الرئيسيةبحث

إظهار الحق/الفصل الرابع: في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث


الفصل الرابع: في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث

وهي خمس شبهات:

(الشبهة الأولى) أن رواة الحديث أزواج محمد ﷺ وأقرباؤه وأصحابه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه. (والجواب) أن هذه الشبهة ترد عليهم بأدنى تغير بأن يقال إن رواة الحالات المسيحية وأقواله المندرجة في هذه الأناجيل أم عيسى عليهما السلام وأبوه الجعلي يوسف النجاري وتلاميذه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه، وإن قالوا إنه يحتمل أن إيمان أقارب محمد ﷺ وأصحابه كان لأجل الرياسة الدنيوية، قلت إن هذا الاحتمال ساقط لأنه ﷺ إلى ثلاث عشرة سنة كان في غاية الألم من إيذاء الكفار وأصحابه رضي الله عنهم كانوا أيضاً مبتلين بغاية إيذائهم إلى المدة المذكورة حتى تركوا الأوطان وهاجروا إلى الحبشة والمدينة، ولا يتصور أن يتخيل أحد منهم إلى هذه المدة طمع الدنيا، على أن هذا الاحتمال قائم في الحواريين أيضاً لأنهم كانوا مساكين صيادين، وكانوا سمعوا من اليهود أن المسيح يكون سلطاناً عظيم الشأن، فلما ادعى عيسى بن مريم عليهما السلام أنه هو المسيح الموعود آمنوا به وفهموا أنه يحصل لهم باتباعه المناصب الجليلة، وينجون عن مشقة الشبكة والاصطياد ولما وعدهم عيسى عليه السلام: (بأني إذا جلست على السرير تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر سريراً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر) كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من إنجيل متى. وكذا وعدهم: (أن من ترك لأجلي ولأجل الإنجيل شيئاً يجد مائة ضعف الآن في هذا الزمان ويجد الحياة الأبدية في الدهر الآتي)، كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل مرقس، وكذا وعد بأشياء أخر، فتيقنوا أنهم يصيرون سلاطين يحكم كل منهم على سبط من أسباط إسرائيل وإن فات منهم شيء لأجل اتباعه يحصل لهم في هذه الدنيا بدله مائة ضعف هذا الشيء، ورسخ في أذهانهم هذا الأمر حتى طلب يعقوب ويوحنا ابناً زيدي، أو طلبت أمهما - على اختلاف رواية الإنجيلين - منصب الوزارة العظمى بأن يجلس أحدهما على يمين عيسى عليه السلام والآخر على يساره في ملكوته كما هو مصرح به في الباب العشرين من إنجيل متى، والباب العاشر من إنجيل مرقس، لكنهم لما رأوا أنه لم تحصل لهم السلطنة الخيالية ولا مائة ضعف في هذه الدنيا بل لم يحصل له أيضاً شيء من الدولة الدنياوية وهو مسكين كما كان يخاف من اليهود ويفر من موضع إلى موضع، ورأوا أن اليهود في صدد أن يأخذوه ويقتلوه تنبهوا أن فهمهم كان خطأ والمواعيد المذكورة كسراب يحسبه الظمآن ماء، فرضي واحد منهم بدل هذه السلطنة الخيالية وهذه الأضعاف الموهومة بثلاثين درهماً أخذها من اليهود على شرط تسليمه لهم، وتركه سائرهم حين ما أخذه اليهود وفروا وأنكروه ثلاث مرات، ولعنه أرشد الحواريين وأعظمهم الذي كان مبنى كنيسة وراعي خرافه وخليفته أعني حضرة بطرس، وحلف أني لا أعرفه، وصاروا آيسين مطلقاً من متخيلاتهم بعد ما صلب على زعمهم ثم لما رأوه مرة أخرى بعد القيام رجع رجاؤهم مرة أخرى وظنوا أنهم يصيرون سلاطين في هذه المرة فسألوه مجتمعين في وقت صعوده قائلين: هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل، (كما هو مصرح به في الباب الأول من كتاب الأعمال) وبعد الصعود وقعوا في خيال آخر هو أعظم من السلطنة الدنياوية التي لم تحصل لهم إلى زمان الصعود، وهو أن المسيح ينزل في عهدهم من السماء، وأن القيامة قريبة كما عرفت مفصلاً من الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، وأنه بعد نزوله يقتل الدجال ويحبس الشيطان إلى ألف سنة، وأنهم يجلسون على الأسرة بعد نزوله ويعيشون عيشة مرضية إلى المدة المذكورة في هذه الدنيا، كما يفهم من الباب التاسع عشر والعشرين من كتاب المشاهدات، والآية الثانية من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس ثم يحصل لهم السرور الدائمي في الجنة إلى الأبد عند القيامة الثانية، فلأجل هذه الأمور بالغوا في مدحه وتقرير حالاته كما قال الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله، (إن أشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب) ولا شك أنه كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة فكانوا يبالغون بأمثال هذه الأقوال ليوقعوا السفهاء في شبكاتهم حتى ماتوا غير واصلين إلى مرادهم، فلا اعتبار لشهادتهم في حقه، وهذا التقرير على سبيل الإلزام لا الاعتقاد كما صرحت به مراراً. فكما أن هذا الاحتمال في حق عيسى وحواريه الحقة عليهم السلام ساقط فكذلك احتمالهم في حق أصحاب محمد ﷺ ساقط. وقد يشير القسيسون لأجل تغليط العوام إلى ما يتفوه به الفرقة الإمامية الاثني عشرية في حق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والجواب عنه إلزاماً وتحقيقاً هكذا إما إلزاماً فلأن موشيم المؤرخ قال في المجلد الأول من تاريخه: (إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط، بل تجب على غيرهم أيضاً والعمل على أحكامه ضروري للنجاة.

ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العمل ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة كانوا يذمونه ذماً شديداً ويحقرون تحريراته تحقيراً بليغاً انتهى. وقال لاردنر في الصفحة 376 من المجلد الثاني من تفسيره: (إن القدماء أخبرونا أن هذه الفرقة كانت ترد بولس ورسائله) انتهى. وقال بل في تاريخه في بيان هذه الفرقة: (هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط وكانت تنفر من اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيال عليهم السلام، وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متى فقط لكنها كانت حرفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه) انتهى، وقال في تاريخه في بيان الفرقة المارسيونية: (إن هذه الفرقة كانت تعتقد أن الإله إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وكانت تقول التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الإله الثاني وكلها مخالف للعهد الجديد ثم قال إن هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى نزل الجحيم بعد موته وأنجى أرواح قابيل وأهل سدوم من عذابها لأنهم حضروا عنده وما أطاعوا الإله خالق الشر وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصالحين الآخرين في الجحيم، لأنهم كانوا خالفوا الفريق الأول. وكانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصراً في الإله الذي أرسل عيسى، ولذلك ما كانت تسلم أن كتب العهد العتيق إلهامية وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا فقط لكنها ما كانت تسلم البابين الأولين منه وكانت تسلم من رسائل بولس عشرة رسائل لكنها كانت ترد ما كان مخالفاً لخيالها) انتهى. ونقل لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره قول اكستائن في بيان فرقة ماني كبز هكذا: (هذه الفرقة تقول أن الإله الذي أعطى موسى التوراة وكلم الأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان من الشياطين، وتسلم بكتب العهد الجديد، لكنها تقر بوقوع الإلحاق فيها وتأخذ ما رضيت به وتترك الباقي وترجح بعض الكتب الكاذبة عليها وتقول إنها صادقة البتة) ثم قال لاردنر في المجلد المذكور: (اتفق المؤرخون أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت).

وكتب في أعمال اركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: (خدع الشيطان أنبياء اليهود، والشيطان كلم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم سراق ولصوص وكانت أخرجت العهد الجديد) انتهى، وهكذا حال الفرق الأخرى، لكني اكتفيت في نقل مذاهب الفرق الثلاثة المذكورة على عدد التثليث وأقول هل تتم أقوال هذه الفرق على علماء بروتستنت أم لا فإن تمت فيلزم عليهم الاعتقاد بهذه الأمور العشرة:

[1] أن عيسى عليه السلام إنسان فقط تولد من يوسف النجار.

[2] وأن العمل على أحكام التوراة ضروري للنجاة.

[3] وأن بولس شرير ورسائله واجبة الرد.

[4] وأن الإله إلهان خالق الخير وخالق الشر.

[5] وأن أرواح قابيل وأهل سدوم حصل لها النجاة من عذاب جهنم بموت عيسى عليه السلام وأرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء القدماء معذبة في جهنم بعد موته أيضاً.

[6] وأن هؤلاء كانوا مطيعين للشيطان.

[7] وأن التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الشيطان.

[8] وأن الذي كلم موسى والأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان.

[9] وأن كتب العهد الجديد وقع فيها التحريف بالزيادة.

[10] وأن بعض الكتب الكاذبة صادقة البتة وإن لم تتم أقوال هذه الفرق عليهم فلا يتم قول بعض الفرق الإسلامية على جمهور أهل الإسلام سيما إذا كان هذا القول مخالفاً للقرآن ولأقوال الأئمة الطاهرين رضي الله عنهم أيضاً كما ستعرف.

وأما الجواب عنه تحقيقاً فلأن القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم.

[1] قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الإمامية الاثني عشرية في رسالته الاعتقادية: (اعتقادنا في القرآن أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحدة ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب) انتهى.

[2] وفي تفسير مجمع البيان الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة: (ذكر السيد الأجل المرتضى علم الهدى ذو المجد أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أن القرآن كان على عهد رسول الله ﷺ مجموعاً مؤلفاً على ما هو الآن واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم وأنه كان يعرض على النبي ﷺ ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي ﷺ عدة ختمات، وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير منشور ولا مبثوث، وذكر أن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته) انتهى.

[3] وقال السيد المرتضى أيضاً: (إن العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وبلغت حداً لم تبلغ إليه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية حتى عرفوا كل شيء فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد) انتهى.

[4] وقال القاضي نور الله الشوستري الي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمى بمصائب النواصب: "ما نسب إليه الشيعة الإمامية بوقوع التغير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم" انتهى.

[5] وقال الملا صادق في شرح الكليني: (يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به) انتهى.

