الرئيسيةبحث

المحيط الهادئ ( Pacific Ocean )



أيقونة تكبير خريطة المحيط الهادئ
المحيط الهادئ أكبر وأعمق مسطح مائي على ظهر الأرض، ولو وُضِعت جميع القارات في هذا المحيط لوسعها، وظل به مكانٌ لقارة أخرى في حجم قارة آسيا التي هي أكبر قارات العالم. ويغطي المحيط الهادئ نحو نصف مساحة جميع محيطات العالم الأخرى وثلث سطح الأرض، فهو يمتد من القطب المتجمد الجنوبي، ويرتطم بشواطئ الجزر الدافئة في المنطقة الحارة، وتصل مياهه إلى سواحل جميع القارات ماعدا قارتي إفريقيا وأوروبا.

وعندما أشرف المكتشف البرتغالي فرديناند ماجلان على هذا المحيط الكبير، أطلق عليه اسم المحيط الباسفيكي أي الهادئ. وقد أبحر فيه ماجلان تدفعه رياح خفيفة لعدة أسابيع، شاهد خلالها الأسماك الطائرة والدّلافين تتراقص في مياهه الهادئة الدافئة. غير أن هذا المحيط الكبير ليس بالهادئ دائمًا، إذ من الممكن أن يثور ثورة شديدة فتهب من أرجائه الفسيحة أشد العواصف دمارًا على سطح الأرض. فأعاصير التايفون التي تمرُّ فيه تدمر أساطيل السفن وتسوي مدن الجزر بالأرض، كما تؤدي الزلازل، وثورانات البراكين تحت الأرض، إلى حدوث الموجات البحرية الزلزالية، أو الموجات المدية وأحيانًا يبلغ ارتفاع هذه الموجات 30م، وتغمر الجزر التي تعترض سبيلها تمامًا.

وتوجد في المحيط الهادئ، آلاف الجزر، وبعضها قمم جبال بركانية تبرز من قاع البحر، ويتكوَّن بعضها الآخرُ من الشعاب المرجانية، التي يرتكز الكثير منها على قمم تحت الماء. وتنتشر مئات الجزر الصغيرة المتفرقة في المنطقتين ؛ الوسطى والجنوبية من المحيط الهادئ. وتقع مثل هذه البلاد التي تتألف من عدد من الجزر مثل: اليابان والفلبين بالقرب من سواحل آسيا وأستراليا. ويوجد عدد قليل من الجزر شرقي وجنوبي المحيط الهادئ.

تتناول هذه المقالة المحيط الهادئ ذاته، من حيث مناخه والحياة البحرية فيه. أمَّا بالنسبة للجزر وسكانها. ★ تَصَفح: جزر المحيط الهادئ.

الموقع والمساحة:

تُعدُّ كل من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية الحدود الشرقية للمحيط الهادئ، وتقع كل من آسيا وأستراليا إلى الغرب منه. ويصل مضيق بِيرْنج المحيط الهادئ بالمحيط المتجمد الشمالي، وتقع قارة أنْتَارْكتِيكا إلى الجنوب.

يبلغ المحيط الهادئ أقصى اتساع له بالقرب من خط الاستواء، بين بنما وشبه جزيرة الملايو، حيث يبلغ عرضه 24,000كم، أي ثلاثة أخماس المسافة حول العالم، وتبلغ مساحته نحو 181 مليون كيلو متر مربع، وينقسم في بعض الخرائط ـ عند خط الاستواء ـ إلى المحيط الهادئ الشمالي والمحيط الهادئ الجنوبي.

خط الساحل والمـياه الساحليـة. تُعدُّ سواحـل المحيـط الهادئ المتاخمة لكلٍ من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية مستوية نسبيًا، ويُعدُّ خليج كاليفورنيا المدخل الكبير الوحيد، وتقع بعض الجزر بعيدًا عن الشاطئ. أما السواحل الغربية للمحيط فهي غير مستوية. وتشمل المداخل الساحلية كلاً من بحر الصين وبحر اليابان، والبحر الأصفر وبحر أوخوتسك والخلجان.

قاع المحيط. يبلغ متوسط عمق المحيط الهادئ نحو 3,900م، ولكن قاعه غير مستوٍ على الإطلاق، ويحتوي على جبال تحت الماء ونتوءات ومناطق عميقة تُسّمى أخاديد.

