→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
3/7م ومن باب الصبي يحج
575- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال كان رسول الله ﷺ بالروحاء فلقي ركبا فسلم عليهم فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا ومن أنتم قال: رسول الله ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفَّتها فقالت يا رسول الله هل لهذا حج قال نعم ولك أجر.
قلت إنما كان له من ناحية الفضيلة دون أن يكون ذلك محسوبا عن فرضه لو بقي حتى يبلغ ويدرك مدرك الرجال. وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضيلا من الله ويكتب لمن يأمره بها ومن شده إليها أجر. فإذا كان له حج فقد علم أن من سنته أن يوقف به في المواقف ويطاف به حول البيت محمولا إن لم يطق المشي وكذلك السعي بين الصفا والمروة في نحوها من أعمال الحج. وفي معناه المجنون إذا كان مأيوسا من إفاقته.
وفي ذلك دليل على أن حجه إدا فسد أو دخله نقص فإن جبرانه واجب عليه كالكبير وإن اصطاد صيدا لزمه الفداء كما يلزم الكبير.
وفي وجوب هذه الغرامات عليه في ماله كما يلزمه لو أتلف مالا لإنسان فيكون غرمه في ماله أو وجوبها على وليه إذ كان هو الحامل له على الحج والنائب عنه في ذلك نظر وفيه اختلاف بين الفقهاء، وقال بعض أهل العراق لا يحج بالصبي الصغير والسنة أولى ما اتبع.
4 /8م ومن باب المواقيت
576- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس وعن ابن طاوس عن أبيه قالا وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن وقال أحدهما ولأهل لليمن يلملم قال فهن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة وقد كان من دون ذلك. قال ابن طاوس من حيث أنشأ قال وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها.
قلت معنى التحديد في هذه المواقيت أن لا تتعدى ولا تتجاوز إلا باستصحاب الإحرام وقد أجمعوا أنه لو أحرم دونها حتى يوافي الميقات محرما أجزأه وليس هذا كتحديد مواقيت الصلاة فإنها إنما ضربت حدا لئلا تقدم الصلاة عليها.
وفي الحديث بيان أن المدني إذا جاء من الشام على طريق الجحفة فإنه يحرم من الجحفة ويصير كأنه شامي وإذا أتى اليماني على ذى الحليفة أحرم منه وصار كأنه إنما جاء من المدينة.
وفيه أن من كان منزله وراء هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله الذي هو وطنه، وفيه أن ميقات أهل مكة في الحج خاصة مكة. والمستحب للمكي أن يحرم قبل أن يخرج إلى الصحراء إذا بلغ طرف البلد أحرم قبل أن يصحر فأما إذا أراد العمرة فإنه لا يحرم لها من جوف مكة لكنه يخرج إلى أدنى الحل فيحرم منه ألا ترى أن النبي ﷺ أمرعبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة فيعمرها من التنعيم.
وفي قوله ممن كان يريد الحج والعمرة بيان أن الإحرام من هذه المواقيت إنما يجب على من كان عند مروره بها قاصدا حجا أو عمرة دون من لم يرد شيئا منهما فلو أن مدنيا مر بذي الحليفة وهولا يريد حجا ولا عمرة فسار حتى قرب من الحرم فأراد الحج أو العمرة فإنه يحرم من حيث حضرته النية ولا يجب عليه دم كما يجب على من خرج من بيته يريد الحج والعمرة فطوى الميقات وأحرم بعدما جاوزه.
وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن عليه دما إن لم يرجع إلى الميقات ودلالة الحديث توجب أن لا دم عليه.
577- قال أبو داود: حدثنا هشام بن بهرام المدائني حدثنا المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله ﷺ وقت لأهل العراق ذات عِرْق.
577م - قال وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال وقت رسول الله ﷺ لأهل المشرق العقيق.
قلت الحديث في العقيق أثبت منه في ذات عرق والصحيح منه أن عمر بن الخطاب وقتها لأهل العراق بعد أن فتحت العراق وكان ذلك في التقدير على موازاة قرن لأهل نجد، وكان الشافعي يستحب أن يحرم أهل العراق من العقيق فإن أحرموا من ذات عرق أجزأهم وقد تابع الناس في ذلك عمر بن الخطاب إلى زماننا هذا.
578- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبى فديك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يُحَنِّس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنس عن جدته حكيمة عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول من أهل بحجة أو عمره من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة شك عبد الله أيتهما قال.
قلت في هذا جواز تقديم الإحرام على الميقات من المكان البعيد مع الترغيب فيه وقد فعله غير واحد من الصحابة وكره ذلك جماعة أنكر عمر بن الخطاب على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة وكرهه الحسن البصرى وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس. وقال أحمد بن حنبل وجه العمل المواقيت وكذلك قال إسحاق قلت يشبه أن يكون عمر إنما كره ذلك شفقا أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته آفة تفسد إحرامه ورأى أن ذلك في قصير المسافة أسلم.
5/م ومن باب الحائض تهل بالحج
579- قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة ومجاهد عن عطاء عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت.
قلت فيه من العلم استحباب التشبه من أهل التقصير بأهل الفضل والكمال والاقتداء بأفعالهم طمعا في درك مراتبهم ورجاء لمشاركتهم في نيل المثوبة، ومعلوم أن اغتسال الحائض والنفساء قبل أوان الطهر لا يطهرهما ولا يخرجهما عن حكم الحدث وإنما هو لفضيلة المكان والوقت.
ومن هذا الباب أمرالنبي ﷺ الأسلميين أن يمسكوا بقية نهار عاشوراء عن الطعام وكذلك القادم في بعض نهار الصوم يمسك بقية نهاره في مذاهب الفقهاء. والعادم الماء والتراب والمصلوب على الخشبة والمحبوس في الحش والمكان القذر يصلون على حسب الطاقة عند بعضهم ولا يجزئهم وعليهم الإعادة عند الإمكان وهذا باب غريب من العلم. وفي أمره ﷺ الحائض والنفساء بالاغتسال دليل على أن الطاهر أولى بذلك.
وفيه دليل على أن المحدث إذا أحرم أجزأه إحرامه وفيه بيان أن الطواف لا يجوز إلا طاهرا وهو قول عامة أهل العلم إلا أنه قد حكي، عن أبي حنيفة أنه قال إذا طاف جنبا وانصرف من مكة لم يلزمه الإعادة ويجبره بدم وعند الشافعي أن الطواف لا يجزئه إلا بما يجزىء به الصلاة من الطهارة وستر العورة فإن ترك شيئا منهما أعاد.
6/10م ومن باب الطيب عند الإحرام
580- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله ﷺ وهو محرم.
قلت وبيص المسك بريقه يقال وبص الشيء وبصّ أيضا بصيصا إذا برق وفيه من الفقه أن للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه بطيب يبقى أثره عليه بعد الإحرام وإن بقاءه بعد الإحرام لا يضره ولا يوجب عليه فدية وهو مذهب أكثر الصحابة. روي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفعل ذلك وأن ابن عباس رئي محرما وعلى رأسه مثل الرُب من الغالية. وقال مسلم بن صُبيح رأيت ابن الزبير وهو محرم وفي رأسه ولحيته من الطيب ما لو كان لرجل لاتخذ عنه رأس مال وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال مالك بن أنس يكره الطيب للمحرم. وقال أبو حنيفة أن تطيب بما يبقى أثره بعد الإحرام كانت عليه الفدية وشبهوه باللباس يستصحب الإحرام والحديث حجة على من كره ذلك. ومما يفرق به بين الطيب واللباس أن سبيل الطيب الاستهلاك وسبيل الثياب الاستبقاء ولذلك صار إذا حلف أن لا يتطيب وعلى بدنه طيب لا يحنث مع ترك إزالته ولو حلف لا يلبس وعليه ثياب لزمه نزعه عن نفسه وإلا حنث.
7/11م ومن باب في التلبيد
581- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال سمعت النبي ﷺ يهل ملبّدا.