[6] وقال محمد بن الحسن الحر العاملي الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الإمامية في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه: "هركسيكه تتبع أخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداندكه قرآن درغايه وأعلى درجة تواتر بوده وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردندآن راودر عهد رسول خدا ﷺ مجموع ومؤلف بود) انتهى. فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وأنه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله ﷺ، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة وجماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغير. فقولهم مردود ولا اعتداد بهم فيما بينهم، وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته وهو حق لأن خبر الواحد إذا اقتضى علماً ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده، على ما صرح ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى (بمبادئ الوصول إلى علم الأصول)، وقد قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. في تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة (أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان). انتهى. وإذا عرفت هذا فأقول إن القرآن ناطق بأن الصحابة الكبار رضي الله عنهم لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الإيمان.

1- قال الله تعالى في سورة التوبة: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} فقال الله في حق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار أربعة أمور: (الأول) رضوانه عنهم (والثاني) رضوانهم عنه (والثالث) تبشيرهم بالجنة (والرابع) وعد خلودهم فيها، ولا شك أن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم من السابقين الأولين من المهاجرين، كما أن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه منهم فثبت لهم هذه الأمور الأربعة وثبت صحة خلافتهم، فقول الطاعن في الثلاثة رضي الله عنهم مردود، كما أن قول الطاعن في حق الرابع رضي الله عنه مردود.

2- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} فقال الله في حق المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أربعة أمور: (الأول) كون درجتهم أعظم عند الله (والثاني) كونهم فائزين بمرادهم (والثالث) كونهم مبشرين بالرحمة والرضوان والجنات (والرابع) خلودهم في الجنات أبداً، وأكد الأمر الرابع غاية التأكيد بثلاث عبارات أعني قوله مقيم، وقوله خالدين فيها أبداً، وقوله [أجر عظيم]، ولا شك أن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، كما أن علياً رضي الله عنه منهم فثبت لهم الأمور الأربعة.

3- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم} فقال الله في حق المؤمنين المجاهدين أربعة أمور: (الأول) كون الخيرات لهم (والثاني) كونهم مفلحين (والثالث) وعد الجنات (والرابع) خلودهم فيها. ولا شك أن الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المجاهدين فثبت هذه الأمور الأربعة لهم.

4- وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضاً: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} فوعد الله الجنة للمؤمنين المجاهدين وعداً موثقاً وذكر تسعة أوصاف لهم فثبت أنهم كانوا كذلك ويفوزون بالجنة.

5- وقال الله في سورة الحج: {الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللَّه عاقبة الأمور} فقوله الذين إن مكناهم صفة لمن تقدم وهو قوله الذين أخرجوا، فيكون المراد به المهاجرين لا الأنصار لأنهم ما أخرجوا من ديارهم فوصف الله المهاجرين بأنه إن مكنهم في الأرض وأعطاهم السلطنة أتوا بالأمور الأربعة وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قد ثبت أن الله مكن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم في الأرض، فوجب كونهم آتين بالأمور الأربعة، وإذا كانوا كذلك ثبت كونهم على الحق، وفي قوله للّه عاقبة الأمور دلالة على أن الذي تقدم ذكره من تمكينهم في الأرض كائن لا محالة، ثم إن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه هو الذي لا يزول ملكه.

6- وقال الله تعالى في سورة الحج: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} فسمى الله في هذه الآية الصحابة بالمسلمين.

7- وقال الله تعالى في سورة النور: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} ولفظ "من" في قوله منكم للتبعيض وكم ضمير الخطاب فيدلان على أن المراد بهذا الخطاب بعض المؤمنين الموجودين في زمان نزول هذه السورة لا الكل، ولفظ الاستخلاف يدل على أن حصول ذلك الوعد يكون بعد الرسول ﷺ ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء، فالمراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة، والضمائر الراجعة إليهم في قوله ليستخلفنهم إلى قوله لا يشركون وقعت كلها على صيغة الجمع، والجمع حقيقة لا يكون محمولاً على أقل من ثلاثة، فتدل على أن هؤلاء الأئمة الموعود لهم لا يكونون أقل من ثلاثة وقوله ليمكنن لهم إلى آخره وعد لهم بحصول القوة والشوكة والنفاذ في العالم فيدل على أنهم يكونون أقوياء ذوي شوكة، نافذ أمرهم في العالم، وقوله دينهم الذي ارتضى لهم يدل على أن الدين الذي يظهر في عهدهم هو الدين المرضي للّه وقوله ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يدل على أنهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين، ولا يكونون في الخوف والتقية، وقوله يعبدونني لا يشركون بي شيئاً يدل على أنهم في عهد خلافتهم أيضاً يكونون مؤمنين لا مشركين. فدلت الآية على صحة إمامة الأئمة الأربعة رضي الله عنهم سيما الخلفاء الثلاثة أعني أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم، لأن الفتوحات العظيمة والتمكين التام وظهور الدين والأمن الذي كان في عهدهم لم يكن في عهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لاشتغاله بمحاربة أهل الصلاة في عهده الشريف، فثبت أن ما يتفوه به الشيعة في حق الثلاثة رضي الله عنهم أو الخوارج في حق عثمان وعلي رضي الله عنهما قول غير قابل للالتفات.

8- وقال الله تعالى في سورة الفتح في حق المهاجرين والأنصار الذين كانوا مع رسول الله ﷺ في صلح الحديبية: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليماً} فقال في حقهم أربعة أمور:

(الأول) إنهم شركاء للرسول في نزول السكينة. (والثاني) إنهم مؤمنون. (والثالث) إن كلمة التقوى لازمة غير منفكة عنهم. (والرابع) إنهم كانوا أحق بكلمة التقوى وأهلها، ولا شك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في هؤلاء المهاجرين فثبت لهما ولسائرهم هذه الأمور الأربعة، ومن اعتقد في حقهم غير هذه فعقيدته باطلة مخالفة للقرآن.

9- وقال الله تعالى أيضاً في سورة الفتح: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من أثر السجود}. فمدح الصحابة بكونهم أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم وكونهم راكعين، وساجدين، ومبتغين فضل الله ورضوانه، فمن اعتقد من مدعي الإسلام في حقهم غير هذا فهو مخطئ.

10- وقال الله تعالى في سورة الحجرات: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون}. فعلم أن الصحابة كانوا محبي الإيمان كارهي الكفر والفسق والعصيان وكانوا راشدين، فاعتقاد ضد هذه الأشياء في حقهم خطأ.

11- وقال الله تعالى في سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.

فمدح الله المهاجرين والأنصار بستة أوصاف: (الأول) أن هجرة هؤلاء المهاجرين ما كانت لأجل الدنيا بل كانت لأجل ابتغاء مرضات الله. (والثاني) أنهم كانوا ناصرين لدين الله ورسوله. (والثالث) أنهم كانوا صادقين قولاً وفعلاً. (والرابع) أن الأنصار كانوا يحبون من هاجر إليهم. (والخامس) إنهم كانوا يسرون إذا حصل شيء للمهاجرين. (والسادس) أنهم كانوا يقدمونهم على أنفسهم مع احتياجهم، وهذه الأوصاف الستة تدل على كمال الإيمان ومن اعتقد في حقهم غير هذا فهو مخطئ وهؤلاء الفقراء من المهاجرين كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة رسول الله والله يشهد على كونهم صادقين فوجب أن يكونوا صادقين في هذا القول أيضاً ومتى كان الأمر كذلك وجب الجزم بصحة إمامته.

12- وقال الله تعالى في سورة آل عمران: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.

فمدح الله الصحابة بثلاثة أوصاف: (الأول) أنهم خير أمة. (والثاني) أنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. (والثالث) أنهم كانوا مؤمنين بالله، وهكذا الآيات الأخر لكني لخوف التطويل أكتفي على اثني عشر موضعاُ على عدد الحواريين لعيسى عليه السلام وعدد الأئمة الطاهرين الاثني عشر رضي الله عنهم أجمعين.

وأنقل خمسة أقوال من أقوال أهل البيت عليهم السلام على عدد الخمسة الطاهرين عليهم السلام.

-[1] في نهج البلاغة الذي هو كتاب معتبر عند الشيعة قول علي رضي الله عنه هكذا: (للَّه در فلان فلقد 1: قوم الأود، 2: وداوي العمد، 3: وأقام السنة، 4: وخلف البدعة، 5: ذهب نقي الثوب، 6: قليل العيب، 7: أصاب خيرها، 8: وسبق شرها، 9: أدى إلى الله طاعته، 10: واتقاه بحقه رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيه الضال ويستيقن المهتدي) انتهى.

والمراد بفلان على مختار أكثر الشارحين منهم البحراني، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعلى مختار بعض الشارحين عمر الفاروق رضي الله عنه، فذكر علي رضي الله عنه عشرة أوصاف من أوصاف أبي بكر أو عمر رضي الله عنه فلا بد من وجودها، ولما ثبتت هذه الأوصاف له بعد مماته بإقرار علي رضي الله عنه فما بقي في صحة خلافته شك.

-[2] وفي كشف الغمة الذي هو تصنيف علي بن عيسى الأردبيلي الاثني عشري الذي هو من الفضلاء المعتمدين عند الإمامية (سئل الإمام جعفر عليه السلام عن حلية السيف هل يجوز، فقال: نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، فقال الراوي: أتقول هكذا، فوثب الإمام عن مكانه فقال: نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق - فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة). فثبت بإقرار الإمام الهمام أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صديق حق، منكره كاذب في الدنيا والآخرة.

-[3] ووقع في بعض مكاتيب علي رضي الله عنه على ما نقل شارحو نهج البلاغة في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هكذا: (لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لحرج في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما الله بأحسن ما عملا).

-[4] ونقل صاحب الفصول الذي هو من كبار علماء الإمامية الاثني عشرية عن الإمام الهمام محمد الباقر رضي الله عنه هكذا: (إنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان ألا تخبروني أنتم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله. قالوا: لا - قال: فأنتم من الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم. قالوا: لا - قال: أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.

فالخائض في الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم خارج عن الفرق الثلاث الذين مدحهم الله بشهادة الإمام الهمام رضي الله عنه. وفي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن العسكري رضي الله عنه وعن آبائه الكرام: (إن الله أوحى إلى آدم ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآل محمد وأصحاب محمد ما لو قسمت على كل عدد ما خلق الله من طول الدهر إلى آخره وكانوا كفاراً لأداهم إلى عاقبة محمودة وإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنة. وإن من يبغض آل محمد وأصحابه أو واحداً منهم يعذبه الله عذاباً لو قسم على مثل خلق الله لأهلكهم أجمعين).

فعلم أن المحبة ما يكون بالنسبة إلى الآل والأصحاب رضي الله عنهم لا بالنسبة إلى أحدهما وإن بغض واحد من الآل والأصحاب كاف للهلاك. نجانا الله من سوء الاعتقاد في حق الصحابة والآل رضوان الله عليهم أجمعين وأماتنا على حبهم، ونظراً إلى الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة اتفق أهل الحق على وجوب تعظيم الصحابة رضي الله عنهم.

(الشبهة الثانية) أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الحالات المحمدية والمعجزات الأحمدية بأعينهم وما سمعوا أقوال محمد ﷺ منه بلا واسطة بل سمعوها بالتواتر بعد مائة سنة أو مائتي سنة من وفاة محمد ﷺ وجمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار.

(والجواب) قد عرفت في الفصل الثالث أن الرواية اللسانية معتبرة عند جمهور أهل الكتاب واعتبارها ثابت من هذا الإنجيل المتداول، وأن فرقة بروتستنت تحتاج إلى اعتبارها في أمور كثيرة هي على إقرار (ماني سيك) الأسقف بمقدار ستمائة، وأن خمسة أبواب من سفر الأمثال جمعت من الروايات اللسانية، في عهد حزقيا بعد مدة مائتين وسبعين سنة من موت سليمان عليه السلام، وأن إنجيل مرقس ولوقا وتسعة عشر باباً من كتاب الأعمال كتبت بالرواية اللسانية وأن الأمر المهتم بشأنه يكون محفوظاً ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة، وأن التابعين كانوا شرعوا في تدوين الأحاديث في الكتب لكنهم دونوها على غير ترتيب أبواب الفقه، وأن طبقة تبع التابعين دونوها على ترتيبها، ثم إن البخاري وباقي مؤلفي الكتب الصحاح اقتصروا على ذكر الأحاديث الصحيحة وتركوا الضعاف وروى كل من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله ﷺ. وقد صُنف في أسماء الرجال فن عظيم الشأن يعلم به حال كل راوٍ من رواة الحديث، وكذا قد عرفت أن أهل الإسلام كيف يعتبرون الحديث الصحيح فلا يرد عليهم شيء، وقولهم سمعوها بالتواتر وأسقطوا مقدار النصف لعدم الاعتبار غلط لأنهم ما أسقطوا لعدم الاعتبار حديثاً من الأحاديث التي سمعوها بالتواتر لأن الحديث المتواتر عندهم واجب الاعتبار، نعم تركوا الضعاف التي لم تكن أسانيدها كاملة وتركها لا يضر كما قد عرفت.

في الباب الثاني من قول آدم كلارك: (إن هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية وكان (ثابري سيوس جمع) هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاث مجلدات) انتهى.

(الشبهة الثالثة) إن كل عاقل إذا ترك التعصب علم أن أكثر الأحاديث لا يمكن أن يكون معانيها صادقة مطابقة لما في نفس الأمر.

(والجواب) لا يوجد في الأحاديث الصحيحة شيء يكون مضمونه ممتنعاً عند العقل، وأما بعض المعجزات التي هي خلاف العادة، وبعض أحوال الجنة والجحيم والملائكة التي لا يوجد لها نظائر في هذه الدنيا فإن كان استبعادهم لها لأجل أنها ممتنعة بالبرهان فعليهم ذكر هذا البرهان وعلينا جوابه، وإن كان لأجل أنها خلاف العادة أو لا يوجد لها نظائر في هذا العالم فلا يضرنا لأن المعجزة لو كانت على مجرى العادة لا تكون معجزة، أليس صيرورة العصا ثعباناً وابتلاعها جميع تنانين السحرة ثم صيرورتها كما كانت بلا زيادة حجم، وهكذا جميع معجزات موسى عليه السلام على خلاف مجرى العادة، وقياس العالم الآخر على هذا العالم قياس مع الفارق، نعم لو قام البرهان القطعي على امتناع شيء يقطع بامتناعه في العالم الآخر أيضاً، وبدون قيام البرهان، لا يتجاسر على إنكاره في العالم الآخر، ألا يرون إلى اختلاف أحوال الأقاليم فإن بعض الأشياء توجد في بعض دون بعض، فمن كان من إقليم وسمع حال بعض الأشياء العجيبة المختصة بإقليم آخر يستبعد، بل كثيراً ما ينكر بشرط أن لا يكون سماعه بالتواتر.

وقد يكون بعض الأمور مستبعدة في بعض الأحيان دون بعض كما أن قطع هذه المسافة البحرية بهذه السرعة التي تقطع بالمراكب الدخانية، أو البرية التي تقطع بالعربيات الدخانية كان من المستبعدات عند الناس قبل إيجاد المراكب الدخانية، والعربيات الدخانية وكذا وصول الخبر في دقيقة أو دقيقتين إلى مسافة بعيدة بواسطة السلك المعروف كان من المستبعدات قبل إيجاده وما بقيت مستبعدة بعد اختراع هذه الأشياء وامتحانها.

لكن الإنصاف أن عادة المنكرين أنهم يغمضون عين الإنصاف ويحكمون على كل شيء يرى مستبعداً في آرائهم أنه محال، وتعلم علماء بروتستنت هذه العادة من أبناء صنفهم الذين يسمونهم الملاحدة، لكن العجيب من هؤلاء العلماء أنهم لا يرون أن كتبهم مملوءة بالأغلاط الصريحة كما نقلت بعضها على سبيل الأنموذج في الفصل الثالث من الباب الأول وأنهم ما تنبهوا باستبعادات أبناء صنفهم وعاملوا المسلمين بما عاملتهم أبناء صنفهم وقد كانت استبعادات أبناء صنفهم غالباً أقوى من استبعاداتهم الناقصة، وأنا أنقل بعض المواضع من المواضع التي يستهزؤون بها ويستبعدونها.. مثلاً:

[1] وقع في الباب الثاني والعشرين من كتاب العدد هكذا: 28: (ففتح الرب فم الأتانة وقالت لبلعام: ما الذي فعلت بك هذه ثلاث مرات قد ضربتني) 29: (فقال بلعام للأتان: لأنك استأهلت ذلك مني إلخ) 30: (فقالت الأتانة لبلعام: لست أنا أتانك التي تركب منذ كنت غلاماً إلى يومك هذا فهل فعلت بك مثل هذا فقال: لا).

قال هورن في الصفحة 636 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822: (إن الكفار من زمان قليل يستهزؤون بتكلم أتان بلعام) انتهى.

[2] ووقع في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول أن الغربان 2 كانت تجيب اللحم والخبز لإلياء الرسول إلى مدة وهذا الأمر ضحكة عند أبناء صنفهم حتى مال محققهم المشهور هورن إلى رأيهم وسفه مفسريهم ومترجميهم بوجوه ثلاثة كما عرفتها في الفصل الثالث من الباب الأول.

[3] ووقع في الباب الرابع من كتاب حزقيال هكذا وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844: [4]: (وأنت تنام على جانبك الأيسر وتجعل آثام بيت إسرائيل عليها على عدد أيام ترقد عليها وتتخذ إثمهم [5] أما أنا أعطيتك سني آثامهم على عدد أيام ثلثمائة وتسعين يوماً وتحمل إثم آل إسرائيل) 6: (ثم إذا كملت هذا تنام على جانبك اليمين ثانية وتتخذ إثم آل يهوذا أربعين يوماً إن يوماً عوض سنة جعلته لك) 7: (وتقبل بوجهك إلى محاصرة أورشليم وذراعك تكون مشدودة وتبني عليها) 8: (هوذ شددتك بوثاق ولا تلتفت من جانبك إلى الجانب الآخر حتى تتم أيام محاصراتك) 9: (وأنت خذ لك حنطة وشعيراً وفولاً وعدساً ودخناً وجاروس وتجعلهن في إناء واحد وتخبز لك خبزاً على عدد الأيام التي ترقد فيها على جانبك ثلثمائة وتسعين يوماً تأكله) 10: (وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن عشرين مثقالاً في كل يوم من وقت إلى وقت تأكله) 11: (وتشرب ماء بمقدار السدس من القسط من وقت إلى وقت تشربه) 12: (وكخبز ملة من شعير تأكله وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان في عيونهم).

فأمر الله حزقيال عليه السلام بثلاثة أحكام:

(الأول) أن يرقد على جانبه الأيسر ثلثمائة وتسعين يوماً ويحمل إثم آل إسرائيل ثم يرقد على جانبه الأيمن أربعين يوماً ويحمل إثم آل يهوذا.

(والثاني) أن يقبل بوجهه إلى محاصرة أورشليم ويكون ذراعه مشدودة ولا يلتفت من جانب إلى جانب آخر حتى تتم أيام المحاصرة.

(والثالث) أن يأكل إلى ثلثمائة وتسعين يوماً خبزاً ملطخاً ببراز الإنسان وأبناء صنفهم يستهزئون بهذه الأحكام ويستبعدون أن تكون من جانب الله، ويقولون إنها واهية بعيدة عن العقل ولا يأمر الله أن يأكل نبيه المقدس إلى مدة ثلثمائة وتسعين يوماً خبزاً ملطخاً ببراز الإنسان، أما كان الإدام غير هذا، إلا أن يقال إن البراز في حق الطاهرين يكون طاهراً كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم بولس في الآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى تيطس، على أن الله قد أخبر بواسطته (إن النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب والأب لا يحمل إثم الابن، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه) كما هو مصرح به في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتابه، فكيف أمره أن يحمل آثام إسرائيل ويهوذا إلى أربعمائة وثلاثين يوماً.

[4] ووقع في الباب العشرين من كتاب أشعيا أن الله أمره ان يكون عرياناً حافياً إلى ثلاث سنين ويمشي على هذه الحالة وأبناء صنفهم يستهزئون بهذا الحكم ويقولون استهزاءً، يأمر الله نبيه الذي يكون في قيد العقل ولا يكون مجنوناً أن يمشي مكشوف العورة الغليظة بين النساء والرجال إلى ثلاث سنين.

[5] ووقع في الباب الأول من كتاب هوشع أن الله أمره أن يأخذ لنفسه زوجة زانية وأولاد الزنا، ثم وقع في الباب الثالث من الكتاب المذكور أن يتعشق بامرأة فاسقة محبوبة لزوجها، وقد وقع في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر الأحبار هكذا: (ولا يتزوج الكاهن إلا امرأة عذراء ولا يتزوج أرملة ولا مطلقة ولا منجسة بالزنا فلا يتزوج من هؤلاء البتة بل يتزوج عذراء من قومه).

