الرئيسيةبحث

الأخلاق في الإسلام ( Ethics in Islam )



الأخــلاق في الإســلام جزء لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية. السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: هل تقوم الأخلاق على أساس ديني أم يقوم الدين على أساس أخلاقي و أيهما أسبق؟ والإجابة على هذا السؤال تضمنها قول الله تعالى لرسوله محمد ﷺ: ﴿ وإنك لعلى خُلق عظيم﴾ القلم:4. ذلك هو الرسول فما الرسالة؟ وكانت الإجابة منه ﷺ هي: (إنما بُعثت لأتـمِّم مكارم الأخلاق ) حديث صحيح ورد في الأدب المفرد للبخاري. فالرسالة إذن هي رسالة الأخلاق النافعة الصالحة.

أهمية الأخلاق في الإسلام

كانت قريش قبل الإسلام تصف الرسول ﷺ بالأمين وهذه الصفة الأخلاقية وغيرها من الصفات الكريمة هي التي أهّلت الرسول ﷺ لحمل الرسالة، وهنا تكمن أهمية الأخلاق في الإسلام، إذ إن هذه الرسالة الأخلاقية لا يحملها إلا إنسان ذو خُلق حسن وصفات كريمة طيبة لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فالذي لا يحمل أخلاقًا حسنة لا يصلح لحمل الرسالة الإسلامية. ولذلك وردت أحاديث كثيرة عنه ﷺ، تجعل كمال الإيمان في حُسن الخُلق. فعن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، أيّ المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: أحسنهم خُلقًا . وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا ).

هذا من الناحية النظرية العامة، أما من الناحية العملية، فهناك فضائل عملية كثيرة حَثّ الإسلام عليها، بل إن الرسول ﷺ أقرّ بعض الأخلاق الطيبة التي كانت سائدة في الجاهلية كفضيلة الكرم ؛ لدرجة أن رسول الله ﷺ أمر في إحدى المعارك بفكّ أسر بنت حاتم الطائي لأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وقد وردت أحاديث كثيرة في الحَثِّ على هذه الفضائل، من ذلك ما جاء في حفظ الأمانة وذم الخيانة، عن أنس بن مالك قال: ما خطبنا رسول الله ﷺ إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ). ففي هذه الوصية يقرن ﷺ بين الدين والوفاء بالعهد وينفي الإيمان عن الذي لا أمانة له.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك ) رواه البخاري. وهذا خُلق من الأخلاق الكريمة النبيلة النادرة لا يفعله إلا أبيّ النفس طيِّبها، أي أن يؤدي الإنسان الأمانة إلى من ائتمنه وألا يعامل من خانه بالمثل. هذا على سبيل المثال لا الحصر وهناك كثير من الفضائل العملية كحُسن الجوار وصلة الأرحام، والإحسان إلى المُسيء، وإطعام البائس الفقير، وسيد هذه الفضائل جميعها هو الحياء لقوله ﷺ : (إن لكل دين خُلقًا، وإن خُلق هذا الدين الحياء ).

وعلى هذه الفضائل العملية تقوم الحياة الاجتماعية ويرتبط أعضاء المجتمع المسلم بروابط الإخاء الإسلامي ويتعاونون على البرّ والتقوى، وتقوّى الأواصر الاجتماعية، وتغمر حياة الإنسان الفضائل الإنسانية التي تزكيه وتسمو به إلى مصاف الملائكة الكرام. ولذلك قالت النسوة اللاتي جمعتهن امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام: ﴿ إن هذا إلا مَلَك كريم﴾ يوسف: 31. وقد فُضِّل الإنسان على المَلَك لأن الإنسان يسمو ببشريته إلى درجة أعلى من رتبة المَلَك الكريم فيضع كل الشرور والرذائل تحت قدميه، والمَلَك لا يعصي الله ما أمره ويفعل ما يؤمر والإنسان الصالح يقدر على فعل الشر ولكنه لا يفعله.