قلت تلبيد الشعر قد يكون بالصمغ وقد يكون بالعسل وإنما يفعل ذلك بالشعر ليجتمع ويتلبد فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا يقع فيه الدبيب.
8/12م ومن باب الهدي
582- قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق قال قال عبد الله بن نجيح حدثني مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أهدي عام الحديبية في هدايا رسول الله ﷺ جملا كان لأبي جهل في رأسه بُرة من فضة يغيظ بذلك المشركين.
قلت فيه من الفقه أن الذكران في الهدي جائزة وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره ذلك في الإبل ويرى أن يهدي الإناث منها.
وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في لجم المراكب من الخيل وغيرها، وفى معناه لو كتبت بغلة بحلقة فضة أو نحوها جاز.
والبره حلقة تجعل في أنف البعير وتجمع على البرين.
وقوله يغيظ بذلك المشركين معناه أن هذا الجمل كان معروفا بأبي جهل فحازه النبي ﷺ في سلبه فكان يغيظهم أن يروه في يده وصاحبه قتيل سليب.
9/13م ومن باب هدي البقر
583- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن.
قلت البقرة تجزي عن سبعة كالبدنة من الإبل، وفيه بيان جواز شركة الجماعة في الذبيحة الواحدة.
وممن أجاز ذلك عطاء وطاوس وسفيان الثوري والشافعي.
وقال مالك بن أنس لا يشتركون في شيء من الهدي والبدن والنسك.
وعن أبي حنيفة أنه قال إن كانوا كلهم يريدون النسك فجائز وإن كان بعضهم يريد النسك وبعضهم اللحم لم يجز وعند الشافعي يجوز على الوجهين معا.
وفيه دليل على أن القارن لا يلزمه أكثر من شاة وذلك أن أزواج النبي ﷺ كن قارنات بدليل قوله لعائشة طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك، ولقولها إن نسائك ينصرفن بحج وعمرة وانصرف بحج. وحكي عن الشعبي أنه قال على القارن بدنه.
وزعم داود أنه لا شيء على القارن وإنما فر بذلك عن القياس وذلك أن أكثر أهل العلم قاسوا دم القران على دم المتعة إذ هو منصوص عليه ولم يكن عنده في القارن نص فأبطله.
584- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر التمري وأبو الوليد الطيالسي قالا: حدثنا شعبة عن قتادة قال أبو الوليد قال سمعت أبا حسان عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنته فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها نعلين ثم أتى براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج.
قلت الإشعار أن يطعن في سنامها بمبضع أو نحو ذلك حتى يسيل دمها فيكون ذلك علَما أنها بدنه ومنه الشعار في الحروب وهو العلامة التي يعرف بها الرجل صاحبه ويميز بذلك بينه وبين عدوه.
وفيه بيان أن الإشعار ليس من جملة ما نهي عنه من المثلة ولا أعلم أحدا من أهل العلم أنكر الإشعار غير أبي حنيفة وخالفه صاحباه وقالا في ذلك بقول عامة أهل العلم، وإنما المثلة أن يقطع عضو من البهيمة يراد به التعذيب أو تبان قطعة منها للأكل كما كانوا يفعلون ذلك من قطعهم أسنمة الإبل واليات الشاء يبينونها والبهيمة حية فتعذب بذلك، وإنما سبيل الإشعار سبيل ما أبيح من الكي والتبزيغ والتوديج في البهائم وسبيل الختان والفصاد والحجامة في الآدميين ؛ وإذا جاز الكي واللدغ بالميسم ليعرف بذلك ملك صاحبه جاز الإشعار ليعلم أنه بدنه نسك فتتميز من سائر الإبل وتصان فلا يعرض لها حتى تبلغ المحل وكيف يجوز أن يكون الإشعار من باب المثلة وقد نهى رسول الله ﷺ عن المثلة وأشعر بدنه عام حج وهو متأخر.
وفيه أيضا من السنة التقليد وهو في الإبل كالإجماع من أهل العلم.
وفيه أن الإشعار من الشق الأيمن وهو السنة، وقد اختلفوا في ذلك فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل إلى أن الاشعار في الشق الأيمن.
وقال مالك يشعر في الشق الأيسر وروي ذلك عن ابن عمر.
قلت ويشبه أن يكون هذا من المباح لأن المراد به التشهير والإعلام فبأيهما حصل هذا المعنى جاز والله أعلم.
وقال الشافعي يشعر البقر كالإبل. وقال مالك تشعر إن كانت لها أسنمة وإلا فلا.
وقوله سلت الدم بيده أي أماطه بأصبعه وأصل السلت القطع، ويقال سلت الله أنف فلان أي جدعه.
وقوله استوت على البيداء أي علت فوق البيداء. وقال الخليل أتينا أبا ربيعة الأعرابي وهو فوق سطح فلما رآنا قال استووا يريد اصعدوا.
585- قال أبو داود: حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله ﷺ أهدي غنما مقلدة.
فيه من الفقه أن الغنم قد يقع عليها اسم الهدي، وزعم بعضهم أن الغنم لا ينطلق عليها اسم الهدي، وفيه أن الغنم يقلد وبه قال عطاء والشافعي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه.
وقال أصحاب الرأي لا يقلد الغنم وكذلك قال مالك.
10/16م ومن باب من بعث بهديه وأقام
586- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا ابن عون عن القاسم بن محمد وعن إبراهيم زعم أنه سمعه منهما ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا ولا حديث هذا من حديث هذا قالا قالت أم المؤمنين بعث رسول الله ﷺ بالهدي وأنا فتلت قلائدها بيدي من عهن كان عندنا ثم أصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الرجل من أهله.
قلت وممن قال بظاهر الحديث فلم ير الرجل يكون بتقليد الهدي محرما حتى يحرم مالك والشافعي، وقال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق إذا أراد الحج وقلد فقد وجب عليه.
وقال أصحاب الرأي إذا ساق الهدي ثم قلده فقد وجب عليه الإحرام فإن لم تكن له نية فهو بالخيار بين حجة أو عمرة، وروي عن ابن عمر أنه كان يقول إذا قلد هديه فقد أحرم وكذلك قال عطاء، والعهن الصوف المصبوغ ألوانا.
11/17م ومن باب ركوب البدن
587- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يسوق بدنه فقال اركبها، فقال إنها بدنه قال اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة.
قال وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير، قال سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا.
قلت اختلف الناس في ركوب البدن فقال أحمد وإسحاق له أن يركبها ولم يشترطا منه حاجة إليها. وقال مالك لا بأس أن يركبها ركوبا غير فادح.
وقال الشافعي يركبها إذا اضطر إليها وله أن يحمل المُعْيى والمضطر على هديه وكأنه ذهب إلى حديث جابر. ومن تقدم ذكره ذهبوا إلى حديث أبي هريرة.
وقال أصحاب الرأي ليس له أن يركبها وإن فعل ذلك لضرورة ونقصها الركوب شيئا ضمن ما نقصها وتصدق به وكذلك قال الثوري.
12/18م ومن باب الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ
588- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن ناجية الأسلمي أن رسول الله ﷺ بعث معه بهدي وقال إن عطب منها شيء فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس.
قلت إنما أمره بأن يصبغ نعله في دمه ليعلم المار به أنه هدى فيتجنبه إذا لم يكن محتاجا ولم يكن مضطرا إلى أكله.
وفي قوله خل بينه وبين الناس دلالة على أنه لايحرم على أحد أن يأكل منه إذا احتاج إليه وإنما حظر على سائقه أن يأكل دونهم.
وقال مالك بن أنس فإن أكل منها شيئا كان عليه البدل.
589- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث، عن أبي التيَّاح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله ﷺ فلانا الأسلمي وبعث معه بثماني عشرة بدنه فقال أرأيت أن أُزحف عليّ منها شيء قال تنحرها ثم تصبغ نعلها في دمها ثم اضربها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك أو قال أهل رفقتك.
قوله ازحف معناه أعيى وكلَّ يقال زحف البعير إذا جر فِرسِنه على الأرض من الإعياء وازحفه السير إذا جهده فبلغ هذه الحال.
وقوله لا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك يشبه أن يكون معناه حرم عليه ذلك وعلى أصحابه ليحسم عنهم باب التهمة فلا يعتلوا بأن بعضها قد زحف فينحروه إذا قرموا إلى اللحم فيأكلوه واله أعلم.
590- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى بن ثور عن راشد بن سعد عن عبد الله بن عامر بن يحيى عن عبد الله بن قرط عن النبي ﷺ قال إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر قال وقرب لرسول الله ﷺ بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فلما وجبت جنوبها، قال فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها قال قلت ما قال، قال من شاء اقتطع.
قلت يوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر وإنما سمى يوم القر لأن الناس يقرون فيه بمنى. وذلك لأنهم قد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا وقروا.
وقوله يزدلفن معناه يقتربن من قولك زلف الشيء إذا قرب، ومنه قوله تعالى {وازلفنا ثم الآخرين} [1] ومعناه والله أعلم القرب والدنو من الهلاك، وإنما سميت المزدلفة لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات.
وقوله وجبت جنوبها معناه زهقت أنفسها فسقطت على جنوبها، وأصل الوجوب السقوط. وفي قوله من شاء اقتطع دليل على جواز هبة المشاع.
وفيه دلالة على جواز أخذ النثار في عقد الإملاك وأنه ليس من باب النهبى، وإنما هو من باب الإباحة وقد كره ذلك بعض العلماء خوفا أن يدخل فيما نهى عنه من النهبى.
13/20م ومن باب كيف تنحر البدن
591- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا سفيان عن عبدالكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها وأمرني أن لا أعطى الجزار منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا.
قلت قوله أمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئا أي لا يعطي على معنى الأجره شيئا منها، فأما أن يتصدق به عليه فلا بأس به، والدليل على هذا قوله نعطيه من عندنا أي أجرة عمله وبهذا قال أكثر أهل العلم.
وروي عن الحسن البصري أنه قال لا بأس أن يعطي الجازر الجلد.
وأما الأكل من لحوم الهدي فما كان منها واجبا لم يحل أكل شيء منه وهو مثل الدم الذي يجب في جزاء الصيد وإفساد الحج ودم المتعة والقران وكذلك ما كان نذرا أوجبه المرء على نفسه وما كان تطوعا كالضحايا والهدايا فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق وهذا كله على مذهب الشافعي.
وقال مالك يؤكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه ولفوات الحج ومن هدي المتمتع ومن الهدي كله الأفدية الأذى وجزاء الصيد وما نذره للمساكين.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: لا يؤكل من النذر ولا من جزاء الصيد ويؤكل ما سوى ذلك، وروي ذلك عن ابن عمر، وعند أصحاب الرأى يأكل من هدي المتعة وهدي القران وهدي التطوع لا يأكل مما سواهما.
14/22م ومن باب الاشتراط في الحج
592- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله إني أريد الحج أَشتَرِطُ قال نعم قالت فكيف أقول. قال قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني.
قلت قد اختلف الناس في هذا المعنى وفي إثبات الاشتراط في الحج فذهب بعضهم إلى أنه خاص لها، وقال يشبه أن يكون بها مرض أو حال كان غالب ظنها أنها تعوقها عن إتمام الحج فقدمت الاشتراط وأذن لها النبي ﷺ في ذلك كما أذن لأصحابه في رفض الحج وليس ذلك لغيرهم، قال هذا القائل وسواء قدم المحرم الشرط أو لم يشترط فإنه لا يحل به عامة المحرمين. وأثبت بعضهم معنى هذا الشرط واستدل بهذا الحديث على أن الإحصار لا يقع إلا بعدوّ مانع، وأما المرض وسائر العوائق فلا يقع بها الإحلال قال ولو كان يقع به الاحلال لما احتاجت إلى هذا الشرط.
وممن قال لا حصر إلا حصر العدو ابن عباس، وروي معناه عن ابن عمر، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال أصحاب الرأي لا فرق بين العدو والمرض في أن الإحصار واقع بهما.