وفي الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: (كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه) فكيف أمر الله نبيه بما ذكر، وهكذا استبعادات أخر فمن شاء فليرجع إلى كتب أبناء صنفهم.

(الشبهة الرابعة) الأحاديث الكثيرة مخالفة للقرآن لأنه وقع في القرآن أن محمداً ﷺ ما ظهر منه معجزة وفي الأحاديث أنه صدر منه معجزات كثيرة وأنه وقع في القرآن أن محمداً ﷺ كان مذنباً، وفي أكثر الأحاديث أنه كان معصوماً، وأنه وقع في القرآن أن محمداً ﷺ كان في الابتداء في الجهل والضلالة كقوله في سورة الضحى: {ووجدك ضالاً فهدى} وكقوله في سورة الشورى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا} وفي الأحاديث أنه تولد في الإيمان ولذلك ظهرت منه معجزات كثيرة. هذا غاية جهدهم في إثبات المخالفة بين القرآن والأحاديث.

(والجواب) أن الأمرين الأولين لما كانا من أعظم مطاعن النبي ﷺ أردت أن أتعرض لهما في الباب السادس في المطاعن وأجيب عنهما هناك فانتظر.

(والجواب عن الثالث) أن الضال في الآية الأولى ليس المراد به الضال عن الإيمان ليكون بمعنى الكافر فيرد اعتراضهم بل في تفسير هذه الآية وجوه:

(الأول) ما روي مرفوعاً أنه عليه الصلاة والسلام قال ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع وكاد الجوع يقتلني فهداني الله.

(والثاني) أن معناها وجدك ضالاً عن شريعتك أي لا تعرفها إلا بإلهام أو وحي فهداك إليها تارة بالوحي الجلي وأخرى بالخفي وهو مختار البيضاوي والكشاف والجلالين. في البيضاوي ووجدك ضالاً عن علم الحكم والأحكام فهدى، فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر وجاء بهذا المعنى في حق موسى عليه السلام أيضاً في قوله تعالى: {فعلتها إذاً وأنا من الضالين}.

(والثالث) أنه يقال ضل الماء في اللبن إذ صار مغموراً، فمعنى الآية كنت مغموراً بين الكفار بمكة فقواك الله تعالى حتى أظهرت دينه. وجاء بهذا المعنى في قوله تعالى: {أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد}.

(والرابع) أن معناها كنت ضالاً عن النبوة ما كنت تطمع ولا خطر شيء في قلبك منها، فإن اليهود والنصارى كانوا يزعمون أن النبوة في بني إسرائيل فهديتك إلى النبوة التي ما كنت تطمع فيها البتة.

(والخامس) أن معناها وجدك ضالاً عن الهجرة لعدم نزول الإذن فهداك بالإذن.

(والسادس) أن العرب تسمي الشجرة في الفلاة ضالة كأنه تعالى يقول كانت تلك البلاد كالمفازة ليس فيها شجرة تحمل ثمر الإيمان إلا أنت فأنت شجرة فريدة في مفازة الجهل فوجدتك ضالاً فهديت بك الخلق ونظيره قوله عليه السلام الحكمة ضالة المؤمن.

(والسابع) أن معناها وجدك ضالاً عن القبلة فإنه كان يتمنى أن تجعل الكعبة قبلة له وما كان يعرف أن ذلك يحصل له أم لا فهدى الله بقوله: {فلنولينك قبلة ترضاها} فكأنه سمى ذلك التحير بالضلال.

(والثامن) الضلال بمعنى المحبة كما في قوله تعالى: {إنك لفي ضلالك القديم} أي محبتك ومعناه أنك محب فهديتك إلى الشرائع التي بها تتقرب إلى خدمة محبوبك.

(والتاسع) أن معناها وجدك ضالاً أي ضائعاً في قومك كانوا يؤذونك ولا يرضون بك رعية فقوى أمرك وهداك إلى أن صرت والياً عليهم..

(والعاشر) أن معناها ما كنت تهتدي على طريق السماوات فهديتك إذ عرجت بك إليها ليلة المعراج.

(والحادي عشر) أن معناها وجدك ضالاً أي ناسياً فهدى أي ذكرك وذلك أنه ليلة المعراج نسي ما يجب أن يقال بسبب الهيبة فهداه الله تعالى إلى كيفية الثناء حتى قال لا أحصي ثناء عليك وجاء الضلال بهذا المعنى في قوله تعالى: {أن تضل إحداهما}.

(والثاني عشر) قال الجنيد قدس سره: وجدك متحيراً في بيان ما أنزل عليك فهداك لبيانه لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ويؤيده قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} وقوله عز وجل: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً}.

وعلى كل تقدير لا تمسك لهم بهذه الآية ويجب تفسير الآية بالوجوه التي ذكرتها وبأمثالها التي ذكرها المفسرون لقوله تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} إذ المراد به نفي الضلالة والغواية في أمور الدين بلا شبهة ومعناه ما كفر ولا أقل من ذلك فما فسق.

والمراد في الآية الثانية بالكتاب القرآن وبالإيمان تفاصيل شرائع الإسلام. ومعنى الآية ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا الفرائض والأحكام، وهذا حق لأن النبي ﷺ كان قبل الوحي مؤمناً بتوحيد الرب إجمالاً وما كان عارفاً بتفاصيل الإسلام بل صار عارفاً بعد الوحي أو المراد بالإيمان الصلاة كما في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم فمعنى الآية ما كنت تدري ما الكتاب أي القرآن ولا الإيمان أي الصلاة وما كان رسول الله ﷺ عالماً بكيفية هذه الصلاة المشروعة في ملته قبل النبوة أو المراد بالإيمان أهل الإيمان على حذف المضاف أي ما كنت تدري ما الكتاب ومن أهل الإيمان يعني من الذي يؤمن بك.

وحذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة أيضاً، الآية الثانية والعشرون من الزبور الثامن والسبعين هكذا: (من أجل ذلك سمع الرب فغضب واشتعلت النار في يعقوب وطلع السخط على إسرائيل).

وفي الآية الرابعة من الباب السابع عشر من كتاب أشعيا هكذا: (يضعف مجد يعقوب ويهزل سمن جسمه).

وفي الباب الثالث والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 22: (لا دعوتني يعقوب ولن تتعب لأجلي إسرائيل) 28: (فنجست الرؤساء القديسين وجعلت يعقوب قتلاً وإسرائيل تجديفاً).

وفي الباب الثالث من كتاب أرمياء هكذا: 6: (وقال لي الرب في أيام يوسيا الملك هل رأيت ما فعلته معاصية إسرائيل انطلقت لنفسها إلى كل جبل رفيع وتحت كل شجرة مورقة وزنت هناك) 7: (فقلت بعد ما فعلت هذه جميعها ارجعي إلي ولم ترجع فرأت أختها يهوذا الفاجرة) 8: (لأن من أجل أن زنت إسرائيل المعاصية فأنا طلقتها ودفعت إليه كتاب طلاقها فلم تخف يهوذا أختها الفاجرة بل ذهبت وزنت هي أيضاً) 11: (وقال لي الرب قد بررت نفسها إسرائيل المعاصية بمقابلة يهوذا الفاجرة) 12: (ارجعي يا إسرائيل المعاصية) وفي الباب الرابع من كتاب هوشع هكذا: 15: (إن كنت يا إسرائيل أنت تزني فلا يأثم يهوذا) إلخ 16: (لأن إسرائيل كبقرة شاغبة) إلخ 17: (صاحب الأوثان إفرام) إلخ وفي الباب الثامن من كتاب هوشع هكذا: 3: (أرذل إسرائيل الخير) إلخ 8: (ابتلع إسرائيل الآن صار في الأمم كإناء نجس إفرام أكثر مذابح للخطية) إلخ، (ونسي إسرائيل خالقه) إلخ.

ففي هذه العبارات يجب حذف المضاف وإلا يلزم والعياذ بالله أن يكون يعقوب عليه السلام مغضوباً عليه وضعيف المجد وغير داع للّه وقتلاً وتجديفاً ومعاصية زانية تحت كل شجرة وغير راجع إلى الله وكبقرة شاغبة ومرذل الخير وكإناء نجس وناسياً لخالقه.

(الشبهة الخامسة) الأحاديث مختلفة.

(والجواب) أن الاعتبار عندنا للأحاديث الصحيحة المروية في كتب الصحاح والأحاديث التي هي مروية في كتب غير معتبرة لا اعتبار لها عندنا ولا تعارض الصحيحة كما أن الأناجيل الكثيرة الزائدة على السبعين في القرون الأولى لا تعارض عند المسيحيين هذه الأناجيل الأربعة.

والاختلاف الذي يوجد في الأحاديث الصحيحة يرتفع غالباً بأدنى تأويل وليس ذلك الاختلاف مثل الاختلاف الذي يوجد في روايات كتبهم المقدسة إلى الآن كما عرفت مائة وأربعة وعشرين منها في الباب الأول ولو نقلنا عن كتبهم المقبولة الاختلافات التي تكون مثل اختلاف يثبتونه في بعض الأحاديث الصحيحة قلما يخرج باب يكون خالياً عن مثل هذا الاختلاف.

والذين تسميهم علماء بروتستنت ملاحدة نقلوا كثيراً من هذه الاختلافات في كتبهم واستهزؤوا بها، فمن شاء فليرجع إلى كتبهم.


[خمسون اختلافاً نقلوها في ذات الله وصفاته عن كتب العهدين]

وأنقل أيضاً بطريق الإنموذج عن كتاب جان كلارك المطبوع سنة 1839 في لندن وكتاب اكسيهومو المطبوع سنة 1813 في لندن وغيرهما خمسين اختلافاً نقلوها في ذات الله وصفاته عن كتب العهدين وأكتفي على نقل هذه الاختلافات. لأن المعترضين هداهم الله تعالى وإن جاوزوا فيها حد الأدب لكن هذه المجاوزة أقل من المجاوزة التي توجد في كلامهم عند التشنيع على الأنبياء عليهم السلام سيما وقت التشنيع على مريم وعيسى عليهما السلام كما ستعرفه في الاختلاف الرابع والعشرين من القول الذي أنقله طردوا، إنما نقلت هذه الاعتراضات لتحصل البصيرة للناظر أن اعتراضات علماء بروتستنت على الأحاديث النبوية أضعف من اعتراضات أبناء صنفهم على مضامين كتبهم المقدسة وما نقلتها لأجل أنها مستحسنة عندي بل أتبرأ من أكثر خرافات الفريقين ونقل الكفر ليس بكفر.

