(سانتورن سابقًا)
تؤدي القوى الهائلة الموجودة في باطن الأرض إلى تكوُّن البراكين. ولم يهتد العلماء بعد إلى الفهم الكامل لطبيعة هذه القوى. ولكنهم طوروا نظريات تدور حول كيفية تكوين هذه القوى للبراكين. ويشرح هذا الباب كيف وضَّح جمهور العلماء بداية البركان وثورانه.
ثم ترتفع الصهارة المليئة بالغازات تدريجيًا نحو سطح الأرض، وذلك لكونها أخف وزنًا من الصخور الصلبة المحيطة بها. وعند صعود الصهارة، فإنها تقوم بصهر فجوات في الصخور المحيطة. وكلما ازداد صعود الصهارة فإنها تشكَّل حجرة كبيرة على بعد ثلاثة كيلو مترات تحت سطح الأرض. وتقوم حُجرة الصهارة هذه بدور المستودع أو الخزان الذي تنطلق منه المواد البركانية إلى سطح الأرض.
كيفية ثوران جـبل بركانـي |
وعندما تقترب الصهارة من سطح الأرض، فإن الغاز المذاب بها يتحرر وينطلق. ويشق الغاز والصهارة فتحة، ينطلقان منها تسمى الفتحة المركزية. وتثور معظم الصهارة والمواد البركانية الأخرى عبر هذه الفتحة. وتتراكم المواد البركانية تدريجيًا حول هذه الفتحة بانيةً جبلاً بركانيًا أو بركانًا. وبعد هدوء الثوران تتشكّل فوهة على شكل قوس على قمة البركان. وتكون فتحة البركان الرئيسة أسفل هذه الفوهة.
ولدى اكتمال تشكّل البركان، فإن الصهارة من الثورانات البركانية اللاحقة، لاتصل كلها إلى سطح الأرض عبر الفتحة المركزية. فأثناء صعود الصهارة، يشق جزء منها جدران القصبة، ثُمَّ تندفع الصهارة عبر الشقوق مُشَكِّلة قنوات أصغر حجما من قصبة البركان. وقد تندفع الصهارة في هذه القنوات الفرعية محدثة فتحة جديدة في جانب البركان. وقد تبقى هذه الصهارة كامنة تحت سطح الأرض.
هناك ثلاثة أنواع رئيسة من المواد يمكن أن يقذف بها البركان إلى الخارج وهذه المواد هي: 1- اللافا أي حُمَم، 2- شظايا صخرية، 3- غاز. وتعتمد المادة المقذوفة بشكل رئيسي على مدى لزوجة أو سيولة الصهارة البركانية.
وتشمل بعض تكوُّنات الحمم ما يعرف بالمخاريط المشتتة وأنابيب الحمم. و المخاريط المشتتة هي تلال منحدرة يبلغ ارتفاعها 30م. وقد بُنيت هذه التلال نتيجة لاندفاعات الحمم السميكة، على هيئة نافورات متفرقة. أما أنابيب الحمم فهي أنفاق تشكلت من الحمم السائلة. فحينما تطفح الحمم وتنساب، فإن سطحها الخارجي الملامس للهواء يبرد ويتصلب، في حين يستمر انسياب الحمم أسفل السطح المتصلب. وعندما ينتهي انسياب الحمم يتخلف عنها نفق.
قوة البركان الهادمة من الممكن أن تؤدي إلى وفيات عديدة ودمار ممتلكات كثيرة. دمَّرت الحمم أثناء ثوران عام 1973م هذه المنازل على جزيرة هيماي في أيسلندا. |
الغبار البركاني يتكون من جزئيات ذات قطر أقل من 0,25 ملم، ويمكن حمل هذا الغبار لمسافات بعيدة. وفي عام 1983م قذف ثوران بركان كراكاتاو في إندونيسيا بالرماد البركاني عاليًا لمسافة 27كم في الهواء. وقد حُمل هذا الغبار، ودار حول الأرض عدة مرات معطيًا منظرًا أحمر متألقًَا لغروب الشمس في عدة أماكن من العالم. ويرى بعض العلماء أن كميات كبيرة من الغبار البركاني بمقدورها التأثير على المناخ، وذلك باختزال كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الأرض.
الرماد البركاني يتألف من شظايا يقل قطرها عن نصف سنتيمتر. ويسقط معظم الرماد البركاني فوق سطح الأرض، ويلتحم معظم الرماد البركاني بعضه مع بعض مكونًا صخرًا يُسمّى الطَفَل البركاني. وفي بعض الأحيان يجتمع الرماد البركاني مع الماء مشكلاً جدولاً من الطفح الوحلي في حالة الغليان. وقد تبلغ سرعة جريان هذا الطفح الوحلي 100كم/س، الأمر الذي يمكن أن يكون مدمرًا بشكل واسع.
القذائف البركانية شظايا كبيرة تتراوح أحجامها مابين حجم كرة الرجبي وحجم كرة السلة. وقد تبلغ القذائف البركانية الكبيرة مترًا واحدًا في القطر وتسعين طنًا متريًا في الوزن. وتسمى القذائف البركانية الصغيرة الحبيبات البركانية.
يُقسِّم العلماء البراكين إلى ثلاث مجموعات: 1- براكين درْعية 2- المخاريط الحبيبية 3- براكين مركبة.
وقد اعتمد تصنيف هذه المجموعات على شكل البراكين، وعلى طبيعة المواد التي تكونت منها.
بركان درعي يتكون حينما تثور الحمم من عدة فتحات وتنتشر بشكل واسع وتبني جبلاً عريضًا منخفضًا. ويكون لمعظم وتسمى الفوهات الكبيرة الجفرات. |
مخروط حبيبي مثل بركان باريكوتين المكسيكي الذي يبدو في الصورة أعلاه. |
ويُعدُّ بركان باريكوتين في غرب المكسيك مخروطًا حبيبيًا. وقد بدأ هذا البركان المخروطي عام 1943م، عندما انفتح شق أرضي في حقل زراعي. وعندما توقف ثوران هذا البركان في عام 1952م كان ارتفاع قمة المخروط قد بلغ 410م فوق قاعدة المخروط.
البراكين المركبة تتكون نتيجة الثورانات المتكررة للحمم والتفرا. |
وفي بعض الأحيان يمكن أن تصبح حُجْرة الصهارة في بركان درعي، أو مخروط حبيبي، أو بركان مركب فارغة تقريباً. ويحدث هذا الأمر عندما يتم قذف معظم الصهارة البركانية إلى سطح الأرض. وبسبب تفريغ حجرة الصهارة فإنها تصبح غير قادرة على دعم البركان فوقها. ولهذا فإن جزءًا كبيرًا من البركان ينهار، مشكلاً فوهة كبيرة تسمى الجفرة. وتُعدُّ بحيرة سينك في أوريجون بالولايات المتحدة جفرة مُلِئت بالماء، وهي تبلغ ما يقرب من 10كم اتساعًا و589م عمقًا.
توجد معظم البراكين على امتداد حزام يُسمّى حلقة النار يطوق المحيط الهادئ، كما تحدث نشاطات بركانية في أماكن أخرى مثل هاواي وأيسلندا وجنوب أوروبا. وتحدث نشاطات بركانية أخرى في قيعان البحار والمحيطات.
طور العلماء نظرية تُسمّى حركية الصفائح القارية. وهي توضح كلاً من سبب حدوث معظم البراكين وغالبية الزلازل ونشوء الجبال في أماكن خاصة ومحددة. وحسب هذه النظرية، فإن القشرة الأرضية الخارجية مقسمة إلى عدد من القطع الصخرية الصلبة القوية تسمى صفائح. تنزلق هذه الصفائح وتتحرك باستمرار فوق غلاف من الصخر المنصهر جزئياً. وتقدر حركة هذه الصفائح بنحو 1,5-20سم في السنة. وعند تحرك هذه الصفائح تتصادم حوافها المتجاورة أو تتباعد أو تنزلق واحدة فوق الأخرى. وتقع معظم البراكين على امتداد حواف هذه الصفائح. وتوضح خريطة توزيع البراكين حواف الصفائح والنشاط البركاني الممتد على امتداد هذه الحواف.
أين تقع البراكين |
ويحدث مثل هذا النشاط البركاني أيضا عند تباعد صفيحتين، ويكون عادة في قيعان المحيطات. عند تباعد الصفيحتين، تصعد الصهارة الموجودة تحت قشرة الأرض عاليًا بين الصفيحتين وتطفح كميات كبيرة من الحمم على السطح مُشَكِّلة قاع المحيط. وفي بعض الحالات تشكل الصهارة سلاسل جبال تحت مياه المحيطات، مثل الحيد الجبلي الكائن وسط المحيط الأطلسي الذي يمتد على طول المحيط. وتُعدُّ جزيرة أيسلندا والجزر البركانية القريبة منها أجزاء من هذا الحيد الجبلي.
وتقع من البراكين ـ كتلك الموجودة في هاواي ـ بعيدًا عن حواف الصفائح. ويعتقد بعض العلماء أن هذه البراكين قد تطورت عند صعود عمود ضخم من الصهارة من باطن الأرض إلى سطح الأرض.وهذا العمود يُسمَّى ريش الوشاح. وقد يبلغ قطره ما يقرب من 150 كم، كما أنه يصعد بمعدل يصل مابين 15-25 سم سنويًا. وفي بعض الحالات يقترب هذا العمود إلى حد كاف من سطح الأرض، بحيث يصعد جزء من الصهارة ويخترق الأرض بركانًا.
وللحصول على معلومات إضافية عن حركية الصفائح القارية ★ تَصَفح : تشكل الصخور، علم.
تُسمَّى الدراسة العلمية للبراكين بعلم البراكين. وتتناول هذه الدراسة طبيعة وأسباب الثوران البركاني. وقد أدت هذه الدراسة العلمية إلى الحفاظ على العديد من الأرواح. وبهدف تطوير المعرفة العلمية عن البراكين، قام العلماء بإنشاء مراصد على منحدرات وحواف العديد من البراكين، مثل جبل أساما في اليابان وكيلاوي في هاواي وفيزوف في إيطاليا.
البراكين النشطة تثور بثبات دائم، وثورانها هادئ، ولكنه يصبح عنيفًا بين الحين والآخر، كبركان سترومبولي الذي يقع على جزيرة مواجهة لشواطئ إيطاليا.
البراكين المتقطعة تثور على فترات منتظمة ـ تقريبًا ـ مثل بركان أساما في اليابان وجبل إتنا في صقلية وهولالا في هاواي.
البراكين الساكنة تكون غير نشطة لفترة من الزمن، بحيث تُعدُّ غير كافية للحكم عليها بأنها قد تثور مجددًا أو لا. ومن هذه البراكين الخامدة بركان قمة لاسن في كاليفورنيا من الولايات المتحدة الأمريكية وبركان باريكوتين في المكسيك.
البراكين الخامدة. وهي غير نشطة منذ بدء التاريخ ويُعدُّ كلُ من بركان أكونكاجوا في الأرجنتين وبركان كيليمنجارو في تنزانيا من البراكين الخامدة التي ربما لن تثور ثانية أبدًا.
الثورانات الهاوايية. وسميت نسبة لبراكين هاواي وهي براكين أقل عنفًا. وعند ثورانها تنساب الحمم بهدوء من عدة فتحات بركانية بانية بركانا صفائحيًا.
الثورانات السترومبولية. وسميت كذلك نسبة لبركان سترومبولي. يحدث هذا النوع من الثوران نتيجة انطلاق الغازات المستمر من الصهارة. وعند انطلاق الغاز فإنه يعطي تفرا تتراكم على شكل مخروط حبيبي.