الإسلام رسالة أخلاقية

إذا كانت رسالة الإسلام أخلاقية، فهل سبقت الأخلاق الدين؟ إن التاريخ الإنساني يحدثنا عن المجتمعات البشرية قبل نزول الرسالات السماوية، فينقل لنا صورة من الفوضى والاضطراب الاجتماعي الذي كان سائدًا في تلك المجتمعات، ومن أوضح الأمثلة على ذلك حياة الإنسان في الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول ص، فقد كانت نموذجًا للفوضى والفساد والتحلل الاجتماعي، وقد استحكم الشر وصار هو القانون والقاعدة الاجتماعية، وقلّ أعوان الخير وانفردت ثلة من المجتمع من الحُنفاء الذين لم تكن تستهويهم حياة الجاهلية وضلال القوم، واعتزلوا الحياة الاجتماعية لما فيها من الشرور والآثام، وهذه الفترة من تاريخ الجزيرة العربية تعبّر عن الانحراف البشري عن الفطرة الإنسانية السليمة ﴿ فطرةَ الله التي فـطـر النـاس عليهـا لا تبديـل لخَلْـق اللـه ذلـك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ الروم: 30. وهي أيضًا ﴿ صِبغةَ الله ومَنْ أحسنُ من الله صِبغةً ونحن له عابدون﴾ البقرة: 138. وعندما انحرف الإنسان وحاد عن الفطرة وعن الأخلاق الفطرية التي هي الأخلاق الإسلامية، نزل الوحي بأخلاق السماء ليقوّم ما اعوج من أخلاق الناس وليردهم إلى أخلاق الفطرة مرة أخرى، وهي الأخلاق الأصيلة، أخلاق الإنسان السويّ، لأن الذي يعتدي ويضرب ويقتل ويزني ويسرق قد تعدّى على حقّ غيره في أن يحيا حياة آمنة دون اعتداء وقتل وسرقة وخيانة وخديعة، ولذلك فهو غير سوي، لأن السوي هو الذي يحفظ نفسه ويحفظ غيره وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة الطبيعية في كل المجتمعات البشرية أي حفظ النفس وحفظ الغير من كل ما يُسيء إلى الإنسان بوصفه إنسانًا، وهذا هوعينه مقصد الشريعة الإسلامية، إذ إن مقاصد الشريعة الإسلامية ثلاثة وهي تحقيق الضروريات والحاجيات والتحسينات أي الكماليات للإنسان في هذه الحياة.

الضروريات:

هي الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث لو فُقدت لم تستقم مصالح الدين والدنيا، والضروريات خمسة، وهي حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل. أما الحاجيات فهي الأمور التي يحتاج إليها الإنسان في هذه الحياة لرفع الضيق والحرج والمشقة التي تكون نتيجة عدم تحقيق بعض المطالب كتحقيق حاجيات الإنسان كلها بشيء من السعة والرفاهية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وإزالة ما يؤدي إلى الضيق والحرج في بعض الظروف كالتخفيف عن الإنسان في بعض التكاليف بالرُّخَص وذلك في حالات الاضطرار.

التحسينات:

هي اتباع أجمل وأحسن الأساليب في حياة الناس. وبعبارة أخرى هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات. وهكذا نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي لتحقيق غاية أخلاقية، وهو الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو صورة مجسمة لهذه الروح الأخلاقية. ومهمة الدين على هذا هي تنظيم الحياة الإنسانية، ووضع الضوابط الإلهية التي تحفظ للإنسان ضرورياته وتساعده على تحقيق حاجياته وكمالياته. وخالق الإنسان هو في هذا وغيره أدرى من الإنسان ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ الملك: 14.

وإذا كانت الأخلاق هي جسد الفضائل فإن الدين هو الروح الذي يحرك هذه الفضائل ويزكيها وينميها ويزيدها، ﴿ وقد خاب من دسّاها﴾ الشمس: 10. أي حرمها من ممارسة الفضائل وذلك بإعراضه عن الدين وعدم اتباعه لهديه. وليست الفضائل كالمعادلات الرياضية، تعمل بمقتضى المنطق الرياضي بل هي روح من الله، والإنسان لا يستطيع السير بدون نفحات إلهية وهدي رباني يوجهه حيث يكون الصلاح والفلاح. ولذلك فإن الإيمان والكفر لا يخضعان لمواصفات عقلية محددة، يؤمن من توافرت لديه ويكفر من لم تتوافر لديه، بل الإيمان نور يُستضـاء به عنـد الحوالك، يستـضيء به العـقل فيصـل إلى الحق، وعندما يعرض عنه فتكون الغلبة للباطل. فنور العقل يهدي إلى نور الحق واليقين.