(1) الآية الثامنة من الزبور المائة والخامس والأربعين هكذا: (الرب حنان رحوم بطيء عن الغضب وعظيم النعمة) والآية التاسعة عشر من الباب السادس من سفر صموئيل الأول هكذا: (وضرب الرب من أهل بيت شمس لأنهم رأوا تابوت الرب وضرب من الشعب خمسين ألف رجل وسبعين) فانظروا إلى شدة رحمته وبطء غضبه أنه قتل خمسين ألف رجل وسبعين من قومه الخاص على خطأ خفيف.

(2) الآية العاشرة من الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: (وجده في الأرض القفر في المكان المخيف والبرية المتسعة طاف به وعلمه وحفظه مثل حدقة عينه) وفي الباب الخامس والعشرين من سفر العدد 3 (وقال الله لموسى انطلق برؤساء الشعب كلهم وصلبهم قدام الله تلقاء الشمس فترتد شدة غضبي عن إسرائيل) 9 (وكان من مات أربعة وعشرون ألفاً من البشر) فانظروا إلى حفظه الشعب مثل حدقة عينه أنه أمر موسى بصلب رؤساء الشعب كلهم وأهلك منهم أربعة وعشرين ألفاً.

(3) الآية الخامسة من الباب الثامن من سفر الاستثناء هكذا: (أحسب في قلبك أنه كما أن الرجل يؤدب ابنه كذلك أدبك الرب إلهك) والآية الثانية والثلاثون من الباب الحادي عشر من سفر العدد هكذا: (واللحم إلى هذا الحين كان بين أسنانهم ولم يفرغوا من أكله فإذا غضب الرب اشتد على الشعب فضربه ضربة عظيمة جداً) فانظروا إلى تأديبه كتأديب الأب ابنه أن هؤلاء المفلوكين لما حصل لهم اللحم وشرعوا في الأكل ضربهم ضربة عظيمة.

(4) في الآية الثامنة عشر من الباب السابع من كتاب ميخا في حق الله هكذا: (أنه مريد الرحمة) وفي الباب السابع من سفر الاستثناء في حق سبعة شعوب عظيمة هكذا: 2 (يسلمهم الرب إلهك بيدك فاضربهم حتى أنك لا تبقي منهم بقية فلا تواثقهم ميثاقاً ولا ترحمهم) 16 (فتبتلعالشعوب جميعهم الذين الرب إلهك يعطيك إياهم فلا تعف عنهم عيناك) إلخ. فانظروا إلى كونه مريد الرحمة أنه أمر بني إسرائيل بقتل سبعة شعوب عظيمة وعدم الرحمة عليهم وعدم العفو عنهم.

(5) في الآية الحادية عشر من الباب الخامس من رسالة يعقوب هكذا: (ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف). والآية السادسة عشر من الباب الثالث عشر من كتاب هوشع هكذا: (فلتهلك سامرة لأنها بغت على إلهها فيبادون بالسيف وأطفالهم ينطرحون وحبالهم تشقق بطونهن). فانظروا إلى كثرة رأفته في حق الأطفال والحبالى.

(6) في الآية الثالثة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (أنه من قلبه لا يؤذي بني آدم ولا يحزنهم)، لكن عدم إيذائه بني آدم وعدم تحزينهم بمرتبة أنه أهلك الأشدوديين بالبواسير كما هو مصرح به في الباب الخامس من سفر صموئيل الأول، وأهلك ألوفاً من عساكر الملوك الخمسة بإمطار الحجارة الكبيرة من السماء حتى كان الذين ماتوا بالحجارة أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف كما هو مصرح به في الباب العاشر من كتاب يوشع، وأهلك كثيراً من بني إسرائيل بإرسال الحيات كما هو مصرح به في الباب الحادي والعشرين من سفر العدد.

(7) في الآية الحادية والأربعين من الباب السادس عشر من سفر الأيام الأول هكذا: (أن فضله أبدي) والآية التاسعة من زبور المائة والخامس والأربعين هكذا: (الرب صالح للكل ورأفته على جميع خلقه) لكن أبدية فضله وعموم رأفته على جميع الخلق بمرتبة أنه أهلك جميع الحيوانات والإنسان غير أهل السفينة في عهد نوح عليه السلام بإرسال الطوفان وأهلك أهل سادوم وعاموره ونواحيها بإمطار الكبريت والنار من السماء كما هو مصرح به في الباب السابع والتاسع عشر من سفر التكوين.

(8) الآية السادسة عشر من الباب الرابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (لا تقتل الآباء عوض الأبناء ولا الأبناء بدل الآباء ولكن كل واحد يموت بذنبه). وفي الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الثاني أن داود عليه السلام سلم سبعة أشخاص من أولاد شاول بأمر الرب بأيدي أهل جيعون ليقتلوهم بخطأ شاول فصلبوهم وقد كان داود عليه السلام عاهد شاول وحلف أن لا يهلك ذريته بعد موته كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الأول فوجد نقض العهد أيضاً بأمر الله.

(9) في الآية السابعة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (يجازى الأبناء وأبناؤهم بإثم آبائهم إلى ثلاثة وأربعة أجيال) وفي الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (النفس التي تخطئ فهي تموت والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه وشر الشرير يقع عليه). فيعلم منه أن الأبناء لا يحملون إثم الآباء إلى جيل واحد فضلاً عن أربعة أجيال وهذا الحمل لو كان إلى أربعة أجيال فقط كان مغتنماً لكن الإله الأب نقض هذا الحكم أيضاً وأمر بحمل إثم الآباء على الأبناء بعد أجيال كثيرة أيضاً.

في الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (هكذا يقول الرب الصباووت إني ذكرت كل ما صنع عماليق بإسرائيل أنه قاومه في الطريق حيث صعدوا من مصر 3 فالآن اذهب فاضرب عماليق وأهلك جميع ما لهم ولا ترحمهم ولا ترغب من مالهم شيئاً بل اقتل من الرجال والنساء والغلمان حتى الأطفال والبقر والغنم والحمير أيضاً). فانظروا إنه ذكر بقوة حافظته بعد أربعمائة سنة ما صنع عماليق بإسرائيل فأمر بعد هذه المدة بالانتقام من أولادهم وقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم الصغار جداً ومواشيهم من البقر والغنم والحمير ولما لم يعمل شاول على أمره الشريف ندم على جعله ملكاً وترقى ابنه الوحيد الإله الثاني فأمر بحمل إثم الآباء على الأبناء بعد أربعة آلاف سنة.

في الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى قول هذا الإله الثاني في خطاب اليهود هكذا: (يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح الحق أقول لكم أن هذا كله يأتي على هذا الجيل) ثم ترقى الأب الإله الأول وتخيل أن إثم آدم محمول على أولاده إلى هذه المدة وقد مضت أزيد من أربعة آلاف وثلاثين سنة وقد مضى من آدم إلى يسوع خمس وسبعون جيلاً على ما صرح به لوقا في الباب الثالث من إنجيله ورأى أن أولاد آدم كلهم مستحقون للنار لو لم تكن الكفارة كاملة جيدة وما رأى غير ابنه الإله الثاني حرياً بها بأن يصلب من أيدي أرذل أقوام الدنيا وهم اليهود، وما ظهر له طريق النجاة غير هذا فأمره أن يصلب وتركه ولم يغثه في شدته حتى صرح لأجل شدة العذاب ونادى الأب إلهي إلهي لماذا تركتني ثم صرخ ثانياً ومات وبعد موته صار ملعوناً ودخل الجحيم (والعياذ بالله). على أنه لم يثبت من كتاب من كتب العهد العتيق أن زكريا بن برخيا قتل بين الهيكل والمذبح. نعم صرح في الباب الرابع والعشرين من سفر الأيام الثاني أن زكريا بن يهويا داع الحبر قتل في صحن بيت الرب في عهد بواش الملك ثم عبيد الملك قتلوه بانتقام دم زكريا فحرف الإنجيل يهويا داع ببرخيا ولعل لوقا لأجل ذلك اكتفى في الباب الحادي عشر من إنجيله على اسم زكريا ولم يذكر اسم أبيه فانظروا إلى هذه الأمور التسعة كيف يثبت منها رحمة الله تعالى.

(10) في الآية الخامسة من الزبور الثلاثين هكذا: (أن غضبه لحظة) وفي الآية الثالثة عشر من الباب الثاني والثلاثين من سفر العدد هكذا: (فاشتد غضب الرب على بني إسرائيل فأتاهم في القفار أربعين سنة حتى باد ذلك الخلف كله وهلك أولئك الذين أساؤوا قدامه) فانظروا إلى غضبه اللحظي أنه كيف عامل بني إسرائيل.

(11) في الآية الأولى من الباب السابع عشر من سفر التكوين: (أنا الله القادر) وفي الآية التاسعة عشر من الباب الأول من كتاب القضاة هكذا: (وكان الرب مع يهوذا وورث الجبال ولم يستطع يستأصل أهل الوادي لأن كانت لهم مراكب كثيرة من حديد) فانظروا إلى قدرته أنه لم يقدر على استئصال أهل الوادي لكونهم ذوي مراكب كثيرة من حديد.

(12) في الآية السابعة عشر من الباب العاشر من سفر الاستثناء هكذا: (أن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب إله عظيم جبار). والآية الثالثة عشر من الباب الثاني من كتاب عاموص هكذا ترجمة عربية سنة 1844: (ها أنا ذا أصر من تحتكم كما تصر العجلة المحملة حشيشاً) ترجمة فارسية سنة 1838: (ابنك من درزير شما جسبيده شدم جنانجه أرابه برازاقد جسبيده مي شود) انظروا إلى عظمته وجباريته أنه صر تحت بني إسرائيل كما تصر العجلة المحملة حشيشاً.

(13) في الآية الثامنة والعشرين من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (الرب الذي خلق أطراف الأرض لا يضعف ولا يتعب) والآية الثالثة والعشرون من الباب الخامس من كتاب القضاة هكذا: (العنوا أرض ما روض قال ملاك الرب العنوا سكانها لأنهم لم يأتوا إلى معونة الرب في مقابلة الأقوياء). فانظروا إلى عدم ضعفه أنه كان محتاجاً إلى الإعانة في مقابلة الأقوياء ويلعن من لم يجيء لإعانته، ووقع في الآية التاسعة من الباب الثالث من كتاب ملاخيا هكذا: (صرتم ملعونين باللعنة لأنكم نعم هذا القوم كلهم نهبوني). وهذا أيضاً يدل على أن بني إسرائيل نهبوه فيلعنهم وظهر من هذه الأمثلة الأربعة حال قدرته.

