لبدة الكبرى لبدة مدينة من مدن الشمال الأفريقي الكبرى وتقع على الساحل المتوسطي عند مصب وادي لبده الذي يكون مرفأ طبيعيا على بعد 3 كيلومترات شرقي مدينة الخمس ، التي تبعد 120كم شرق مدينة طرابلس عاصمة ليبيا.
فهرس
|
كانت منطقة لبدة موطنا لجماعات بشرية في عصور ما قبل التاريخ كما تدل على ذلك بعض حجارة وجدت على ضفاف وادي الرملة ،وقد ظهرت مدينة لبده كمرفأ طبيعي يلجأ إليه البحارة والتجار الكنعانيون (الفينيقيون) أثناء رحلاتهم التجارية النشطة في المتوسط. الفينيقيون اسسوا مدينة لبتيس ماغنا (لبدة) ـ واسمها الصحيح لفقي ـ في نهاية القرن السابع قبل الميلاد وهذا التاريخ يقرب من تاريخ إنشاء قرطاجنة (قرطاج). وسرعان ما نما ذلك المرفأ التجاري ليصبح أحد أحواض المتوسط المهمة، وسميت باللاتيني «لبكيس». وكان المؤسسون أهالي مدينة صور الفينيقية من عبدة الاله ملك عشتارت وإله الكون أرص ـ ومن هذه الكلمة الأخيرة خرجت كلمة «أرض» ـ، وهي نفس عبادات صور، ولم يكن هذان الإلهان يُعبدان من قبل في ليبيا. حتى في المدن الليبية الأخرى مثل ويات (طرابلس) و صبراتة ، لم يكن الأهالي يعبدون هذين الإلهين وهذا يدل على أن صوريي لبدة حملوا من مدينة صور ألهتهم التي لم تكن تعبد حتى في لبدة الكبرى. والان لبدة تعد من اجمل المناطق الاثرية في منطقة البحر المتوسط
صورة لمدخل لبدة او ما يسمى القوس
كانت المدينة معروفة عند القرطاجنيين باسم "لبكي" ، وقد حرفها اليونانيون إلى "لبشس" . وبقيت هذه الكلمة مستعملة إلى القرن الثالث ق م ، ثم حرفت في اللغة اليونانية من "لبشس" إلى "لبتس" لسهولة النطق في اللغة اليونانية بكلمة "لبتس" عن "لبشس" .. وبما أن "لبتس" اسم لمدينة في "بيزاشينا" خافوا أن يحصل التباس بين المدينتين ، فأضافوا إلى لبتس الأفريقية كلمة "مانيا" ، فصارت "لبتس مانيا" ومعناها لبدة العظمى ، أو لبدة الكبرى.
استطاع الفينيقيون أن يعمروا البلاد بسرعة نظرا لخصوبة أرضها ، واعتدال مناخها وصلاحيته للسكنى ، ولأن لها ميناء مأمونا وصالحا للملاحة ولوقوعها على نهر عين كعام ، الذي يقع شرقيها بقليل. ومما زاد في سرعة عمرانها العلاقات الطيبة التي نشأت بين السكان والفينيقيين نتيجة لحسن معاملتهم لهم . وذكر هيرودوت واقعة كبيرة عند مصب "شنبس" وادي عين كعام . ويستنبط بعض المؤرخين أن هذه الواقعة كان لها أثر سيء في تأخر لبدة وتدهور حضارتها. وقد اعتراها الانحطاط في أواخر القرن السادس ق م . وفي هذا الوقت حاولت عصابة من اليونان برياسة الأسبرطي ديور أن تنشيء مستعمرة عند مصب نهر "شنبس" نهر عين كعام ، منتهزة ما اعترى لبدة من التأخر والانحطاط ، وقد تم لها ما أرادت. وكانت تقصد إلى أن تحل محل الفينيقيين في هذه المنطقة. خاف القرطاجنيين تسرب نفوذ اليونان غربي سرت فلم يلبثوا أن هاجموها وخربوا مستعمرتها وطردوا العصابة الاغريقية ولم يمكنوها من الرجوع مرة أخرى . واستولوا على لبدة وما حولها ، وأعادوا إليها ما فقدت من عمرانها وحضاراتها ، وتوطد ملك القرطاجنيين فيما بين السرت الكبير ، والسرت الصغير ، وأطلق على هذه المنطقة اسم "أمبوريا" ، وصارت جزءا من أملاك الإمبراطورية القرطاجنية ، وبقيت لبدة المركز الرئيسي للمنطقة فيما بين السرتين ، وتتمتع باستقلال داخلي ، وبقيت تحت حكم القرطاجنيين إلى أوائل القرن الثاني قبل الميلاد.
في أوائل القرن الثاني قبل الميلادأصبحت تابعة للنوميديين في الفترة ما بين الحربين القرطاجنتين الثانية سنة 218 ، والثالثة سنة 149 ق م . وكانت تبعيتها للنوميديين شكلية ؛ لأنها كانت مقصورة على دفع الجزية . وفي سنة 111 ق م ، أرسلت وفدا إلى روما طالبة صداقتها والتحالف معها للتخلص من حكم النوميديين ، وفي سنة 107 ق م أمدتها روما بأربع كتائب من الجنود لمحاربة النوميديين . ويظهر أنها لم يمكنها التغلب عليهم ، وبقيت تحت سيادتهم الاسمية متمتعة باستقلالها الداخلي إلى أن احتلها الروم سنة 42 ق م ، وانتهى حكم النوميديين .
وبدخول لبدة تحت الروم صارت جزءا من أفريقية ، هذا بالنسبة للسواحل ، أما الدواخل فبقيت تحت سلطة حاكم من نوميديا حتى أوائل القرن الثالث م ، حيث أقيم خط دفاع ضد سكان الجنوب وسموه ليمس تريبوليتانوس . وقد تعرضت لبدة لغارات الجرمنتيين فيما بين سنتي 24 و 17 ق م ، واستعانوا بقبائل أخرى من الجنوب ، وذلك بسبب نزاع قام بينها وبين "اويا" طرابلس الآن بسبب اختطاف الماشية ، والتعدي على بعض الأشخاص ، فاستنجدت "اويا" طرابلس بالجرمنتيين وبعض قبائل الجنوب ، فخفوا لنجدتها ، وهاجموا لبدة فتغلبوا عليها ، وخربوا ضواحيها ، واضطر السكان إلى الاحتماء بأسوار المدينة حتى أدركهم "فاليريوفيستو" بجيشه وطرد الجرمنتيين ، واعاد إلى المدينة طمأنينتها وما فقدته من أهمية كانت تتمتع بها كمحطة للقوافل ، التي كانت تصل ساحل البحر الأبيض بالجنوب والسودان.
وفي سنة 146م ، ظهر في لبدة "ستيميو سيفير" وهو من إحدى الأسر الكريمة فيها ، فتولى عرشها ، فعنى بشؤونها ، ونشر فيها العلم والأمن ، وأمعن في مطاردة المعتدين عليها من قبائل الجنوب حتى اقصاهم عنها ، وعني برقيها الداخلي ، فوفر لها سبل الحياة الصالحة بما أنشأ فيها من وسائل العمران والتقدم .. وتقديرا لأعمال هذا الرجل المصلح واعترافا بإخلاصه أطلق السكان على أنفسهم اسم الستيميين تيمنا باسم ستيميو ، واشتهروا بذلك.
في القرن الثالث الميلادي ، زمن الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس Septimius Severus ، من سنة 193 إلى 211م ، وزمن ألكسندر سيفيروس من سنة 222 إلى سنة 235م ، بلغت لبدة مبلغا عظيما في الحضارة والتقدم العمراني ، وفي هذا العصر كان سكانها خليطا من القرطاجنيين والروم واليونان والليبيين ، وبلغ عددهم ثمانين ألفا . وكانت أويا "طرابلس" في هذا العهد لم تبلغ شأوا يمكنها من مزاحمة لبدة في النفوذ والسلطان . وفي القرن الرابع أصدر دقيانوس أمره بإعطاء أويا لقب ولاية ، وكانت لبدة لها الصدارة ، فأخذت أويا تزاحمها في صدراتها ومكانتها . وفيما بين سنتي 363 ، 366 من القرن الرابع م ، اعتدى الاستريانون على ولاية لبدة فألحقوا بها أضرارا بالغة ، وخصوصا بالمدينة حتى ساءت أحوالها وأخذت في الانحطاط حتى طمع فيها الوندال . وفي سنة 455 م ، احتلها الوندال ، ولكنهم لم يعنوا بها وتركوها للفوضى ، وامتدت إليها يد النهب والسلب من القبائل البربرية المقيمة في المدينة وحولها ، وأكبرها قبيلة لواتة . وفي هذه الفترة أصيبت بفيضان كبير من وادي عين كعام فحطم الجسور والأسوار ، وكان له أسوأ الأثر في شل الأيدي العاملة ، وتسرب اليأس إلى النفوس من القدرة على الإصلاح . فأهمل شأنها ، وزحفت الرمال عليها ، ودبت روح التمرد في القبائل القاطنة حولها . ولم تأت سنة 533م حتى حولت هذه القبائل الفوضوية المدينة إلى خراب ، وطمع البيزنطيون في احتلالها.
وفي سنة 533 م ، احتل البيزنطيون لبدة ، وكان احتلالهم لها بداية عهد جديد لعمرانها واسترداد بعض ما فقدت من حضارتها واتخذت مقرا للحاكم العسكري ، وقد أصلح جوستنيان كثيرا مما امتدت إليه أيدي الفساد في العهد الذي قبله . وأدخل عليها الروم من فنون العمارة والزخرفة ما زاد في ضخامتها وجمالها.
وبعد جوستنيان أخذت البلاد في الانحطاط ، والسير إلى الخراب بخطى واسعة . وفي سنة 643م ، وصلت إليها طلائع العرب الأولى للفتح الإسلامي ، فلم تجد في لبدة من العمران إلا بقايا من قصورها العظيمة ودورها الفخمة ، وإلا بقايا من السكان خليطا من أجناس متعددة يعيشون فيما بقي من خرائب دورها وقصورها.
يتميز موقع المدينة بقربها من مناطق زراعية مهمة مثل مرتفعات الحسان الثلاث (ترهونة ونهر السنبس ووادي كعام). وللتدليل على مدى ثرائها وغناها، أن الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر أنزل بها عقوبة لمساندتها لخصمه بومبيي الذي هزمه سنة 48 ق. م، بلغت ثلاثة ملايين رطل من زيت الزيتون سنوياً. وعلى الرغم من تلك الجزية المجحفة فقد ازدهرت مدينة لبده لتبلغ شأناً كبيراً في القرن الثاني الميلادي خاصة عندما اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية أحد أبنائها سيبتيموس سيفيروس (193 م- 211 م) الذي امتد حكم عائلته للإمبراطورية إلى سنة 235 م. وأثناء هذه الفترة شهدت مدينة لبده أكبر توسعاتها، حيث شيدت الساحة السويرية والايوان السويري (البزيلكة) والشارع المعمد ونبع الحوريات وقوس النصر لسبتيموس سويروس.
إن الميدان القديم وأطلال المعابد المحيطة به والمجاور للميناء، هو مركز المدينة قبل اتساعها في ولاية العهد الروماني، وفي هذه الأماكن نتتبع نمو المدينة واتساعها بالوقوف على التواريخ المتتالية التي اقيمت فيها المباني العامة الفخمة كمبنى السوق البونيقية (انشىء في عام 8 ق. م) والمسرح نصف الدائري (في السنة الأولى قبل الميلاد) ومبنى الكالكيديكوم في سنة (11م- 12م) ثم توالى إنشاء المباني الأخرى خلال القرن الأول والثاني الميلاديين، التي من بينها حمامات الإمبراطور هادريان (أقيمت بين عامي 126م- 127م) وجددت في عهد الإمبراطور سبتيموس سويروس.
قام فريق من الاثريين التابعين لجامعة هامبورغ الالمانية باستكشاف منطقة لبدة واعلنوا في شهر يونيو ايار 2006 عن اكتشاف ارضية من الموزييك طولها 30 قدم تعود إلى الفترة بين القرن الاول والثاني ميلادي. هذه القطع تبين مصحارب في معركة مع غزال و4 رجال يصارعون ثور بري على الارض، ومصارع يسترخي على الارض في حالة اعياء. هذه القطعة الجميلة تزيين حمام في فيلا رومانية. وهي معروضة حاليا بمتحف لبدة..[1]