القومية العربية ( Arab Nationalism )
القومية العربية مذهب سياسي فكري في العصر الحديث نادى بتقوية الشعور القومي العربي من المحيط إلى الخليج، وتفتقت عن هذا الشعور الجماعي العام هيئات دولية مثل جامعة الدول العربية وأحزاب سياسية عربية وجمعيات مختلفة في معظم الدول العربية، شكَّلت حركة شعبية على مستوى الدول، خصوصًا بعد أن دعّم هذا المذهب وروّجه إعلاميًا وسياسيًا الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
توزعت هذه الحركة السياسية الفكرية بين مؤيدين ومعارضين. فالمؤيدون رأوا فيها نهضة بالأمة العربية وفرصة لتقوية الانتماء العربي، وعاملاً مهمًا من عوامل سد ثغرات التفرق والشتات، وعاملاً من عوامل انصهار الجنس الواحد داخل أيديولوجية فكرية موحّدة تتصدر صنع القرارات وتُوجّه مسار الأمّة. كما أن هذه الحركة تهدف إلى تحقيق استقلال الشعب العربي استقلالاً تامًا، وبعث الحضارة العربية وتحقيق أكبر قدر من الوحدة والتماسك بين أبناء العروبة التي تشكل في النهاية مستقبل الأمة العربية. وهي أيضًا ـ في رأي المؤيدين ـ كانت وراء انتصارات العرب في حروبهم ضد إسرائيل والصهيونية في الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي مثل حرب السويس والجزائر، وفي دعم مسار القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا. أما المعارضون ـ على المستوى النظري التطبيقي ـ فقد رأوا أن هذه القومية تأتي على حساب رابطة الدين، وتقوم بإحلال النظم الوضعية محل النظم السماوية، أو بمعنى آخر استبدال روابط الدم والقربى والعِرْق بالدين، كما رأوا أن هذه الحركة، وما ينطوي تحتها من تعاليم وشخصيات بارزة، تُروِّج الفكر الأوروبي العلماني على حساب الفكر الإسلامي الموروث، وأن هذه الحركة شكل من أشكال الغزو الثقافي الغربي، وما هي إلا ردّ فعل للدعوات القومية التي نادى بها الغرب والتي تريد تنحية الدين عن واقع الحياة.
في بدايات القرن العشرين الميلادي ازداد نشاط القومية العربية، وازداد أكثر بعد ظهور دولة إسرائيل على الساحة باحتلالها فلسطين عام 1948م. ويقدِّر بعض خبراء السياسة العالمية أن القومية العربية ما هي الا جزء من القومية الغربية غير أن القوميات الغربية بنت أفكارها على أساس العنصرية والاستعلاء وزيادة النفوذ واستعمار الشعوب الضعيفة.
ظهرت أحزاب سياسية كثيرة في بعض الدول العربية تنظّر للقومية العربية وتدعو لها وتقوم عليها مثل حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا وحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وحزب الناصريين (انحسر وضاق) في مصر وبعض بلاد الشام، وهذه الأحزاب ارتبطت شعاراتها القومية بما يسمى الكفاح من أجل حرية ونضال الجماهير العربية بكافة فئاتها، كما ارتبطت شعاراتها أيضًا بمسألة التفاعل والتساند بين النضال القومي التحرري والنضال الاجتماعي التقدمي، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الأخرى في بعض بلاد الشام، التي لم تخرج عن نطاقات قومية إقليمية محدودة ليست على مستوى العرب ككل. وخلاصة هذا الفكر القومي أن اللغة والدم والتاريخ والأرض والهموم العامة المشتركة هي أشياء موجودة قبل الرسل محمد ﷺ وموسى وعيسى عليهم السلام، لذا فإن الأوْلى ـ من وجهة نظر القوميين ـ العمل من أجل تنمية الشعور القومي الوحدوي انطلاقًا منها، لا انطلاقًا من مفاهيم الدين الذي هو في نظرهم أَضْيَق حدودًا وأقل انتشارًا من تلك المفاهيم العامة الواسعة الانتشار والأكثر تضامنًا، وأن أخوة الوطن والقومية وأخوة الأرض والجنس والدم هي المقدمة على أخوة الدين والشرع. كما يرى أتباع القومية العربية ـ من وجهة نظر أيديولوجية بحتة ـ أن عمليات البعث التراثي وتمجيد الفكر القديم المتمثل في إحياء التراث وتنويره أمر غير ذي أهمية، وأن النظر إلى معطيات العصر الحديثة، أو بما يسمى المعاصرة، يجب أن تكون هي نقطة البدء أينما حل الزمان وتجددت العهود، ومن هنا مجد بعضهم الشعار المشهور: الدين لله والوطن للجميع، وهو شعار اتخذ ـ كما يقول بعض العلماء ـ من فكرة نصرانية قديمة تقول: ما لقيصر لقيصر وما لله لله. والقارئ لفكرة القومية العربية يجد أنها مرادفة لمصطلح العروبة، فهما وجهان لعملة واحدة حسب التنظير الثقافي المعاصر.
وكما أن هناك من نادى بفكرة القومية العربية وروّج لها وصار لها مؤلفون من كبار الشخصيات العربية مثل ساطع الحصري (1880-1968م) وجمال عبد الناصر (1918-1970م) وميشيل عفلق (1910 - 1989م) وبعض الزعماء السياسيين العرب ؛ هناك الفريق المقابل الذي دحض فكرة القومية العربية وتصدى لها ضمن من تصدى من أصحاب التيّار الفكري المناوئ لها أمثال أبي الأعلى المودودي في مؤلَّفه بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية، والشيخ محمد الغزالي في مؤلفه حقيقة القومية العربية، والشيخ عبد العزيز بن باز في مؤلفه نقد القومية العربية، ومحمد مصطفى رمضان في مؤلفه الشعوبية الجديدة ومحمد قطب في مؤلفه مذاهب فكرية معاصرة، إلى غير هؤلاء من المفكرين العرب.