→ الفصل الأول: في إبطال التثليث بالبراهين العقلية | إظهار الحق المؤلف: رحمة الله الهندي |
الفصل الثالث: في ابطال ألوهية المسيح عليه السلام ← |
الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
(القول الأول): في الآية الثالثة من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فبين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية، عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي وأن عيسى عليه السلام رسوله. وما قال إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي وأن عيسى إنسان وإله، أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء فلا احتمال ههنا للخوف من اليهود فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبينه، وإذ ثبت أن الحياة الأبدية اعتقاد التوحيد الحقيقي للّه واعتقاد الرسالة للمسيح فضدهما يكون موتاً أبدياً وضلالاً بيناً ألبتة، والتوحيد الحقيقي ضد للتثليث الحقيقي كما عرفت مفصلاً في الفصل الأول، وكون المسيح رسولاً ضد لكونه إلهاً، لأن التغاير بين المرسِل والمرسَل ضروري، وهذه الحياة الأبدية توجد في أهل الإسلام بفضل الله. وأما غيرهم فالمجوس ومشركو الهند والصين محرومون منها لانتفاء الاعتقادين فيهم، وأهل التثليث من المسيحيين محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الأول، واليهود كافة محرومون منها لانتفاء الاعتقاد الثاني.
(القول الثاني): في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا 28: (فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسناً سأله: أية وصية هي أول الكل) 29: (فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد. [30]: وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولى [31] وثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين [32] فقال له الكاتب جيداً يا معلم بالحق قلت لأنه) أي الله (واحد وليس آخر سواه) 33 (ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح) 34 (فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له لست بعيداً عن ملكوت الله). وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله عليه السلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: (بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء). فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة وفي جميع كتب الأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبيناً في التوراة وجميع كتب الأنبياء لأنه أول الوصايا، ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي، لكنه لم يبين في كتاب من كتب الأنبياء صراحة ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتم على المخالف لأن هذا الاستنباط خفي جداً مردود بمقابلة النص، وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبينه الأنبياء الإسرائيلية بياناً واضحاً، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء - 35 (لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره) 39 (فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره). وفي الباب السادس من السفر المذكور 4 (اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا فإنه رب واحد) 5 (حِب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك) وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعياء 5 (أنا هو الرب وليس غيري وليس دوني إله شددتك ولم تعرفني) 6 (ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر). فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب أشعياء 2 (إني أنا الله وليس غيري إلهاً وليس لي شبه).
(تنبيه) حرّف صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م قول المسيح عليه السلام بتبديل ضمير المتكلم بضمير الخطاب، وترجم هكذا: (الرب إلهك إله واحد) وضيع بهذا التحريف المقصود الأعظم لأن ضمير المتكلم ههنا دال على أن عيسى ليس برب بل عبد مربوب بخلاف ضمير الخطاب والظاهر أن هذا التحريف قصدي.
(القول الثالث) في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليه السلام هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب) وهذا القول ينادي على بطلان التثليث لأن المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد الله الآخرين وسوى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلهاً سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب، ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته فظهر أنه ليس إلهاً لا باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها.
(القول الرابع): في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 20 (تقدمت إليه أم ابني زيدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً) 21 (فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك) 22 (فأجاب يسوع) إلخ 23 (الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدلهم من أبي) انتهى ملخصاً فنفى عيسى عليه السلام ههنا عن نفسه القدرة وخصصها بالله كما نفى عن نفسه علم الساعة وخصصه بالله ولو كان إلهاً لما صح هذا.
(القول الخامس): في الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا: 16 (وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية) 17 (فقال له لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله) فهذا القول يقلع أصل التثليث وما رضي تواضعاً أن يطلق عليه لفظ الصالح أيضاً ولو كان إلهاً لما كان لقوله معنى ولكان عليه أن يبين لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله الصالح فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم (يا ربنا وإلهنا يسوع لا تضيع من خلقت بيدك) حاشا جنابه أن يرضى بها.
(القول السادس): في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: 46 (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) 50 (فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح). وفي الآية السادسة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي) وهذا [ص 7] القول ينفي ألوهية المسيح رأساً سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب لأنه لو كان إلهاً لما استغاث بإله آخر بأن قال إلهي إلهي لماذا تركتني، ولما قال يا أبتاه في يدك أستودع روحي ولامتنع العجز والموت عليه.. الآية الثامنة والعشرون من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (أما عرفت أو ما سمعت إله سرمدي الرب الذي خلق أطراف الأرض لن يضعف ولن يتعب وليس فحصاً عن حكمته). والآية السادسة من الباب الرابع والأربعين من الكتاب المذكور هكذا: (هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود أنا الأول وأنا الآخر وليس إله غيري). والآية العاشرة من الباب العاشر من كتاب أرسياء هكذا: (أما الرب هو إله حق هو إله حي وملك سرمدي) إلخ. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب حقوق هكذا: (يا رب إله قدوسي ولا تموت). وفي الآية السابعة عشرة من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (وملك الدهور الذي لا يفنى لا يرى الإله الحكيم وحده). فكيف يعجز ويموت الذي هو إله سرمدي بريء من الضعف والتعب حي قدوس لا يموت ولا إله غيره أيكون الفاني العاجز إلهاً حاشا وكلا بل الإله الحقيقي هو الذي كان عيسى عليه السلام يستغيث به هذا الوقت على زعمهم. والعجب أنهم لا يكتفون بموت الإله بل يعتقدون أنه بعد ما مات دخل جهنم أيضاً. نقل جواد ابن ساباط هذه العقيدة من كتاب الصلاة المطبوع سنة 1506 هكذا: (كما أن المسيح مات لأجلنا ودفن فكذا لا بد أن نعتقد أنه دخل جهنم) انتهى.
(وفيلبس كوادنولس) الراهب كتب في رد رسالة أحمد الشريف ابن زين العابدين الأصفهاني كتاباً بلسان العرب سماه بخيالات فيلبس وطبع هذا الكتاب سنة 1669 في الرومية الكبرى في بسلوقيت وحصلت لي بطريق العارية نسخة قديمة من هذا الكتاب من كتبخانة إنكليز في بلدة دهلي فكتب الراهب المستور في كتابه المذكور هكذا: (الذي تألم لخلاصنا وهبط إلى الجحيم ثم في اليوم الثالث قام من بين الأموات) انتهى. وفي بريئربوك في بيان عقيدة أتهانييش التي تؤمن بها المسيحيون لفظ (هل) موجود ومعناه الجحيم وقال جواد بن ساباط إن القسيس مارطيروس قال لي في توجيه هذه العقيدة إن المسيح لما قبل الجسم الإنساني فلا بد عليه أن يتحمل جميع العوارض الإنسانية فدخل جهنم وعُذب أيضاً ولما خرج من جهنم أخرج منها كل من كان معذباً فيها قبل دخوله. فسألته هل لهذه العقيدة دليل نقلي قال إنها غير محتاجة إلى الدليل، فقال رجل مسيحي من أهل ذلك المحفل على وجه الطرافة إن الأب كان قاسي القلب وإلا لما ترك الابن في الجحيم فغضب القسيس وطرده من المحفل فجاء هذا الرجل عندي وأسلم لكن أخذ العهد مني ألا أظهر حال إسلامه ما دام حياً ودخل يوسف ولف بلدة لكهنو سنة 1248 من الهجرة وسنة 1833 من الميلاد وكان من القسيسين المشهورين وكان يدعي الإلهام لنفسه وكان يدعي أن نزول المسيح يكون في سنة 1847 من الميلاد ووقعت المناظرة فيما بينه وبين مجتهد الشيعة تحريراً وتقريراً في هذا الباب فسأله مجتهد الشيعة عن هذه العقيدة أيضاً فقال نعم دخل المسيح الجحيم وعذب لكن لا بأس فيه لأن هذا الدخول كان لنجاة أمته، وبعض فرقهم يعتقدونها بأشنع حالة، قال بل في تاريخه في بيان فرقة مارسيوني. هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام بعد ما مات دخل جهنم ونجى أرواح قابيل وأهل سدوم لأنهم حضروا عنده وكانوا غير مطيعين لإله خالق الشر وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء الآخرين من القدماء في جهنم لأنهم خالفوا الفرقة الأولى. (وهذه الفرقة كانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصراً في الإله الذي أرسل عيسى ولذلك ما كانت تسلم كون كتب العهد العتيق إلهامية) انتهى.
فكانت عقيدة هذه الفرقة مشتملة على أمور:
1- جميع الأرواح سواء كانت أرواح الأنبياء والصلحاء أو الأشقياء كانت معذبة في جهنم قبل دخول عيسى عليه السلام.
2- أن عيسى عليه السلام دخل جهنم.
3- أن عيسى عليه السلام نجى أرواح الأشقياء من العذاب وأبقى أرواح الأنبياء والصلحاء فيه.
4- أن هؤلاء الصلحاء مخالفون لعيسى والأشقياء موافقون له.
5- أن خالق العالم إلهان خالق الخير وخالق الشر وعيسى عليه السلام رسول الأول والأنبياء الآخرون المشهورون رسل الثاني.
6- كتب العهد العتيق ليست إلهامية.
وقال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمى بحل الإشكال في جواب كشف الأستار هكذا: (الحق أنه توجد في العقيدة المسيحية أن المسيح دخل جهنم وقام في اليوم الثالث وعرج إلى السماء لكن المراد ههنا من جهنم هاوس وهو موضع ما بين جهنم والفلك الأصلي والمعنى أنه دخل هاوس ليرى أهله جلاله وينبههم على أني مالك الحياة وأني أعطيت كفارة الذنب بالموت الصليبي وجعلت الشيطان وجهنم مغلوبين وللمؤمنين كالمعدومين) انتهى ملخصاً.
(أقول) أولاً: ثبت من ظاهر كتاب الصلاة وكلام فيلبس كوادلونس وثبت صراحة من إقرار مارطيروس ويوسف ولف ومن عقيدة اتهاني سيش أن جهنم على معناه، واعترف هو أيضاً أنه يوجد هذا في العقيدة ثم أول، فتأويله بدون الدليل لا يقبل ولا بد عليه أن يثبت من كتبه أن ما بين جهنم والفلك الأصلي مكان يسمى بهاوس ثم يثبت من هذه الكتب أن دخول المسيح في جهنم كان لأجل الإراءة والتنبيه المذكورين على أنه لا وجود للأفلاك عند حكماء أوروبا، وعلماء بروتستنت من المتأخرين يتابعونهم في هذا الرأي فكيف يصح هذا التوجيه على زعمهم.
(ثم أقول) ثانياً: إن هذا الهاوس محل السرور والثواب أو محل المحن والعقاب، فإن كان الأول فلا حاجة إلى تنبيه أهله لأنهم كانوا قبل هذا في سرور وعيشة راضية، وإن كان الثاني فلا فائدة في التأويل لأن جهنم الأرواح لا يكون إلا محل عذابها.
(ثم أقول) ثالثاً: إن كون الموت الصليبي كفارة الذنب غير معقول يقيناً لأن المراد بهذا الذنب على زعمهم الذنب الأصلي الذي صدر عن آدم عليه السلام لا الذنب الذي يصدر عن أولاده، ولا يجوز أن يعاقب أولاده على هذا الذنب الأصلي لأن الأبناء لا يؤاخذون بذنوب الآباء ولا بالعكس بل هو خلاف العدل.. الآية العشرون من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه).
(ثم أقول) رابعاً: ما معنى جعل الشيطان مغلوباً بالموت لأنه على حكم إنجيلهم مقيد بقيود أبدية قبل ميلاد عيسى عليه السلام. الآية السادسة من رسالة يهودا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام). ثم العجب أنهم لا يكتفون بموت إلههم المزعوم ودخوله جهنم بل يزيدون عليهما أنه صار ملعوناً أيضاً والعياذ بالله وملعونيته مسلمة عند المسيحيين ويسلمها صاحب ميزان الحق أيضاً بكمال رضا الخاطر ويصرح بها في كتبه وصرح بها مقدسهم بولس أيضاً. الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة) وعندنا إطلاق مثل هذا اللفظ شنيع جداً بل لاعن الله واجب الرجم بحكم التوراة ورجم واحد على هذا الخطأ في عهد موسى عليه السلام كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر الأخبار، بل لاعن الأبوين أيضاً واجب القتل فضلاً عن لاعن الله كما هو مصرح في الباب العشرين من السفر المذكور.
(القول السابع): في الآية السابعة عشرة من الباب العشرين من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام في خطاب مريم المجدلية هكذا: (لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) فسوى بينه وبين الناس في هذا القول (أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) لكيلا يتقولوا عليه الباطل فيقولوا إنه إله أو ابن إله فكما أن تلاميذه عباد الله وليسوا بأبناء الله حقيقة بل بالمعنى المجازي فكذلك هو عبد الله وليس بإبن الله حقيقة ولما كان هذا القول بعد ما قام عيسى عليه السلام من الأموات على زعمهم قبل العروج بقليل ثبت أنه كان يصرح بأني عبد الله إلى زمان العروج وهذا القول يطابق ما حكى الله عنه في القرآن المجيد: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}.
(القول الثامن): في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن أبي أعظم مني) ففيه أيضاً نفي لألوهيته لأن الله ليس كمثله شيء فضلاً عن أن يكون أعظم منه.
(القول التاسع): في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني) ففيه أيضاً تصريح بالرسالة وبأن الكلام الذي تسمعونه وحي من جانب الله.
(القول العاشر): في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في خطاب تلاميذه هكذا: 9 (ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات) 10 (ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح) فهنا أيضاً صرح (بأن الله واحد وإني معلم لكم).
(القول الحادي عشر): في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى هكذا: 36 (حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جشيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك) 37 (ثم أخذ معه بطرس وابني زيدي وابتدأ يحزن ويكتئب) 38 (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي) 39 (ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ليس كما أريد بل كما تريد أنت) 40 (ثم جاء إلى التلاميذ الخ) 42 (فمضى أيضاً ثانية وصلى قائلاً يا أبتاه إن لم يكن أن تعبر عني هذه الكأس ألا أشربها فلتكن مشيئتك) 43 (ثم جاء الخ) 44 (فتركهم ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه) فأقواله وأحواله المندرجة في هذه العبارات تدل على عبوديته ونفى ألوهيته. أيحزن ويكتئب الإله ويموت ويصلي لإله آخر ويدعو بغاية التضرع لا والله. ولما جاء جنابه الشريف إلى العالم وتجسد ليخلص العالم بدمه الكريم من عذاب الجحيم فما معنى الحزن والاكتئاب وما معنى الدعاء: بأن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس.
(القول الثاني عشر): كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالباً كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضاً: مثلاً في الآية 20 باب 8 و 6 باب 9 و 13 و 27 باب 16 و 9 و 12 و 22 باب 17 و 11 باب 18 و 28 باب 19 و 18 و 28 باب 20 و 27 باب 24 و 24 و 45 و 64 باب 26 من إنجيل متى وهكذا في غيره وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنساناً.