الرئيسيةبحث

القومية ( Nationalism )



القومية تعبير سياسي يعني شعور الناس بالانتماء جميعًا إلى أمة واحدة، ويشمل هذا الشعور كذلك الإحساس بالولاء للأمة والاعتزاز بثقافتها وتاريخها ـ وفي العديد من الحالات ـ الرغبة في الاستقلال الوطني.

فمنذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، أصبحت القومية قوة مهمة في العلاقات الدولية. وقد ساعد الشعور بالقومية ـ لاسيما رغبة كل دولة في تسيير شؤونها ذاتيًا ـ على تغيير خريطة أوروبا عدة مرات منذ القرن التاسع عشر الميلادي. ومنذ أواخر أربعينيات القرن العشرين الميلادي، حولت القومية آسيا وإفريقيا كذلك.

انتشرت القومية اليوم، رغم عدم وجودها فيما مضى، حيث لم يكن الناس يشعرون دائمًا بالانتماء إلى الأمة. وكانوا في القرون الوسطى موالين لعدد من الفرق أو الحكام. فمثلاً، كان المواطنون الفرنسيون يكنون ولاءً لدوق برغنديا، وملك فرنسا، والإمبراطور الكاثوليكي المقدس، والبابا.

نشأة القومية:

ظهرت القومية مع تطور وحدة سياسية تدعى الدولة القومية (الدولة - الأمة)، فالأمة مجموعة من الناس يتقاسمون ثقافة وتاريخًا ولغة مشتركة ولهم شعور بالوحدة القومية. أما الدولة فهي قطعة من الأرض لسكانها حكومة مستقلة. وتوجد الدولة القومية إذا كانت للأمة والدولة الحدود نفسها.

بدأت الدولة القومية في التطور أواخر العصور الوسطى. وتحسنت الرحلات والاتصالات خلال تلك الفترة، وكانت النتيجة أن اطلع الناس على أجزاء بلدهم الممتدة خارج بقعة مجتمعهم المحلي. وبدأ الولاء للزعماء المحليين والدينيين يضعف، في حين تعاظم الاتجاه للملوك بصورة أكبر. وبحلول القرن الثامن عشر الميلادي، أصبحت إنجلترا وفرنسا وأسبانيا والعديد من البلدان الأخرى أممًا ـ دولاً.

نمّت شعوب أخرى الشعور بالقومية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن معظمها لم يصبح دولاً قومية. ويعتقد كثير من الناس أن المجموعة القومية لها الحق في تكوين دولتها الخاصة. وقد سبَّب هذا الاعتقاد المعروف بمذهب تقرير المصير القومي العديد من الثورات القومية في أوروبا. فمثلاً، نالت اليونان استقلالها عن تركيا عام 1829م، وأصبحت بلجيكا مستقلة عن هولندا عام 1830م.

ومنذ بداية القرن العشرين الميلادي نشطت الحركة القومية العربية في بلاد الشام، وذلك في محاولة للوقوف في وجه محاولات التتريك العثمانية وتحقيق الحرية والاستقلال. وقد شارك العرب إلى جانب الحلفاء ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى أملاً منهم في أن ينجزوا استقلال بلدانهم السياسي، إلا أن الحلفاء نكثوا وعودهم للعرب. وقسم المشرق العربي ما بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو.

وفي الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي نشطت حركة القومية العربية من جديد حيث حاولت مصر بقيادة جمال عبدالناصر العمل على تحقيق الوحدة العربية اعتمادًا على التاريخ المشترك بين الدول العربية واللغة والدين والثقافة، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية ومحاولات الدول الكبرى وسعيها في عدم إتمام هذا المشروع القومي الكبير حال دون تحقيق ذلك.

مختلف أشكال القومية:

تطورت فيما بعد في مختلف أرجاء العالم. ففي الولايات المتحدة مثلاً، عبَّرت روح القومية عن نفسها في توسعها السريع نحو الغرب خلال القرن التاسع عشر الميلادي. واقتنع العديد من الأمريكيين أن لأمتهم مصيرًا ظاهرًا، يستوجب تولي أمريكا الشمالية بأكملها.

أما في أوروبا الغربية، فقد وحَّد الشعور الجديد بالقومية إيطاليا وألمانيا بعد ذلك، بعد أن كانتا منقسمتين إلى عدة دويلات. اندمج كل من هذين الشعبين لتكوين دولة واحدة من تلك الدويلات. تم توحيد إيطاليا عام 1870م، وأصبحت ألمانيا دولة قومية عام 1871م.

من جهة أخرى، حاولت مجموعات قومية في أوروبا الشرقية إنشاء دويلات صغيرة من إمبراطورية النمسا ـ المجر والإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية. عملت مطالب تقرير المصير القومي على قيام الحرب العالمية الأولى (1914م - 1918م)، وقسمت الإمبراطوريات بعد الحرب. ★ تَصَفح: الحرب العالمية الأولى.

وخلال ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي، استعمل طاغيتان هما أدولف هتلر الألماني وبنيتو موسوليني الإيطالي القومية في طلب الولاء المفرط من شعبيهما. لقد عزَّزا القومية المطلقة، وهي الاعتقاد بأن عددًا من الجنسيات أرقى من جميع الجنسيات الأخرى. كما وضعت هذه الفكرة حدودًا صارمة على كل من يدعي تلك الجنسية. ودعمًا للقومية المطلقة، قتل النازيون الملايين من الأجناس الأخرى، حيث اعتبروهم بشرًا من الرتبة الدنيا. كما شرعت ألمانيا وإيطاليا في غزو العالم. وقد ساعدت أعمالهما على اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939م - 1945م).

بعد الحرب العالمية الثانية، أدت القومية بالعديد من المستعمرات الإفريقية والآسيوية إلى المطالبة بالاستقلال وحق تقرير المصير. نالت الهند والباكستان استقلالهما عن بريطانيا عام 1947م.

وخلال السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، استقلت أكثر من ثمانين دولة أخرى، إلا أن أكثرها كانت تفتقر إلى تاريخ التجارب المشتركة الطويل الذي ولَّد القومية في أوروبا، لكن زعماءها شجعوا القومية من أجل مساعدة تنمية الوحدة القومية.

آثار القومية:

تختلف آثار القومية بين الصواب والخطأ إلا أنها تقدم للناس روح الانتماء والرغبة في القيام بتضحيات من أجل بلدهم. كما أنهم يولون اهتمامًا أكبر لإنجازات أمتهم في مجالات مثل الأدب والموسيقى. كما أن القومية تولد المنافسة والتوتر بين الأمم، وقد تؤدي الرغبة في تمجيد القومية والفتح العسكري إلى الحرب. وربما يؤدي التطرف في القومية إلى الكراهية العنصرية واضطهاد الأقليات.

★ تَصَفح أيضًا: الفاشية ؛ الأمة ؛ الوطنية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية