يوهان فولفغانغ فون جوته مرشحة حاليا لتكون مقالة مختارة. شارك في تقييمها وفق الشروط المحددة في شروط المقالة المختارة وضع رأيك في صفحات مرشحة كمقالات مختارة .
تاريخ الترشيح: لم تحدد تاريخا رجاء عدل القالب حسب ما يلي: {{مرشح|أدخل التاريخ بأي شكل تراه مناسبا}} |
يوهان فولفجانج فون جوته Johann Wolfgang von Goethe (ولد في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر الماين في 28 أغسطس 1749- مات في فايمار في 22 مارس 1832) يعد من أشهر وأهم الشخصيات الأدبية في تاريخ الأدب الألماني والأدب العالمي.
كتب الأشعار والمسرحيات والروايات, واهتم إلى جانب الأدب بالعلوم الفيزيائية, واشتغل بإدارة المسرح والتنظير له, وتقلد مناصب سياسية في فايمار. ويعتبر هو وشيللر قطبي الفترة الكلاسيكية في ألمانيا, التي كان مركزها في فايمار.
ولد يوهان فولفجانج فون جوته في 28 أغسطس 1749, في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر الماين, في شارع جروسن هيرشجرابن Großen Hirschgraben, في بيت العائلة الذي يعرف باسم "بيت جوته".
وكان الأب يوهان كاسبر جوته (1710- 1782) الذي كان مستشارا للأسرة الملكية, هاويا لجمع اللوحات الفنية والنباتات, وكرس معظم وقته لتعليم ولديه يوهان وكورنيليا بنفسه. وتنحدر الأم كاترينا إليزابيت جوته (1731- 1808) من عائلة عريقة ذات أصول إيطالية. وقد كتب جوته فيما بعد عن تأثره بأبيه وأمه قائلا:
من الأب ورثت القامة
والنظرة الجادة إلى الحياة
ومن الأم صفاء النفس
وحب المرح
ولم يكن هذا الوصف الذاتي حقيقيا, فهو لم يكن ذا طبيعة مرحة, ولم تكن علاقته بأبويه خالية من التوترات. ومن بين الأبناء الذين أنجبتهم الأم لم يعش غير الابن يوهان والابنة كورنيليا Cornelia, التي ولدت في ديسمبر 1750. وقد أصيب يوهان في سنة 1758 بالجدري ولكنه شفي منه.
وقد كان الأب معلما لابنه وابنته, فدرس لهما علوما كثيرة, وعلمهما لغات عديدة كالإنجليزية والفرنسية واليونانية واللاتينية, وكانت الأم تنضم أحيانا لهذه الدروس. وقد تعلم الصبي أيضا من أبيه الرقص وركوب الخيل والمبارزة بالسيف. لكن أحب الأشياء إلى نفسه كان الرسم والموسيقى.
وقد كان البيت يسوده روح التدين اللوترية الصارمة, وقد لعب هذا دورا في التربية الدينية للأبناء, فكل يوم كانت هناك فترة مخصصة لقراءة ودراسة الإنجيل, كما كانت الصلاة يوم الأحد من الأمور المقدسة. وكان من أول الأشياء التي زعزعت إيمان الصبي, خبر زلزال لشبونه في سنة 1755, الذي أهلك الله فيه المؤمنين وغير المؤمنين معا, على حد قوله, ولم تقض إجابة الأب على حيرة الصبي إزاء هذه الفكرة.
وفي الدروس الدينية التي كان جوته يستمع إليها من أحد أصدقاء العائلة وهو يوهان فيليب فريزينيوس, ومن خاله القس يوهان يعقوب شتارك, لم يجد جوته إجابة مرضية عن أسئلته التي كانت تملأ نفسه وروحه حيرة وشكا, وقد عبر جوته عن ذلك فيما بعد قائلا: "لم تكن الكنيسة البروتستانتية إلا نوعا من الأخلاق الجافة, ولم تكن المواعظ الدينية في الكنيسة تثير التفكير, ولم تكن التعاليم تستطيع إرضاء الأرواح".
وكان جوته مهتما فقط بالعهد القديم, فقد كانت قصص إبراهيم وإسحاق ويعقوب تثير خياله الجامح. وقد ظلت وجهة نظره نحو الكنيسة وعقائدها تتسم بالحيرة والشك, حتى وصلت فيما بعد إلى حد الرفض. وقد وصف جوته تاريخ الكنيسة بأنه "خليط من التضليل والتسلط", وكان أهم ما زاد في نفوره من الأرثوذكسية اللوترية, قضية الخطيئة الموروثة, التي شكلت أيضا عاملا كبيرا في ابتعاده عن الكنيسة.
وقد ولد الشغف بالأدب في نفس جوته في طفولته, وقد نمى من هذا الشغف المكتبة الضخمة لوالده, وقد اهتم جوته بصفة خاصة بأعمال فريدريش جوتليب كلوبشتوك و هوميروس. وصاحب هذه الشغف المبكر بالأدب شغف بالمسرح, فقد كان يقام في كل سنة مسرح للعرائس في بيت والده, وكان هذا المسرح يخلب لب الطفل الصغير, وقد كتب فيما بعد أنه كان يتمنى في ذلك الوقت, أن يكون من الساحرين والمسحورين في نفس الوقت.
وخلال الاحتلال الفرنسي لفرانكفورت في سنة 1759, كان جوته حريصا على زيارة المسرح الفرنسي عدة مرات. وفي سنة 1763 شهد جوته حفلا موسيقيا لموتسارت وهو ما زال في السابعة من عمره. وفي سنة 1764 شهد الاحتفالات بمناسبة تتويج القيصر يوزف الثاني.
وفي 30 سبتمبر 1765 غادر جوته فرانكفورت, ليبدأ دراسة القانون في لايبزج.
درس جوته القانون في لايبزج من سنة 1765 حتى سنة 1768, وقد كانت هذه الدراسة شيئا ثقيلا على نفس الشاب المفعمة بحب الأدب والفن. لذلك فقد اهتم بالأدب أكثر من اهتمامه بالقانون وعلومه, فكان يحضر محاضرات الشعر لكريستيان فورشتيجوت جيلرت, وكان يشترك في التدريبات الأسلوبية التي كان يقيمها جيلرت, على الكتابة بالأسلوب الرقيق للعصر. وفي لايبزج أيضا تلقى جوته دروسا في الرسم على يد آدم فريدريش أوزر, مدير أكاديمية لايبزج. كما تعرف على فن النحت الإغريقي, وتأثر بأفكار فينكلمان.
وقد وقع جوته في حب أنا كاترينا شونكوبف, وهي حبه الأول, وتغنى بهذا الحب في قصائد تحمل أسلوب فترة الروكوكو. وفي سنة 1770 وحين بلغ جوته الواحدة والعشرين, أصدر أول ديوان له يضم قصائد ذات طابع موسيقي, ولكنه لم يضع اسمه عليه, واسم الديوان "أنيته" Annette.
وفي بيت الناشر برايتكوبف تعلم جوته على يد أحد النحاتين, فن النحت على النحاس وعلى الخشب. وقد بدأ جوته في ذلك الوقت يهتم بأعمال ليسنج وفيلاند, وكان يكتب بغزارة في تلك الفترة, وكانت من كتاباته أوبرا تدور حول إحدى قصص الإنجيل, وقد أتلفها جوته بعد ذلك, ربما لأنها لم تكن ذات مستوى يرضى عنه. وكتب في تلك الفترة أيضا مسرحية كوميدية بعنوان "المتواطئون".
وفي لايبزج كانت أسطورة فاوست الشعبية منتشرة, حيث كانت لايبزج هي المكان الذي ولدت فيه هذه الأسطورة, وقد تأثر بها جوته تأثرا كبيرا, وضمن في الجزء الأول من ملحمته "فاوست" أماكن في لايبزج مثل حانة أورباخ الشهيرة Auerbachs Keller.
ولكن إصابته بنزيف في الدم جعلته يرحل عن لايبزج, ويعود إلى فرانكفورت في نهاية أغسطس سنة 1768, كأنه راكب سفينة غرقت على حد تعبيره في "الشعر والحقيقة".
وبعد عودته إلى فرانكفورت ظل جوته عاما ونصف في مرحلة نقاهة, تخللتها فترات من الانتكاسات الصحية, وقد أثرت هذه الفترة تأثيرا سلبيا على العلاقة بين جوته ووالده. وفي هذه الفترة كانت والدته وأخته تمرضانه وترعيانه. وقد دفعته إحدى صديقات أمه وهي سوزانه فون كليتنبرج, إلى الانغماس في أفكار تنسكية حول مفهوم الرب الراعي في الديانة المسيحية. وقد ازداد اهتمامه أيضا بالتصوف والكيمياء وعلم الأرواح.
وفي أبريل سنة 1770 غادر جوته فرانكفورت لينهي دراسته في شتراسبورج. فعاد ثانية إلى الكتب الدراسية الجافة التي يمقتها. وفي منطقة الإلزاس حيث تقع شتراسبورج, تفتحت مواهبه الفنية, فقد أسرته الطبيعة الخلابة هناك, وتركت في نفسه انطباعا لا مثيل له. ولم يحب جوته شيئا في كما أحب الطبيعة في الإلزاس في حوض نهر الراين, ويبدو ذلك جليا في معظم كتاباته فيما بعد.
وفي النزل الذي كان يقيم فيه, ربطته صداقة بأحد الفقراء من عامة الشعب كان يقيم في نفس النزل, وكان يستفيض معه في الحديث, وبذلك اقترب أكثر من الشعب ومن أفكاره وآلامه وآماله. وفي شتراسبورج تعرف جوته أيضا على ليرزه ولينتس.
وقد التقى جوته بهردر في شتراسبورج, وشكل هذا اللقاء نقطة تحول في حياة جوته الأدبية, فقد تأثر جوته به تأثرا كبيرا. وكان هردر هو الشخصية الأولى, التي يجد جوته عندها الكثير من الإجابات على ما بداخله من الأسئلة. وكان هردر هو الذي فتح عيون الأدباء الألمان من الجيل الجديد على العبقرية الدرامية في مسرح شكسبير. وقد أطلعه هردر على مجموعة أناشيده التي عنوانها "أوسيانس", التي قد نشرها للتو وفتح وجدانه على التراث الشعري الشعبي.
وكان هردر يرى أن المهم في الشعوب هو جوهرها الإنساني, كما جسدها هوميروس في ملاحمه الخالدة. وقد أثرت هذه الفكرة في نفس جوته تأثيرا عميقا. وفي شتراسبورج أيضا تعرف جوته على الفن المعماري الألماني القديم, وانبهر به أيما انبهار, وكتب مؤلفا حوله بعنوان "عن الفن المعماري الألماني".
وفي إحدى نزهاته إلى قرية زيزنهايم Sesenheim, استضافه أحد أصدقائه الذي كان قسا في بيته, وهناك وقع في حب ابنته فريدريكه بريونFriedrike Brion, التي أحبها حبا جارفا, وكانت ملهمته في الكثير من القصائد مثل "اللقاء والوداع" و "أغاني زيزنهايم".
وأنهى جوته دراسة القانون, غير أن رسالته التي قدمها للتخرج لم تنل بعد مناقشتها درجة, تؤهله للعمل الحكومي إذ كانت الدرجة التي حصلت عليها الرسالة ضعيفة. إلا أنه أعاد مناقشتها مرة أخرى في 6 أغسطس 1771 في شتراسبورج, وحصل هذه المرة على درجة الإجازة في الحقوق. وقد وصفه البروفسور إلياس شتوبر أستاذ مادة اللاهوت, بأنه "كان نصف عالم مثير للضحك, ومحتقر مجنون للأديان".
وكانت رسالة جوته, التي كتبت باللغة اللاتينية حسب النظام المتبع في ذلك العصر, تشتمل على 56 قضية قانونية, وكانت القضية قبل الأخيرة حول الحكم على امرأة قتلت طفلا, حيث رأى جوته أن الحكم المناسب هو عقوبة الإعدام. وقد تناول جوته هذه القضية تناولا أدبيا فيما بعد في مسرحية جريتشن المأساوية.
وبعد أن أتم جوته دراسته, عرضت عليه وظيفة في الحكومة الفرنسية, إلا أنه رفضها, فلم يكن يريد أن يكون مقيدا بشيء, بل أراد أن يكرس حياته للأدب والفن والحرية.
قرر جوته أن يعمل محاميا في فرانكفورت, بدافع رغبته الداخلية بالدفاع عن المظلومين واستعادة حقوقهم, والنضال من أجل العدالة في المجتمع البشري. وهكذا انخرط جوته في العمل بأقصى طاقاته, لكنه تصرف في قضاياه الأولى بجرأة شديدة, مما دفع القضاة إلى تأنيبه وتوبيخه, مما صدمه وأفقده متعة العمل, وجعله يشعر به وكأنه عبء ثقيل على كاهله. وهكذا ترك جوته مجال المحاماة بعد عدة أشهر على الانخراط فيه.
وفي تلك الفترة بدأ تردده على قصر دارمشتات, التي كان ملتقى للأدباء والفنانين وأبناء الطبقة الأرستقراطية, وكان من المترددين البارزين على القصر من الأدباء يوهان جيورج شلوسر (الذي تزوج من أخت جوته فيما بعد) و يوهان هاينريش ميرك. وكان جوته في زياراته إلى دارمشتات, يقطع المسافة بين فرانكفورت ودارمشتات ممتطيا جواده أو سيرا على الأقدام, ولم يكن أي شيء يعيقه عن الذهاب, حتى ولو كانت عاصفة ثلجية, فقد كان جوته محبا للطبيعة ومنسجما معها حتى عواصفها. وكان هذا الشغف بالطبيعة هو طريق أدى به إلى اعتناق نزعة "العاصفة والاندفاع", الذي كانت تيارا أدبيا انتشر بين جيل الأدباء الشباب من الجيل الجديد في نهاية القرن الثامن عشر.
وعاد جوته في تلك الفترة إلى التفكير في مشاريعه الأدبية, وفي هذه المرة لم يعارضه أبوه في توجهه الأدبي, وإنما كان يساعده أحيانا.
ووقع بين يدي جوته كتاب قديم عن فترة حرب الفلاحين, فأعجب بقصة أحد قطاع الطرق الذي كان ينتمي إلى عائلة من النبلاء. فقرر جوته تحويلها إلى عمل أدبي مسرحي, فأجرى الكثير من التعديلات الفنية والدرامية عليها, ووضع لها مخططا تصويريا تمهيديا لبعض مشاهدها. وبعد أن أتم جوته المسرحية, نسخ منها عدة نسخ وأعطاها لأصدقائه, فلاقت منهم استحسانا كبيرا. وكان عنوان المسرحية "جوتفريد فون برليشينجن ذو اليد الحديدية".
ارتحل جوته في مايو 1772 إلى فيتسلار, لإكمال تدريبه العملي في المجال القانوني, وتسلم وظيفة تحت التمرين في محكمة الاستئناف القيصرية.
وهناك وفي إحدى الحفلات التقى جوته بصديقه يوهان كريستيان كيستنر Kestner, وبرفقته خطيبته شارلوته بوف Charlotte Buff, فوقع جوته في حب شارلوته (التي كان يسميها "لوته" Lotte). وهنا نشأ صراع نفسي عنيف في نفس جوته بين صداقته لكيستنر وحبه للوته, جسده بعد ذلك في روايته "آلام الشاب فرتر" Die Leiden des jungen Werthers. ولم يستطع جوته تحمل هذا الصراع النفسي, فقرر العودة إلى فرانكفورت.
وبعد هذا الحب ولد في قلبه حب آخر, وهي ماكسيميليانه Maximiliane ابنة الأديبة صوفيا فون لاروش Sophie von La Roche, التي كان جوته يتردد على صالونها الأدبي في كوبلينتس. لكنه كان حبا من طرف واحد, فماكسيميليانه لم تكن تبادله مشاعر الحب. وقد تزوجت ماكسيميليانه بعد ذلك بتاجر من فرانكفورت يدعى بيتر أنتون برينتانو, وأنجبت منه الشاعر كليمنس برينتانو.
وكان ميرك يلح على جوته بإعداد مسرحية "جوتس فون برليشينجن" في كتاب, فاستجاب جوته ونشرا الكتاب على نفقتهما الخاصة. ولم يكد الكتاب ينشر حتى تخاطفته الأيدي, وحقق نجاحا أسطوريا, جعل من جوته بين عشية وضحاها من أشهر الأصوات الأدبية في ألمانيا. واستطاع جوته أيضا بعد نجاح الكتاب أن يسدد ديونه كاملة أن أن تراكمت عليه لمدة سنوات.
جاء خبر انتحار أحد أصدقاء جوته, بعد عودته إلى فرانكفورت هربا من حبه للوته خطيبة صديقه كيستنر. فألهمه كتابة رواية "آلام الشاب فرتر", وجسد جوته في كلمات فرتر مشاعره تجاه لوته, والصراع النفسي التي عاناه, غير أنه ينهي الرواية بانتحار فرتر, هربا من آلامه النفسية بعد تحطم حبه, ويأسه المرير في الحياة مع حبيبته.
وقد كتب جوته الرواية في عدة أسابيع, وكانت كتابتها خلاصا روحيا له من يأسه وآلامه, بعد تحطم حبه. وكتبت الرواية في شكل رسائل, وقد كان هذا الشكل الأدبي جديدا في تلك الفترة.
وبعد نشر الرواية لاقت نجاحا منقطع النظير, وأحدثت ضجة أدبية ليس في ألمانيا فقط, وإنما في أوروبا كلها. وتحول النجاح الأسطوري للرواية إلى ما يشبه الحمى أو الهيستريا بين الجيل الجديد من الشباب. حتى أن بعضهم أقدم على الانتحار, انبهارا بشخصية فرتر, التي اعتبرت في تلك الفترة مثلا أعلى, يجسد مشاعر الجيل الجديد من الشباب.
وقد اعتبرت مسرحية "جوتس فون برليشينجن ذو اليد الحديدية" ورواية "آلام الشاب فرتر" نقطة بداية جديدة في تاريخ الأدب الألماني. ومثلت شخصيتا جوتس وفرتر, تجسيدا لأفكار أدباء تيار "العاصفة والاندفاع" Sturm und Drang, واعتبر الأسلوب الذي استخدمه جوته فيهما, أسلوبا جديدا ارتفع بمستوى الأدب في تلك الفترة. كما صار جوته بعد هذين العملين أهم قلم أدبي في ألمانيا, ونظر إليه باعتباره عبقرية أدبية متفتحة تبشر بعصر أدبي جديد.
بعد هذه الشهرة الواسعة التي حققها جوته, أصبح شخصية يسعى إلى صداقتها الجميع, فاتسعت دائرة معارفه وأصدقائه, سواء من الأدباء والفنانين وغيرهم, وكان من بين من توطدت علاقته بهم الأديب الشهير كلوبشتوك.
وفي تلك الفترة شرع جوته في كتابة العديد من الأعمال, لكنه لم يكتب منها غير مقطوعات وشذرات قصيرة, ومنها "أنشودة محمد". ونشأت في تلك الفترة فكرة كتابة فاوست Faust. وقد أكمل جوته مسرحيتين هما "كلافيجو" و"شتيلا...مسرحية للعشاق" في عام 1775. وقد ساد في تلك العصر تيار العاصفة والاندفاع, كما بدأت حركة الرومانسية تبدو طلائعها في الأفق. فكان أسلوب جوته في هاتين المسرحيتين متأرجحا بين هذين التيارين.
التقى جوته في أثناء تواجده في إيرنبرايتشتاين Ehrenbreitstein, حيث كان يقضي هناك عدة أيام مع بعض الأصدقاء, التقى بكارل أوجوست Karl August الذي كان وقتها ولي عهد فايمار وزاكسن. وكان الأمير الشاب في طريقه إلى باريس.
وفي نفس العام التقى جوته بإليزابت شونيمان Elisabeth Schönemann, التي تنحدر من عائلة تعمل في مجال الصرافة, وقد وقع جوته في أسر تلك المرأة وأحبها حبا جارفا. ولم يكن حب جوته لإليزابت (أو ليلي Lili كما كان يسميها) حبا روحيا كما كان حبه لصديقته بالمراسلة أوجوسته فون شتولبرج Auguste von Stolberg, أو حبا متحفظا كما كان حبه للوته Lotte في فيتسلار.
ففي مذكراته التي كتبها فيما بعد نجد كلمات مثل "مغامرة مع ليلي - مقدمة - إغراء - أوفنباخ". وفي قصيدته "حديقة ليلي" Lilis Park نجد ملامح تلك العلاقة واضحة بلا غموض. وتحولت تلك العلاقة رغم معارضة الأسرة إلى ما يشبه الخطبة, إلا أنها لم تستمر إلا لستة أشهر.
فقد رحل جوته إلى سويسرا, هربا قبل أن يتحول الأمر إلى علاقة جدية. ففي مايو 1775 قام جوته مع بعض أصدقائه برحلة إلى سويسرا, أرض الأخلاق الفطرية والفلاحين أنقياء القلوب كما كان يقول. وقد زار مناطق عديدة كان آخرها منطقة جوتهارد باس Gotthard Pass, التي تقع على الحدود مع إيطاليا, وكانت الأراضي الإيطالية على مرمى الأفق, إلا أنه قرر العودة.
ولم ينس جوته طيلة حياته فيما بعد حبه لليلي, وخلدها في عملين من أعماله: في شخصية شتيلا Stella ودوروتيا Dorothea.
وبعد عودته إلى فرانكفورت زاره كارل أوجوست الذي أصبح دوقا لفايمار وزاكسن, ورأى فيه الشخص المناسب الذي يصلح لأن يكون مستشارا له في شؤون إدارة الإمارة, ودعاه لأن يكون مستشارا له وصديقا, فقد رأى فيه علامات النبوغ الفكري والأدبي.
وكان والده معارضا لذهابه إلى فايمار, وأقنعه بالقيام برحلة إلى إيطاليا. وبالفعل قرر جوته الرحيل إلى إيطاليا, غير أنه حين كان في الطريق بين هايدلبرج وفايمار, أدركته عربة الدوق صدفة فأقنعه بالعدول عن الرحيل إلى إيطاليا, واصطحبه معه إلى فايمار. وكانت هذه نقطة تحول هامة في حياة جوته. وعند هذه النقطة تتوقف ذكريات جوته في كتابه "الشعر والحقيقة" Dichtung und Wahrheit.
وصل جوته إلى فايمار في السابع من نوفمبر 1775, وكانت فايمار آنذاك من أفقر الإمارات الصغيرة في ألمانيا. وانقضت الشهور الأولى في الاحتفالات واللهو والتنزهات وسماع الموسيقى. وفي تلك الفترة قام جوته بزيارة كيتشن شونكوبف (أول حب له) في لايبزج, والتي كانت قد تزوجت وأصبح لقبها السيدة كانه Frau Kanne.
ومع بداية الربيع في السنة التالية 1776 بدأ جوته في حضور جلسات المجلس الاستشاري بشكل غير رسمي. وفي يونيو عين مستشارا رسميا في المجلس الوزاري, رغم وجود اعتراضات عليه من جانب الوزراء والموظفين في الحكومة. وقد نشأت الصداقة في تلك الفترة بينه وبين فيلاند Wieland والدوقة الأم أنا أماليا, وازدادت الصداقة بينه وبين الدوق الشاب متانة وعمقا.
أقام جوته لمدة ستة أعوام في منزل محاط بحديقة, يقع بجوار متنزه نهر الإلم Park an der Ilm, وكان الدوق قد خصصه له ليقيم فيه. ثم انتقل بعد ذلك إلى منزل آخر في حي فراونبلان Frauenplan, الذي خصصه له الدوق أيضا. وقد أقام فيه فيه بعد عودته من إيطاليا في عام 1892, وظل يعيش فيه حتى وفاته, وشهد هذا البيت ميلاد العديد من الأعمال الخالدة التي كتبها جوته.
ثم أخذ الدوق يولي جوته المزيد من المناصب في الإمارة. ففي السنوات التالية تقلد جوته العديد من المناصب وهي: رئيس اللجنة العسكرية, ومدير إنشاء الطرق, ورئيسا للإدارة المالية, وكذلك رئيسا للشؤون الثقافية. فكان جوته في الواقع بمثابة مدير للحكومة أو رئيس للوزراء في الإمارة.
وأخذ جوته يتعرف شيئا فشيئا على مناطق الإمارة من خلال جولاته وتنزهاته ممتطيا جواده. وفي عام 1777 ذهب جوته إلى منطقة جبال الهارتس Harz لقضاء شهرين, يستجم فيهما ويستريح قليلا من أعباء الحكم. وفي مايو 1778 قام برفقة الدوق كارل أوجوست برحلة إلى برلين وبوتسدام, ومرا في طريقهما بمدينتي لايبزج وفورليتس.
وقد اتجه جوته في تلك الفترة إلى الاهتمام بالتعدين والجيولوجيا, خاصة بعدما اكتشف منجما للفضة وعلق عليه آماله في التخلص من الأزمة المالية التي تعاني منها خزينة الإمارة. وافتتح جوته المنجم في 24 فبراير 1784 في احتفالات رسمية, حيث ألقى كلمة في ذلك اليوم. غير أن آماله قد تبددت بعد فشل المشروع وإغلاق المنجم. إلا أن تلك التجربة تركت آثارها في عمله الخالد فاوست الجزء الثاني.
وفي عام 1779 قام جوته بزيارته الثانية إلى سويسرا, وتحديدا إلى مدينة برن العاصمة لكي يطلب قرضا ماليا لتسديد الديون المتراكمة على خزينة الإمارة. وفي الطريق زار جوته أمه في فرانكفورت, ثم زار حبيبتيه السابقتين فريدريكه وليلي.
وفي عام 1783 قام برحلته الثانية إلى الهارتس, ثم برحلته الثالثة والأخيرة في العام التالي. وفي عام 1785 ذهب إلى منتجع مدينة كارلسباد Karldbad في التشيك, الذي تكررت زياراته إليه فيما بعد.
وبعد عودته إلى فايمار في عام 1775 التقى جوته بشارلوته فون شتاين زوجة أحد نبلاء فايمار. فأحبها حبا جارفا, وبادلته هي المشاعر ذاتها, فأصبحت صديقته وامتدت صداقتهما حتى رحيل جوته إلى إيطاليا. كانت شارلوته تكبر جوته بسبع سنين وتمثل بالنسبة له دور الأخت والأم والحبيبة في شخص واحد، لكنها لم تكن ترغب في علاقة جسدية معه, بل أن يظل حبهما حبا عذريا. وظل الاثنان يتبادلان رسائل الحب حتى رحيل جوته إلى إيطاليا بعد عشر سنوات.
وفي تلك الفترة بدأ جوته يهتم بدراسة البيولوجيا وخاصة علم التشريح, وقد أمده البروفيسور يوستوس كريستيان لودر Justus Christian Loder بالكتب الوافية وكذلك بالمعلومات النظرية والتطبيقية. وقد اكتشف جوته ولودر في أبحاث مشتركة بينهما, في 27 مارس 1784 في معهد التشريح في يينا, اكتشفا "عظمة الفك الوسطى في الجمجمة البشرية". وقد كان شائعا قبل ذلك أن هذه العظمة لا توجد إلا في جماجم الحيوانات فقط, وأنها ليست موجودة في جماجم البشر. وبذلك اكتسب الاكتشاف الجديد أهمية لدى الأوساط العلمية.
في عام 1782 نجح الدوق في الحصول لجوته من القيصر على لقب نبيل von فأصبح لقبه فون جوته بدلا من جوته, مما قربه أكثر من أوساط الأمراء والنبلاء. فغرق في تلك الفترة في الحفلات والاحتفالات والمناسبات والرحلات, فشغله ذلك عن الانتاج الأدبي ولم ينجز غير مسرحية "إفيجينيا في تاورس" Iphigenia auf Tauris, وهي مسرحية نثرية.
وكان جوته قد بدأ في كتابة رواية "فيلهلم مايستر" وهي رواية تعليمية في عام 1778, وكذلك مسرحية "توركواتو تاسو". وقد أخذت النشوة بالنجاح والشهرة تبهت في نفس جوته, وبدأ الاكتئاب والسأم يصيبانه في عام 1786.
بدأ السأم والاكتئاب يتسللان إلى نفس جوته في عام 1786, وهناك العديد من الأسباب كما كان يبدو: فعلاقته بالسيدة فون شتاين صارت غير سعيدة, ومجهوده المضني في سبيل تحسين أحوال الإمارة قد باءت بالفشل, واستنفذت الكثير من جهده ووقته, وجارت على الوقت الذي خصصه للإنتاج الأدبي.
وحين ولد ابن للأمير كارل أوجوست رأى جوته أن دوره قد انتهى بمجيء ولي للعهد, وقرر أن يمضي فترة إجازة طويلة عن العمل السياسي, وهكذا غرق جوته بين أكداس من أوراقه وكتبه يرتبها ويأخذ منها ما يحتاجه في الرحلة. وقد كان ذلك الرحيل بداية لفترة من أهم فترات حياته, فسيترك فيها أعباء الحياة ومشاغلها ليتفرغ للفن والأدب والتأمل.
في بداية سبتمبر 1786 خرج جوته راحلا من فايمار دون أن يخبر أحدا برحيله, ولم يكن هناك من يعلم بأمر تلك الرحلة غير الأمير وسكرتيره فيليب زايدل, واتجه جوته مسافرا صوب مدينة البندقية, عبر ريجنسبورج وميونخ وميتنفالد وإنسبروك وفيرونا.
وكانت الوجهة الحقيقة هي روما, التي تعتبر كعبة للفنانين من كل أنحاء أوروبا في ذلك الوقت. وقد ساعده أحد الرسامين - وهو هاينريش تيشباينTischbein - في العثور على مسكن في حي متواضع, حيث بدأت مرحلة عيش يختلف نمطها عن الحياة في فايمار.
مكث جوته في إيطاليا عامين سميا فيما بعد "بالرحلة الإيطالية", وقد مثلت تلك الفترة في إيطاليا لجوته بداية حياة جديدة, توهجت فيه موهبته الإبداعية وصفت نفسه ومشاعره إلى حد لا متناهي. كانت فترة تميزت بالتحرر من القيود وبالحرية وكانت أحواله المالية جيدة, حيث كان الدوق الشاب يرسل له كل شهر ما يكفيه من المال. وفي إيطاليا شعر جوته أخيرا بالراحة النفسية, فعاش وأحب ورسم وكتب. وأتم مسرحيته "إيفيجينا في تاورس" بعد أن صاغها شعرا. وكان أقرب صديق له في تلك الفترة هو الرسام السويسري الشهير يوهان هاينريش ماير Johann Heinrich Meyer ، الذي ظل صديقا له حتى نهاية حياته.
عكف جوته على دراسة وتأمل الفن الإغريقي من تماثيل ومعابد, وكذلك بفن عصر النهضة, وأعجب إعجابا كبيرا بتماثيل ولوحات ميشيل أنجلو ورفاييل, واعتبرها قمة الفن الغربي وتجديدا حقيقيا للفن الإغريقي.
وبعد نصف عام رحل إلى نابولي ثم إلى صقلية وباليرمو. وعاد في منتصف 1787 إلى روما. وعاد إلى كتابة "توركواتو تاسو" مرة أخرى, وكتب مسرحية "إيجمونت" Egmont. وفي تلك الفترة كان يتردد كثيرا على منزل الرسماة الشهيرة أنجيليكا كاوفمان. وفي نفس العام رسم له تيشباين اللوحة الشهيرة وهو بالثياب الرومانية.
وبعد مرور العامين بدا جوته يستعد للعودة إلى فايمار, وقد كتب إلى الدوق يطلب منه إعفاءه من منصبه الرسمي, لكن يريد أن يظل مجرد صديق له وضيف على الإمارة لا أكثر.
وفي مذكراته ورسائله لا نجد كلمة حول حياته في روما, ولا خبرا موثوقا به عن شخصية المرأة التي أحبها, والتي سماها في قصائده "فاوستينا". ولا يتضح ما إذا كانت تلك المرأة من ميلانو, أم أنها ابنة الحوذي أو ابنة صاحب الفندق الذي أقام به جوته في روما. غير أنه من المؤكد أنه عاش قصة حب جارفة أثناء إقامته في روما, ويتبدى ذلك في قصائده التي كتبها في تلك الفترة.
وبعد أن شارك بالاحتفال في الكرنفال الروماني وكذلك بالاحتفالات التي أقيمت في أسبوع عيد الفصح في روما, قرر جوته إنهاء إقامته في إيطاليا والعودة إلى فايمار في نهاية إبريل عام 1788.
لم يشعر جوته بعد عودته إلى فايمار بالسكينة فيها, فقد ترك الكثير من الذكريات الجميلة خلفه في روما, فعادت إليه حالة الاكتئاب واليأس من جديد. كتب جوته حول عودته تلك : "من إيطاليا المتعددة الصور عدت...إلى ألمانيا التي لا صورة لها....الأصدقاء..عزوني...إلا أنهم أعادوني إلى اليأس مرة أخرى".
في تلك الفترة التقى جوته بكريستيانه فولبيوس Christiane Vulpius ذات الثلاثة والثلاثين عاما, المنحدرة من عائلة أكاديمية, والتي لم تلق من التعليم إلا جانب ضئيل رغم ذلك. كان يدعوها إلى بيته, وسرعان ما وقع في حبها, ربما لأنها كانت شديدة الشبه بمحبوبته الإيطالية. في تلك الفترة كتب جوته "المرثيات الرومانية" ذات الأوزان الشعرية الخفيفة والمرحة.
وما لبثت العلاقة بينهما أن تطورت إلى زواج رسمي في يوليو عام 1788. وفي ديسمبر عام 1789 ولد ابنهما الأول أوْجوست August, الابن الوحيد الذي عاش من أبناء جوته الخمسة بعد وفاته.
[وبعد زواجه بكريستيانه فولبيوس انتهت العلاقة بشكل نهائي بينه وبين السيدة فون شتاين.
وحين صدرت المرثيات الرومانية صدمت المجتمع الصغير في فايمار, بسبب الحس الشهواني الموجود داخلها, ولم يجد جوته من يتفهمه قصائده تلك غير صديقه هردر.
بدأ جوته يتعرض لبعض المشاكل الصحية, مما أدى إلى انعزاله بعض الشيء عن المجتمع في فايمار. ولم يصب الوهن جسده فقط بل وروحه أيضا.
وقد بدأت معالم تغير يجتاح العالم آنذاك, بدءا من الثورة الفرنسية في فرنسا, ومبادئها الثلاث, وقيام الولايات المتحدة في أميركا الشمالية, وحتى أيضا في مدينة جنيف السويسرية في عام 1782, وبدا واضحا أن الشعوب بدأت في العصيان والتمرد على الإقطاع والإقطاعيين, وبدأت تطالب بالحرية والجمهورية العادلة.
غير أن جوته لم يكن يحب الثورات, في التاريخ كما في الجيولوجيا. وكان معارضا لها, فأدى ذلك إلى عدم رضى الشعب عليه, وبأن يصبح مؤلف فارتر وجوتس وإيفيجينيا قديما, إلى ما صار عليه الآن.
ولم تغير مسرحياته الهزلية المتتابعة التي كتبها آنذاك أن تغير من موقف الناس منه. ولم تنجح رحلته الثانية إلى إيطاليا - التي اقتصرت على مدينة البندقية - في عام 1790 أن تخرجه من هذه الحال, بل أصابته بخيبة أمل. ولم يتبق من تلك الرحلة من إنتاج أدبي غير قصائده المعنونة "حكم من مدينة البندقية" Venezianische Epigramme, أما في الدراسات الطبيعية فقد توصل إلى أن الجمجمة قد نشأت من فقرات العمود الفقري . وقد تبلورت أبحاثه الطبيعية في مقاله المعنون "تحول النباتات", وقد أسس بهذا المقال لما سماه بالمورفولوجيا المقارنة في مجال علم النبات, في عام 1790. ولم يجد هذا المؤلف صدى وفهما لدى الجمهور. غير أن جوته استأنف أبحاثه تلك بعد 30 سنة بمحاولة في مجال "علم العظام المقارن".
وفي عام 1791 تولى جوته إدارة المسرح الملكي في فايمار, وصارت كريستيانه زوجته مستشارة شخصية له فيه, واستطاعت بروحها المرحة أن تشجع الممثلين وتزرع فيهم الثقة والحماس. وكانت هناك حبيبة أخرى لجوته في تلك الفترة وهي كارولينه أولريش, التي عملت في المسرح من عام 1806 إلى 1814, واكتفت بدور "الحبيبة الجانبية" وهو مسمى وضعه جوته في نهاية مسرحيته "شتيلا" Stella.
وفي عام 1792 اشترك جوته مع صديقه الدوق كارل أوجوست الشغوف بالأمور العسكرية, في الحملة العسكرية في فرنسا, وشهد فشل تحالف قوى الإقطاع والرجعية. وكان في ماينتس Mainz في عام 1793 وشهد ضرب الحصار على المدينة التي قامت بها أول جمهورية ألمانية. وبدأ الكتابة في تلك الفترة في موضوع علمي لم يطرق من قبل وهو "علم الألوان" . وكان مشهد مدينة ماينتس المدمرة ماثلا أمامه كرمز على الاضطراب الذي يشهده العالم.
وفي أكتوبر 1793 رحل إلى يينا Jena, وأقام في أحد بيوت الشباب, للإسهام في إنشاء حديقة نباتية تابعة لجامعة يينا. وحين كان يقيم في يينا ويعمل في جامعتها كان جوته يترك زوجته وابنه وحيدين طيلة شهور, وأطالت من وحدتهما أيضا الرحلات الاستجمامية السنوية التي قام بها جوته إلى كارلسباد.
في يوليو عام 1787 - أي حين كان جوته في إيطاليا - انتقل شيلر للإقامة في فايمار, بعد دعوة الدوق كارل أوجوست له للإقامة فيها, وحصل بعد عامين على وظيفة بروفيسور في جامعة يينا, بناء على توصية من جوته. غير أن العلاقة بينهما ظلت سطحية. لكنهما بدءا في التقارب حين دعا شيلر جوته للمشاركة في الكتابة في مجلته الأدبية الجديدة "دي هورن" Die Horen.
وقبل جوته الدعوة, وتطورت علاقة العمل بينهما إلى صداقة حميمة استمرت حتى وفاة شيلر في عام 1805, وتبدت معالمها في الخطابات المتبادلة بينهما حين نشرت في عامي 1828 و 1829. وفي مقابل ذلك فقد فترت العلاقة تدريجيا بينه وبين صديقيه القديمين هردر وفيلاند.
وحين بدأت الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية في التداعي تحت ضربات جيوش نابليون, بدأ جوته وشيلر مشروعهما الثقافي الإصلاحي, فكتب شيلر رسائله "عن التربية الجمالية للإنسان" في عام 1795. وأنجز بين عامي 1796 و 1805 عام رحيله...أهم أعماله الدرامية. أما جوته فقد أنهى بين عامي 1794 و 1796 روايته التعليمية "سنوات تعلم فيلهلم مايستر", التي تعتبر المثال الأعلى للرواية التعليمية. وبجوار ذلك فقد كتب العديد من الأعمال الصغيرة مثل "أحاديث مهاجرين ألمان", التي ظهرت في شكل خرافة ساخرة.
وفي عام 1796 بدأ جوته وشيلر في كتابة قصائد ساخرة قصيرة جدا أطلقها عليها Xenien أو "نفحات الحكمة". وقد هاجما فيها بشكل ساخر من بعض الأمراء والكتاب ومن التقاليد الأدبية في تلك الفترة, وقد صدمت هذه القصائد الجمهور القارئ كثيرا. أما مجلة "دي هورن" فقد أغلقت في نهاية الأمر لأسباب عدة, منها بعض المواضيع التي كانت فوق مستوى القارئ العادي الفكرية, مما أدي إلى قلة المقبلين عليها. وهي مجلة كان يشترك في الكتابة فيها قمم الكتابة الدبية والفكرية في ذلك الوقت ، ومنهم هردر وفيلاند وجوته وشيلر وغيرهم.
وفي عام 1799 انتقل شيلر من يينا إلى فايمار للسكنى بها. وكانت الحركة "الكلاسيكية الفايمارية" حركة أدبية وفكرية صغيرة, غير أنها كانت مؤثرة ومسيطرة على المركز الأدبي لألمانيا وهو دوقية زاكسن- فايمار.
وفي عام 1797 أصدر جوته ملحمته الشعرية "هرمان ودوروتيا" Hermann und Dorothea, فلقيت أكبر نجاح لقيه جوته منذ رواية فيرتر. ثم اشترك مع جوته في كتابة مجموعة من القصائد (Ballade وهي نوع من القصائد أو الأناشيد ) وتعد هذه القصائد من أجمل ما كتب جوته وشيلر كلاهما في الشعر.
وبتأثير وتشجيع من صديقه المقرب شيلر, استأنف جوته الكتابة في عمله الأكبر "فاوست", فأنهى الجزء الأول منه وكذلك بضعة فصول من الجزء الثاني.
وباقتراب القرن الثامن عشر من نهايته بدأ إنتاج جوته الأدبي يقل, فقد انشغل لفترة طويلة بترجمة السيرة الذاتية ل "بينفنوتو تشيلليني" Benvenuto Cellini ، وكذلك بتحويل سيرة ذاتية أخرى وهي "الابنة الطبيعية" Die natürliche Tochter إلى مسرحية لكنه لم ينجز منها إلا الجزء الأول فقط.
أعجب جوته في تلك الفترة نظرية المعرفة لكانت Kant. فنظرية المعرفة تقول أننا لا نرى الأشياء لا تكتسب حقيقتها ووجودها إلا من خلال تفكيرنا نحن, وكانت هذه الفكرة معارضة لفكرة جوته عن العالم Weltanschauung, وقال جوته "لأول مرة تستطيع نظرية أن تدفعني إلى الابتسام".
وبجانب الفلسفة كان اهتمام جوته بالفيزياء, فقد أجرى الكثير من التجارب الفيزيائية, والتي قام بها بنفسه, حول ظاهرة ألوان الضوء أو ما يسمى بألوان الطيف.
ولم يكن "علم الألوان" من وجهة نظر نظرية المعرفة الكانتية عملا فيزيائيا, وإنما كان ضمن نطاق علم الإدراك, ولم يكن جوته ينظر إليه باعتباره وصفا شعريا أو تفسير مصطلح أو علما فيزيائيا - وإنما كان علم الألوان بالنسبة إليه ضمن نطاق الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة). وهكذا فقد افترقت رؤية جوته عن رؤية كانت. وكان يحاول في عمله هذا أن يحرر الضوء من تجارب العلماء التقليدية حوله.
وقد بدأ جوته ينشغل بهذا العلم "علم الألوان" ابتداءا من عام 1808حتى نهاية حياته. توفي شيلر في عام 1805 فشعر جوته بالحزن العميق والخسارة الكبيرة لوفاة صديقه العظيم. وبرحيل شيلر يظل الكلاسيكي الكبير "جوته" حتى وفاته هو في عام 1832الوحيد المتبقي من هذه المدرسة, في حين أخذت الرومانسية في الانتشار والسيطرة شيئا فشيئا على الحياة الأدبية. لكن جوته ظل هو القمة التي لا تدانيها قمة أخرى, وظل باعتراف الرومانسيين قلما أدبيا كبيرا.
لم تكن خسارة رفيق الطريق (شيلر) هي السبب الوحيد في تشاؤم جوته واكتئابه, ولكن أيضا الحرب القادمة التي تقترب وتتوغل في ألمانيا, وتجتاج في طريقها الدوقيات والولايات الألمانية. وقد سمى جوته هذا الميل إلى التشاؤم والاكتئاب "الجانب السيء".
اجتاحت جيوش نابليون ألمانيا, وعاثت فيها الفساد والنهب. فبعد معركة يينا في 14 أكتوبر 1806 دخل الجنود الفرنسيون فايمار وأخذوا ينهبون البيوت.
وفي عام 1807 نشأ في داخله حب جديد لمينا هيرتسليب Minna Herzlieb, ذات الثمانية عشر عاما وهي ربيبة تاجر الكتب فرومان Frommann. وكصدى لهذه المشاعر كتب روايته "التجاذب الاختياري", وهي مأساة يصور الحب فيها كقوة طبيعية مدمرة للحياة. وكانت هذه آخر ما كتب من الروايات, وكتبها في سنة 1809.
وقد تداخل الشعر والبحث العلمي في هذه الرواية, فقد كانت الكيميائيون في ذلك الوقت يستخدمون مصطلح التجاذب الاختياري بين العناصر. وقد طور جوته هذه الفكرة الكيميائية على طريقته وجعل منها محور القصة.
وقد بدأ جوته في عام 1806في إعداد طبعة كاملة من أعماله لدى الناشر كوتا Cotta في شتوتجارت. وفي تلك الفترة أنجز أخيرا الجزء الأول من ملحمته الشعرية "فاوست".
وقد صور جوته في "فاوست" الرغبة العارمة في الوصول إلى امتلاك الحقيقة, وفي التخلص من القيود البشرية التي تمنعه من الكمال. وهذا في نفس الوقت يمثل الجانب الأبيض داخل جوته نفسه. وصور في شخصية "مفيستو" الجانب الأسود من حيث الرغبة في التمرد الأعمى.
التقى جوته بنابليون بونابرت في إرفورت في عام 1808, وقد استقبله نابليون وجلس معه وأخذا يتناقشان ويتحاوران في مواضيع فكرية وسياسية, وبعد أن انتهى الحديث نظر نابليون إلى من حوله مشيرا إلى جوته قائلا: "هاكم رجلا". فقد أعجب نابليون بأفكار جوته وعبقريته, وكان قد قرأ له من قبل أن يلتقيه رواية "آلام فرتر". وقد دعاه نابليون في ذلك الوقت للمجيء إلى باريس والإقامة بها.
غير أنه لم يذهب إلى باريس, ولم يصبح صديقا لنابليون, وكان هذا آخر لقاء بينهما.
في عام 1809 بدأ جوته يستعيد نشاطه الجسدي والنفسي. وشرع في كتابة سيرته الذاتية, ونشر بعد عام دراسته العلمية حول "علم الألوان". وقد شهد جوته موت جميع أصدقائه القدامى, وأصبح بلاط الدوقة أنا أماليا من الذكريات, وهو البلاط الذي كان جوته يلتقي فيه مع أصدقائه أمثال شيلر وهردر وفيلاند, مؤسسي الحركة الكلاسيكية.
ولم يكن جوته يتوقف عن التعلم والإطلاع على كافة الأفكار, ولذلك ظل فكره وفلسفته للحياة تتطور مع كل مراحل حياته.
في تلك الفترة التي شهدت صراع القارة الأوروبية ضد جيوش نابليون, والمعارك التي استنفذت قواها, بدأ جوته يتجه إلى الشرق والاهتمام بتاريخه وأدبه. فبدأ بدراسة اللغتين العربية والفارسية فقرأ القرآن واستهواه الشعر العربي القديم وكذلك الشعر الفارسي وأعجب بشكل خاص بالشاعر الفارسي حافظ الشيرازي.
في تلك السن المتقدمة من عمره كان لا بد له من سكرتير, وكان هو فريدريش ريمر Friedrich Riemer الذي كان مربي لأحد أبنائه منذ عام 1805. وكذلك كان كارل فريدريش تسيلتر Zelter يعزف له المقطوعات الموسيقية على البيانو, وكان جوته معجبا بعزفه إلى حد كبير.
في عام 1814 قام جوته بعدة رحلات إلى المناطق المحيطة بنهري الراين والماين, وزار فرانكفورت مسقط رأسه. وهناك وفي بيت أحد المصرفيين وهو فون فيليمر von Willemer تعرف على ماريانا يونج Marianne Jung, التي تزوجت من بعد أسابيع قليلة من فون فيليمر وكان ذلك بحضور جوته وربما بنصيحة منه.
كان جوته في ذلك الوقت يناهز الخامسة والستين من العمر, ولم يكن يشعر بعد بأنه قد هرم بعد, فأحب ماريانا. وصارت ملهمته ومحور إنتاجه الأدبي. وفي العام التالي قام جوته بزيارة إلى فرانكفورت (وكانت آخر مرة يرى فيها مسقط رأسه), وزار أيضا فون فيليمر وماريانا. وظل جوته طيلة أربع أعوام متتالية واقعا تحت سحر هذا الحب, وظلت الكلمات المفعمة بالورد والعنادل والنبيذ والحب, تتدفقان من قلمه حتى أتم "الديوان الغربي الشرقي".
في عام 1816 ماتت زوجته كريستيانه بعد معاناة طويلة مع المرض. وفي عام 1817 تخلى عن إدارة المسرح الملكي, ومنذ ذلك الحين وزوجة ابنه هي التي تهتم به وترعاه. وقد سلمت الدوقية الصغيرة إلى حد ما من الدمار الذي لحقت منه الدوقيات والإمارات الأخرى, جراء حروب نابليون. أما الدوق كارل أوجوست فقد غير من لقبه كدوق, وتلقب ب "جلالة الملك".
وفي تلك الفترة توثقت صداقته بكارل فريدريش راينهارد وكاسبر فون شتيرنبرج, بينما حل إكرمان مكان ريمر في العزف على البيانو في فايمار. وصار جوته في ذلك الوقت أكثر زهدا في الحياة, وبدأ في كتابة "الكلمات الأولى الغامضة" Orphische Urworte, واستأنف كتابة "الرحلة الأيطالية". وفي عام 1821 أتم كتابة "سنوات تجول فيلهلم مايستر", وكتبها في شكل أقاصيص. وكانت مارينباد Marienbad هي مكانه المفضل لقضاء فترات الاستجمام, وكان يلتقي هناك بالسيدة فون ليفيتسوف von Levetzow وبناتها.
وحين أتى العام 1823 كان فكره نشطا ومفعما بالحياة إلى حد كبير. وكانت ما زالت في نفسه الرغبة في أن يحب, فرغم كبر سنه فقد كان يتودد إلى أولريكه فون ليفيتسوف ذات التسعة عشر عاما. لكنها رفضت حبه, فعاد إلى فايمار وكتب في طريق عودته قصيدة "مرثاة مارينباد" معبرا فيه عن وجدانه ومشاعره. وعادت السكينة والخفوت إلى حياته, وكان يقضي أيامه "منشغلا طيلة الوقت, أستنفذ طاقاتي...تلك التي تبقت". واستأنف العمل في الجزء الثاني من فاوست. ولم يكن يكتب بنفسه بل كان يملي في الغالب.
وفي عام 1828 مات الدوق كارل أوجوست, ثم مات في عام 1830 أحد أبنائه في روما. وفي العام نفسه أتم كتابة الجزء الثاني من فاوست.
في الثاني والعشرين من مارس 1832 لفظ جوته أنفاسه الأخيرة, بينما كان جالسا في مقعده. وكانت الوفاة بسبب التهاب في الرئتين. وشيع جثمانه إلى قبره في يوم 26 مارس.