→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
63/121م ومن باب كراهية تحريق العدو بالنار
764- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد عن محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه أن رسول الله ﷺ أمره على سرية قال فخرجت فيها، فقال إن وجدتم فلانا ًفأحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت إليه، قال إن وجدتموه فاقتلوه ولا تحرقوه فانه لا يعذب في النار إلا رب النار.
قلت هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرا قد ظفر به وحصل في الكف وقد أباح رسول الله ﷺ أن تضرم النار على الكفار في الحرب وقال لأسامة اغز على أُبنا صباحا وحرق. ورخص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمي أهل الحصون بالنيران إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار.
765- قال أبو داود: حدثنا أبو صالح حدثنا محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري، عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد قال غير أبي صالح الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، قال كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش قلت أو تعرش فقال النبي ﷺ من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد أحرقناها، فقال من حرق هذه قلنا نحن، قال أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.
الحمرة طائر قوله تفرش أو تعرش معناه ترفرف. والتفريش مأخوذ من فرش الجناح وبسطه والتعريش أن يرتفع فوقهما ويظلل عليهما، ومنه أخذ العريش يقال عرشت عريشا أعرُشُه واعرَشه.
وفيه دلالة على أن تحريق بيوت الزنابير مكروه. وأما النمل فالعذر فيه أقل وذلك أن ضرره قد يمكن أن يزال من غير إحراق. وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال إن نبيا من الأنبياء نزل على قرية نمل فقرصته نملة فأمر بالنمل فأحرقت فأوحي إليه إلا نملة واحدة.
قلت والنمل على ضربين أحدهما مؤذ ضرار فدفع عاديته جائز. والضرب الآخر لا ضرر فيه وهو الطوال الأرجل لا يجوز قتله.
4 6/13 1م ومن باب الرجل يكري دابته
على النصف أو بالسهم أو ببعض غنيمة
766- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدمشقي أبو النَّضر حدثنا محمد بن شعيب أخبرني أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع قال نادى رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فخرجت في أهلي. فأقبلت وقد خرج أول صحابة رسول الله ﷺ فطفقت في المدينة أنادي إلا من يحمل رجلا له سهمه، قال فإذا شيخ من الأنصار قال لنا سهمه على أن نحمله عقبة وطعامه معنا قلت نعم قال فسر على بركة الله قال فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا فأصابني قلائص فسقتهن حتى أتيته فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال سقهن مدبرات، ثم قال سقهن معبلات فقال ما أرى قلائصك إلا كراما، فقلت إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال خذ قلائصك ابن أخي فغير سهمك أردنا.
قلت اختلف الناس في هذا فقال أحمد بن حنبل فيمن يعطي فرسه على النصف مما يغنمه في غزاته أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال الأوزاعي ما أراه إلا جائزا وكان مالك بن أنس يكرهه. وفي مذهب الشافعي لا يجوز أن يعطيه فرسا على سهم من الغنيمة فإن فعل فله أجر مثل ركوبه.
وقوله فغير سهمك أردنا يشبه أن يكون معناه إني لم أرد سهمك من الغنم إنما أردت مشاركتك في الأجر والثواب والله أعلم.
65/4 11م ومن باب الأسير يوثق
767- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن مسلم بن عبد الله عن جندب بن مكيث قال بعث رسول الله ﷺ عبد الله بن غالب الليثي في سرية فكنت فيها وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه، فقال إنما جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول الله ﷺ فقلنا إن تك مسلما لم يضرك رباطنا يوما وليلة وإن تك غير ذلك نستوثق منك فشددناه وثاقا.
قوله فشنوا الغارة معناه بثوها من كل وجه ؛ وأصل الشن الصب يقال شننت الماءإذا صببته صبا متفرقا، والشنان ما تفرق من الماء.
وفيه دلالة على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر بالرباط والقيد والغل وما يدخل في معناها إن خيف انفلاته ولم يؤمن شره إن ترك مطلقا.
66/115 ومن باب الأسير ينال بضرب
768- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس أن رسول الله ﷺ ندب أصحابه فانطلق إلى بدر فأذاهم بروايا قريش فيها عبد أسود لبني الحجاج فأخذه أصحاب رسول الله ﷺ فجعلوا يسألونه اين أبو سفيان فيقول والله ما لي بشيء من أمره علم ولكن هذه قريش قد جاءت فيهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف، فإذا قال لهم ذلك ضربوه فيقول دعوني أخبركم فإذا تركوه قال والله ما لي بأبي سفيان من علم ولكن هذه قريش قد أقبلت فيهم أبوجهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف قد أقبلوا والنبي ﷺ يصلي وهو يسمع ذلك فلما انصرف قال والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان، قال أنس قال رسول الله ﷺ هذا مصرع فلان غدا ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان غدا ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان غدا ووضع يده على الأرض، فقال والذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله ﷺ فأمر بهم رسول الله ﷺ فأخذ بأرجلهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر.
السحب الجر العنيف والقليب البئر التي لم تطو وإنما هي حفيرة قلب ترابها فسميت قليبا، والروايا الإبل التي يستقى عليها واحدتها راوية وأصل الراوية المزادة فقيل للبعير راوية لحملها المزادة.
وفيه دليل على جواز ضرب الأسير الكاقر إذا كان في ضربه طائل.
67/6 11م ومن باب الأسير يكره على الإسلام
769- قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز وجل {لا إكراه في الدين} [1] الآية.
قلت المقلات هي المرأة التي لا يعيش لها ولد وأصله من القلت وهو الهلاك قال الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخا... وأم الطير مقلات نزور
وفيه دليل على أن من انتقل من كفر وشرك إلى يهودية أو نصرانية قبل مجيء دين الإسلام فإنه يقر على ما كان انتقل إليه وكان سبيله أهل الكتاب في أخذ الجزية منه وجواز مناكحته واستباحة ذبيحته. فأما من انتقل عن شرك إلى يهودية أو نصرانية بعد وقوع نسخ اليهودية وتبديل ملة النصرانية فإنه لا يقر على ذلك، وأما قوله سبحانه {لا إكراه في الدين} [2] فإن حكم الآية مقصور على ما نزلت فيه من قصة اليهود، فأما إكراه الكفار على دين الحق فواجب ولهذا قاتلناهم على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية ويرضوا بحكم الدين عليهم.
68/117م ومن باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام
770- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن المفضل حدثنا إسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد، قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله الناس إلا أربعة أنفس وامرأتين فذكر منهم ابن أبي السرح قال وكان قد اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول الله ﷺ الناس إلى البيعة جاء به حتى وقفه على النبي ﷺ فقال يا نبي الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى. فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه، فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا ما ندري يا رسول الله ما في نفسك أفلا أومأت إلينا بعينك، قال أنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين.
قلت معنى خائنة الأعين أن يضمر بقلبه غير ما يظهره للناس فإذا كف بلسانه وأومأ بعينه إلى خلاف ذلك فقد خان. وكان ظهور تلك الخيانة من قبل عينيه فسميت خائنة الأعين، ومعنى الرشد هاهنا الفطنة لصواب الحكم في قتله.
وفيه دليل على أن ظاهر السكوت من رسول الله ﷺ في الشيء يراه يصنع بحضرته يحل محل الرضا به والتقرير له.
قلت عبد الله بن أبي السرح كان يكتب للنبي ﷺ فارتد عن الدين فلذلك غلّظ عليه رسول الله ﷺ أكثر مما غلظ على غيره من المشركين.
771- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله ﷺ دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه.
قلت في كون المغفر على رأسه دليل على جواز ترك الإحرام للخائف على نفسه إذا دخل مكة وعلى أن صاحب الحاجة إذا أراد دخول الحرم لم يلزمه الإحرام إذا لم يرد حجا أوعمرة، وكان ابن خطل بعثه رسول الله ﷺ في وجه مع رجل من الأنصار وأمر الأنصاري عليه، فلما كان ببعص الطريق وثب على الأنصاري فقتله وذهب بماله فلم ينفذ رسول الله ﷺ له الأمان وقتله بحق ما جناه في الإسلام.
وفيه دليل على أن الحرم لا يعصم من إقامة حكم واجب ولا يؤخره عن وقته.
69/0 12م ومن باب المن على الأسير بغير فداء
772- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي ﷺ وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم فأخذهم رسول الله ﷺ سلما فأعتقهم فأنزل الله تعالى {وهوالذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} [3] إلى آخر الآية.
قوله سلما، يَعني اسراء، يقال رجل سلَم أي أسير وقوم سلم الواحد والجماعة سواء قال الشاعر:
فاتقين مروان في القوم السلَم
773- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي ﷺ قال لأسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا ثم حكمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له.
النتنى جمع النتن وهو المنتن، يقال نتن الشيء ينتن فهو نتن ويجمع على النتنى كما يقال زمن الرجل يزمن فهو زمن ويجمع على الزمنى.
وفيه دليل على جواز إطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء.
774- قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشى حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا شعبة عن أبى العبس، عن أبي الشعثاء عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة.
775- قال أبو داود: حدثنا علي بن الحسين الرقي حدثني عبد الله بن جعفر الرقي أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ لما أراد قتل عقبة بن أبي مُعَيط قال من للصبية قال النار.
قلت في هذه الأحاديث الثلاثة حديث جبير بن مطعم وحديث ابن عباس وحديث عبد الله بن مسعود دليل على أن الإمام مخير في الأسارى البالغين إن شاء من عليهم وأطلقهم من غير فداء وإن شاء فاداهم بمال معلوم وإن شاء قتلهم أي ذلك كان أصلح ومن أمر الدين وإعزاز الإسلام أوقع. وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري.
وقال أصحاب الرأي إن شاء قتلهم وإن شاء فاداهم وإن شاء استرقهم ولا يمن عليهم فيطلقهم بغير عوض فيكون فيه تقوية للكفار وزيادة في عددهم.
وزعم بعضهم أن المن كان خاصا للنبي ﷺ دون غيره.
قلت التخصيص في أحكام الشريعة لا يكون إلا بدليل والنبي ﷺ إذا حكم بحكم في زمانه كان ذلك سنة وشريعة في سائر الأزمان وقد قال سبحانه {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء} [4] الآية. وهذا خطاب لجماعة الأمة كلهم ليس فيه تخصيص للنبي ﷺ وإنما كان فعله امتثالا للآية، وأما الذين اعتلوا به من تقوية الكفر فإن الإمام إذا رأى أن يعطي كافرا عطية يستميله بها إلى الإسلام كان ذلك جائزا وإن كان في ذلك تقوية لهم فكذلك هذا. وقد أعطى النبي ﷺ رجلا من الكفار غنما بين جبلين. حدثناه ابن الأعرابي حدثنا عبد الرحمن بن منصور الحارثي حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد العذري عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه، قال جاء رجل من العرب إلى رسول الله ﷺ فسأل شيئا بين جبلين فكتب له بها فأسلم ثم أتى قومه فقال لهم أسلموا فقد جئتكم من عند رجل يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة.
وفي أخذه في الفداء المال دليل على فساد قول من يقول أنه يفادي بالرجال ولا يفادي بالمال ويحكى نحو هذا القول عن مالك بن أنس.
776- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة سبي هوازن قال: قال رسول الله ﷺ ردوا عليهم نساءهم وأبنائهم فمن مسَّك بشيء من هذا الفيء فإن له علينا به ست فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا ثم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس أنه ليس لي من هذا الفيء ولا هذا ورفع أصبعيه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط فقام رجل في يده كُبّة من شعر فقال أخذت هذه لأصلح بها برذعة لي، فقال رسول الله ﷺ اما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لك فقال أما إذا بلغت ما أرى فلا ارب لي فيها ونبذها.
قوله من مسَّك يريد أمسك، مسّكت بالشيء وأمسكته بمعنى واحد وفيه إضمار وهو الرد كأنه قال من أصاب شيئا من هذا الفيء فأمسكه ثم رده وقوله من أول شيء يفيئه الله علينا فإنه يريد الخمس الذي جعله الله له من الفيء وكان الخمس من الفيء لرسول الله ﷺ خاصة ينفق منه على أهله ويجعل الباقي في مصالح الدين وسد حاجة المسلمين، وذلك معنى قوله إلا الخمس والخمس مردود عليكم.
وقد استدل بعض أهل العلم بهذا على أن سهم النبي ﷺ ساقط بعد موته ومردود على شركائه المذكورين معه في الآية، وكذلك سهم ذي القربى وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي. وقال بعضهم هو للخليفة بعده يصرفه فيما كان رسول الله ﷺ يصرفه فيه أيام حياته.
وقال الشافعي هو موضوع في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع وسلاح وما دعا إلى مصلحة فيه.
وفي قوله ادوا الخياط والمخيط دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد بشيء منه وإن قل إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة وهذا قول الشافعي.
وقال مالك إذا كان شيئا خفيفا فلا أرى به بأسا أن يرتفق به آخذه دون أصحابه.
70/23 1م ومن باب التفريق بين السبي
777- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم عن ميمون بن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي ﷺ عن ذلك فرد البيع. قال أبو داود ميمون لم يدرك عليا.
قلت لم يختلف أهل العلم في أن التفريق بين الولد الصغير وبين والدته غير جائز، إلا أنهم اختلفوا في الحد بين الصغير الذي لا يجوز معه التفريق وبين الكبير الذي يجوز معه. فقال أصحاب الرأي الحد في ذلك الاحتلام.
وقال الشافعي إذا بلغ سبعا أو ثمانيا. وقال الأوزاعي إذا استغنى عن أمه فقد خرج من الصغر. وقال مالك إذا ثغر. وقال أحمد لا يفرق بينهما بوجه وإن كبر الولد واحتلم.
قلت ويشبه أن يكون المعنى في التفريق عند أحمد قطيعة الرحم. وصلة الرحم واجبة مع الصغر والكبر. ولا يجوز عند أصحاب الرأي التفريق بين الأخوين إذا كان أحدهما صغيرا والاخر كبيرا فإن كانا صغيرين جاز.
وأما الشافعي فإنه يرى التفريق بين المحارم في البيع ويجعل المنع في ذلك مقصورا على الولد. ولا يختلف مذاهب العلماء في كراهة التفريق بين الجارية وولدها الصغير سواء كادت مسبية من بلاد الكفر أو كان الولد من زنا أو كان زوّجها أهلها في الإسلام فجاءت بولد ولا أعلمهم يختلفون في أن التفرقة بينهما في العتق جائز وذلك أن العتق لا يمنع من الحضانة كما يمنع منها البيع. والرهن في ذلك بمعنى البيع.
واختلفوا في البيع إذا وقع على التفريق فقال أبو حنيفة هو ماض وإن كرهناه وغالب مذهب الشافعي أن البيع مردود. وقال أبو يوسف البيع مردود.
واحتجوا بخبر علي رضي الله عنه هذا إلا أن إسناده غير متصل كما ذكره أبو داود.
71/124م ومن باب الرخصة في المدركات يفرق بينهن
778- قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي قال خرجنا مع أبي بكر رضي الله عنه وأمّره علينا رسول الله فغزونا فزارة فشننا الغارة ثم نظرت إلى عُنق من الناس فيه الذرية والنساء فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا فجئت بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه فيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم معها ابنة لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر رضي الله عنه ابنتها فقدمت المدينة فلقيني رسول الله ﷺ فقال لي يا سلمة هب لي المرأة، فقلت والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله ﷺ في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك فقلت يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا وهي لك فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى ففداهم بتلك المرأة.
قوله عنق من الناس يريد جماعة منهم ومن هذا قوله تعالى {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [5] أي جماعاتهم ولو كان المراد به الرقاب لقيل خاضعات والله أعلم.
والقشع الجلد وفيه لغتان، يقال قَشْع وقِشْع ومنه قولك قشعت الشيء إذا أخذت قشره والقشاعة ما أخذته من جلدة وجه الأرض. وفي قوله نفلني أبو بكر ابنتها دليل على أن النفل قبل الخمس.
وفيه دليل على جواز التفريق بين الأم وولدها الكبير خلاف ما ذهب إليه أحمد بن حنبل. وفي قوله ما كشفت لها ثوبا وسكوت النبي ﷺ وتركه الإنكار عليه دليل على أنهم كانوا يستبيحون إذ ذاك وطء الوثنيات وذلك قبل نزوله من الحديبية ولولا إقامة هذه الجارية على كفرها لما ردت إلى أهل مكة وهم كفار إذ ذاك.
75/125م ومن باب المال يصيبه العدو من المسلمين
ثم يدركه صاحبه في الغنيمة
779- قال أبو داود: حدثنا صالح بن سهيل حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن غلاما لابن عمر ابق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله ﷺ إلى ابن عمر ولم يقسم.
قلت في هذا دليل على أن المشركين لا يحرزون على مسلم مالا بوجه. وإن المسلمين إذا استنقذوا من أيديهم شيئا كان للمسلم وكان عليهم رده عليه ولا يغنمونه.
واختلفوا في هذا فقال الشافعي صاحب الشيء أحق به قسم أو لم يقسم وقال الأوزاعي والثوري إن أدركه صاحبه قبل أن يقسم فهو له وإن لم يدركه حتى قسم كان أحق به، وكذلك قال أبو حنيفة إلا أنه فرق بين المال يغلب عليه العدو وبين العبد يأبق فيأسره العدو فقال في المال مثل قول الأوزاعي، وقال في العبد مثل قول الشافعي.
73/126م ومن باب عبيد المشركين
يلحقون بالمسلمين فيسلمون
780- قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد، يَعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال خرج عبدان إلى رسول الله ﷺ، يَعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم قالوا يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرق فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم فغضب رسول الله ﷺ وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء الله.
قلت هذا أصل في أن من خرج من دار الكفر مسلما وليس لأحد عليه يد قدرة فأنه حر وإنما يعتبر أمره بوقت الخروج منها إلى دار الإسلام. فأما الحالة المتقدمة فلا عبرة بها وحكمها مهدوم بما تجدد له من الملكة في الإسلام. فلو أن رجلا من الكفار خرج إلينا وفي يده عبد له فأسلما جميعا قبل أن يقدر عليهما كان الحر منهما حرا والعبد عبدا وملك السيد مستقر عليه كما كان، فلو أن العبد غلب على سيده في دار الحرب ثم خرجا إلينا مسلمين ويد العبد ثابتة على السيد كان السيد مملوكا والمملوك مالكا وعلى هذا القياس.
74/127م ومن باب إباحة الطعام في أرض العدو
781- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن جيشا غنموا في زمان رسول الله ﷺ طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس.
قلت لا أعلم خلافا بين الفقهاء في أن الطعام لا يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة وإن لواجده أكله ما دام الطعام في حد القلة وعلى قدر الحاجة وما دام صاحبه مقيما في دار الحرب وهو مخصوص من عموم الآية ببيان النبي ﷺ كما خص منها السلب وسهم النبي ﷺ والصفي ورخص أكثر العلماء في علف الدواب ورأوه في معنى الطعلم للحاجة إليه. وقال الشافعي فإن أكل فوق الحاجة أدى ثمنه في المغنم، وكذلك إن شرب شيئا من الأشربة والأدوية التي لا تجرى مجرى الأقوات أو أطعم صقوره أو بزاته لحما منه أدى قيمته في المغنم، وإنما يحل له قدر الحاجة حسب وليست يده على الطعام في دار الحرب يد ملك حقيقة وإنما له يد الارتفاق والانتفاع به قدر الحاجة وهذا على أحد قولي الشافعي.
75/128م ومن باب النهي عن النُهْبى
782- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير، يَعني ابن حازم عن يعلى بن حكيم، عن أبي لبيد، قال كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بكابل فأصاب الناس غنيمة فانتهبوها فقام خطيبا فقال سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن النهبي فردوا ما أخذوه فقسمه بينهم.
قلت النهبي اسم مبني على فعلى من النهب كالرغبى من الرغبة، وإنما نهي عن النهب، لأن الناهب إنما يأخذ ما يأخذه على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي ذلك إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه وأن يبخس بعضهم حقه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم، فإذا انتهبوا الغنيمة بطلت القسمة وعدمت التسوية.
76/129م ومن باب حمل الطعام من أرض العدو
783- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن خُرشف الأزدي حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مُمْلأة.
واختلفوا فيما يخرج به المرء من الطعام من دار الحرب فقال سفيان يريد ما أخذ منه إلى الإمام، وكذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، وقال في موضع آخر. له أن يحمله لأنه إذا ملكه في دار الحرب فقد صار له فلا معنى لمنعه من الخروج به، وإلى هذا ذهب الأوزاعي إلا أنه قال لا يجوز له أن يبيعه إنما له الأكل فقط. فإن باعه وضع ثمنه في مغانم المسلمين.
وكان مالك بن أنس يرخص في القليل منه كاللحم والخبز ونحوهما. قال لا بأس أن يأكل في أهله وكذلك قال أحمد.
77/130م ومن باب بيع الطعام إذا فضل
عن الناس في أرض العدو
784- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المصفى حدثنا محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة قال حدثني أبو عبد العزيز شيخ من أهل الأردن عن عبادة بن نُسيّ عن عبد الرحمن بن غنم قال رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط فلما فتحها أصاب فيها غنما وبقرا فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم. فلقيت معاذ بن جبل فحدثته فقال معاذ غزونا مع رسول الله ﷺ خيبر فأصبنا فيها غنما فقسم فينا رسول الله ﷺ طائفة وجعل بقيتها في المغنم.
قوله قسم فينا طائفة أي قدر الحاجة للطعام وقسم البقية بينهم على السهام. والأصل أن الغنيمة مخموسة ثم الباقي بعد ذلك مقسوم، إلا أن الضرورة لما دعت إلى إباحة الطعام للجيش والعلف لدوابهم صار قدر الكفاية منها مستثنى ببيان النبي ﷺ ومازاد على ذلك مردود إلى المغنم لا يجوز بيعه لآخذه والاستيثار بثمنه.
78/131م ومن باب الرجل ينتفع من الغنيمة بشيء
785- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور وعثمان بن أبي شيبة المعنى وأنا لحديثه أتقن قالا: حدثنا أبومعاوية عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن النبي ﷺ قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه.
قلت أما في حال الضرورة وقيام الحرب فلا أعلم بين أهل العلم اختلافا في جواز استعمال سلاح العدو ودوابهم، فأما إذا انقضت الحرب فإن الواجب ردها في المغنم. فأما الثياب والخُرثيّ والأدوات فلا يجوز أن يستعمل شيء منها إلا أن يقول قائل الثياب أنه إذا احتاج إلى شيء منها حاجة ضرورة كان له أن يستعمله مثل أن يشتد البرد فيستدفي بثوب ويتقوى به على المقام في بلاد العدو مرصدا لقتالهم، وسئل الأوزاعي عن ذلك فقال لا يلبس الثوب للبرد إلا أن يخاف الموت.
79/132م ومن باب الرخصة في السلاح
يقاتل به في المعركة
786- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا إبراهيم بن يوسف قال أبو داود وهو إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه، عن أبي إسحاق قال حدثني أبو عبيدة عن أبيه قال مررت فإذا أبوجهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الأخِر قال ولا أهابه عند ذلك فقال أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائف فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد.
قوله أبعد من رجل هكذا رواه أبو داود وهو غلط إنما هو أعمد من رجل بالميم بعد العين وهي كلمة للعرب معناها كأنه يقول هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل به من الهلاك حكاها أبو عبيد، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى وأنشد لابن ميّادة:
وأعمد من قوم كفاهم أخوهم... صِدام الأعادي حين قلت ينوبها
يقول هل زادنا على أن كفانا إخواننا. وقوله برد يريد مات واصل الكلمة من الثبوت يريد سكون الموت وعدم حركة الحياة، ومن ذلك قولهم برد لي على فلان حق أي ثبت. وقوله غير طائل أي غير ماض، وأصل الطائل النفع والعائدة يقال أتيت فلانا فلم أر عنده طائلا. وفيه أنه قد استعمل سلاحه في قتله وانتفع به قبل القسم.
هامش