الرئيسيةبحث

السيوف المشرقة/المقصد السادس

لنصير الدين محمد الشهير بخواجة نصر الله الهندي المكي، اختصره وشذبه محمود شكري الآلوسي



المقصد السادس في المعاد


المطلب الأول في أن المعاد واقع

ذهبت الرزامية والكاملية والمنصورية والحميرية والباطنية والقرمطية والجنابية والخطابية والميمونية والمقنعية والخليفية والجبائية والمعمورية إلى أنه لا معاد للأبدان مطلقا ولا للأرواح في غير هذا العالم، بل قالوا بتناسخ الأرواح وانتقالها من بدن إلى آخر. واستدلوا على ذلك بأنه لو وجد عالم آخر لكان كريّا مثل هذا العالم، ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين إلا بتحقق فاصل بينهما، فيلزم الخلاء بين العالمين وهو محال.

والجواب أن الخلاء إنما يلزم لو كانت إحدى الكرتين فوق الأخرى أو تحتها أو بأحد جانبيها وليس كذلك، إذ يجود أن يكون منهما مركوزا في ثخن كرة عظيمة يساوي ثخنها قطرها أو يزيد عليها، كما أن التدوير في ثخن الأفلاك. وهذه العقيدة مخالفة لجميع المليين ولنصوص القرآن. قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "ما بين النفختين أربعون سنة ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل" وقال: "ليس شيء إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه تركب الخلق" إلى غير ذلك مما يطول ذكره.

المطلب الثاني في أنه لا يجب على الله تعالى أن يبعث الخلق

ذهبت الإمامية إلى أنه يجب على الله تعالى أن يبعث الخلق، لأنه كلف الخلق بما كلف فيجب عليه أن يثيب المطيع ويعذب العاصي، فيجب وإلا كان ظالما.

والجواب أن ترك الإثابة ليس بظلم، فإن الرجل إذا أعطى عبده جميع ما يحتاج إليه من أمر المعاش ثم كلفه أمرا يطيقه ففعل ذلك ولم يعطه أجرا على عمله لا يعزى الظلم إلى المالك. وكذا ترك عقاب العاصي، وإلا لكان العفو والمغفرة ظلما تعالى الله عن ذلك. فما ذهب إليه أهل السنة من أنه لا يجب عليه إلا ما أوجبه على نفسه هو الحقيق بالقبول.

المطلب الثالث في أن عذاب القبر حق

ذهبت المنصورية والحميرية والقرامطة والجناحية والكاملية والباطنية والخطابية والرزامية والمعمرية إلى أن عذاب القبر غير واقع.

وهو باطل. والحق ما ذهب إليه أهل السنة لقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} فإنه يدل على أن دخول النار بعد الغرق في البحر بلا تراخ لمكان الفاء هو عذاب القبر لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} فإنه تعالى عطف عذاب القيامة على عرض النار عليها غدوا وعشيا، فهو لا محالة غيره وقبل يوم القيامة فهو إذا في القبر.

ولما رواه الشيخان عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "عذاب القبر حق". وأخرجا عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وهو ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا. وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين".

وأما نعيم القبر فثابت أيضا بقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} فإن حبيب النجار لما قتل قيل له ذلك. وقوله عليه الصلاة والسلام: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"، وقوله ﷺ: "إن المؤمن يفسح له في قبره مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها". رواه أحمد وأبو داود عن البراء بن عازب. إلى غير ذلك.

واحتج المنكرون بالنقل والعقل.

أما النقل فقوله تعالى في صفة أهل الجنة: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} فلو كان في القبر حياة أخرى وموت آخر لذاقوا موتين.

والجواب أنه ليس في القبر إحياء وإماتة، بل يخلق الله تعالى نوع حياة يدرك به اللذة والألم بسبب انعكاس الروح على الجسد. وأما قول الكفار: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} فالمراد بالإماتتين إماتة الدنيا والصعقة التي تكون بين النفخة الأولى ونفخة الصعقة، ويكون الموت بين النفختين كالإغماء ولا يسمى ذلك موتا حقيقة ولا مجازا. والمراد بالإحيائين الإحياء في الدنيا والآخرة، ولأن المراد به الجنس لا العدد كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والجنس يتناول المتعدد. وليس في الآية نفي التعدد.

وأما العقل فإن إدراك اللذة والألم والتكلم لا يتصور بدون الحياة والعلم، ولا حياة مع فساد البنية وبطلان المزاج. ولو سلم فإنا نرى الملقى في الأرض والمصلوب يبقى مدة إلى أن يبلى ولا يشاهد فيه إحياء ولا حركة ولا سكون ولا أثر عذاب أو نعيم، بل لو وضع على صدره كف من خردل يرى ولو بعد حين باقيا على حاله.

والجواب أن ذلك كله من الأمور الممكنة، وقد أخبر به الصادق. وأمثال ما ذكروه من الاستبعادات لا ينفي الإمكان. ولأن الله تعالى يخلق للميت نوع حياة يدرك بها اللذة ويفهم المسالة ويقدر على الجواب، ولكنها تخفى على الأحياء من الثقلين، كالنائم يرى أنه يأكل ويشرب ويجامع ويلتذ حتى يرى الأثر على جسده كالمني ويرى أنه وقع في النار واحترقت أعضاؤه ويدرك ألم الحرق ويخفى ذلك على المستيقظين. والله سبحانه قادر على إبقاء الخردل بحالها على صدر الميت وهو على كل شيء قدير. وقد رأى بعض الصلحاء أثر الحريق في بعض القبور. وروي أن مجوسيا جاء إلى عمر بن الخطاب ومعه ثلاث رؤوس فقال: يا عمر إن نبيكم كان يقول إن من خرج من الدنيا على غير الإسلام فهو يحرق بالنار، وتلا قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} فقال عمر: بلى، فأخرج العلج الرؤوس: إن هذا رأس أبي وهذا رأس أمي وهذا رأس أخي وأنا أضع يدي على هذه الرؤوس فلا أرى فيها أثر الحريق، فاستحضر عليا فلما حضر قال للمجوسي: أعد السؤال، فأعاد فقال علي: ائتوني بحدر وحديد، فأتي به فقال للمجوسي: ضع يدك عليهما فقال: هل تجد أثر الحر؟ فقال: لا أجد بل هما باردان، فقال: اضرب الحديد على الحجر، فضرب فخرجت النار من بينهما، فقال للمجوسي: أفتنكر أن يكون وسط هذه الرؤوس نار وأنت لا تجد حرها؟ والله تعالى قادر أن يجعل بين أعضاء الميت وترابه نارا وأنت تجد حرها كما جعل في الحجر والحديد. وما ذلك على الله بعزيز.

المطلب الرابع في أن الجنة والنار حق

ذهبت المنصورية والصاحبية والقرامطة والجناحية والكاملية والخطابية والذمية والرزامية والخلفية والميمونية والمقنعية والحقانية إلى أنه لا جنة ولا نار. وما ورد في السمعيات فهو مؤول.

والحق ما ذهب إليه أهل السنة ومن وافقهم من أنهما حق مخلوقتان موجودتان الآن لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق عليه الصلاة والسلام. وفي ذلك من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة ما يضيق عنها المقام. ولا ضرورة تلجئنا إلى حملها على غير ظاهرها كما لا يخفى على من له عقل سليم.

المطلب الخامس لا رجعة إلى الدنيا بعد الموت

وقالت الإمامية بها للنبي ﷺ ووصيه وسبطيه وأعدائهم من الخلفاء والأمراء، وكذا الأئمة الآخرين وقاتليهم يحيون بعد ظهور المهدي ويعذبون ويقتص منهم ثم يماتون ويحيون يوم القيامة.

وهذا مخالف لصريح الآيات. منها قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ومنها: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} ومنها: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} إلى غير ذلك.

قال المرتضى في المسائل الناصرية إن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة في زمن المهدي قيل خضراء فتيبس ويرتد كثيرون، وقيل بالعكس فيهتدي كثيرون. وقال جابر الجعفي: "إن الأمير سيرجع والدابة في القرآن رمز إليه". نستغفر الله تعالى من سوء الأدب. وجعفر هذا أول من قال بالرجعة ووافقه بعد ذلك جماعته، وهو شهير بالكذب. روى الشافعي عن سفيان بن عيينة: "كنا في منزل جابر الجعفي فتكلم بشيء فخرجنا خوفا أن يقع علينا السقف" وقال أبو حنيفة: "ما لقيت أحدا أكذب من جابر ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح".

والدليل العقلي على أصولهم يبطل هذا الاعتقاد، لإنهم إن عذبوا بسوء أعمالهم في الدنيا ثم عذبوا في الآخرة كان ظلما، أو لم يعذبوا حصل التخفيف الأبدي وهو مناف لعظم الجناية. وأيضا لو كان المقصود من إحيائهم تعذيبهم في الدنيا فقط فذلك حاصل في عالم القبر فيكون عبثا، وننزه الله تعالى عنه، أو إظهار جنايتهم فالأولى بذلك الإظهار لمن كانوا معتقدين بحقية خلافتهم وممدين وناصرين. وأيضا في هذا التأخير ترك الأصلح، إذ قد مضى أكثر الأمة على الضلالة. وأيضا يلزم على هذا التقدير أن النبي والوصي والأئمة لا بد لهم أن يذوقوا موتا آخر زائدا على سائر الناس، وظاهر أن الموت شديد، فلا ينبغي إذاقته للمحبوب عبثا. وأيضا يلزم مذلة الأمير والسبطين حيث لم يأخذوا الثأر بعد مضي هذه المدة إلا بواسطة المهدي ولم ينتقم الله من أعدائهم إلا حينئذ. وبالجملة المفاسد في هذا كثيرة والاعتراضات غزيرة.

المطلب السادس في أن الله تعالى يعذب من يشاء ويرحم من يشاء

قالت الإمامية إن أحدنا لا يعذب بصغير ولا كبير لا في القيامة ولا في القبر، وحب علي كاف في الخلاص إذ لات حين مناص.

ونقول تبا لهم، أوَلا يفقهون أن حب الله ورسوله بلا إيمان غير كاف، وهذا غير خاف. وهذه العقيدة في الأصل مأخوذة من اليهود حيث: {قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. وعمدة ما يتمسكون به مفتريات وضعها الضالون المضلون وتلقتها الحمقاء الجاهلون. منها ما رواه ابن بابويه القمي في علل الشرائع عن المفضل بن عمر قال: "قلت لأبي عبد الله: لم صار علي قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا باغضوه". ويدل على الوضع المخالفة للكتاب، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وكل رواية تخالف قواطع النصوص فهي موضوعة جزما.

وأيضا حب الأمير ليس كل الإيمان، وإلا لبطلت التكاليف ولا تمام المشترك، لأن التوحيد والنبوة أصل أقوى وأهم، فهو جزء من أجزاء الإيمان فلا يكفي وحده لدخول الجنة. وأيضا "لا يدخل النار إلا مبغضوه" يدل على أن لا يدخل النار أحد من الكافرين غير الباغضين كفرعون وهامان لأنهم لم يعرفوا فلم يبغضوا، سبحانك هذا بهتان عظيم.

سلمنا ما يريدون، لكن لا يثبت المطلوب أيضا لأن الحاصل لا يدخل الجنة إلا محبوه أن لا يدخل الجنة من لا يحب عليا لا أن كل من يحبه يدخلها، والمدعى هذا لا ذلك والفرق واضح. فلهذا روى ابن بابويه رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "جائني جبريل وهو مستبشر فقال: إن الله الأعلى يقرئك السلام وقال: محمد نبيي وعلي حجتي لا أعذب من والاه وإن عصاني ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني". ويدل على وضعها لزوم التفضيل، كيف ولا خوف على العاصي ولو منكرا للرسول بحب علي، ولا منفعة للمطيع ولو مؤمنا ببغضه. وهي مخالفة للنصوص كما سبق. على أن التكاليف تكون عبثا ولم يبق إلا الحب والبغض، وفيه الإغراء للنفوس وإمداد الشيطان ومفاسد شتى. على أنه لم يذكر ذلك في القرآن. وانظر مرويات لهم أخر تعارض ما سبق وتعارضه، لكن الكذاب كما قيل لا حافظة له.

ومنها ما رواه سيدهم وسندهم حسن بن كبش عن أبي ذر قال: "نظر النبي ﷺ إلى علي فقال: هذا خير الأولين من أهل السماوات وأهل الأرض، هذا سيد الصديقين، هذا سيد الوصيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق الجنة أضائت عرصة القيامة من ضوئها على رأسه تاج مرصع من الزبرجد والياقوت، فتقول الملائكة: هذا ملك مقرب، ويقول النبيون: هذا نبي مرسل، فينادي مناد من تحت بطنان العرش: هذا الصديق الأكبر هذا وصي حبيب الله تعالى علي بن أبي طالب، فيقف على متن جهنم فيخرج منها من يحب ويدخل فيها من يبغض، ويأتي أبواب الجنة فيدخل فيها من يشاء بغير حساب".

ولا يخفى أن هذه الرواية ناصّة على أن بعض العصاة ممن يحب الأمير يدخلون النار ثم يخرجهم الأمير ويدخلهم الجنة، فإن كانوا محبيه فلمَ دخلوا؟ وإن لم يكونوا فلمَ خرجوا؟ وأيضا تدل على كذب الحصر السابق في قوله تعالى: لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا مبغضوه. فالرواية باطلة.

ومنها ما رواه ابن بابويه القمي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا، كل خريف سبعون سنة، ثم إنه سأل الله تعالى بحق محمد وآله أن يرحمه فأخرجه من النار وغفر له" انتهى.

فإن كان هذا محبا فلمَ يعذب؟ وإلا فلمَ يدخل الجنة؟ فلينظر في كلامهم وليتأمل. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

المطلب السابع أن غير الفرقة الناجية من الفرق لا تخلد في النار

وقالت الاثنا عشرية إن جميع فرق المسلمين في النار إلا الاثني عشرية. قال ابن المطهر الحلي في شرح التجريد: اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة، أحدها أنهم مخلدون في النار، ثانيها أنهم يخرجون منها ويدخلون الجنة، ثالثها الوقف. ثم قال: وذكر جماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود، ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب، بل في الأعراف.

وذكر صاحب التقويم أن الشيعة افترقت اثنتين وسبعين فرقة، والناجية منها الاثنا عشرية، وسائر فرق الشيعة يعذبون في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة، وسائر الفرق الإسلامية كلهم مخلدون في النار.

وهذا باطل. والحق ما ذهب إليه أهل السنة من أن الفرق الغير الناجية من المسلمين لا يخلدون في النار، بل يعذبون فيها على قدر بدعتهم لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

وروى ابن بابويه عن النبي ﷺ قال: "والذي بعثني بالحق لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا".

وروى الطبرسي في احتجاجه عن الحسين بن علي أنه قال: "من أخذ ما جرى عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف وردّ علم ما اختلف فيه إلى الله سلم ونجا من النار ودخل الجنة".

وروى الكليني بإسناد صحيح عن زرارة عن أبي عبد الله قلت: أصلحك الله أرأيت من صام وصلى واجتنب المحارم وحسن ورعه ممن لا يعرف ولا ينصب؟ قال: إن الله يدخله الجنة برحمته.

فإن هذه الأخبار الثلاثة [تثبت] قول الجمهور.