الأخلاق بين الإسلام والعقائد الأخرى

الأديان السماوية:

نجد أنَّ القرآن، بالمقارنة مع التوراة، ركّز على نفس المعالم الأخلاقية التي جاءت في التوراة. مثال ذلك أن بعض الوصايا التي وردت في التوراة تكرر ورودها في القرآن الكريم، من ذلك: لا تقتل، في التوراة يقابلها في القرآن: ﴿ ولا تقتلوا أنفسكم﴾ النساء:29. لا تَزنِ، في التوراة يقابلها في القرآن ﴿ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا﴾ الإسراء: 32. وقد وردت في التوراة وصية لا تسرق، يقابلها في القرآن ﴿ والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما﴾ المائدة: 38. ووردت في التوراة لا تشهد على قريبك شهادة الزور، يقابلها في القرآن ﴿واجتنبوا قول الزور﴾ الحج: 30.

وكذلك الحال في الوصايا التي وردت في الإنجيل نجد أنها تصدر جميعا من نفس المنبع، اللهم إلا ما تعرّض منها للتحريف. من ذلك ما ورد في الإنجيل، قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زَنى بها في قلبه (متىَّ 275-29) يقابلها في القرآن ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ¦ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن﴾ النور: 30، 31. وكذلك ورد في الإنجيل اسألوا تُعطوا (متىَّ 7-7) يقابلها في القرآن ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ﴾ البقرة: 186. وزاد القرآن كثيرًا على ما ورد في التوراة المحرَّفة، خاصة في القضايا التي كانت اليهودية تُميز فيها بين اليهودي وغير اليهودي. من ذلك ما ورد في هذه التوراة: (للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا)، وقد أسقطت النصرانية هذا الحاجز العرقي واستبدلت به مبدأ، وجاء القرآن بمبدأ آخر مغاير تمامًا لما ورد في التوراة والإنجيل ذلك هو مبدأ المساواة بين جميع الناس في التعامل الأخلاقي المسلم وغير المسلم لأن العبرة بإنسانية الإنسان وليست بدينه أو عرقه، قال تعالى: ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة:8. فكان هذا المبدأ ناسخًا لما ورد في التوراة والإنجيل مذيبًا للفوارق والحواجز بين بني آدم.

وقد ورد في حديث الرسول ﷺ: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخُن من خانك ). حديث صحيح، ورد في التاريخ للبخاري وسنن أبي داؤد، وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم والدارقطني. كما جاء في خطبته ﷺ في حجة الوداع (كلكم لآدم وآدم من تراب )، ترسيخًا لمبدأ عدم التمايز العرقي بين الناس. وكان الإسلام حريصًا على ذلك المبدأ السامي الذي يؤكد على معاملة الناس بالعدل دون تمييز بين دين أو لون أو جنس. من أجل ذلك كان الإسلام خاتمًا للأديان ومتممًا لمكارم الأخلاق.

العقائد غير السماوية:

المقارنة ليست واردة بين الإسلام وبين العقائد غير السماوية لانتفاء وجه المقارنة أصلاً، لكن لا بأس من ذكر أوجه المقابلة بين الإسلام وأحد الاعتقادات الحديثة غير السماوية كالماركسية لنرى الفارق بين النمط الديني والنمط غير الديني في المعاملات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية، والمفارقة الواضحة بين المنهج الأخلاقي والمنهج غير الأخلاقي. فالماركسية تؤسس فرضياتها وتبني نظرياتها في تفسير التاريخ وتغيير المجتمع مدعية أنها نظرية علمية وبذلك تلغي الدين والأخلاق بداية لأنهما ليسا من العلم في شيء ـ على حد زعمهم ـ وتنطلق في بناء المجتمع من قاعدة أن الحياة مادة فقط، فلا روح ولا دين ولا أخلاق. وقد أدت بهم هذه المقدمات غير الأخلاقية كما يقول روبرت كونكوست في كتابه حصاد الأسى إلى أن أعدادًا ضخمة من الأطفال والنساء والشيوخ قد أعدموا لأنهم غير مرغوب فيهم إما لانتمائهم للمزارعين الذين رفضوا فكرة المزارع الجماعية أو لانتمائهم لمجموعات دينية مسلمة أو نصرانية. لذلك عزلهم النظام وأبادهم إبادة تامة، ليستأصل وجودهم الاجتماعي بالكلية. وبعد مضي سبعين عاما من التطبيق الشيوعي عادت هذه المجموعات إلى معتقداتها بأشد مما كانت عليه عند قيام الثورة الروسية. وهذا يعني أن سبعين عاما من القهر لم تمح العقائد الدينية الأخلاقية لأنها تحمل المسوغ الأخلاقي لوجودها. وبالمقابل انهار المبدأ المادي الشيوعي غير الأخلاقي وذلك بانهيار النظام السوفييتي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لأنه فقد أي مبرر أخلاقي لوجوده.

فقد استكان الناس للقهر الشيوعي والنظام الاشتراكي نتيجة للوعود البرّاقة من سدنة النظام بإشاعة العدل والمساواة بين الناس وإخراجهم من الفقر إلى الغنى ومن الذل والمسكنة إلى الحرية والكرامة. فما زادهم بعد سبعين عامًا إلا فقرًا إلى فقرهم وذلاً إلى ذلهم، وفقدوا أهم مقومات الوجود الإنساني وهو الحرية، وأصبحوا عالة على غيرهم، ولا يجدون قوت يومهم. وسقط النظام السوفييتي لأنه حاد عن الفطرة السليمة والمنهج الأخلاقي في بناء الإنسان. كانوا يريدون الوصول إلى الشيوعية التي تساوي بين الناس ـ كما يزعمون ـ في كل شيء، وكذبوا بل جهلوا طبيعة الوجود الإنساني الذي أقامه الله على تنوع القدرات واختلاف الدرجات لتستقيم الحياة وينتفع الناس بعضهم ببعض غنيهم بفقيرهم وفقيرهم بغنيهم، ويتخذ كل فريق من الفريق الآخر عونًا على تحقيق مقاصده، ولو كانوا متساوين في كل شيء لما أمكن شيء من ذلك ولفسدت الحياة البشرية واختل نظام المجتمع الإنساني. وإلى هذا أشار الله تعالى في محكم كتابه فقال: ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا﴾ الزخرف: 32.

كانوا يريدون الوصول إلى الشيوعية على أجساد الأطفال والنساء والشيوخ فسقطت الشيوعية على أشلاء سدنتها لأنها كانت ضد الفطرة الإنسانية وضد الأخلاق وضد الدين.

منظومة الأخلاق الإسلامية

أ - فطرية ب- شمولية جـ- كلية (تتجاوز الزمان والمكان).

الفطرية:

ومعناها أن التمييز بين الخير والشر إلهام داخلي مركوز في النفس الإنسانية وفق شريعة سماوية، وأن الفضيلة في نهاية المطاف إنما تتخذ تدرجها من طبيعتها الخاصة ومن قيمتها الذاتية، وعلى هذا فإن الوحي والعقل ليسا سوى ضوء هاد، مزدوج لواقع واحد أصيل تمتد جذوره في أعماق الأشياء. فقد تعلمنا من القرآن أن النفس الإنسانية قد تلقت في تكوينها الأول الإحساس بالخير والشر ﴿ ونفس وما سوّاها ¦ فألهمها فجورها وتقواها﴾ الشمس : 7 ، 8.

ولا تعارض بين هذه الفطرة وبين الوحي الذي نزل مرشدًا لهذه الفطرة ودالاً عليها وموجهًا لها حتى لا تنحرف، فالنوران: الفطري والموحى به ينبثقان من مصدر واحد. ولهذا لابد أن نسلم بأن الله سبحانه هو الذي يرشدنا دائمًا إلى واجبنا، ماظهر منه وما بطن، لأنه هو الذي فطر الفطرة وخلق النفس، وهو الذي يعلم خباياها وما تنطوي عليه من خير أو شر، وفطرها أيضًا على الخير كما ورد في حديث الرسول ﷺ :(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه ) والفطرة هي الإسلام، والإسلام هو الخير وفيه الخير وبه يُنال الخير في الدنيا والآخرة. ولذلك يمكن القول بأن أخلاق الإسلام فطرية.

الشمولية:

إنها تضرب في كل شعاب الوجود الإنساني من اقتصاد وسياسة واجتماع وحضارة، وتعالج مشكلات الحياة الإنسانية منذ ميلاد الإنسان إلى وفاته، وتوجه الفرد المسلم منذ أن يستيقظ من نومه إلى أن يعود إلى فراشه آخر اليوم.

وهذا يعني أن التوجيهات الفطرية القرآنية تلازم الإنسان المسلم في كل شئون حياته ويستظل بظلها في كل حال.

وتكتسب الأخلاق الإسلامية هذه الشمولية من الدين نفسه، لأن الإسلام ليس رداء يرتديه الإنسان ليضلل به الناس وليس مادة مخدرة تخدر جماهير الناس عن مطالبها المادية. بل هو دين شامل يُعنى بجسد الإنسان قبل روحه، لأن الجسد إذا لم يكن سليمًا معافى لا يستطيع أن يؤدي ما تمليه عليه الروح والإرادة من واجبات وتكاليف أومسؤوليات وتبعات.

