الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الثاني/14

94/156م ومن باب صلح العدو

809- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد أن محمد بن ثور حدثه عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة وذكر قصة الحديبية ومصالحة النبي ﷺ قريشا.

قلت اختصر أبو داود هذا الحد اختصارا ذهب فيه شطر من فوائد هذا الحديث فرأيت أن أذكر الحديث والقصة على وجهها وأبين ما فيها من السنن والمعاني ليستفاد علمه ويحصر نفعه والله الموفق له.


أخبرنا محمد بن هاشم حدثنا الدَبري عن عبد الرزاق عن معمر أخبرني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما صاحبه قالا خرج رسول الله ﷺ زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله ﷺ الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله ﷺ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عُسفان أتاه عينه الخزاعي فقال إن كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا كثيرة وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي ﷺ أشيروا عليّ أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وإن نجوا يكن عنقا قطعها الله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال أبو بكر رضي الله عنه يا نبي الله إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه قال رسول الله ﷺ فروحوا إذا.

قال معمر قال الزهري وكان أبو هريرة يقول ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ.

قال الزهري في حديث المسور ومروان بن الحكم فراحوا وساق الحديث قال وسار رسول الله ﷺ حتى إذا كانوا بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس حَل حل فقال خلأت القصواء وما كان لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت به قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمدَ قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس أن نزحوه فشُكي إلى رسول الله ﷺ العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه


فبيناهم كذلك إذ جاء بُديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله ﷺ من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي اعداد مياه الحديبية معهم العُوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله ﷺ إنا لم نجىء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب واضرت بهم فإن شاؤوا هادنتُهم مدة طويلة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا قد جموا وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره، فقال بُديل بن ورقاء سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا وساق الحديث إلى أن ذكر مجيء عروة بن مسعود إلى رسول الله ﷺ قال فجعل يكلم النبي ﷺ إلى أن قال له قد والله أرى وجوها وأوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال أبو بكر رضي الله عنه امصص ببظر اللات انحن نفر منه وندعه، فقال من ذا فقالوا أبوبكر، فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال وجعل يكلم النبي ﷺ فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر فكلما اهوى عروة بيده إلى لحية النبي ﷺ ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أي غُدَراء ولست أسعى في غدرتك، وكان المغيرة قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي ﷺ أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء،


ثم إن عروة جعل يرمق صحابة النبي ﷺ بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نُخامة إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا إلى أمره ؛ وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليم تعظيما له، قال فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم وذكر القصة إلى أن قال اهم أنه، يَعني النبي ﷺ قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه وساق الحديث إلى أن قال فبينا مِكرز بن حفص يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، وقال معمر قال أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي ﷺ قد سهل لكم من أمركم، قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا الكاتب فقال رسول الله ﷺ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي ﷺ اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي ﷺ أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن لك من العام المقبل فكتب قال سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك الا رددته إلينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينا هو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين


فقال سهيل هذا أول ما نقايضك عليه أن ترده إليّ فقال النبي ﷺ انا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي ﷺ فأجره لي قال ما أنا بمجير لك قال بلى قال فافعل قال ما أنا بفاعل فقال مكرز بلى قد أجرناه لك فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أُردُ إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله فقال عمر بن الخطاب والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي ﷺ فقلت له ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدِنْيةَ في ديننا إذا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو لست كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى افأخبرتك إنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر، يَعني فقلت له مثل مقالتي لرسول الله ﷺ فقال أيها الرجل أنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه لعلى الحق وساق الحديث إلى أن قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم أحد منهم قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو بحالقك فيحلقك فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [1] حتى بلغ [2] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية،


ثم رجع رسول الله إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه النبي ﷺ إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فأخذ أبو بصير سيف أحدهما فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله ﷺ حين رآه لقد رأى هذا ذُعرا، فلما انتهى إلى النبي ﷺ قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير، فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي ﷺ ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سِيف البحر قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، قال فوالله ما يسمعون بعير لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم وأرسلت قريش إلى النبي ﷺ يناشدونه الله والرحم إلا أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي ﷺ إليهم فأنزل الله تعالى {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} [3] حتى بلغ {حمية الجاهلية} [4] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا بأنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت.

قلت جمع هذا الحديث أنواعا من السنن والآداب وضروبا من الفقه والأحكام وقد تكلم عليها بعض أهل العلم ففسر بعضها وترك بعضها ونحن نقول في ذلك بمبلغ علمنا ومن الله التوفيق.


قوله حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة فيه بيان أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة لمن أراد أن يحج أو يعتمر، وفيه بيان أن تقليد الهدي سنة سواء كان عن واجب أو عن نفل. وفيه أن الإشعار سنة وأنه ليس من باب ما نهي عنه من المثلة وقد تكلمنا في هذا في كتاب المناسك.

وقوله وبعث بين يديه عينا له من خزاعة فيه استحباب تقديم الطلائع وبعث العيون بين يدي الجيوش والأخذ بالحزم والاحتياط في أمرالعدو لئلا ينالوا فرصة فيهجموا على المسلمين في حال غرة وأوان غفلة. وفيه أن النبي ﷺ أرسل الخزاعي وبعثه عينا ثم صدقه في قوله وقبل خبره وهو كافر وذلك لأن خزاعة كانوا عيبة نصح رسول الله ﷺ مؤمنهم وكافرهم احلف كانت بينهم في الجاهلية ولعله أيضا لم يجد من المسلمين من ينوب عنه في تعرف الخبروالتجسس والبحث عن أمر العدو. ثم أن ذلك أمر لا يكاد يتحققه إلا من لابس العدو وداخلهم واستبطن سرهم وهذا المعنى متعذر وجوده غالبا في المسلمين.

وفيه دليل على جواز قبول قول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة ووجه العلاج إذا كان غير متهم فيما يصفه وكان غير مظنون به الريبة في ذلك.

وقوله وجمعوا لك الأحابيش فإن الأحابيش يقال إنهم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا والتحبش التجمع.

وفي قوله لأصحابه اشيروا عليّ دليل على استحباب استشارة ذوي الرأي والنصح في الأمور المهمة، وقد كان ﷺ يستعملها كثيرا فيما لم ينزل عليه فيه وحي. وقد يحتمل أن يكون ذلك ليستن به من بعده في حوادث الأمر فينالوا بركتها وينكشف لهم وجه الرأي الملتبس فيها.


وفي قوله أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم دليل على جواز سبي ذراري المشركين قبل قتال الرجال.

وفي قوله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه دايل على جواز قتال المحرم من صده عن البيت ومنعه عن بلوغ النسك. وفي القصة أيضا دليل على أن العدو الذي يريد أن يصدك عن الحج إذا كان كافرا فأنه يجوز ترك الاشتغال بقتاله وطلب الخلاص من يده.

فأما إذا كان الصاد لك مسلما فقد قال بعض العلماء يجوز قتاله وتركه أولى.

وقوله بركت به راحلته فقال الناس حَلْ حل فإنه كلمة معناها الزجر، يقال في زجر البعير حل بالتخفيف ؛ ويقال حَلْحَلتُ الإيل إذا زجرتها لتنبعث.

وفي قوله فالحت يريد أنها لزمت المكان فلم تنبعث ويقال تلحلح الرجل بالمكان إذا لزمه فلم يبرح وتحلحل عنه إذا زال وفارقه. وأما قوله خلأت القصواء فإن الخلاء في الإبل كالحران في الخيل، ومنه قول زهير:

بارزة الفقارة لم يخنها... …قطاف في الركاب ولا خِلاء

والقصواء اسم ناقته وكانت مقصوة الأذن وهو أن يقطف طرفا من الأذن يقال ناقة قصواء ولم يقولوا جمل اقصى ومعناه المقصوة جاء بلفظ فاعل ومعناه مفعول.

وقوله ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل يريد أن الخِلاء لم يكن لها بخلق فيما مضى ولكن الله حبسها عن دخول مكة كما حبس الفيل حين جاء به أبرهة الحبشي يريد هدم الكعبة واستباحة الحرم، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك وفي التمثيل بحبس الفيل أن أصحابه لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم وأريق فيه دماء وكان منه الفساد والفناء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه ومضى في قضائه أنه سيسلم جماعة من أولئك الكفار في غابر الزمان وسيخرج من أصلابهم قوم مؤمنون يعبدون الله ويوحدونه فلو استبيحت مكة وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل ولبطلت تلك العواقب.


وقوله والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها يريد والله أعلم المصالحة والجنوح إلى المسالمة وترك القتال في الحرم والكف عن إراقة الدم فيه وهو معنى تعظيم حرمات الله.

وقوله حتى نزل على ثمد فالثمَد الماء القليل، ويقال ماء مثمود إذا كثر عليه الشفاه حتى يفنى وينزف.

وقوله نتبرضه تبرضا ؛ معناه نأخذه قليلا قليلا، والبرْض اليسير من العطاء.

وقوله ما زال يجيش لهم بالري معناه يفور ماؤه ويرتفع كما يجيش المرجل بما فيه.

قوله وكان عيبة نصح رسول الله ﷺ يريد أنه موضع سر رسول الله ﷺ والثقة الذي يستنصحه ويأتمنه على أمره، وذلك أن الرجل إنما يودع عيبته حر المتاع ومصون الثياب ونحو ذلك فوقع التشبيه له بالعيبة من أجل ذلك.

وقوله العُوذ المطافيل، فإن معنى العوذ الحديثات النتاج يقال لواحدتها عائذ والمطافيل الأمهات التي معها أطفالها يريد أن هذه القبائل قد احتشدت لحربك ومقارعتك فساقت أموالها مع أنفسها.

وقوله نهكتهم الحرب أي أبلغت فيهم واضرت بهم ومن ذلك قولهم نهكته الحمى إذا هزلته وأنحلته. وقوله جَمُوا يريد الجمام والاستراحة. وقوله حتى تنفرد سالفتي، معناه حتى تبين رقبتي، والسالفة مقدمة العنق وسالف كل شيء أوله ومنه سلافة الخمر وهي ما يعصر أولا منها.


وقوله إني أرى وجوها وأوشابا من الناس فإن الأوشاب الأخلاط من الناس يقال هم أوشاب وإشابات إذا كانوا من قبائل شتى مختلفين ؛ وفي قول أبي بكر رضي الله عنه حين ذكر اللات وسبها ما يدل على أن التصريح باسم الأعضاء التي هي عورات وذكرها عند الحاجة إليه ليس من الفحش ولا قائله خارج عن حد العدالة والمروءة، وقد قال رسول الله ﷺ من تعز بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا.

وأما مس عروة بن مسعود لحية رسول الله ﷺ في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدثه ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان ﷺ لا يدفعه عن ذلك استمالة لقلبه ولما كان يرجوه من إسلامه ثم هداه الله بعد فحسن إسلامه وكان رئيسا في ثقيف وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله ﷺ وتوقيرا له وإجلالا لقدره. وإنما يفعل الرجل ذلك لنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة.

قال أبو سليمان وفي قيام المغيرة على رأس رسول الله ﷺ دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن الذي نهى عنه وتوعد فيه من قوله ﷺ من أراد أن يَمْثُل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار. إنما هو فيمن فعل ذلك قاصدا به الكبر وذاهبا فيه مذاهب النخوة والجبرية.

وقوله أي غدر فهو نعت ينعت الرجل به عند المبالغة في الغدر.


وفي قوله ﷺ للمغيرة أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء دليل على أن أموال أهل الشرك وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهرا فإنها ممنوعة بالأمان لهم مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان وذلك أن المغيرة إنما صحبهم صحبة الرفقاء في الأسفار والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدرا منه والغدر محظور غير جائز والأمانة مؤداة إلى البر والفاجر.

وفي قوله ما يتنخم نخامة إلا وقعت في يد رجل دليل على طهارة النخامة والبزاق. وفيه دليل على طهارة الماء الذي يتطهر به وهو الماء المستعمل.

وفي قوله حين جاء سهيل قد سهل لكم من أمركم دليل على استحباب التفاؤل بالاسم الحسن وإنما المكروه من ذلك الطيرة وهو التشاؤم.

وفي امتناع سهيل بن عمرو على رسول الله ﷺ أن يصدر كتاب الصلح ببسم الله الرحمن الرحيم ومطالبته إياه أن يكتب باسمك اللهم ومساعدة رسول الله ﷺ إياه على ذلك باب من العلم فيما يجب من استعمال الرفق في الأمور ومداراة الناس فيما لا يلحق دين المسلم به ضرر ولا يبطل معه لله سبحانه حق، وذلك إن معنى باسمك اللهم هو معنى بسم الله الرحمن الرحيم وإن كان فيها زيادة ثناء. قال النحويون اللهم يجمع نداء ودعاء كأنه يقول يا الله أُمَّ بنا خيرا أو أمنا بخير وما أشبه ذلك فحذف بعض الحروف لما كثر استعماله في كلامهم إرادة التخفف واختصارا للكلام، وكذلك المعنى في تركه أن يكتب محمد رسول الله واقتصاره على أن يكتب محمد بن عبد الله لأن انتسابه إلى أبيه عبد الله لا ينفي نبوته ولا يسقط رسالته، وفي إجابته ﷺ إياهم إلى ذلك أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلما دليل على جواز أن يقر الإمام فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيم على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبة حميدة سيما إذا وافق ذلك زمان ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار وخوفهم الغلبة منهم.


وقد تكلم العلماء في هذا الباب وتأولوا ما كان من رده أبا جندل بن سهيل إليهم على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك على نفسه ورخص له أن يتكلم بالكفر مع التورية وإضمار الإيمان في رده إليهم إسلاما له للهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص منه بما رخص له فيه من التقية.

والوجه الآخر أنه إنما رده إلى أبيه ومعلوم أن أباه لا يقتله ولكن يستبقيه وينتظر به الرُجعي وفي ذلك أمان له وصلاح لعامة المسلمين ودرك لما راموه في عقد الصلح وقصدوه من البغية فيه وكذلك الأمر في رد أبي بصير إليهم وذلك أنه كان يأوي إلى عشيرة يذبون عنه وموالي يحامون عليه، فأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان يبتلي الله به صبر عباده ليثيب المجتهدين ويمحص بذلك ما في صدور المسلمين وهو أعلم بالسرائر ولله عاقبة الأمور.

وفي مراجعة عمر بن الخطاب رسول الله ﷺ ومحاجته إياه في رده أبا جندل بن سهيل وقد جاء مسلما وتعجبه من ذلك الصنيع وضيق صدره بما خفي عليه من حكمته ولم يدركه من علم مغيبه وفيما كان من جواب أبي بكر إياه وخروج قوله في ذلك مطابقا لجواب رسول الله ﷺ دليل واضح على أن أبا بكر أعلم الناس برسول الله ﷺ وأعرفهم بمعاني أموره وأشدهم اطلاعا على ما في نفسه وإنما كانت تلك المحاجة والمساءلة من عمر على وجه الكشف عن الشبهة وعلى سبيل الاستبانة لوجه الحكمة فيما شاهده من ذلك الصنيع ولم يكن ذلك منه اعتراضا على رسول الله ﷺ ولا اتهاما له في شيء كان منه، وإنما حرك عمر على ذلك القول شدة حرصه على قوة أمر الدين وغلبة محبته أن يكون الظهور والغلبة للمسلمين، وفي قوله ﷺ لعمر افخبرتك أنك تأتيه العام وجوابه عنه بلا، وقوله فإنك آتيه ومطوف به دليل على أن من حلف بالله ليفعلن كذا وليطلقن امرأته من غير تحديد له بوقت معلوم أنه لا يحنث مدى عمره ما عاش.


وفي قوله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله دليل على إغفال من زعم أنه لا يصح أن يكتب في كتب الشروط هذا ما اشترى فلان بن فلان وهذا ما شهد عليه الشهود لزعمه أن ما هاهنا بمعنى الجحد وهو يبطل العقد.

قلت وهذا شيء قاله بعض الفقهاء من المتأخرين وليس الأمر كما توهمه وجل ما في هذا الموضع محل الاخبار لا محل الجحد.

ومعنى قوله قاضى أي فصل الأمر بالقضاء والأحكام له ووزنه فاعل من قضيت الشيء، وفي أمر رسول الله ﷺ أصحابه بعد فراغه من الكتاب أن ينحروا ويحلقوا رؤ وسهم دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة فأحصر بعدو فإنه ينحر الهدي مكانه ويحل وإن لم يكن بلغ هديه الحرم والموضع الذي نحر رسول الله ﷺ هديه فيه بالحديبية حِل إذ كان مصدودا عن دخول الحرم. والدليل على ذلك قوله تعالى {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} [5].

وقال الشافعي الشجرة التي بايع الناس تحتها رسول الله ﷺ في الحل وبني المسجد في موضعها وموضعها باق، وكان سبب البيعة أن رسول الله ﷺ بعث عثمان إلى أهل مكة فجاء الخبر بأنهم قتلوه فعزم حينئذ على قتالهم وبايعه أصحابه على ذلك تحت تلك الشجرة وهي بيعة الرضوان وهم أصحاب الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة.


وفي قبول رسول الله ﷺ إشارة أم سلمة عليه بأن يبدأ بنحر هديه وحلق رأسه دليل على جواز مشاورة النساء وقبول قولهن إذا كن مصيبات فيما يشرن به وإنما كان توقف الصحابة عن أمره الأول فلم ينفذوا له انتظارا أن يحدث الله سبحانه لرسوله ﷺ أمرا خلاف أمره الأول فيتم لهم حُرْمهم وقضاء نسكهم إذ كان لا ينكر في زمانه أن يؤمروا بالشيء ثم يتعقبه النسخ، فلما رأوه قد فعل النحر والحلاق في أمر نفسه علموا أنه ليس وراء ذلك عاقبة تنتظر فبادروا إلى الايتمار لقوله والايتساء بفعله.

وقوله في قصة أبي بصير فضربه بالسيف حتى برد معناه حتى مات وسكنت منه حرارة الحياة وأصل البرد السكون والثبوت.

وقوله ويل أمه مسعر حرب كلمة تعجب يصفه بالمبالغة في الحروب وجودة معالجتها وسرعة النهوض فيها، يقال فلان مسعر حرب إذا كان أول من يوقد نارها ويصلي حرها من قولك سعرت النار إذا أوقدتها، ومنه السعير وهو النار الموقدة.

وفي ترك رسول الله ﷺ رد أبي بصير إليهم وهو بناحية سِيف البحر دليل على أن من جاء منهم ( إلى غير دار الإمام فليس عليه رده إليهم وإنما عقدوا الصلح على أن من جاءه منهم ) رده إليهم فكان في ذلك دليل على الموضع الذي هو فيه مقيم.

وأما قوله ثم جاءت نسوة مؤمنات فأنزل الله سبحانه فيهن {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} [6] الآية فقد اختلف العلماء في هذا على قولين أحدهما أن النساء لم يدخلن في الصلح، وإنما وقع بينهم على رد الرجال. وهذا أشبه القولين بالصواب وسل على صحة ذلك قوله في هذه الرواية وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته والقول الآخر أن الصلح كان معقودا بينهم على رد الرجال والنساء معا لأن في بعض الروايات ولا يأتيك منا أحد إلا رددته فاشتمل عمومه على الرجال والنساء، إلا أن الله نسخ ذلك بالآية ومن ذهب إلى هذا الوجه أجاز نسخ السنة بالكتاب.


وفيه دليل على أن الإمام إذا شرط في العقد ما لا يجوز فعله في حكم الدين فإن ذلك الشرط باطل وقد قال ﷺ كل شرط ليس في كتاب الله فهوباطل.

وفيه على هذا التأويل دليل على جواز وقوع الخطأ من رسول الله ﷺ في بعض الأمور ولكن لا يجوز تقريره عليه.

واختلف في تأويل قوله تعالى {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [7] فقال أكثر أهل التفسير معنى النفقة الصدقة.

واختلفوا هل يجب العمل به اليوم أم لا إذا شرطه في معاهدة المشركين ؛ فقال قوم لا يجب شيء من ذلك، وزعموا أن الآية منسوخة وإذا سقط هذا الحكم من أصله سقط ما تعلق به من العوض، قال الزهري انقطع ذلك يوم الفتح لا يعاض زوجها منها شيئا، وكذلك قال عطاء وقتادة.

وقال الثوري لا يعمل به اليوم، وقال قوم الآية غير منسوخة وروي ذلك عن مجاهد ويعوضون.

وقال الشافعي فيها قولان أحدهما سقوط العوض كقول من تقدم، والقول الآخر أن المرأة الحرة من أهل الهدنة إذا جاءت مسلمة مهاجرة من دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض وإذا طلبها زوجها منعها وأعطي العوض وهو الصداق وذلك إذا كان الزوج قد دفع إليها صداقها ولايعطى شيئا إن كان لم يدفعه إليها.

واختلفوا في مقدار المدة التي يجوز أن يهادن إليها الكفار. فقال الشافعي أقصاها عشر سنين لا يزاد عليها وما وراءها محظور لأن الله سبحانه أمر بقتال الكفار فاستثنينا ما أباحه رسول الله في قصة الحديبية وما وراء ذلك محظور.

وقال قوم لا يجوز ذلك أكثر من أربع سنين وقال قوم ثلاث سنين لأن الصلح لم يبق فيما بينهم أكثر من ثلاث سنين. ثم أن المشركين نقضوا العهد فخرج رسول الله ﷺ إلى مكة وكان الفتح.

وقال بعضهم ليس لذلك حد معلوم وهو إلى الإمام يفعل ذلك على حسب ما يرى من المصلحة فيه.

قلت كان سبب نقض العهد إن خزاعة كانت حلفاء رسول الله ﷺ فقاتلهم بنو بكر فأعانت قريش بني بكر على خزاعة فنقضوا بذلك العهد.


810- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس سمعت ابن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال.

قال الشيخ عيبة مكفوفة المشرجة وهي المشدودة بشرجها والعيبة هاهنا مثل والمعنى أن بيننا صدورا سليمة وعقائد صحيحة في المحافظة على العهد الذي عقدناه بيننا، وقد يشبّه صدرَ الإنسان الذي هو مستودع وموضع مكنون أمره بالعيبة التي يودعها حر متاعه ومصون ثيابه قال الشاعر:

وكادت عياب الود منا ومنكم... وإن قيل أبناء العمومة تَصفِر

وقوله لا أسلال ولا أغلال فإن الأسلال من السلة وهي السرقة والأغلال الخيانة، يقال أغل الرجل إذا خان أغلالا وغل في الغنيمة غلولا. يقول إن بعضنا يأمن بعضا في نفسه وماله فلا يتعرض لدمه ولا لماله سرا ولا جرا ولا يخونه في شيء من ذلك.

وقال بعضهم معنى الأغلال لبس الدرع للحرب والأسلال من سل السيف وزيف أبو عبيد هذا القول ولم يرتضه.


95/157م ومن باب العدو يؤتى على غرة

811- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال فاذن لي أن أقول شيئا قال نعم قال فأتاه فقال إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنّانا قال وأيضا لَتَملُّنهُ قال فاتبعناه فنحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين قال كعب أي شيء ترهنوني، قالوا وما تريد منا قال نساءكم، قالوا سبحان الله أنت أجمل العرب نرهنك نساءنا فيكون ذلك عارا علينا، قال فترهنوني أولادكم، قالوا سبحان الله يسب ابن أحدنا فيقال رهنت بوسق أو وسقين، قالوا نرهنك اللامة يريد السلاح، قال نعم فلما أتاه ناداه فخرج إليه وهومتطيب ينضح رأسه فلما أن جلس إليه وقد كان جاء معه بثلاثة نفر أو أربعة فذكروا له فقال عندي فلانة وهي أعطر نساء الناس، فقال تأذن لي فأشم، قال نعم فأدخل يده في رأسه فشمه فقال أعود قال نعم فأدخل يده في رأسه فلما استمكن منه قال دونكم فضربوه حتى قتلوه.

قلت في هذا من الفقه اسقاط الحرج عمن تأول الكلام فأخبر عن الشيء بما لم يكن إذا كان يريد بذلك استصلاح أمر دينه أو الذب عن نفسه وذويه. ومثل هذا الصنيع جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغرة وأوان الغفلة وكان كعب هذا قد لهج بسب النبي ﷺ وهجائه فاستحق القتل مع كفره بسبه رسول الله ﷺ وقد ذهب معنى ذلك على قوم فتوهموا أن ذلك الصنيع من قتله كان غدرا أو فتكا، وقد حرم رسول الله ﷺ الفتك.


812- قال أبو داود: حدثنا محمد بن حُزابة حدثنا إسحاق، يَعني ابن منصور حدثنا أسباط، يَعني الهمداني عن السدي عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن.

قلت الفتك إنما هو فجأة قتل من له أمان وكان كعب بن الأشرف ممن خلع الأمان ونقض العهد وقد روي لنا في أمره قصة عن بعض من داخلته الشبهة فتوهم أن قتله كان غدرا.

حدثنا الأصم حدثنا بحر بن نصر الخولاني حدثنا ابن وهب أخبرني سفيان بن عيينة عن محمد بن سعيد أخي سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عباية، قال ذكر قتل كعب بن الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة يا معاوية ايُغدّر عندك رسول الله ﷺ ثم لا تنكر والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبدا ولا يخلو إليَّ دم هذا إلا قتلته.

قال الشيخ أبعد الله ابن يامين وقبح رأيه هذا. كان كعب بن الأشرف لعنه الله يهجو رسول الله ﷺ ويحرض عليه فعاهده أن لا يعين عليه ولحق بمكة ثم نقض العهد وجاء معلنا بمعاداة رسول الله ﷺ فاستحق القتل لغدره ولنقضه العهد مع كفره.


حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مالك حدثنا الحسن بن علي بن زياد السري حدثنا ابن أبي أويس حدثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن كعب بن الأشرف عاهد رسول الله ﷺ أن لا يعين عليه ولا يقاتله ولحق بمكة ثم قدم المدينة معلنا بمعاداة النبي ﷺ فكان أول ما خزع منه قوله:

أذاهبٌ أنت لم تحلل بمرقبَة... وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم

في أبيات يهجوه بها فعند ذلك ندب رسول الله ﷺ إلى قتله.

قال السيخ قوله خزع معناه قطع عهده وفد فسره في كتاب غريب الحديث.


96/163م ومن باب الطُروق

813- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمرو وحدثنا مسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن محارب بن دثار عن جابر قال كان رسول الله ﷺ يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا.

قوله طروقا أي ليلا يقال لكل ما أتاك ليلا طارق، ومنه قوله تعالى {والسماء والطارق} أي النجم لأنه يطرق بطلوعه ليلا.


814- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم حدثنا سيار عن الشعبي عن جابر قال كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فلما تهيأنا لندخل قال امهلوا لكي تمتشط الشعثة وتستحد المُغِيبة.

قال الشيخ وتستحد أي تصلح من شأن نفسها والاستحداد مشتق من الحديد ومعناه الاحتلاق بالموسى يقال استحد الرجل إذا احتلق بالحديد واستعان بمعناه إذا حلق عانته.


97/167م ومن باب كراء المقاسم

815- قال أبو داود: حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الزمعي عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أخبره أن أبا سعيد الخدري أخبره أن رسول الله ﷺ قال إياكم والقُسامة قالوا وما القسامة قال الشيء يكون بين الناس فينتقص منه.

قال الشيخ القسامة مضمومة القاف اسم لما يأخذه القسام لنفسه في القسمة كالنشارة لما ينشر والفصالة لما يفصل والعجالة لما يعجل للضيف من الطعام، وليس في هذا تحريم لأجرة القسام إذا أخذها بإذن المقسوم لهم ؛ وإنما جاء هذا فيمن ولى أمر قوم فكان عريفا عليهم أو نقيبا فإذا قسم بينهم سهامهم أمسك منها شيئا لنفسه يستأثر به عليهم وقد جاء بيان ذلك في الحديث الآخر.

816- قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن شريك بن أبي نمرعن عطاء بن يسار عن النبي ﷺ نحوه، قال فيه الرجل يكون على الفِئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا.

قال الشيخ الفئام الجماعات. قال الفرزدق نفئام ينهضون إلى فئام.


98/169م ومن باب حمل السلاح إلى أرض العدو

817- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا أبي، عن أبي إسحاق هو السبيعي عن ذي الجوشن رجل من الضباب، قال أتيت النبي ﷺ بعد أن فرغ من أهل بدر بفرس لي يقال لها القرحاء، فقلت يا محمد إني قد جئتك لتتخذه فقال لا حاجة لي فيه فإن شثت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت ؛ قلت ما كنت لأقيضه اليوم بغُرة قال فلا حاجة لي فيه.

قوله أقيضك به معناه أبدلك به وأعوضك منه، والمقايضة في البيوع المعاوضة أن يعطي متاعا ويأخذ آخر لا نقد فيه، وفيه أنه سمى الفرس غرة وأكثرما جاء ذكر الغرة في الحديث إنما يراد بها النسمة من أولاد آدم عليه السلام عبد أوأمة وعلى ذلك تفسير قوله في الجنين وقضائه فيه بغرة عبد أو أمة، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول لا تكون الغرة إلا عبدا أبيض أو جارية بيضاء.

أخبرني به أبو محمد الكراني حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا زكريا المنقري حدثنا الأصمعي، عن أبي عمرو، وقد روي حديث الجنين عيسى بن يونس فجاء بزيادة تفرد بها لم يذكرها غيره من رواة الحديث فقال عبد أو فرس أو بغل فجعل الفرس والبغل غرة.

[8]

هامش

  1. [الممتحنة: 10]
  2. [بعصم الكوافر]
  3. [الفتح: 24]
  4. [الفتح: 26]
  5. [الفتح: 25]
  6. [الممتحنة: 10]
  7. [الممتحنة: 10]
  8. تم طبع الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث أوله كتاب الإمارة وذلك في الثلاثين من شهر ربيع الأول سنة 1352

هامش