سلمية ، بلدة تقع على بعد ثلاثين كليلومتراً إلى الشرق من مدينة حماة في وسط سوريا. لهذه البلدة أهمية تاريخية حيث إنها كانت مقراً للأئمة الإسماعيلين من آل بيت رسول الله وهم: الوفي أحمد والتقي محمد ورضي الدين عبد الله ومحمد عبد الله المهدي. وهذا الأخير يعرف بـعبيد الله المهدي غادر سلمية إلى شمال أفريقيا ليؤسس الدولة الفاطمية التي مازالت حتى اليوم تعتبر المثال الفريد المميز في وضع النظام الحكومي على أسس الشريعة الإسلامية مع المراعاة الكاملة لحقوق الأديان الأخرى ودون تمييز بين المذاهب, وهو ما افتقرت له سابقتاها العظيمتان الأموية والعباسية.
تشتهر سلمية في الوقت الحاضر بأهلها ذوي الثقافة العالية ومنهم الشاعر (عبد المعين ملوحي) والشاعر( مازن إسماعيل المعروف بالحلاج و الكاتب والشاعر الكبير محمد الماغوط والشاعر علي الجندي والأديب سليمان الحاج والكاتب والمؤرخ الكبير محمود أمين ومن أهم البلدات التابعة إدارياً لها, تلدرةتعرف على تلدرة وتلتوت وبري الشرقي والسعن, تحتضن هذه المنطقة التي هي لسان أخضر في قلب البادية السورية على الكثير من الآثار التي ما يزال الكثير منها تحت ركام التراب والأيام الغوابر ينتظر نهضة البلد الثقافية والاقتصادية حتى تخرج للعيان.
سَـــلَمْيَةُ تلك المدينةُ الوادعةُ الحالمةُ الواقعةُ على تخومِ باديةِ الشام، قد لوحتها شمسُ الصحراء ،وتهبُّ عليها النسماتُ البحريةُ الرقيقةُ عبرَ فتحةِ حمصَ في جبالِ لبنانَ محملةً ببخار الماءِ حيثُ يسقطُ مطراً ، يحيلُ أرضها خضراءَ جميلة.. تقع في حوضةٍ تحيطُ بها الهضابُ والجبالُ الكلسيةُ ،فمنَ الجنوبِ هضبة السطحيات التي تمتد من الغرب إلى الشرق حيثُ هضاب ومرتفعات جبالِ الشومرية ، ومن الشرق جبالُ البلعاس،ومن الشمال جبال العلا، ومن الغرب مرتفعات الهضبة الكلسية التي تشكِّلُ شبه حاجزٍ يفصلها عن حوض العاصي ..
كانتْ سلَمْيَةُ بهذا الموقع الاستراتيجي قد جذبت انتباهَ قوافلِ التجارِ عبرَ العصورِ لأسبابٍ متعددةٍ أهمها : قربها من المعمورة ، ومجاورتها للبادية ،فهي عقدةُ وصلٍ بين الشرقِ والغربِ حيثُ كانتْ تعبرها القوافلُ القادمةُ من حوضِ الفرات لتجدَ فيها أماناً واطمئناناً بعيداً عن طرقِ الباديةِ التي يكثرُ فيها قطاعُ الطرقِ واللصوصُ مما يؤثِّرُ سلباً على حركة التجارة ، وهذا ما أكسبها أهميةً جعلتها تجددُ بناءها كلما دخلَ فيها الخرابُ والدمار. والأمرُ الآخرُ من الأهميةِ بمكانٍ هو وقوعها على الطريق الثانية القادمة من حلب إلى سفيرة فالأندرين إلى قصرِا بنِ وردان ماراً بها إلى الرستن ثمَّ تتجهُ إلى دمشق أو لبنان عبرَ جبالِ القلمون. من هنا نتبينُ أهميتها من خلالِ الأحداث التاريخية المتعاقبة عليها عبرَ السنين والأحقاب.
المكتشفات الأثرية
المكتشفات الأثرية مثل الأواني المنزلية والأدوات الحربية في سلمية تعود إلى العصر البرونزي, حددت مديرية الآثار زمنَ هذه المكتشفات بأنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
أصل التسمية : حللَ المؤرخون أصلَ التسمية فأرجعوها إلى مصدرين : 1- أطلق اليونانيون اسم سلاميس على سلمية اعتزازاً بانتصارهم على الفرس في معركة سلاميس. أو أطلقوا على سلمية اسم سلاميس وهو اسم مدينة على بحر إيجة نظراً للتوافق بين المدينتين في المناخ والشكل. 2- ورأيٌ ثانٍ يقول : بأن كثرة المياه فيها جعل الناسَ يطلقون عليها سيل مياه أو سيل ميه، وحُرِّفَ إلى سلمية . لقد ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فيقول: [سلَمْيةُ قيل قرب المؤتفكة فيقال :إنه لما نزلَ بأهلِ المؤتفكةِ ما نزلَ من العذابِ رحم اللهُ منهم مئةَ نفس فنجاهم اللهُ فانتزحوا إلى سلمية فعمروها وسكنوها فسميت ( سلم مائة) ثم حرَّف الناسُ اسمها فقالوا سلَمْية
المعالم الأثرية في سلمية :
1- الســـور : وهو الذي بناه نور الدين الزنكي، ويعود بالأصل إلى اليونان، ومن خلال الحفريات المعاصرة تبين أنه يزيد على أربعة كيلو مترات حيث يحيط بمدينة سلمية القديمة ولكنه الآن لا وجود له
2- قلعة سلمية: تعود قلعة سلمية إلى العهد اليوناني وامتداده الروماني ،حيث كانت مركزاً للجند ، ولها شكل رباعي ذو ثمانية أبراج ، وهذا البناء هو ما قام به نور الدين الزنكي عند ترميم القلعة حيث ارتفع جدارها حوالي تسعة أذرع وعرض الجدار حوالي ثلاثة أذرع ، وبقي هذا الجدار حتى عام 1926 م حيث هدم وبني من حجارته دار الحكومة
3- معبد زيوس: وهو نفس الموقع المعروف (( بمقام الإمام إسماعيل)) ومن خلال الحفريات والمخلفات الأثرية الموجودة الآن في البناء تبين أنه ذو طابع هلنستي مما يدل على أن اليونان قد بنوا هذا المعبد وسط المدينة المسورة ومنحوه المزيد من العناية والإتقان ثم حُوِّلَ إلى معبد لجوبيتر، وفي العصر البيزنطي تحول إلى كنيسة يتبع لها أكثر من اثنتين وأربعين كنيسة ممتدة من الرصافة وحتى طرابلس تهدم هذا البناء عدة مرات وآخر بناء له كان في عهد الأمير خلف بن ملاعب حيث تحول إلى مسجد عُرفَ بالمسجد ذي المحاريب السبعة، وهدم قيما بعد مع ما هدم في الغزو المغولي وظلَّ خراباً حتى العصر الحديث حيث رُمِّمَ عام 1993 م وأعيد بناؤه كمسجد
4- قلعة شميميس: في الشمال الغربي من مدينة سلمية على بعد خمسة كيلومترات ، وعلى جبل منفرد وهو واحد من جبال العَلا مخروطي الشَّكل حيثُ تقع هذه القلعة 0 وأما بناؤها الأول يعود لأسرة شميسغرام وهم أمراء حمص أواخر العهد الهلنستي وبداية العهد الروماني ، وظلت هذه القلعة قائمة حتى جاء الفرس وهدموها وأحرقوها شأن كل التحصينات التي شاهدوها في بلاد الشام ، وطلت خراباً حتى عمرت في زمن شيركوه الأيوبي وأما زمن إعادة بنائها فقد حدده المؤرخون ومنهم أبو الفداء بعام 626هـ - 1228م بينما حدد محمد كرد علي في كتابه(( خطط الشام )) زمن إعادة بنائها عام 627هـ - 1229 م ولكنهم أجمعوا على أن مجدد بنائها هو شيركوه الأيوبي صاحب حمص 0 تجثم القلعة ببنائها وأبراجها العالية فوق طبقة بازلتية تغطي قمة الجبل المخروطي، وحولها خندقٌ بعمق حوالي خمسة عشر متراً وفيها بئر ماءٍ عميقة ضخمة لتلبية حاجة القلعة من الماء ، وبئر أخرى للتموين مصقولة من الداخل بملاط من الكلس والطين ، وفيها دار الإمارة ، وبعض الأقبية التي كانت مساكناً للجند . وأما أهمية القلعة من حيث الموقع فقد كانت ذات أهمية عظيمة لأنها تطل من مكانها على أربعة اتجاهات حيث ترصد دائرة واسعة بقطرٍ يزيد على الخمسين كيلو متر 0 من هذا الموقع المطل المشرف على هذه المساحات الواسعة يستطيع الراصد من خلالها أن يرصد كل هذه المساحات مما أكسبها أهميةً كبيرةً وكانت محط أنظار الطامعين0 وكان آخر ما تعرضت له هو الدمار الذي لحق بها أثناء الغزو المغولي ، وما تزال أطلالها خربة إلى يومنا هذا.
5- مزار الخضر: ( المار جورجيوس) يقع شمالي سلمية بمسافة 3 كم فوق قمة جرداء وكان ديراً للمسيحية ، ولكن بعد الفتح الإسلامي حولت كنيسته إلى مسجد صغير ، وتحول اسمه من دير المار جورجيوس إلى مزار الخضر الحي 0 ويلحق بهذا الدير العديد من الغرف وبعض المغاور والكهوف ولكنه الآن خربٌ تماماً لم يبقَ منه إلاّ بقيةُ جدار وقاعدة للمحراب.
6- القنوات الرومانية: ومن المعالم الأثرية الهامة أيضاً القنوات الرومانية المنتشرة في كل بقعة من بقاعها حيثُ لم تبقَ بقعةٌ إلاّ رُويت بالماء ، وقد ذكر المؤرخون أنَّ فيها ثلاثمائة وستون قناة موجودة ما بين سلمية وريفها الممتدِ من قرية الكافات غرباً إلى قرية الشيخ هلال شرقاً ،وقد كانت هذه هي الطريقة المستخدمة في ري الأراضي آنذاك0هذا وقد نُسجت قصصٌ كثيرة حول هذه القنوات وأهمها قصة قناة العاشق
قصة قناة العاشق
تمكنت بعثة أثرية من اكتشاف بقايا قناة مياه رومانية عمرها 2000 سنة في المنطقة الوسطى من سورية وهي نفسها (قناة العاشق) التي كانت كتب التاريخ قد تحدثت عنها وعن أسطورة حب عاشها أمير منطقة «سلمية» في القرن الأول الميلادي مع ابنة ملك منطقة «أفاميا» والتي تبعد عن إمارته 80 كلم، في وسط سورية قرب مدينة حماة السورية، وتقول الأسطورة (الحقيقة) أن الحب كان من طرف واحد (من قبل الأمير)، الذي تقدم لخطبة الأميرة، لكن اشترطت عليه أن يجر مياه الري من عين الزرقاء الغنية بالمياه في منطقته إلى مدينتها «أفاميا» حتى تقبل به زوجاً، وكما يقال (الحب أعمى) فقد عمد الأمير إلى توظيف كل إمكانيات إمارته وعمالها لشق قناة يصل طولها إلى 150 كلم أخذت شكلاً متعرجاً وهندسياً لتصل المياه بشكل جيد إلى أفاميا التي ترتفع عن سطح البحر 308 أمتار، في حين أن مدينته «سلميه» ترتفع 475 متراً عن سطح البحر، فتم إنشاء القناة باتقان وبدراسة علمية وهندسية. يقول رئيس بعثة التنقيبات في القناة المائية (قناة العاشق) «ابراهيم شدود»: قصة اكتشاف قناة الحب أو العشق هذه جاءت مصادفة قبل عدة أيام حين كان (بلدوزر) يعمل على حفر أحواض لمحطة معالجة المياه المالحة في المنطقة، ظهرت حجارة بازلتية وقواطع حجرية أثرية، سارعنا فوراً إلى إجراء كشف ودراسة لهذه القناة التي ظهر منها حتى الآن حوالي ستين متراً بإرتفاعات متباينة وبعرض متفاوت يصل إلى حوالي مترين ولاحظنا أن القناة مبنية كلها بالحجر البازلتي المنحوت بشكل فني ومتقن. يبدو أن أمير المنطقة الذي بنى هذه القناة كان مغرماً بشكل كبير بابنة ملك أفاميا فأراد أن تكون هذه القناة المعجزة عربون حبه وتضحيته من أجل هذا الحب والذي توج بالزواج منها.
ابنها الشاعر العظيم
محمد الماغوط
رحمه الله
كتب فيها قصيدة رائعة
هذه هي :
سلمية:الدمعة التي ذررفها الرومان
على أول أسير فك قيوده بأسنانه
ومات حنينا اليها.
سلمية...الطفلة التي تعثرت بطرف أوربا
وهي تلهو بأقراطها الفاطمية
وشعرها الذهبي
وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين
دميتها في البحر
وأصابعها في الصحراء.
يحدها من الشمال الرعب
ومن الجنوب الحزن
ومن الشرق الغبار
ومن الغرب..الأطلال والغربات
فصولها متقابلة أبدا
كعيون حزينة في قطار.
نوافذها مفتوحة أبدا
كأفواه تنادي..أفواه تلبي النداء
في كل حفنة من ترابها
جناح فراشة أو قيد أسير
حرف للمتنبي أو سوط للحجاج
أسنان خليفة؛ أو دمعة يتيم
زهورها لا تتفتح في الرمال
لأن الأشرعة مطوية في براعمها
لسنابلها أطواق من النمل
ولكنا لا تعرف الجوع أبدا
لأن أطفالها بعدد غيومها
لكل مصباح فراشة
ولكل خروف جرس
ولكل عجوز موقد وعباءة
ولكنها حزينة أبدا
لأن طيورها بلا مأوى
كلما هب النسيم في الليل
ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفة
كلما مر قطار في الليل
اهتزت بيوتها الحزينة المطفأه
كسلسلةمن الحقائب المعلقة في الريح
والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها
مفتوحة_منذ الأبد_لالتقاطها
هذه هي مدينة الماغوط مدينة الادباء .... مدينة الفكر