حل ربيع دمشق في 17/7/2000 التي أعقبت وصول الرئيس بشار الأسدإلى السلطة، والخطاب الذي ألقاه بعد التنصيب، وانتهى الربيع في 17/2/2001 تقريباً حينما قامت أجهزة الأمن بتجمد نشاط المنتديات الفكرية والثقافية والسياسية. وعلى قصر الفترة (6 أشهر تقريباً) إلا أنها شهدت مناقشات سياسية واجتماعية ساخنة من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان لها صدى مازال يتردد في النقاشات السياسية والثقافية والفكرية السورية حتى اليوم.
كان ربيع دمشق فرصة رأي فيها الكثيرون طريقاً نحو التغيير الديمقراطي في سورية بالتوافق ما بين السلطة والمجتمع، مما قد يجنب البلاد الكثير من العثرات. خصوصاً بوجود معارضة سورية، وطنية، تؤمن بالتغير السلمي والتدريجي، وظهور موقف من قبل الإسلاميين يتلاقى مع مواقف المعارضة الأخرى.
فهرس
|
يرجح أن حلول ربيع دمشق ترافق مع خطاب القسم الذي ألقاء الرئيس السوري الجديد أمام مجلس الشعب في 17/7/2000، وقال فيه: "إن الفكر الديمقراطي يستند إلى أساس قبول الرأي، وهو طريق ذو اتجاهين"، مشيراً إلى أنه "لا يجوز تطبيق ديمقراطية الآخرين على أنفسنا"، بل يجب "أن تكون لنا تجربتنا الديمقراطية الخاصة بنا المنبثقة من تاريخنا وثقافتنا وشخصيتنا الحضارية".
في حفل تأبين الرئيس الراحل حافظ الأسد عبر البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم عن أمله في الرئيس الجديد بقوله: "في ظننا انك تريد أن يعرف المواطنون أنك تريد أن تكون الإنسان مع الناس، لا المتعالي والمترفع، أو كما يريد البعض، المتأله"، وبدا في تلك العبارات نوع من النقد المبطن أو التحذير. بعد أيام وفي مقالة نشرت في "النهار" تحدث المعارض رياض الترك أن "من غير الممكن أن تظل سورية مملكة الصمت"، وطالب بالعدل قائلاً: "أول العدل رد المظالم إلى أهلها".
بعد نحو شهر من ذلك نشرت رسالة مفتوحة من المثقف السوري الراحل أنطون مقدسي إلى الرئيس السوري بشار الأسد عبر جريدة الحياة، وطالبه بنقل البلاد من حالة الرعية إلى حالة المواطنة، وفي منتصف أيلول أطلق النائب السوري رياض سيف في منزله بدمشق منتدى أسماه منتدى الحوار الديمقراطي.
في نهاية أيلول سبتمر من العام نفسه وبعد مرور شهرين تقريباً على خطاب القسم صدر بيان سمي بيان الـ99، وقع عليه 99 مثقفاً سورياً طالبوا برفع حال الطوارىء وإطلاق الحريات العامة والافراج عن المعتقلين السياسيين. وأصدر مثقفون لبنانيون بيانا تضامن مع موقعي "بيان الـ99". وفي مطلع عام 2001 صدر بيان آخر من مجموعة من المحامين السوريين طالب بمراجعة دستورية شاملة وبإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية وإطلاق الحريات العامة.
تزايد ظاهرة المنتديات السياسية والفكرية في مختلف المدن السورية، بمشاركة من مختلف الأطياف بما فيها شخصيات من حزب البعث، وعلى الرغم من رفض السلطات إعطاء "منتدى جمال الأتاسي" الذي يديره تيار عربي ناصري معارض ترخيصاً بنشاطاته إلا أنه تابع اجتماعاته وأعلن أنه منتدى مستقل عن الأحزاب، وقام بتعيين المحامي حبيب عيسى ناطقاً باسمه. في اليوم التالي يصدر الرئيس السوري عفواً عن مئات المتعقلين من جميع التيارات الإسلامية واليسارية.
مع نهاية شهر كانون الثاني/يناير من العام 2001 وزير الإعلام عدنان عمران يصرح بأن "دعاة المجتمع المدني استعمار جديد". ويقع في اليوم التالي اعتداء على نبيل سليمان في مدينة اللاذقية ويعبر عدد من المثقفين السوريين عن تضامنهم معه، ويطالبون السلطات بالكشف عن الفاعلين.
في 18 شباط فبراير، وبعد مرور نحو ستة أشهر على خطاب القسم، يشن عبد الحليم خدام نائب السوري آنذاك والذي انشق وغادر إلى المنفى لاحقاً، هجوما على المثقفين: "لن نسمح بتحويل سورية إلى جزائر أو يوغوسلافيا أخرى". فيما بعد يوجه قياديو حزب البعث وقيادات الجبهة الوطنية التقدمية حملة مضادة للمنتديات. السلطات أعلنت تعليق أنشطة المنتديات ووضعت شروطا لعقدها تتمثل في أخذ الإذن قبل 15 يوما من الموعد مرفقة بقائمة تضم أسماء الحضور ونسخة من المحاضرة التي ستلقى، وهو ما يمثل مطالب تعجيزية بدى للبعض أنها تهدف لوقف النشاطات بدل تنظيمها. فمن بين 70 منتدى كان موجودا قبل فرض تلك القيود، سمح لاثنين فقط بالاستمرار هما منتدى سهير الريس النائبة البعثية في اللاذقية، ومنتدى جمال الأتاسي في دمشق.
مع نهاية شباط فبراير 2001 وجه الرئيس السوري انتقاداً للبيانات السياسية، وقال بأنه لم يقرؤها بل سمع عنها وأضاف: "شخص يخاطبك من خارج بلدك فمن الطبيعي أن لا تهتم به. النقطة الثانية، سُميت بيانات مثقفين، هل هم مثقفون فعلاً أم ماذا؟".
أصدر الأخوان المسلمون وثيقة تبنت معظم أطروحات بيانات المثقفين ودعت إلى العمل السلمي تحت سقف التعددية السياسية، وسميت وثيقتهم "ميثاق الشرف الوطني" وطرحت للنقاش على المعارضة وعلى السلطة.
صرح الأسد في منتصف شهر آذار مارس وأثناء حضوره مناورات للقوات المسلحة: "في سورية أسس لا يمكن المساس بها، قوامها مصالح الشعب وأهدافه الوطنية والقومية والوحدة الوطنية، ونهج القائد الخالد الأسد والقوات المسلحة".
في منتصف شهر نيسان أبريل 2001 صدرت الوثيقة الثانية للجان إحياء المجتمع المدني تحت عنوان "توافقات وطنية عامة"، ومن بعدها ظهر بيان لـ185 مثقفاً ومُبعداً يتضامنون مع البيانات الصادرة داخل الوطن، ومطالبين بإطلاق الحريات العامة، والسماح بعودة المبعدين. بعد أيام يرد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري السابق بقوله: "إننا أصحاب حق ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها. لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة، ودفعنا دماءنا من أجل السلطة".
في 23 من شهر أيار مايو 2001 النائب رياض سيف يفتح ملف الهاتف الخليوي ويقول بأن الصفقة تضيع على الدولة قرابة 346 مليار ليرة سورية وهو ما يعادل 7 مليارات دولار تقريباً، ثم يقدم دراسة مفصلة تحت عنوان "صفقة عقود الخليوي". من جانب آخر يعلن عدد من الناشطين السوريين تأسيس جمعية لحقوق الإنسان وينتخبون المحامي هيثم المالح رئيساً لها.
في آب أغسطس من عام 2001 تم إلقاء القبض على النائب مأمون الحمصي بعد إعلانه إضراباً عن الطعام في مكتبه مطالباً برفع حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، ويأتي الاعتقال بعد أن رفعت عنه الحصانة الدبلوماسية بإذن من رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة، ثم حكمت عليه محكمة الجنايات بالسجن لمدة خمس سنوات. في مطلع أيلول سبتمبر تم اعتقال كل من رياض الترك (وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف/أمن الدولة) والنائب رياض سيف (حكم خمس سنوات/محكمة الجنايات) ثم الخبير الاقتصادي عارف دليلة وهو محاضر في جامعة دمشق فصل عام 1998 نظرا لانتقاداته المستمرة للحكومة (حكم عشر سنوات /أمن الدولة) على خلفية نشاطاته في لجان إحياء المجتمع المدني ومحامي رياض الترك السيد حبيب عيسى (حكم خمس سنوات/ أمن الدولة) وفواز تللو وآخرون.
الجزيرة.نت، سوريا تسمح بمنتديات إسلامية وتأسيس جميعة حقوقية
الجزيرة.نت، المعرفة، مسارات سياسية سورية معاصرة، محطات سورية