فالأخلاق الشمولية هي الروح الذي يتجه به الإنسان في كل شعاب الحياة لأنه خلق للحياة كلها ولا يقبل منه أن ينصرف للواجبات الدينية دون الواجبات الدنيوية وخُلق ليعمر الدنيا كما خُلق ليعمل للآخرة. فالدنيا مزرعة للآخرة والحياة الدنيا هي الجسر الذي يعبر به الإنسان إلى الحياة الآخرة. والواجبات والتكاليف الدينية والشرعية مساندات للفطرة ومعضِّدات لها، وهذا هو الذي يزكي النفس فتعمل بمقتضى الفطرة فتصدر عنها الأفعال الأخلاقية.

الكلية:

والأخلاق الإسلامية أخلاق كلية لأنها موجّهة إلى كل بني آدم في أي زمان أو مكان، لا تختص بقوم دون قوم ولا بمكان دون مكان ولا زمان دون زمان. فالأصل واحد والمنبع واحد والرب واحد، ولذا فلابد للتوجه الأخلاقي أن يكون واحدًا لا يختلف باختلاف الأزمنة أو الأمكنة. صحيح أن أوعية الحياة تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان لكن جوهر الحياة يظل واحدًا كما أن النفس الإنسانية تظل كما هي، والفطرة التي أودعها الله النفس تحمل نفس السمات والصفات على اختلاف الأمكنة والعصور، وتمضي حياة الإنسان في تنوعها وتعددها وتلونها ويظل الإنسان هو الإنسان. وقد يسأل سائل، ألا يعني تعدد صور الحياة وأشكالها تعدد الصور والوسائل التي يشبع بها الإنسان حاجاته في الحياة؟

إن التغير الذي يطرأ على الحياة المادية لا يسري بالضرورة على النفس الإنسانية وأفعالها، لأن المفاهيم المادية الجزئية هي بالضرورة مفاهيم متغيرة لتغير المادة ولواحقها، لكن المفاهيم الكلية غير المادية، كالحق والخير والشر من وجهة النظر الإسلامية لا يعتريها التغير بل تتميز بالثبات.

فالقتل ظلمًا مثلاً هو رمز الشر عند الإنسان ولا يمكن أن يأتي على الناس زمان يفرحون فيه بالقتل أو يمجدون فيه قتل الناس بغير حق اللهم إلا إذا انحرفوا عن الفطرة أو حادوا عنها.

من هنا نرى أن منظومة الأخلاق الإسلامية متسقة متوائمة مترابطة كحبات العقد لا ينبو فيه صغير ولا كبير، بل تلتقي في أنها من الله وتتفق مع الشرع والعقل.

العـقل مناط التكليف

الإلزام الأخلاقي عقائدي و عقلي:

مناط التكليف في الواجبات الدينية والأخلاقية هو العقل. فلا يكلَّف غير عاقل بالغ أم صبي، فالمجنون والصبي الذي لم يبلغ الحلم يخرجان عن دائرة التكاليف الإسلامية للحديث الذي ورد في صحيح البخاري (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر ) ومدار التكليف في الإسلام هو العقل، والأخلاق الإسلامية جزء لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية، والإلزام الأخلاقي على هذا جزء من التكليف الشرعي، والعقل هو محك التفرقة بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي، لأن العقل ابتداءً هو محل النظر والتدبر والتأمل والتفكر، بل هو محل القبول أو الرفض للإيمان واليقين، قال تعالى: ﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم﴾ البقرة: 256. فالإيمان لا يكون قهرًا بل يكون طواعية واختيارًا، والاختيار لا يكون إلا من عاقل راشد. قال تعالى: ﴿ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾ البقرة: 257. فالظلمات هي ظلمات الجهل والكفر، والنور هو نور الإيمان والهداية والعقل.

والمخاطبون بالتكاليف الإسلامية هم المخاطبون بالإيمان ابتداءً، لقوله تعالى: ﴿ إنما يتذكر أولو الألباب﴾ الزمر: 9. وقوله: ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبـارك ليدبـروا آياته وليتذكـر أولو الألبـاب﴾ ص: 29. وقوله: ﴿ أفمن كان على بينة من ربه كمن زُيِّن له سوء عمله واتبعوا أهواءهم﴾ محمد: 14. وقوله: ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ ق: 37. وقوله: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ الحج: 46. فخطاب الإيمان وخطاب التكليف الشرعي والأخلاقي موجهان للإنسان العاقل، المميَّز بفطرته. والإنسان العاقل هو الذي يلقى جزاء أعماله إحسانا بإحسان وإساءة بإساءة.

والإلزام الأخلاقي لا ينتهي فقط عند النصوص الشرعية أي الأوامر والنواهي والمندوبات التي وردت في شأنها نصوص في القرآن أو السنّة، بل يتجاوزها إلى ما لم يرد فيه نص، لأن النصوص محدودة ووقائع الأنام غير محدودة، وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. لذلك كان الإلزام الأخلاقي هاجسًا نفسيًا عقليًا فرديًا يؤرق ضمير المسلم ويسبب له قلقًا حتى يؤديه، مثال ذلك القضية التي يفصل فيها القضاء لمصلحة المدعي ويعلم المدعي أن المدعى عليه بريء وأن القضاء أخذ جزءًا من ملكية المدعى عليه وأعطاها إياه، فيظل المدعي قلقًا ويعلم أنه كان ألحن في حجته من صاحبه فحكم له القضاء بالملكية التي هي أصلاً ليست له، ورد في الصحيحين عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ (إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار... ). وعندئذ يعيد الحق إلى صاحبه بعيدًا عن القضاء، لأن الإلزام الأخلاقي أملى عليه واجبًا دينيًا أخلاقيًا ليس وراءه جزاء أو ثواب دنيوي لكنه لن يعدم ثواب الآخرة، فإعادة الملكية إلى صاحبها كانت محض التزام أخلاقي يبتغي به فاعله وجه الله وإحقاق الحق وإرساء العدل المطلق الذي ليس وراءه نزعة مادية أوشهوة فردية أو ميل عرقي جماعي. وهذا نموذج إسلامي نسيج وحده لا شبيه له ولا مثيل في الاعتقادات السماوية المحرفة أو المذاهب الوضعية.

فالإنسان يفي بما لا يُلزم به من غيره لأنه يريد ذلك لا لأن المجتمع يرغمه عليه. فالعقل يحرك الضمير والضمير يستجيب للعقل، فيغالب الإنسان هوى نفسه فيختار الوفاء امتثالاً لنداء أخلاق الإسلام، وامتثالاً لواجب الديانة الذي استجاب له العقل ثم الضمير.يختار الوفاء أيضًا طمعًا في الثواب لا خوفًا من العقاب، بُعدا عن الشهوة التي تحرك الرغبة في التملك، واقترابًا من السلوك الأخلاقي المثالي، وتقربًا إلى الله وتزلفًا إليه، استجابة لنداء الإيمان وتحقيقًا لأهداف العقيدة الدينية الأخلاقية.

المسؤولية:

يقابل الإلزام الديني الأخلاقي في الإسلام المسؤولية بصورها المختلفة الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

أما المسؤولية الدينية الأخلاقية فلا تخلو منها التكاليف الشرعية جميعًا، بل هي في التحليل النهائي مسؤولية دينية أخلاقية سواء أكانت التكاليف أمرًا أم نهيًا أم ندبًا لأن التكليف لا يتم إلا باختيار الإنسان العاقل.

والشروط التي يجب توافرها في المسؤولية الدينية الأخلاقية أولها: الصفة الشخصية في تحمل المسؤولية، أي أن المسؤولية تقع على عاتق الإنسان المكلف بصفته الشخصية كما أنها قد تقع عليه بصفته الاعتبارية كأن يكون موظفًا أو مدرسًا أو طالبًا أو تاجرًا أو أميرًا أو وزيرًا أو حاكمًا أو رئيسًا، وهكذا تتعدد المسؤولية بتعدد الوظائف الاجتماعية، فالشخص هنا مسؤول عما يتولى رعايته من أمانة اجتماعية كما ورد في حديث الرسول ﷺ: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته... ). أخرجه الإمام أحمد في المسند.

أما المسؤولية الشخصية فهي تقابل التكليف الشرعي الديني والأخلاقي باعتبار الإيمان وباعتبار الإسلام الذي هو سبب من أسباب التكليف لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون﴾ الأنفال: 27. فهذه الآية قد شملت أنواع المسؤولية الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

والشرط الثاني من شروط المسؤولية هو الصفة القانونية التي يترتب على تركها جزاء، مما يجعل الوفاء بها لازمًا على من التزم بها. وهذا مع مراعاة التفريق بين المسؤولية الأخلاقية البحتة والمسؤولية القانونية القضائية.

والشرط الثالث هو الإرادة. فالعمل الذي يخلو من الفعل الإرادي لا تندرج تحته مسؤولية أو يترتب عليه جزاء أخروي، هذا بخلاف الضمانات والجزاءات الدنيوية. فمن أتلف شيئًا فعليه ضمانه ولو كان غير مريد. فالأعمال غير الإرادية جسمية كانت أو عقلية يمكن تصنيفها ضمن هذا النوع من الأعمال ﴿ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ البقرة: 286.

وقد ورد الحديث الصحيح في هذا الشأن في قوله ﷺ: (إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) أخرجه الإمام أحمد في المسند.

أما الشرط الرابع فهو الحرية. ومن الواضح أن أي عمل إرادي يدخل في إطار الحرية، لأن الفعل الإرادي إذا قُيد أصبح قهرًا وإكراهًا، وهذا يخرج بالضرورة عن إطار المسؤولية الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

والمسؤولية الدينية والأخلاقية مسؤولية فردية، ولا تكون اجتماعية إلا في الحالات التي يعجز فيها الفرد عن الوفاء بمسؤولياته الدينية والأخلاقية حيث يتحمل المجتمع تبعات الأفراد، مثال ذلك أن الغارمين الذين لا يجدون ما يوفون به ما في ذمتهم من ديون، جُعلت لهم أنصبة في الزكاة وجُعل الغُرْم بهذا غرمًا اجتماعيًا يؤديه المجتمع عن الفرد.

أما المسؤولية الاجتماعية فهي مسؤولية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بصفته ممثلاً لمجموع الأفراد الذين ينتمون إليه، والدولة أو الحاكم هو الذي يتحمّل هذه المسؤولية بصفته الاعتبارية لا بصفته الشخصية. مثال ذلك أن الملكية العامة في النظام الاقتصادي الإسلامي هي مسؤولية اجتماعية أو ملك عام، والمالك الحقيقي هو المجتمع كله ممثلاً لكل أفراده، لكن الذي يتولى الملكية نيابة عن المجتمع هو الحاكم بصفته الاعتبارية، وعليه تقع تبعات المسؤولية وواجبات القيام بها.

الواجب الأخلاقي ديني وعقلي:

المسؤولية التي تتم بالاختيار الطوعي الشخصي يكون الالتزام بها واجبًا دينيًا وأخلاقيًا. وهذه المسؤولية الدينية والأخلاقية مصدرها التكليف الإلهي في القرآن الكريم أو ما ثبت في سُنة الرسول ﷺ أو ما ثبت في الذمة وحال حائل دون الوفاء به، فهو واجب ديني أخلاقي إلزامي، لأن مقتضى عقيدة التوحيد يجعل هذا الواجب التزامًا شرعيًا لا التزامًا وضعيًا. من أجل ذلك يكون الالتزام الخلقي والواجب الديني جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الشريعة الإسلامية ؛ فإنها شاملة كل ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.

و النصوص الواردة في ذلك كثيرة، من ذلك قول الله تعالى: ﴿ فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته﴾ البقرة: 283. ومنها قوله تعالى: ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾ النساء: 29. ومنها قوله تعالى: ﴿ أوفوا بالعقود﴾ المائدة:1. ومنها قوله تعالى: ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ النساء: 58. ومنها قوله تعالى: ﴿ وأحل الله البيع وحرّم الربا ﴾ البقرة: 275. وفي حديث الرسول ﷺ (لا ضرر ولا ضرار ). رواه أحمد وابن ماجة. وهذا نص في وجوب رد الحقوق مطلقًا سواء أقصد الإنسان الإضرار بالغير أم لم يرد ذلك، فإن الإسلام لا يقر الضرر. وجاء في الحديث القدسي عن رب العزة والجلال (... فلا تظالموا ...).

فالأخلاق جزء من عقيدة التوحيد، فلا عقيدة في الإسلام إذا لم تستند تلك العقيدة إلى أخلاق الإسلام مصداقًا لوصف الله لنبيه بقوله تعالى: ﴿ وإنك لعلى خُلق عظيم﴾ القلم: 4. ولقوله ﷺ (إنما بُعِثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق ). رواه البخاري. ولحديث عائشة رضي الله عنها لمّا سُئلت عن خلقه ﷺ قالت: (كان خلقه القرآن ) رواه مسلم.

إن الأخلاق جزء من واجبات الدين ولا يعني عدم محاسبة المرء أمام القانون أنه غير مسؤول أمام الله عن واجبه الديني والأخلاقي.

وليست الأخلاق في الإسلام أدبًا يُجمّل صاحبه بل هي التزام وواجب ديني.

وهذا الفعل الأخلاقي يحركه الضمير ويُعرف بالعقل، وهذا لا ينافي حقيقة أنه معلوم عن طريق الوحي، فنور الوحي ونور العقل يلتقيان ولا يتضادان، لذلك قال الله تعالى: ﴿نور على نور﴾ النور:35.

الفضائل العملية والتربية الأخلاقية

روافد دوافع الخير:

الفضائل العملية هي توجيهات القرآن أو السنة لفعل الخيرات وترك المنكرات، والحث على فضائل الأعمال والصفات الخلقية الحسنة، والقرآن كتاب الله تعالى يفيض بهذه التوجيهات، بل كله توجيه أخلاقي لحديث عائشة رضي الله عنها ـ الذي تقدم ـ عن خلق رسول الله ﷺ (كان خُلقه القرآن ). وهذه بعض التوجيهات من السنة المطهرة لأن السنة شارحة للقرآن ومبيّنة له. من ذلك ما أورده مسلم في كتاب الإيمان من قوله ﷺ لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ: (أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارًا. قال: لا تغضب ) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة مرفوعاً (من أقال مسلمًا عثرته أقاله الله يوم القيامة ).

وعن أنس قال: لقد خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، فوالله ما قال لي أُفٍ قط، ولا قال لشيء فعلته: لِم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا .

فهذه الأحاديث ترفد الخير ودوافعه عند المسلمين وتحضهم على فعله كالحلم والكرم وتنهاهم عن الشر ومقدمات الشر كالغضب وإساءة معاملة الغير ولو كان أجيرًا أو خادمًا، وتُحبب إليهم الفعل الديني الأخلاقي والواجبات الدينية باعتبار أن هذه الفضائل تصفي النفوس والنيات وتربي عند المسلم النية الطيبة الصافية لفعل الخير. والنية أساس من أسس الأعمال الصالحة لقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ). رواه البخاري ومسلم. والنية بدورها ترفد دافع الخير عند المسلم وهذا الدافع يحرك المسلم إلى القصد والعزم والفعل، هكذا تتضافر النوايا والدوافع في تربية المسلم الأخلاقية وتهذب النفس والنية والدافع والقصد، وتجعل فعل الخير سجية عند المسلم يأتيه عن طيب نفس راضيًا عن نفسه مرضياً عند ربه.

روافد الكمال الإنساني:

تساعد الفضائل العملية في بناء شخصية الفرد المسلم والجماعة المسلمة والدولة المسلمة في قمة الهرم الاجتماعي. لكن أساس البناء هو الفرد المسلم والنموذج الذي يُحتذى في البناء الأخلاقي. والكمال الإنساني هو الرسول الكريم ﷺ لقوله تعالي: ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ الأحزاب:21. ففي فعله ﷺ النموذج المثالي للإنسان الكامل، والمسلم يحاول قدر طاقته أن يقترب من ذلك المثال وأن يُحصِّل شيئًا من الكمال، وهذا يتم بتقليد الرسول ﷺ والاقتداء به. ومن ذلك ما رواه أنس (أن النبي ﷺ مرّ على غلمان فسلّم عليهم ) رواه البخاري ومسلم. وعن أسماء بنت يزيد قالت: (مرّْ بنا النبي ﷺ في نسوة فسلم علينا ) رواه أبو داود والترمذي. وهذا في غير حالة المرأة الشابة، أما الشابة فلا يسلم عليها الرجال الأجانب.

وعن ابن عمر: (قال النبي ﷺ إن اليهود إذا سلَّم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقولوا وعليكم ) رواه أبو داود والترمذي. والسام هو الموت.

هذه أمثلة على سبيل المثال لا الحصر، وهي تبين أن الرسول ﷺ كان يحترم الصغار والنساء ويعامل الأعداء بالمثل وكما قال الشاعر:

إن الرسول لنور يُستضاء به مهند من سيوف الله مسلول

فالرسول ﷺ مثال حي على أخلاق القرآن وأخلاق الإسلام. ويكفينا دليلاً على ذلك قــول الله تعــالى عنه ﷺ: ﴿ وإنك لعلى خُلق عظيم﴾ القلم: 4. ثم وصف عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ (كان خلقه القرآن ) رواه مسلم.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية