→ فصل في أن الغفلة والشهوة أصل الشر | مجموع فتاوى ابن تيمية – التفسير فصل في بيان تفضل الله على العباد ابن تيمية |
فصل في الذنوب عقوبة للإنسان على عدم فعله ما خلق له ← |
فصل في بيان تفضل الله على العباد
والله سبحانه قد تفضل على بنى آدم بأمرين، هما أصل السعادة:
أحدهما: أن كل مولود يولد على الفطرة، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جَمْعَاء، هل تحسون فيها من جَدْعاء؟ » ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } ، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [1].
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار، عن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا».
فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة للّه بالإلهية، محبة له، تعبده لا تشرك به شيئا، ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحى بعضهم إلى بعض من الباطل، قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } [2].
وتفسير هذه الآية مبسوط في غير هذا الموضع.
الثاني: أن الله تعالى قد هدى الناس هداية عامة بما جعل فيهم بالفطرة من المعرفة وأسباب العلم، وبما أنزل إليهم من الكتب، وأرسل إليهم من الرسل، قال تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [3]، وقال تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [4] وقال تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } [5]، وقال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [6].
ففي كل أحد ما يقتضى معرفته بالحق ومحبته له، وقد هداه ربه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصل بها إلى سعادة الأولى والآخرة. وجعل في فطرته محبة لذلك، لكن قد يعرض الإنسان بجاهليته وغفلته عن طلب علم ما ينفعه.
وكونه لا يطلب ذلك، ولا يريده، أمر عدمي، لا يضاف إلى الله تعالى فلا يضاف إلى الله لا عدم علمه بالحق، ولا عدم إرادته للخير.
لكن النفس كما تقدم الإرادة والحركة من لوازمها، فإنها حية حياة طبيعية، لكن سعادتها ونجاتها إنما تتحقق بأن تحيا الحياة النافعة الكاملة، وكان ما لها من الحياة الطبيعية موجبا لعذابها، فلا هي حية متنعمة بالحياة، ولا هي ميتة مستريحة من العذاب، قال تعالى: { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى } [7]، فالجزاء من جنس العمل، لما كان في الدنيا ليس بحي الحياة النافعة التي خلق لأجلها، بل كانت حياته من جنس حياة البهائم، ولم يكن ميتا عديم الإحساس، كان في الآخرة كذلك، فإن مقصود الحياة هو حصول ما ينتفع به الحي ويستلذ به، والحي لابد له من لذة أو ألم، فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة؛ فإن الألم ليس مقصودا.
كمن هو حي في الدنيا، وبه أمراض عظيمة لا تدعه يتنعم بشيء مما يتنعم به الأحياء، فهذا يبقى طول حياته يختار الموت، ولا يحصل له.
فلما كان من طبع النفس الملازم لها وجود الإرادة والعمل، إذ هو حارث همام، فإن عرفت الحق وأرادته، وأحبته وعبدته، فذلك من تمام إنعام الله عليها. وإلا فهي بطبعها لابد لها من مراد معبود غير الله، ومرادات سيئة تضرها، فهذا الشر قد تركب من كونها لم تعرف الله ولم تعبده، وهذا عدم لا يضاف إلى فاعل، ومن كونها بطبعها لابد لها من مراد معبود، فعبدت غيره. وهذا هو الشر الذي تعذب عليه، وهو من مقتضى طبعها مع عدم هداها.
والقدرية يعترفون بهذا جميعه، وبأن الله خلق الإنسان مريدا، لكن يجعلون المخلوق كونه مريدا بالقوة والقبول، أي قابلا لأن يريد هذا وهذا.
وأما كونه مريدا لهذا المعين، وهذا المعين، فهذا عندهم ليس مخلوقا لله وغلطوا في ذلك غلطا فاحشا؛ فإن الله خالق هذا كله.
وإرادة النفس لما يريده من الذنوب وفعلها، هو من جملة مخلوقات الله تعالى؛ فإن الله خالق كل شيء، وهو الذي ألهم النفس التي سواها فجورها وتقواها.
وكان النبي ﷺ يقول في دعائه: «اللهم آت نفسي تقواها، وزَكِّها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
وهو سبحانه جعل إبراهيم وآله أئمة يهدون بأمره، وجعل فرعون وآله أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا يُنْصَرون.
لكن هذا لا يضاف مفردا إلى الله تعالى لوجهين: من جهة علته الغائية، ومن جهة سببه وعلته الفاعلية.
أما الغائية، فإن الله إنما خلقه لحكمة هو باعتبارها خير لا شر، وإن كان شرا إضافيا، فإذا أضيف مفردا توهم المتوهم مذهب جَهم: أن الله يخلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد لا لحكمة ولا رحمة، والأخبار والسنة والاعتبار تبطل هذا المذهب.
كما أنه إذا قيل: محمد وأمته يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض، كان هذا ذما لهم، وكان باطلا. وإذا قيل: يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، ويقتلون من منعهم من ذلك، كان هذا مدحا لهم، وكان حقا.
فإذا قيل: إن الرب تبارك وتعالى حكيم رحيم، أحسن كل شيء خلقه، وأتقن ما صنع، وهو أرحم الراحمين، أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل لا يفعل إلا خيرا، وما خلقه من ألم لبعض الحيوانات أو من أعمالهم المذمومة، فله فيها حكمة عظيمة، ونعمة جسيمة كان هذا حقا، وهو مدح للرب وثناء عليه.
وأما إذا قيل: إنه يخلق الشر الذي لا خير فيه ولا منفعة لأحد، ولا له فيها حكمة ولا رحمة، ويعذب الناس بلا ذنب لم يكن هذا مدحا للرب، ولا ثناء عليه، بل كان بالعكس.
ومن هؤلاء من يقول: إن الله تعالى أضر على خلقه من إبليس.
وبسط القول في بيان فساد قول هؤلاء له موضع آخر.
وقد بينا بعض ما في خلق جهنم وإبليس والسيئات من الحكمة والرحمة، وما لم نعلم أعظم مما علمناه.
فتبارك الله أحسن الخالقين، وأرحم الراحمين، وخير الغافرين، ومالك يوم الدين، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، الذي لا يحصى العباد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، الذي له الحمد في الأولى والآخر، وله الحكم وإليه ترجعون، الذي يستحق الحمد والحب والرضا لذاته، ولإحسانه إلى عباده سبحانه وتعالى يستحق أن يحمد لما له في نفسه من المحامد والإحسان إلى عباده. هذا حمد شكر، وذاك حمد مطلقا.
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما قيل: من أن كل ما خلقه الله فهو نعمة على عباده المؤمنين، يستحق أن يحمدوه ويشكروه عليه، وهو من آلائه؛ ولهذا قال في آخر سورة النجم: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى } [8]، وفى سورة الرحمن يذكر: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [9] ونحو ذلك، ثم يقول عقب ذلك: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [10].
وقال آخرون منهم الزجاج، وأبو الفرج ابن الجوزي: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: من هذه الأشياء المذكورة؛ لأنها كلها ينعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته، وفي رزقه إياكم ما به قوامكم.
وهذا قالوه في سورة الرحمن.
وقالوا في قوله: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى } [11]؟: فبأي نِعَم ربك التي تدل على وحدانيته تتشكك؟ وقيل: تشك وتجادل؟ قال ابن عباس: تكذب؟
قلت: قد ضمن { تَتَمَارَى } معنى تكذب؛ ولهذا عداه بالتاء؛ فإن التماري تفاعل من المراء. يقال: تمارينا في الهلال. والمراء في القرآن كفر، وهو يكون تكذيب وتشكيك.
وقد يقال: لما كان الخطاب لهم، قال: { تَتَمَارَى } أي يتمارون، ولم يقل: تميرا؛ فإن التفاعل يكون بين اثنين تماريا. قالوا: والخطاب للإنسان. قيل: للوليد بن المغيرة؛ فإنه قال: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [12]، ثم التفت إليه فقال: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى } تكذب، كما قال: { خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [13].
ففي كل ما خلقه الله إحسان إلى عباده، يحمد عليه حمد شكر، وله فيه حكمة تعود إليه، يستحق لأجلها أن يحمد عليه حمدا يستحقه لذاته.
فجميع المخلوقات فيها إنعام على العباد، كالثقلين المخاطبين بقوله: { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } من جهة أنها آيات للرب، يحصل بها هدايتهم وإيمانهم الذي يسعدون به في الدنيا والآخرة، فيدلهم عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
والآيات التي بعث بها الأنبياء وأيدهم بها ونصرهم، وإهلاك عدوهم كما ذكره في سورة النجم: { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } [14]، تدلهم على صدق الأنبياء فيما أخبروا به من الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ما بشروا به وأنذروا به.
ولهذا قال عقيب ذلك: { هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى } [15]، قيل: هو محمد. وقيل: هو القرآن؛ فإن الله سمى كلا منهما بشيرا ونذيرا، فقال في رسول الله: { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [16]، وقال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [17]، وقال تعالى في القرآن: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } [18]، وهما متلازمان.
وكل من هذين المعنيين مراد، يقال: هذا نذير أنذر بما أنذرت به الرسل والكتب الأولى.
وقوله: { مِّنَ النُّذُرِ } أي: من جنسها، أي رسول من الرسل المرسلين.
ففي المخلوقات نعم من جهة حصول الهدى والإيمان، والاعتبار والموعظة بها. وهذه أفضل النعم.
فأفضل النعم نعمة الإيمان وكل مخلوق من المخلوقات فهو الآيات التي يحصل بها ما يحصل من هذه النعمة، قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } [19]، وقال تعالى: { تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } [20].
وما يصيب الإنسان، إن كان يَسُرُّه فهو نعمة بينة، وإن كان يسؤوه فهو نعمة من جهة أنه يُكَفِّر خطاياه، ويثاب بالصبر عليه. ومن جهة أن فيه حكمة ورحمة لا يعلمها { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [21].
وقد قال في الحديث: «واللهِ، لا يَقْضِي اللَّهُ للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سَرَّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضَرَّاء صبر، فكان خيرا له». وإذا كان هذا وهذا، فكلاهما من نعم الله عليه.
وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى الصبر.
أما نعمة الضراء، فاحتياجها إلى الصبر ظاهر، وأما نعمة السراء، فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها؛ فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء، كما قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
وفى الحديث: «أعوذ بك من فتنة الفقر، وشر فتنة الغنى».
والفقر يصلح عليه خَلْق كثير، والغنى لا يصلح عليه إلا أقل منهم.
ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين؛ لأن فتنة الفقر أهون وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر، لكن لما كان في السراء اللذة، وفى الضراء الألم، اشتهر ذكر الشكر في السراء، والصبر في الضراء، قال تعالى: { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [22]، ولأن صاحب السراء أحوج إلى الشكر، وصاحب الضراء أحوج إلى الصبر؛ فإن صبر هذا وشكر هذا واجب، إذا تركه استحق العقاب.
وأما صبر صاحب السراء، فقد يكون مستحبا إذا كان عن فضول الشهوات، وقد يكون واجبا، ولكن لإتيانه بالشكر الذي هو حسنات يغفر له ما يغفر من سيئاته.
وكذلك صاحب الضراء، لا يكون الشكر في حقه مستحبا إذا كان شكرا يصير به من السابقين المقربين. وقد يكون تقصيره في الشكر مما يغفر له، لما يأتي به من الصبر؛ فإن اجتماع الشكر والصبر جميعا يكون مع تألم النفس وتلذذها، يصبر على الألم، ويشكر على النعم. وهذا حال يعسر على كثير من الناس، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا أن الله تعالى منعم بهذا كله، وإن كان لا يظهر الإنعام به في الابتداء لأكثر الناس، فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، فكل ما يفعله الله فهو نعمة منه.
وأما ذنوب الإنسان، فهي من نفسه، ومع هذا فهي مع حسن العاقبة نعمة، وهي نعمة على غيره بما يحصل له بها من الاعتبار والهدى والإيمان؛ ولهذا كان من أحسن الدعاء قوله: «اللهم لا تجعلني عبرة لغيري، ولا تجعل أحدا أسعد بما علمتني مني».
وفي دعاء القرآن: { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [23]، و { لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا } [24]، كما فيه: { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [25] أي: فاجعلنا أئمة لمن يقتدي بنا ويأتم، ولا تجعلنا فتنة لمن يضل بنا ويشقى.
والآلاء في اللغة: هي النعم، وهي تتضمن القدرة.
قال ابن قتيبة: لما عدد الله في هذه السورة سورة الرحمن نعماءه، وذَكَّر عباده آلاءه ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين نعمتين، ليفهم النعم ويقررهم بها.
وقد روى الحاكم في صحيحه والترمذي، عن جابر، عن النبي ﷺ قال: قرأ علينا رسول الله ﷺ الرحمن حتى ختمها، ثم قال: «مالي أراكم سكوتا؟ لَلْجِنُّ كانوا أحسن منكم رَدّا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد».
والله تعالى يذكر في القرآن بآياته الدالة على قدرته وربوبيته، ويذكر بآياته التي فيها نعمه وإحسانه إلى عباده، ويذكر بآياته المبينة لحكمته تعالى، وهي كلها متلازمة.
فكل ما خلق فهو نعمة، ودليل على قدرته وعلى حكمته.
لكن نعمة الرزق، والانتفاع بالمآكل والمشارب والمساكن والملابس ظاهرة لكل أحد؛ فلهذا يستدل بها كما في سورة النحل وتسمى سورة النعم، كما قاله قتادة وغيره.
وعلى هذا، فكثير من الناس يقول: الحمد أعم من الشكر، من جهة أسبابه، فإنه يكون على نعمة وعلى غير نعمة، والشكر أعم من جهة أنواعه؛ فإنه يكون بالقلب واللسان واليد.
فإذا كان كل مخلوق فيه نعمة، لم يكن الحمد إلا على نعمة، والحمد لله على كل حال؛ لأنه ما من حال يقضيها إلا وهي نعمة على عباده.
لكن هذا فَهْم من عرف ما في المخلوقات من النعم. والجهمية والجبرية بمعزل عن هذا.
وكذلك كل ما يخلقه، ففيه له حكمة، فهو محمود عليه باعتبار تلك الحكمة والجهمية أيضا بمعزل عن هذا.
وكذلك القدرية الذين يقولون: لا تعود الحكمة إليه، بل ما ثم إلا نفع الخلق فما عندهم إلا شكر، كما ليس عند الجهمية إلا قدرة.
والقدرة المجردة عن نعمة وحكمة لا يظهر فيها وصف حمد، كالقادر الذي يفعل ما لا ينتفع به، ولا ينفع به أحدا، فهذا لا يحمد.
فحقيقة قول الجهمية أتباع جَهْم أنه لا يستحق الحمد، فله عندهم ملك بلا حمد، مع تقصيرهم في معرفة ملكه.
كما أن المعتزلة له عندهم من الحمد بلا ملك تام؛ إذ كان عندهم يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، وتحدث حوادث بلا قدرته.
وعلى مذهب السلف، له الملك وله الحمد تامين، وهو محمود على حكمته، كما هو محمود على قدرته ورحمته.
وقد قال: { شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [26]، فله الوحدانية في إلهيته، وله العدل، وله العزة والحكمة.
وهذه الأربعة إنما يثبتها السلف وأتباعهم، فمن قصر عن معرفة السنة، فقد نقص الرب بعض حقه.
والجهمي الجبري لا يثبت عدلا ولا حكمة، ولا توحيد إلهية، بل توحيد ربوبيته.
والمعتزلي أيضا لا يثبت في الحقيقة توحيد إلهية ولا عدلا في الحسنات والسيئات، ولا عزة ولا حكمة في الحقيقة، وإن قال: إنه يثبت الحكمة بما معناها يعود إلى غيره. وتلك لا يصلح أن تكون حكمة، من فعل لا لأمر يرجع إليه، بل لغيره هو عند العقلاء قاطبة بها ليس بحكيم، بل سفيه.
وإذا كان الحمد لا يقع إلا على نعمة، فقد ثبت أنه رأس الشكر، فهو أول الشكر.
والحمد وإن كان على نعمته وعلى حكمته، فالشكر بالأعمال هو على نعمته، وهو عبادة له لإلهيته التي تتضمن حكمته، فقد صار مجموع الأمور داخلا في الشكر.
ولهذا عظم القرآن أمر الشكر، ولم يعظم أمر الحمد مجردا؛ إذ كان نوعا من الشكر.
وشرع الحمد الذي هو الشكر المقول أمام كل خطاب مع التوحيد.
ففي الفاتحة الشكرُ والتوحيد، والخطب الشرعية لابد فيها من الشكر والتوحيد. والباقيات الصالحات نوعان؛ فسبحان الله وبحمده فيها الشكر والتنزيه والتعظيم، ولا إله إلا الله، والله أكبر فيها التوحيد والتكبير.
وقد قال تعالى: { فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [27].
وهل الحمد على كل ما يحمد به الممدوح، وإن لم يكن باختياره، أو لا يكون الحمد إلا على الأمور الاختيارية، كما قيل في الذم؟ فيه نظر ليس هذا موضعه.
وفى الصحيح: أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: «ربنا ولك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بَعْدُ، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعْطِيَ لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدُّ منك الجد». هذا لفظ الحديث. «أحق»: أفعل التفضيل.
وقد غلط فيه طائفة من المصنفين، فقالوا: «حق ما قال العبد»، وهذا ليس لفظ الرسول. وليس هو بقول سديد؛ فإن العبد يقول الحق والباطل، بل حق ما يقوله الرب، كما قال تعالى: { فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } [28].
ولكن لفظه: «أحق ما قال العبد» خبر مبتدأ محذوف، أي الحمد أحق ما قال العبد، أو هذا وهو الحمد أحق ما قال العبد.
ففيه بيان: أن الحمد للّه أحق ما قاله العباد؛ ولهذا أوجب قوله في كل صلاة، وأن تفتتح به الفاتحة، وأوجب قوله في كل خطبة، وفى كل أمر ذي بال.
والحمد ضد الذم، والحمد يكون على محاسن المحمود، مع المحبة له، كما أن الذم يكون على مساويه، مع البغض له.
فإذا قيل: إنه سبحانه يفعل الخير والحسنات، وهو حكيم رحيم بعباده، أرحم بعباده من الوالدة بولدها أوجب ذلك أن يحبه عباده ويحمدوه.
وأما إذا قيل: بل يخلق ما هو شر محض، لا نفع فيه، ولا رحمة، ولا حكمة لأحد، وإنما يتصف بإرادة ترجح مثلا على مثل، لا فرق عنده بين أن يرحم أو يعذب، وليست نفسه ولا إرادته مرجحة للإحسان إلى الخلق، بل تعذيبهم وتنعيمهم سواء عنده، وهو مع هذا يخلق ما يخلق لمجرد العذاب والشر، ويفعل ما يفعل لا لحكمة ونحو ذلك، مما يقوله الجهمية لم يكن هذا موجبا لأن يحبه العباد ويحمدوه، بل هو موجب للعكس.
ولهذا فإن كثيرا من هؤلاء ينطقون بالذم والشتم والطعن، ويذكرون ذلك نظما ونثرا.
وكثير من شيوخ هؤلاء وعلمائهم من يذكر في كلامه ما يقتضي هذا، ومن لم يقله بلسانه فقلبه ممتلئ به، لكن يرى أن ليس في ذكره منفعة، أو يخاف من عموم المسلمين.
وفي شعر طائفة من الشيوخ ذكر نحو هذا.
وهؤلاء يقيمون حجج إبليس وأتباعه على الله، ويجعلون الرب ظالما لهم.
وهو خلاف ما وصف الله به نفسه، في قوله تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } [29]، وقوله: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } [30]، وقوله: { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } [31].
كيف يكون ظالما وهم فيما بينهم لو أساء بعضهم إلى بعض، أو قصر في حقه لكان يؤاخذه، ويعاقبه وينتقم منه، ويكون ذلك عدلا إذا لم يعتد عليه؟
ولو قال: إن الذي فعلته قدر علي فلا ذنب لي فيه، لم يكن هذا عذرا له عندهم باتفاق العقلاء.
فإذا كان العقلاء متفقين على أن حق المخلوق لا يجوز إسقاطه احتجاجا بالقدر، فكيف يجوز إسقاط حق الخالق احتجاجا بالقدر وهو سبحانه الحكم العدل، الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما؟ وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
فقوله: «أحق ما قال العبد»: يقتضي أن حمد الله أحق ما قاله العبد، فله الحمد على كل حال؛ لأنه لا يفعل إلا الخير والإحسان، الذي يستحق الحمد عليه سبحانه وتعالى وإن كان العباد لا يعلمون.
وهو سبحانه خلق الإنسان، وخلق نفسه متحركة بالطبع حركة لابد فيها من الشر لحكمة بالغة، ورحمة سابغة.
فإذا قيل: فلم لم يخلقها على غير هذا الوجه؟
قيل: كان يكون ذلك خلقا غير الإنسان، وكانت الحكمة التي خلقها بخلق الإنسان لا تحصل، وهذا سؤال الملائكة حيث قالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء } [32]، وما لم تعلمه الملائكة، فكيف يعلمه آحاد الناس.
ونفس الإنسان خلقت كما قال الله تعالى: { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } [33]، وقال تعالى: { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [34].
فقد خلقت خلقة تستلزم وجود ما وجد منها لحكمة عظيمة، ورحمة عميمة، فكان ذلك خيرا ورحمة، وإن كان فيه شر إضافي كما تقدم فهذا من جهة الغاية، مع أنه لا يضاف الشر إلى الله.
وأما الوجه الثاني من جهة السبب: فإن هذا الشر إنما وجد لعدم العلم والإرادة التي تصلح النفس، فإنها خلقت بفطرتها تقتضي معرفة الله ومحبته. وقد هديت إلى علوم وأعمال تعينها على ذلك، وهذا كله من فضل الله وإحسانه، لكن النفس المذنبة لما لم يحصل لها من يكملها، بل حصل لها من زين لها السيئات من شياطين الإنس والجن مالت إلى ذلك، وفعلت السيئات، فكان فعلها للسيئات مركبا من عدم ما ينفع وهو الأفضل، ووجود هؤلاء الذين حيروها، والعدم لا يضاف إلى الله. وهؤلاء القول فيهم كالقول فيها؛ خلقهم لحكمة.
فلما كان عدم ما تعمل به وتصلح هو أحد السببين، وكان الشر المحض الذي لا خير فيه هو العدم المحض، والعدم لا يضاف إلى الله؛ فإنه ليس شيئا، والله خالق كل شيء كانت السيئات منها بأعتبار أن ذاتها في نفسها مستلزمة للحركة الإرادية التي تحصل منها مع عدم ما يصلحها تلك السيئات.
والعبد إذا اعترف وأقر بأن الله خالق أفعاله كلها، فهو على وجهين: إن اعترف به إقرارا بخلق الله كل شيء، بقدرته ونفوذ مشيئته، وإقرارا بكلماته التامات التي لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر، واعترافا بفقره وحاجته إلى الله، وأنه إن لم يهده فهو ضال، وإن لم يتب عليه فهو مصر، وإن لم يغفر له فهو هالك خضع لعزته وحكمته فهذا حال المؤمنين الذين يرحمهم الله، ويهديهم ويوفقهم لطاعته.
وإن قال ذلك احتجاجا على الرب، ودفعا للأمر والنهي عنه، وإقامة لعذر نفسه - فهذا ذنب أعظم من الأول. وهذا من أتباع الشيطان، ولا يزيده ذلك إلا شرا، وقد ذكرنا أن الرب سبحانه محمود لنفسه ولإحسانه إلى خلقه؛ ولذلك هو يستحق المحبة لنفسه ولإحسانه إلى عباده، ويستحق أن يرضى العبد بقضائه؛ لأن حكمه عدل لا يفعل إلا خيرا وعدلا، ولأنه لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له «إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
فالمؤمن يرضى بقضائه لما يستحقه الرب لنفسه من الحمد والثناء ولأنه محسن إلى المؤمن.
وما تسأله طائفة من الناس، وهو أنه ﷺ قال: «لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له». وقد قضى عليه بالسيئات الموجبة للعقاب، فكيف يكون ذلك خيرا؟
وعنه جوابان:
أحدهما: أن أعمال العباد لم تدخل في الحديث، وإنما دخل فيه ما يصيب الإنسان من النعم والمصائب، كما في قوله: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [35] ؛ ولهذا قال: «إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»، فجعل القضاء ما يصيبه من سراء وضراء. هذا ظاهر لفظ الحديث، فلا إشكال عليه.
الوجه الثاني: أنه إذا قدر أن الأعمال دخلت في هذا، فقد قال النبي ﷺ: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن».
فإذا قضى له بأن يحسن، فهذا مما يسره، فيشكر الله عليه.
وإذا قضى عليه بسيئة، فهي إنما تكون سيئة يستحق العقوبة عليها إذا لم يتب منها، فإن تاب أبدلت بحسنة، فيشكر الله عليها، وإن لم يتب ابتلى بمصائب تكفرها فصبر عليها، فيكون ذلك خيرا له. والرسول ﷺ قال: «لا يقضي الله للمؤمن»، والمؤمن هو الذي لا يصر على ذنب، بل يتوب منه، فيكون حسنة، كما قد جاء في عدة آيات: أن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة بعمله، لا يزال يتوب منه حتى يدخل بتوبته منه الجنة.
والذنب يوجب ذل العبد وخضوعه، ودعاء الله واستغفاره إياه، وشهوده بفقره وحاجته إليه، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو.
فيحصل للمؤمن بسبب الذنب من الحسنات ما لم يكن يحصل بدون ذلك، فيكون هذا القضاء خيرا له.
فهو في ذنوبه بين أمرين: إما أن يتوب فيتوب الله عليه، فيكون من التوابين الذين يحبهم الله.
وإما أن يكفر عنه بمصائب؛ تصيبه ضراء فيصبر عليها، فيكفر عنه السيئات بتلك المصائب، وبالصبر عليها ترتفع درجاته.
وقد جاء في بعض الأحاديث: يقول الله تعالى: «أهْلُ ذِكْرِي أهل مجالست، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم أي محبهم؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكَفِّرَ عنهم المعائب».
وفى قوله تعالى: { من نفسك } من الفوائد: أن العبد لا يركن إلى نفسه، ولا يسكن إليها؛ فإن الشر لا يجىء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه؛ فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب فيستغفر منها، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر.
ولهذا كان أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } ، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب.
ليس كما يقوله طائفة من المفسرين: إنه قد هداه، فلماذا يسأل الهدى؟
وأن المراد بسؤال الهدى: الثبات، أو مزيد الهداية.
بل العبد محتاج إلى أن يعلمه ربه ما يفعله من تفاصيل أحواله. وإلى ما يتولد من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهم أن يعمل ذلك.
فإنه لا يكفى مجرد علمه إن لم يجعله الله مريدا للعمل بعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتديا، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادرا على العمل بتلك الإرادة الصالحة.
فإنه لا يكون مهتديا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا بهذه العلوم والإرادات، والقدرة على ذلك.
ويدخل في ذلك من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه.
ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة؛ لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء.
وإنما يعرف بعض قدر هذا الدعاء من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن، والمأمورين بهذا الدعاء، ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي شقاءها في الدنيا والآخرة، فيعلم أن الله بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر.
ومما يبين ذلك أن الله تعالى لم يقص علينا في القرآن قصة أحد إلا لنعتبر بها، لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه ومصلحتنا.
وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول، وكانا مشتركين في المقتضى للحكم.
فلولا أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل فرعون ومن قبله لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط، ولكن الأمر كما قال تعالى: { مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [36]، وكما قال تعالى: { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [37]، وقال تعالى: { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [38]، وقال تعالى: { يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } [39].
ولهذا قال النبي ﷺ: «لتسلكن سَنَنَ من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه». قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟ ».
وقال: «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها، شِبْرا بشبر، وذراعا بذراع». قيل: يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: «فمن؟ » وكلا الحديثين في الصحيحين.
ولما كان في غزوة حُنَيْن كان للمشركين شجرة، يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، وينوطونها بها، ويستظلون بها متبركين فقال بعض الناس: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: «الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إنها السَّنَنَ، لتركبن سَنَن من كان قبلكم».
وقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله.
فأعظم السيئات جحود الخالق، والشرك به، وطلب النفس أن تكون شريكة ونِدا له، أو أن تكون إلها من دونه، وكلا هذين وقع؛ فإن فرعون طلب أن يكون إلها معبودا دون الله تعالى، وقال: { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [40]، وقال: { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [41]، وقال لموسى: { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [42]، و { اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [43].
وإبليس يطلب أن يعبد ويطاع من دون الله، فيريد أن يعبد ويطاع هو، ولا يعبد الله ولا يطاع. وهذا الذي في فرعون وإبليس هو غاية الظلم والجهل.
وفى نفوس سائر الإنس والجن شعبة من هذا وهذا، إن لم يعن الله العبد ويهديه، وإلا وقع في بعض ما وقع فيه إبليس وفرعون بحسب الإمكان.
قال بعض العارفين: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قَدَر فأظهر، وغيره عجز فأضمر.
وذلك أن الإنسان إذا اعتبر وتعرف نفسه والناس، وسمع أخبارهم، رأى الواحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب قدرته.
فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة، بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالى من يوافقه على هواه، ويعادى من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } [44]؟ والناس عنده في هذا الباب كما هم عند ملوك الكفار من المشركين من الترك وغيرهم، يقولون: «يا رباعى» أي: صديق وعدو. فمن وافق هواهم كان وليا، وإن كان كافرا مشركا، ومن لم يوافق هواهم كان عدوا، وإن كان من أولياء الله المتقين، وهذه هي حال فرعون.
والواحد من هؤلاء يريد أن يطاع أمره بحسب إمكانه، لكنه لا يتمكن مما تمكن منه فرعون من دعوى الإلهية، وجحود الصانع.
وهؤلاء - وإن كانوا يقرون بالصانع لكنهم إذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادته وطاعته المتضمنة ترك طاعتهم، فقد يعادونه، كما عادى فرعون موسى.
وكثير من الناس ممن عنده بعض عقل وإيمان، لا يطلب هذا الحد، بل يطلب لنفسه ما هو عنده، فإن كان مطاعا مسلما طلب أن يطاع في أغراضه، وإن كان فيها ما هو ذنب ومعصية الله، ويكون من أطاعه في هواه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع الله وخالف هواه، وهذه شعبة من حال فرعون، وسائر المكذبين للرسل.
وإن كان عالما أو شيخا، أحب من يعظمه دون من يعظم نظيره، حتى لو كانا يقرآن كتابا واحدا كالقرآن، أو يعبدان عبادة واحدة متماثلان فيها، كالصلوات الخمس؛ فإنه يحب من يعظمه بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره، وربما أبغض نظيره وأتباعه حسدا وبغيا، كما فعلت اليهود لما بعث الله محمدا ﷺ يدعو إلى مثل ما دعا إليه موسى، قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقا لِّمَا مَعَهُمْ } [45]، وقال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } [46]، وقال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [47].
ولهذا أخبر الله تعالى عنهم بنظير ما أخبر به عن فرعون، وسلط عليهم من انتقم به منهم، فقال تعالى عن فرعون: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [48]، وقال تعالى عنهم: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } [49] ؛ ولهذا قال تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } [50].
والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته، ليذكروه ويشكروه ويعبدوه، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبدوا الله وحده، وليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هي العليا، كما أرسل كل رسول بمثل ذلك، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [51]، وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [52].
وقد أمر الله الرسل كلهم بهذا، وألا يتفرقوا فيه، فقال: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } [53]، وقال تعالى: { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [54].
قال قتادة: أي دينكم دين واحد، وربكم رب واحد، والشريعة مختلفة. وكذلك قال الضحاك عن ابن عباس: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: دينكم دين واحد. قال ابن أبي حاتم: وروى عن سعيد بن جبير، وقتادة وعبد الرحمن بن زيد نحو ذلك. وقال الحسن: بين لهم ما يتقون وما يأتون، ثم قال: إن هذه سنتكم سنة واحدة.
وهكذا قال جمهور المفسرين.
والأمة: الملة والطريقة، كما قال تعالى: { قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون } [55]، { مُّقْتَدُونَ } [56]، كما يسمى الطريق: إماما؛ لأن السالك فيه يأتم به، فكذلك السالك يؤمه ويقصده.
والأمة أيضا: معلم الخير، الذي يأتم به الناس، كما أن الإمام: هو الذي يأتم به الناس. وإبراهيم عليه السلام جعله الله إماما، وأخبر أنه { كَانَ أُمَّةً } [57].
وأمر الله الرسل أن تكون ملتهم ودينهم واحدا، لا يتفرقون فيه، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «إنا معشر الأنبياء ديننا واحد»، وقد قال الله تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [58] ؛ ولهذا كان جميع رسل الله وأنبيائه يصدق بعضهم بعضا، لا يختلفون، مع تنوع شرائعهم.
فمن كان من المطاعين من العلماء والمشايخ والأمراء والملوك متبعا للرسل: أمر بما أمروا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه، فإن الله يحب ذلك، فيحب ما يحبه الله تعالى، وهذا قصده في نفس الأمر أن تكون العبادة للّه تعالى وحده، وأن يكون الدين كله للّه.
وأما من كان يكره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك، فهذا يطلب أن يكون هو المطاع المعبود، فله نصيب من حال فرعون وأشباهه.
فمن طلب أن يطاع دون الله، فهذا حال فرعون، ومن طلب أن يطاع مع الله، فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله. والله سبحانه وتعالى أمر ألا يعبد إلا إياه، وألا يكون الدين إلا له، وأن تكون الموالاة فيه، والمعاداة فيه، وألا يتوكل إلا عليه، ولا يستعان إلا به.
فالمؤمن المتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل، ليكون الدين كله لله، لا له، وإذا أمر أحد غيره بمثل ذلك أحبه وأعانه، وسر بوجود مطلوبه.
وإذا أحسن إلى الناس، فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد مَنَّ عليه بأن جعله محسنا، ولم يجعله مسيئا، فيرى أن عمله لله، وأنه بالله.
وهذا مذكور في فاتحة الكتاب، التي ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم من حاجتهم إلى أي شيء.
ولهذا فرضت عليهم قراءتها في كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها، فإن فيها: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [59]
فالمؤمن يرى أن عمله لله؛ لأنه إياه يعبد، وأنه بالله؛ لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورا؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله، كما قال الأبرار: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } [60]، ولا يمن عليه بذلك ولا يؤذيه؛ فإنه قد علم أن الله هو المانّ عليه، إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة لله عليه، وعلى ذلك الشخص، فعليه هو أن يشكر الله، إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك أن يشكر الله، إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر، أو غير ذلك.
ومن الناس من يحسن إلى غيره ليَمُنّ عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه وتعظيمه، أو نفع آخر، وقد يمن عليه، فيقول: أنا فعلت بك كذا، فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه، ولا عمل لله، ولا عمل بالله، فهو المرائى.
وقد أبطل الله صدقة المنَّان، وصدقة المرائي، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } [61].
قال قتادة: { تَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ } : احتسابا من أنفسهم. وقال الشعبى: يقينا، وتصديقا من أنفسهم. وكذلك قال الكلبى. قيل: يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم، على يقين بالثواب، وتصديق بوعد الله، يعلمون أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه.
قلت: إذا كان المعطى محتسبا للأجر عند الله، مصدقا بوعد الله له، طالبا من الله، لا من الذي أعطاه، فلا يمن عليه. كما لو قال رجل لآخر: أعط مماليكك هذا الطعام، وأنا أعطيك ثمنه، لم يمن على المماليك، لاسيما إذا كان يعلم أن الله قد أنعم عليه بالإعطاء.
هامش
- ↑ [الروم: 30]
- ↑ [الأعراف: 172، 173]
- ↑ [العلق: 1 5]
- ↑ [الرحمن: 1 4]
- ↑ [الأعلى: 1 3]
- ↑ [البلد: 10]
- ↑ [الأعلى: 9-13]
- ↑ [النجم: 55]
- ↑ [الرحمن: 26]
- ↑ [الرحمن: 28]
- ↑ [النجم: 55]
- ↑ [النجم 36-38]
- ↑ [الرحمن: 14-16]
- ↑ [النجم: 50 54]
- ↑ [النجم: 56]
- ↑ [الأعراف: 188]
- ↑ [الأحزاب: 45]
- ↑ [فصلت: 3، 4]
- ↑ [يوسف: 111]
- ↑ [ق: 8]
- ↑ [البقرة: 216]
- ↑ [هود: 9 11]
- ↑ [يونس: 85]
- ↑ [الممتحنة: 5]
- ↑ [الفرقان: 74]
- ↑ [آل عمران: 18]
- ↑ [غافر: 65]
- ↑ [ص: 84]
- ↑ [الزخرف: 76]
- ↑ [هود: 101]
- ↑ [فصلت: 46]
- ↑ [البقرة: 30]
- ↑ [المعارج: 1921]
- ↑ [الأنبياء: 37]
- ↑ [النساء: 79]
- ↑ [فصلت: 43]
- ↑ [الذاريات: 52]
- ↑ [البقرة: 118]
- ↑ [التوبة: 30]
- ↑ [القصص: 38]
- ↑ [النازعات: 24]
- ↑ [الشعراء: 29]
- ↑ [الزخرف: 54]
- ↑ [الفرقان: 43]
- ↑ [البقرة: 91]
- ↑ [البينة: 4]
- ↑ [الشورى: 14]
- ↑ [القصص: 4]
- ↑ [الإسراء: 4]
- ↑ [القصص: 83]
- ↑ [الأنبياء: 25]
- ↑ [الزخرف: 45]
- ↑ [الأنبياء: 92]
- ↑ [المؤمنون: 51 53]
- ↑ [الزخرف: 22]
- ↑ [الزخرف: 23]
- ↑ [النحل: 120]
- ↑ [الشورى: 13]
- ↑ [الفاتحة: 5]
- ↑ [الإنسان: 9]
- ↑ [البقرة: 264، 265]