(14) الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من سفر الأمثال هكذا: (عينا الرب في كل مكان يترقبان الصالحين والطالحين) وفي الآية التاسعة من الباب الثالث من سفر التكوين هكذا: (فدعا الرب الإله آدم وقال له أين أنت). فانظروا إلى ترقب عينه في كل مكان أنه احتاج إلى الاستفهام من آدم حين اختفى في وسط شجرة الفردوس.

(15) في الآية التاسعة من الباب السادس عشر من سفر الأيام الثاني هكذا: (عينا الرب محيطتان بكل الأرض) والآية الخامسة من الباب الحادي عشر من سفر التكوين هكذا: (فنزل الرب لينظر المدينة والبرج الذي كان يبنيه بنو آدم).

فانظروا إلى إحاطة عينيه بكل الأرض أنه احتاج إلى النزول والنظر ليعلم حال المدينة والبرج.

(16) الآية الثانية من الزبور المائة والتاسع والثلاثين هكذا: (وميزت سعيي وسكوني وأطلعت على طرقي كلها) يعلم منه أن الله عالم طرق العباد كلها وأفعالهم وفي الباب الثامن عشر من سفر التكوين هكذا: 2 (فقال الرب أن صراخ سادوم وعاموره قد كثر وخطيتهم ثقلت جداً) 21 (أنزل أنظر أن فعلهم يشاكل الصراخ الآتي أم لا لأعلم ذلك). فانظروا إلى كونه عالم طرق العباد وأفعالهم كلها أنه احتاج إلى النزول والنظر ليعلم أن فعل أهل سادوم وعاموره يشاكل الصراخ الواصل إليه أم لا.

(17) الآية الخامسة من الزبور المذكور هكذا: (فما أعجب هذا العلم عندي فهو أرفع من أن أدركه)، وفي الآية الخامسة من الباب الثالث والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (أما الآن فاعزلوا عنكم زينتكم فاعلم ما أفعله بكم). فانظروا إلى علمه الخارج عن الإدراك أنه لم يعلم ما يفعل بهم ما لم يعزلوا زينتهم والآية الرابعة من الباب السادس عشر من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لموسى إني أمطر عليكم خبزاً من السماء فليخرج الشعب ويلقطوا يوماً بيوم طعامهم من أجل أني أمتحنهم) والآية الثانية من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: (واذكر كل الطريق الذي ساسك به الرب إلهك أربعين سنة في القفار ليعذبك ويبتليك وبيان كل ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا).

فالرب محتاج إلى الامتحان ليعلم ما في قلوبهم فامتحنهم بإمطار الخبز وبسياستهم أربعين سنة في القفار فعلم من هذه الأمثلة الستة حال كونه عالم الغيب).

(18) في الآية السادسة من الباب الثالث من كتاب ملاخيا هكذا: (فإني أنا الرب ولا أتغير). وفي الباب الثاني والعشرين من سفر العدد هكذا: 20 (فأتى الله بلعام في الليل وقال له إن كان هؤلاء القوم إنما جاؤوا ليدعوك فانطلق معهم ولكن لا تفعل إلا الذي أقوله لك 21 فقام بلعام غدوة وركب أتانة وانطلق مع عظماء مواب 22 فغضب الله عليه لما ذهب) الخ. فانظروا إلى عدم تغيره أنه أتى في الليل وأمر بلعام بالانطلاق مع عظماء مواب ولما فعل بلعام ما أمر غضب عليه.

(19) في الآية السابعة عشر من الباب الأول من رسالة يعقوب هكذا: (ليس عنده تغير ولا ظل دوران) وقد أمر بمحافظة السبت في أكثر المواضع من كتب العهد العتيق وصرح في كثير منها أنه أبدي والقسيسون بدلوا السبت بالأحد فيلزم عليهم الاعتراف بأنه متغير.

(20) في الباب الأول من سفر التكوين وقع في حق السماء والكواكب والحيوانات أنها حسنة وفي الآية الخامسة عشر من الباب الخامس عشر من كتاب أيوب هكذا: (والسماء ليست بظاهرة قدامه) وفي الآية الخامسة من الباب الخامس والعشرين هكذا: (والكواكب لا تزكو بين يديه) ووقع في الباب الحادي عشر من سفر الأحبار في حق كثير من البهائم والطيور وحشرات الأرض أنها قبيحة محرمة.

(21) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (فاسمعوا يا بيت إسرائيل، طريقي ليس بمستقيم أم لا ليس بالحري أن طرقكم خبيثة). وفي الباب الأول من كتاب ملاخيا هكذا: 2 (أني أجبتكم قال الرب وقلتم في أي شيء أجبتنا أليس إنه عيسو أخ ليعقوب، يقول الرب وأحببت يعقوب) 3 (وبغضت عيسو وجعلت جباله قفراً وميراثه لتنانين البرية) انظروا إلى استقامة طريقه أنه بغض عيسو بلا سبب وجعل جباله قفراً وميراثه لتنانين البرية.

(22) في الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من المشاهدات هكذا: (أيها الرب الإله القادر على كل شيء طرفك عادلة وحق).

والآية الخامسة والعشرون من الباب العشرين من كتاب حزقيال هكذا: إذا أعطيتهم أنا وصايا غير حسنة وأحكاماً لا يعيشون بها.

(23) الآية الثامنة والستون من الزبور المائة والتاسع عشر هكذا: (رب إنك صالح ومصلح فعلمني سننك) والآية الثالثة والعشرون من الباب التاسع من كتاب القضاة هكذا: (وسلط الرب روحاً ردياً بين أبي مالك وسكان شخيم وبدوا يبغضوه) فانظروا إلى إصلاحه أنه سلط الروح الرديء لهيجان الفتنة.

(24) يوجد في الآيات الكثيرة حرمة الزنا ولو فرض أن القسيسين صادقون في قولهم يلزم أن الرب نفسه زنى بزوجة يوسف النجار المسكين فحملت من هذا الزنا (والعياذ بالله). والملاحدة في هذا الموضع يتجاوزون عن الحد ويستهزئون استهزاءً بليغاً بحيث تقشعر منه جلود المؤمنين، وأنا أنقل لتنبه الناظر ما قال صاحب اكسيهومو وأحذف استهزاءه. قال هذا الملحد في الصفحة 44 من كتابه المطبوع سنة 1813: (ذكر في إنجيل) اسمه تي تي وتي أف ميري ويعد في هذا الزمان من الأناجيل الكاذبة أن مريم عليها السلام كانت محررة لخدمة بيت المقدس وكانت هناك إلى أن بلغت ست عشرة سنة واختار فادر جيروم زاوير هذا المذكور بعد ما اعتقد صحته فحينئذ يحتمل أن مريم حبلت من كاهن من كهنة البيت وهو علمها أن تقول أني حبلت من روح القدس) انتهى. ثم استهزأ هذا الملحد بتحرير لوقا استهزاءً بليغاً فقال: إن هذا الحال ثبت عند اليهود هكذا: (أن ولد عسكري كان يحبها ومن حركته الشنيعة تولد مسيح اليسوعيين فسخط عليها يوسف النجار لأجل هذا الأمر وترك هذه الزوجة الخائنة وذهب إلى بابل وذهبت مريم مع يسوع إلى مصر وتعلم يسوع هناك النيرنجات وجاء بعد تعلمها إلى اليهودية ليريها الناس) انتهى. ثم قال: (اشتهرت الحكايات الكذائية الواهية الكثيرة بين الوثنيين مثل أنهم يعتقدون أن إلههم منرو تولد من دماغ جوبتر وكان بي كس في فخذ جوبتر، وإله أهل الصين فتولد من العذراء التي حبلت من شعاع الشمس) انتهى ملخصاً.

ويناسب هذا المقام حكاية نقلها جان ملنر في كتابه المطبوع سنة 1838: (ادعت جؤانا سوأت كوت الإلهام قبل هذا الزمان بمدة قليلة وقالت: إني أنا الامرأة التي قال الله في حقها في الآية الخامسة عشر من الباب الثالث من سفر التكوين: (هي تستحق رأسك). ووقع في حقها في الباب الثاني عشر من المشاهدات هكذا: [1] وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها أكليل من اثني عشر كوكباً [2] وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وإني حبلت من عيسى عليه السلام وتبعها كثير من المسيحيين وحصل لهم من هذا الحمل فرح كثير وصنعوا أظرف الذهب والفضة) انتهى كلامه. لكنا ما سمعنا أنها ولدت من هذا الحمل ولداً مباركاً أم لا وفي الصورة الأولى هل حصلت رتبة الألوهية لهذا الولد السعيد مثل أبيه أم لا، وفي صورة الحصول هل بدل في معتقدية اعتقاد التثليث بالتربيع أم لا، وكذا هل بدل لقب الله الأب بالجد أم لا.

(25) في الآية التاسعة عشر من الباب الثالث والعشرين من سفر العدد هكذا: (ليس الله برجل فيكذب ولا ابن لإنسان فيندم).

وفي الباب السادس من سفر التكوين هكذا: 6 فندم على عمله الإنسان على الأرض فتأسف بقلبه داخلاً 7 وقال فامحوا البشر الذي خلقته عن وجه الأرض من البشر حتى الحيوانات من الدبيب حتى طير السماء لأني نادم أني عملتهم.

(26) الآية التاسعة والعشرون من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فإن عزيز إسرائيل لا يكذب ولا يندم) لأنه ليس بإنسان فيندم. وفي الباب المذكور هكذا: 10: (وكان قول الرب على صموئيل قائلاً 11 ندمت على أني صيرت شاول ملكاً) الخ 35، الرب أسف على أنه ملك شاول.

(27) في الآية الثانية والعشرين من الباب الثاني من سفر الأمثال هكذا: (من الشفة الكاذبة نفرة للرب). وفي الباب الثالث من سفر الخروج هكذا: 17 (وقلت إني أصعدكم من استعباد أهل مصر إلى أرض الكنعانيين والحبشيين والأموريين والفرزيين والحوريين واليابوسيين إلى الأرض التي تجري لبناً وعسلاً) 18 (وهم يسمعون صوتك وتدخل أنت وشيوخ إسرائيل إلى ملك مصر وتقول له الرب إله العبرانيين دعانا فنمضي مسيرة ثلاثة أيام في البرية لكي نذبح ذبيحة للرب إلهنا). والآية الثالثة من الباب الخامس من السفر المذكور فقالا: أي موسى وهارون له أي لفرعون: (إله العبرانيين دعانا لنذهب مسيرة ثلاثة أيام في البرية ونذبح ذبائح للرب إلهنا لئلا يصيبنا وباء أو حرب).

وفي الآية الثانية من الباب الحادي عشر من السفر المذكور قول الله تعالى في خطاب موسى عليه السلام هكذا: (فتحدث في مسمع الشعب أن يسأل الرجل صاحبه والمرأة من صاحبتها أواني فضة وأواني ذهب). والآية الخامسة والثلاثون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج هكذا: (وفعل بنو إسرائيل كما أمر موسى واستعاروا من المصريين أواني فضة وذهب وشيئاً كثيراً من الكسوة). فانظروا إلى نفرته من الكذب أنه أمر موسى وهارون أن يكذبا عند فرعون فكذبا وكذلك كذب كل رجل وكل امرأة وأمر بالخداع وأخذ كل مال جاره بالخديعة وتصرف به، وقد أمر في مواضع من التوراة بأداء حق الجار، أيكون أداء حقه كما أمر وقت خروجهم وأيليق بالله أن يعلمهم الغدر والخيانة. وفي الباب السادس عشر من سفر صموئيل الأول (قال الرب لصموئيل: املأ قرنك دهناً وتعال أبعثك إلى أيسي الذي من بيت لحم فإني قد رأيت لي في بنيه ملكاً) قال صموئيل: كيف أذهب فيسمع شاول فيقتلني. فقال الرب: خذ بيدك عجلة من البقر وقل إني جئت لأقرب ذبيحة للرب. فصنع صموئيل كما أمر الرب وأتى إلى بيت لحم) انتهى ملخصاً. فأمر الله صموئيل أن يكذب لأنه كان أرسله لمسح داود وجعله سلطاناً لا للذبح، وعرفت في جواب الشبهة الثالثة في الفصل الثاني من هذا الباب أن الله أرسل روح الضلالة ليقع في أفواه نحو أربعمائة نبي كذبة (ويضلهم فيكذبون) فمن هذه الأمثلة الأربعة يظهر نفرته من الشفة الكاذبة.

(28) الآية السادسة والعشرون من الباب العشرين من سفر الخروج هكذا: (لا تصعد على مذبحي بدرج لئلا تنكشف عليه عورتك).

فعلم منه أنه لا يجب انكشاف عورة الرجل فضلاً عن عورة الامرأة. وفي الآية السابعة عشر من الباب الثالث من كتاب أشعيا: (الرب يقلع عورات بنات صهيون). وفي الباب السابع والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 2 (خذي الرحى واطحني دقيقاً أعرى عارك اكشفي كتفك أظهري ساقيك جوزي الأنهار) 3 (ينكشف عيبك ويظهر عارك أنتقم ولا يقاومني بشر). والآية الثامنة عشر من الباب العشرين من سفر التكوين هكذا: (لأن الرب أعقم جميع من في بيت أبي مالك من أجل سارة امرأة إبراهيم). والآية الحادية والثلاثون من الباب التاسع والعشرين هكذا: (فلما رأى الرب أن ليا مبغوضة فتح رحمها وكانت راحيل عاقراً). والآية الثانية والعشرون من الباب الثلاثين من السفر المذكور هكذا: (فذكر الرب راحيل واستجاب لها وفتح رحمها). فانظروا إلى نفرته من كشف عورة الرجال ورغبته إلى قلع عورات النساء وأعرائهن وفتح أرحامهن وسدها.

(29) في الآية الرابعة والعشرين من الباب التاسع من كتاب أرمياء هكذا: (أنا الرب الصانع الرحمة والقضاء والعدل في الأرض).

وقد عرفت حال ارتضائه بالرحمة والصدق فاعرف حال عدله في الباب الحادي والعشرين من كتاب حزقيال هكذا: [3] (وتقول لأرض إسرائيل هكذا: (يقول الرب الإله ها أنا ذا إليك وأسل سيفي من غمده وأقتل فيك البار والمنافق) [4] ومن أجل أني قتلت فيك باراً ومنافقاً فلهذا يخرج سيفي من غمده إلى كل جسد من التيمن إلى الشمال). فلو سلم أن أقتل المنافق عند علماء بروتستنت عدل لكن كيف يكون قتل البار عدلاً عندهم. وفي الباب الثالث عشر من كتاب أرمياء هكذا: 13 (فنقول لهم هكذا يقول الرب ها أنا ذا أملي سكراً جميع سكان هذه الأرض والملوك الجالسين من ذرية داود على كرسيه والكهنة والأنبياء وجميع سكان أورشليم 14 وأبددهم رجلاً عن أخيه، والآباء والأبناء جميعاً. يقول الرب لست أرحم ولا أعفي ولا أتحنن حتى أهلكهم) فأملأ جميع سكان هذه الأرض سكراً ثم قتلهم أي عدل.

والآية التاسعة والعشرون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج هكذا: (ولما انتصف الليل قتل الرب كل أبكار أهل مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه حتى إلى بكر المسبية التي في السجن وكل أبكار البهائم). فقتل جميع أبكار أهل مصر وأبكار البهائم أي عدل، لأن الوفاء من أبكار أهل مصر كانوا أطفالاً معصومين، وكان أبكار البهائم أيضاً غير مذنبين.

(30) الآية الثالثة والعشرون من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال هكذا: (العلى مرضاتي هو موت المنافق يقول الرب الإله إلا أن يتوب من طرقه فيعيش). والآية الحادية عشر من الباب الثالث والثلاثين هكذا: (فقل لهم حتى أنا يقول الرب الإله لست أريد موت المنافق بل أن يتوب المنافق من طريقه ويعيش) الخ. فعلم من هاتين الآيتين أن الله لا يحب موت الشرير بل يحب أن يتوب الشرير وينجو. والآية العشرون من الباب الحادي عشر من كتاب يوشع هكذا: (فقسى الرب قلوبهم وأهلكهم).

(31) الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون).

وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا: 11 ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب 12 لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم.

(32) الآية الثامنة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر الأمثال هكذا: (عوض الصديق يسلم المنافق وعوض المستقيمين الأثيم).

والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً).

ففهم من الآية الأولى أن الأشرار يكونون كفارات للصلحاء ومن الثانية أن المسيح عليه السلام الذي هو معصوم عند المسيحيين صار كفارة للأشرار.

(فائدة) ما ادعى بعض القسيسين من أن المسلمين ليس لهم كفارة جيدة غلط، لأنا لو تأملنا في حكم عبارة الأمثال ونظرنا إلى طوائف بني آدم وجدنا أن الكفارات المتعددة من المنكرين لمحمد ﷺ موجودة لكل فرد من المسلمين، على أن المسيح عليه السلام لما كان كفارة لخطايا كل العالم على ما اعترف يوحنا، فكيف لا يكون كفارة للمسلمين الذين يعترفون بتوحيد الله ونبوته وصدقه وكون أمه صادقة بريئة بل لو أنصف أحد عرف أن أهل الحياة الأبدية هؤلاء المسلمون لا غيرهم كما عرفت في الباب الرابع.

(33) وقع في الباب العشرين من سفر الخروج لا تقتل ولا تزن. والآية الثانية من الباب الرابع عشر من كتاب زكريا هكذا: (وأجمع جميع الأمم إلى أورشليم للقتال وتؤخذ المدينة وتخرب البيوت وتفضح النساء). فوعد الرب أن يجمع الأمم ليقتلوا قومه الخاص ويفضحوا نساءهم ويزنوا بها.

(34) في الآية الثالثة عشر من الباب الأول من كتاب حيقوق هكذا: (نقبت عيناك لئلا ترى السوء ولا تقدر أن تنظر إلى الإثم).

والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا: (المصور [ص 165] النور، والخالق الظلمة، الصانع السلام، والخالق الشر أنا الرب الصانع جميعها).

(35) في الزبور الرابع والثلاثين هكذا: 15 (فإن عيني الرب إلى الأبرار ومسامعه إلى صراخهم) 17 (أولئك الذين صرخوا فاستجاب لهم ونجاهم من جميع إضرارهم) 18 (فإن الرب قريب من منكسري القلب ومخلص متواضعي الروح). وفي الزبور الثاني والعشرين هكذا: 1: (إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي وكلام صراخي) 2: (إلهي إلهي إني في النهار أدعو وأنت لا تستجيب وفي الليل ولا سكوت لي).

والآية السادسة والأربعون من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني) أما كان داود وعيسى عليهما السلام من الأبرار ومنكسري القلوب ومتواضعي الروح فَلِمَ تركهما ولَمْ يسمع صراخهما.

(36) الآية الثالثة عشر من الباب التاسع والعشرين من كتاب أرمياء هكذا: (تطلبونني وتجدونني إذا طلبتموني بكل قلبكم).

والآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من كتاب أيوب هكذا: (من يعطيني أن أعرف فأجده وأستطيع البلوغ إلى مجلسه).

وقد شهد الله في حق أيوب أنه صالح مستقيم، خائف من الله، بعيد من السوء كما هو مصرح به في الباب الأول والثاني من كتابه. فهذا المقدس لم يحصل له علم طريق وجدان الله فضلاً عن وجدانه.

(37) في الآية الرابعة من الباب العشرين من سفر الخروج هكذا: (لا نتخذ لك صورة ولا تمثيل من كل ما في السماء وما في الأرض وما في الماء من تحت الأرض). والآية الثامنة عشر من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا: (وأصنع كار وبين من ذهب سبيك تجعل على كل جانبي الغشاء).

(38) الآية السادسة من رسالة يهوذا هكذا: (والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام). فعلم منها أن الشياطين مربوطة بقيود عظيمة إلى يوم القيامة. ويعلم من الباب الأول والثاني من كتاب أيوب أن الشيطان ليس بمقيد بل هو مطلق ويحضر عند الله.

(39) في الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: (أن الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء). وفي الباب الرابع من إنجيل متى أن الشيطان جرب عيسى عليه السلام.

(40) الآية الرابعة في الزبور التسعين هكذا: (فإن ألف سنة لديك كالأمس الغابر وكهجيع من الليل). والآية الثامنة من الباب الثالث من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: (أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد) ومع ذلك قال في الآية السادسة عشر من الباب التاسع من سفر التكوين هكذا: (ويكون القوس في الغمام وأراه وأذكر الميثاق الأبدي الذي قام بين الله وبين كل نفس حية من كل ذي جسد هو على الأرض). على أن كون القوس علامة العهد لا يحسن، لأن القوس لا يكون في كل غمام بل في قليل من أوقات الغمام وهو وقت رقة الغمام غالباً، وهذا الوقت لا يكون موجباً لكثرة الأمطار التي يخاف منها الطوفان فلا تحصل العلامة وقت الحاجة إليها بل وقت الاستغناء عنها.

(41) في الآية العشرين من الباب الثالث والثلاثين من سفر الخروج قول الله في خطاب موسى عليه السلام هكذا: (إنك لا تقدر على النظر إلى وجهي لأنه لا يراني بشر فيحيا). وفي الآية الثلاثين من الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين قول يعقوب عليه السلام هكذا: (رأيت الله وجهاً لوجه وتخلصت نفسي). فرأى يعقوب عليه السلام الله وجهاً لوجه وبقي حياً، وفي القصة التي وقع فيها هذا القول أشياء أخرى أيضاً لا تليق. الأول: ذكر المصارعة بين الله وبين يعقوب. والثاني: كونها ممتدة إلى طلوع الفجر. والثالث: أنه لم يقو أحدهما بالآخر. والرابع: أن الله لم يقدر أن ينطلق بذاته فقال أطلقني. والخامس: أن يعقوب لم يطلقه إلا بعوض وهو أن يباركه. والسادس: أن الله سأله عن اسمه فعلم أنه ما كان يعلم اسمه.

(42) الآية الثانية عشر من الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا: (الله لم ينظره أحد قط). وفي الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج هكذا: 9 (وصعد موسى وهارون وناد أب وأبيهو وسبعون رجلاً من شيوخ إسرائيل 10 ونظروا إلى إله إسرائيل وتحت رجليه مثل الحجر السمانجوني وكمثل لون السماء ونور ظاهر) 11 (فلم يبسط يده على شيوخ إسرائيل وأبصروا الله وأكلوا وشربوا) فموسى [ص 168] وهارون والمشايخ السبعون عليهم السلام قد أبصروا الله وأكلوا وشربوا معه أقول أولاً: أن الجملة الأخيرة بحسب الظاهر تدل على أنهم أكلوا الله وشربوه، لكن المقصود لعله ما فهمه المعترضون. وثانياً: أن إله بني إسرائيل (والعياذ بالله) كان على صورة آلهة مشركي الهند مثل رامجند روكرشن لأن ألوانهم على ما صرح به في كتبهم على لون السماء.

(43) في الآية السادسة عشر من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه).

وفي الباب الرابع من المشاهدات أن يوحنا رآه جالساً على العرش وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق.

(44) الآية السابعة والثلاثون من الباب الخامس من إنجيل يوحنا قول يسوع في خطاب اليهود هكذا: (لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته). وقد علمت حال رؤية الله في المثال السابق. بقي حال سماع صوته. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الخامس من سفر الاستثناء هكذا: (قد أرانا الرب إلهنا مجده وعظمته وسمعنا صوته من وسط النهار).

(45) في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع من إنجيل يوحنا هكذا: (الله روح). وفي الآية التاسعة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (أن الروح ليس له لحم وعظام) ويعلم من هاتين العبارتين أن الله ليس له لحم وعظام، وقد ثبت له في كتبهم كل عضو من الرأس إلى الرجل ونقلوا أمثلة لإثبات هذه الأعضاء وقد عرفتها في مقدمة الباب الرابع. ثم قالوا استهزاءً: "لم يعلم إلى الآن أنه بستاني أم بناء أو خزاف أو خياط أو جراح أو حلاق أو قابلة أو جزار أو فلاح أو تاجر أو غيره لأن أقوال كتبهم مضطربة".

في الآية الثامنة من الباب الثامن من سفر التكوين هكذا: (وغرس الرب الإله فردوس النعيم من البدي) فيعلم منه أنه بستاني.

وكذا يعلم من الآية التاسعة عشر من الباب الحادي والأربعين من كتاب أشعيا وفي الآية الخامسة والثلاثين من الباب الثاني من سفر صموئيل الأول هكذا: (وبنى له بيتاً أميناً) وهكذا في الآية 11 و 27 من الباب السابع من سفر صموئيل الثاني والآية 38 من الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول والآية 1 من الزبور 127 ويعلم من هذه الآيات أنه بناء. والآية الثامنة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا هكذا: (والآن يا رب أنت أبونا ونحن الطين وأنت جابلنا ونحن جميعنا أعمال يديك) فيعلم منها أنه خزاف. والآية الحادية والعشرون من الباب الثالث من سفر التكوين هكذا: (وصنع الرب الإله لآدم وزوجته ثياباً من جلود وألبسهما) فيعلم أنه خياط. وفي الآية 17 من الباب الثلاثين من كتاب أشعيا هكذا: (أشفي جرحك) فيعلم أنه جراح. والآية العشرون من الباب السابع من كتاب أشعيا هكذا: (في ذلك اليوم يحلق الرب بموسى مستنكراً في أولئك الذين هم عبروا النهر بملك الآثوريين الرأس وأوبار الرجلين واللحية كلها) فيعلم أنه حلاق. ويعلم من الآية 31 من الباب التاسع والعشرين والآية 22 من الباب الثلاثين من سفر التكوين أنه قابلة. وقد مر نقلهما عن قريب في بيان الاختلاف الثامن والعشرين. والآية السادسة من الباب الرابع والثلاثين من كتاب أشعيا هكذا: (سيف الرب امتلأ دماً سمن من شحم من دم الخرفان والتيوس من دم الكباش المعلوفة) فيعلم أنه جزار. والآية الخامسة عشر من الباب الحادي والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (ها جعلتك مثل البكرات الجدد التي للعجلة شبه المناشير التي تدوس فتدوس الجبال وتسحق الآكام وتصنعهم مثل التراب) فيعلم أنه فلاح. وفي الآية الثامنة من الباب الثالث من كتاب يوئيل هكذا: (وأبيع بنيكم وبناتكم في أيدي بني يهوذا) فيعلم أنه تاجر. وفي الآية الثالثة عشر من الباب الرابع والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: (يتعلم جميع بنيك من الرب) فيعلم أنه معلم. ويعلم من الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين أنه مصارع.

(46) الآية التاسعة من الباب الثاني والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا: (ارتفع دخان من أنفه، والتهبت النار من فمه تأكل، والجمر اشتعل منها). والآية العاشرة من الباب السابع والثلاثين من كتاب أيوب هكذا: (يكون الثلج من نفس الله ويجمد الماء السائل).

(47) الآية الثانية عشر من الباب الخامس من كتاب هوشع هكذا: (وأنا مثل السوس لافرام ومثل الدودة لبيت يهوذا).

والآية السابعة من الباب الثالث عشر من الكتاب المذكور هكذا: (وأنا أكون لهم مثل أسد، مثل نمر، في طريق الآثوريين) فتارة مثل السوس والدودة وتارة مثل الأسد والنمر.

(48) الآية العاشرة من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا: (دبارا صدا صار لي أسدا في الخفية). والآية الحادية عشر من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (مثل الراعي هو يرعى قطيعه) الخ فتارة مثل الدب والأسد وتارة كالراعي.

(49) في الآية الثالثة من الباب الخامس عشر من سفر الخروج هكذا: (الرب مثل الرجل المقاتل). وفي الآية العشرين من الباب الثالث عشر من الرسالة العبرانية هكذا: (وإله السلام).

(50) في الآية الثامنة من الباب الرابع ليوحنا هكذا: (الله محبة). والآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من كتاب أرمياء هكذا: (وأنا أغليكم بيد ممدودة وبذراع قوية وبزجر وبغضب وبسخط شديد). ولما وصلت النوبة إلى الخمسين أكتفي في نقل هذه الاختلافات على هذا القدر خوفاً من التطويل فمن شاء أزيد منه فليتصفح كتب المعترضين المذكورين يجد فيها اختلافات أخرى. والآية الخامسة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (وإن كانت لرجل امرأتان الواحدة محبوبة والأخرى مبغوضة) الخ. والآية السابعة والعشرون من الباب التاسع من كتاب يوشع هكذا: (وفرض عليهم) أي أهل جبعون اليوم أن يكونوا في خدمة الشعب بأسره وخدمة مذبح الرب محطبين حطباً ومستقين ماء في الموضع الذي يختاره الرب. وفي الباب السادس والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: (يقول الرب للخصيين الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما أنا شئته ويمسكون بعهدي أعطيهم في بيتي وفي حيطاني موضعاً واسماً أفضل من البنين والبنات، أعطيهم اسماً أبدياً لا يبيد) يعلم من هذه الآيات أن الله مجوز لتزوج زوجتين واحد القوم في العبودية والرق وراض عن الخصيين. (وهذه) الأشياء كلها مذمومة عند الإنكليز شرعاً أو عقلاً والآية الخامسة والعشرون من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا: (لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس). والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال هكذا: (والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي) الخ. ويعلم من هاتين الآيتين جهل الله وإضلاله لأنبيائه (والعياذ بالله). وقال جان كلارك الملحد بعد ما نقل بعض الأقاويل المنقولة فيما قبل: (أن إله بني إسرائيل هذا ليس قاتلاً ظالماً كاذباً أحمق مضلاً فقط بل هو نار محرقة أيضاً). كما قال بولس في الآية التاسعة والعشرين من الباب الثاني عشر من الرسالة العبرانية إلهنا نار آكلة والوقوع في يدي هذا الإله مخيف. كما قال بولس في الآية الحادية والثلاثين من الباب العاشر من الرسالة العبرانية (مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي). فتحصيل الحرية من رقية مثل هذا الإله بالعجلة المقدورة أحسن لأنه إذا لم ينج ابنه الوحيد فمن يرجو منه الرحمة واللطف، وهذا الإله الذي تحكم هذه الكتب أنه إله ليس بقابل أن يعتمد عليه، بل هو شيء غير محقق جامع للأضداد والأوهام مضل أنبيائه) انتهى. فانظروا إلى أبناء صنف القسيسين إلى أين وصلت نوبتهم وليعلم أن اعتراضاتهم على ما وقع في تراجمهم الإنكليزية وغيرها فإن وجد الناظر في بيان عدد الآية أو في بعض المضامين ما يخالف الترجمة العربية، فهو لأجل اختلاف التراجم .