشيا وبقيت معمولة إلى ثلاث عشرة سنة مدة حياته، ولما مات وجلس ياهوحاز على سرير السلطنة ارتد وأشاع الكفر وتسلط عليه سلطان مصر وأسره وأجلس أخاه على سرير السلطنة، وهو كان مرتداً أيضاً كأخيه ولما مات جلس ابنه على السرير وكان مرتداً كأبيه وعمه، وأسره بختنصَّر مع جم غفير من بني إسرائيل ونهب بيت المقدس، وكنز بيت الملك، وأجلس عمه على سرير السلطنة، وكان مرتداً أيضاً مثل ابن أخيه - فإذا علمت هذا فأقول: إن تواتر التوراة في اليهود عندي منقطع قبل زمان يوشيا والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر، ومع ذلك ما كانت معمولة إلا إلى ثلاث عشرة سنة، وبعدها لم يعلم حالها. والظاهر أنه لما رجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا زالت قبل حادثة بختنصر وكان وجودها بين أزمنة الارتداد كالطهر المتخلل بين الدمين، ولو فرض بقاؤها أو بقاء نقلها فالمظنون زوالها في حادثة بختنصَّر وهذه الحادثة هي الأولى.
(الأمر الثاني) لما بغى هذا السلطان الذي أجلسه بختنصر عليه فأسره وذبح أولاده قدام عينيه أولاً، ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله إلى بابل وأحرق بيت الله وبيت الملك وجميع بيوت أورشليم وكل منزل جليل وجميع بيوت الكبراء أحرقها بالنار، وهدم سور أورشليم وأسر سائر شعوب بني إسرائيل وسباهم، وعمر تلك المملكة من مساكين الأرض وضعفائها كرّامين وفلاحين، وهذه هي الحادثة الثانية لبختنصر، وفي هذه الحادثة انعدم التوراة وكذا جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة عن صفحة العالم رأساً، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضاً كما عرفت مفصلاً في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول.
(الأمر الثالث) لما كتب عزرا عليه السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم ووقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول من الكتاب الأول للمقابيين هكذا: "لما فتح انتيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أي مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد العتيق أو يؤدي رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر في كل شهر فكان يقتل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق، أو ثبت أنه أدى رسماً من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة" انتهى ملخصاً، وكانت هذه الحادثة قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستين سنة، وكانت ممتدة إلى ثلاث سنين ونصف كما فصلت في تواريخهم وتاريخ يوسيفس، فانعدمت في هذه الحادثة جميع النسخ التي كتبها عزرا كما عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من كلام جان ملنر كاثلك "لما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضاً في حادثة أنتيوكس" انتهى ثم قال جان ملنر: "فلم تكن شهادة لصداقة هذه الكتب ما لم يشهد المسيح والحواريون" (أقول) قد عرفت حال هذه الشهادة في جواب المغالطة الثانية.
(الأمر الرابع) وقعت على اليهود بعد هذه الحادثة المذكورة حوادث أخرى أيضاً من أيدي ملوك الفرنج انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى، ومنها حادثة طيطوس الرومي وهي حادثة عظيمة وقعت بعد عروج المسيح بسبع وثلاثين سنة، وهذه الحادثة مكتوبة بالتفصيل التام في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى، وهلك في هذه الحادثة من اليهود في أورشليم ونواحيه ألف ألف ومائة ألف بالجوع والنار والسيف والصلب، وأسر سبعة وتسعون ألفاً وبيعوا في الأقاليم المختلفة، وهلك جموع كثيرة في أقطار أرض اليهودية أيضاً.
(الأمر الخامس) أن القدماء المسيحيين ما كانوا ملتفتين إلى النسخة العبرانية من العهد العتيق بل جمهورهم كانوا يعتقدون تحريفها وكانت الترجمة اليونانية معتبرة عندهم سيما إلى آخر القرن الثاني من القرون المسيحية فإنه لم يلتفت أحد منهم إلى النسخة العبرانية، وكانت هذه الترجمة مستعملة في جميع معابد اليهود أيضاً إلى آخر القرن الأول فكانت نسخ العبرانية لهذا الوجه أيضاً قليلة، ومع كونها قليلة كانت عند اليهود كما ظهر لك في الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.
(الأمر السادس) إن اليهود أعدموا نسخاً كتبت في المائة السابعة والثامنة لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ولذلك ما وصلت إلى مصححي العهد العتيق النسخة المكتوبة في هاتين المائتين فبعد ما أعدموا بقيت النسخ التي كانوا يرضون بها فكان لهم مجال واسع للتحريف كما عرفت في القول العشرين من الهداية المذكورة.
(الأمر السابع) كان في المسيحيين أيضاً في الطبقات الأول أمر موجب لقلة النسخ وإمكان تحريف المحرفين، لأن تواريخهم تشهد بأنهم إلى ثلثمائة سنة كانوا مبتلين بأنواع المحن والبلايا ووقع عليهم عشر قتلات عظيمة (الأول) في عهد السلطان نيرون في سنة 64 واستشهد فيه بطرس الحواري وزوجته، وقتل بولس أيضاً، وكان هذا القتل في دار السلطنة وإيالاته، وبقي الحال هكذا إلى حياة هذا السلطان وكان الإقرار بالمسيحية يُعَدُّ جرماً عظيماً في حق المسيحيين (والثاني) في عهد السلطان دومشيان وكان هذا السلطان مثل نيرون عدواً للملة المسيحية فأمر بالقتل فظهر القتل العام الذي حصل منه خوف استئصال هذه الملة وأجلى يوحنا الحواري وقتل فليوبس كليمنس (والثالث) في عهد السلطان ترجان وكان ابتداؤه سنة 101 وبقي الحال هكذا إلى ثماني عشرة سنة، وقتل فيه إكناسش أسقف كورنتيه، وكليمنت أسقف الروم، وشمعون أسقف أورشليم (والرابع) في عهد السلطان مرقس أنتونيس وكان ابتداؤه سنة 161 وبقي الحال هكذا إلى أزيد من عشر سنين، وبلغ القتل شرقاً وغرباً وكان هذا السلطان فلسفياً مشهوراً متعصباً في الوثنية (والخامس) في عهد السلطان سويرس وكان ابتداؤه سنة 202 وقتل ألوف في مصر وكذا في ديار فرانس وكارتهيج، وكان القتل في غاية الشدة بحيث ظن المسيحيون أن هذا الزمان زمان الدجال (والسادس) في عهد السلطان مكسيمن وكان ابتداؤه سنة 237 وصدر أمره وقتل فيه أكثر العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل أهل العلم جعل العوام مطيعين في غاية السهولة، وقتل فيه البابا بونتيانوس والبابا انتيروس (والسابع) في عهد السلطان دي شس سنة 253 وأراد هذا السلطان استئصال الملة المسيحية، فصدر أوامره إلى حكام الإيالات وارتد في هذه الحادثة بعض المسيحيين، وكان مصر وأفريكا وإتالي والمشرق مواضع تفرج ظلمه (والثامن) في عهد السلطان ولريان سنة 257 وقتل فيه ألوف، ثم صدر أمره في غاية الشدة بأن يقتل الأساقفة وخدام الدين، ويذل الأعزة وتؤخذ أموالهم، فلو بقوا بعد هذا أيضاً مسيحيين يقتلون، وتسلب أموال النساء الشرائف ويجلين من الأوطان، ويؤخذ المسيحيون الباقون عبيداً ويحبسون ويلقى في أرجلهم سلاسل ويستعملون في أمور الدولة (التاسع) في عهد السلطان أريلين وكان ابتداؤه سنة 274 وصدر أمره لكن ما قتل فيه كثير لأن السلطان قد قتل (والعاشر) في سنة 302 وامتلأت الأرض شرقاً وغرباً في هذا القتل وأحرقت بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من المسيحيين.
فهذه الوقائع لو كانت صادقة كما يدعون لا يتصور فيها كثرة النسخ ولا محافظة الكتب كما ينبغي ولا تصحيحها ولا تحقيقها، ويكون للمحرفين في أمثال هذه الأوقات مجال كثير للتحريف، وقد عرفت في جواب المغالطة الأولى أن الفرق الكثيرة المبتدعة من المسيحيين قد كانوا في القرن الأول وكانوا يحرفون.
(الأمر الثامن) أراد يوكليشين أن يمحو وجود الكتب المقدسة لهم عن صفحة العالم واجتهد في هذا الباب وأمر في سنة 303 بهدم الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع المسيحيين للعبادة فهدمت الكنائس وأحرق كل كتاب حصل له بالجد التام، ومن أبى أو ظُن أنه أخفى كتاباً عُذِّب عذاباً شديداً وامتنعوا عن الاجتماع للعبادة كما هو مصرح به في تواريخهم. وقال لاردن في الصفحة 522 من المجلد السابع من تفسيره: "صدر أمر يوكليشين في شهر مارج من السنة التاسعة عشرة من جلوسه أن يهدم الكنائس ويحرق الكتب المقدسة" ثم قال: "يقول يوسى بيس بالحزن التام إنه رأى بعينيه أن الكنائس هدمت والكتب المقدسة أحرقت في الأسواق" ولا أقول إن النسخ كلها بإعدامه انعدمت عن صفحة العالم، لكن لا شك أنها قلت جداً وضاعت من النسخ الغير المحصورة النفيسة الصحيحة، لأن كثرة المسيحيين وكثرة كتبهم كما كانت في مملكته ودياره ما كانت بمنزلة عشرها في غيرها، وانفتح باب التحريف ولا عجب أن انعدم بعض الكتب رأساً أيضاً، ويكون الموجود باسمه بعده جعلياً مختلقاً، لأن هذا الأمر قبل إيجاد صنعة الطبع كان أمراً ممكناً كما علمت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أن النسخ المخالفة لنسخة اليهود انعدمت رأساً بإعدامهم بعد المائة الثامنة، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن أصل التفسير المنسوب إلى تي شن انعدم، والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" وقال واتسن في المجلد الثالث من كتابه: "كان التفسير المنسوب إلى تي شن موجوداً في عهد تهيودورت، وكان يقرأ في كل كنيسة، لكن تهيودورت أعدم جميع نسخه ليقيم الإنجيل مقامه" انظروا كيف انعدم هذا التفسير عن صفحة العالم بإعدام تهيودورت وكيف اخترع واختلق المسيحيون بدله، ولا شك أن اقتدار ديوكليشين الذي ملك ملوك الفرنج أزيد من اقتدار اليهود، وكذا زمان إعدامه كان أقرب من زمان إعدامهم، وكذا اقتداره أزيد من اقتدار تهيودورت، فلا استبعاد أن ينعدم بعض كتب العهد الجديد بحادثة ديوكليشين والحوادث التي ظهرت في عهد السلاطين المذكورين الذين كانوا ملوك الملوك في عهدهم، ثم يكون الموجود باسمه مختلقاً كما سمعت في تفسير تي شن، والاهتمام إلى اختلاق بعض كتب العهد الجديد كان أهم عندهم من اختلاق التفسير المذكور، وكانت المقولة المقبولة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى حاكمة باستحسان هذا الاختلاق واستحبابه، ولأجل الحوادث المذكورة في هذه الأمور الثمانية المسطورة فقدت الأسانيد المتصلة بكتبهم ولا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد لا عند اليهود ولا عند المسيحيين، كما عرفت نبذاً منه، وطلبنا مراراً من القسيسين العظام السند المتصل فما قدروا عليه واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال إن سبب فقدان الإسناد عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، ونحن تصفحنا كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها غير الظن والتخمين، وبهذا القدر لا يثبت السند.
(المغالطة الخامسة) إن بعض نسخ الكتب المقدسة التي كتبت قبل زمان محمد ﷺ موجودة إلى الآن عند المسيحيين وهذه النسخ موافقة لنسخنا أقول: أولاً إن في هذه المغالطة دعوتين الأولى أن هذه النسخ الموجودة كتبت قبل محمد ﷺ، والثانية أنها موافقة لنسخنا وكلتاهما غير صحيحتين.
أما الأولى فلأنك قد عرفت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أنه لم يصل إلى مصححي العهد العتيق نسخة عبرانية كتبت في المائة السابعة والثامنة، بل لم تصل إليهم نسخة عبرانية كاملة تكون مكتوبة قبل المائة العاشرة، لأن النسخة القديمة التي حصلت لكني كات هي نسخة تسمى بكودكس لاديانوس وقال إنها كتبت في المائة العاشرة، وقال موشيودي روسي إنها كتبت في المائة الحادية عشرة، ولما طبع واندرهوت النسخة العبرانية بادعاء التصحيح الكامل خالف هذه النسخة في أربعة عشر ألف موضع، منها أزيد من ألفي موضع في التوراة فقط فانظر إلى كثرة غلطها، وأما نسخ الترجمة اليونانية فثلاث منها قديمة عندهم جداً الأولى كودكس اسكندر يانوس، والثانية كودكس واطيكانوس، والثالثة كودكس أفريمي والأولى موجودة في لندن، وكانت هذه النسخة عند المصححين في المرتبة الأولى من النسخ معلمة بعلامة الأول، والثانية موجودة في بلدة روما من إقليم إطالية، وكانت عند المصححين في المرتبة الثانية ومعلمة بعلامة الثاني، والثالثة موجودة في بلدة بارس، وفيها كتب العهد الجديد فقط، وليس فيها كتاب من كتب العهد العتيق، ولا بد من بيان حال هذه النسخ الثلاث فأقول: قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان كودكس اسكندر يانوس: "هذه النسخة في أربعة مجلدات، ففي المجلدات الثلاثة الأولى الكتب الصادقة والكاذبة من كتب العهد العتيق، ويوجد في المجلد الرابع العهد الجديد، والرسالة الأولى لكليمنت إلى أهل قورنثيوس والزبور الكاذب المنسوب إلى سليمان عليه السلام" ثم قال: "وتوجد قبل الزبور رسالة انهاني سيش، وبعده فهرست ما يقرأ في صلاة كل ساعة ساعة من الليل والنهار، وأربعة عشرة زبوراً إيمانياً الحادي عشر منها في نعت مريم رضي الله عنها، وبعضها كاذبة وبعضها مأخوذة من الإنجيل، ودلائل يوسي بيس مكتوبة على الزبورات وقوانينه على الأناجيل، وبالغ البعض في مدح هذه النسخة والبعض الآخرون في ذمها، ورئيس أعدائها وتستين وفي قدامتها كلام فظن كريب وشلز هكذا: لعل هذه النسخة كتبت في آخر المائة الرابعة، وقال ميكايلس هو حَدُّ قدامتها، ولا يمكن أن يفرض أقدم منه، لأن رسالة انهاني سيش توجد فيها، وفهم أودن أنها كتبت في القرن العاشر، وقال وتستين إنها كتبت في القرن الخامس وظن هكذا لعل هذه نسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية سنة 615 لأجل الترجمة السريانية، وفهم داكتر سملر أنها كتبت في القرن السابع، وقال مونت فاكن لا يمكن أن يقال جزماً في حق نسخة من نسخ اسكندر يانوس كانت أو غيرها إنها كتبت قبل القرن السادس، وقال ميكايلس إنها كتبت في زمان صار لسان أهل مصر فيه لساناً عربياً، يعني بعد مائة أو مائتين من تسلط المسلمين على اسكندرية، لأن كاتبه بدّل في كثير من المواضع الميم من الباء وبالعكس، كما تبدل في اللسان العربي فاستدل بهذا أنها لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، وفهم وايد أنها كتبت في وسط القرن الرابع أو في آخره، ولا يمكن أن يكون أقدم من هذا لأنها لا توجد فيها الأبواب والفصول، ويوجد فيها نقل قانون يوسي بَيَسْ، واعتراض إسباين على دلائل وايد، وأدلة كونها مكتوبة في القرن الرابع والخامس هذا الأول لا يوجد التقسيم بالأبواب في رسائل بولس وقد كان هذا التقسيم في سنة 396، والثاني يوجد فيها رسائل كليمنت التي منع قراءتها محفل لوديسيا وكارتهيج، فاستدل شلز بهذا أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 364، والثالث استدل شلز بدليل جديد آخر وهو أنه يوجد في الزبور الرابع عشر الإيماني فقرة كانت توجد سنة 444 وسنة 446، فهذه النسخة كتبت قبل هذه السنين، وظن وتستين أنها كتبت قبل زمان جيروم لأنه بدَّل فيها المتن اليوناني بترجمة إتالك القديم، وكاتبه لا يعلم أنهم كانوا يقولون للعرب هكارين لأنه كتب أكوراو بدل أكاراو، وأجابه الآخرون بأن هذا غلط كاتب فقط لأنه جاء لفظ أكاراوون في الآية الأخيرة، وقال ميكايلس لا يثبت بهذه الدلائل شيء لأن هذه النسخة منقولة عن نسخة أخرى بالضرورة فعلى تقدير كونها منقولة بالاهتمام تتعلق هذه الدلائل بالنسخة التي هي منقولة عنها لا بهذه النسخة، نعم يمكن تصفية الأمر شيئاً بالخط وأشكال الحروف وعدم الإعراب، ودليل عدم كونها مكتوبة في القرن الرابع هذا ظن داكتر سِمْلر أن رسالة اتهاني سيش في حسن الزبورات يوجد فيها وإدخالها في حياته كان محالاً، فاستدل أوْدِن بهذا أنها كتبت في القرن العاشر، لأن هذه الرسالة كاذبة ولا يمكن جعلها في حياته، وكان الجعل في القرن العاشر في غاية القوة"، ثم قال هورن في المجلد المذكور في بيان كودكس واطيكانوس: "كتب في مقدمة الترجمة اليونانية التي طبعت في سنة 1590: كُتِبت هذه النسخة قبل سنة 388 يعني في القرن الرابع وقال موت فاكن وبلين جيني: كتبت في القرن الخامس أو السادس، وقال ديوين في القرن السابع، وقال هك في ابتداء القرن الرابع،
وقال مارش في آخر القرن الخامس ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس اسكندر يانوس وهذه النسخة"، ثم قال: "استدل كني كات بأن هذه النسخة وكذا نسخة اسكندر يانوس ليستا بمنقولتين عن نسخة أرجن ولا عن نقولها التي كانت نقلت في قرب زمانه، بل هما منقولتان عن النسخ التي ما كانت علامات أرجن فيها يعني في زمان تركت علاماته في النقول" ثم قال في المجلد المذكور في بيان كودكس افريمي: "ظن وِتَسْتين أن هذه النسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية لتصحيح الترجمة السريانية لكن لا دليل على هذا الأمر، واستدل بالحاشية التي على الآية السابعة من الباب الثامن من الرسالة العبرانية أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 542، لكن ميكايلس لا يفهم استدلاله قوياً ويقول بهذا القدر فقط أنها قديمة، وقال مارش: كتبت في القرن السابع" انتهى.
فظهر لك أنه لم يوجد دليل قطعي على أن هذه النسخ كتبت في القرن الفلاني وليس مكتوباً في آخر كتاب من كتبها أيضاً أن كاتبه فرغ في السنة الفلانية كما يكون هذا مكتوباً في آخر الكتب الإسلامية غالباً، وعلماؤهم يقولون رجماً بالغيب بالظن الذي نشأ لهم عن بعض القرائن لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا، ومجرد الظن والتخمين لا يتم دليلاً على المخالف، وقد عرفت أن أدلة القائلين بأن نسخة اسكندر يانوس كتبت في القرن الرابع أو الخامس ضعيفةٌ منقوضة، وظنُّ سِمْلر أيضاً بعيدٌ لأن تغير لسان إقليم بلسان إقليم آخر في مدة قليلة خلاف العادة، وقد تسلط العرب على الإسكندرية في القرن السابع من القرون المسيحية لأنهم تسلطوا في السنة العشرين من الهجرة على الأصح، إلا أن يكون مراده آخر هذا القرن، ودليل ميكايلس سالم عن الاعتراض، فلا بد أن يسلم، فهذه النسخة لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، والأغلب كما قال أودن أنها كتبت في القرن العاشر الذي كان بحرُ التحريف فيه موّاجاً، ويؤيده أن هذه النسخة تشتمل على الكتب الكاذبة أيضاً، فالظاهر أن كاتبها كان في زمان كان فيه تمييز الكاذب عن الصادق متعسراً، وهذا كان على وجه الكمال في القرن العاشر، وأن بقاء القرطاس والحروف إلى ألف وأربعمائة سنة أو أزيد مستبعد عادة سيما إذا لاحظنا أن طريقة المحافظة، وكذا طريقة الكتابة في الطبقات الأول ما كانتا جيدتين، ورد ميكايلس استدلال وتستين في حق كودكس افريمي، وعرفت قول مونت فاكن وكني كات أيضاً، وعرفت قول ديوين في حق كودكس واطيكانوس، وقول مارش في حق كودكس افريمي أنهما كتبتا في القرن السابع، فظهر أن الدعوى الأولى ليست بثابتة لأن ظهور محمد ﷺ على آخر القرن السادس من القرون المسيحية، وإذا ثبت أن كودكس اسكندر يانوس تشتمل على كتب كاذبة أيضاً، وأن البعض ذمّها ذماً بليغاً وأن وتستين رئيس أعدائه الذّامِّين، ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس واطيكانوس - ظهر أن الدعوى الثانية أيضاً ليست بصحيحة، وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عما قلنا وفرضنا أن هذه النسخ الثلاث كتبت قبل محمد ﷺ فلا يضرنا لأنا لا ندعي أن الكتب المقدسة لهم كانت غير محرفة إلى زمان ظهور محمد ﷺ وبعد ذلك حرفت، بل ندعي أن هذه الكتب كانت قبل ظهور محمد ﷺ لكنها بلا إسناد متصل وأن التحريف كان فيها قبله يقيناً ووقع في بعض المواضع بعده أيضاً، فلا ينافي هذه الدعوى وجود النسخ الكثيرة فضلاً عن ثلاث نسخ، بل لو وجدت ألف نسخة مثل اسكندر يانوس لا يضرنا بل كان نافعاً لنا باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية يقيناً واختلافها بينها اختلافاً شديداً كما في كودكس اسكندر يانوس وكودكس واطيكانوس من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم، ولا يلزم من القَدَامة الصحة ألا ترى إلى بعض الكتب الكاذبة المندرجة في اسكندر يانوس .