وقال سفيان الثوري الإحصار بالكسر والمرض والخوف.
قلت وفي قوله ومحلي من الأرض حيث حبستني دليل على أن المحصر يحل حيث يحبس وينحر هديه هناك حرما كان أو حلا وكذلك فعل رسول الله ﷺ عام الحديبية حين أحصر نحر هديه وحل. وقال أصحاب الرأي دم الإحصار لا يراق إلا في الحرم يقيم المحصر على إحرامه ويبعث بالهدي ويواعدهم يوما يقدر فيه بلوغ الهدي المنسك فإذا كان ذلك الوقت حل.
5 1/23م ومن باب إفراد الحج
593- قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ﷺ أفرد الحج.
قلت لم تختلف الأمة في أن الإفراد والقران والتمتع بالعمرة إلى الحج كلها جائزة غير أن طوائف العلماء اختلفوا في الأفضل منها، فقال مالك والشافعي الافراد أفضل. وقال أصحاب الرأي والثوري القران أفضل. وقال أحمد بن حنبل التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل. وكل من هذه الطوائف ذهب إلى حديث، وقد ذكر أبو داود تلك الأحاديث على اختلافها مجملا ومفسرا وعلى حسب ما وقع له من الرواية وسيأتي البيان على شرحها وكشف مواضع الاشكال منها في أماكنها إن شاء الله. غير أن جماعة من الجهال ونفرا من الملحدين طعنوا في أحاديث رسول الله ﷺ وفي أهل الرواية والنقل من أئمة الحديث وقالوا لم يحج النبي ﷺ بعد قيام الإسلام إلا حجة واحدة فكيف يجوز أن يكون في تلك الحجة مفردا وقارنا ومتمتعا وأفعال نسكها مختلفة وأحكامها غير متفقة وأسانيدها عند أهل الرواية ونقلة الأخبار جياد صحاح ثم قد وجد فيها هذا التناقض والاختلاف يريدون بذلك توهين الحديث والإزراء به وتصغير شأنه وضعف أمرحملته ورواته.
قلت لو يسروا للتوفيق وأعينوا بحسن المعرفة لم ينكروا ذلك ولم يدفعوه وقد أنعم الشافعي بيان هذا المعنى في كتاب اخنلاف الحديث وجود الكلام فيه وفي اقتصاصه على كماله والوجيز المختصر من جوامع ما قاله فيه أن معلوما في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به كجواز إضافته إلى الفاعل له كقولك بني فلان دارا إذا أمرببنائها وضرب الأمير فلانا إذا أمر بضربه، وروي رجم رسول الله ﷺ ماعزا وقطع سارق رداء صفوان، وإنما أمر برجمه ولم يشهده وأمر بقطع يد السارق ومثله كثير في الكلام، وكان أصحاب رسول الله ﷺ منهم المفرد ومنهم القارن والمتمتع وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه فجاز أن يضاف كلها إلى رسول الله ﷺ على معنى أنه أمر بها وأذن فيها وكل قال صدقا وروى حقا لا ينكره إلا من جهل وعاند والله الموفق.
قلت وقد يحتمل ذلك وجها آخر وهو أن يكون بعضهم سمعه يقول لبيك بحج فحكى أنه أفردها وخفي عليه قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع وهوعائشة، ووعى غيره الزيادة فرواها وهو أنس حين قال سمعت رسول الله ﷺ يقول لبيك بحج وعمرة ولا تنكر الزيادات في الأخبار كما لا تنكر في الشهادات وإنما كان يختلف ويتناقض لو كان الزائد نافيا لقول صاحبه فأما إذا كان مثبتا له وزائدا عليه فليس فيه تناقض ولا تدافع.
وقد يحتمل أيضا أن يكون الراوي سمع ذلك يقول على سبيل التعليم لغيره فيقول له لبيك بحجة وعمرة يلقنه ذلك، وأما من روى أنه تمتع بالعمرة إلى الحج فإنه قد أثبت ما حكته عائشة من إحرامه بالحج وأثبت ما رواه أنس من العمرة والحج إلا أنه أفاد الزيادة في البيان والتمييز بين الفعلين بإيقاعهما في زمانين وهو ما روته حفصة روى عنها عبد الله بن عمر أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر فثبت أنه كان هناك عمرة إلا أنه أدخل عليها الحج قبل أن يقضي شيئا من عمل العمرة فصار في حكم القارن وهذه الروايات على اختلافها في الظاهر ليس فيها تكاذب ولا تهاتر والتوفيق بينهما ممكن وهو سهل الخروج غير متعذر والحمد لله.
وقد روي في هذا عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ أحرم من ذي الحليفة إحراما موقوفا وخرج ينتظر القضاء فنزل عليه الوحي وهو على الصفا فأمررسول الله ﷺ من لم يكن معه هدي أن يجعله عمرة وأمر من كان معه هدي أن يحج.
594- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن هشام بن عروه عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله ﷺ موافين هلال ذي الحجة فلما كان بذي الحليفة قال من شاء أن يهل بحج فليهل ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة قالت فكنت فيمن أهل بعمرة قال فلما كان في بعض الطريق حضت فدخل علي رسول الله ﷺ وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت وددت أني لم أكن خرجت العام قال ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج فلما كان ليلة الصدر أمر رسول الله ﷺ عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم أي فأهلت بعمرة.
قلت احتج من رأى التمتع بقوله ﷺ لولا أني أهديت لأهللت بعمرة قال فالأفضل ما اختاره رسول الله ﷺ وما تمناه أن يفعله لو كان صادف وقته وزمانه، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله لأهللت بعمرة أي لتفردت بعمرة أكون بها متمتعا يطيب بذلك نفوس أصحابه الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج فيكون دلالته حينئذ على معنى الجواز لا على معنى الاختيار.
وقوله ارفضي عمرتك اختلف الناس في معناه فقال بعضهم أتركيها وأخريها على القضاء. وقال الشافعي إنما أمرها أن تترك العمل للعمرة من الطواف والسعي لا أنها تترك العمرة أصلا وإنما أمرها أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة.
قلت وعلى هذا المذهب تكون عمرتها من التنعيم تطوعا لا عن واجب ولكن أراد أن تطيب بنفسها فاعمرها وكانت قتد سألته ذلك وقد روي ما يشبه هذا المعنى في حديث جابر.
595- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث، عن أبي الزبير عن جابر قال أقبلنا مهلين مع رسول الله ﷺ بالحج مفردا وأقبلت عائشة مهلة بعمرة حتى إذا كانت بسرف عَرِكت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة فأمرنا رسول الله ﷺ أن يحل منا من لم يكن معه هدي قال فقلنا حِلَّ ماذا قال الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ثم أهللنا يوم التروية ثم دخل رسول الله ﷺ على عائشة فوجدها تبكي فقال ما شأنك فقالت شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالبيت وبالصفا وبالمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال فاذهب بها عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحَصبة.
قلت هذه القصة كلها تدل على صواب ما تأوله الشافعي من قوله ارفضي عمرتك وعلى أن عمرتها من التنعيم إنما هي تطوع أراد بذلك تطييب نفسها. وفيه دليل على أن الطواف الواحد والسعي الواحد يجزئان القارن عن حجه وعمرته.
وقوله عركت معناه حاضت يقال عركت المرأة تعرك إذا حاضت وامرأة عارك، ونساء عوارك.
596- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وذكرت القصة في حج رسول الله ﷺ وخروجها معه وساقت الحديث إلى أن قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، فأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا.
قلت هذا يؤكد معنى ما قلنا من إجزاء الطواف الواحد للقارن وهو مذهب عطاء ومجاهد والحسن وطاوس وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وعن الشعبي أن القارن يطوف طوافين وهو قول أصحاب الرأي وكذلك قال سفيان الثوري.
597- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا حبيب، يَعني المعلم عن عطاء حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ أهل هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم يومئذ هدي إلا النبي ﷺ وطلحة وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن ومعه الهدي فقال أهللت بما أهل به رسول الله ﷺ وأن النبي ﷺ أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه هدي فقالوا أننطلق إلى منى وذكورنا تقطر فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت.
قلت إنما أراد بهذا القول والله أعلم استطابة نفوسهم وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله ﷺ محرم ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الإيتساء به والكون معه على كل حال من أحواله فقال عند ذلك هذا القول لئلا يجدوا في أنفسهم من ذلك وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه وأمرهم به وأنه لولا أن سنة من ساق الهدي أن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله لكان أسوتهم في الإحلال يطيب بذلك نفوسهم ويحمد به صنيعهم وفعلهم، وقد يستدل بهذا من هى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل.
598- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قلت قول هذه عمرة استمتعنا بها يحتج به من يذهب إلى أن النبي ﷺ كان متمتعا وتأول من ذهب إلى خلافه على أنه أراد به من تمتع من أصحابه وقد كان فيهم المتمتع والقارن والمفرد وهذا كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وصنعنا كذا وهو لم يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك وإنما هوحكاية عن فعل أصحابه يضيفها إلى نفسه على معنى أن أفعالهم صادرة عن رأيه ومنصرفة إلى إذنه.
وقوله دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة مختلف في تأويله يتنازعه الفريقان موجبوها ونافوها فرضا فممن قال إنها واجبة كوجوب الحج عمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير وإلى إيجابها ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
وقال الثوري في العمرة سمعنا أنها واجبة. وقال أصحاب الرأي ليست العمرة واجبة.
قلت فوجه الاستدلال من قوله دخلت العمرة في الحج لمن ليراها واجبة أن فرضها ساقط بالحج وهومعنى دخولها فيه ومن أوجبها يتأول على وجهين.
أحدهما أن عمل العمرة قد دخل في عمل الحج فلا يرى على القارن أكثر من طواف واحد وسعي واحد كما لا يرى عليه أكثر من إحرام واحد.
والوجه الآخر أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره، وكان أهل الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل رسول الله ﷺ ذلك بهذا القول.
599- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة أخبرني أبو عيسى الخراساني عن عبد الله بن القاسم عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي ﷺ أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد عنده أنه سمع رسول الله ﷺ في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمره قبل الحج.
قلت في إسناد هذا الحديث مقال وقد اعتمر رسول الله ﷺ عمرتين قبل حجه والأمر الثابت المعلوم لا يترك بالأمرالمظنون وجواز ذلك إجماع من أهل العلم لم يذكر فيه خلاف، وقد يحتمل أن يكون النهي عنه اختيارا واستحبابا وأنه إنما أمر بتقديم الحج لأنه أعظم الأمرين وأهمهما ووقته محصور. والعمرة ليس لها وقت موقوت وأيام السنة كلها تتسع لها، وقد قدم الله اسم الحج عليها فقال {وأتموا الحج والعمرة لله} [2].
600- قال أبو داود: حدثنا أبو سلمة موسى حدثنا حماد عن قتادة، عن أبي الشيخ الهنائي هو خيوان بن خلدة ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة أن معاوية بن أبي سفيان. قال يا أصحاب رسول الله هل تعلمون أن رسول الله ﷺ نهى عن كذا وعن ركوب جلود النمور قالوا نعم. قال فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة فقالوا أما هذا فلا فقال إنها معهن ولكنكم نسيتم.
قلت جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأمة ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهي عنه ولم يوافق الصحابة معاوية على هذه الرواية ولم يساعدوه عليها، ويشبه أن يكون ذهب في ذلك إلى تأويل قوله حين أمر أصحابه في حجته بالإحلال فشق عليهم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وكان قارنا.
فيما دلت عليه هذه القصة فحمل معاوية هذا الكلام منه على النهي.
وفيه وجه آخر وهو أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال افصلوا بين الحج والعمرة فإنه أتم لحجكم وعمرتكم، ويشبه أن يكون ذلك على معنى الإرشاد وتحري الأجر ليكثر السعي والعمل ويتكرر القصد إلى البيت كما روي عن عثمان أنه سئل عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال إن أتم الحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج فلو أفردتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل.
هامش