تبرز معظم الجبال في أواسط وغرب المحيط الهادئ، وهي تكوِّن سلاسل من الجبال، تمتد ـ بصفة عامة ـ إلى الشمال الغربي والجنوب الشرقي، ويشكل أعلاها سلسلة من الجزر. ويعتقد الجيولوجيون أن معظم هذه الجبال براكين نشطة أو خامدة.

هناك نتوء ضخم يمتد من شمال أنتاركتيكا إلى أمريكا الشمالية جهة المكسيك. ويرتفع هذا النتوء المعروف بنتوء شرقي المحيط الهادئ إلى ما بين 1,500م و3,000م ـ تقريبًا ـ عن قاع المحيط. وقد نشأ نتيجة لثورات البركان على هذا النتوء عدد من الجبال، يشكل القليل منها بعض الجزر.

أعمق مناطق المحيط الهادئ تلك المناطق القريبة من الساحل، وهي تتضمن الأخاديد التي تحد سلاسل الجزر الواقعة غربي المحيط. وتقع الأخاديد كذلك بالقرب من جزر ألوشيان، وعلى مسافة بعيدة من الساحل الغربي لأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. ويبلغ عمق معظم الأخاديد في المحيط الهادئ ما بين 6,000م و 9,000م. ويوجد في أخدود ماريانا ـ بالقرب من غوام ـ أعمق منطقة عُرفت حتى الآن في أي محيط، إذ يبلغ عمقها 11,033م.

يمتد رصيف قاري على طول شواطئ كلٍ من القارات التي يحدها المحيط الهادئ، حيث يندر أن يزيد عمق الماء على 180م. ويضيق هذا الرصيف نسبيًا على امتداد كلٍ من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، ولكنه يتسع على طول آسيا وأستراليا.

يُعدُّ قاع المحيط الهادئ مخزنًا للمعادن، وقد حفرت شركات النفط عددًا من آبار النفط على الأرصفة القارية. وتغطي جزءًا كبيرًا من القاع صخور تحتوي على الكوبالت والنحاس والمنجنيز والنيكل، إلا أنه لم يستخرج بعد من هذه الثروة الفلزية إلا النزر اليسير.

التيارات البحرية والمد والجزر:

تتبع معظم تيارات المحيط الهادئ نمطًا دائريًا باتجاه حركة عقارب الساعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وباتجاه معاكس لحركة عقارب الساعة في النصف الجنوبي. وتؤثر هذه التيارات البحرية تأثيرًا كبيرًا على مناخ الأراضي التي تحد المحيط. فعلى سبيل المثال، يأتي تيار اليابان من المناطق الاستوائية الدافئة ويتجه نحو الشمال، جالبًا الدفء للجزر اليابانية، كما ينشر تيار شمال المحيط الهادئ بعضًا من دفئه عبر المحيط، ويساعد على اعتدال المناخ جنوبي ألاسْكَا وغربي كندا.

يجري تيار بيرو البارد على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، وتميل الرياح الناجمة عن هذا التيار إلى البرودة والجفاف، فتُحيل جزءًا كبيرًا من الساحل إلى صحراء، إلا أنه تعيش في مياهه الباردة أسماك كثيرة.

تحدث موجات ضخمة من المد والجزر على امتداد سواحل المحيط، فعلى مسافة من الساحل الغربي لكوريا ـ على سبيل المثال ـ يزداد عمق المحيط أثناء المد بمقدار يتراوح ما بين 4,6متر و 9متر عن عمقه أثناء الجزر.

الحياة في المحيط:

تزدهر الحياة البحرية في أجزاء كثيرة من المحيط الهادئ، إذ يجرف التيار ملايين الكائنات الحية الدقيقة قريبًا من سطح الماء، كما أن الثدييات البحرية، مثل الدلافين، والفقم، والحيتان تستنشق الهواء عند السطح، وتغوص تحت الماء بحثًا عن الطعام، وتعيش آلاف الأنواع من الأسماك في مياه المحيط. وتشتمل الحيوانات التي تعيش في قاع المحيط على المرجان والمحاريات والديدان، وينمو العشب البحري عند القاع في المياه الضحلة. ويعطي المحيط الهادئ سنويًا 49% من إجمالي إنتاج العالم من الأسماك والمحاريات. وهو يعادل نحو 52 مليون طن متري. ويتم صيد نحو نصف هذه الكمية شمال غربي المحيط بالقرب من الصين واليابان وروسيا. وتضم مناطق الصيد الرئيسية الأخرى ـ مرتبة حسب كمية ما توفره من الغذاء البحري ـ المياه القريبة من أمريكا الجنوبية، وأستراليا، وجنوب شرقي آسيا، وأمريكا الشمالية. وتشتمل منتجات المحيط الهادئ الأخرى على اللؤلؤ، وجلد الفقم والعشب البحري الذي يستخدم سمادًا، والأسماك الاستوائية التي تُربى في المزارع المائية الاستوائية.

المناخ:

يسود شمال المحيط الهادئ شتاء طويل بارد، وصيف قصير معتدل البرودة. أما جزر ألوشيان فكثيرة الضباب، تجتاحها الرياح. وعلى امتداد خط الاستواء، يظل المناخ حارًا على مدار العام، والفصول هناك إما فصول ممطرة أو فصول جافة.

وتتمتع نيوزيلندا ـ في جنوبي المحيط ـ بصيف لطيف وشتاء معتدل البرودة. وتندر الثلوج أو الصقيع إلا في المناطق الجبلية، وتسقط الأمطار بغزارة. أما في أقصى الجنوب ـ بالقرب من أنتاركتيكا ـ فالمناخ شديد البرودة. وفي الصيف تطفو على سطح الماء كميات كبيرة من الثلج الذي انفصل عن الأنهار الثلجية.

نطاقات الرياح:

تعبر المحيط الهادئ أربعة من نطاقات الرياح الضخمة، حيث تهب الرياح التجارية بانتظام على امتداد جانبي خط الاستواء ـ من الشمال الشرقي ومن الجنوب الشرقي. وتؤدي الحرارة عند خط الاستواء إلى تمدد الهواء، فيصعد إلى أعلى، ويتجه على ارتفاع عالٍ صوب القطبين، وتحمل الرياح التجارية معها هواءً أكثر برودة على ارتفاع منخفض، فيحل محل الهواء الذي صعد إلى أعلى. وقد استخدم البحارة ـ في يوم ما ـ الرياح التجارية الشمالية الشرقية للإبحار من أمريكا الشمالية إلى آسيا. ★ تَصَفح: الرياح التجارية.

وإلى الشمال والجنوب من نطاق الرياح التجارية تهب رياح غربية بين خطي عرض 30° و60° بسبب دوران الأرض. وقد يسرت الرياح الغربية شمالي المحيط الهادئ طريقًا للملاحة بين آسيا وأمريكا الشمالية، وأحيانًا يُطلق على الرياح الغربية في نصف الكرة الجنوبي الأربعينيات المزمجرة أو الصاخبة نظرًا إلى قوتها الشديدة.

أعاصير التايفون والأعاصير الممطرة:

تسبب الأعاصير الحلزونية هطول أمطار كثيرة في منطقة المحيط الهادئ. وفي العادة لا تُحدث هذه الرياح الدائرية دمارًا شديدًا، بل ربما تحمل المطر للمناطق الجافة التي تحتاجه. ولكن من وقت لآخر تصبح هذه الأعاصير بالغة العنف، وعندما تصل سرعتها إلى 119كم/ساعة تُسمَّى التايفون في الشرق الأقصى والأعاصير الممطرة جنوبي المحيط الهادئ وشرقه. وتثور أشد هذه العواصف تدميرًا بين شهري مايو ونوفمبر حتى بحر الصين، وقد تضرب الأعاصير الممطرة على مسافة من ساحل أمريكا الوسطى والمكسيك بين شهري أغسطس وأكتوبر، كما تضرب شمالي المحيط ما بين شهري يناير ومارس، ومن الممكن أن تكون بالغة الخطورة في البر والبحر. وأحيانًا تصل السرعة بالقرب من مركز العاصفة أو عين العاصفة إلى 240كم/ساعة. وتستطيع مثل هذه الرياح أن تقتلع النخيل، وتحطم بساتين الموز، وتهدم المباني. أما في البحر، فينجم عنها أمواج ضخمة تحطم السفن الكبيرة الحديثة، وتتحول الجزر المنخفضة إلى مستنقعات، بفعل الأمواج العملاقة التي تأتي بها مثل هذه الرياح. ★ تَصَفح: الإعصار الممطر ؛ التايفون.

اكتشاف المحيط الهادئ:

ربما يكون أسلاف سكان جزر المحيط الهادئ الحاليين أول من أبحر إلى ذلك المحيط. ويعتقد كثيرٌ من الباحثين أن أناسًا من جنوب شرقي آسيا قد وصلوا إلى غربي المحيط الهادئ منذ عدة آلاف من السنين. وبمرور الوقت، سكن الجزر الأخرى أناس يشبهون سكان إفريقيا أو آسيا الحاليين، قدموا إليها عن طريق البحر. وربما أصبحت معظم الجزر الرئيسية في المحيط آهلة بالسكان بحلول القرن الثاني الميلادي.

في عام 1513م، عبر المكتشف الأسباني فاسْكُو نونيز دَيْ بَالْبُوا ممر بنما وأصبح أول أوروبي يشاهد شرقي المحيط الهادئ. ويُعدُّ بالبوا المكتشف الأوروبي للمحيط، حيث أدرك أنه بحر مجهول. وقد أبحر ـ أيضًا ـ عبر المحيط الهادئ فرديناند ماجلان ـ الذي أطلق على المحيط اسمه الحالي ـ في الفترة من نوفمبر عام 1520م حتى أبريل عام 1521م. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الثامن عشر، اكتشف جيمس كوك ـ قائد الأسطول الملكي البريطاني ـ أجزاء كثيرة من المحيط، ورسم خرائط لها، وربما يكون أول أوروبي يزور جزر المحيط الهادئ، بما فيها جزر هاواي.

كان علماء البحار ـ الذين يعملون على ظهر السفينة العلمية البريطانية تْشَالِنْجر ـ أول من درس قاع المحيط الهادئ، وقد حصلوا في عامي 1874م و 1875م على عينات من قاع البحر وكثيرٍ من الكائنات الحية التي تعيش في الأعماق. وعلى مر السنين، كان الناس يحددون عمق الأجزاء المختلفة للمحيط الهادئ عن طريق إنزال كبل إلى القاع. ولكن خلال العقد الرابع من القرن العشرين، بدأ علماء البحار قياس العمق عن طريق السُّونَار، وهو جهاز لاكتشاف مواقع الأشياء تحت الماء بوساطة الموجات الصوتية. وقد مكَّن جهاز السونار وغيره من الأجهزة الكهربائية راسمي الخرائط من رسم خرائط لكثير من معالم قاع المحيط الهادئ بحلول عام 1970م. ومنذ العقد الأول من القرن العشرين أخذ علماء البحار يراقبون قاع المحيط من خلال مراكب غطس متعددة الأنواع.

منذ ستينيات القرن العشرين، يذكر علماء البحار والبحارة في تقاريرهم أن أجزاء كبيرة من المحيط تلوثها الفضلات التي تحتوي على مياه الصرف الصحي التي تحملها الأنهار إلى البحر، والمبيدات الحشرية التي تحملها الرياح، ومخلفات ناقلات النفط. وقد اختلف علماء الأحياء فيما بينهم فيما إذا كان هذا التلوث شديدًا لدرجة تؤثر على الحياة في المحيط تأثيرًا كبيرًا، إلا أن بعضهم يخشى أن يضر التلوث بالكائنات الدقيقة التي تجرفها مياه المحيط والتي تعرف بالعوالق المائية، إذ إنها تُعدُّ مصدرًا رئيسيًا لغذاء الأسماك وغيرها من الحيوانات البحرية.

في عام 1982م، تبنَّتْ الأمم المتحدة قانون المعاهدة البحرية، التي تنص على الحد من تلوث المحيطات، وتنظم عمليات الصيد والتعدين في البحار، وترسم حدود المياه الإقليمية. وفي عام 1994م، صدقت أكثر من 60 دولة على المعاهدة وأصبحت سارية المفعول رغم اعتراض الولايات المتحدة بادئ الأمر عليها لأن المعاهدة، حسب رأيها، لا تحمي بدرجة كافية مصالح الصناعات الخاصة بعمليات التعدين لاستخراج المعادن من المياه العميقة في البحر.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية