مدينة درعا مدينة سورية تعد من أقدم المدن العربية، تقع في جنوب البلاد بالقرب من الحدود الأردنية. كانت في تاريخيا عاصمة إقليم حوران الذي يمتد من جنوب سوريا إلى منطقة شمال الأردن حيث تعد درعا مركز الاقليم .
كان للمدينة في عصر البيزنطي في سوريا شأن كبير ومركز هام في المنطقةحيث قام أنستاسيوس الأول في 506 م شأن كبير بتحصينها للحماية من الغزو الفارسي على جبهة ما بين النهرين. أطلق أنستاسيوس على المدينة اسم أنستاسيوبوليس، إلا أن هذا الاسم لم يستخدم إلا نادرا، خرج من تلك المحافظة الكثير من علماء الدين والادب والشعراء - الامام النووي نسبة إلى مدينة نوى - الشاعر أبو تمام - من مدينة جاسم -.
وتغنى بها الشعراء قديما باسم " أدرُعات "
تعتبر درعا مدينة ريفية تضم عدد من القرى وهناك طريق قديم يربط المدينة بدمشق العاصمة يمر بمعظم القرى الريفية وتشكل الزراعة الدخل الأساسي للمدينة لوفر الماء العذب فيها وأراضيها الخصبة وكل ما فيها من مناطق وأماكن تراثية تعكس العصور التي مرت بها خلال الحروب والغزوات التي تعود إلى آلاف السنين.
فهرس |
ليس من السهل تحديد الفترة التي سكن فيها الانسان القديم هذه المنطقة من حوران ولكن التحريات الاثرية القليلة اثبت ان البيوت القائمة حالياً تدل على وجود مدينة قديمة بائدة قائمة تحت المدينة الحالية وهي تتالف من شبكة واسعة من الغرف والمعابر المحفورة بفعل المياه الباطنية وقد ســكنت من قبل انسـان الكهوف في العصر الحجري الحديث من الالف السادسة إلى الالف الرابعـة قبل الميلاد وعمل على نحتها وتشكيلها بالصورة التي يرغبها وتدل الادوات التي خلفها الانسان على معرفته بزراعــة الارض وتربيـة الحيوان واكتشاف صنع الفخار كما استخدم الالوان وصنع الخيوط وتبادل مع جيرانه المحاصيل والمصنوعات . ان أول إشارة مكتوبة تذكر مدينة درعا تعود إلى رسائل تل العمارنة المكتشفة في مصر عام 1882م وهذه اللوحات تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد كما ورد اسم المدينة في التناخ وبعض الشواهد الاثريــة التي تدل على ان المدينـة كانت عامـرة في الالف الثالث قبل الميلاد وحسب روايات التناخ فإن الأموريون هـم أول من اســتقر في ارض حوران ونذكر الثورات ان عـــوج ملك باشان كان من ســلالة هؤلاء العمالقة وكانت مدينة اذرعي ( درعا الحالية ) العاصمة كما وردت أول اشــارة إلى الاموريين عند سرجون الاكادي (2250 ق.م) وأيضا حسب التناخ ومن نقل عنه من الإخبارين، يوصف الملك عوج ملك باشان بانه من بقية الجبابرة وذو قامــة كبيرة ووصفت الثــورات الاموريين بانهم مثل الارز طــولا ومثل السـند يان قـــوة . وقد تصدت اذرعي بقيادة الملك عوج لهجرة العبرانيين الذين بدأ و ينزلون في الجانب الغربي من حـوران وذلك حوالي عــام (125 ق.م ) وقد احتل العبرانيون مـدنا كثيرة من حــوران واتجهوا نحو الشمال ولكن الممكة الارامية في دمشـق وقفت في وجههم وبعـد حـروب دامت نحــو قرنين تحررت ارض حوران واصبحت جزءا من دولة ارام .
وبعد ضم الملكة الا شورية لبلاد الشام اصبحت حوران جزءا من الولايـة الاشــورية في ســوريا ثم جزءا من الولاية الكلدانية وبعد ذلك جزءا من الولاية الفارسية الخامسة وبعد معركـة ايسوس عام ( 333 ق.م ) اصبحت حــوران جزءا من امبراطورية الاســكندر المقدوني الكبير وبعد وفاته اصبحت حـوران عام ( 333 ق.م ) جزءا من مملكة الســلوقيين الذين وصلت حدود مملكتهم الجنوبية إلى جبل عجلون وكانت حوران وعاصمتها ( اذرعا ) ضمن مناطق البثينة الاسم اليوناني للمنطقة . وفي عام (90 ق.م ) تمكن عبادة ملك الانباط من قهـر الاســكندر الكابي ملك اليهود وتوغل في ارض حوران ثم انتصر على الملك السلوقي انطيوخوس الثالث في موقعة امتان قــرب صلخد عام (88 ق.م ) وانتزع منه بقية حوران وكانت بصرى هي الحاضرة الثانية بعد البتراء في عهد الانباط . وفي عام ( 106 م ) اصبحت حوران جزء من ولاية سـورية الرومانية تعرف بالولاية العربية الرومانية وعاصمتها بصرى وفي عام (300م) قسمت هذه الولاية إلى جنوبية وعاصمتها البتراء وشــمالية وعاصمتها بصرى وكانت مدينة درعا ضمن الولايــة العربية الشــمالية وحين انقسمت الامبراطورية الرومانية إلى غربية وعاصمتها رومــا وشرقية وعاصمتها القسطنطينية اصبحت حـوران تابعة للحكم البيزنطي ومازالت بقايا الاثار الرومانية ماثلة في درعا القديمة فقد كشفت التحريات عن قســم من مدرج واسع ظهر منه تسع درجات بحالة جيدة في الجانب الغربي من المدرج كما وجدت بقــايا الحمامات التي يعــود تاريخها إلى تلك الفترة كما وان هناك طريق قديمة رومانية تصل بين بصرى وشـواطىء البحر الابيض المتوســط مــاراً بدرعــا . وفي الفترة الرومانية كانت إمارة الغساسنة تحت سـلطة الدولة الرومانية البيزنطية وبسبب غزوات الفرس المتعددة ضعفت سلطة الغساسنة . وفي الفترة التي سبقت الاسلام تجدر الاشارة إلى العلاقات التجارية من شبه الجزيرةالعربية مع سوق درعـا الشهير بسوق اذرعات التي كانت تؤمها قوافل العرب تحط فيها رحالها وتتسوق من خمورها وتقام هذه السـوق عادة بعد سوق بصرى بسبعين ليلة وبقيت هذه السوق بعد الاسلام لفترة طويلة والى عهد الغساسنة وحــوالي القرن الثالث الميلادي ترجع اقدم مشروعات الري في هذه المنطقة واهمها قناة فرعون التي تجري المياه من سهل الثريا الواقع بين انخل والفقيع عبر قناة فخارية ما تزال اثارها باقية تمر من الشيخ مسكين إلى قرية شـقرا غرب قرية غزالة ثم إلى مدينة درعا عند مكان يعرف بحمام الملكة تحت تل الكرك . وقد لعب الغساسنة دوراً بارزاً ايام الحكم البيزنطي وامتدت سلطتهم من جنوب دمشق حتى شـرقي الأردن وجعلوا عاصمتهم في الجولان مدينة الجابية وهي اليوم تل كبير غربي قرية نــوى
في الجاهلية كان يحكم مدينــة درعا عمال للــروم ولما وصل العرب المسلمون عقدوا مع اهلها صلحا ومنحوها عهدا في عام (635م) وحين جاء الخليفة عمـر بن الخطاب إلى الشـام استقبله اهل درعا بالغناء والضرب على الدفوف . لت معركة اليرموك الفاصلة بين العرب والروم عام /15/ للهجــرة وقد كانت في المنطقة الجنوبية الغربية من حوران وعســكر عمرو بن العاص في المنطقة الممتدة من جنوب وادي الزيدي المار باذرعات حتى قريـة داعل شمالاً وبعد اليرموك بقيت اخبار حوران قليلة إلى ان زار الخليفة عمر بن الخطاب المنطقة قبل سقوط مدينة القدس فقد اقام في الجابية لمدة ثلاثة اسـابيع وربما بوشر ببناء المسجد العمري الشهير بمدينة درعا خلال تلك الفترة وقد احتلت حوران مكانه هامة اثناء الحروب الصليبية واصبحت مركزاً عسكرياً هاماً منع الصلبيين من قطع المواصلات بين دمشـق والقاهرة في تلك الفترة وفي عام /1119/ هاجم بودوان الثاني مدينة درعا واحتلها ولكنه لم يتمكن من مدينة بصرى . وفي النصف الثاني من القرن الثاني عشر برز الاتابكاة الزنكيون يقودهم عماد الدين الزنكي وبقدر لحـوران ان تظهر في عهد الناصر صلاح الدين الايوبي الذي ينطلق من حوران إلى نصر حطين 1187م وحــوران في جميــع الاحــوال خـلال العصور الوسطى كانت تتبع لدمشق ويقول ياقوت الحموى في القرن الثالث عشر بان حوران كورة واسعة من اعمال دمشــق في القبلة ذات قرى كبيرة ومـزارع قصبتها بصرى ومنها اذرعات وازرع وغيرهما . وعندما قسمت المنطقة فيما بعد إلى ولايات اصبحت درعــا مركزا لولاية ســهل حوران ويطلق عليها اسـم البثينة وبصرى مركزا لولاية جبل حوران وعجلون مركزا لولاية عجلون ونــوى ومركزا للجيدور وازرع مركزا لا زرع وكانت درعــا تتصل بطرق رئيسية مع جميع المناطق اذ كانت طريق البريد بين دمشق والقاهرة مارة بالكسوة وغباغب والصنمين وطفس ودرعا واربد حتى غزه .
وياتي المماليك بعد الايوبين فتصبح درعـا وحوران تحت حكمهم حتى مجيء الاتراك /1516م/ وفي هذه الاثناء تعاني البلاد عامة من عوامل الجمود حتى مطلع القرن العشرين حيث اقيم الخط الحديدي الحجازي وبعث الحياة من جديد في جميع المحطات الواقعة في طريقه وفي مقدمتها درعا وفي عام /1880/ اصبحت حوران متصرفية مؤلفة من ســتة اقضية مركزها المزيريب وهي اقضية الجيدور والجولان والجبل والنقرة و عجلون والبلقاء وكانت درعا مركز لقضاء النقرة وبعد مد الخط الحديدي الحجازي عام 1904م فقدت المزيريب اهميتها كمركز انطلاق للحج واصبحت قرية الشيخ سعد مركزا لمتصرفية حوران ثم نقل فيما بعد إلى الشيخ مسكين ثم إلى ازرع واخيرا إلى درعا .
وقد شارك اهالي درعا عام 1918م بنشاطات الثورة العربية واتصلوا بالامير فيصل في الأردن وعـاهدوه على العمل ضد الاتراك قبل وصول الجيش العربي اليها وتعاون اهالي درعا مع الحركة الوطنية في دمشق وشاركوا المدن السورية لنضالها لطرد المستعمرين في حصار الثكنة العسكرية في درعا لمدة ثلاثة ايام متتالية حتى اضطروا حاميتها إلى الفرار تحت جنح الظلام .
كانت فرحة اهالي درعا كبيرة بالاســتقلال الوطني عن المستعمر الفرنسي اذا كان هذا الاسـتقلال ثمرة تضحيات جسام قدمتها الجماهير العربية المؤمنة بوطنها العربي الصغير ســوريا وبوطنها العربي الكبير ومؤمنة بان الخطوة الوطنية هي الخطوة الاولى إلى الوحدة العربية ومع تطور الصـراع الوطني وانتقاله إلى صراع من اجل تغير الواقـع الاجتماعي والاقتصادي والســياسي ومع بدء توضيح الافكار والمفاهيم المعادية للاستعمار والتخلف والرجعية و مع بدء الاربعينات بدات حركة البعث العربي بالظهور والانتشار بين الجماهير المستغلة كان لحوران ولمدينة درعا نصيباً مهما فاخذت مبادىء حزب البعث العربي الاشتراكي تنتشر بين أبناء الطبقة الكادحة بسرعة وانتظم أبناء هذه الطبقة في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي يناضل مع رفاقهم لاستلام السلطة ومن ثم بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد واستطاعت الجماهير العربية بقيادة حزبها العظيم ان تفجر ثورة الثامن من اذار عام 1963م وتبدا مرحلة جديدة في تاريخ شعبنا لبناء مجتمع التقدم والاشتراكية وكان لمدينة درعا دوراً فعالاً في مسيرة البناء والتقدم متفاعلة مع حركة البناء الخيرة في هذا القطر ونالت نصيباً من المشاريع الاستثمارية والخدمية انعكست بشكل ايجابي على التقدم الاجتماعي والثقافي والسياسي لابناء المحافظة ووقفوا مع أبناء وطنهم في التصدي لكل قوى العدوان والرجعية الداخلية والخارجية وقدموا التضحيات ليبقى راس وطنهم وامتهم مرفوعا شامخا وقد وقفت في وجه العدوان الصهوني الغاشم وجرت معارك التحرر على هذا الجزء من القطر وقدمت التضحيات الجسام .
ومنذ استلام الرئيس الراحل حـــــافظ الاســــد للسلطة (1970 م) بدات المحافظة تحولات اقتصادية واجتماعية هامة فكانت المشاريع الاســتثمارية الخلاقة وكانت المشاريع الخدميــة الكبيرة تصل إلى كل قرية وبيت مثل الكهربــاء والمــاء والطرقات والمدارس والــدعم المادي للفلاح …….الخ كل ذلك احدث تحولا نوعياً في المجتمع على مختلف المستويات ومازالت مدينة درعا تشهد المزيد من حركة التطوير في كافة المجالات الخدمية والعمرانية والتربوية وغيرها من المجالات التي تخدم المواطنين في ظل قيادة الرئيــس بشـــار الاســـد .
نعتقد أنه لاحاجة للتنويه إلى أهمية المسألة الثقافية في حياة الشعوب ودورها في إنارة الطريق أمام الشعوب ، ومحافظة درعا من المحافظات المتميزة حضاريا وثقافيا عبر التاريخ ، حيث شهدت أرضها الدورات الحضارية المتعاقبة ، ويكاد لا يخلو /كم / في حوران إلا وبه الآثار والأوابد الشاهدة على تواصل الثقافة والحضارة ، فهناك في بصـــرى حيث المسرح الشهير الذي يتسع لحوالي /15000/ فقد شهدت مدرجاته قديما النشاطات الفنية والموسيقية والثقافية ، ومدرج درعـا الخاص بالموسيقى وهناك في أقاصي اللجــاة مدرج سحر الموسيقي ، وفي مدينة جاسم ولد شاعر الشعراء أبو تمام / حبيب بن أوس الطائي / كل هذه اللوحات الآسرة والمدهشة في محافظة درعــا تبين لنا أن هذه المحافظة كانت دوما الحاضنة للثقافة والحضارة . وفي السنوات الأخيرة شهدت درعــا حالة ثقافية متميزة وزخما ثقافيا ملموسا ، ففي كل أسبوع تستضيف مديريـة الثقافة المحاضرين المشهود لهم من داخل وخارج المحافظة حيث الحضور الكثيف والذي يدهش الضيوف . وشهدت مكتبة المركز نشاطا ملحوظا بالرواد الذين تغص بهم قاعات المطالعة ، ولا ننسى في هذا المجال الأهمية التي تعطى لأبنائنا الأطفال والعلاقة الأسرية التي باتت تربطهم بالثقافة.1