الثورانات الفولكانية. وسميت نسبة لفولكانو. وهي جزيرة بركانية تقع قبالة الشواطئ الإيطالية. وتحدث هذه الثورانات عندما تسد الصهارة عالية اللزوجة فتحة البركان الرئيسة. ومن ثم يقوم غاز الصهارة بالتجمع تدريجيا مشكلاً ضغطًا قويًا يفجِّر الصهارة على هيئة غبار بركاني ومقذوفات بركانية.
الثورانات البيليية. وهي الأكثر عنفًا. وسميت بذلك نسبة لثوران بركان مونت بيليه عام 1902م في المارتنيك، وهي جزيرة من جزر الهند الغربية. وقد أدى هذا الثوران إلى قتل ما يقرب من 38,000 شخص. ويحدث هذا النوع من الثوران عندما تشكل الغازات المحصورة في صهارة عالية اللزوجة ضغطًا شديداً يؤدي إلى حدوث انفجارات عنيفة، تكون بدورها سُحُبًا حارة متوهجة من الرماد والغبار البركاني. وقد يعصف الثوران بجسم البركان ويفتته إلى أجزاء.
هذا الموضوع أحد الاهتمامات الرئيسة لعلم البراكين. فعند ثوران البركان لايمتلك الإنسان إلا القليل مما يمكن عمله لتفادي تدمير الممتلكات في المناطق المجاورة للبركان. ولكن يمكن إنقاذ الأرواح إذا ماجرى إخلاء المناطق المجاورة للبركان من السكان قبل بداية الثوران البركاني بوقتٍ كافٍ.
ولايمكن التنبوء بمعظم الثورانات البركانية ؛ ولذا تم تزويد بعض البراكين ـ كتلك الموجودة في هاواي ـ بأجهزة إنذار مبكر. فمن المتعارف عليه أن جسم البركان يتمدد قليلاً قبل الثوران بسبب تجمع الصهارة في حجرة الصهارة. ويلي هذا حدوث بعض الزلزلة عند صعود الصهارة من الحجرة، وكذلك تبدأ درجة حرارة المناطق المجاورة للبركان في الارتفاع، كما تنطلق سحب غازيَّة من فتحة البركان.
يستعمل العلماء نبائط مختلفة للتنبؤ بوقت ثوران بركان ما. فهم يستعملون مقياس المَيْد (وهذا الجهاز يرصد التغير في معدل مَيْد الأرض)، من أجل قياس تمدد جسم البركان. وهناك مرسمة الزلازل التي تساعد على رصد الزلزلة. هذا بالإضافة إلى مقاييس درجة الحرارة التي تراقب ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، وإلى كاشفات الغازات التي تقيس كميات الغاز.
تُعدّ البراكين من أشد القوى الطبيعية المدمرة على الأرض. فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي، قتلت البراكين ما يقرب من 200,000 شخص. وعلى الرغم من هذا فإن البراكين تقدم بعض المنافع مثل، استخدام مواد بركانية عديدة في الاستعمالات الصناعية والكيميائية المهمة. كما أن الصخور المكونة من الحمم غالبا ماتُستعمل في بناء الطرق. ويستعمل حجر الخفاف ـ وهو زجاج طبيعي ينتج عن الحمم ـ في طحن وصقل الأحجار والفلزات وبعض المواد الأخرى. وتستعمل رواسب الكبريت الناتجة عن ثورات البراكين في إنتاج المواد الكيميائية. كما يؤدي الرماد البركاني المتجوي إلى تحسين خصوبة التربة.
يَستعمل الناس في كثير من المناطق البركانية البخار الجوفي كمصدر للطاقة. كما تستخدم الطاقة الحرارية الجوفية لإنتاج الكهرباء في بعض الأقطار كإيطاليا والمكسيك ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وفي ريكيافيك في أيسلندا يُدفئ معظم الناس منازلهم باستعمال المياه المسحوبة من الينابيع البركانية الحارة.
وأخيرًا فإن البراكين تُعدُّ نافذة إلى باطن الأرض. فالمواد المقذوفة من باطن الأرض تساعد العلماء على معرفة ظروف وأحوال باطن الأرض.